موسوعة عبير الثقافية ..(مفهرسة),,

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نوران العلي
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 3156

    المستطرف في كل فن مستظرف

    الباب الثاني والثلاثون
    في ذكر الأشرار والفجار وما يرتكبون من الفواحش والوقاحة والسفاهة:-

    عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي أنه قال قبل قيام الساعة يرسل الله ريحا باردة طيبة فتقبض روح كل مؤمن ويبقي شرار الخلق يتهارجون تهارج الحمير وعليهم تقوم الساعة
    وقال مالك بن دينار رحمه الله تعالى كفى بالمرء شرا أن لايكون صالحا ويقع في الصالحين
    وقال لقمان لابنه يا بني كذب من قال الشر يطفيء الشر فإن كان صادقا فليوقد نارين ثم ينظر هل تطفيء إحداهما الأخرى وإنما يطفيء الشر الخير كما يطفيء الماء النار
    وصف بعضهم رجلا من أهل الشر فقال فلان عري من حلة التقوى ومحى عنه طابع الهدى لا تثنيه يد المراقبة ولا تكفه خيفة المحاسبة وهو لدعائم دينه مضيع ولدواعي شيطانه مطيع شعر
    ( كأنه التيس قد أودى به هرم ... فلا لحم ولا صوف ولا ثمر )
    وقيل من فعل ما شاء لقي ما ساء وقيل زني رجل بجارية فأحبلها فقالوا له يا عدو الله هلا إذا ابتليت بفاحشة عزلت قال قد بلغني أن العزل مكروه قالوا فما بلغك أن الزنا حرام
    وقيل لأعرابي كان يتعشق قينة ما يضرك لو اشتريتها ببعض ما تنفق عليها قال فمن لي إذ ذاك بلذة الخلسة ولقاء المسارقة وانتظار الموعد
    وقال أبو العيناء رأيت جارية مع النخاس وهي تحلف أن لا ترجع لمولاها فسألتها عن ذلك فقالت يا سيدي إنه يواقعني من قيام ويصلي من قعود ويشتمني بإعراب ويلحن في القران ويصوم الخميس والأثنين ويفطر رمضان ويصلى الضحي ويترك الفرض فقلت لا أكثر الله في المسلمين مثله
    (...محذوف...)
    وقال صاحب المسالك والممالك إن عامة ملوك الهند يرون الزنا مباحا خلا ملك قمار
    قال الزمخشري رحمه الله أقمت بقمار سنين فلم أر ملكا أغير منه وكان يعاقب على الزنا وشرب الخمر بالقتل وقمار ينسب إليها العود القمارى كما ينسب إلى مندل قال مسكين الدارمي:
    ( ولا ذنب للعود القماري إنه ... يحرق إن نمت عليه روائحه )
    وقال ابن عباس رضي الله عنهما عهدت الناس وهواهم تبع لأديانهم وإن الناس اليوم أديانهم تبع لأهوائهم
    وقال رسول الله حسب امرىء من الشر أن يحقره أخاه المسلم

    ما جاء في الوقاحة والسفاهة وذكر الغوغاء
    قال رسول الله إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت وفي ذلك قيل:
    ( إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا ... وتستح مخلوقا فما شئت فاصنع )
    وقال ابن سلام العاقل شجاع القلب والأحمق شجاع الوجه وذم رجل قوما فقال وجوههم وأيديهم حديد أي وقاح بخلاء
    و وصف رجل وقحا فقال لو دق الحجارة بوجهه لرضها ولو خلا بأستار الكعبة لسرقها قال الشاعر:
    ( لو أن لي من جلد وجهك رفعة ... لجعلت منها حافرا للاشهب )
    وقال اخر:
    ( إذا رزق الفتي وجها وقاحا ... تقلب في الأمور كما يشاء )
    وقال أبو شروان أربعة قبائح وهي في أربعة أقبح البخل في الملوك والكذب في القضاة والحسد في العلماء والوقاحة في النساء ويقال من جسر أيسر ومن هاب خاب
    قال الشاعر:
    ( لا تكونن في الأمور هيوبا ... فإلى هيبة يصير الهبوب )
    وقال على رضي الله عنه إذا هبت أمرا فقع فيه فإن شر توقيه أعظم مما تخاف منه
    وقال رضي الله عنه الغوغاء اذا اجتمعوا ضروا وإذا افترقوا نفعوا فقيل قد علمنا مضرة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم قال يرجع أهل المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم كرجوع البناء إلى بنائه والنساج الى منسجه والخباز إلى مخبزه
    وقال بعض السلف لا تسبوا الغوغاء فإنهم يطفئون الحريق ويخرجون الغريق
    وقال الأحنف ما قل سفهاء قوم إلا ذلوا
    وقال حكيم لا يخرجن أحد من بيته إلا وقد أخذ في حجره قيراطين من جهل فإن الجاهل لا يدفعه إلا الجهل أراد السفه
    قال الشاعر:
    ( ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا )
    وقيل الجاهل من لا جاهل له أي من لا سفيه له يدفع عنه
    وقيل بينما أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه جالس إذ جاء أعرابي فلطمه فقام إليه واقد بن عمرو فجلد به الأرض فقال عمر ليس بعزيز من ليس في قومه سفيه
    وقال الشاعر:
    ( ولا يلبث الجهال أن يتهضموا ... أخا الحلم ما لم يستعن بجهول )
    وقال صالح بن جناح:
    ( إذا كنت بين الجهل والحلم قاعدا ... وخيرت أني شئت فالحلم أفضل )
    ( ولكن إذا أنصفت من ليس منصفا ... ولم يرض منك الحلم فالجهل أمثل )
    وقال الأحنف بن قيس:
    ( وذي ضغن أبيت القول عنه ... بحلم فاستمر على المقال )
    ( ومن يحلم وليس له سفيه ... يلاق المعضلات من الرجال )
    ( فإن كنت محتاجا إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج )
    ( ولي فرس للخير بالخير ملجم ... ولي فرس للشر بالشر مسرج )
    ( فمن رام تقويمي فإني مقوم ... ومن رام تعويجي فإني معوج )
    وقال اخر:
    ( فإن قيل حلم قلت للحلم موضع ... وحلم الفتى في غير موضعه جهل )
    ،,
    اللهم إنا نعوذ بك أن نجهل أو يجهل علينا برحمتك يا أرحم الراحمين
    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
    ....
    .

