موسوعة عبير الثقافية ..(مفهرسة),,

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نوران العلي
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 3156

    الفصل الثالث في ذكر الفصحاء من الرجال

    الفصل الثالث في ذكر الفصحاء من الرجال
    دخل الحسن بن الفضل على بعض الخلفاء وعنده كثير من أهل العلم فأحب الحسن أن يتكلم فزجره وقال يا صبي تتكلم في هذا المقام
    فقال يا أمير المؤمنين إن كنت صبيا فلست بأصغر من هدهد سليمان ولا انت بأكبر من سليمان عليه السلام حين قال أحطت بما لم تحط به
    ثم قال ألم تر أن الله فهم الحكم سليمان ولو كان الأمر بالكبر لكان داود أولى

    ولما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز أتته الوفود فإذا فيهم وفد الحجاز فنظر إلى صبي صغير السن وقد أراد أن يتكلم
    فقال ليتكلم من هو أسن منك فإنه أحق بالكلام منك فقال الصبي يا امير المؤمنين لو كان القول كما تقول لكان في مجلسك هذا من هو أحق به منك
    قال صدقت فتكلم فقال يا أمير المؤمنين إنا قدمنا عليك من بلد تحمد الله الذي من علينا بك ما قدمنا عليك رغبة منا ولا رهبة منك
    أما عدم الرغبة فقد امنا بك في منازلنا وأما عدم الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك فنحن وفد الشكر والسلام
    فقال له عمر رضي الله عنه عظني يا غلام
    فقال يا أمير المؤمنين إن أناسا غرهم حلم الله وثناء الناس عليهم فلا تكن ممن يغره حلم الله وثناء الناس عليه فتزل قدمك وتكون من الذين
    قال الله فيهم ( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون )
    فنظر عمر في سن الغلام فإذا له اثنتا عشرة سنة
    فأنشدهم عمر رضي الله تعالى عنه
    ( تعلم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل )
    ( فإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل )
    يتبع

    تعليق

    • نوران العلي
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 3156

      الفصل الثالث في ذكر الفصحاء من الرجال

      وحكي أن البادية قحطت في أيام هشام
      فقدمت عليه العرب فهابوا أن يكلموه وكان فيهم درواس ابن حبيب وهو ابن ست عشرة سنة له ذؤابة وعليه شملتان فوقعت عليه عين هشام
      فقال لحاجبه ما شاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقا
      فقال يا أمير المؤمنين إن للكلام نشرا وطيا وإنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره فإن أذن لي أمير المؤمنين أن أنشره نشرته فأعجبه كلامه
      وقال له أنشره لله درك فقال يا أمير المؤمنين إنه اصابتنا سنون ثلاث سنة أذابت الشحم وسنة أكلت اللحم وسنة دقت العظم
      وفي أيديكم فضول مال فإن كانت لله ففرقوها على عباده وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين
      فقال هشام ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثلاث عذرا فأمر للبوادي بمائة ألف دينار وله بمائة ألف درهم ثم قال له ألك حاجة
      قال مالي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين فخرج من عنده وهو من أجل القوم
      وقيل إن سعد بن ضمرة الأسدي لم يزل يغير على النعمان بن المنذر يستلب أمواله حتى عيل صبره فبعث إليه يقول إن لك عندي الف ناقة على أنك تدخل في طاعتي
      فوفد عليه وكان صغير الجثة اقتحمته عينه ويتنقصه فقال مهلا أيها الملك إن الرجال ليسوا بعظم أجسامهم
      وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه إن نطق نطق ببيان وإن صال صال بجنان
      ثم أنشأ يقول:
      ( يا ايها الملك المرجو نائله ... إني لمن معشر شم الذرى زهر )
      ( فلا تغرنك الأجسام إن لنا ... أحلام عاد وإن كنا إلى قصر )
      ( فكم طويل إذا أبصرت جثته ... تقول هذا غداة الروع ذو ظفر )
      ( فإن ألم به أمر فأفظعه ... رأيته خاذلا بالأهل والزمر )
      فقال صدقت فهل لك علم بالأمور قال إني لأنقض منها المفتول وأبرم منها المحلول وأجيلها حتى تجول ثم أنظر فيها إلى ما تؤول
      وليس للدهر بصاحب من لا ينظر في العواقب
      قال فتعجب النعمان من فصاحته وعقله ثم أمر له بألف ناقة وقال له يا سعد إن أقمت واسيناك وإن رحلت وصلناك
      فقال قرب الملك أحب إلي من الدنيا وما فيها فأنعم عليه وأدناه وجعله من أخص ندمائه.
      يتبع

      تعليق

      • نوران العلي
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 3156

        يتبع..الفصل الثالث في ذكر الفصحاء من الرجال

        وحكي أن هرقل ملك الروم كتب إلى معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه يسأله عن
        الشيء ولا شيء وعن دين لا يقبل الله غيره وعن مفتاح الصلاة وعن غرس الجنة
        وعن صلاة كل شيء وعن أربعة فيهم الروح ولم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء
        وعن رجل ولا أب له وعن رجل لا أم له وعن قبر جرى بصاحبه وعن قوس قزح ما هو
        وعن بقعة طلعت عليها الشمس مرة واحدة ولم تطلع عليها قبلها ولا بعدها
        وعن ظاعن ظعن مرة واحدة ولم يظعن قبلها ولا بعدها وعن شجرة نبتت من غير ماء
        وعن شيء تنفس ولا روح له وعن اليوم وأمس وغد وبعد غد وعن البرق والرعد وصوته
        وعن المحو الذي في القمر

