موسوعة عبير الثقافية ..(مفهرسة),,

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نوران العلي
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 3156

    المستطرف في كل فن مستظرف

    الباب الرابع والثلاثون
    في البخل والشح وذكر البخلاء وأخبارهم وما جاء عنهم:-
    قال الله تعالى ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما أتاهم الله من فضله ) ألاية
    وقال رسول الله إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم
    وعنه أنه قال البخل جامع لمساوىء القلوب وهو زمام يقاد به إلى كل سوء
    وقالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهما إن البخل لو كان قميصا كما لبسته أو كان طريقا ما سلكته
    وقيل بخلاء العرب أربعة الحطيئة وحميد الأرقط وأبو الأسود الدؤلى وخالد بن صفوان
    فأما الحطيئة فمر به إنسان وهو على باب داره وبيده عصا فقال أنا ضيف فأشار إلى العصا وقال لكعاب الضيفان أعددتها
    وأما حميد الارقط فكان هجاء للضيفان فحاشا عليهم نزل به مرة أضياف فأطعمهم تمرا وهجاهم وذكر أنهم أكلوه بنواه
    وأما أبو الأسود فتصدق على سائل بتمره فقال له جعل الله نصيبك من الجنة مثلها وكان يقول لو أطعنا المساكين في اموالنا كنا أسوأ حالا منهم
    وأما خالد بن صفوان فكان يقول للدرهم إذا دخل عليه يا عيار كم تعير وكم تطوف وتطير لأطيلن حبسك ثم يطرحه في الصندوق ويقفل عليه وقيل له لم لا تنفق ومالك عريض فقال الدهر أعرض منه
    وأنشد بعضهم:
    ( وهبني جمعت المال ثم خزنته ... وحانت وفاتي هل أزاد به عمرا )
    ( إذا خزن المال البخيل فإنه ... سيورثه غما ويعقبه وزرا )
    واستأذن حنظلة عل صديق له بخيل فقيل هو محموم فقال كلوا بين يديه حتى يعرق وكتب سهل بن هرون كتابا في مدح البخل وأهداه إلى الحسن بن سهل فوقع على ظهره قد جعلنا ثوابك عليه ما أمرت به فيه
    وقال ابن أبي فنن:
    ( ذريني وإتلافي لمالى فإنني ... أحب من ألأخلاق ما هو أجمل )
    ( وإن أحق الناس باللوم شاعر ... يلوم على البخل الرجال ويبخل )
    وكان عمر بن يزيد الأسدي بخيلا جدا أصابه القولنج في بطنه فحقنه الطبيب بدهن كثير فانحل ما في بطنه في الطست فقال لغلامه اجمع الدهن الذي نزل من الحقنه وأسرج به

    وكان المنصور شديد البخل جدا مر به مسلم الحادى في طريقه إلى الحج فحدا له يوما بقول الشاعر:
    ( أغر بين الحاجبين نوره ... يزينه حياؤه وخيره )
    ( ومسكه يشوبه كافوره ... إذا تغدي رفعت ستوره )
    فطرب حتى ضرب برجله المحمل ثم قال يا ربيع أعطه نصف درهم فقال مسلم نصف درهم يا أمير المؤمنين والله لقد حدوت لهشام فأمر لي بثلاثين ألف درهم فقال تأخذ من بيت مال المسلمين ثلاثين ألف درهم يا ربيع وكل به من يستخلص منه هذا المال قال الربيع فما زلت أمشي بينهما وأروضه حتى شرط مسلم على نفسه أن يحدو له في ذهابه وإيابه بغير مؤنة

    وكان أبو العتاهية ومروان بن أبي حفصة بخيلين يضرب ببخلهما المثل قال مروان ما فرحت بشيء أشد مما فرحت بمائة ألف درهم وهبها لي المهدى فوزنتها فرجحت درهما فاشتريت به لحما واشترى يوما لحما بدرهم فلما وضعه في القدر دعاه صديقه فرد اللحم على القصاب ينقصان دانقين فجعل القصاب ينادى الى اللحم ويقول هذا لحم مروان
    واجتاز يوما بأعرابية فأضافته فقال إن وهب لي أمير المؤمنين مائة ألف درهم وهبت لك درهما فوهبه سبعين ألف درهم فوهبها أربعة دوانق

    ومن الموصوفين بالبخل أهل مرو يقال إن عادتهم إذا ترافقوا في سفر أن يشترى كل واحد منهم قطعة لحم ويشكها في خيط ويجمعون اللحم كله في قدر ويمسك كل واحد منهم طرف خيطه فإذا استوى جر كل منهم خيطه وأكل لحمه وتقاسما المرق

    وقيل لبخيل من أشجع من الناس قال من سمع وقع أضراس الناس على طعامه ولم تنشق مرارته
    وقيل لبعضهم أما يكسوك محمد بن يحيى فقال والله لو كان له بيت مملوء إبرا وجاء يعقوب ومعه الأنبياء شفعاء والملائكة ضمناء يستعير منه إبرة ليخيط به قميص يوسف الذي قد من دبر ما أعاره إياها فكيف يكسوني
    وقد نظم ذلك من قال:
    ( لو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... ابرا يضيق بها فناء المنزل )
    ( وأتاك يوسف يستعيرك ابرة ... ليخيط قد قميصه لم تفعل )
    .....
    .

    تعليق

    • نوران العلي
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 3156

      المستطرف في كل فن مستظرف

      يتبع الباب الرابع والثلاثون

      وكان المتنبي بخيلا جدا مدحه انسان بقصيدة فقال له كم أملت منا على مدحك قال عشرة دنانير قال له والله لو ندفت قطن الارض بقوس السماء على جباه الملائكة ما دفعت لك دانقا

      وقال دعبل كنا عند سهل بن هرون فلن نبرح حتى كاد يموت من الجوع فقال ويلك يا غلام اتنا غداءنا فأتى بقصعة فيها ديك مطبوخ تحته ثريد قليل فتأمل الديك فراه بغير رأس فقال لغلامه وأين الراس فقال رميته فقال والله اني لاكره من يرمي برجله فكيف برأسه ويحك أما علمت أن الرأس رئيس الاعضاء ومنه يصيح الديك ولولا صوته ما أريد وفيه فرقه الذي يتبرك به وعينه التي يضرب بها المثل فيقال شراب كعين الديك ودماغه عجيب لوجع الكلية ولم نر عظما أهش تحت الاسنان من عظم رأسه وهبك ظننت أني لا اكله أما قلت عنده من يأكله أنظر في أي مكان رميته فأني به فقال والله لا أدري أين رميته قفال ولكني أنا اعرف أين رميته رميته في بطنك الله حسبك وقيل من الناس من يبخل بالطعام ويجود بالمال وبالعكس
      قال بعضهم في أبي دلف:
      ( أبو دلف يضيع ألف ألف ... ويضرب بالحسام على الرغيف )
      ( دلف لمطبخه قتار ... ولكن دونه سل السيوف )
      واشتكى رجل مروزي صدره من سعال فوصفوا له سويق اللوز فاستثقل النفقة ورأى الصبر على الوجع أخف عليه من الدواء فبينما هو يماطل الأيام ويدافع الالام إذ أتاه بعض أصدقائه فوصف له ماء النخالة وقال إنه يجلو الصدر فأمر بالنخالة فطبخت له وشرب من مائها فجلا صدره وجده يعصم فلما حضر غداؤه أمر به فرفع إلى العشاء وقال لامرأته اطبخي لأهل بيتنا النخالة فاني وجدت ماءها يعصم ويجلو الصدور فقالت لقد جمع لك الله بهذه النخالة بين دواء وغذاء فالحمد لله على هذه النعمة

      وعن خاقان بن صبح قال دخلت على رجل من أهل خراسان ليلا فأتانا بمسرجة فيها فتيلة في غاية الرقة وقد علق فيها عودا بخيط فقلت له ما بال هذالعود مربوطا قال قد شرب الدهن وإذا ضاع ولم نحفظه احتجنا إلى غيره فلا نجد إلا عودا عطشانا ونخشى أن يشرب الدهن قال فبينما أنا اتعجب وأسأل الله العافية إذ دخل علينا شيخ من أهل مرو فنظر إلى العود فقال الرجل يا فلان لقد فررت من شيء وقعت فيما هو شر منه أما علمت أن الريح والشمس يأخذان من سائر الأشياء وينشفان هذا العود لم لا اتخذت مكان هذا العود ابرة من حديد فان الحديد أملس وهو مع ذلك غير نشاف والعود أيضا ربما يتعلق به شعرة من قطن الفتيلة فينقصها فقال له الرجل الخراساني أرشدك الله ونفع بك فلقد كنت في ذلك من المسرفين وقال الهيثم ابن عدي نزل على أبي حفصة الشاعر رجل من اليمامة فأخلى له المنزل ثم هرب مخافة أن يلزمه قراه في هذه الليلة فخرج الضيف واشترى ما احتاج إليه ثم رجع وكتب إليه:
      ( ياأيها الخارج من بيته ... وهاربا من شدة الخوف )
      ( قد جاء بزاد له ... فارجع وكن ضيفا على الضيف )