    تعليق

    • نوران العلي
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 3156

      المستطرف في كل فن مستظرف

      الباب الثالث والثلاثون
      في الجود والسخاء والكرم ومكارم الأخلاق واصطناع المعروف وذكر الأمجاد وأحاديث الأجواد:-
      اعلم أن الجود بذل المال وأنفعه ما صرف في وجه استحقاقه وقد ندب الله تعالى إليه في
      قوله تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )
      قيل إن الجود والسخاء والإيثار بمعنى واحد وقيل من أعطي البعض وأمسك البعض فهو صاحب سخاء ومن بذل الأكثر فهو صاحب جود ومن اثر غيره بالحاضر وبقي هو في مقاساة الضرر فهو صاحب إيثار
      وأصل السخاء هو السماحة وقد يكون المعطى بخيلا إذا صعب عليه البذل والممسك حيا إذا كان لا يستصعب العطاء

      فمن الإيثار ما حكى عن حذيفة العدوى أنه قال انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي في القتلي ومعي شيء من الماء وأنا أقول إن كان به رمق سقيته فإذا أنا به بين القتلي فقلت له أسقيك فأشار إلي أن نعم فإذا برجل يقول اه فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه واسقه فاذا هو هشام بن العاص فقلت أسقيك فأشار إلي أن نعم فسمع اخر يقول اه فأشار إلي أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات

      ومن عجائب ما ذكر في الايثار
      ما حكاه أبو محمد الأزدي قال لما احترق المسجد بمرو ظن المسلمون أن النصارى أحرقوه فأحرقوا خاناتهم فقبض السلطان على جماعة من الذين أحرقوا الخانات وكتب رقاعا فيها القطع والجلد والقتل ونثرها عليهم فمن وقع عليه رقعة فعل به ما فيها فوقعت رقعة فيها القتل بيد رجل فقال والله ما كنت أبالي لولا أم لي وكان بجنبه بعض الفتيان فقال له في رقعتي الجلد وليس لي ام فخذ أنت رقعتى وأعطني رقعتك ففعل فقتل ذلك الفتي وتخلص هذا الرجل

      وقيل لقيس بن سعد هل رأيت قط أسخي منك قال نعم نزلنا بالبادية على امرأة فجاء زوجها فقالت له إنه نزل بنا ضيفان فجاءنا بناقة فنحرها وقال شأنكم فلما كان من الغد جاء بأخرى فنحرها وقال شأنكم فقلنا ما أكلنا من التى نحرت البارحة إلا القليل فقال إني لا أطعم ضيفاني البائت فبقينا عنده أياما والسماء تمطر وهو يفعل كذلك فلما أردنا الرحيل وضعنا مائة دينار في بيته وقلنا للمرأة أعتذري لنا إليه ومضينا فلما ارتفع النهار إذا برجل يصيح خلفنا قفوا أيها الركب اللئام أعطيتمونا ثمن قرانا ثم أنه لحقنا وقال خذوها وإلا طعنتكم برمحى هذا فأخذناها وانصرفنا

      وقال بعض الحكماء أصل المحاسن كلها الكرم وأصل الكرام نزاهة النفس عن الحرام وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام وجميع خصال الخير من فروعه

      وقال رسول الله تجاوزوا عن ذنب السخي فإن الله اخذ بيده كلما عثر وفاتح له كلما افتقر
      وعن جابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال ما سئل رسول الله شيئا قط فقال لا
      وعنه أنه قال السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار
      والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلي الله من عابد بخيل

      وقال بعض السلف منع الموجود سوء ظن بالمعبود تلا قوله تعالى ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين )
      ...
      .