        فقيل لمعاوية لست هناك ومتى أخطأت في شيء من ذلك سقطت من عينه فاكتب إلى ابن عباس يخبرك عن هذه المسائل فكتب إليه فأجابه

        أما الشيء فالماء قال الله تعالى ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )
        وأما لا شيء فانها الدنيا تبيد وتفنى
        وأما دين لا يقبل الله غيره فلا إله إلا الله
        وأما مفتاح الصلاة فالله أكبر وأما غرس الجنة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
        واما صلاة كل شيء فسبحان الله وبحمده
        واما الأربعة الذين فيهم الروح ولم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء فادم وحواء وناقة صالح وكبش إسماعيل
        وأما الرجل الذي لا أب له فالمسيح وأما الرجل الذي لا ام له فادم عليه السلام
        وأما القبر الذي جرى بصاحبه فحوت يونس عليه السلام سار به في البحر
        وأما قوس قزح فأمان من الله لعباده من الغرق
        وأما البقعة التي طلعت عليها الشمس مرة واحدة فبطن البحر حين انفلق لبني إسرائيل
        وأما الظاعن الذي ظعن مرة ولم يظعن قبلها ولا بعدها
        فجبل طور سيناء كان بينه وبين الأرض المقدسة أربع ليال فلما عصت بنو إسرائيل أطاره الله تعالى بجناحين فنادى مناد
        إن قبلتم التوراة كشفته عنكم ولا ألقيته عليكم فأخذوا التوراة معذرين فرده الله تعالى إلى موضعه فذلك
        قوله تعالى ( وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة ظنوا أنه واقع بهم ) الاية
        وأما الشجرة التي تنبت من غير ماء فشجرة اليقطين التي أنبتها الله تعالى على يونس عليه السلام
        وأما الشيء الذي يتنفس بلا روح فالصبح قال الله تعالى ( والصبح إذا تنفس )
        وأما اليوم فعمل وأمس فمثل وغد فأجل وبعد غد فأمل
        وأما البرق فمخاريق بأيدي الملائكة تضرب بها السحاب وأما الرعد فاسم الملك الذي يسوق السحاب وصوته زجره
        وأما المحو الذي في القمر فقول الله تعالى ( وجعلنا الليل والنهار ايتين فمحونا اية الليل وجعلنا اية النهار مبصرة )
        ولولا ذلك المحو لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل

        ودعا بعض البلغاء لصديق له فقال تمم الله عليك ما أنت فيه
        وحقق ظنك فيما ترجوه وتفضل عليك بما لم تحتسبه.
        يتبع