      واشترى رجل من البخلاء دارا وانتقل إليها فوقف ببابه سائل فقال له فتح الله عليك ثم وقف ثان فقال له مثل ذلك ثم وقف ثالث فقال له مثل ذلك ثم التفت إلى ابنته فقال لها ما أكثر السؤال في هذا المكان قالت يا أبت ما دمت مستمسكا لهم بهذه الكلمة فما تبال كثروا أم قلوا وألأم اللئام وأبخلهم حميد الأرقط الذي يقال له هجاء الأضياف وهو القائل في ضيف له يصف أكله بهذا البيت من قصيدة له:
      ( بين لقمته الأولى إذا انحدرت ... وبين أخرى تليها قيد أظفور )
      وقال فيه أيضا:
      ( تجهز كفاه ويحدر حلقه ... إلى الزور ما ضمت عليه الأنامل )
      وأكل أعرابي مع أبي الأسود رطبا فأكثر ومد أبو الأسود يده إلى رطبة ليأخذها فسبقه الاعرابي إليها فسقطت منه في التراب فأخذها أبو الأسود وقال لا أدعها للشيطان يأكلها فقال الاعرابي والله ولا لجبريل وميكائيل لو نزل من السماء ما تركها وقال اعرابي لنزيل نزل به نزلت بواد غير ممطور ورجل بك غير مسرور فأقم بعدم أو أو ارحل بندم وللحمدوني:
      ( أبا زرارة يوما ... لحاجبه وفي يده الحسام )
      ( وضع الخوان ولاح شخص ... لاختطفن رأسك والسلام )
      ( فقال سوى أبيك فذاك شيخ ... بغيض ليس يردعه الكلام )
      ( فقام وقال من حنق إليه ... ببيت لم يرد فيه القيام )
      ( أبى وابنا أبى والكلب عندي ... بمنزلة إذا حضر الطعام )
      ( وقال له أبن لي يا ابن كلب ... على خبزي أصادر أو أضام )
      ( إذا حضر الطعام فلا حقوق ... علي لوالدي ولا ذمام )
      ( فما في الأرض أقبح من خوان ... عليه الخبز يحضره الزحام )
      فأين هذا من القائل:
      ( بخيل يرى في الجود عار وإنما ... يرى المرء عارا أن يضن ويبخلا )
      ( إذ المرء أثرى ثم لم يرج نفعه ... صديق فلاقته المنية أولا )
      وقال اخر:
      ( وامرة بالبخل قلت لها اقصري ... فليس إليه ما حييت سبيل )
      ( ارى الناس اخوان الكريم وما أرى ... بخيلا له في العالمين خليل )
      وقالوا إذا سألت لئيما شيئا فعاجله ولا تدعه يفكر فانه كلما فكر ازداد بعدا وقال ربعي الهمذاني:
      ( جمعت صنوف المال من كل وجهة ... وما نلتها إلا بكف كريم )
      ( وإني لارجو أن أموت وتنقضي ... حياتي وما عندي يد للئيم )
      وأنشد الجاحظ لأبي الشمقمق:
      ( ممن تعلمت هذا أن لا تجود بشيء ... أما مررت بعبده لعبد حاتم طي )
      ومما قالته الشعراء في البخلاء وطعامهم فمن أهجى ما قيل فيهم بيت جرير في بنى تغلب
      ( والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حك استه وتمثل الأمثالا )
      وله أيضا فيهم:
      ( قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم ... واستوثقوا من رتاج الباب والدار )
      ( قوم إذا استنبح الضيفان كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار )
      ( فتمنع البول شحا أن تجود به ... وما تبول لهم إلا بمقدار )
      ( والخبز كالعنبر الهندي عندهم ... والقمح خمسون إردبا بدينار )
      فأين هؤلاء من الذي قال فيه الشاعر:
      ( أبلج بين حاجبيه نوره ... إذا تغدى رفعت ستوره )
      وقال بعضهم في بخيل:
      ( أتانا بخيل بخبز له ... كمثل الدراهم في رقته )
      ( إذا ما تنفس حول الخوان ... تطاير في البيت من حقته )
      وقال أخر:
      ( تراهم خشية الأضياف خرسا ... يقيمون الصلاة بلا أذان )
      وقال اخر وقد بات عند بخيل:
      ( فبتنا كأنا بينهم أهل مأتم ... على ميت مستودع بطن ملحد )
      ( يحدث بعضا بعضنا بمصابه ... ويأمر بعضا بعضنا بالتجلد )
      وقال اخر:
      ( وجيرة لا ترى في الناس مثلهم ... يكون لهم عيد وافطار )
      ( أن يوقدوا يوسعونا من دخانهم ... وليس يبلغنا ما تطبخ النار )
      وقال اخر وأجاد:
      ( فصدق ايمانه إن قال مجتهدا ... لا والرغيف فذاك البر من قسمه )
      ( فان هممت به فاعبث بخبزته ... فان موقعها من لحمه ودمه )
      ( قد كان يعجبني لو أن غيرته ... على جرادقة كانت على حرمه )
      وقال اخر:
      ( ذهب الكرام فلا كرام ... وبقى العضاريط اللئام )
      ( من لا يقيل ولا ينيل ... ولا يشم له طعام )
      وقال اخر:
      ( من كعب اعينا أخاكما ... على دهره إن الكريم معين )
      ( ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنه ... مخافة أن يرجى نداء حزين )
      ( إذا جئته في حاجة سد بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين )

      وقال اخر:
      ( له يوم ندى ويوم ... يسل السيف فيه من القراب )
      ( جنوده فعلى .... ... سيفه فعلى الكلاب )
      وقال اخر:
      ( زقفت إلى نبهان من صفو فكرتي ... عروسا غدا بطن الكتاب لها صدرا )
      ( فقبلها عشرا وهام بحبها ... فلما ذكرت المهر طلقها عشرا )
      وقال اخر:
      ( لو عبر البحر بأمواجه ... في ليلة مظلمة باردة )
      ( وكفه مملوءة خردلا ... ما سقطت من كفه واحدة )
      وقال اخر:
      ( يا قائما في داره قاعدا ... من غير معنى لا ولا فائدة )
      ( قد مات أضيافك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائدة )
      وقال اخر:
      ( نوالك دونه شوك القتاد ... وخبزك كالثريا في البعاد )
      ( فلو أبصرت ضيفا في منام ... لحرمت الرقاد إلى العباد )
      وقال اخر:
      ( تعجبن لخبز زل من يده ... فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا )
      وقال ابن أبي حازم:
      ( وقالوا قد مدحت فتى كريما ... فقلت وكيف لي بفتى كريم )
      ( بلوت ومر بي خمسون حولا ... وحسبك بالمجرب من عليم )
      ( فلا احد يعد ليوم خير ... ولا أحد يجود على عديم )
      .....
      .