      تعليق

      • نوران العلي
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 3156

        المستطرف في كل فن مستظرف

        يتبع الباب الثالث والثلاثون
        وقال الفضيل ما كانوا يعدون القرض معروفا
        وقال أكتم بن صيفي صاحب المعروف لا يقع وإن وقع جد له متكأ
        وقيل للحسن بن سهل لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير فقلب اللفظ واستوفي المعنى
        وجد مكتوبا على حجر انتهز الفرص عند امكانها ولا تحمل نفسك هم ما لم يأتك واعلم ان تقتيرك على نفسك توفير لخزانة غيرك فكم من جامع لبعل حليلته

        وقال علي رضي الله تعالى عنه ما جمعت من المال فوق قوتك فإنما أنت فيه خازن لغيرك
        وقال النعمان بن المنذر يوما لجلسائه من أفضل الناس عيشا وأنعمهم بالا وأكرمهم طباعا وأجلهم في النفوس قدرا فسكت القوم فقام فتى فقال أبيت اللعن أفضل الناس من عاش الناس فضله فقال صدقت
        وكان أسماء بن خارجة يقول ما أحب أن أرد أحدا عن حاجة لأنه إن كان كريما أصون عرضه أو لئيما أصون عنه عرضي
        وكان مورق العجلي يتلطف في إدخال السرور والرفق على إخوانه فيضع عند أحدهم البدرة ويقول له امسكها حتى أعود إليك ثم يرسل يقول له أنت منها في حل

        وقال الحسن رضي الله عنه باع طلحة بن عثمان رضي الله تعالى عنه ارضا بسبعمائة ألف درهم فلما جاء المال قال إن رجلا يبيت هذا عنده لا يدرى ما يطرقه لغرير بالله تعالى ثم قسمة في المسلمين

        ولما دخل المنكدر على عائشة رضي الله عنها قال لها يا أم المؤمنين أصابتني فاقة فقالت ما عندى شيء فلو كان عندى عشرة الاف درهم لبعثت بها إليك فلما خرج من عندها جاءتها عشرة الاف درهم من عند خالد بن أسيد فارسلت بها إليه في أثره فأخذها ودخل بها السوق فاشترى جارية بألف درهم فولدت له ثلاثة أولاد فكانوا عباد المدينة وهم محمد وأبو بكر وعمر بنو المنكدر

        وأكرم العرب في الإسلام طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه جاء إليه رجل فسأله برحم بينه وبينه فقال هذا حائطى بمكان كذا وكذا وقد أعطيت فيه مائة ألف درهم يراح إلى المال بالعشية فإن شئت فالمال وإن شئت فالحائط وقال زياد بن جرير رأيت طلحة بن عبيد الله فرق مائة ألف في مجلس وأنه ليخيط إزاره بيده

        وذكر الإمام أبو علي القالي في كتاب الأمالي أن رجلا جاء إلى معاوية رضي الله تعالى عنه فقال له سألتك بالرحم التى بيني وبينك إلى ما قضيت حاجتي فقال له معاوية أمن قريش أنت قال لا قال فأي رحم بيني وبينك قال رحم ادم عليه السلام قال رحم مجفوة والله لأكونن أول من وصلها ثم قضي حاجته

        وروى أن الأشعث بن قيس أرسل إلى عدى بن حاتم يستعير منه قدورا كانت لأبيه حاتم فملأها مالا وبعث بها إليه وقال إنا لا نعيرها فارغة

        وكان الاستاذ أبو سهل الصعلوكي من الأجواد ولم يناول أحدا شيئا وإنما كان يطرحه في الأرض فيتناوله الاخذ من الأرض وكان يقول الدنيا أقل خطرا من أن ترى من أجلها يد فوق يد أخرى
        وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم اليد العليا خير من اليد السفلي
        ....
        .

        تعليق

        • نوران العلي
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 3156

          المستطرف في كل فن مستظرف

          يتبع الباب الثالث والثلاثون

          وسأل معاوية الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم عن الكرم فقال هو التبرع بالمعروف قبل السؤال والرأفة بالسائل مع البذل

          وقدم رجل من قريش من سفر فمر على رجل من الأعراب على قارعة الطريق قد أقعده الدهر وأضر به المرض فقال له يا هذا أعنا على الدهر فقال لغلامه ما بقي معك من النفقة فادفعه إليه فصب في حجره أربعة الاف درهم فهم ليقوم فلم يقدر من الضعف فبكي فقال له الرجل ما يبكيك لعلك استقللت ما دفعناه اليك فقال لا والله ولكن ذكرت ما تأكل الأرض من كرمك فأبكاني

          وقال بعضهم قصد رجل إلى صديق له فدق عليه الباب فخرج إليه وسأله عن حاجته فقال علي دين كذا وكذا فدخل الدار وأخرج إليه ما كان عليه ثم دخل الدار باكيا فقالت له زوجته هلا تعللت حيث شقت عليك الإجابة فقال إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله حتى احتاج إلي أن سألني