        تعليق

        • نوران العلي
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 3156

          يتبع..الفصل الثالث في ذكر الفصحاء من الرجال

          وحكي أن الحجاج سأل يوما الغضبان بن القبعثري عن مسائل يمتحنه فيها من جملتها أن قال له
          من أكرم الناس قال أفقههم في الدين وأصدقهم لليمين وابذلهم للمسلمين وأكرمهم للمهانين وأطعمهم للمساكين
          قال فمن ألأم الناس قال المعطي على الهوان المقتر على الاخوان الكثير الألوان قال فمن شر الناس قال أطولهم جفوة وأدومهم صبوة وأكثرهم خلوة وأشدهم قسوة قال فمن أشجع الناس قال أضربهم بالسيف وأقراهم للضيف وأتركهم للحيف قال فمن أجبن الناس قال المتأخر عن الصفوف المنقبض عن الزجوف المرتعش عند الوقوف المحب ظلال السقوف الكاره لضرب السيوف قال فمن أثقل الناس قال المتفنن في الملام الضنين بالسلام المهذار في الكلام المقبقب على الطعام قال فمن خير الناس قال أكثرهم احسانا وأقومهم ميزانا وأدومهم غفرانا وأوسعهم ميدانا
          قال لله ابوك فكيف يعرف الرجل الغريب أحسيب هو ام غير حسيب قال أصلح الله الأمير إن الرجل الحسيب يدلك أدبه وعقله وشمائله وعزة نفسه وكثرة احتماله وبشاشته وحسن مداورته على أصله فالعاقل البصير بالاحساب يعرف شمائله والنذل الجاهل يجهله فمثله كمثل الدرة إذا وقعت عند من لا يعرفها ازدراها وإذا نظر إليها العقلاء عرفوها وأكرموها فهي عندهم لمعرفتهم بها حسنة نفيسة فقال الحجاج لله ابوك فما العاقل والجاهل قال أصلح الله الأمير العاقل الذي لا يتكلم هذرا ولا ينظر شزرا ولا يضمر غدرا ولا يطلب عذرا والجاهل هو المهذر في كلامه المنان بطعامه الضنين بسلامه المتطاول على إمامه الفاحش على غلامه قال لله أبوك فما الحازم الكيس قال المقبل على شأنه التارك لما لا يعنيه قال العاجز قال المعجب بارائه الملتفت إلى ورائه قال هل عندك من النساء خبر قال أصلح الله الأمير إني بشأنهن خبير إن شاء الله تعالى إن النساء من أمهات الأولاد بمنزلة الاضلاع إن عدلتها انكسرت ولهن جوهر لا يصلح إلا على المداراة فمن داراهن انتفع بهن وقرت عينه ومن شاورهن كدرن عيشه وتكدرت عليه حياته وتنغصت لذاته فأكرمهن أعفهن وأفخر أحسابهن العفة فإذا زلن عنها فهن أنتن من الجيفة فقال له الحجاج يا غضبان إني موجهك إلى ابن الأشعث وافد فماذا أنت قائل له قال أصلح الله الأمير أقول ما يرديه ويؤذيه ويضنيه فقال إني أظنك لا تقول له ما قلت وكأني بصوت جلاجلك تجلجل في قصري هذا قال كلا أصلح الله الأمير سأحدد له لساني وأجريه في ميداني قال فعند ذلك أمره بالمسير إلى كرمان فلما توجه إلى ابن الأشعث وهو على كرمان بعث الحجاج عينا عليه أي جاسوسا وكان يفعل ذلك مع جميع رسله فلما قدم الغضبان على ابن الأشعث قال له إن الحجاج قد هم بخلعك وعزلك فخذ حذرك وتغد به قبل أن يتعشى بك فأخذ حذره عند ذلك ثم أمر للغضبان بجائزة سنية وخلع فاخرة فأخذها وانصرف راجعا فأتى إلى أرملة كرمان في شدة الحر القيظ وهي رملة شديدة الرمضاء فضرب قبته فيها وحط عن رواحله فبينما هو كذلك إذا باعرابي من بني بكر بن وائل قد أقبل على بعير قاصدا نحوه وقد اشتد الحر وحميت الغزاله وقت الظهيرة وقد ظمىء ظمأ شديدا فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال الغضبان هذه سنة وردها فريضة قد فاز قائلها وخسر تاركها ما حاجتك يا اعرابي قال أصابتني الرمضاء وشدة الحر والظمأ فيممت قبتك أرجو بركتها قال الغضبان فهلا تيممت قبة أكبر من هذه وأعظم قال ايتهن تعني قال قبة الأمير بن الأشعث قال تلك لا يوصل إليها قال إن هذه أمنع منها فقال الاعرابي ما اسمك يا عبد الله قال اخذ فقال وما تعطي قال أكره أن يكون لي اسمان قال بالله من أين أنت قال من الأرض قال فاين تريد قال أمشي في مناكبها فقال الأعرابي وهو يرفع رجلا ويضع أخرى من شدة الحر أتقرض الشعر قال إنما يقرض الفأر فقال أفتسجع قال إنما تسجع الحمامة فقال يا هذا أئذن لي أن أدخل قبتك قال خلفك أوسع لك فقال قد أحرقني حر الشمس قال مالي عليها من سلطان فقال الرمضاء أحرقت قدمي قال بل عليها تبرد فقال إني لا أريد طعامك ولا شرابك قال لا تتعرض لما لا تصل إليه ولو تلفت روحك فقال الأعرابي سبحان الله قال نعم من قبل أن تطلع أضراسك فقال الأعرابي ما عندك غير هذا قال بلى هراوة أضرب بها رأسك فاستغاث الأعرابي يا جار بني كعب قال الغضبان بئس الشيخ أنت فوالله ما ظلمك أحد فتستغيث فقال الأعرابي ما رأيت رجلا أقسى منك أتيتك مستغيثا فحجبتني وطردتني هلا أدخلتني قبتك وطارحتني القريض قال مالي بمحادثتك من حاجة فقال الأعرابي بالله ما أسمك ومن انت فقال الغضبان بن القبعثري فقال اسمان منكران خلقا من غضب قال قف متوكئا على باب قبتي برجلك هذه العوجاء فقال قطعها الله إن لم تكن خيرا من رجلك هذه الشنعاء قال الغضبان لو كنت حاكما لجرت في حكومتك لأن رجلي في الظل قاعدة ورجلك في الرمضاء قائمة فقال الأعرابي إني لأظنك حروريا قال اللهم اجعلني ممن يتحرى الخير ويريده فقال إني لأظن عنصرك فاسدا قال ما أقدرني على إصلاحه فقال الأعرابي لا أرضاك الله ولا حياك ثم ولى
          وهو يقول:
          ( لا بارك الله في قوم تسودهم ... إني أظنك والرحمن شيطانا )
          ( أتيت قبته ارجو ضيافته ... فأظهر الشيخ ذو القرنين حرمانا )
          فلما قدم الغضبان على الحجاج وقد بلغه الجاسوس ما جرى بينه وبين ابن الأشعث وبين الأعرابي قال له الحجاج يا غضبان كيف وجدت أرض كرمان قال اصلح الله الأمير أرض يابسة الجيش بها ضعاف هؤلاء إن كثروا جاعوا وإن قلوا ضاعوا فقال له الحجاج ألست صاحب الكلمة التي بلغتني أنك قلت لابن الأشعث تغد بالحجاج قبل ان أن يتعشى بك فوالله لأحبسنك عن الوساد ولأنزلنك عن الجياد ولأشهرنك في البلاد قال الأمان ايها الأمير فوالله ما ضرت من قيلت فيه ولا نفعت من قيلت له فقال له ألم أقل لك كأني بصوت جلاجلك تجلجل في قصري هذ اذهبوا به إلى السجن فذهبوا به فقيد وسجن فمكث ما شاء الله ثم إن الحجاج ابتنى الخضراء بواسط فأعجب بها فقال لمن حوله كيف ترون قبتي هذه وبناءها فقالوا أيها الأمير إنها حصينة مباركة منيعة نضرة بهجة قليل عيبها كثير خيرها قال لم لم تخبروني بنصح قالوا لا يصفها لك إلا الغضبان فبعث إلى الغضبان فأحضره وقال له كيف ترى قبتي هذه وبناءها قال اصلح الله الأمير بنيتها في غير بلدك لا لك ولا لولدك لا تدوم لك ولا يسكنها وارثك ولا تبقى لك وما انت لها بباق فقال الحجاج قد صدق الغضبان ردوه إلى السجن فلما حملوه قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين فقال أنزلوه فلما أنزلوه قال رب أنزلني منزلا مباركا وانت خير المنزلين فقال اضربوا به الأرض فلما ضربوا به الأرض قال منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى فقال جروه فأقبلوا يجرونه وهو يقول بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم فقال الحجاج ويلكم اتركوه فقد غلبني دهاء وخبثا ثم عفا عنه وانعم عليه وخلى سبيله.
          يتبع