      تعليق

      • نوران العلي
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 3156

        المستطرف في كل فن مستظرف

        يتبع الباب الرابع والثلاثون

        ومن رؤساء أهل البخل:
        محمد بن الجهم وهو الذي قال وددت لو أن عشرة من الفقهاء وعشرة من الخطباء وعشرة من الشعراء وعشرة من الأدباء تواطؤا على ذمي واستسهلوا شتمي حتى ينتشر ذلك في الافاق فلا يمتد إلى أمل امل ولا يبسط نحوى رجاء راج وقال له اصحابه يوما أنا نخشى أن نقعد عندك فوق مقدار شهوتك فلو جعلت لنا علامة تعرفت بها وقت استثقالك لمجالستنا فقال علامة ذلك أن أقول يا غلام هات الغداء

        وقال عمر بن ميمون مررت ببعض طرق الكوفة فإذا أنا برجل يخاصم جارا له فقلت ما بالكما فقال احدهما أن صديق لي زارني فاشتهى رأسا فاشتريته وتغذينا واخذت عظامه فوضعتها على باب داري أتجمل بها فجاء هذا فأخذها وضعها على باب داره يوهم الناس أنه هو الذي اشترى الرأس

        قال رجل من البخلاء لاولاده اشتروا لي لحما فاشتروه فأمر بطبخه فلما استوى أكله جميعه حتى لم يبقى في يده إلا عظمة وعيون أولاده ترمقه فقال ما أعطى أحد منكم هذه العظمة حتى يحسن وصف أكلها فقال ولده الأكبر أمشمشها يا أبت وأمصها حتى لا أدع للذر فيها مقيلا قال لست بصاحبها فقال الأوسط ألوكها يا أبت وألحسها حتى لا يدرى أحد لعام هي أم لعامين قال لست بصاحبها فقال الأصغر يا أبت أمصها ثم أدقها وأسفها سفا قال أنت صاحبها وهي لك زادك الله معرفة وحزما

        وقف اعرابي علي باب أبي الأسود وهو يتغدى فسلم فرد عليه ثم أقبل على الأكل ولم يعزم عليه فقال له الاعرابي أما اني قد مررت بأهلك قال كذلك كان طريقك قال وأمرتك حبلى قال كذلك كان عهدي بها قال قد ولدت قال كان لابد لها أن تلد قال ولدت غلامين قال كذلك كانت أمها قال مات أحدهما قال ما كانت على ارضاع اثنين قال ثم مات الاخر قال ما كان ليبقى بعد موت أخيه وقال ماتت الأم قال حزنا على ولديها قال ما أطيب طعامك قال لأجل ذلك اكلته وحدي والله لاذقنه يا اعرابي

        وقيل خرج أعرابي قد ولاه الحجاج بعض النواحي فأقام بها مدة طويلة فلما كان في بعض الأيام ورد عليه اعرابي من حيه فقدم إليه الطعام وكان إذ ذاك جائعا فسأله عن أهله وقال ما حال ابنى عمير قال على ما تحب قد ملأ الأرض والحي رجالا ونساء قال فما فعلت أم عمير قال صالحة أيضا قال فما حال الدار قال عامرة باهلها قال وكلبنا ايقاع قال قد ملأ الحي نبحا قال فما حال جملي زريق قال على ما يسرك قال فالتفت إلى خادمة وقال ارفع الطعام فرفعه ولم يشبع الاعرابي ثم أقبل عليه يسأله وقال يا مبارك الناصية أعد علي ما ذكرت قال سل عما بدا لك قال فما حال كلبي ايقاع قال مات قال وما الذي أماته قال اختنق بعظمه من عظام جملك زريق فمات قال أومات جملي زريق قال نعم قال وما الذي أماته قال كثرة نقل الماء إلى قبر أم عمير قال او ماتت أم عمير قال نعم قال وما الذي أماتها قال كثرة بكائها على عمير قال أو مات عمير قال نعم قال وما الذي أماته قال سقطت عليه الدار قال أو سقطت الدار قال نعم قال فقام له بالعصا ضاربا فولى من بين يديه هاربا
        ....
        .

        تعليق

        • نوران العلي
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 3156

          المستطرف في كل فن مستظرف

          يتبع الباب الرابع والثلاثون

          وحكى بعضهم قال كنت في سفر فضللت عن الطريق فرأيت بيتا في الفلاة فأتيته فاذا به اعرابية فلما رأتني قالت من تكون قلت ضيف قالت اهلا ومرحبا بالضيف انزل على الرحب والسعة قال فنزلت فقدمت لي طعاما فأكلت وماء فشربت
          فبينما أنا على ذلك إذ أقبل صاحب البيت فقال من هذا فقالت ضيف فقال لا أهلا ولا مرحبا ما لنا وللضيف فلما سمعت كلامه ركبت من ساعتي وسرت
          فلما كان من الغد رأيت بيتا في الفلاة فقصدته فإذا فيه اعرابية فلما رأتني قالت من تكون قلت ضيف قالت لا أهلا ولا مرحبا بالضيف ما لنا وللضيف فبينما هي تكلمني إذ أقبل صاحب البيت فلما راني قال من هذا قالت ضيف قال مرحبا وأهلا بالضيف ثم أتى بطعام حسن فأكلت وماء فشربت
          فتذكرت ما مر بي بالأمس فتبسمت فقال مم تبسمك فقصصت عليه ما اتفق لي مع تلك الاعرابية وبعلها وما سمعت منه ومن زوجته
          فقال لا تعجب إن تلك الاعرابية التي رأيتها هي أختي وإن بعلها أخو امرأتي هذه فغلب على كل طبع أهله
          وحكايات هؤلاء وأمثالهم كثيرة وأخبارهم ونوادرهم شهيرة وفيما ذكرته كفاية وأسأل الله تعالى التوفيق والهداية
          انه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
          وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
          ......
          .

          تعليق

          • نوران العلي
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 3156

            المستطرف في كل فن مستظرف

            الباب الخامس والثلاثون
            في الطعام وأدابه والضيافة واداب المضيف
            وأخبار الاكلة وما جاء عنهم وغيرذلك:-
            أما اباحة الطيب من المطاعم
            فقد قال الله تعالى ( يا أيها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم اياه تعبدون )
            وقال تعالى ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين )
            وقال تعالى ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين امنو في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة )
            وقال رسول الله محرم الحلال كمحلل الحرام وقال عليه الصلاة السلام إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده في مأكله ومشربه

            وكان الحسن رضي الله تعالى عنه يقول ليس في اتخاذ الطعام سرف
            وسئل الفضيل عمن يترك الطيبات من اللحم والخبيص للزهد فقال ما للزهد وأكل الخبيص ليتك تأكل وتتقي الله إن الله لا يكره أن تأكل الحلال إذا اتقيت الحرام
            انظر كيف برك بوالديك وصلتك للرحم وكيف عطفك على الجار وكيف رحمتك للمسلمين وكيف كظمك للغيظ وكيف عفوك عمن ظلمك وكيف إحسانك إلى من أساء إليك وكيف صبرك واحتمالك للأذى أنت إلى أحكام هذا أحوج من ترك الخبيص
            وأما نعوت الأطعمة وما جاء في فيها
            فقد نقل عن الرشيد انه سأل ابا الحرث عن الفالوذج واللوزينج أيهما أطيب فقال يا أمير المؤمنين لا أقضى على غائب فأحضرهما إليه فجعل يأكل من هذا لقمة ومن هذا لقمة ثم قال يا أمير المؤمنين كلما أردت أن أقضي لأحدهما أتى الاخر بحجته

            واختلف الرشيد وأم جعفر في الفالوذج واللوزينج أيهما أطيب فحضر أبو يوسف القاضي فسأله الرشيد عن ذلك فقال يا أمير المؤمنين لايقضى على غائب فأحضرهما فأكل حتى اكتفى فقال له الرشيد احكم قال قد اصطلح الخصمان يا امير المؤمنين فضحك الرشيد وأمر له بألف دينار فبلغ ذلك زبيدة فأمرت له بألف دينار الا دينار

            وسمع الحسن البصري رجلا يعيب الفالوذج فقال لباب البر بلعاب النحل بخالص السمن ما أظن عاقلا يعيبه وقال الأصمعي أول من صنع الفالوذج عبد الله بن جدعان وأتى اعرابي بفالوذج فأكل منه لقمة فقيل له هل تعرف هذا فقال هذا وحياتك الصراط المستقيم

            وكان أحب الطعام إلى رسول الله اللحم
            وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن رسول الله سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم وكان هو سيد الطعام في الدنيا والاخرة وهو يزيد في السمع ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل وكان الدباء
            ويقول يا عائشة إذا طبختي قدر فاكثروا فيها من الدباء فانها تشد القلب الحزين وهي شجرة أخي يونس وعنه قال عليكم بالقرع فانه يشد الفؤاد ويزيد في الدماغ وعليكم بالعدس فانه يرق القلب ويغزر الدمعة

            وعن أبي رافع قال كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول أكل التمر أمان من القولنج وشرب العسل على الريق أمان من الفالج وأكل السفرجل يحسن الولد وأكل الرمان يصلح الكبد والزبيب يشد العصب ويذهب بالنصب والوصب والكرفس يقوي المعدة ويطيب النكهة وأطيب اللحم الكتف وكان يديم أكل الهريسة وكان يأكل على سماط معاوية ويصلي خلف علي ويجلس وحده
            فسئل عن ذلك فقال طعام معاوية ادسم والصلاة خلف علي أفضل وهو أعلم والجلوس وحدي لي أسلم

