موسوعة عبير الثقافية ..(مفهرسة),,

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نوران العلي
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 3156

    المستطرف في كل فن مستظرف

    الباب السابع عشر
    في ذكر الحجاب والولاية وما فيها من الغرر والخطر:-
    أما الحجاب
    فقد قيل لا شيء أضيع للمملكة وأهلك للرعية من شدة الحجاب وقيل إذا سهل الحجاب أحجمت الرعية عن الظلم وإذا عظم الحجاب هجمت على الظلم وقال ميمون بن مهران كنت عند عمر بن عبد العزيز فقال لحاجبه من بالباب فقال رجل أناخ ناقته الان يزعم أنه بلال مؤذن رسول الله فأذن له أن يدخل فلما دخل قال حدثني أبي أنه سمع رسول الله يقول من ولي شيئا من أمور المسلمين ثم حجب عنه حجبه الله عنه يوم القيامة فقال عمر لحاجبه إلزم بيتك فما رؤي على بابه بعد ذلك حاجب وكان خالد بن عبد الله القشيري يقول لحاجبه إذا أخذت مجلسي فلا تحجبن عني أحدا فإن الوالي لا يحتجب الا لثلاث عيب يكره أن يطلع عليه أحد أو ريبة يخاف منها أن تظهر أو بخل يكره معه أن يسأل شيئا وكانت العجم تقول لا شيء أضيع للمملكة من شدة حجاب الملك ولا شيء أهيب للرعية وأكف لهم عن الظلم من سهولته وقيل لبعض الحكماء ما الجرح الذي لا يندمل قال حاجة الكريم إلى اللئيم ثم يرده بغير قضائها قيل فما الذي هو أشد منه قال وقوف الشريف بباب الدنيء ثم لا يؤذن له وقف عبد الله بن العباس العلوي على باب المأمون يوما فنظر إليه الحاجب ثم أطرق فقال عبد الله لقوم معه إنه لو أذن لنا لدخلنا ولو صرفنا لانصرفنا ولو اعتذر إلينا لقبلنا وأما النظرة بعد النظرة والتوقف بعد التعرف فلا أفهم معناه ثم تمثل بهذا البيت:
    ( وما عن رضى كان الحمار مطيتي ... ولكن من يمشي سيرضى بما ركب )
    ثم انصرف فبلغ ذلك المأمون فضرب الحاجب ضربا شديدا وأمر لعبد الله بصلة جزيلة وعشر دواب
    قال الشاعر:
    ( رأيت أناسا يسرعون تبادرا ... إذا فتح البواب بابك أصبعا )
    ( ونحن جلوس ساكتون رزانة ... وحلما إلى أن يفتح الباب أجمعا )
    وقف رجل خراساني بباب أبي دلف العجلي حينا فلم يؤذن له فكتب رقعة وتلطف في وصولها إليه وفيها:
    ( إذا كان الكريم له حجاب ... فما فضل الكريم على اللئيم )
    فأجابه أبو دلف بقوله:
    ( إذا كان الكريم قليل مال ... ولم يعذر تعلل بالحجاب )
    ( وأبواب الملوك محجبات ... فلا تستنكرن حجاب بإبي )
    ومن محاسن النظم في ذم الاحتجاب قول بعضهم:
    ( سأهجركم حتى يلين حجابكم ... على أنه لا بد سوف يلين )
    ( خذوا حذركم من صفوة الدهر إنها ... وإن لم تكن خانت فسوف تخون )
    وقال اخر:
    ( ماذا على بواب داركم الذي ... لم يعطنا إذنا ولا يستأذن )
    ( لو ردنا ردا جميلا عنكم ... أو كان يدفع بالتى هى أحسن )
    وقال اخر:
    ( أمرت بالتسهيل في الإذن لي ... ولم ير الحاجب أن يأذنا )
    ( فلن تراني بعدها عائدا ... ولن تراه بعد مستأذنا )
    وقال اخر:
    ( ولقد رأيت بباب دارك جفوة ... فيها لحسن صنيعك التكدير )
    ( ما بال دارك حين تدخل جنة ... وبباب دارك منكر ونكير )
    وقال اخر
    ( إذا جئت ألقى عند بابك حاجبا ... محياه من فرط الجهالة حالك )
    ( ومن عجب مغناك جنة قاصد ... وحاجبها من دون رضوان مالك )
    وقال اخر:
    ( سأترك بابا أنت تملك إذنه ... ولو كنت أعمى عن جميع المسالك
    ( فلو كنت بواب الجنان تركتها ... وحولت رجلي مسرعا نحو مالك )
    وقال اخر:
    ( ماذا يفيدك أن تكون محجبا ... والعبد بالباب الكريم يلوذ )
    ( ما أنت إلا في الحصار معي فلا ... تتعب فكل محاصر مأخوذ )
    وقال أبو تمام:
    ( سأترك هذا الباب ما دام إذنه ... على ما أرى حتى يلين قليلا )
    ( فما خاب من لم يأته متعمدا ... ولا فاز من قد نال منه وصولا
    ( إذا لم نجد للإذن عندك موضعا ... وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا )
    واستأذن رجل على أمير فقال للحاجب قل له إن الكرى قد خطب إلى نفسي وإنما هي هجعة وأهب فخرج الحاجب فقال له الرجل ما الذي قال لك قال قال كلاما لا أفهمه وهو يريد أن لا يأذن لك وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه إنما أمهل فرعون مع دعواه الألوهية لسهولة إذنه وبذل طعامه وقال عمرو بن مرة الجهني لمعاوية سمعت رسول الله يقول ما من أمير يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسألة إلا أغلق الله أبواب السموات دون حاجته وخلته ومسألته وجاء النامي الشاعر لبعض الأمراء فحجبه فقال:
    ( سأصبر إن جفوت فكم صبرنا ... لمثلك من امير أو وزير )
    ( رجوناهم فلما أخلفونا ... تمادت فيهم غير الدهور )
    ( فبتنا بالسلامة وهي غنم ... وباتوا في المحابس والقبور )
    ( ولما لم ننل منهم سرورا ... رأينا فيهم كل السرور )
    وأنشدوا في ذلك ايضا:
    ( قل للذين تحجبوا عن راغب ... بمنازل من دونها الحجاب )
    ( إن حال عن لقياكم بوابكم ... فالله ليس لبابه بواب )
    واستاذن سعد بن مالك على معاوية فحجبه فهتف بالبكاء فأتى الناس وفيهم كعب فقال وما يبكيك ياسعد فقال ومالي لا أبكي وقد ذهب الأعلام من أصحاب رسول الله ومعاوية يلعب بهذه الأمة فقال كعب لا تبك فإن في الجنة قصرا من ذهب يقال له عدن أهله الصديقون والشهداء وأنا أرجو أن تكون من أهله واستأذن بعضهم على خليفة كريم وحاجبه لئيم فحجبه فقال:
    ( في كل يوم لي ببابك وقفة ... أطوي إليه سائر الأبواب )
    ( وإذا حضرت رغبت عنك فإنه ... ذنب عقوبته على البواب )
    وأما ذكر الولايات وما فيها من الخطر العظيم
    فقد قال الله تعالى لداود عليه السلام ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب )
    جاء في التفسير إن من أتباع الهوى أن يحضر الخصمان بين يديك فتود أن يكون الحق للذي في قلبك محبة خاصة وبهذا سلب سليمان بن داود ملكه قال ابن عباس رضي الله عنهما كان الذي اصاب سليمان بن داود عليهما السلام أن ناسا من أهل جرادة امرأته وكانت من أكرم نسائه عليه تحاكموا إليه مع غيرهم فأحب أن يكون الحق لأهل جرادة فيقضي لهم فعوقب بسبب ذلك حيث لم يكن هواه فيهم واحد ا

    تعليق

    • نوران العلي
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 3156

      المستطرف في كل فن مستظرف

      يتبع
      الباب السابع عشر
      في ذكر الحجاب والولاية وما فيها من الغرر والخطر:-

      وأما ذكر الولايات وما فيها من الخطر العظيم
      فقد قال الله تعالى لداود عليه السلام ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب )
      جاء في التفسير إن من أتباع الهوى أن يحضر الخصمان بين يديك فتود أن يكون الحق للذي في قلبك محبة خاصة وبهذا سلب سليمان بن داود ملكه قال ابن عباس رضي الله عنهما كان الذي اصاب سليمان بن داود عليهما السلام أن ناسا من أهل جرادة امرأته وكانت من أكرم نسائه عليه تحاكموا إليه مع غيرهم فأحب أن يكون الحق لأهل جرادة فيقضي لهم فعوقب بسبب ذلك حيث لم يكن هواه فيهم واحد ا