          ويروى أن عبد الله بن أبي بكر وكان من أجود الأجواد عطش يوما في طريقه فاستسقى من منزل امرأة فأخرجت له كوزا وقامت خلف الباب وقالت تنحوا عن الباب وليأخذه بعض غلمانكم فإنني امرأة عزب مات زوجي منذ أيام فشرب عبد الله الماء وقال يا غلام احمل إليها عشرة الاف درهم فقالت سبحان الله أتسخرني فقال يا غلام أحمل اليها عشرين ألفا فقالت أسأل الله العافية فقال يا غلام أحمل إليها ثلاثين فما أمست حتى كثر خطابها
          وكان رضي الله تعالى عنه ينفق على اربعين دارا من جيرانه عن يمينه وأربعين عن يساره وأربعين أمامه وأربعين خلفه ويبعث إليهم بالأضاحي والكسوة في الأعياد ويعتق في كل عيد مائة مملوك رضي الله تعالى عنه

          ولما مرض قيس بن سعد بن عبادة استبطأ إخوانه في العيادة فسأل عنهم فقيل له إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين فقال أخزى الله مالا يمنع عني الإخوان من الزيارة ثم أمر مناديا ينادى من كان لقيس عنده مال فهو منه في حل فكسرت عتبة بابه بالعشي لكثرة العواد

          وكان عبد الله بن جعفر من الجود بالمكان المشهود وله فيه أخبار يكاد سامعها ينكرها لبعدها عن المعهود وكان معاوية يعطيه ألف ألف درهم في كل سنة فيفرقها في الناس ولا يرى إلا وعليه دين وسمن رجل بهيمة ثم خرج بها ليبيعها فمر بعبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه فقال يا صاحب البهيمة أتبيعها قال لا ولكنها هي لك هبة ثم تركها له وانصرف إلي بيته فلم يلبث إلا يسيرا وإذا بالحمالين على بابه عشرين نفرا عشرة منهم يحملون حنطة وخمسة لحما وكسوة وأربعة يحملون فاكهة ونقلا واحد يحمل مالا فأعطاه جميع ذلك واعتذر إليه رضي الله تعالى عنه

          ولما مات معاوية رضي الله تعالى عنه وفد عبد الله بن جعفر على يزيد ابنه فقال كم كان أمير المؤمنين معاوية يعطيك فقال كان رحمه الله يعطيني ألف ألف فقال يزيد زدناك لترحمك عليه ألف ألف بأبي وأمي أنت فقال ولهذه ألف ألف فقال أما أني لا أقولها لأحد بعدك فقيل ليزيد اعطيت هذا المال كله من مال المسلمين لرجل واحد فقال والله ما أعطيته إلا لجميع أهل المدينة ثم وكل به يزيد من صحبه وهو لا يعلم لينظر ما يفعل فلما وصل المدينة فرق جميع المال حتى احتاج بعد شهر إلى الدين وخرج رضي الله تعالى عنه هو والحسنان وأبو دحية الأنصارى رضي الله تعالى عنهم من مكة الى المدينة فأصابتهم السماء بمطر فلجئوا إلى خباء أعرابي فأقاموا عنده ثلاثة أيام حتى سكنت السماء فذبح لهم الأعرابي شاة فلما ارتحلوا قال عبد الله للاعرابي إن قدمت المدينة فسل عنا فاحتاج الاعرابي بعد سنين فقالت له امرأته لو اتيت المدينة فلقيت أولئك الفتيان فقال قد نسيت أسماءهم فقالت سل عن ابن الطيار فأتي المدينة فلقي سيدنا الحسن رضي الله تعالى عنه فأمر له بمائة ناقة بفحولها ورعاتها ثم أتي الحسين رضي الله تعالى عنه فقال كفانا أبو محمد مؤونة الإبل فأمر له بألف شاة ثم أتي عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه فقال كفانى أخواني الابل والشياه فأمر له بمائة ألف درهم ثم أتى أبا دحية رضي الله تعالى عنه فقال والله ما عندى مثل ما أعطوك ولكن ائتني بابلك فأوقرها لك تمرا فلم يزل اليسار في عقب الاعرابي من ذلك اليوم

          وقال الحسن والحسين يوما لعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم إنك قد أسرفت في بذل المال فقال بأبي أنتما إن الله عز وجل عودني أن يتفضل علي وعودته أن أتفضل على عبادة فأخاف أن أقطع العادة فيقطع عنى المادة وامتدحه نصيب فأمر له بخيل وأثاث ودنانير ودراهم فقال له رجل مثل هذا الأسود تعطي له هذا المال فقال إن كان أسود فان ثناه أبيض ولقد استحق بما قال أكثر مما نال وهل أعطيناه إلا ثيابا تبلى ومالا يفني وأعطانا مدحا يروى وثناء يبقي

          وخرج عبد الله رضي الله تعالى عنه يوما إلى ضيعة له فنزل على حائط به نخيل لقوم وفيه غلام أسود يقوم عليه فأتي بقوته ثلاثة أقراص فدخل كلب فدنا من الغلام فرمى أليه بقرص فأكله ثم رمى إليه بالثاني والثالث فأكلهما وعبد الله ينظر إليه فقال يا غلام كم قوتك كل يوم قال ما رأيت قال فلم اثرت هذا الكلب قال ارضنا ما هي بأرض كلاب وأنه جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت أن أرده قال فما أنت صانع اليوم قال أطوى يومي هذا فقال عبد الله بن جعفر ألام على السخاء وإن هذا لأسخي مني فاشترى الحائط وما فيه من النخيل والالات واشترى الغلام ثم أعتقه وهبه الحائط بما فيه من النخيل والالات فقال الغلام إن كان ذلك لي فهو في سبيل الله تعالى فاستعظم عبد الله ذلك منه
          فقال يجود هذا وأبخل أنا لا كان ذلك أبدا
          ....
          ,

