موسوعة عبير الثقافية ..(مفهرسة),,

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نوران العلي
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 3156

    الفصل الخامس في الحج وفضله

    الفصل الخامس في الحج وفضله


    قال الله تعالى (
    ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
    وقال رسول الله من خرج من بيته حاجا أو معتمرا فمات أجرى الله له أجر الحاج والمعتمر إلى يوم القيامة
    وقال من استطاع الحج ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا

    وفي الحديث إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة وفيه أعظم الناس ذنوبا من وقف بعرفة فظن أن الله لم يغفر له
    وهو أفضل يوم في الدنيا
    وفي الخبر إن الحجر الأسود ياقوتة من يواقيت الجنة وأنه يبعثه الله يوم القيامة وله عينان ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق وصدق

    وجاء في الحديث الصحيح أن ادم عليه الصلاة و السلام لما قضي مناسكة لقيته الملائكة فقالوا يا ادم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام

    وقال مجاهد أن الحجاج إذا قدموا مكة لحقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل وصافحوا ركبان الحمر واعتنقوا المشاة اعتناقا

    وكان من سنة السلف رضي الله عنهم أن يشيعوا الغزاة ويستقبلوا الحجاج ويقبلوهم بين أعينهم ويسألوهم الدعاء لهم ويبادروا ذلك قبل أن يتدنسوا بالاثام

    وعن النبي أن الله قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف فإن نقصوا كملهم الله تعالى من الملائكة وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة
    فكل من حجها يتعلق بأستارها ويسعى حولها حتى تدخل الجنة فيدخل معها

    وحكي أن جميلة الموصلية بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان حجت سنة ست وثمانين وثلاثمائة فصارت تاريخا مذكورا قيل إنها سقت أهل الموسم كلهم السويق بالطبرزد والثلج
    واستصحبت البقول المزروعة في المراكن على الجمال وأعدت خمسمائة راحلة للمنقطعين ونثرت على الكعبة عشرة الاف دينار ولم تستصبح فيها وعندها إلا بشموع العنبر
    وأعتقت ثلاثمائة عبد ومائتي جارية وأغنت الفقراء والمجاورين

    ولما بنى ادم عليه الصلاة و السلام البيت وقال يا رب إن لكل عامل أجرا فما أجر عملي قال إذا طفت به غفرت لك ذنوبك
    قال زدني قال جعلته قبلة لك ولأولادك قال يا رب زدني قال أغفر لكل من استغفرني من الطائفين به من أهل التوحيد من أولادك قال يا رب حسبي

    وفي الحديث الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وقيل للحسن ما الحج المبرور قال أن ترجع زاهدا في الدنيا راغبا في الاخرة

    وأول من كسا الكعبة الديباج عبد الله بن الزبير وكانت كسوتها المسوح والإنطاع وكان يطيبها حتى يوجد ريحها من خارج الحرم
    وكان حكيم بن حزام يقيم عشية عرفه مائة بدنة ومائة رقبة فيعتق الرقاب عشية عرفة وينحر البدن يوم النحر
    وكان يطوف بالبيت فيقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم الرب ونعم الإله أحبه وأخشاه

    ورؤي الحسن بن علي رضي الله عنهما يطوف بالبيت ثم صار إلى المقام فصلى ركعتين ثم وضع خده على المقام
    فجعل يبكي ويقول عبيدك ببابك خويدمك ببابك سائلك ببابك مسيكينك ببابك يردد ذلك مرارا ثم انصرف رضي الله عنه
    فمر بمساكين معهم فلق خبز يأكلون فسلم عليهم فدعوه إلى الطعام فجلس معهم وقال لولا أنه صدقة لأكلت معكم ثم قال
    قوموا بنا إلى منزلي فتوجهوا معه فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم

    وحج عبد الله بن جعفر رضي الله عنه ومعه ثلاثون راحلة وهو يمشي على رجليه حتى وقف بعرفات فأعتق ثلاثين
    مملوكا وحملهم على ثلاثين راحلة وأمر لهم بثلاثين ألفا وقال أعتقهم لله تعالى لعله يعتقني من النار
    وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته فمشى من المدينة إلى مكة عشرين مرة

    ومن لطيف ما أنشد عمرو بن حبان الضرير حين لم يهد إليه الحجاج شيئا
    ( كأن الحجيج الان لم يقربوا منى ... ولم يحملوا منها سواكا ولا نعلا )
    ( أتونا فما جادوا بعود أراكة ... ولا وضعوا في كف طفل لنا نقلا )