      وروى عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال قال لي رسول الله يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة عنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وقال معقل بن يسار رضي الله عنه سمعت النبي يقول ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصيحته إلا لم يجد رائحة الجنة
      وفي الحديث من ولي من أمور المسلمين شيئا ثم لم يحطهم بنصيحته كما يحوط أهل بيته فليتبوأ مقعده من النار وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إلى عاصم يستعمله على الصدقة فأبي وقال سمعت رسول الله يقول إذا كان يوم القيامة يؤتي بالوالى فيقف على جسر جهنم فيأمر الله تعالى الجسر فينتفض انتفاضة فيزول كل عضو منه عن مكانه ثم يأمر الله تعالى بالعظام فترجع إلى أماكنها فإن كان لله مطيعا أخذ بيده وأعطاه كفلين من رحمته وإن كان لله عاصيا انخرق به الجسر فهوى به في نار جهنم مقدار سبعين خريفا فقال عمر رضي الله عنه سمعت من النبي ما لم أسمع قال نعم وكان سلمان وأبو ذر حاضرين فقال سلمان اى والله يا عمر ومع السبعين سبعون خريفا في واد يلتهب التهابا فضرب عمر رضي الله عنه بيده على جبهته وقال إنا لله وإنا إليه راجعون من يأخذها بما فيها فقال سلمان من أرغم الله أنفه وألصق خده بالأرض
      وروى أبو داود في السنن قال جاء رجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله إن أبي عريف على الماء وإني أسألك أن تجعل لي العرافة من بعده فقال النبي العرفاء في النار وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الإمام الجائر وقالت عائشة رضي الله عنها سمعت رسول الله يقول يؤتي بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقي من شدة الحساب ما يود أنه لم يقض بين اثنين في تمرة وقال الحسن البصري إن النبي دعا عبد الرحمن بن سمرة يستعمله فقال يا رسول الله خر لى فقال اقعد في بيتك وقال أبو هريرة رضي الله عنه ما من أمير يؤمر على عشرة الا جيء به يوم القيامة مغلولا أنجاه عمله أو أهلكه وقال طاوس لسليمان بن عبد الملك هل تدرى يا أمير المؤمنين من أشد الناس عذابا يوم القيامة قال سليمان قل فقال طاوس أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في ملكه فجار في حكمه فاستلقى سليمان على سريره وهو يبكي فما زال يبكي حتى قام عنه جلساؤه وقال ابن سيرين جاء صبيان إلى أبي عبيدة السلماني يتخيرون إليه في ألواحهم فلم ينظر إليها وقال هذا حكم لا أتولى حكما أبدا وقال ابو بكر بن أبي مريم حج قوم فمات صاحب لهم بأرض فلاة فلم يجدوا ماء فأتاهم رجل فقالوا له دلنا على الماء فقال احلفوا لي ثلاثا وثلاثين يمينا أنه لم يكن صرافا ولا مكاسا ولا عريفا ويروى ولا عرافا ولا بريدا وأنا أدلكم على الماء فحلفوا له ثلاثا وثلاثين يمينا كما تقدم فحلفوا له فأعانهم على غسلة ثم قالوا له تقدم فصل عليه فقال لا حتى تحلفوا لي ثلاثا وثلاثين يمينالا كما تقدم فحلفوا له فصلى عليه ثم التفتوا فلم يجدوا احدا فكانوا يرون أنه الخضر عليه السلام وقال أبو ذر رضي الله عنه قال لي رسول الله يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي وإني اراك ضعيفا فلا تتأمرن على أثنين ولا تلين مال يتيم
      ومن غريب ما اتفق وعجيب ما سبق
      ما حكى أن ملكا من ملوك الفرس يقال له أردشير وكان ذا مملكة متسعة وجند كثير وكان ذا بأس شديد قد وصف له بنت ملك بحر الأردن بالجمال البارع وأن هذه البنت بكر ذات خدر فسير أردشير من يخطبها من أبيها فامتنع من إجابته ولم يرض بذلك فعظم ذلك على أردشير وأقسم بالأيمان المغلظة ليغزون الملك أبا البنت وليقتلنه هو وابنته شر قتلة وليمثلن بهما أخبث مثلة فسار إليه أردشير في جيوشه فقاتله فقتله أردشير وقتل سائر خواصه ثم سأل عن ابنته المخطوبة فبرزت إليه جارية من القصر من أجمل النساء وأكمل البنات حسنا وجمالا وقدرا واعتدالا فبهت أردشير من رؤيته إياها فقالت له أيها الملك إنني ابنة الملك الفلاني ملك المدينة الفلانية وأن الملك الذي قتلته أنت قد غزا بلدنا وقتل أبي وقتل سائر أصحابه قبل أن تقتله أنت وأنه أسرني في جملة الأساري وأتي بي في هذا القصر فلما رأتني ابنته التي أرسلت تخطبها أحبتني وسألت أباها أن يتركني عندها لتأنس بي فتركني لها فكنت أنا وهي كأننا روحان في جسد واحد فلما أرسلت تخطبها خاف أبوها عليها منك فأرسلها إلى بعض الجزائر في البحر الملح عند بعض أقاربة من الملوك فقال أردشير وددت لو أني ظفرت بها فكنت أقتلها شر قتلة ثم أنه تأمل الجارية فراها فائقة في الجمال فمالت نفسه اليها فأخذها للتسري وقال هذه أجنبية من الملك ولا أحنث في يميني بأخذها ثم انه واقعها وأزال بكارتها فحملت منه فلما طهر عليها الحمل اتفق أنها تحدثت معه يوما وقد رأته منشرح الصدر فقالت له أنت غلبت أبي وأنا غلبتك فقال لها ومن أبوك فقالت له ملك بحر الأردن وأنا ابنته التى خطبتها منه وأنني سمعت أنك أقسمت لتقتلني فتحيلت عليك بما سمعت والان هذا ولدك في بطني فلا يتهيأ لك قتلى فعظم ذلك على أردشير إذ قهرته امرأة وتحيلت عليه حتى تخلصت من يديه فانتهرها وخرج من عندها مغضبا وعول على قتلها ثم ذكر لوزيره ما اتفق له معها فلما رأى الوزير عزمه قويا على قتلها خشي أن تتحدث الملوك عنه بمثل هذا وأنه لا يقبل فيها شفاعة شافع فقال أيها الملك إن الرأي هو الذي خطر لك والمصلحة هي التي رأيتها أنت وقتل هذه الجارية في هذا الوقت أولى وهو عين الصواب لأنه أحق من أن يقال أن امرأة قهرت رأي الملك وحنثته في يمينه لأجل شهوة النفس ثم قال أيها الملك إن صورتها مرحومة وحمل الملك معها وهي أولى بالستر ولا أرى في قتلها أستر ولا أهون عليها من الغرق فقال له الملك نعم ما رأيت خذها غرقها فأخذها الوزير ثم خرج بها ليلا إلى بحر الأردن ومعه ضوء ورجال وأعوان فتحيل إلى أن طرح شيئا في البحر أوهم من كان معه أنها الجارية ثم إنه أخفاها عنده فلما أصبح جاء إلى الملك فأخبره أنه غرقها فشكره على ما فعل ثم إن الوزير ناول الملك حقا مختوما وقال أيها الملك إني نظرت مولدي فرأيت أجلي قد دنا على ما يقتضيه حساب حكماء الفرس في النجوم وإن لي أولادا وعندى مال قد ادخرته من نعمتك فخذه إذا أنا مت إن رأيت وهذا الحق فيه جوهر أسأل الملك أن يقسمه بين أولادي بالسوية فإنه إرثي الذي قد ورثته من أبي وليس عندي شيء ما كتسبته منه الا هذا الجوهر فقال له الملك يطول الرب في عمرك ومالك لك ولأولادك سواء كنت حيا أو ميتا فألح عليه الوزير أن يجعل الحق عنده وديعة فأخذه الملك وأودعه عنده في صندوق ثم مضت أشهر الجارية فوضعت ولدا ذكرا جميلا حسن الخلقة مثل فلقة القمر فلاحظ الوزير جانب الأدب في تسميته فرأى أنه إن اخترع له اسما وسماه به وظهر لوالده بعد ذلك فيكون قد أساء الأدب وإن هو تركه بلا إسم لم يتهيأ له ذلك فسماه شاه بور ومعنى شاه بور بالفارسية ابن ملك فإن شاه ملك وبور ابن ولغتهم مبنية على تأخير المتقدم وتقديم المتأخر وهذه تسمية ليس فيها مؤاخذة ولم يزل الوزير يلاطف الجارية والولد إلى أن بلغ الولد حد التعليم فعلمه كل ما يصلح لأولاد الملوك من الخط والحكمة والفروسية وهو يوهم أنه مملوك له اسمه شاه بور إلى أن راهق البلوغ هذا كله واردشير ليس له ولد وقد طعن في السن وأقعده الهرم فمرض وأشرف على الموت فقال للوزير أيها الوزير قد هرم جسمي وضعفت قوتي وأني أرى أني ميت لا محالة وهذا الملك يأخذه من بعدي من قضي له به فقال الوزير لو شاء الله أن يكون للملك ولد وكان قد ولي بعده الملك ثم ذكره بأمر بنت ملك بحر الأردن وبحملها فقال الملك لقد ندمت على تغريقها ولو كنت أبقيتها حتى تضع فلعل حملها يكون ذكرا فلما شاهد الوزير من الملك الرضا قال أيها الملك إنها عندى حية ولقد ولدت وضعت ولدا ذكرا من أحسن الغلمان خلقا و خلقا فقال الملك أحق ما تقول فأقسم الوزير أن نعم ثم قال أيها الملك إن في الولد روحانية تشهد بأبوة الأب وفي الولد روحانية تشهد ببنوة الأبن لا يكاد ذلك ينخرم ابدا وإنني اتي بهذا الغلام بين عشرين غلاما في سنه وهيئته ولباسه وكلهم ذو اباء معروفين خلا هو وإني أعطي كل واحد منهم صولجانا وكرة وامرهم أن يلعبوا بين يديك في مجلسك هذا ويتأمل الملك صورهم وخلقتهم وشمائلهم فكل من مالت إليه نفسه وروحانيته فهو هو فقال الملك نعم التدبير الذي قلت فأحضرهم الوزير على هذه الصورة ولعبوا بين يدي الملك فكان الصبي منهم إذا ضرب الكرة وقربت من مجلس الملك تمنعه الهيبة أن يتقدم ليأخذها إلا شاه بور فإنه كان إذا ضربها وجاءت عند مرتبة أبية تقدم فأخذها ولا تأخذه الهيبة منه فلاحظ أردشير ذلك منه مرارا فقال أيها الغلام ما اسمك قال شاه بور فقال له صدقت أنت ابني حقا ثم ضمه إليه وقبله بين عينيه فقال له الوزير هذا هو إبنك أيها الملك ثم أحضره بقية الصبيان ومعهم عدول فأثبت لكل صبي منهم والدا بحضرة الملك فتحقق الصدق في ذلك ثم جاءت الجارية وقد تضاعف حسنها وجمالها فقبلت يد الملك فرضي عنها فقال الوزير أيها الملك قد دعت الضروة في هذا الوقت إلى إحضار الحق المختوم فأمر الملك بإحضاره ثم أخذه الوزير وفك ختمه وفتحة فإذا فيه ذكر الوزير وأنثياه مقطوعة مصانة فيه من قبل أن يتسلم الجارية من الملك وأحضر عدولا من الحكماء وهم الذين كانوا فعلوا به ذلك فشهدوا عند الملك بأن هذا الفعل فعلناه به من قبل أن يتسلم الجارية بليلة واحدة قال فدهش الملك أردشير وبهت لما أبداه هذا الوزير من قوة النفس في الخدمة وشدة مناصحته فزاد سروره وتضاعف فرحه لصيانة الجارية وإثبات نسب الولد ولحوقه به ثم ان الملك عوفي من مرضه الذي كان به وصح جسمه ولم يزل يتقلب في نعمة وهو مسرور بابنه إلى أن حضرته الوفاة ورجع الملك إلى ابنه شاه بور بعد موت أبيه وصار ذلك الوزير يخدم ابن الملك أردشير وشاه بور يحفظ مقامه ويرعي منزلته حتى توفاه الله تعالى

      والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والماب وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
      .