          تعليق

          • نوران العلي
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 3156

            يتبع..الفصل الثالث في ذكر الفصحاء من الرجال

            وحدث الزبير قال دخل محمد بن عبد الملك ابن صالح على المأمون وقد كانت ضياعهم أخذت فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين محمد بن عبد الملك بين يديك سليل نعمتك وغصن من أغصان دوحتك أتأذن له في الكلام فقال تكلم فقال الحمد لله رب العالمين ولا إله إلا الله رب العرش العظيم وصلى الله والملائكة على محمد خاتم النبيين ونستمتع الله لحياطة ديننا ودنيانا ورعاية أدنانا واقصانا ببقائك يا أمير المؤمنين ونسأل الله أن يمد في عمرك من أعمارنا وأن يقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا فإن الحق لا تعفو اثاره ولا ينهدم مناره ولا ينبت حبله ولا يزول ما دمت بين الله وبين عباده والأمين على بلاده يا أمير المؤمنين هذا المقام مقام العائذ بظلك الهارب إلى كنفك الفقير إلى رحمتك وعدلك من تعاود النوائب وسهام المصائب وكلب الدهر وذهاب النعمة وفي نظر أمير المؤمنين ما يفرج كربة المكروب ويبرد غليل القلوب وقد نفذ أمر أمير المؤمنين في الضياع التي أفادناها نعم ابائه الطيبين ونوافل أسلافه الطاهرين الراشدين وقد قمت مقامي هذا متوسلا إليك بابائك الطيبين وبالرشيد خير الهداة الراشدين والمهدي ناصر المسلمين والمنصور منكل الظالمين ومحمد خير المحمدين بعد خاتم النبيين مزدلفا إليك بالطاعة التي أفرع عليها غصني واحتنكت بها سني وريش بها جناحي متعوذا من شماتة الأعداء وحلول البلاء ومفارقة الشدة بعد الرخاء يا أمير المؤمنين قد مضى جدك المنصور وعمك صالح بن علي جدي وبينهما من الرضاع والنسب ما علمه أمير المؤمنين وعرفه وقد أثبت الله الحق في نصابه واقره في داره وأربابه يا أمير المؤمنين إن الدهر ذو اغتيال وقد يقلب حالا بعد حال فارحم يا أمير المؤمنين الصبية الصغار والعجائز الكبار الذين سقاهم الدهر كدرا بعد صفو ومرا بعد حلو وهبنا نعم ابائك اللاتي غذتنا صغارا وكبارا وشبابا وأشياخا وأمشاجا في الأصلاب ونطفا في الأرحام وقدمنا في القرابة حيث قدمنا الله منك في الرحم فإن رقابنا قد ذلت لسخطك وجوهنا قد عنت لطاعتك فأقلنا عثرتنا يا أمير المؤمنين إن الله قد سهل بك الوعور وجلا بك الديجور وملأ من خوفك القلوب والصدور بك يرع الفاسق ويقمع بك المنافق فارتبط نعم الله عندك بالعفو والإحسان فإن كل راع مسؤول عن رعيته وإن النعم لا ينقطع المزيد فيها حتى ينقطع الشكر عليها يا أمير المؤمنين أنه لا عفو أعظم من عفو إمام قادر عن مذنب عاثر
            وقد قال الله جل ثناؤه وتعالت قدرته ( ليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم )
            أحاط الله أمير المؤمنين بستره الوافي ومنعه الكافي ثم أنشد يقول:
            ( أمير المؤمنين أتاك ركب ... لهم قربى وليس لهم تلاد )
            ( هم الصدر المقدم من قريش ... وأنت الرأس تتبعك العباد )
            ( لقد طابت بك الدنيا ولذت ... وأرجو أن يطيب بك المعاد )
            ( فكيف تنالكم لحظات عين ... وكيف يقل سؤددك البلاد )
            قال فاستحسن المأمون كلامه وأمر له بالحلل الفاخرة والجوائز السنية وأمر برد ضياعه وقرب منزلته وأدناه ودفع إليه من المال ما أغناه.
            يتبع