    وقال غيره
    ( يحجون بالمال الذي يجمعونه ... حراما إلى البيت العتيق المحرم )
    ( ويزعم كل منهمو أن وزره ... يحط ولكن فوقه في جهنم )

    وقال اخر
    ( حج في الدهر حجة ... حج فيها وأحرما )
    ( وأتانا من الحجاز ... ز كما راح محرما )
    ( فهو ذو الحجة الذي ... ما توقى محرما )


    وتخاصم بدوي مع حاج عند منصرف الناس فقيل له أتخاصم رجلا من الحجاج فقال
    ( يحج لكيما يغفر الله ذنبه ... ويرجع قد حطت عليه ذنوب )
    وقال أبو الشمقمق
    ( إذا حججت بمال أصله دنس ... فما حجت ولكن حجت العير )
    ( ما يقبل الله إلا كل طيبة ... ما كل من حج بيت الله مبرور )

    والله سبحانه وتعالى أعلم
    ..
    يتبع

    تعليق

    • نوران العلي
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 3156

      يتبع كتاب المستطرف في كل فن مستظرف...الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق

      الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق وذمه وغير ذلك

      نص الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز ومنزل خطابه الوجيز على شرف العقل
      وقد ضرب الله سبحانه وتعالى الأمثال وأوضحها وبين بدائع مصنوعاته وشرحها
      فقال تعالى ( وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لايات لقوم يعقلون )

      وروي عن النبي أنه قال أول ما خلق الله تعالى العقل فقال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال عز من قائل
      وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أعز علي منك بك اخذ وبك أعطي وبك أحاسب وبك أعاقب

      وقال أهل المعرفة والعلم العقل جوهر مضيء خلقه الله عز و جل في الدماغ وجعل نوره في القلب يدرك به المعلومات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة

      واعلم أن العقل ينقسم إلى قسمين
      قسم لا يقبل الزيادة والنقصان وقسم يقبلهما
      فأما الأول فهو العقل الغريزي المشترك بين العقلاء وأما الثاني فهو العقل التجريبي وهو مكتسب وتحصل زيادته بكثرة التجارب والوقائع
      وباعتبار هذه الحالة يقال أن الشيخ أكمل عقلا وأتم دراية وإن صاحب التجارب أكثر فهما وأرجح معرفة ولهذا قيل من بيضت الحوادث سواد لمته وأخلقت التجارب لباس جدته
      وأراه الله تعالى لكثرة ممارسته تصاريف أقداره وأقضيته كان جديرا برزانة العقل ورجاحة الدراية وقد يخص الله تعالى بألطافه الخفية من يشاء من عباده

      فيفيض عليه من خزائن مواهبه رزانة عقل وزيادة معرفة تخرجه عن حد الاكتساب ويصير بها راجحا على ذوي التجارب والاداب

      ويدل على ذلك قصة يحيى بن زكريا عليهما السلام فيما أخبر الله تعالى به في محكم كتابه العزيز حيث
      يقول ( واتيناه الحكم صبيا )
      فمن سبقت له سابقة من الله تعالى في قسم السعادة وأدركته عناية أزلية أشرقت على باطنه أنوار ملكوتية وهداية ربانية فاتصف بالذكاء والفطنة قلبه وأسفر عن وجه الإصابة ظنه

      وإن كان حديث السن قليل التجربة كما نقل في قصة سليمان بن داود عليهما السلام وهو صبي حيث رد حكم أبيه داود عليه السلام في أمر الغنم والحرث
      وشرح ذلك فيما نقله المفسرون أن رجلين دخلا على داود عليه السلام أحدهما صاحب غنم والاخر صاحب حرث فقال أحدهما إن هذا دخلت غنمه بالليل إلى حرثي فأهلكته وأكلته ولم تبق لي فيه شيئا
      فقال داود عليه السلام الغنم لصاحب الحرث عوضا عن حرثه
      فلما خرجا من عنده مرا على سليمان عليه السلام وكان عمره إذ ذاك على ما نقله أئمة التفسير إحدى عشر سنة فقال لهما ما حكم بينكما الملك فذكرا له ذلك فقال غير هذا أرفق بالفريقين
      فعادا إلى داود عليه السلام وقالا له ما قاله ولده سليمان عليه السلام فدعاه داود عليه السلام وقال له ما هو الأرفق بالفريقين
      فقال سليمان تسلم الغنم إلى صاحب الحرث وكان الحرث كرما قد تدلت عناقيده في قول أكثر المفسرين فيأخذ صاحب الكرم الأغنام يأكل لبنها وينتفع بدرها ونسلها ويسلم الكرم إلى صاحب الأغنام
      ليقوم به فإذا عاد الكرم إلى هيئته وصورته التي كان عليها ليلة دخلت الغنم إليه سلم صاحب الكرم الغنم إلى صاحبها وتسلم كرمه كما كان بعناقيده وصورته
      فقال له داود القضاء كما قلت وحكم به كما قال سليمان عليه السلام وفي هذه القصة نزل
      قوله تعالى ( وداود وسليمان إن يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما )


      فهذه المعرفة والدراية لم تحصل لسليمان بكثرة التجربة وطول المدة بل حصلت بعناية ربانية وألطاف إلهية وإذا قذف الله تعالى شيئا من أنوار مواهبه في قلب من يشاء من خلقه
      اهتدى إلى مواقع الصواب ورجح على ذوي التجارب والاكتساب في كثير من الأسباب ويستدل على حصول كمال العقل في الرجل بما يوجد منه وما يصدر عنه

      فإن العقل معنى لا يمكن مشاهدته فإن المشاهدة من خصائص الأجسام فأقول يستدل على عقل الرجل بأمور متعددة منها
      ..ميله إلى محاسن الأخلاق وإعراضه عن رذائل الأعمال ورغبته في إسداء صنائع المعروف وتجنبه ما يكسبه عارا ويورثه سوء السمعة
      ....
      يتبع

      تعليق

      • نوران العلي
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 3156

        يتبع,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق وذمه وغير ذلك


        وقد قيل لبعض الحكماء بم يعرف عقل الرجل

        فقال بقلة سقطه في الكلام وكثرة إصابته فيه فقيل له فإن كان غائبا فقال بإحدى ثلاث إما برسوله وإما بكتابه وإما بهديته
        فإن رسوله قائم مقام نفسه وكتابه يصف نطق لسانه وهديته عنوان همته فبقدر ما يكون فيها من نقص يحكم به على صاحبها

        وقيل من أكبر الأشياء شهادة على عقل الرجل حسن مداراته للناس ويكفي أن حسن المداراة يشهد لصاحبه بتوفيق الله تعالى إياه

        فإنه روي عن النبي أنه قال من حرم مداراة الناس فقد حرم التوفيق
        فمقتضاه أن من رزق المداراة لم يحرم التوفيق وقالوا العاقل الذي يحس المداراة مع أهل زمانه
        وقال رسول الله الجنة مائة درجة تسعة وتسعون منها لأهل العقل واحدة لسائر الناس

        وقال علي بن عبيدة العقل ملك والخصال رعية فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها فسمعه أعرابي فقال هذا كلام يقطر عسله

        وقيل بأيدي العقول تمسك أعنة النفوس وكل شيء إذا كثر رخص إلا العقل فإنه كلما كثر غلا وقيل لكل شيء غاية وحد والعقل لا غاية له ولا حد

        ولكن الناس يتفاوتون فيه تفاوت الأزهار في المروج واختلف الحكماء في ماهيته

        فقال قوم هو نور وضعه الله طبعا وغريزة في القلب كالنور في العين وهو يزيد وينقص ويذهب ويعود وكما يدرك بالبصر شواهد الأمور
        كذلك يدرك بنور القلب المحجوب والمستور وعمى القلب كعمى البصر

        قال الله تعالى ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور )

        وقيل محل العقل الدماغ وهو قول أبو حنيفة رحمه الله تعالى وذهب جماعة إلى أنه في القلب كما روي عن الشافعي رحمه الله تعالى واستدلوا
        بقوله تعالى ( فتكون لهم قلوب يعقلون بها )
        وبقوله تعالى ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب )


        أي عقل وقالوا التجربة مراة العقل ولذلك حمدت أراء المشايخ حتى قالوا المشايخ أشجار الوقار لا يطيش لهم سهم ولا يسقط لهم فهم وعليكم باراء الشيوخ
        فإنهم إن عدموا ذكاء الطبع فقد أفادتهم الأيام حيلة وتجربة