      تعليق

      • نوران العلي
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 3156

        المسطرف في كل فن مستظرف

        الباب الثامن عشر فيما جاء في القضاء وذكر القضاة
        وقبول الرشوة والهدية على الحكم
        وما يتعلق بالديون وذكر القصاص والمتصوفة
        وفيه فصول:-

        الفصل الأول
        فيما جاء في القضاء وذكر القضاة وأحوالهم وما يجب عليهم

        قال الله تعالى ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب )
        وقال تعالى ( فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط ) وقال تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )
        وقال رسول الله من حكم بين اثنين تحاكما إليه وارتضياه فلم يقض بينهما بالحق فعليه لعنة الله وعن أبي حازم قال دخل عمر على أبي بكر رضوان الله عليهما فسلم عليه فلم يرد عليه فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف أخاف أن يكون وجد علي خليفة رسول الله فكلم عبد الرحمن أبا بكر فقال أتاني وبين يدي خصمان قد فرغت لهما قلبي وسمعي وبصري وعلمت أن الله سائلي عنهما وعما قالا وقلت وادعي رجل على علي عند عمر رضي الله عنهما وعلي جالس فالتفت عمر إليه وقال يا أبا الحسن قم فاجلس مع خصمك فتناظرا وانصرف الرجل ورجع علي إلى مجلسه فتبين لعمر التغير في وجه علي فقال يا أبا الحسن مالي أراك متغيرا أكرهت ما كان قال نعم قال وما ذاك قال كنيتني بحضرة خصمي هلا قلت يا علي قم فاجلس مع خصمك فأخذ عمر برأس علي رضي الله عنهما فقبله بين عينيه ثم قال بأبي أنتم بكم هدانا الله وبكم أخرجنا من الظلمات إلى النور
        وعن أبي حنيفة رضي الله عنه القاضي كالغريق في البحربي الأخضر إلى متى يسبح وإن كان سابحا وأراد عمر بن هبيرة أن يولي ابا حنيفة القضاء فأبي فحلف ليضربنه بالسياط وليسجننه فضربه حتى انتفخ وجه أبي حنيفة ورأسه من الضرب فقال الضرب بالسياط في الدنيا أهون علي من الضرب بمقامع الحديد في الاخرة وعن عبد الملك بن عمير عن رجل من اهل اليمن قال اقبل سيل باليمن في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فكشف عن باب مغلق فظنناه كنزا فكتبنا الى ابي بكر رضي الله تعالى عنه فكتب إلينا لا تحركوه حتى يقدم إليكم كتابي ثم فتح فإذا برجل على سرير عليه سبعون حلة منسوجة بالذهب وفي يده اليمنى لوح مكتوب فيه هذان البيتان:
        ( إذا خان الأمير وكاتباه ... وقاضي الارض داهن في القضاء )
        ( فويل ثم ويل ويل ... لقاضي الأرض من قاضي السماء )
        و إذا عند رأسه سيف أشد خضرة من البقلة مكتوب عليه هذا سيف عاد بن إرم عن ابن أبي أوفي عن النبي أنه قال إن الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار بريء الله منه ولزمه الشيطان وقال محمد بن حريث بلغنى أن نصر بن علي راودوه على القضاء بالبصرة واجتمع الناس إليه فكان لا يجبهم فلما ألحوا عليه دخل بيته ونام على ظهره وألقى ملاءة على وجهه وقال اللهم ان كنت تعلم أني لهذا الأمر كاره فاقبضي اليك فقبض وعن أنس رضي الله عنه عن النبي القضاة جسور للناس يمرون على ظهورهم يوم القيامة وقال حفص بن غياث لرجل كان يسأله عن مسائل القضاء لعلك تريد أن تكون قاضيا لأن يدخل الرجل أصبعه في عينيه فيقلعهما ويرمي بهما خير له من أن يكون قاضيا وقيل أول من أظهر الجور من القضاة بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعرى كان أمير البصرة وقاضيا فيها وكان يقول إن الرجلين يتقدمان إلي فأجد أحدهما اخف على قلبي من الاخر فاقضي له وتقدم المأمون بين يدي القاضي يحيى بن أكثم مع رجل ادعى عليه بثلاثين ألف دينار فطرح للمأمون مصلى يجلس عليه فقال له يحيى لا تأخذ على خصمك شرف المجلس ولم يكن للرجل بينه فأرأد أن يحلف المأمون فدفع إليه المأمون ثلاثين ألف دينار وقال والله ما دفعت لك هذا المال إلا خشية أن تقول العامة إني تناولتك من جهة القدرة ثم أمر ليحي بمال وأجزل عطاءه وقدم خادم من وجوه خدم المعتضد بالله إلى أبي يوسف بن يعقوب في حكم فارتفع الخادم على خصمه في المجلس فزجره الحاجب عن ذلك فلم يقبل فقال أبو يوسف قم أتؤمر أن تقف بمساواة خصمك في المجلس فتمتنع يا غلام ائتني بعمرو بن أبي عمرو النحاس فإنه إن قدم على الساعة أمرته ببيع هذا العبد وحمل ثمنه إلى أمير المؤمنين ثم إن الحاجب اخذ بيده حتى أوقفه بمساواة خصمة فلما انقضي الحكم رجع الخادم الى المعتضد وبكى بين يديه وأخبره بالقصة فقال له لو باعك لأجزت بيعه ولم أردك إلى ملكي فليست منزلتك عندي تزن رتبة المساواة بين الخصمين في الحكم فإن ذلك عمود السلطان وقوام الأديان و اللله تعالى أعلم وقال العكلي يمدح بعض القضاة:
        ( رفضت وعطلت الحكومة قبله ... في اخرين وملها رواضها )
        ( حتى إذا ما قام ألف بينها ... بالحق حتى جمعت أوفاضها )
        وفي ضد ذلك قول بعضهم:
        ( أبكي وأندب ملة الإسلام ... إذ صرت تقعد مقعد الحكام )
        ( إن الحوادث ما علمت كبيرة ... وأراك بعض حوادث الأيام )
        وتقدمت امرأة الى قاض فقال لها جامعك شهودك فسكتت فقال كاتبه إن القاضي يقول لك جاء شهودك معك قالت نعم هلا قلت مثل ما قال كاتبك كبرسنك وقل عقلك وعظمت لحيتك حتى غطت على لبك ما رأيت ميتا يقضي بين الأحياء غيرك وقيل المضروب بهم المثل في الجهل وتحريف الأحكام قاضي مني وقاضي كسكر وقاضي أيدج وهو الذي قال فيه ابو إسحاق الصابي:
        ( يا رب علج أعلج ... مثل البعير الأهوج )
        ( رأيته مطلعا ... من خلف باب مرتج )
        ( وخلفه عذيبة ... تذهب طورا وتجي )
        ( فقلت من هذا ترى ... فقيل قاضي أيدج )
        وقاضي شلبة وهو الذي قال فيه أبو الحسن الجوهرى:
        ( رأيت رأسا كدبه ... ولحية كالمذبة )
        ( فقلت من أنت قل لي ... فقال قاضي شلبه )
        وتقدمت امطرأة جميلة إلى الشعبي فادعت عنده فقضى لها فقال هذيل الأشجعي:
        ( فتن الشعبي لما ... رفع الطرف إليها )
        ( فتنته ببنان ... كيف رؤيا معصميها )
        ( ومشت مشيا رويدا ... ثم هزت منكبيها )
        ( فقضي جورا على الخصم ... ولم يقض عليها )
        فتناشدها الناس وتداولوها حتى بلغت الشعبي فضرب الأشجعي ثلاثين سوطا
        وحكى ابن أبي ليلي قال انصرف الشعبي يوما من مجلس القضاء ونحن معه فمررنا بخادمة تغسل الثياب وهى تقول فتن الشعبي لما وأعادته ولم تعرف بقية البيت فلقنها الشعبي وقال رفع الطرف إليها ثم قال أبعده الله أما أنا فما قضيت إلا بالحق وأنشد بعضهم في أمين الحكم
        ( تتماوتن إذا مشيت تخشعا ... حتى تصيب وديعة ليتيم )

        .

        تعليق

        • نوران العلي
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 3156

          المسطرف في كل فن مستظرف

          يتبع الباب الثامن عشر
          الفصل الثاني
          في الرشوة والهدية على الحكم وما جاء في الديون

          أما الرشوة فقد روي عن النبي أنه قال لعن الله الراشي والمرتشي وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تولوا اليهود ولا النصارى فإنهم يقبلون الرشا ولا يحل في دين الله الرشا قال الشهيدي وأصحابنا اليوم أقبل للرشا منهم
          وفي نوابغ الحكم أن البراطيل تنصر الأباطيل وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال من شفع شفاعة ليرد بها حقا أو يدفع بها ظلما فأهدى له فقبل فذلك السحت فقيل له ما كنا نرى السحت إلا الأخذ على الحكم قال الأخذ على الحكم كفر وأنشد المبرد رحمه الله تعالى:
          ( وكنت إذا خاصمت خصما كببته ... على الوجه حتى خاصمتني الدراهم )
          ( فلما تنازعنا الحكومة غلبت ... علي وقالت قم فأنك ظالم )
          وأما الدين وما جاء فيه نعوذ بالله من غلبة الدين وقدر الرجال
          فقد روي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي أنه قال من تداين بدين وفي نفسه وفاؤه ثم مات تجاوز الله عنه وارضي غريمة بما شاء ومن تداين بدين وليس في نفسه وفاؤة ثم مات اقتص الله لغريمة منه يوم القيامة رواه الحاكم وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كان رسول الله إذا أتى له بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجال ويسأل عن دينه فإن قيل عليه دين كف عن الصلاة عليه وإن قيل ليس عليه دين صلى عليه فأتي بجنازة فلما قام ليكبر هل على صاحبكم من دين فقالوا ديناران يا رسول الله فعدل النبي عنه وقال صلوا على صاحبكم فقال علي كرم الله وجهه هما علي يا رسول الله وهو بريء منهما فتقدم رسول الله فصلى عليه ثم قال لعلي رضي الله عنه أجزاك الله عنه خيرا فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك إنه ليس من ميت يموت وعليه دين الا وهو مرتهن بدينة ومن فك رهان ميت فك رهانة يوم القيامة
          وقال بعض الحكماء الدين هم بالليل وذل بالنهار وهو غل جعله الله في أرضه فإذا أراد الله أن يذل عبدا جعله طوقا في عنقه وجاء سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يتقاضي دينا له على رجل فقالوا خرج إلى الغزو فقال أشهد أن رسول الله قال لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحي ثم قتل لم يدخل الجنة حتى يقضي دينه وعن الزهري قال لم يكن رسول الله يصلي على احد عليه دين ثم قال بعد أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من مات وعليه دين فعلي قضاؤه ثم صلى عليهم وعن جابر لا هم إلا هم الدين ولا وجع الا وجع العين وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال من تزوج امرأة بصداق ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زان ومن استدان دينا ينوى أن لا يقضيه فهو سارق وقال حبيب ابن ثابت ما احتجت إلى شيء استقرضه الا استقرضته من نفسي أراد أنه يصبر إلى أن تمكن الميسرة ونظيرة قول القائل:
          ( وإذا غلا شيء علي تركته ... فيكون أرخص ما يكون إذا غلا وقال بعضهم أيضا
          ( لقد كان القريض سمير قلبي ... فالهتني القروض عن القريض )
          وقال غيلان بن مرة التميمي:
          ( وإني لأقضي الدين بالدين بعدما ... يرى طالبي بالدين أن لست قاضيا )
          فأجابه ثعلبة بن عمير:
          ( اذا ما قضيت الدين بالدين لم يكن ... قضاء ولكن ذاك غرم على غرم )
          واستقرض من الأصمعي خليل له فقال حبا وكرامة ولكن سكن قلبي برهن يساوي ضعف ما تطلبه فقال يا أبا سعيد أما تثق بي قال بلى وإن خليل الله كان واثقا بربه وقد قال له ولكن ليطمئن قلبي اللهم أوف عناوين الدنيا بالميسرة ودين الاخرة بالمغفرة برحمتك يا أرحم الراحمين