            وسميت المتوكلية بالمتوكل والمأمونية بالمأمون وقال الحسن ابن سهل يوما على مائدة المأمون الأرز يزيد في العمر فسأله المأمون عن ذلك فقال يا أمير المؤمنين ان طب الهند صحيح
            وهم يقولون ان الأرز يرى منامات حسنة ومن رأى مناما حسنا كان في نهارين فاستحسن قوله وصله
            وقال أبو صفوان الأرز الأبيض بالسمن والسكر ليس من طعام أهل الدنيا
            وقيل لأبي الحرث ماتقول في الفالوذجة قال وددت لو أنها وملك الموت اعتلجا في صدري والله لو ان موسى لقي فرعون بالفالوذجة لامن ولكنه لقيه بعصا وكانت العرب لا تعرف الألوان إنما طعامهم اللحم يطبخ بالماء والملح حتى كان زمن معاوية رضي الله عنه فاتخذ الألوان ويقال للمرقة المسخنة بنت نارين وكان بعض المترفهين يقول جنبوا مائدتي بنت نارين وقالوا كل طعام أعيد عليه التسخين مرتين فهو فاسد

            وقيل إذا ألقي اللحم في العسل ثم أخرج بعد شهر طريا فانه لا يتغير
            ويقال للسكباج سيد المرق وشيخ الأطعمة وزين الموائد ويقال إذا طبخت اللحم بالخل فقد ألقيت عن معدتك ثلث المؤنة
            ويقال للخبز ابن حبة قال بعضهم:
            ( في حبة القلب مني ... زرعت حب ابن حبه )
            .....
            .

            تعليق

            • نوران العلي
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 3156

              المستطرف في كل فن مستظرف

              يتبع الباب الخامس والثلاثون

              وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رفعه أكرموا الخبز قالوا وما كرامته يا رسول الله قال لا ينتظر به الادام إذا وجدتم الخبز فكلوه حتى تؤتوا بغيره
              وفي الحديث من داوم على اللحم أربعين يوما قسا قلبه ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه
              وقيل المائدة التي أنزلت على بنى اسرائيل كان عليها كل القبول إلا الكراث وسمكة عند رأسها خل وعند ذنبها ملح وسبعة أرغفة على كل واحد زيتون وحب رمان ودخل ابن قزعة يوما على عز الدولة وبين يديه طبق فيه موز فتأخر عن استدعائه فقال ما بال مولانا ليس يدعوني إلى الفوز بأكل الموز فقال صفه حتى اطعمك منه فقال مالذي أصف من حسن لونه فيه سبائك ذهبية كأنها حشيت زبدا وعسلا أطيب الثمر كأنه مخ الشحم سهل المقشر لين المكسر عذب المطعم بين الطعوم سلس في الحلقوم ثم مد يده وأكل وسمع رجلا يذم الزبد فقال له ما الذي ذممت منه سواد لونه أم بشاعة طعمه أم صعوبة مدخله أم خشونة ملمسه
              وقيل له ما تقول في الباذنجان فقال اذناب المحاجم وبطون العقارب وبزور الزقوم قيل له أنه يحشى باللحم فيكون طيبا فقال لو حشي بالتقوى والمغفرة ما أفلح

              وصنع الحجاج وليمة واحتفل فيها ثم قال لزاذان هل عمل كسرى مثلها فاستعفاه فأقسم عليه فقال أولم عبد عند كسرى فأقام على رؤوس الناس ألف وصيفة في يد كل واحد ابريق من ذهب فقال الحجاج أف والله ما تركت فارس لمن بعدها من الملوك شرفا

              وأهدى رجل إلى اخر فالوذجة زنخة وكتب إليه اني اخترت لعملها السكر السوسي والعسل المارداني والزعفران والأصبهاني فأجابه والله العظيم ما عملت إلا قبل أن توجد أصبهان وقبل أن تفتح السوس وقبل أن يوحي ربك إلى النحل

              وقيل أن أبا جهم بن عطية كان عينا لأبي مسلم الخولاني على المنصور فأحس المنصور بذلك فطاوله الحديث يوما حتى عطش فاستسقى فدعا له بقدح من سويق اللوز فيه السم فناوله إياه فشرب منه فما بلغ داره حتى مات فقيل في ذلك:
              ( تجنب سويق اللوز لا تقربنه ... فشرب سويق اللوز أردى أبا جهم )
              وقال أبو طالب المأموني:
              ( فما حملت كف أمرىء متطعما ... ألذ وأشهى من أصابع زينب )
              وأصابع زينب ضرب من الحلوى يعمل ببغداد يشبه أصابع النساء المنقوشة ودخل السائب على علي رضي الله تعالى عنه في يوم شات فناوله قدحا فيه عسل وسمن ولبن فأباه فقال أما انك لو شربته لم تزل دفئا شبعان سائر يومك

              وعن نافع بن أبي نعيم قال كان أبو طالب يعطي علينا قدحا من اللبن يصبه على اللات فكان علي يشرب اللبن ويبول على اللات
              وأما الزهد في الماكل
              فقد زهد فيه كثير من الأخيار مع القدرة عليه ومنهم من لا يقدر عليه قالت عائشة رضي الله تعالى عنها والذي بعث محمد ما كان لنا منخل ولا اكل رسول منخولا منذ بعثة الله تعالى إلى أن قبض قيل فكيف كنتم تأكلون الشعير قالت كنا نقول أف أف

              وعن جابر رضي الله عنه تعالى رفعة نعم الأدب الخل وكفى بالمرء سرفا أن يسخط ما قرب إليه
              وقال عمر رضي الله تعالى عنه ما اجتمع عند رسول الله إلا أكل أحدهما وتصدق بالاخر
              وقالت عائشة رضي الله تعالى ما كان يجتمع لونان في لقمة في فم رسول الله كان لحما لم يكن خبزا وان كان خبزا لم يكن لحما

              وعن النبي قال يا علي ابدأبالملح واختم به فان فيه شفاء من سبعين داء
              وروي أن نبيا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام شكا إلى الله الضعف فأمره أن يطبخ اللحم باللبن فان القوة فيهما
              وسنذكر فضل الزهد في الماكل والمشارب في باب مدح الفقراء إن شاء الله تعالى
              ....
              .