        قال الشاعر
        ( ألم تر أن العقل زين لأهله ... ولكن تمام العقل طول التجارب )
        وقال اخر
        ( إذا طال عمر المرء في غير افة ... أفادت له الأيام في كرها عقلا )

        وقال عامر بن عبد قيس إذا عقلك عقلك عما لا يعنيك فأنت عاقل

        ويقال لا شرف إلا شرف العقل ولا غنى إلا غنى النفس وقيل يعيش العاقل بعقله حيث كان كما يعيش الأسد بقوته حيث كان

        قال الشاعر
        ( إذا لم يكن للمرء عقل فإنه ... وإن كان ذا بيت على الناس هين )
        ( ومن كان ذا عقل أجل لعقله ... وأفضل عقل من يتدين )
        ...
        يتبع

        تعليق

        • نوران العلي
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 3156

          يتبع,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق وذمه وغير ذلك




          وقالوا
          العاقل لا تبطره المنزلة السنية كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت عليه الريح


          والجاهل تبطره أدنى منزلة كالحشيش يحركه أدنى ريح


          وقيل لعلي رضي الله عنه صف لنا العاقل قال هو الذي يضع الشيء مواضعه قيل فصف لنا الجاهل قال قد فعلت يعني الذي لا يضع الشيء مواضعه

          وقال المنصور لولده خذ عني ثنتين لا تقل من غير تفكير ولا تعمل بغير تدبير

          وقال أدرشير أربعة تحتاج إلى أربعة الحسب إلى الأدب والسرور إلى الأمن والقرابة إلى المودة والعقل إلى التجربة

          وقال كسرى أنو شروان أربعة تؤدي إلى أربعة العقل إلى الرياسة والرأي إلى السياسة والعلم إلى التصدير والحلم إلى التوقير

          وقال القاسم بن محمد من لم يكن عقله أغلب الخصال عليه كان حتفه من أغلب الخصال عليه

          وقيل أفضل العقل معرفة العاقل بنفسه
          وقيل ثلاثة هن رأس العقل مداراة الناس والاقتصاد في المعيشة والتجبب إلى الناس
          وقيل من أعجب برأي نفسه بطل رأيه ومن ترك الاستماع من ذوي العقول مات عقله

          وعن عمرو ابن العاص رضي الله تعالى عنه أنه قال أهل مصر أعقل الناس صغارا وارحمهم كبارا

          وقيل العاقل المحروم خير من الأحمق المرزوق
          وقيل لا ينبغي للعاقل أن يمدح امرأة حتى تموت ولا طعاما حتى يستمرئه ولا يثق بخليل حتى يستقرضه
          وقيل طول اللحية أمان من العقل

          وسئل بعضهم أيما أحمد في الصبا الحياء أم الخوف قال الحياء لأن الحياء يدل على العقل والخوف يدل على الخبن
          وقيل غضب العاقل على فعله وغضب الجاهل على قوله

          وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه قال لي رسول الله يا عويمر ازدد عقلا تزدد من الله تعالى قربا قلت بأبي وأمي ومن لي بالعقل
          قال اجتنب محارم الله تعالى وأد فرائض الله تعالى تكن عاقلا ثم تنقل إلى صالح الأعمال تزدد في الدنيا
          عقلا وتزدد من الله قربا وعزا

          وحكى بعض أهل المعرفة قال حياة النفس بالروح وحياة الروح بالذكر وحياة القلب بالعقل وحياة العقل بالعلم

          ويروي عن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه أنه كان ينشد هذه الأبيات
          ويترنم بها
          ( إن المكارم أخلاق مطهرة ... فالعقل أولها والدين ثانيها )
          ( والعلم ثالثها والحلم رابعها ... والجود خامسها والعرف ساديها )
          ( والبر سابعها والصبر ثامنها ... والشكر تاسعها واللين عاشيها )
          ( والعين تعلم من عيني محدثها ... إن كان من حزبها أو من أعاديها )
          ( والنفس تعلم أني لا أصدقها ... ولست أرشد إلا حين أعصيها )
          ...
          يتبع

          تعليق

          • نوران العلي
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 3156

            يتبع,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق

            وقال بعض الحكماء
            العاقل من عقله في إرشاد ورأيه في إمداد فقوله سديد وفعله حميد