          تعليق

          • نوران العلي
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 3156

            المستطرف في كل فن مستظرف

            يتبع الباب الثامن عشر
            الفصل الثالث
            في ذكر القصاص والمتصوفة وما جاء في الرياء ونحو ذلك

            أما ما جاء في ذكر القصاص والمتصوفة
            فقد روي عن خباب بن الأرت قال قال رسول الله أن بني إسرائيل لما قصوا هلكوا وروي أن كعبا كان يقص فلما سمع الحديث ترك القصص وقال ابن عمر رضي الله عنهما لم يقص أحد على عهد رسول الله ولا عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وإنما كان القصص حين كانت الفتنة وقال ابن المبارك سألت الثوري من الناس قال العلماء قلت فمن الأشراف قال المتقون قلت فمن الملوك قال الزهاد قلت فمن الغوغاء قال القصاص الذين يستأصلون أموال الناس بالكلام قلت فمن السفهاء قال الظلمة قيل وهب رجل لقاص خاتما بلا فص فقال وهب الله لك في الجنة غرفة بلا سقف وقال قيس بن جبير النهشلي الصعقة التى عند القصاص من الشيطان وقيل لعائشة رضي الله عنها إن أقواما إذا سمعوا القران صعقوا فقالت القران أكرم وأعظم من أن تذهب منه عقول الرجال وسئل ابن سيرين عن أقوام يصعقون عند سماع القران فقال ميعاد ما بيننا وبينهم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم القران من اوله إلى اخره فإن صعقوا فهو كما قالوا وكان بمروقاص يبكي بمواعظة فإذا طال مجلسه بالبكاء أخرج من كمه طنبورا صغيرا فيحركه ويقول مع هذا الغم الطويل يحتاج إلى فرح ساعة وقال بعضهم قلت لصوفي بعنى جبتك فقال إذا باع الصياد شبكته فبأى شيء يصيد وسئل بعض العلماء عن المتصوفة فقال أكلة رقصة وعظ عيسى عليه سلام بني إسرائيل فأقلبوا يمزقون الثياب فقال ما ذنب الثياب أقبلوا على القلوب فعاتبوها
            وأما ما جاء في الرياء
            فقد قال الله تعالى ( يراءون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا )
            وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال لي رسول الله يا معاذ احذر أن يري عليك اثار المحسنين وأنت تخلو من ذلك فتحشر مع المرائين وقيل لو أن ر جلا عمل عملا من البر فكتمه ثم أحب أن يعلم الناس أنه كتمه فهو من أقبح الرياء وقيل كل ورع يحب صاحبه أن يعلمه غير الله فليس من الله في شيء وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال قال رسول الله أن أخوف ما أخاف عليكم الشوك الأصغر قالوا ما الشرك الأصغر يا رسول الله قال الرياء وقيل بينما عابد يمشي ومعه غمامة على رأسه تظله فجاء رجل يريد أن يستظل معه فمنعه وقال إن أقمت معي ولم يعلم الناس أن الغمامة تظلني فقال له الرجل وقد علم الناس أنني لست ممن تظله الغمامة فحولها الله تعالى إلي ذلك الرجل وقال عبد الأعلى السلمي يوما الناس يزعمون أني مراء وكنت أمس والله صائما ولا أخبرت بذلك أحدا
            اللهم أصلح فساد قلوبنا واستر فضائحنا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
            ...
            .

            تعليق

            • نوران العلي
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 3156

              المستطرف في كل فن مستظرف

              الباب التاسع عشر
              في العدل والإحسان والإنصاف وغير ذلك:-
              اعلم أرشدك الله إن الله تعالى أمر بالعدل ثم علم سبحانه وتعالى أنه ليس كل النفوس تصلح على العدل بل تطلب الإحسان وهو فوق العدل
              فقال تعالى ( إن الله أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي ) الاية
              فلو وسع الخلائق العدل ما قرن الله به الاحسان والعدل ميزان الله تعالى في الأرض الذي يؤخذ به للضعيف من القوى والمحق من المبطل واعلم أن عدل الملك يوجب محبته وجوره يوجب الافتراق عنه وأفضل الأزمنة ثوابا أيام العدل وروينا من طريق أبي نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال لعمل الإمام العادل في رعيته يوما واحدا أفضل من عمل العابد في أهله مائة عام أو خمسين عاما وروي عن النبي أنه قال عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة وروينا في سنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لكعب الاحبار أخبرني عن جنة عدن قال يا أمير المؤمنين لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عادل فقال عمر والله ما أنا نبي وقد صدقت رسول الله وأما الإمام العادل فإني أرجو أن لا أجور وأما الشهادة فأني لي بها قال الحسن فجعله الله صديقا شهيدا حكما عدلا وسأل الإسكندر حكماء أهل بابل إيما أبلغ عندكم الشجاعة أو العدل قالوا إذا استعملنا العدل استغنينا به عن الشجاعة ويقال عدل السلطان أنفع من خصب الزمان وقيل إذا رغب السلطان عن العدل رغبت الرعية عن طاعته وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يشكو إليه من خراب مدينته ويسأله مالا يرمها به فكتب إليه عمر قد فهمت كتابك فإذا قرأت كتابي فحصن مدينتك بالعدل ونق طرقها من الظلم فإنه مرمتها والسلام ويقال إن الحاصل من خراج سواد العراق في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مائة ألف ألف وسبعة وثلاثين ألف ألف فلم يزل يتناقص حتى صار في زمن الحجاج ثمانية عشر ألف ألف فلما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ارتفع في السنة الأولى إلى ثلاثين ألف ألف وفي الثانية إلى ستين ألف ألف وقيل أكثر وقال إن عشت لأبلغنه إلى ما كان في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فمات في تلك السنة ومن كلام كسرى لا ملك إلا بالجند ولا جند إلا بالمال ولا مال إلا بالبلاد ولا بلاد إلا بالرعايا ولا رعايا الا بالعدل
              ولما مات سلمة بن سعيد كان عليه ديون للناس ولأمير المؤمنين المنصور فكتب المنصور لعامله استوف لأمير المؤمنين حقه وفرق ما بقي بين الغرماء فلم يلتفت الى كتابه وضرب للمنصور بسهم من المال كما ضرب لأحد الغرماء ثم كتب للمنصور إني رأيت أمير المؤمنين كاحد الغرماء فكتب إليه المنصور ملئت الأرض بك عدلا وكان أحمد بن طولون والي مصر متحليا بالعدل مع تجبره وسفكه للدماء وكان يجلس للمظالم وينصف المظلوم من الظالم
              حكى أن ولده العباس استدعي بمغنية وهو يصطبح يوما فلقيها بعض صالحي مصر ومعها غلام يحمل عودها فكسره فدخل العباس إليه وأخبره بذلك فأمر باحضار ذلك الرجل الصالح فلما أحضر اليه قال أنت الذي كسرت العود قال نعم قال أفعلت لمن هو قال نعم هو لابنك العباس قال أفما أكرمته لي قال أكرمه لك بمعصية الله عز وجل
              والله تعالى يقول ( والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )
              ورسول الله يقول لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأطرق أحمد بن طالون عند ذلك ثم قال كل منكر رأيته فغيره وأنا من ورئك وقف يهودي لعبد الملك بن مروان فقال يا أمير المؤمنين إن بعض خاصتك ظلمني فانصفني منه وأذقنى حلاوة العدل فأعرض عنه فوقف له ثانيا فلم يلتفت اليه فوقف له مرة ثالثة وقال يا أمير المؤمنين إنا نجد في التوراة المنزلة على كليم الله موسى صلوات الله وسلامه عليه إن الإمام لا يكون شريكا في ظلم أحد حتى يرفع إليه فاذا رفع إليه ذلك ولم يزله فقد شاركه في الظلم والجور فلما سمع عبد الملك كلامه فزع وبعث في الحال إلى من ظلمه فعزله وأخذ لليهودي حقه منه
              وروى أن رجلا من العقلاء غصبة بعض الولاة ضيعة له فأتى إلى المنصور فقال له أصلحك الله يا أمير المؤمنين أأذكر لك حاجتي أم اضرب لك قبلها مثلا فقال بل أضرب المثل فقال إن الطفل الصغير إذا نابه أمر يكرهه فانما يفزع إلى أمة إذ لا يعرف غيرها وظنا منه أن لا ناصر له غيرها فإذا ترعرع واشتد كان فرارة إلى أبيه فإذا بلغ وصار رجلا وحدث به أمر شكاه إلى الوالي لعلمه أنه أقوى من أبيه فإذا زاد عقله شكاه الى السلطان لعلمه أنه أقوى ممن سواه فإن لم ينصفه السلطان شكاه إلى الله تعالى لعلمه أنه أقوي من السلطان وقد نزلت بي نازلة وليس أحد فوقك أقوى منك إلا الله تعالى فإن انصفتني والا رفعت أمري الى الله تعالى في الموسم فإني متوجه إلى بيته وحرمه فقال المنصور بل ننصفك وأمر أن يكتب إلى واليه برد ضيعته إليه وكان الاسكندر يقول يا عباد الله إنما إلهكم الله الذي في السماء الذي نصر نوحا بعد حين الذي يسقيكم الغيث عند الحاجة وإليه مفزعكم عند الكرب والله لا يبلغني أن الله تعالى أحب شيئا إلا أحببته واستعملته الى يوم أجلي ولا أبغض شيئا الا أبغضته وهجرته إلى يوم أجلي وقد انبئت أن الله تعالى يحب العدل في عباده ويبغض الجور من بعضهم على بعض فويل للظالم من سيفي وسوطي ومن ظهر منه العدل من عمالي فليتكيء في مجلسي كيف شاء وليتمن على ما شاء فلن تخطئه أمنيته والله تعالى المجازي كلا بعمله ويقال إذا لم يعمر الملك ملكه بالانصاف خرب ملكه بالعصيان
              وقيل مات بعض الأكاسرة فوجدوا له سفطا ففتح فوجد فيه حبة رمان كأكبر ما يكون من النوى معها رقعة مكتوب فيها هذه من حب رمان عمل في اخراجه بالعدل
              وقيل تظلم أهل الكوفة من واليهم فشكوه إلى المأمون فقال ما علمت في عمالي أعدل ولا أقوم بأمر الرعية وأعود بالرفق عليهم منه فقال رجل منهم يا أمير المؤمنين ما أحد أولى بالعدل والانصاف منك فإن كان بهذه الصفة فعلى أمير المؤمنين أن يوليه بلدا بلدا حتى يلحق كل بلد من عدله مثل الذي لحقنا ويأخذ بقسطه منه كما أخذنا وإذا فعل ذلك لم يصبنا منه أكثر من ثلاث سنين فضحك المأمون من قوله وعزله عنهم وقدم المنصور البصرة قبل الخلافة فنزل بواصل بن عطاء وقال بلغني أبيات عن سليم بن يزيد العدوى في العدل فقم بنا إليه فأشرف عليهم من غرفة فقال لواصل من هذا الذي معك قال عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم فقال رحب على رحب وقرب على قرب فقال أنه يحب أن يسمع أبياتك في العدل فقال سمعا وطاعة وأنشد يقول:
              ( حتى متى لا نرى عدلا نسر به ... ولا نرى لولاة الحق أعوانا )
              ( مستمسكين بحق قائمين به ... إذا تلون أهل الجور ألوانا )
              ( يا للرجال لداء لا دواء له ... وقائد ذي عمى يقتاد عميانا )
              فقال المنصور وددت لو أني رأيت يوم عدل ثم مت وقيل لما ولي عمر بن عبد العزيز أخذ في رد المظالم فابتدأ بأهل بيته فاجتمعوا إلى عمة له كان يكرمها وسألوها أن تكلمه فقال لها إن رسول الله سلك طريقا فلما قبض سلك أصحابه ذلك الطريق الذي سلكه رسول الله فلما قضي الأمر إلى معاوية جره يمينا وشمالا وأيم الله لئن مد في عمري لاردنه إلى ذلك الطريق الذي سلكه رسول الله وأصحابه فقالت له يا ابن أخي إني أخاف عليك منهم يوما عصيبا فقال كل يوم أخافة دون يوم القيامة فلا أمننيه الله وقال وهب بن منبه إذا هم الوالي بالجور أو عمل به أدخل الله النقص في أهل مملكته في الأسواق والزروع والضروع وكل شيء وإذا هم بالخير والعدل أو عمل به أدخل الله البركة في أهل مملكته كذلك قال الوليد بن هشام إن الرعية لتصلح بصلاح الوالي وتفسد بفسادة وقال ابن عباس رضي الله عنهما ان ملكا من الملوك خرج يسير في مملكته متنكرا فنزل على رجل له بقرة تحلب قدر ثلاث بقرات فتعجب الملك من ذلك وحدثته نفسه بأخذها فلما كان من الغد حلبت له النصف مما حلبت بالامس فقال له الملك ما بال حلبها نقص أرعت في غير مرعاها بالامس فقال لا ولكن أظن أن ملكنا راها أو وصله خبرها فهم بأخذها فنقص لبنها فإن الملك إذا ظلم أو هم بالظلم ذهبت البركة فتاب الملك وعاهد ربه في نفسه أن لا يأخذها ولا يحسد احدا من الرعية فلما كان من الغد حلبت عادتها ومن المشهور بأرض المغرب أن السلطان بلغه أن امرأة لها حديقة فيها القصب الحلو أن كل قصبة منها تعصر قدحا فعزم الملك على أخذها منها ثم أتاها وسألها عن ذلك فقالت نعم ثم إنها عصرت قصبة فلم يخرج منها نصف قدح فقال لها أين الذي كان يقال فقالت هو الذي بلغك إلا أن يكون السلطان قد عزم على أخذها مني فارتفعت البركة منها فتاب الملك وأخلص لله النية وعاهد الله أن لا يأخذها منها أبدا ثم أمرها فعصرت قصبة منها فجاءت ملء قدح
              وحكى سيدي أبو بكر الطرطوشي رحمة الله في كتابه سراج الملوك قال حدثني بعض الشيوخ ممن كان يروي الأخبار بمصر قال كان بصعيد مصر نخلة تحمل عشرة أرادب ولم يكن في ذلك الزمان نخلة تحمل نصف ذلك فغصبها السلطان فلم تحمل شيئا في ذلك العام ولا تمرة واحدة وقال لي شيخ من أشياخ الصعيد أعرف هذه النخلة وقد شاهدتها وهي تحمل عشرة أرداب وستين ويبه وكان صاحبها يبيعها في سني الغلاء كل ويبه بدينار
              وحكى أيضا رحمه الله تعالى قال شهدت في الإسكندرية والصيد مطلق للرعية السمك يطفو على الماء لكثرته وكانت الأطفال تصيده بالخرق من جانب البحر ثم حجزه الوالي ومنع الناس من صيده فذهب السمك حتى لا يكاد يوجد إلى يومنا هذا وهكذا تتعدى سرائر الملوك وعزائمهم ومكنون ضمائرهم إلى الرعية ان خيرا فخير وإن شرا فشر وروى أصحاب التواريخ في كتبهم قالوا كان الناس إذا أصبحوا في زمان الحجاج يتساءلون إذا تلاقوا من قتل البارحة ومن صلب ومن جلد ومن قطع وما أشبه ذلك وكان الوليد بن هشام صاحب ضياع واتخاذ مصانع فكان الناس يتساءلون في زمانه عن البنيان والمصانع والضياع وشق الأنهار وغرس الأشجار ولما ولى سليمان بن عبد الملك وكان صاحب طعام ونكاح كان الناس يتحدثون ويتساءلون في الأطعمه الرفيعة ويتغالون في المناكح والسراري ويعمرون مجالستهم بذكر ذلك ولما ولى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان الناس يتساءلون كم تحفظ من القران وكم وردك كل ليلة وكم يحفظ فلان وكم يختم وكم يصوم من الشهر وما أشبه ذلك فينبغي لإمام أن يكون على طريقة الصحابه والسلف رضي الله عنهم ويقتدي بهم في الأقوال والأفعال فمن خالف ذلك فهو لا محالة هالك وليس فوق السلطان العادل منزلة إلا نبي مرسل أو ملك مقرب وقد قيل أنه مثله كمثل الرياح التي يرسلها الله تعالى بشرا بين يدي رحمته فيسوق بها السحاب ويجعلها لقاحا للثمرات وروحا للعباد ولو تتبعت ما جاء في العدل والإنصاف وفضل الإمام العادل لألفت في ذلك مجموعا جامعا لهذا المعنى ولكن اقتصرت على ما ذكرته مخافة أن يمله الناظر ويسأمه السامع وبالله التوفيق إلى أقوم طريق
              وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
              ...
              .