              تعليق

              • نوران العلي
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 3156

                المستطرف في كل فن مستظرف

                يتبع الباب الخامس والثلاثون
                وأما ما جاء في ادب الأكل
                فقد قال رسول الله قال عند مطعمة ومشربه بسم الله خير الأسماء بسم الله رب الأرض والسماء لم يضره ما أكل وما شرب وكان وضع بين يديه الطعام قال بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقنا وعليك حلقه وقال أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ومن لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كسانى هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها قال رسول الله إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فان نسي في أوله فليقل بسم الله أوله واخره وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فان الشيطان يأكل بشماله ويشرب وقال في السوق دناءة وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي عن الشرب قائما قال فسألناه عن الأكل قائما فقال هو شر من الشرب وأوصى رجل من خدم الملوك ابنه فقال إذا أكلت فضم شفتيك ولا تلتفتن يمينا ولا شمالا ولا تلقمن بسكين ولا تجلس فوق من هو أشرف منك وأرفع منزلة ولا تبصق في الأماكن النظيفة ومن هذا ما رواه الزهري أن النبي عن النفخ في الطعام والشراب وقال علي رضي الله تعالى عنه نهى رسول الله يؤكل الطعام حارا وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال ما عاب النبي طعاما قط إن اشتهاه أكله والا تركه وقال عمر بن هبيرة عليكم بمباكرة الغذاء فان مباكرته تطيب النكهة وتعين على المروءة وقيل وما إعانته على المروءة قال أن لا تتوق نفسك إلى طعام غيرك وعن النبي من أكل من سقط المائدة عاش في سعة وعوفي في ولده ولد ولده من الحمق وعنه سقط شيئا من الطعام فأكله حرم الله جلده على النار وكان الحرث بن كلدة يقول إذا تغدى أحدكم فلينم على غدائه وإذا تعشى فليخط أربعين خطوة وقيل خير الغداء بواكره وخير العشاء سوافره وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال نهى رسول الله أن يتبع الرجل بصره لقمة أخيه وقال الحجاج لأعرابي يوما على سماطه ارفق بنفسك فقال وأنت ياحجاج اغضض من بصرك وقال معاوية لرجل على مائدته خذ الشعرة من لقمتك فقال وإنك تراعيني مراعاة من يرى الشعرة في لقمتي لا أكلت لك طعاما أبدا وضع معاوية بين يدي الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما دجاجة ففكها فقال معاوية هل بينك وبين أمها عداوة فقال الحسن فهل بينك وبين أمها قرابة أراد معاوية أن الحسن يوقر مجلسه كما توقر مجالس الملوك والحسن أعلم منه بالادب والرسوم المستحسنة رضي الله تعالى عنهما وأحضر أعرابي على مائدة بعض الخلفاء فقدم جدي مشوي فجعل الاعرابي يسرع في أكله منه فقال له الخليفة أراك تأكله بحرد كأن أمه نطحتك فقال أراك تشفق عليه كأن أمه أرضعتك
                وأما ما جاء في كثرة الأكل
                فقد روي عن حذيفة رضي الله تعالى عنه عن النبي قل طعامه صح بطنه وصفا قلبه ومن كثر طعامه سقم بطنه وقسا قلبه وعنه لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب كالزرع إذا كثر عليه الماء مات وقال زين الله رجلا بزينة أفضل من عفاف بطنه وقال عمرو بن عبيد ما رأيت الحسن ضاحكا إلا مرة واحدة قال رجل من جلسائه ما اذاني طعام قط فقال له اخر أنت لو كانت في معدتك الحجارة لطحنتها وقال علي كرم الله وجهه البطنة تذهب الفتنة وقال ابن المقفع كانت ملوك الأعاجم إذا رأت الرجل نهما شرها أخرجوه من طبقة الجد إلى باب الهزل ومن باب التعظيم إلى باب الاحتقار وتقول العرب أقلل طعاما تحمد مناما وكانت العرب تعير بعضها بكثرة الأكل وأنشدوا:
                ( بأكال كأكل العبد ... ولا بنوام كنوم الفهد )
                وانشد الأصمعي لرجل من بني فهد:
                ( إذا لم أزر إلا لاكل أكلة ... فلا رفعت كفي إلي طعامي )
                ( فما أكله إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة ان جعتها بغرام )
                وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها أرارد رسول الله أن يشتري غلاما فألقى بين يديه تمرا فأكل فأكثر فقال إن كثرة الأكل شؤم وقالوا الوحدة خير من الجليس السوء والجليس السوء خير من الأكيل السوء وشكا أبو العيناء إلى صديق له سوء الحال فقال اشكر فان الله قد رزقك الاسلام والعافية قال أجل ولكن بينهما جوع يقلقل الكبد ودعت أبا الحرث حبيبة له فحادثته ساعة فجاع فطلب الأكل فقالت له أما في وجهي ما يشغلك عن الأكل قال جعلت فداءك لو أن جميلا وبثينة قعدا ساعة لا يأكلان لبصق كل منهما في وجه صاحبه وافترقا
                ...

                تعليق

                • نوران العلي
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 3156

                  المستطرف في كل فن مستظرف

                  يتبع الباب الخامس والثلاثون
                  وأما أخبار الأكلة
                  فقد قيل إن وهب بن جرير سأل ميسرة البراش عن أعجب ما أكل فقال أكلت مائة رغيف بمكوك بلح ومر ميسرة المذكور يوما بقوم وهو راكب حمارا فدعوه للضيافه فذبحوا له حماره وطبخوه وقدموه له فأكله فلما أصبح طلب حماره ليركبه فقيل له هو في بطنك وقال المعتمر بن سليمان قلت لهلال المازني ما أكلة بلغتني عنك قال جعت مرة ومعي بعير لي فنحرته وشويته واكلته ولم أبق منه إلا شيئا يسيرا حملته على ظهري فلما كان الليل أردت أن أجامع أمة لي فلم أقدر أن أصل إليها فقالت كيف تصل إلي وبيننا جمل فقلت له كم تكفيك هذه الأكلة فقال أربعة أيام وقال الأصمعي أن سليمان بن عبد الملك كان شرها نهما وكان من شرهه أنه إذا أتى بالسفود وعليه الدجاج السمين المشوي لا يصبر إلى أن يبرد ولا أن يؤتي بمنديل فيأخذ بكمه فيأكل واحدة واحدة حتى يأتي عليها فقال الرشيد ويحك يا أصمعي ما أعلمك بأخبار الناس إني عرضت على جباب سليمان فرأيت فيها اثار الدهن فظننته طيبا حتى حدثتني ثم أمر لي بجبة منها فكنت إذا لبستها أقول هذه جبة سليمان ابن عبد الملك
                  وقال الشمردل وكيل عمرو بن العاص قدم سليمان بن عبد الملك الطائف فدخل هو وعمر بن عبد العزيز إلى وقال يا شمردل ما عندك ما تطعمني قلت عندي جدي كأعظم ما يكون سمنا قال عجل به فأتيته به كأنه عكة سمن فجعل يأكل منه ولا يدعو عمر حتى إذا لم يبق منه إلا فخدا قال هلم يا أبا جعفر فقال إني صائم فاكله ثم قال يا شمردل ويلك أما عندك شيء قلت ست دجاجات كأنهن أفخاد نعام فأتيته بهن فأتى عليهن ثم قال يا شمردل أما عندك شيء قلت سويق كأنه قراضة الذهب فأتيته به فعبه حتى أتى عليه ثم قال يا غلام أفرغت من غذائنا قال نعم قال ما هو قال نيف وثلاثون قدرا قال ائنتي بقدر قدر فأتاه بها ومعه الرقاق فأكل من كل قدر ثلثه ثم مسح يده واستلقى على فراشه وأذن للناس فدخلوا وصف الخوان فقعد وأكل مع الناس وكان هلال بن الأسعر يضع القمع على فيه ويصب اللبن أو النبيذ وكان غليظا عتلا وقال أعرابي لرجل راه سمينا أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك وقال المحمر الاعرابي كانت لي بنت تجلس على المائدة فتبرز كفا كأنها صلفة في ذراع كأنه جمارة فلا تقع عينها على لقمة نفيسة إلا خصتني بها فكبرت وزوجتها وصرت أجلس على المائدة مع ابن لي فيبرز كفا كأنها كرنافة فوالله لن تسبق عيني إلى لقمة طيبة إلا سبقت يده اليها وقال مسلم بن قتيبة عددت للحجاج أربعة وثمانين رغيفا مع كل رغيف سمكة ويقال فلان يحاكي حوت يونس في جودة الألتقام وعصا موسى في سرعة الالتهام
                  وقيل لأبي مرة أي الطعام أحب إليك قال لحم سمين وخبز سميد أضرب فيه ضرب ولي السوء في مال اليتيم وقال صدقة بن عبيد المازني أو لم لي أبي لما تزوجت فعمل عشر جفان ثريد من جزور فكان أول من جاءنا هلال المازني فقدمنا له جفنة مترعة فأكلها ثم اخرى فأكلها حتى أتى على الجميع ثم أتى بقربة مملوءة من النبيذ فوضع طرفها في شدقة وفرغها في جوفه ثم قام فخرج واستانفنا عمل الطعام وكان عبيد بن زياد يأكل في كل يوم خمس أكلات فخرج يوما يريد الكوفة فقال له رجل من بني شيبان الغداء أصلح الله أمير الأمير فنزل فذبح له عشرين طائرا من الأوز فأكلها ثم قدم الطعام فأكل ثم أتى بزنبيلين في أحدهما تين وفي الاخر بيض فجعل يأكل من هذا تينة ومن هذا بيضة حتى أتى على ذلك جميعه ثم رجع جائع وكان ميسرة البراش يأكل الكبش العظيم ومائة رغيف فذكر ذلك للمهدي فقال دعوت يوما بالفيل وأمرت فألقي إليه رغيف فأكل تسعة وتسعين وألقي إليه تمام المائة فلم يأكله
                  وحدث الشيخ نبيه الجوهري أنه سمع الشيخ الإمام عز الدين ابن عبد السلام يقول إن معاوية ابن أبي سفيان كان يأكل في كل يوم مائة رطل بالدمشقي ولا يشبع ونزل رجل بصومعة راهب فقدم إليه الراهب أربعة أرغفة وذهب ليحضر إليه العدس فحمله وجاء فوجده قد أكل الخبز فذهب فأتى بخبز فوجده قد أكل العدس ففعل ذلك عشر مرات فسأله الراهب أين مقصدك قال إلى الأردن قال لماذا قال بلغني أن بها طبيبا حاذقا أسأله عما يصلح معدتي فاني قليل الشهوة للطعام فقال له الراهب إن لي إليك حاجة قال وهي قال إذا ذهبت وأصلحت معدتك فلا تجعل رجوعك علي
                  ....
                  .