            والجاهل من جهله في إغراء فقوله سقيم وفعله ذميم


            ولا يكتفي في الدلالة على عقل الرجل الاغترار بحسن ملبسه وملاحة سمته وتسريح لحيته وكثرة صلفته ونظافة بزته
            إذ كم من كنيف مبيض وجلد مفضض

            وقد قال الأصمعي رأيت بالبصرة شيخا له منظر حسن وعليه ثياب فاخرة وحوله حاشية وهرج وعنده دخل وخرج فأردت أن اختبر عقله فسلمت عليه
            وقلت ما كنية سيدنا فقال أبو عبد الرحمن الرحيم مالك يوم الدين
            قال الأصمعي فضحكت منه وعلمت قلة عقله وكثرة جهله ولم يدفع ذلك عنه غرارة خرجه ودخله
            وقد يكون الرجل موسوما بالعقل مرموقا بعين الفضل فيصدر منه حالة تكشف عن حقيقة حاله وتشهد عليه بقلة عقله واختلاله

            وقيل إن إياس بن معاوية القاضي كان من أكابر العقلاء وكان عقله يهديه إلى سلوك طرق لا يكاد يسلكها من لم يهتد إليها
            فكان من جملة الوقائع التي صدرت منه وشهدت له بالعقل الراجح والفكر القادح
            أنه كان في زمانه رجل مشهور بين الناس بالأمانة فاتفق أن رجلا أراد أن يحج فأودع عند ذلك الرجل الأمين كيسا فيه جملة من الذهب ثم حج
            فلما عاد من حجه جاء إلى ذلك الرجل وطلب كيسه منه فأنكره وجحده
            فجاء إلى القاضي إياس وقص عليه القصة فقال القاضي هل أخبرت بذلك أحدا غيري
            قال لا قال فهل علم الرجل أنك أتيت إلي قال لا قال انصرف وأكتم أمرك ثم عد إلي بعد غد فانصرف
            ثم إن القاضي دعا ذلك الرجل المستودع فقال قد حصل عندي أموال كثيرة ورأيت أن أودعها عندك فاذهب وهيىء لها موضعا حصينا
            فمضى ذلك الرجل وحضر صاحب الوديعة بعد ذهاب الرجل فقال له القاضي إياس امض إلى خصمك واطلب منه وديعتك
            فإن جحدك فقل له امض معي إلى القاضي إياس أتحاكم أنا وأنت عنده
            فلما جاء إليه دفع إليه وديعته فجاء إلى القاضي وأعلمه بذلك ثم إن ذلك الرجل المستودع جاء إلى القاضي طامعا في تسليم المال
            فسبه القاضي وطرده
            وكانت هذه الواقعة مما تدل على عقله وصحة فكره
            ...
            يتبع

            تعليق

            • نوران العلي
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 3156

              يتبع,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق

              بعد موت الخلفاء
              ولما مات بعض الخلفاء اختلفت الروم واجتمعت ملوكها

              فقال الان يشتغل المسلمون بعضهم ببعض فتمكننا الغرة منهم والوثبة عليهم وعقدوا لذلك المشورات وتراجعوا فيه بالمناظرات
              وأجمعوا على أنه فرصة الدهر
              وكان رجل منهم من ذوي العقل والمعرفة والرأي غائبا عنهم فقالوا من الحزم عرض الرأي عليه
              فلما أخبروه بما أجمعوا عليه قال لا أرى ذلك صوابا
              فسألوه عن علة ذلك فقال في غد أخبركم إن شاء الله تعالى
              فلما أصبحوا أتوا إليه وقالوا قد وعدتنا أن تخبرنا في هذا اليوم بما عولنا عليه
              فقال سمعا وطاعة وأمر بإحضار كلبين عظيمين كان قد أعدهما ثم حرض بينهما وحرض كل واحد منهما على الاخر فتواثبا وتهارشا حتى سالت دماؤهما
              فلما بلغا الغاية فتح باب بيت عنده وارسل على الكلبين ذئبا كان قد أعده لذلك فلما أبصراه تركا ما كانا عليه
              وتألفت قلوبهما و وثبا جميعا على الذئب فقتلاه
              فأقبل الرجل على أهل الجمع فقال مثلكم مع المسلمين مثل هذا الذئب مع الكلاب
              لا يزال الهرج بين المسلمين ما لم يظهر لهم عدو من غيرهم
              فإذا ظهر تركوا العداوة بينهم وتألفوا على العدو
              فاستحسنوا قوله واستصوبوا رأيه فهذه صفة العقلاء