              تعليق

              • نوران العلي
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 3156

                المستطرف في كل فن مستظرف

                الباب العشرون
                في الظلم وشؤمه وسوء عواقبه وذكر الظلمة وأحوالهم وغير ذلك:-
                قال الله تعالى ( ألا لعنة الله على الظالمين ) وقال تعالى ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) قيل هذه تسلية للمظلوم وعيد للظالم
                وقال تعالى ( أنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ) وقال تعالى ( وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون )
                وقال رسول الله من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم خرج من الأسلام وقال أيضا رحم الله عبدا كان لأخيه قبله مظلمة في عرض أو مال فأتاه فتحلله منها قبل أن يأتي يوم القيامة وليس معه دينار ولا درهم وقال ايضا من اقتطع حق امرىء مسلم أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال له رجل يا رسول الله ولو كان شيئا يسيرا قال ولو كان قضيبا من أراك وعن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله أوحي الله تعالى إلي يا أخا المرسلين يا أخا المنذرين أنذر قومك فلا يدخلوا بيتا من بيوتي ولأحد من عبادي عند احد منهم مظلمة فإني ألعنه مادام قائما يصلي بين يدي حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها فأكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويكون من أوليائي وأصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في الجنة وعن علي رضي الله عنه عن النبي إياك ودعوة المظلوم فإنما يسأل الله تعالى حقه وعنه أنه قال ما من عبد ظلم فشخص ببصرة إلى السماء إلا قال الله عز وجل لبيك عبدي حقا لأنصرنك ولو بعد حين وعنه ايضا أنه قال الا إن الظلم ثلاثة فظلم لا يغفر وظلم لا يترك وظلم مغفور لا يطلب فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله والعياذ بالله تعالى
                قال الله تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا
                وأما الظلم المغفور الذي لا يطلب فظلم العبد نفسه
                ومر رجل برجل قد صلبه الحجاج فقال يا رب إن حلمك على الظالمين أحل المظلومين فنام تلك الليلة فرأى في منامه أن القيامة قد قامت وكأنه قد دخل الجنة فرأى ذلك المصلوب في أعلي عليين وإذا مناد ينادي حلمي على الظالمين قد أضر بالظلومين في أعلي عليين وقيل من سلب نعمة غيره سلب نعمته غيره وسمع مسلم بن بشار رجلا يدعو على من ظلمه فقال له كل الظالم إلى ظلمه فهو أسرع فيه من دعائك ويقال من طال عدوانه زال سلطانه وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم ورثي لوح في أفق السماء مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله وتحته هذا البيت:
                ( فلم أر مثل العدل للمرء رافعا ... ولم أر مثل الجور للمرء واضعا )
                وقال الشاعر:
                ( كنت الصحيح وكنا منك في سقم ... فإن سقمت فإنا السالمون غدا )
                ( دعت عليك أكف طالما ظلمت ... ولن ترد يد مظلومة أبدا )
                وكان معاوية يقول إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصرا إلا الله وقال أبو العيناء كان لي خصوم ظلمة فشكوتهم إلى أحمد بن أبي داود وقلت قد تضافروا علي وصاروا يدا واحدة فقال يد الله فوق ايديهم فقلت له إن لهم مكرا فقال ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله قلت هم فئة كثيرة فقال كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله وقال يوسف بن إسباط من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال أبو القاسم من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه وإن كان أخاه لأبيه وأمه وقال مجاهد يسلط الله على أهل النار الجرب فيحكون أجسادهم حتى تبدو العظام فيقال لهم هل يؤذيكم هذا فيقولون إي والله فيقال لهم هذا بما كنتم تؤذون المؤمنين وقال ابن مسعود رضي الله عنه لما كشف الله العذاب عن قوم يوسف عليه السلام ترادوا المظالم بينهم حتى كان الرجل ليقلع الحجر من أساسه فيرده إلى صاحبه وقال أبو ثور بن يزيد الحجر في البنيان من غير حلة عربون على خرابة وقال غيره لو أن الجنة وهي دار البقاء أسست على حجر من الظلم لأوشك أن تخرب وقال بعض الحكماء اذكر عند الظلم عدل الله فيك وعند القدرة قدرة الله عليك لا يعجبك رحب الذراعين سفاك الدماء فإن له قاتلا لا يموت وقال سحنون بن سعيد كان يزيد بن حاتم يقول ما هبت شيئا قط هيبتي من رجل ظلمته وأنا أعلم أن لا ناصر له ألا الله فيقول حسبك الله الله بيني وبينك وقال بلال بن مسعود اتق الله فيمن لا ناصر له إلا الله وبكي علي بن الفضل يوما فقيل له ما يبكيك قال أبكي على من ظلمني إذا وقف غدا بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة وروى أن النبي قال يقول الله تعالى اشتد غضبي علي من ظلم من لا يجد له ناصر غيري ونادى رجل سليمان ابن عبد الملك وهو على المنبر يا سليمان اذكر يوم الأذان فنزل سليمان من على المنبر ودعا بالرجل فقال له ما يوم الأذان
                فقال قال الله تعالى ( فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله عللى الظالمين ) قال فما ظلامتك قال أرض لي بمكان كذا وكذا أخذها وكيلك فكتب إلى وكيله ادفع إليه أرضه وأرضا مع أرضه
                .