            تعليق

            • نوران العلي
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 3156

              يتبع..الفصل 3 في ذكر الفصحاء من الرجال.. من كتاب المستطرف في كل فن مستظرف

              حكي عن عبد الملك بن عمير
              أنه قال لما بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان اضطراب أهل العراق جمع أهل بيته وأولي النجدة من جنده وقال أيها الناس إن العراق كدر ماؤها وكثر غوغاؤها وأملولح عذبها وعظم خطبها وظهر ضرامها وعسر أخماد نيرانها فهل من ممهد لهم بسيف قاطع وذهن حامع وقلب ذكي وأنف حمي فيخمد نيرانها ويردع غيلانها وينصف مظلومها ويداوي الجرح حتى يندمل فتصفو البلاد وتأمن العباد فسكت القوم ولم يتكلم أحد فقام الحجاج وقال يا أمير المؤمنين أنا للعراق قال ومن أنت لله أبوك قال أنا الليث الضمضام والهزبر الهشام أنا الحجاج بن يوسف قال ومن أين قال من ثقيف كهوف الضيوف ومستعمل السيوف قال أجلس لا أم لك فلست هناك ثم قال مالي أرى الرؤوس مطرقة والألسن معتقلة فلم يجبه أحد فقام إليه الحجاج وقال أنا مجندل الفساق ومطفىء نار النفاق قال ومن انت قال أنا قاصم الظلمة ومعدن الحكمة الحجاج بن يوسف معدن العفو والعقوبة افة الكفر والريبة قال إليك عني وذاك فلست هناك ثم قال من للعراق فسكت القوم وقام الحجاج وقال انا للعراق فقال إذن أظنك صاحبها والظافر بغنائمها وإن لكل شيء يا ابن يوسف اية وعلامة فما ايتك وما علامتك قال العقوبة والعفو والاقتدار والبسط والازورار والادناء والابعاد والجفاء والبر والتأهب والحزم وخوض غمرات الحروب بجنان غير هيوب فمن جادلني قطعته ومن نازعني قصمته ومن خالفني نزعته ومن دنا مني أكرمته ومن طلب الأمان أعطيته ومن سارع إلى الطاعة بجلته فهذه ايتي وعلامتي وما عليك يا أمير المؤمنين أن تبلوني فان كنت للاعناق قطاعا وللأموال جماعا وللأرواح نزاعا ولك في الأشياء نفاعا وإلا فليستبدل بي أمير المؤمنين فان الناس كثير ولكن من يقوم بهذا الأمر قليل فقال عبد الملك أنت لها فما الذي تحتاج إليه قال قليل من الجند والمال فدعا عبد الملك صاحب جنده فقال هيىء له من الجند شهوته وألزمهم طاعته وحذرهم مخالفته ثم دعا الخازن فأمره بمثل ذلك فخرج الحجاج قاصدا نحو العراق قال عبد الملك بن عمير فبينما نحن في المسجد الجامع بالكوفة إذا أتانا ات فقال هذا الحجاج قدم أميرا على العراق فتطاولت الأعناق نحوه وأفرجوا له عن صحن المسجد فإذا نحن به يمشي وعليه عمامة حمراء متلثما بها ثم صعد المنبر فلم يتكلم كلمة واحدة ولا نطق بحرف حتى غص المسجد بأهله وأهل الكوفة يومئذ ذو حالة حسنة وهيئة جميلة فكان الواحد منهم يدخل المسجد ومعه العشرون والثلاثون من أهل بيته ومواليه وأتباعه عليهم الخز والديباج قال وكان في المسجد يومئذ عمير بن صابىء التميمي فلما رأى الحجاج على المنبر قال لصاحب له أسبه لكم قال اكفف حتى نسمع ما يقول فأبى ابن صابىء وقال لعن الله بني أمية حيث يولون ويستعملون مثل هذا على العراق وضيع الله العراق حيث يكون هذا أميرها فوالله لو دام هذا أميرا كما هو ما كان بشيء والحجاج ساكت ينظر يمينا وشمالا فلما رأى المسجد قد غص بأهله قال هل اجتمعتم فلم يزد عليه أحد شيئا فقال إني لا أعرف قدر اجتماعكم فهل اجتمعتم فقال رجل من القوم قد اجتمعنا أصلح الله الأمير فكشف عن لثامه ونهض قائما فكان أول شيء نطق بهأن قال والله إني لأرى رؤسا أينعت وقد حان قطافها وإني لصاحبها واني لأرى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى والله يا أهل العراق إن أمير المؤمنين نثر كنانة بين يديه فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا فرماكم بي لأنكم طالما أثرتم الفتنة واضطجعتم في مراقد الضلال والله لأنكلن بكم في البلاد ولأجعلنكم مثلا في كل واد ولأضربنكم ضرب غرائب الابل وإني يا أهل العراق لا أعد إلا وفيت ولا أعزم إلا أمضيت فاياي وهذه الزرافات والجماعات وقيل وقال وكان ويكون يا أهل العراق إنما أنتم أهل قرية كانت امنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأتاها وعيد القرى من ربها فاستوثقوا واستقيموا واعملوا ولا تميلوا وتابعوا وبايعوا واجتمعوا واستمعوا فليس منى الاهدار والاكثار إنما هو هذا السيف ثم لا ينسلخ الشتاء من الصيف حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم ويقيم له أودكم ثم إني وجدت الصدق مع البر وجدت البر في الجنة وجدت الكذب مع الفجور وجدت الفجور في النار وقد وجهني أمير المؤمنين إليكم وأمرني أن أنفق فيكم وأوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب ابن أبي صفرة وإني أقسم بالله لا أجد رجلا يتخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه يا غلام اقرأ كتاب أمير المؤمنين فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى من بالكوفة من المسلمين سلام عليكم فلم يرد أحد شيئا فقال الحجاج اكفف يا غلام ثم أقبل على الناس فقال أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون شيئا عليه هذا أدبكم الذي تأدبتم به أما والله لأودبنكم أدبا غير هذا الأدب اقرأ يا غلام فقرأ حتى بلغ قوله سلام عليكم فلم يبق أحد إلا قال وعلى أمير المؤمنين السلام ثم نزل بعدما فرغ من خطبته وقراءته وضع للناس عطاياهم فجعلوا يأخذونها حتى أتاه شيخ يرعش فقال أيها الأمير إني على الضعف كما ترى ولي ابن هو اقوى مني على الاسفار أفتقبله بديلا مني فقال نقبله إيها الشيخ فلما ولى قال له قائل أتدري من هذا أيها الأمير قال لا قال هذا ابن صابىء الذي يقول:
              ( هممت ولم افعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله )
              ولقد دخل هذا الشيخ على عثمان رضي الله عنه وهو مقتول فوطىء في بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه فقال الحجاج ردوه فلما ردوه قال له الحجاج أنت الفاعل بأمير المؤمنين عثمان ما فعلت يوم قتل الدار إن في قتلك إيها الشيخ اصلاحا للمسلمين يا سياف اضرب عنقه فضرب عنقه وكان من أمره بعد ذلك ما عرف وسطر.
              يتبع