                  تعليق

                  • نوران العلي
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 3156

                    المستطرف في كل فن مستظرف

                    يتبع الباب الخامس والثلاثون
                    وأما المهازلة على الطعام
                    فقد روي عن يحيى بن عبد الرحمن رضي الله تعالى عنه قال قالت عائشة رضي الله عنها كان عندي رسول الله فصنعت حريرة فجئت به فقلت لسودة كلي فقالت لا أحبه فقلت والله لتأكلين أو لألطخن وجهك فقالت ما أنا بذائقته فأخذت من الصحفة شيئا فلطخت به وجهها ورسول الله جالس بيني وبينها فتناولت من الصحفة شيئا فلطخت به وجهي وجعل رسول الله يضحك واشترى غندر يوما سمكا وقال لأهله أصلحوه ونام فأكل عياله السمك ولطخوا يده فلما انتبه قال قدموا إلي السمك قالوا قد أكلت قال لا قالوا شم يدك ففعل فقال صدقتم ولكن ما شبعت ودخل الحمدوني على رجل وعنده أقوام بين أيديهم أطباق الحلوى ولا يمدون أيديهم فقال لقد ذكرتموني ضيف إبراهيم وقول الله تعالى ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ) ثم قال كلوا رحمكم الله فضحكوا وأكلوا والحكايات في ذلك كثيرة
                    وأما الضيافة وأطعام الطعام
                    فقد قال الله تعالى ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) وقال رسول الله كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه ولا يؤذ جاره وقال أكل وذو عينين ينظر إليه ولم يواسه ابتلي بداء لا دواء له وقال الحسن كنا نسمع أن احدى مواجب الرحمة إطعام الأخ المسلم الجائع وقيل لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بم اتخذك الله خليلا قال بثلاث ما خيرت بين شيئين إلا اخترت الذي لله على غيره ولا اهتممت بما تكفل لي به ولا تغديت ولا تعشيت إلا مع ضيف ويقولون ما خلا مضيف الخليل عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا ليلة واحدة من ضيف وكان الزهري إذا لم يأكل أحد من أصحابه من طعامه حلف لا يحدثه عشرة أيام وقالوا المائدة مرزوقة أي من كان مضيافا وسع الله عليه وقالوا أول من سن القرى إبراهيم الخليل عليه الصلاة السلام وأول من ثرد الثريد وهشمه هاشم وأول من أفطر جيرانه على طعامه في الاسلام عند الله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أول من وضع موائده على الطريق وكان إذا خرج من بيته طعام لا يعود منه شيء فإن لم يجد من يأكله تركه على الطريق وقيل لبعض الكرماء كيف اكتسبت امتسب مكارم الأخلاق والتأدب مع الأضياف فقال كانت الأسفار تحوجني إلى أن أفد على الناس فما استحسنته من أخلاقهم اتبعته وما استقبحته أجتنبته
                    وأما اداب المضيف
                    فهو أن يخدم أضيافه ويظهر لهم الغنى وبسط الوجه فقد قيل البشاشة في الوجه خير من القرى قالوا فكيف بمن يأتي بها وهو ضاحك وقد ضمن الشيخ شمس الدين البديوي رحمة الله هذا الكلام بأبيات فقال:
                    ( إذا المرء وافى منزلا منك قاصدا ... قراك وأرمته لديك المسالك )
                    ( فكن باسما في وجهه متهللا ... وقل مرحبا أهلا ويوم مبارك )
                    ( وقدم له ما تستطيع من القرى ... عجولا ولا تبخل بما هو هالك )
                    ( فقد قيل بيت سالف متقدم ... تداوله زيد وعمرو ومالك )
                    ( بشاشة وجه المرء خير من القرى ... فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك )
                    وقالت العرب تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة وإطالة الحديث عند المؤاكلة وقال حاتم الطائي
                    ( سلي الطارق المعتر يا أم مالك ... إذا ما أتاني بين ناري ومجزري )
                    ( أأبسط وجهي إنه أول القرى ... وأبذل معروفي له دون منكري )
                    وقال اخر في عبد الله بن جعفر:
                    ( إنك يا ابن جعفر خير فتى ... وخيرهم لطارق إذا أتى )
                    ولله در القائل:
                    ( الله يعلم انه ما سرني ... شيء كطارقة الضيوف النزل )
                    ( ما زلت بالترحيب حتى خلتني ... ضيفا له والضيف رب المنزل )
                    أخذه من قول الشاعر:
                    ( يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا ... نحن الضيوف وأنت رب المنزل )
                    وما أحسن ما قال سيف الدولة بن حمدان:
                    ( منزلنا رحب لمن زاره ... نحن سواء فيه والطارق )
                    ( وكل ما فيه حلال له ... إلا الذي حرمه الخالق )
                    وقال الأصمعي سألت عيينه بن وهب الدارمي عن مكارم الأخلاق فقال أو ما سمعت قول عاصم بن وائل:
                    ( وإنا لنقري الضيف قبل نزوله ... ونشبعه بالبشر من وجه ضاحك )
                    وقال بعض الكرام:
                    ( أضاحك ضيفي قبل أن أنزل رحله ... ويخصب عندي والمحل جديب )
                    ( وما الخصب للاضياف أن تكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب )
                    وقال اخر:
                    ( عودت نفسي إذا ما الضيف نبهني ... عقر العشار على عسر وإيسار )
                    ومن اداب الضيف أن يتفقد دابة ضيفه ويكرمها قبل إكرام الضيف
                    قال الشاعر:
                    ( مطية الضيف عندي تلو صاحبها ... لن يأمن الضيف حتى تكرم الفرسا )
                    وقال علي ابن الحسين رضي الله تعالى عنهما من تمام المروءة خدمة الرجل ضيفه كما خدمهم أبونا إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه بنفسه وأهله أما سمعت قول الله عز وجل ( وامرأته قائمة ) ومن اداب المضيف أن يحدث أضيافه بما تميل إليه نفوسهم ولا ينام قبلهم ولا يشكو الزمان بحضورهم ويبش عند قدومهم ويتألم عند وداعهم وأن لا يحدث بما يروعهم به كما حكى بعضهم قال استدعاني اسحاق بن إبراهيم الظاهري إلى أكل هريسة في بكرة نهار فدخلت لنا الهريسة فأكلنا فإذا شعرة قد جاءت على لقمة غفل عنها طباخه فاستدعى خامه فأسر إليه شيئا لم نعلمه فعاد الخادم ومعه صينية مغطاة فكشف عن الصينية فإذا يد الطباخ مقطوعة تختلج فتكدر علينا عيشنا وقمنا من عنده ونحن لا نعقل فيجب على المضيف أن يراعي خواطر أضيافه كيفما أمكن ولا يغضب على أحد بحضورهم ولا ينغص عيشهم بما يكرهونه ولا يعبس بوجهه ولا يظهر نكدا ولا ينهر أحدا ولا يشتمه بحضرتهم بل يدخل على قلوبهم السرور بكل ما أمكن