          تعليق

          • نوران العلي
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 3156

            المستطرف في كل فن مستظرف

            يتبع الباب الثالث والثلاثون

            وكان عبيد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما من الأجواد أتاه رجل وهو بفناء داره فقام بين يديه قال يا ابن عباس إن لي عندك يدا وقد احتجت إليها فصعد فيه بصرة فلم يعرفه فقال ما يدك قال رأيتك واقفا بفناء زمزم وغلامك يمتح لك من مائها والشمس قد صهرتك فظللتك بفضل كسائي حتى شربت فقال أجل إني لأذكر ذلك ثم قال لغلامه ما عندك قال مائتا دينار وعشرة الاف درهم فقال إدفعها إليه وما أراها تفي بحق يده

            وقدم عبد الله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على معاوية مرة فأهدى إليه من هدايا النوروز حللا كثيرة ومسكا وانية من ذهب وفضة وجهها إليه مع حاجبه فلما وضعها بين يديه نظر إلى الحاجب وهو ينظر إليها فقال له هل في نفسك منها شيء قال نعم والله أن في نفسي منها ما كان في نفس يعقوب من يوسف عليهما الصلاة والسلام فضحك عبد الله وقال خذها فهي لك قال جعلت فداءك أخاف أن يبلغ ذلك معاوية فيحقد علي قال فاختمها بخاتمك وسلمها إلى الخازن فإذا كان وقت خروجنا حملناها إليك ليلا
            فقال الحاجب والله لهذه الحيلة في الكرم اكثر من الكرم

            وحبس معاوية عن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما صلاته فقيل لو وجهت إلى ابن عمك عبد الله بن عباس فانه قدم بنحو ألف ألف فقال الحسين وأني تقع ألف ألف من عبد الله فوالله لهو أجود من الريح إذا عصفت وأسخي من البحر إذا زخر ثم وجه إليه مع رسوله بكتاب يذكر فيه حبس معاوية صلاته عنه وضيق حاله وأنه يحتاج إلى مائة ألف درهم فلما قرأ عبد الله كتابه انهملت عيناه وقال ويلك يا معاوية أصبحت لين المهاد رفيع العماد والحسين يشكوا ضيق الحال وكثرة العيال ثم قال لوكيله أحمل إلى الحسين نصف ما أملكه من ذهب وفضة ودواب وأخبره إني شاطرته فان كفاه وإلا أحمل إليه النصف الثاني فلما أتاه الرسول قال إنا لله وإنا إليه راجعون ثقلت والله على ابن عمي وما حسبت أنه يسمح لنا بهذا كله
            رضوان الله عليهم أجمعين
            ...

            تعليق

            • نوران العلي
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 3156

              المستطرف في كل فن مستظرف

              يتبع الباب الثالث والثلاثون
              وجاء رجل من الأنصار إلى عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال له يا ابن عم محمد إنه ولد في هذه الليلة مولود وإني سميته باسمك تبركا بك وإن أمه ماتت فقال له بارك الله لك في الهبة واجرك عن المصيبة ثم دعا بوكيلة وقال له انطلق الساعة فاشتر للمولود جارية تحضنه وادفع لأبيه مائتي دينار لينفقها على تربيته ثم قال للأنصارى عد إلينا بعد أيام فانك جئتنا وفي العيش يبس وفي المال قلة فقال الأنصارى جعلت فداءك لو سبقت حاتما بيوم ما ذكرته العرب:

              وقال أبو جهم بن حذيفة يوما لمعاوية أنت عندنا يا أمير المؤمنين كما قال ابن عبد كلال
              ( يقينا ما نخاف وإن ظننا ... به خير أراناه يقينا )
              ( نميل على جوانبه كأنا ... إذا ملنا نميل على أبينا )
              نقلبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرما ولينا )
              فأمر له بمائة ألف درهم وأنشده عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما:
              ( بلوت الناس قرنا بعد قرن ... فلم أر غير خيال وقال )
              ( ولم أر في الخطوب أشد وقعا ... وأمضي من معاداة الرجال )
              ( وذقت مرارة الأشياء طرا ... فما شيء أمر من السؤال )
              فأعطاه مائة ألف درهم