              تعليق

              • نوران العلي
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 3156

                يتبع..الفصل 3 في ذكر الفصحاء من الرجال

                ومن حكايات الحجاج
                ما حكي أنه لما أسرف في قتل أسرى دير الجماجم وأعطى الأموال بلغ ذلك أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فشق عليه وكتب إليه اما بعد فقد بلغني عنك أسراف في الدماء وتبذير في العطاء وقد حكمت عليك في الدماء في الخطأ بالدية وفي العمد بالقود وفي الأموال أن تردها إلى مواضعها ثم تعمل فيها برأيي فإنما هو مال الله تعالى ونحن أمناؤه فإن كنت اردت الناس لي فما أغناني عنهم وإن كنت أردتهم لنفسك فما أغناك عنهم وسيأتيك عني أمران لين وشدة فلا يؤمننك إلا الطاعة ولا يوحشنك إلا المعصية وإذا أعطاك الله عز وجل الظفر فلا تقتلن جانحا ولا أسيرا وكتب في أسفل الكتاب:
                ( إذا أنت لم تترك أمورا كرهتها ... وتطلب رضائي بالذي أنا طالبه )
                ( فإن ترمني غفلة قرشية ... فيا ربما قد غص بالماء شاربه )
                ( وأن تر مني وثبة أموية ... فهذا وهذا كل ذا أنا صاحبه )
                ( فلا تأمننى والحوادث جمة ... فإنك تجزي بالذي أنت كاسبه )
                ( فلا تعد ما يأتيك مني وإن تعد ... يقمن به يوما عليك نوادبه )
                ( فلا تمنعن الناس حقا علمته ... ولا تعطين ما ليس للناس واجبه )
                ( فإنك أن تعطي الحقوق فإنما ... النوافل شيء لا يثيبك واهبه )
                فلما ورد الكتاب على الحجاج كتب إلى أمير المؤمنين أما بعد فقد ورد كتاب أمير المؤمنين بذكر إسرافي وتبذيري في الأموال ولعمري ما بلغت في عقوبة أهل المعصية ولا قضيت حقوق أهل الطاعة فإن كان قتلي العصاة إسرافا وإعطائي المطيعين تبذيرا فليمض لي أمير المؤمنين ما سلف والله ما أصبت القوم خطأ فأوديهم ولا ظلمتهم عمدا فأقاديهم ولا قتلت إلا لك ولا أعطيت إلا فيك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب في أسفل الكتاب:
                ( إذا أنا لا أبغي رضاك وأتقي ... أذاك فليلي لا توارى كواكبه )
                ( وما لامرىء بعد الخليفة جنة ... تقيه من الأمر الذي هو راكبه )
                ( إذا قارف الحجاج فيك خطيئة ... لقامت عليه بالصباح نوادبه )
                ( إذا أنا لم أدن الشفيق لنصحه ... واقص الذي تسري إلي عقاربه )
                ( وأعط المواسي في البلاء عطية ... لرد الذي ضاقت علي مذاهبه )
                ( فمن يتقي بؤسي ويرجو مودتي ... ويخشى غدا والدهر جم نوائبه )
                ( وأمري إليك اليوم ما قلت قلته ... وما لم تقله لم أقل ما يقاربه )
                ( ومهما أردت اليوم مني أردته ... وما لم ترده اليوم إني مجانبه )
                ( وقف بي على حد الرضا لا أجوزه ... مدى الدهر حتى يرجع الدرحالبه )
                ( وإلا فدعني والأمور فإنني ... شفيق رفيق أحكمته تجاربه )
                فلما انتهى الكتاب إلى عبد الملك قال خاف أبو محمد صولتي ولم يعاود لأمر كرهته إن شاء الله تعالى فمن يلومني على محبته يا غلام أكتب إليه الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وأنت أعلى عينا بما هناك.
                يتبع