                    كما حكي عن بعض الكرام أنه دعا جماعة من أصحابه إلى بستانه وعمل لهم سماطا وكان له ولد جميل الطلعة فكان الولد في أول النهار يخدم القوم ويأنسون به ففي اخر النهار صعد إلى السطح فسقط فمات لوقته فحلف أبوه على أمه بالطلاق الثلاث أن لا تصرخ ولا تبكي إلى أن تصبح فلما كان الليل سأله أضيافه عن ولده فقال هو نائم فلما أصبحوا وأرادوا الخروج قال لهم إن رايتم إن نصلى على ولدي فإنه بالأمس سقط من على السطح فمات لساعته فقالوا له لم لا أخبرتنا حين سألناك فقال ما ينبغي لعاقل أن ينغص على أضيافه في التذاذهم ولا يكدر عليهم في عيشهم فتعجبوا من صبره وتجلده ومكارم أخلاقه ثم صلوا على الغلام وحضروا دفنه وبكوا عليه وانصرفوا وعلى المضيف أن يأمر غلمانه بحفظ نعال أضيافه وتفقد غلمانهم بما يكفيهم ويسهل حجابه وقت الطعام ولا يمنع واردا وقيل لبعض الأمراء الكرام لا بأس بالحجاب لئلا يدخل من لا يعرفه الأمير ويحترز عن العدو فقال إن عدوا يأكل طعامنا ولا ينخدع لا يمكنه الله منا الأليق بالكريم الرئيس أن يمنع حاجبه من الوقوف ببابه عند حضور الطعام فإنه ذلك أول الشناعة عليه وعليه أن يسهر مع أضيافه ويؤانسهم بلذيذ المحادثة وغريب الحكايات وأن يستميل قلوبهم بالبذل لهم من غرائب الظرف إن كان من أهل ذلك وأن يرى أضيافه مكان الخلاء فقد قيل عن ملك الهند أنه قال إذا ضافك أحد فأره الكنيف فإني ابتليت به مرة فوضعته في قلنسوتي وقالوا لا بأس أن يدخل دار أخيه يستطعم للصداقة الوكيدة
                    وقد قصد النبي والشيخان منزل الهيثم بن التيهان وأبي أيوب الأنصاري وكذلك كانت عادة السلف رضي الله تعالى عنهم وكان لعون بن عبد الله المسعودي ثلاثمائة وستون صديقا فكان يدور عليهم في السنة ولا بأس أن يدخل الرجل بيت صديقه فيأكل وهو غائب فقد دخل رسول الله دار بريرة رضي الله عنها فأكل طعامها وهي غائبة وكان الحسن رضي الله عنه يوما عند بقال فجعل يأخذ من هذه الجونة تينة ومن هذه فستقة فيأكلها فقال له هشام ما بدا لك يا أبا سعيد في الورع فقال له يا لكع اتل علي اية الأكل فتلا ( ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ) إلى قوله أو صديقكم فقال الصديق من استروحت إليه النفس واطمأن إليه القلب وعلى المضيف الكريم أن لا يتأخر عن أضيافه ولا يمنعه عن ذلك قلة ما في يده بل يحضر إليهم ما وجد فقد جاء عن أنس وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يقدمون الكسرة اليابسة وحشف التمر ويقولون ما ندري أيهما أعظم وزرا الذي يحتقر ما قدم إليه أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدمه وعن أنس رضي الله عنه عن النبي من ألقم أخاه لقمة حلوة صرف الله عنه مرارة الموقف
                    حكي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه كان نازلا عند الزعفراني ببغداد فكان الزعفراني يكتب في كل يوم رقعة بما يطبخ من الألوان ويدفعها إلى الجارية فأخذهالشافعي منها يوما وألحق فيها لونا اخر فعرف الزعفراني ذلك فأعتق الجارية سرورا بذلك وكانت سنة السلف رضي الله عنهم أن يقدموا جملة الألوان دفعة ليأكل كل شخص ما يشتهي ومن السنة أن يشيع المضيف الضيف الى باب الدار وعلى المضيف اذا قدم الطعام الى أضيافه أن لا ينتظر من يحضر من عشيرته فقد قيل ثلاثة تضني سراج لا يضيء ورسول بطيء ومائدة ينتظر لها من يجيء ونزل الإمام الشافعي رضي الله عنه بالإمام مالك رضي الله عنه فصب بنفسه الماء على يديه وقال له لا يرعك ما رأيت مني فخذماء الضيف على المضيف فرض:
                    ( أعرض طعامك وابذله لمن أكلا ... واحلف على من أبى واشكر لمن فعلا )
                    ( ولا تكن سابري العرض محتشما ... من القليل فلست الدهر محتفلا )
                    ومن البلاء من يعزم على الضيف فيعتذر له فيمسك عنه بمجرد الاعتذار كأنه تخلص من ورطة وقيل لبعض البخلاء ما الفرج بعد الشدة قال أن يعتذر الضيف بالصوم ومن البخلاء من يعجبه طعامه ويصف زبادية ويشتهي أن تبقى على حالها ومنهم من يحضر طعامه فإذا راه ضيوفه أمر بأن يرفع منها أطيبها وأشهاها إلى النفوس ويعتذر أن في أصحابه من يحضر بالغداة عنده
                    وحكي عن البخلاء أنه استأذن عليه ضيف وبين يديه خبز وزبدية فيها عسل نحل فرفع الخبز وأراد أن يرفع العسل فدخل الضيف من قبل أن يرفعه فظن البخيل أن ضيفه لا يأكل العسل بلا خبز فقال له ترى أن تأكل عسلا بلا خبز قال نعم وجعل يلعق العسل لعقة بعد لعقة فقال له البخيل مهلا يا أخي والله أنه يحرق القلب قال نعم صدقت ولكنه قلبك
                    وحكى عن بعضهم أنه قال غلب علي الجوع مرة فقلت امضي إلى دار فلان لأتغدي عنده فجئت إلى باب بيته فوجدت غلامه فقلت له أين سيدك فقال والله لا قلت لك عليه إلا أن أعطيني كسرة قال فرجعت هاربا ومن البخل تقديم الشيء اليسير وتفحيمه
                    وحكى عن بعض البخلاء أنه حلف يوما على صديقه وأحضر له خبزا وجبنا وقال له لا تستقل الجبن فإن الرطل منه بثلاثة دراهم فقال له ضيفه أنا أجعله بدرهم ونصف قال وكيف ذلك قال اكل لقمة بجبن ولقمة بلا جبن فأين هؤلاء من الذي يقول:
                    ( قالت أما ترحل تبغي الغنى ... قلت فمن الطارق المعتم )
                    ( قالت فهل عندك شيء له ... قلت نعم جهد الفتى المعدم )
                    ( فكم وحق الله من ليلة ... قد أطعم الضيف ولم أطعم
                    ( إن الغني بالنفس يا هذه ... ليس الغني بالمال والدرهم )
                    وقال بعض البخلاء:
                    ( سرى نحونا يبغي القرى طاوي الحشى ... لقد علمت فيه الظنون الكواذب )
                    ( فبات له منا إلى الصبح شاتم ... يعدد تطفيل الضيوف وضارب )
                    فشتان ما بين القولين
                    ....
                    .