              وكان يزيد بن المهلب من الأجواد الأسخياء وله أخبار في الجود عجيبة من ذلك ما حكاه عقيل بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال لما أراد يزيد بن المهلب الخروج إلى واسط أتيته فقلت أيها الأمير إن رأيت أن تأذن لي فأصحبك قال إذا قدمت واسط فائتنا إن شاء الله تعالى فسافر وأقمت فقال لي بعض إخواني إذهب أليه فقلت كان جوابه فيه ضعيف قالوا أتريد من يزيد جوابا أكثر مما قال قال فسرت حتى قدمت عليه فلما كان في الليل دعيت إلى السمر فتحدث القوم حتى ذكروا الجوارى فالتفت إلى يزيد وقال إيه يا عقيل فقلت:
              ( أفاض القوم في ذكر الجوارى ... فأما الأعزبون فلن يقولوا )
              قال إنك لم تبق عزبا فلما رجعت إلى منزلي إذا أنا بخادم قد أتاني ومعه جارية وفرش بيت وبدرة عشرة الاف درهم وفي الليلة الثانية كذلك فمكث عشر ليالي وأنا على هذه الحالة فلما رأيت ذلك دخلت عليه في اليوم العاشر فقلت أيها الأمير قد والله أغنيت وأقنيت فإن رأيت أن تأذن لي في الرجوع فأكبت عدوى وأسر صديقي فقال إنما أخيرك بين خلتين إما أن تقيم فنوليك أو ترحل فنغنيك فقلت أولم أيها الأمير قال إنما هذا تغنني أثاث المنزل ومصلحة القدوم فنالني من فضله مالا أقدر على وصفه
              وحدث أبو اليقظان عن أبيه قال حج يزيد بن المهلب فطلب حلاقا يحلق رأسه فجاءه بحلاق فحلق رأسه فأمر له بخمسة الاف درهم فتحير الحلاق ودهش وقال اخذ هذه الخمسة الالاف وأمضي إلى أم فلان أخبرها إني قد استغنيت فقال أعطوه خمسة الاف أخرى فقال امرأته طالق إن حلقت رأس أحد بعدك وقيل إن الحجاج حبسه على خراج وجب عليه مقداره مائة ألف درهم فجمعت له وهو في السجن فجاءه الفرزدق يزوره فقال للحاجب أستأذن لي عليه فقال إنه في مكان لا يمكن الدخول عليه فيه فقال الفرزدق إنما أتيت متوجعا لما فيه ولم ات ممتدحا فأذن له فلما أبصره قال:
              ( أبا خالد ضاقت خراسان بعدكم ... وقال ذو الحاجات أين يزيد )
              فما قطرت بالشرق بعدك قطرة ... ولا أخضر بالمروين بعدك عود )
              وما لسرور بعد عزك بهجة ... وما لجواد بعد جودك جود )
              فقال يزيد للحاجب إدفع إليه المائة ألف درهم التى جمعت لنا ودع الحجاج ولحمي يفعل فيه ما يشاء فقال الحاجب للفرزدق هذا الذي خفت منه لما منعتك من دخولك عليه ثم دفعها إليه فأخذها وانصرف
              ومر يزيد بن المهلب عند خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه بعجوز أعرابية فذبحت له عنزا فقال لابنه ما معك من النفقة قال مائة دينار قال ادفعها إليها فقال هذه يرضيها اليسير وهى لا تعرفك قال إن كان يرضيها اليسير فأنا لا أرضي إلا بالكثير وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي

              وقال مروان بن أبي الحبوب الشاعر أمر لي المتوكل بمائة وعشرين ألفا وخمسين ثوبا ورواحل كثيرة فقلت أبياتا في شكره فلما بلغت قولي:
              ( فأمسك ندى كفيك عنى ولا تزد ... فقد خفت أن أطغي وأن أتجبر )
              فقال والله لا أمسك حتى أغرقك بجودى وأمر له بضياع تقوم بألف ألف
              وقال أبو العيناء تذكروا السخاء فاتفقوا على ال المهلب في الدولة المروانية وعلى البرامكة في الدولة العباسية ثم اتفقوا على أن أحمد بن أبي داود أسخي منهم جميعا وأفضل
              وسئل إسحق الموصلي عن سخاء اولاد يحيى بن خالد فقال أما الفضل فيرضيك فعله وأما جعفر فيرضيك قوله وأما محمد فيفعل بحسب ما يجد
              وفي يحيى يقول القائل:
              ( سألت الندى هل أنت حر فقال لا ... ولكنني عبد ليحيي بن خالد )
              ( فقلت شراء قال لا بل وراثة ... ثوارثني من والد بعد والد )
              وفي الفضل يقول القائل:
              إذا نزل الفضل بن يحيى ببلدة ... رأيت بها غيث السماحة ينبت )
              ( فليس بسعال إذا سيل حاجة ... ولا بمكب في ثرى الأرض ينكت )
              وفي محمد يقول القائل:
              ( سألت الندى والجود مالى أراكما ... تبدلتما عزا بذل مؤبد )
              ( وما بال ركن المجد أمسى مهدما ... فقال أصبنا بابن يحيى محمد )
              ( فقلت فهلا متما بعد موته ... وقد كنتما عبدية في كل مشهد )
              ( فقالا أقمنا كي نعزى بفقده ... مسافة يوم ثم نتلوه في غد )
              ......
              وقال على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه من كانت له جارية فليرفعها إلى في كناب لأصون وجهه عن المسألة وجاءه رضي الله تعالى أنه أعرابي فقال يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة الحياء يمنعني أن أذكرها فقال خطها في الأرض فكتب إني فقير فقال يا قنبر اكسه حلتى فقال الأعرابي:
              ( كسوتنى حلة تبلى محاسنها ... فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا )
              ( إن نلت حسن الثنا قد نلت مكرمة ... وليس تبغي بما قدمته بدلا )
              ( إن الثناء ليحي ذكر صاحبه ... كالغيث يحي نداه السهل والجبلا )
              ( لا تزهد الدهر في عرف بدأت به ... كل أمرىء سوف يجزي بالذي فعلا )
              فقال يا قنبر زده مائه دينار فقال يا أمير المؤمنين لو فرقتها في المسلمين لأصلحت بها من شأنهم فقال رضي الله تعالى عنه صه يا قنبر فاني سمعت رسول الله يقول اشكروا لمن أثني عليكم وإذا أتاكم كريم قوم فاكرموه ولعبد الله بن جدعان:
              ( إني وان لم ينل مالى مداخلتى ... وهاب ما ملكت كفي من المال )
              ( لا أحبس المال إلا حيث أنفقه ... ولا يغيرني حال إلى حال )
              وقال بعض العرب لولده يا بني لا تزهدن في معروف فإن الدهر ذو صروف فكم راغب كان مرغوبا إليه وطالب كان مطلوبا ما لديه وكن كما قال القائل:
              ( وعد من الرحمن فضلا ونعمة ... عليك إذا ما جاء للخير طالب )
              ( ولا تمنعن ذا حاجة جاء راغبا ... فإنك لا تدرى متى انت راغب )
              وقال بعضهم:
              ( ابيت خميص البطن عريان طاويا ... وأوثر بالزاد الرفيق على نفسي )
              ( وامنحة فرشي وأفرش الثرى ... وأجعل ستر الليل من دونه لبسي )
              ( حذار أحاديث المحافل في غد ... إذا ضمني يوما إلى صدره رمسي )
              ....
              وقال يحيى البرمكي أعط من الدنيا وهي مقبلة فإن ذلك لا ينقصك منها شيئا واعط منها وهى مدبرة فإن منعك لا يبقي عليك منها شيئا فكان الحسن بن سهل يتعجب من ذلك ويقول لله دره ما أطبعه على الكرم وأعلمه بالدنيا وقد أمر يحيى من نظمه فقال:
              ( لا تبخلن بدنيا وهى مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف )
              ( فإن تولت فأحرى أن تجود بها ... فليس تبقي ولكن شكرها خلف )
              وقال يحيى لولده جعفر يا بني ما دام قلمك يرعد فأمطره معروفا
              وقال بعضهم:
              ( لا تكثري في الجود لأئمتى ... وإذا نجلت فاكثري لومى )
              ( كفي فلست بحامل أبدا ... ما عشت هم غد إلى يومي )
              ......
              .

              تعليق

              • نوران العلي
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 3156

                المستطرف في كل فن مستظرف

                يتبع الباب الثالث والثلاثون
                وقال علي رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه لا تستح من عطاء القليل فالحرمان أقل منه

                وسئل إسحاق الموصلى عن المخلوع فقال كان أمره كله عجبا كان لا يبالي أين يقعد مع جلسائه وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر كان عنده سليمان بن أبي جعفر يوما فأراد الرجوع إلى أهله فقال له سفر البر أحب إليك أم سفر البحر قال البحر ألين علي فقال أوقروا له زورقه ذهبا وأمر له بألف ألف درهم
                وشكا سعيد بن عمرو بن عثمان بن عفان موسى شهوات إلى سليمان بن عبد الملك وقال قد هجاني يا أمير المؤمنين فاستحضره سليمان وقال لا أم لك أتهجو سعيدا قال يا أمير المؤمنين أخبرك الخبر عشقت جارية مدنية وأتيت سعيدا فقلت إني أحب هذه الجارية وإن مولاتها أعطيت فيها مائتى دينار وقد أتيتك فقال لي بورك فيك فقال سليمان ليس هذا موضع بورك فيك قال فأتيت يا أمير المؤمنين سعيد بن خالد فذكرت له حالى فقال يا جارية هاتى مطرفا فأتته بمطرف خز فصر لي في كل زواية مائتي دينار فخرجت وأنا أقول:
                ( أبا خالد أعني سعيد بن خالد ... أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد )
                ( ولكنني أعنى ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد بن أسيد )
                ( عقيد الندى ما عاش يرضي به الندى ... فإن مات لم يرض الندى بعقيد )
                ( ذروه ذروه إنكم قد رقدتموا ... وما هو عن إحسانكم برقود )
                فقال سليمان قل ما شئت وكتب كلثوم بن عمر إلى بعض الكرماء رقعة فيها:
                ( إذا تكرهت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود )
                ( بث النوال ولا تمنعك قلته ... فكل ما سد فقرا فهو محمود )
                فشاطره ماله حتى بعث إليه بنصف خاتمه وفرده نعلة وباع عبد الله ابن عتبة بن مسعود أرضا بثمانين ألفا فقيل له لو أتخذت لولدك من هذا المال ذخرا فقال بل أجعله ذخرا لي وأجعل الله ذخرا لولدى وقسمه بين ذوى الحاجات وكان ابن مالك القيشري من الأجواد قيل أنه أنهب الناس ماله بعكاظ ثلاث مرات فعاتبة خاله فقال:
                ( يا خال ذرني ومالى ما فعلت به ... وخد نصيبك منه أنني مودي )
                ( فلن أطيعك إلا أن تخلدني ... فانظر بكيدك هل تستطيع تخليدي )
                الحمد لا يشترى إلا بمكرمة ... ولن أعيش بمال غير محمود )
                وقال المهلب عجبت لمن يشترى المماليك بماله كيف لا يشترى الأحرار بفعاله ونزل بأبي البحترى وهب بن وهب القرشي ضيفا فسارع عبيدة إلى إنزاله وخدموه أحسن خدمة وفعلوا به كل جميل فلما هم بالرحيل لم يقربه أحد منهم وتجنبوه فأنكر ذلك عليهم فقالوا نحن إنما نعين النازل على الإقامة ولا نعينه على الرحيل وفدت ليلي الأخيلية على الحجاج فقالت فيه:
                ( إذا ورد الحجاج أرضا مريضة ... تتبع أقصي دائها فشفاها )
                ( شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها )
                فقال لا تقولى غلام ولكن قولى همام يا غلام أعطها خمسمائة فقالت أيها الأمير اجعلها نعما فجعلها إبلا إناثا وقال أبو الفياض الطبرى:
                ( والعز ضيف لا يراه بربعة ... من لا يرى بذل التلاد تلادا )
                ( والجود أعلى كعب كعب قبلنا ... فمضى جوادا يوم مات جوادا )
                وقال اخر:
                ( أيقنت أن من السماح شجاعة ... وعملت أن من السماحة جودا )
                ...