                تعليق

                • نوران العلي
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 3156

                  يتبع..الفصل 3 في ذكر الفصحاء من الرجال

                  وفي مروج الذهب للمسعودي
                  أن أم الحجاج وهي الفارغة بنت همام ولدته مشوها لا دبر له فثقب له دبر وأبى أن يقبل الثدي وأعياهم أمره فيقال ان الشيطان تصور له في صورة الحرث بن كلدة حكيم العرب فسألهم عن ذلك فأخبره مخبر من أهله فقال لهم اذبحوا له تيسا وألعقوه من دمه وأولغوه فيه ثم أطلوا به وجهه ففعلوا ذلك فقبل الثدي فلأجل ذلك كان لا يصبر عن سفك الدماء وكان يخبر عن نفسه أن أكبر لذاته سفك الدماء وارتكاب أمور لا يقدر غيره عليها وكانت أمه متزوجة قبل أبيه الحرث بن كلدة فدخل عليها يوما في السحر فوجدها تخلل أسنانها فطلقها فسألته لم فعل فقال لها إن كنت باكرت الغداء فأنت شرهة وإن كان بقايا طعام بفيك فأنت قذرة فقالت كل ذلك لم يكن وإنما تخللت من شظايا السواك فقال قضي الأمر فتزوجها بعده يوسف بن عقيل الثقفي فأولدها الحجاج وقيل أن الحجاج تقلد الإمارة وهو ابن عشرين سنة ومات وله ثلاث وخمسون سنة وكان من عنف السياسة وثقل الوطأة وظلم الرعية والإسراف في القتل على ما لا يبلغه وصف أحصي من قتله الحجاج بأمره سوى من قتله في حروبه فكانوا مائة ألف وعشرين ألفا وجد في سجنه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة لم يجب على أحد منهم قطع ولا قتل وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد ولم يكن لحبسه سقف يستر الناس من الحر والبرد وقيل للشعبي أكان الحجاج مؤمنا قال نعم بالطاغوت وقال لو جاءت كل أمة بخبيثها وفاسقها وجئنا بالحجاج وحده لزدنا عليهم
                  والله أعلم
                  وقد مضي القول في ذكر الفصحاء من الرجال وحكاياتهم وما أعان الله تعالى عليه واستحضرته من أخبارهم
                  وأنا قائل أن شاء الله تعالى
                  ،

                  ما استحضرته من ذكر فصحاء النساء وأخبارهن وحكاياتهن والله المستعان
                  يتبع

                  تعليق

                  • نوران العلي
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 3156

                    يتبع الباب 7من المستطرف في كل فن مستظرف.. في ذكر فصحاء النساء وحكاياتهن

                    ذكر فصحاء النساء وحكاياتهن

                    حكي عن ابي عبد الله النميري أنه قال كنت يوما مع المأمون وكان بالكوفة فركب للصيد ومعه سرية من العسكر فبينما هو سائر إذ لاحت له طريدة
                    فأطلق عنان جواده وكان على سابق من الخيل فأشرف على نهر ماء من الفرات فإذا هو بجارية عربية خماسية القد قاعدة النهد كانها القمر ليلة تمامه
                    وبيدها قربة قد ملأتها وحملتها على كتفها وصعدت من حافة النهر فانحل وكاؤها فصاحت برفيع صوتها يا ابت أدرك فاها قد غلبني فوها لا طاقة لي بفيها
                    قال فعجب المأمون من فصاحتها ورمت الجارية القربة من يدها فقال لها المأمون يا جارية من أي العرب أنت قالت أنا من بني كلاب
                    قال وما الذي حملك أن تكوني من الكلاب فقالت والله لست من الكلاب وأنما أنا من قوم كرام غير لئام يقرون الضيف ويضربون بالسيف
                    ثم قالت يا فتى من أي الناس أنت فقال أو عندك علم بالأنساب قالت نعم قال لها أنا من مضر الحمراء قالت من أي مضر
                    قال من اكرمها نسبا وأعظمها حسبا وخيرها أما وأبا وممن تهابه مضر كلها قالت أظنك من كنانة قال أنا من كناية قالت فمن أي كنانة
                    قال من أكرمها مولدا وأشرفها محتدا وأطولها في المكرمات يدا ممن تهابه كنانة وتخافه فقالت اذن أنت من قريش قال أنا من قريش قالت من أي قريش
                    قال من أجملها ذكرا وأعظمها فخرا ممن تهابه قريش كلها وتخشاه قالت أنت والله من بني هاشم قال أنا من بني هاشم قالت من أي هاشم
                    قال من أعلاها منزلة وأشرفها قبيلة ممن تهابه هاشم وتخافه فعند ذلك قبلت الأرض وقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين
                    قال فعجب المأمون وطرب طربا عظيما وقال والله لأتزوجن بهذه الجارية لأنها من أكبر الغنائم وقف حتى تلاحقته العساكر
                    فنزل هناك وانفذ خلف ابيها وخطبها منه فزوجه بها وأخذها وعاد مسرورا وهي والدة ولده العباس
                    والله أعلم
                    يتبع