                تعليق

                • نوران العلي
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 3156

                  المستطرف في كل فن مستظرف

                  يتبع
                  الباب العشرون

                  وروى أن كسرى أنوشروان كان له معلم حسن التأديب يعلمه حتى فاق في العلوم فضربه المعلم يوما من غير ذنب فأوجعه فحقد أنوشران عليه فلما ولي الملك قال للمعلم ما حملك على ضربي يوم كذا وكذا ظلما فقال له لما رأيتك ترغب في العلم رجوت لك الملك بعد أبيك فأحببت أن اذيقك طعم الظلم لئلا تظلم فقال أنوشروان زه زه
                  وقال محمد بن سويد وزير المأمون:
                  ( فلا تأمنن الدهر حرا ظلمته ... فما ليل حر إن ظلمت بنائم )
                  وروى أن بعض الملوك رقم على بساطه:
                  ( لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم مصدره يفضي إليه الندم
                  ( تنام عيناك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنم )
                  وما أحسن ما قال الاخر
                  ( أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... وما تدري بما صنع الدعاء )
                  ( سهام الليل نافذة ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء )
                  ( فيمسكها إذا ما شاء ربي ... ويرسلها إذا نفذ القضاء )
                  وقال أبو الدرداء اياك ودمعة اليتيم ودعوة المظلوم فانها تسري بالليل والناس نيام
                  وقال الهيثم ابن فراس السامي من بني سامة بن لؤي في الفضل بن مروان:
                  ( تجبرت يا فضل بن مروان فاعتبر ... فقبلك كان الفضل والفضل والفضل )
                  ( ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ... أبادهم الموت المشتت والقتل )
                  يريد الفضل بن الربيع والفضل بن يحيى والفضل بن سهل وجد تحت فراشي يحيى بن خالد البرمكي رقعة مكتوب فيها:
                  ( وحق الله ان الظلم لؤم ... وأن الظلم مرتعه وخيم )
                  ( الى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم )
                  وجد القاسم بن عبيد الله وزير المكتفي في مصلاه رقعة مكتوبا فيها:
                  ( بغي وللبغي سهام تنتظر ... )
                  ( أنفذ في الاحشاء من وخز الابر )
                  ( سهام أيدي القانتين في السحر )
                  وقال المنصور بن المعتمر لابن هبيرة حين اراد ان يوليه القضاء ما لإلي هذا بعدما حدثني ابراهيم قال وما حدثك ابراهيم قال حدثني عن علقمة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الظلمة وأعوان الظلمة وأشياع الظلمة حتى من برى لهم قلما أو لاق لهم دواة فيجمعون في تابوت من حديد ثم يرمي بهم في نار جهنم وروى هرون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال جلس ابي للمظالم يوما فلما انقضى المجلس رأى رجلا جالسا فقال له ألك حاجة قال نعم ادنني اليك فاني مظلوم وقد اعوزني العدل والانصاف قال ومن ظلمك قال انت ولست أصل اليك فأذكر حاجتي قال وما يحجبك وقد ترى مجلسي مبذولا قال يحجبني عنك هيبتك طول لسانك وفصاحتك قال ففيم ظلمتك قال في ضيعتي الفلانية اخذها وكيلك غصبا مني بغير ثمن فاذا وجب عليها خراجأديته باسمي لئلا يثبت لك اسم في ملكها فيبطل ملكي فوكيلك يأخذ غلتها وأنا أؤدي خراجها وهذا لم يسمع بمثله في المظالم فقال له محمد هذا قول تحتاج معه الى بينة وشهود أشياء فقال له الرجل ايؤمنني الوزير من غضبه حتى أجيب قال نعم قد أمنتك قال البينة هم الشهود واذا شهدوا فليس يحتاج معهم الى شيء اخر فما معنى قولك بينة وشهود وأشياء وأي شيئ هذه الاشياء ان هي الا الجور وعدولك عن العدل فضحك محمد وقال صدقت والبلاء موكل بالمنطق واني لارى فيك مصطنعا ثم وقع له مائة دينار يستعين بها على عمارة ضيعته وصيره من أصحابه فكان قبل ان يتوصل الى الانصاف واعادة ضيعته له يقال له يا فلان كيف الناس فيقول بشر بين مظلوم لا ينصر وظالم لا ينتصر فلما صار من أصحاب محمد ابن عبد الملك ورد عليه ضيعته وأنصفه قال له ليلة كيف الناس الان قال بخير قال اعتمدت معهم الانصاف ورفعت عنهم الاجحاف ورددت عليهم الغصوب وكشفت عنهم الكروب وأنا أرجو لهم ببقائك نيل كل مرغوب والفوز بكل مطلوب ومما نقل في الاثار الاسرائيلية في زمان موسى صلوات الله وسلامه عليه أن رجلا من ضعفاء بني إسرائيل كان له عائلة وكان صيادا يصطاد السمك ويقوت منه أطفاله وزوجته فخرج يوما للصيد فوقع في شبكته سمكة كبيرة ففرح بها ثم أخذها ومضي إلى السوق ليبيعها ويصرف ثمنها في مصالح عياله فلقيه بعض العوانية فرأى السمكة معه فأراد أخذها منه فمنعه الصياد فرفع العواني خشبة كانت بيده فضرب بها رأس الصياد ضربة موجعة وأخذ السمكة منه غصبا بلا ثمن فدعا الصياد عليه وقال إلهي جعلتني ضعيفا وجعلته قويا عنيفا فخذلي بحقي منه عاجلا فقد ظلمني ولا صبر لي إلى الاخرة ثم ان ذلك الغاصب الظالم انطلق بالسمكة إلى منزله وسلمها إلى زوجته وأمرها أن تشويها فلما شوتها قدمتها له وضعتها بين يديه على المائدة ليأكل منها ففتحت السمكة فاها ونكزته في أصبع يده نكزة طار بها عقلة وصار لا يقر بها قرارة فقام وشكا الى الطبيب ألم يده وما حل به فلما راها قال له دواؤها أن تقطع الأصبع لئلا يسري الألم إلى بقية الكف فقطع أصبعه فأنتقل الألم والوجع الى الكف واليد وزداد التألم وارتعدت من خوفه فرائصة فقال له الطبيب ينبغي أن تقطع اليد إلى المعصم لئلا يسري الألم إلى الساعد فقطعها فأنتقل الألم الى الساعد فما زال هكذا كلما قطع عضوا انتقل الألم إلى العضو الاخر الذي يليه فخرج هائما على وجهه مستغيثا إلى ربه ليكشف عنه ما نزل به فرأى شجرة فقصدها فأخذه النوم عندها فنام فرأى في منامه قائلا يقول يا مسكين إلى كم تقطع أعضاءك امض الى خصمك الذي ظلمته فارضه فانتبه من النوم وفكر في أمره فعلم أن الذي أصابه من جهة الصياد فدخل المدينة وسأل عن الصياد وأتي إليه فوقع بين يديه يتمرغ على رجليه وطلب منه الإقالة مما جناه ودفع إليه شيئا من ماله وتاب من فعله فرضي عنه خصمه الصياد فسكن في الحال ألمه وبات تلك الليلة فرد الله تعالى عليه يده كما كانت ونزل الوحى على موسى عليه السلام يا موسى وعزتي وجلالي لولا أن ذلك الرجل أرضي خصمه لعذبته مهما امتدت به حياته
                  ومما تضمنته أخبار الأخيار ما رواه أنس رضي الله عنه قال بينما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قاعد إذ جاءه رجل من أهل مصر فقال يا أمير المؤمنين هذا مقام العائذ بك فقال عمر رضي الله عنه لقد عذت بمجير فما شأنك فقال سابقت بفرسي ابنا لعمرو بن العاص وهو يومئذ أمير على مصر فجعل يقنعني بسوطه ويقول أنا ابن الأكرمين فبلغ ذلك عمرا أباه فخشي أن اتيك فحبسني في السجن فانفلت منه فهذا الحين أتيتك فكتب عمرو بن العاص إذا أتاك كتابي هذا فاشهد الموسم أنت ولدك فلان وقال للمصري أقم حتى يأتيك فأقام حتى قدم عمرو وشهد موسم الحج فلما قضى عمر الحج وهو قاعد مع الناس وعمرو بن العاص وابنه إلى جانبه قام المصري فرمي إليه عمر رضي الله عنه بالدرة قال أنس رضي الله عنه فلقد ضربة ونحن نشتهي أن يضربه فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه وعمر يقول اضرب ابن الأكرمين قال يا أمير المؤمنين قد استوفيت واشتفيت قال ضعها على ضلع عمرو فقال يا أمير المؤمنين لقد ضربت الذي ضربني قال أما والله لو فعلت ما منعك أحد حتى تكون أنت الذي تنزع ثم أقبل على عمرو بن العاص وقال يا عمرو متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا فجعل عمرو يعتذر إليه ويقول إني لم أشعر بهذا وقيل لما ظلم أحمد بن طولون قبل أن يعدل استغاث الناس من ظلمه وتوجهوا إلى السيدة نفيسة يشكونه إليها فقالت لهم متى يركب قالوا في غد فكتبت رقعة وقفت بها في طريقة وقالت يا أحمد يا ابن طولون فلما راها عرفها فترجل عن فرسه وأخذ منها الرقعة وقرأها فإذا فيها ملكهم فأسرتم وقدرتم فقهرتم وخولتم فعسفتم وردت اليكم الأرزاق فقطعتم هذا وقد علمتم أن سهام الاسحار نافذة غير مخطئة لا سيما من قلوب أوجمعتموها وأكباد جوعتموها وأجساد عريتموها فمحال أن يموت المظلوم ويبقي الظالم اعملوا ما شئتم فإنا صابرون وجوروا فإنا بالله مستجيرون واظلموا فإنا إلى الله متظلمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون قال فعدل لوقته
                  وحكى أن الحجاج حبس رجلا في حبسه ظلما فكتب إليه رقعة فيها قد مضي من بؤسنا أيام ومن نعيمك أيام والموعد القيامة والسجن جهنم والحاكم لا يحتاج الى بينة وكتب في اخرها:
                  ( ستعلم يا نؤم إذا التقينا ... غدا عند الإله من الظلوم )
                  ( أما والله إن الظلم لؤم ... وما زال الظلوم هو الملوم )
                  ( سينقطع التلذذ عن أناس ... أداموه وينقطع النعيم )
                  ( إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم )
                  وحكى أبو محمد الحسين بن محمد الصالحي قال كنا حول سرير المعتضد بالله ذات يوم نصف النهار فنام بعد أن اكل فانتبه منزعجا وقال يا خدم فأسرعنا الحواب فقال ويلكم أعينوني والحقوا بالشط فأول ملاح ترونه منحدرا في سفينة فارغة فأقبضوا عليه وائتوني به وكلوا بالسفينة من يحفظها فأسرعنا فوجدنا ملاحا في سفينة منحدرة وهي فارغة فقبضنا عليه وكلنا بها من يحفظها وصعدنا به إلى المعتضد فلما راه الملاح كاد يتلف فصاح عليه المعتضد صيحة عظيمة كادت روحه تذهب منها وقال أصدقني يا ملعون عن قضيتك مع المرأة التى قتلهتا اليوم وإلا ضربت عنقك فتلعثم وقال نعم كنت سحرا في المشرعة الفلانية فنزلت إمرأة لم أر مثلها عليها ثياب فاخرة وحلى كثيرة وجواهر فطمعت فيها واحتلت عليها حتى سددت فمها وغرقتها وأخذت جميع ما كان عليها ثم طرحتها في الماء ولم أجسر على حمل سلبها إلى داري لئلا يفشو الخبر علي فعولت على الهروب والانحدار إلى واسط فصبرت إلى أن خلا الشط في هذه الساعة من الملاحين وأخذت في الانحدار فتعلق بي هؤلاء القوم فحملوني اليك فقال وأين الحلى والسلب قال في صدر السفينة تحت البواري قال المعتضد علي به الساعة فحضروا به فأمر بتغريق الملاح ثم امر ان ينادي ببغداد من خرجت له أمرأة الى المشرعة الفلانية سحرا وعليها ثياب فاخرة وحلى فليحضر فحضر في اليوم الثاني ثلاثة من أهلها وأعطوا صفتها وصفة ما كان عليها فسلم ذلك اليهم قال فقلت يا مولاى من أين علمت أو أوحى اليك بهذه الحالة وأمر هذه الصبية فقال بل رأيت في منامي رجلا شيخا أبيض الرأس واللحية والثياب وهو ينادي يا أحمد أول ملاح ينحدر الساعة فاقبض عليه وقرره على المرأة التى قتلها اليوم ظلما وسلبها ثيابها وأقم عليه الحد ولا يفتك فكان ما شاهدتم فيتعين على كل ولي أمر أن يعدل في الأحكام وأن يتبصر في رعيته وعلى كل غافل أن يكف يده عن الظلم ويسلك سنن العدل ويعامل بالنصفة ويراقب الله في السر والعلانية ويعلم أن الله يجازي على الخير والشر ويعاقب الظالم على ظلمة وينتصر للمظلوم ويأخذ له حقه ممن ظلمه واذا أخذ الظالم لم يفلته والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والماب وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
                  وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
                  ...