              وأما ذم الأحمق فقد قال ابن الأعرابي الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت
              فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر من الأمور

              والحق غريزة لا تنفع فيها الحيلة وهو داء دواؤه الموت

              قال الشاعر
              ( لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها )
              ...
              يتبع

              تعليق

              • نوران العلي
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 3156

                يتبع,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق

                والحمق مذموم

                قال رسول الله الأحمق أبغض الخلق إلى الله تعالى إذ حرمه أعز الأشياء عليه وهو العقل

                ويستدل على صفة الأحمق من حيث الصورة بطول اللحية لأن مخرجها من الدماغ فمن افرط طول لحيته قل دماغه
                ومن قل دماغه قل عقله ومن قل عقله فهو أحمق
                وأما صفته من حيث الأفعال فترك نظره في العواقب وثقته بمن لا يعرفه والعجب وكثرة الكلام وسرعة الجواب
                وكثرة الالتفات والخلو من العلم والعجلة والخفة والسفه والظلم والغفلة والسهو والخيلاء
                إن استغنى بطر وإن افتقر قنط وإن قال أفحش وإن سئل بخل وإن سأل ألح وإن قال لم يحسن وإن قيل له لم يفقه
                وإن ضحك قهقه وإن بكى صرخ وإن اعتبرنا هذه الخلال وجدناها في كثير من الناس
                فلا يكاد يعرف العاقل من الأحمق

                قال عيسى عليه السلام عالجت الأبرص والأكمة فأبرأتهما وعالجت الأحمق فأعياني والسكوت عند الأحمق جوابه

                ونظر بعض الحكماء إلى أحمق على حجر فقال حجر على حجره

                وحكي أن احمقين اصطحبا في طريق فقال أحدهما للاخر تعال نتمن على الله فإن الطريق تقطع بالحديث
                فقال أحدهما أنا أتمنى قطائع غنم أنتفع بلبنها ولحمها وصوفها
                وقال الاخر أنا أتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى لا تترك منها شيئا
                قال ويحك أهذا من حق الصحبة وحرمة العشرة
                فتصايحا وتخاصما واشتدت الخصومة بينهما حتى تماسكا بالأطواق
                ثم تراضيا من أن أول من يطلع عليهما يكون حكما بينهما فطلع عليهما شيخ بحمار عليه زقان من عسل
                فحدثاه بحديثهما
                فنزل بالزقين وفتحهما حتى سال العسل على التراب قال صب الله دمي مثل هذا العسل إن لم تكونا أحمقين .
                ...
                يتبع

                تعليق

                • نوران العلي
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 3156

                  نهاية,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق

                  وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كان رجل يتعبد في صومعة فأمطرت السماء وأعشبت الأرض
                  فرأى حماره يرعي في ذلك العشب فقال يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري هذا
                  فبلغ ذلك بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
                  فهم أن يدعو عليه
                  فأوحى الله إليه لا تدع عليه فإني أجازي العباد على قدر عقولهم

                  ويقال فلان ذو حمق وافر وعقل نافر ليس معه من العقل إلا ما يوجب حجة الله عليه

                  وخطب سهل هند ابنة عتبة فحمقته
                  فقال :
                  ( وما هوجي يا هند إلا سجية ... أجر لها ذيلي بحسن الخلائق )
                  ( ولو شئت خادعت الفتى عن قلوصه ... ولا طمت في البطحاء من كل طارق )

                  ويقال للابله السليم القلب هو من بقر الجنة لا ينطح ولا يرمح
                  والأحمق المؤذي هو من بقر سقر

                  والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
                  ،
                  نهاية الباب الثاني..
                  ....
                  ..
                  يتبع مع الباب الثالث
                  في القران وفضله وحرمته وما اعد الله لقارئه

                  تعليق

                  • نوران العلي
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 3156

                    الباب الثالث في القرآن وفضله وحرمته

                    الباب الثالث في القران وفضله وحرمته
                    وما أعد الله تعالى لقارئه من الثواب العظيم والأجر الجسيم

                    قال الله تعالى ( ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مذكر )
                    وسمى الله تعالى القران كريما فقال تعالى ( إنه لقران كريم )
                    وسماه حكيما فقال تعالى ( يس والقران الحكيم )
                    وسماه مجيدا فقال تعالى ( ق والقران المجيد )