                    تعليق

                    • نوران العلي
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 3156

                      المستطرف في كل فن مستظرف

                      ذكر فصحاء النساء وحكاياتهن

                      وحكي أن هند ابنة النعمان كانت أحسن أهل زمانها فوصف للحجاج حسنها فأنفذ إليها يخطبها وبذل لها مالا جزيلا وتزوج بها وشرط لها عليه بعد الصداق مائتي ألف درهم

                      ودخل بها ثم انها انحدرت معه إلى بلد أبيها المعرة وكانت هند فصيحة أديبة فأقام بها الحجاج بالمعرة مدة طويلة
                      ثم إن الحجاج رحل بها إلى العراق فأقامت معه ما شاء الله ثم دخل عليها في بعض الأيام وهي تنظر في المراة وتقول:
                      ( وما هند إلا مهرة عربية ... سليلة أفراس تحللها بغل )
                      ( فإن ولدت فحلا فلله درها ... وإن ولدت بغلا فجاء به البغل )
                      فانصرف الحجاج راجعا ولم يدخل عليها ولم تكن علمت به فأراد الحجاج طلاقها فأنفذ إليها عبد الله ابن طاهر وأنفذ لها معه مائتي الف درهم وهي التي كانت لها عليه
                      وقال يا ابن طاهر طلقها بكلمتين ولا تزد عليهما فدخل عبد الله بن طاهر عليها فقال لها يقول لك أبو محمد الحجاج كنت فبنت وهذه المائتا ألف درهم التي كانت لك قبله
                      فقالت إعلم يا ابن طاهر أنا والله كنا فما حمدنا وبنا فما ندمنا وهذه المائتا ألف درهم التي جئت بها بشارة لك بخلاصي من كلب بني ثقيف
                      ثم بعد ذلك بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان خبرها وصف له جمالها فأرسل إليها يخطبها فأرسلت إليه كتابا تقول فيه بعد الثناء عليه
                      إعلم يا امير المؤمنين أن الإناء ولغ فيه الكلب فلما قرأ عبد الملك الكتاب ضحك من قولها وكتب إليها يقول إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب
                      فاغسلي الإناء يحل الاستعمال فلما قرأت كتاب أمير المؤمنين لم يمكنها المخالفة فكتبت إليه بعد الثناء عليه يا امير المؤمنين والله لا أحل العقد إلا بشرط
                      فإن قلت ما هو الشرط قلت أن يقود الحجاج محملي من المعرة إلى بلدك التي أنت فيها ويكون ماشيا حافيا بحليته التي كان فيها أولا
                      فلما قرأ عبد الملك ذلك الكتاب ضحك ضحكا شديدا وانفذ إلى الحجاج وأمره بذلك فلما قرأ الحجاج رسالة أمير المؤمنين أجاب وامتثل الأمر ولم يخالف
                      وأنفذ إلى هند يأمرها بالتجهز فتجهزت وسار الحجاج في موكبه حتى وصل المعرة بلد هند فركبت هند في محمل الزفاف وركب حولها جواريها وخدمها
                      وأخذ الحجاج بزمام البعير يقوده ويسير بها فجعلت هند تتواغد عليه وتضحك مع الهيفاء دايتها ثم إنها قالت للهيفاء يا داية إكشفي لي سجف المحمل فكشفته
                      فوقع وجهها في وجه الحجاج فضحكت عليه فأنشأ يقول:
                      ( فإن تضحكي مني فيا طول ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرج )
                      فأجابته هند تقول:
                      ( وما نبالي إذا أرواحنا سلمت ... بما فقدناه من مال ومن نشب )
                      ( فالمال مكتسب والعز مرتجع ... إذا النفوس وقاها الله من عطب )
                      ولم تزل كذلك تضحك وتلعب إلى أن قربت من بلد الخليفة فرمت بدينار على الأرض ونادت يا جمال إنه قد سقط منا درهم فارفعه إلينا
                      فنظر الحجاج إلى الأرض فلم يجد إلا دينار فقال إنما هو دينار فقالت بل هو درهم قال بل دينار فقالت الحمد الله سقط منا درهم فعوضنا الله دينارا
                      فخجل الحجاج وسكت ولم يرد جوابا ثم دخل بها على عبد الملك بن مروان فتزوج بها وكان من أمرها ما كان
                      وقد وجدت في بعض النسخ ما هو أوسع من هذا ولكن اقتصرت على القليل منه إذ فيه الغرض
                      والله أعلم
                      يتبع

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...