                  تعليق

                  • نوران العلي
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 3156

                    المستطرف في كل فن مستظرف

                    الباب الحادي والعشرون

                    في بيان الشروط التى تؤخذ على العمال وسيرة السلطان في استجباء الخراج وأحكام أهل الذمة
                    وفيه فصلان:-
                    الفصل الأول
                    في سيرة السلطان في استجباء الخراج والأنفاق من بيت المال وسيرة العمال
                    قال جعفر بن يحيى الخراج عماد الملوك وما استعزوا بمثل العدل وما استنذروا بمثل الظلم واسرع الأمور في خراب البلاد تعطيل الأرضيين وهلاك الرعية وانكسار الخراج من الجور ومثل السلطان إذا أجحف بأهل الخراج حتى يضعفوا عن عمارة الأرضين مثل من يقطع لحمه ويأكله من الجوع فهو إن شبع من ناحية فقد ضعف من ناحية أخرى وما أدخل على نفسه من الضعف والوجع أعظم مما دفع عن نفسه من ألم الجوع ومثل من كلف الرعية فوق طاقتهم كالذي يطين سطحه بتراب أساس بيته وإذا ضعف المزارعون عجزوا عن عمارة الأرضين فيتركونها فتخرب الأرض ويهرب المزارعون فتضعف العمارة ويضعف الخراج وينتج من ذلك ضعف الاجناد وإذا ضعف الجند طمح الأعداء في السلطان
                    وروى أن المأمون أرق ذات ليلة فاستدعى سميرا يحدثه فقال يا أمير المؤمنين كان بالموصل بومة وبالبصرة بومة فخطبت بومة الموصل بنت بومة البصرة لابنها فقالت بومة البصرة لا أجيب خطبة ابنك حتى تجعلى في صداق ابنتي مائة ضيعة خربة فقالت بومة الموصل لا أقدر عليها لكن إن دام وإلينا سلمة الله علينا سنة واحدة فعلت ذلك قال فاستيقظ لها المأمون وجلس للمظالم وأنصف الناس بعضهم من بعض وتفقد أمور الولاة والعمال الرعية وقال أبو الحسن بن علي الاسدي أخبرني أبي قال وجدت في كتاب قبطي باللغة الصعيدية مما نقل بالعربية أن مبلغ ما كان يستخرج لفرعون في زمن يوسف الصديق صلوات الله وسلامه عليه من أموال مصر لخراج سنة واحدة من الذهب العين أربعة وعشرون ألف ألف وأربعمائة دينار من ذلك ما ينصرف في عمارة البلاد كحفر الخلجان الانفاق على الجسور وسد الترع وتقويه من يحتاج الى التقوية من غير رجوع عليه بها لاقامة العوامل والتوسعة في البلدان وغير ذلك من الالات وأجرة من يستعان به لحمل البذر وسائر نفقات تطبيق الارض ثمانمائة ألف دينار ولما ينصرف للأرامل والايتام وإن كانوا غير محتاجين حتى لا يخلو أمثالهم من بر فرعون أربعمائة ألف دينار ولما ينصرف لكهنتهم وبيوت صلاتهم مائتا ألف دينار ولما ينصرف في الصدقات مما يصب صبا وينادى عليه برئت الذمة من رجل كشف وجهه لفاقة ولم يحضر فيحضر لذلك جمع كثير مائتا ألف دينار فإذا فرقت الاموال على أربابها دخل أمناء فرعون اليه وهنؤه بتفرقة الاموال ودعوا له بطول البقاء ودوام العز والنعماء والسلامة وأم نهو اليه حال الفقراء فيأمر باحضارهم وتغيير شعثهم ويمد لهم السماط فيأكلون بين يديه ويشربون ويستفهم من كل واحد منهم عن سبب فاقته فإن كان ذلك من افة الزمان زاد عليه مثل الذي كان له ولما ينصرف في نفقات فرعون الراتبة في كل سنة مائتا ألف دينار ويفضل بعد ذلك مما يتسلمه يوسف الصديق عليه السلام للملك ويجعله في بيت المال لنوائب الزمان أربعة عشر ألف ألف وستمائة ألف دينار وقال أبو رهم كانت أرض مصر أرضا مدبرة حتى أن الماء ليجري تحت منازلها وأفنيتها فيحسبونه حيث شاؤا ويرسلونه حيث شاؤا وذلك قول فرعون ( أليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي ) الاية وكان ملك مصر عظيما لم يكن في الارض أعظم منه ملكا وكانت الجنان بحافتي النيل متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء والزروع كذلك من أسوان إلى رشيد وكانت أرض مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعا لما دبروا من جسورها وحافاتها والزروع ما بين الجبلين من أولها إلى اخرها وذلك
                    قوله تعالى ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع و مقام كريم )
                    وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما استعمل فرعون هامان على حفر خليج سردوس فأخذ في حفره وتدبيره فجعل أهل القرى يسألونه أن يجري لهم الخليج تحت قراهم ويعطوه مالا فكان يذهب به من قرية إلى قرية من المشرق إلى المغرب ومن الشمال إلى القبلة ويسوقه كيف اراد وإلى حيث قصد فليس خليج بمصر أكثر عطوفا منه فأجتمع له من ذلك أموال عظيمة جزيلة فحملها إلى فرعون وأخبره بالخبر فقال له فرعون إنه ينبغي للسيد أن يعطف على عبده ويفيض عليه من خزائنه وذخائرة ولا يرغب فيما بأيديهم رد على أهل القرى أموالهم فرد عليهم ما أخذه منهم فإذا كانت هذه سيرة من لا يعرف الله ولا يرجو لقاءه ولا يخاف عذابه ولا يؤمن بيوم الحساب فكيف تكون سيرة من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويوقن بالحساب والثواب والعقاب
                    وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( اجعلني على خزائن الأرض ) قال هي خزائن مصر ولما استوثق أمر مصر ليوسف عليه السلام وكمل وصارت الأشياء اليه وأراد الله تعالى أن يعوضه على صبره لما لم يرتكب محارمة وكانت مصر أربعين فرسخا في مثلها وما أطاع يوسف فرعون وهو الريان بن مصعب وناب عنه إلا بعد أن دعاه إلى الإسلام فأسلم وكانت السنون التي حصل فيها الغلاء والجوع مات العزيز وتملك يوسف وافتقرت زليخا وعمي بصرها فجعلت تتكفف الناس فقيل لها لو تعرضت للملك ربما يرحمك ويعينك ويغنيك فطالما كنت تحفظينه وتكرمينه ثم قيل لها لا تفعلى لانه ربما يتذكر ما كان منك إليه من المراودة والحبس فيسيء إليك ويكافئك على ما سبق منك إليه فقالت أنا أعلم بحلمه وكرمه فجلست له على رابية في طريقه يوم خروجه وكان يركب في زهاء مائة ألف من عظماء قومه وأهل مملكته فلما أحست به قامت ونادت سبحان من جعل الملوك عبيدا بمعصيتهم والعبيد ملوكا بطاعتهم فقال يوسف عليه السلام من أنت فقالت أنا التى كنت أخدمك بنفسي وأرجل شعرك بيدي وأكرم مثواك بجهدي وكان مني ما كان وقد ذقت وبال أمري وذهبت قوتي وتلف مالي وعمي بصري وصرت أسأل الناس فمنهم من يرحمني ومنهم من لا يرحمني وبعدما كنت مغبوطة أهل مصر كلها صرت مرحومتهم بل محرومتهم وهذا جزاء المفسدين فبكي يوسف عليه السلام بكاء شديدا وقال لها هل في قلبك من حبك إياي شيء قالت نعم والذي اتخذ إبراهيم خليلا لنظرة إليك أحب إلي من ملء الأرض ذهبا وفضة فمضي يوسف وأرسل إليها يقول إن كنت إيما تزوجناك وإن كنت ذات بعل أغنيناك فقالت لرسول الملك أنا أعرف أنه يستهزىء بي هو لم يردني في أيام شبابي وجمالى فكيف يقبلني وأنا عجوز عمياء فقيرة فأمر بها يوسف عليه السلام فجهزت وتزوج بها وأدخلت عليه فصف يوسف عليه السلام قدميه وقام يصلي ودعا الله تعالى باسمه العظيم الأعظم فرد الله عليها حسنها وجمالها وشبابها وبصرها كهيئتها يوم راودته فواقعها فإذا هي بكر فولدت له إفراثيم بن يوسف ومنشا بن يوسف وطاب في الإسلام عيشهما حتى فرق الموت بينهما فينبغي للقوي أن لا ينسي الضعيف وللغني أن لا ينسي الفقير فرب مطلوب يصير طالبا ومرغوب فيه يصير راغبا ومسؤول يصير سائلا وراحم يصير مرحوما فنسأل الله تعالى أن يرحمنا برحمته ويغنينا بفضله
                    ولما ملك يوسف عليه السلام خزائن الأرض كان يجوع ويأكل من خبز الشعير فقيل له أتجوع وبيدك خزائن الأرض فقال أخاف أن اشبع فأنسي الجائع
                    ومن حسن سيرة العمال
                    ما روى أن عمر رضي الله عنه استعمل على حمص رجلا يقال له عمير بن سعد فلما مضت السنه كتب إليه عمر رضي الله عنه إن أقدم علينا فلم يشعر عمر إلا وقد قدم عليه ماشيا حافيا عكازته بيده وإداوته ومزوده وقصعته على ظهره فلما نظر إليه عمر قال له يا عمير أأجبتنا أم البلاد بلاد سوء فقال يا أمير المؤمنين أما نهاك الله أن تجهر بالسوء وعن سوء الظن وقد جئت إليك بالدنيا أجرها بقرابها فقال له وما معك من الدنيا قال عكازة أتوكأ عليها وأدفع بها عدوا إن لقيته ومزود أحمل فيه طعامي وإداوة أحمل فيها ماء لشربي ولطهورى وقصعة أتوضأ فيها وأغسل فيها رأسي واكل فيها طعامي فوالله يا أمير المؤمنين ما الدنيا بعد الا تبع لما معى قال فقام عمر رضي الله عنه من مجلسه إلى قبر رسول الله وأبي بكر رضي الله عنه فبكي بكاء شديدا ثم قال اللهم ألحقني بصاحبي غير مفتضح ولا مبدل ثم عاد إلى مجلسه فقال ما صنعت في عملك يا عمير فقال أخذت الإبل من أهل الإبل والجزية من أهل الذمة عن يد وهم صاغرون ثم قسمتها بين الفقراء والمساكين وأبناء السبيل فوالله يا أمير المؤمنين لو بقي عندي منها شيء لأتيتك به فقال عمر عد إلى عملك يا عمير قال أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تردني إلى أهلي فأذن له فأتي أهله فبعث عمر رجلا يقال له حبيب بمائة دينار وقال له اختبر لي عميرا وأنزل عليه ثلاثة أيام حتى ترى حاله هل هو في سعة أم ضيق فإن كان في ضيق فادفع إليه المائة دينار فأتاه حبيب فنزل به ثلاثا فلم ير له عيشا الا الشعير والزيت فلما مضت ثلاثة أيام قال يا حبيب إن رأيت أن تتحول إلى جيراننا فلعلهم أن يكونوا أوسع عيشا منا فإننا والله وتالله لو كان عندنا غير هذا الاثرناك به قال فدفع إليه المائة دينار وقال قد بعث بها أمير المؤمنين إليك فدعا بفرو خلق لامرأته فجعل يصر منها الخمسة دنانير والستة والسبعة ويبعث بها إلى إخوانه من الفقراء إلى أن أنفدها فقدم حبيب على عمر وقال جئتك يا أمير المؤمنين من عند أزهد الناس وما عنده من الدنيا قليل ولا كثير فأمر له عمر بوسقين من طعام وثوبين فقال يا أمير المؤمنين أما الثوبان فأقبلهما وأما الوسقان فلا حاجة لي بهما عند أهلي صاع من بر هو كافيهم حتى أرجع إليهم
                    وروى أن عمر رضي الله عنه صر أربعمائة دينار وقال للغلام إذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تربص عنده في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع بها فذهب بها الغلام إليه وقال له يقول لك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب اجعل هذه في بعض حوائجك قال وصله الله ورحمه ثم دعا بجاريته وقال لها اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفدها فرجع الغلام إلى عمر وأخبره فوجده قد عد مثلها لمعاذ بن جبل فقال له انطلق بها الى معاذ بن جبل وانظر ما يكون من أمره فمضي إليه وقال له كما قال لأبي عبيدة بن الجراح ففعل معاذ كما فعل أبو عبيدة فرجع الغلام فأخبره عمر فقال أنهم إخوة بعضهم من بعض رضي الله تعالى عنهم أجمعين