                    انزله الله تعالى على سيد الأنام وخاتم الانبياء الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام
                    فكان من أعظم معجزاته أن اعجز الله الفصحاء عن معارضته وعن الاتيان باية من مثله
                    قال تعالى ( قل فأتوا بسورة من مثله )
                    وقال تعالى ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القران لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا )

                    فهو النور المبين والحق المستبين لا شيء أسطع من أعلامه ولا أصدع من أحكامه ولا أفصح من بلاغته ولا أرجح من فصاحته
                    ولا أكثر من إفادته ولا ألذ من تلاوته .

                    قال رسول الله القران فيه خبر من قبلكم ونبأ من بعدكم وحكم ما بينكم
                    وقال أيضا البيوت بيت صغر من كتاب الله تعالى

                    وقال الشعبي الذي يقرأ القران إنما يحدث عن ربه عز و جل

                    وفد غالب ابن صعصعة على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعه ابنه الفرزدق فقال له من أنت قال غالب بن صعصعة
                    قال ذو الإبل الكثيرة قال نعم قال فما فعلت بإبلك قال أذهبتها النوائب وزعزعتها الحقوق
                    قال ذلك خير سبلها
                    ثم قال له يا أبا الأخطل من هذا الذي معك قال ابني وهو شاعر
                    قال علمه القران فهو خير له من الشعر فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيد نفسه والى على نفسه
                    ان لا يحل قيده حتى يحفظ القران فحفظه في سنة
                    وفي ذلك قال
                    ( وما صب رجلي في حديد مجاشع ... مع القيد إلا حاجة لي اريدها )
                    ...
                    يتبع

                    تعليق

                    • نوران العلي
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 3156

                      الباب الثالث في القرآن وفضله\2


                      وقال أنس رضي الله عنه قال رسول الله
                      يا بني لا تغفل عن قراءة القران إذا أصبحت وإذا أمسيت فإن القران يحيي القلب الميت وينهي عن الفحشاء والمنكر

                      وحكي الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار قال ومن حكايات الحشوية ما قيل إن إبراهيم الخواص مر بمصروع فأذن في اذنه
                      فناداه الشيطان من جوفه دعني اقتله فإنه يقول القران مخلوق

                      وكان سفيان الثورى رحمه الله تعالى إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القران
                      وكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى إذا دخل شهر رمضان يفر من مذاكرة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على القراءة في المصحف
                      وكان أبو حنيفة والشعبي رحمهما الله تعالى يختمان في رمضان ستين ختمه

                      وقال علي رضي الله تعالى عنه من قرأ القران فمات فدخل النار فهو ممن كان يتخذ ايات الله هزوا وقال الشعبي اللسان عدل على الأذن والقلب فاقرأ قراءة تسمعها اذنك ويفهمها قلبك

                      وقال رسول الله من قرأ القران ثم رأى أن أحدا أوتي فقد استصغر ما عظم الله
                      وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد قيل يا رسول الله وما جلاؤها قال قراءة القران وذكر الموت

                      وقال عمر بن ميمون من نشر مصحفا حين يصلي الصبح فقرأ مائة اية رفع الله له مثل عمل جميع أهل الدنيا

                      وقال علي كرم الله وجهه من قرأ القران وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأه وهو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة
                      ومن قرأه في غير صلاة وهو على وضوء فخمسة وعشرون حسنة ومن قرأه على غير وضوء فعشر حسنات

                      وقال ابن عباس رضي الله عنهما لأن أقرأ البقرة وال عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب إلى من أن أقرأ القران كله هذرمة

                      وقال رسول الله اقرؤا القران وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا

                      وعن صالح المزني قال قرأت القران على رسول الله في المنام فقال لي يا صالح هذه القراءة فأين البكاء

                      وكان عثمان رضي الله عنه يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة وليلة السبت بالأنعام إلى هود وليلة الأحد بيوسف إلى مريم
                      وليلة الأثنين بطه إلى طسم نبأ موسى وفرعون وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن ويختم ليلة الخميس

                      وعن علي رضي الله عنه لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا خير في قراءة لا تدبر فيها

                      وكان عكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنه ولعن أباه إذا نشر المصحف أغمى عليه
                      ويقول هو كلام ربي.
                      ...
                      يتبع

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...