                    تعليق

                    • نوران العلي
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 3156

                      المستطرف في كل فن مستظرف

                      يتبع الباب الخامس والثلاثون
                      وأما اداب الضيف
                      فهو أن يبادر إلى موافقه المضيف في أمور منها أكل الطعام ولا يعتذر بشبع بل يأكل كيف أمكن فقد حكى أنه ورد على بعض الأعراب ضيف فدخل به إلى بيته وقدم له الطعام فقال الضيف لست بجائع وإنما أحتاج إلى مكان أبيت فيه فقال الأعرابي إذا كان هذا فكن ضيف غيري فاني لا أرى أن تمدحني في البلاد وتهجوني فيما بينى وبينك
                      وحكى عن بعض التجار قال استدعاني أبو حفص محمد بن القاسم الكرخي لأعرض عليه قماشا من تجارتي فبينما أنا بين يديه وإذا بأطباق الفاكهة قد حضرت فقمت من مجلسه فقال يا فلان ما هذا الخلق العامي اجلس فجلست وتحققت كرمه وجعلت اكل الكمثراة في لقمة والتفاحة في لقمة ثم قدم الطعام وكنت جائعا فأكلت جيدا ثم انصرفت فلم أشعر في اليوم الثاني إلا وقد جاءني غلامه ببغلته فاستدعاني إليه فقال يا فلان إني قليل الأكل بطيء الهضم ولقد طابت لي مؤاكلتك بالأمس فأريد أن لا تنقطع بعدها عني قال فكنت متى انقطعت حضر غلامه في طلبي فحصل له بقربي منه مال كثير وجاه عريض
                      ومن اداب الضيف أيضا أن لا يسأل صاحب المنزل عن شيء من داره سوى القبلة وموضع قضاء الحاجة وأن لا يتطلع إلى ناحية الحريم وأن لا يخالفه إذا أجلسه في مكان وأكرمه به وأن لا يمتنع من غسل يديه وإذا رأى صاحب المنزل قد تحرك بحركة فلا يمنعه منها فقد نقل في بعض المجاميع أن بعض الكرماء كان عربيدا على أضيافه سيء الخلق بهم فبلغ ذلك بعض الأذكياء فقال الذي يظهر لي من هذا الرجل أنه كريم الأخلاق وما اظن سوء أخلاقه إلا لسوء أدب الأضياف ولا بد أن أتطفل عليه لأرى حقيقة أمره قال فقصدته وسلمت عليه فقال هل لك أن تكون ضيفي قلت نعم فسار بين يدي إلى أن جاء إلى باب داره فأذن لي فدخلت فأجلسني في صدر مجلسه فجلست حيث أجلسني وأعطاني مسندا فاستندت إليه فأخرج لي شطرنجا وقال أتتقن شيئا قلت نعم فلعبت معه فلما حضر الطعام جعل يقدم لي ما استطابه وأنا اكل فلما فرغنا قدم طستا وإبريقا وأراد أن يسكب الماء على يدي فلم أمنعه من ذلك وأراد الخروج من بين يدي بعد أن قدم نعلي فلم أرده عن ذلك فلما أراد الرجوع قلت يا سيدي أنشدك الله إلا فرجت عني كربة قال وما هي فأخبرته الخبر فقال والله ما يحوجني لذلك إلا سوء أدبهم يصل الضيف إلى داري فأجلسه في الصدر فيابى ذلك ثم أقدم إليه الطعام فلا أتحفه بشيء مستظرف إلا رده علي ثم أريد أن أصب الماء على يديه عند الغسل فيحلف بالطلاق الثلاث ما تفعل ثم أريد أن أشيعه فلا يمكنني من ذلك فأقول في نفسي لا يحكم الإنسان على نفسه حتى في بيته فعند ذلك أشتمه وألعنه وأضربه وفي معنى ذلك يقول بعضهم:
                      ( ينبغي للضيف أن يعترض ... إن كان ذا حزم وطبع لطيف )
                      ( للانسان في بيته ... شاء أن ينصف أو أن يحيف )
                      ومما يعاب على الضيف أمور منها كثرة الأكل المفرط إلا أن يكون بدويا فانها عادته ومنها أن يتتبع طريق الشرهين كمن يتخذ معه خريطة مشمعة يقلب فيها الزبادي والأمراق والحلوى وغير ذلك ومنها أن يأخذ معه ولده الصغير ويعلمه أن يبكي وقت الانصراف من الطعام ليعطى على اسم ولده الصغير ومنها قبح المؤاكلة وقد عد فيها عيوب كثيرة فمنها المتشاوف والعداد والجراف والرشاف والنفاض والقراض والبهات واللتات والعوام والقسام والمخلل والمزبد والمرنخ والمرشش والمفتش والمنشف والملبب والصباغ والنفاخ والحامي والمجنح والشطرنجي والمهندس والمتمني والفضولي
                      فأما المتشاوف فهو الذي يستحكم جوعه قبل فراغ الطعام فلا تراه إلا متطلعا لناحية الباب يظن أن ما دخل هو الطعام وأما العداد فهو الذي يستغرق في عد الزبادي ويعد على أصابعه ويشير إليها وينسى نفسه والجراف هو الذي يجعل اللقم في جانب الزبدية ويجرف بها الى الجانب الاخر والرشاف هو الذي يجعل اللقمة في فيه ويرتشفها فيسمع لها حين البلغ حس لا يخفى على جلسائه وهو يلتذ بذلك والنفاض هو الذي يجعل اللقمة في فيه وينفض أصابعه في الزبدية والقراض هو الذي يقرض اللقمة بأطراف أسنانه حتى يهذبها ويضعها في الطعام بعد ذلك والبهات هو الذي يبهت في وجوه الاكلين حتى يبهتهم ويأخذ اللحم من بين أيديهم واللتات هو الذي يلت اللقمة بأطراف أصابعه قبل وضعها في الطعام والعوام هو الذي يميل ذراعيه يمينه ويسرة لأخذ الزبادي والقسام هو الذي يأكل نصف اللقمة ويعيد باقيها في الطعام من فيه والمخلل هو الذي يخلل أسنانه بأظفاره والمزبد هو الذي يحمل معه الطعام والمرنخ هو الذي يرنخ اللقمة في الأمراق فلا يبلغ الأولى حتى تلين الثانية والمرشش هو الذي يفسخ الدجاج بغير خبرة فيرش على مؤاكليه والمفتش هو الذي يفتش علىاللحم بأصابعه والمنشف هو الذي ينشف يديه من الدهن باللقم ثم يأكلها والملبب هو الذي يملأ الطعام لبابا والصباغ هو الذي ينقل الطعام من زبدية إلى زبدية ليبرده والنفاخ هو الذي ينفخ في الطعام والحامي هو الذي يجعل اللحم بين يديه فيحميه من مؤاكليه والمجنح هو الذي يزاحم مؤاكليه بجناحيه حتى يفسح له في المجلس فلا يشق عليه الأكل والشطرنجي هو الذي يرفع زبدية ويضع زبدية أخرى مكانها والمهندس هو الذي يقول لمن يضع الزبادي ضع هذه هنا وهذه ههنا حتى يأتي قدامه ما يحب والمتمني هو الذي يقول ليتني لم يكن معي من يأكل والفضولي هو الذي يقول لصاحب المنزل عند فراغ الطعام إن كان قد بقي عندك في القدور شيء فاطعم الناس فان فيهم من لم يأكل
                      ...
                      ومن الأضياف من يلذ له حديث إلا وقت غسل يديه فيبقى الغلام واقفا والابريق في يده والناس ينتظرونه ومنهم من يغسل يديه بالاشنان مرة واحدة فإذا اجتمع الوسخ والزفر تسوك بهما ومنهم يدخل الدار فيبتدىء بالهندسة أولا فيقول كان ينبغي أن يكون باب المجلس من ههنا والإيوان كان ينبغي أن يكون من ههنا وينتقل من الهندسة إلى ترتيب المجلس فينقل الفاكهة من موضعها إلى موضع اخر وإن كان قد استحكم جوعه استعفي من الطعام وذهل عن بقية الاضياف وشدة جوعهم ومنهم من يخرج فيطوف على اصدقاء صاحب الدعوة فيتألم عن انقطاعهم ويستوحش من غيبتهم ويسلطهم على عرض صاحبهم
                      ...
                      ولقد حكى عن مغن غير مجيد أنه لم يبطل ولا ليلة واحدة وما ذاك إلا أنه كان إذا سئل أين كنت قال كنت عند الناس وإذا قيل له أين أكلت قال أكلت في بطني وإذا قيل له اين شربت قال شربت في فمي ومنهم من يفهم عن صاحب الدعوة أنه يقول لغلامه اشتر كذا فيقول والله العظيم أو الطلاق الثلاث يلزمه ما يشتري شيئا فأذوقه فيعجز صاحب المنزل ويخجله إذا لم يكن في بيته شيء موجود وليت شعري إذا كان لا يأكل فلأي شيء حضر ومنهم من يرى صاحب البيت قد أسر إلى صديقه شيئا فيقول ما الذي قال المولى لصاحبنا وهو لا يريد أن يعلمه ومنهم من يستعجل صاحب المنزل بالأكل ويشكو الجوع ويظن أن ذلك بسط مكارم أخلاق وإنما ذلك يكون في بيته لا في بيوت الناس ومنهم من يقول لصاحب الدعوة من يغني لنا فيقول فلان فيقول له غلطت لم لا دعوت فلانا ومنهم من يسأل صاحب البيت كيف قوته في النكاح فيقول له أنا رجل كبير قد ضعفت قوتي وشهوتي أو يقول مالي قوة طائلة في ذلك فيقول أنا والله كلما مر علي عام تزايدت شهوتي وكثر لهذا الفن تشوفي ويعلن بذلك حتى تسمعه صاحبة البيت ومنهم من يشكو حاله مع أهل بيته ويذكر نفقته عليهن وكسوته لهن وكثرة إنعامه وإحسانه إليهن وما عليه زوجته من سوء الأخلاق وكبر النفس لتستقل زوجة صاحب البيت ما هي فيه مع زوجها وربما كان ذلك سببا لفراقها منه ومنهم من تعجبه نفسه ويستحسن لباسه ويستطيب رائحته وإذا سمع الغناء تواجد وأظهر الطرب وحرك رأسه ويقوم قائما يتمايل حتى يرى أهل الرجل أنه لطيف الشكل بديع الحركات ويظن في نفسه أنه يعشق وأن رسول صاحبه البيت لا يبطىء عنه ومنهم من يقال له العب الشطرنج فيأباه ويشتغل بالدندنة فيقع في الفضول ومنهم من يتأمر على غلمان صاحب البيت ويهين أولاده ويظن أنه يدل عليهم ومنهم من يقول له صاحب البيت كل فيقول ما اكل إلا أنا ورفيقي ومنهم من يسمع السائل على الباب فيتصدق عليه من مال صاحب البيت بغير إذنه أو يقول للسائل فتح الله عليك ومنهم من يدعو الناس لصاحب الوليمة بغير إذنه ويقلده بذلك المنن واكثر الناس واقع في ذلك

                      نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا وأن يعيذنا من شرور أنفسنا بمنه وكرمه إنه جواد كريم رؤوف رحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
                      وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
                      .....
                      .

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...