                    تعليق

                    • نوران العلي
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 3156

                      المستطرف في كل فن مستظرف

                      يتبع الباب الحادي والعشرون

                      الفصل الثاني

                      في أحكام أهل الذمة
                      روى عن عبد الرحمن بن غنم قال كتبنا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى أهل الشام بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من نصاري مدينة كذا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدائننا ولا فيما حواليها كنيسة ولا ديرا ولا قلية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا ماكان مختطا منها في خطط المسلمين في ليل ولا في نهار وإن نوسع أبوابها للمار وابن السبيل وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم ولا نؤوي في كنائسنا ولا في منازلنا جاسوسا ولا نكتمه عن المسلمين ولا نعلم أولادنا القران ولا نظهر شرعنا ولا ندعو إليه أحدا ولا نمنع أحدا من ذوي قراباتنا الدخول في دين الأسلام إن أراده وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس وأن لا نتشبه بالمسلمين في شيء من ملابسهم من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكني بكناهم ولا نركب في السروج ولا نتقلد بالسيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش على خواتمنا بالعربية او لا نبيع الخمر وأن تجز مقادم رؤوسنا ونلزم زينا حيثما كنا وأن نشد الزنار على اوساطنا ولا نظهر صلباننا ولا كتبنا في شيء من أسواق المسلمين وطرقهم ولا نضرب بالنواقيس في كنائسنا الا ضربا خفيفا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ولا نتطلع على منازلهم وقد شرطنا ذلك على انفسنا وعلى أهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل بنا ما يحل بأهل المعاندة والشقاق فكتب إليه عمر رضي الله عنه أن امض ما سألوه والحق فيه حرفين واشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم أن لا يشتروا شيئا من سبايا المسلمين ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده
                      وروى أن بني ثعلبة دخلوا على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقالوا يا أمير المؤمنين إنا قوم من العرب أفرض لنا قال نصارى قالوا نصارى قال ادعو إلي حجاما ففعلوا فجز نواصيهم وشق من أرديتهم حزما يحتزمون بها وامرهم أن لا يركبوا بالسروج وأن يركبوا على الأكف من شق واحد وروى أن أمير المؤمنين الخليفة جعفرا المتوكل أقصى اليهود والنصارى ولم يستعملهم وأذلهم وأبعدهم وخالف بين زيهم وزي المسلمين وقرب منه أهل الحق وأبعد عنه أهل الباطل فأحيا الله به الحق وأمات به الباطل فهو يذكر بذلك ويترجم عليه ما دامت الدنيا وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لا تستعملوا اليهود والنصارى فإنهم أهل رشا في دينهم ولا يحل في دين الله الرشا ولما استقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعرى رضي الله عنه من البصرة وكان عاملا بها للحساب دخل على عمر وهو في المسجد فاستأذن لكاتبه وكان نصرانيا فقال له عمر قاتلك الله وضرب بيده على فخذه وليت ذميا على المسلمين أما سمعت الله تعالى يقول ( يا أيها الذين امنو لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) الاية هلا اتخذت حنيفيا فقال يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه فقال لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله وكتب بعض العمال إلى عمر رضي الله عنه إن العدو قد كثر وإن الجزية قد كثرت أفنستعين بالأعاجم فكتب إليه إنهم أعداء الله وإنهم لنا غششة فأنزلوهم حيث أنزلهم الله
                      ولما خرج رسول الله إلى بدر لحقه رجل من المشركين عند الحرة فقال إني أريد أن أتبعك وأصيب معك قال أتؤمن بالله ورسوله قال لا قال ارجع فلن نستعين بمشرك ثم لحقه عند الشجرة فقال جئتك لأتبعك وأصيب معك قال أتؤمن بالله ورسوله قال لا قال فارجع فلن استعين بمشرك ثم لحقه عند ظهر البيداء فقال له مثل ذلك فأجابه بمثل الأول فقال نعم فخرج به وفرح به المسلمون وكان له قوة وجلد وهذا أصل عظيم في أن لا يستعان بكافر وهذا وقد خرج ليقاتل بين يدي النبي ويراق دمه فكيف استعمالهم على رقاب المسلمين وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه إلى عماله أن لا تولوا على أعمالنا إلا أهل القران فكتبوا إليه إنا قد وجدنا فيهم خيانة فكتب إليهم إن لم يكن في أهل القران خير فأجدر أن لا يكون في غيرهم قال أصحاب الشافعي ويلزمهم أن يتميزوا في اللباس عن المسلمين وأن يلبسوا قلانس يميزونها عن قلانس المسلمين بالحمرة وشدوا الزنانير على أوساطهم ويكون في رقابهم خاتم من نحاس أو رصاص أو جرس يدخلون به الحمام وليس لهم أن يلبسوا العمائم ولا الطيلسانات وأما المرأة فأنها تشدالزنار تحت الأزار وقيل فوق الأزار وهو الأولى ويكون في عنقها خاتم تدخل به الحمام ويكون أحد خفيها أسود والاخر أبيض ولا يركبون الخيل ولا البغال ولا الحمير بالأكف عرضا ولا يركبون بالسروج ولا يتصدرون في المجالس ولا يبدؤن بالسلام ويلجأون إلى أضيق الطرق ويمنعون أن يتطاولوا على المسلمين في البناء وتجوز المساواة وقيل لا تجوز وإن تملكوا دارا عالية أقروا عليها ويمنعون من إظهار المنكر كالخمر والخنزير والناقوس والجهر بالتوراة والإنجيل ويمنعون من المقام في أرض الحجاز وهي مكة والمدينة واليمامة وإن امتنعوا من أداء الجزية والتزام أحكام أهل الملة انتقض عهدهم وإن زني أحد منهم بمسلمة أو أصابها بنكاح أو اوى عينا للكفار أو دل على عورة المسلمين أو فتن مسلما عن دينه أو قتله أو قطع عليه الطريق تنتقض ذمته وفي تقدير الجزية اختلاف بين العلماء فمنهم من قال إنها مقدرة الأقل والأكثر على ما كتب به عمر رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف بالكوفة فوضع على الغني ثمانية وأربعين درهما وعلى من دونه أربعة وعشرين درهما وعلى من دونه اثني عشر درهما وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ولم يخالفه أحد وكان الصرف اثنا عشر بدينار وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأحد قولي الشافعي ويجوز للإمام أن يزيد على ما قدره عمر ولا يجوز أن ينقص عنه ولا جزية على النساء والمماليك والصبيان والمجانين وأما الكنائس فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تهدم كل كنيسة بعد الأسلام ومنع أن تجدد كنيسة وأمر أن لا تظهر عليه خارجة من كنيسة ولا يظهر صليب خارج من كنيسة الأكسر على رأس صاحبه وكان عروة بن محمد يهدمها بصنعاء وهذا مذهب علماء المسلمين أجمعين وشدد في ذلك عمر بن عبد العزيز وأمر أن لا يترك في دار الاسلام بيعة ولا كنيسة بحال قديمة ولا حديثة
                      والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والماب وحسبنا الله ونعم الوكيل
                      وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
                      ....
                      .

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...