                وقال أحمد بن حمدون النديم عملت أم المستعين بساطا على صورة كل حيوان من جميع الأجناس وصورة كل طائر من ذهب وأعينهم يواقيت وجواهر أنفقت عليه مائة ألف الف دينار وثلاثين ألف دينار وسألته أن يقف عليه وينظر إليه فكسل ذلك اليوم عن رؤيته قال أحمد بن حمدون فقال لي ولأترجة الهاشمى اذهبا فانظرا إليه وكان معنا الحاجب فمضينا ورأيناه فوالله ما رأينا في الدنيا شيئا أحسن منه ولا شيئا حسنا إلا وقد عمل فيهلا فمددت أنا يدي إلى غزال من ذهب عيناه يا قوتتان فوضعته في كمى ثم جئناه فوصفنا له حسن ما رأيناه فقال أترجة يا أمير المؤمنين إنه قد سرق منه شيئا وغمزه على كمي فأريته الغزال فقال بحياتي عليكما ارجعا فخذا ما أحببتما فمضينا فملأنا أكمامنا وأقبتنا وأقبلنا نمشي كالحبالى فلما رانا ضحك فقال بقية الجلساء ونحن فما ذنبنا يا أمير المؤمنين فقال قوموا فخذوا ما شئتم ثم قام فوقف على الطريق ينظر كيف يحملون ويضحك ونظر يزيد المهلبي سطلا من ذهب مملوءا مسكا فأخذه بيده وخرج فقال له المستعين إلى أين فقال إلى الحمام يا أمير المؤمنين فضحك من قوله وأمر الفراشين والخدم أن ينتهبوا الباقي فانتهبوا فوجهت إليه أمه تقول سر الله أمير المؤمنيين لقد كنت أحب أن يراه قبل أن يفرقه فإنني أنفقت عليه مائة ألف ألف وثلاثين ألف دينار فقا ليحمل إليها مثل ذلك حتى تعيد مثله ففعلت ومضى حتى راه وفعل به كفعله بالأول ودخل طلحة بن عبد الله بن عوف السوق يوما فوافق فيه الفرزدق فقال يا أبا فراس اختر عشرا من الإبل ففعل فقال ضم إليها مثلها فلم يزل يقول مثل ذلك حتى بلغت مائة فقال هى لك فقال:
                ( يا طلح أنت أخو الندى وعقيدة ... إن الندى ما مات طلحة ماتا )
                ( إن الندى ألقي إليك رحاله ... فبحيث بت من المنازل باتا )
                ...
                وقدم زياد الأعجم على عبد الله بن غالحشرج بنيسابور فأكرمه وأنعم عليه وبعث إليه بألف دينار فقال:
                ( إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج )
                فقال زدني فقال كل شيءلا وثمنه وفد أبو عطاء السدي على نصر بن سيار بخراسان مع رفيقين له فأنزله وأحسن إليه وقال ما عندك يا أبا عطاء فقال وما عسى أن أقول وأنت أشعر العرب غير أني قلت بيتين قال هات ما قلت فقال:
                ( يا طالب الجواد إما كنت تطلبه ... فاطلب على بابه نصر بن سيار )
                ( الواهب الخيل تغدو في أعنتها ... مع القيان وفيها ألف دينار )
                فأعطاه ألف دينار وصائف وكساه كسوة جميلة فقسم ذلك بين رفيقيه ولم يأخذ منه شيئا فبلغ ذلك نصرا فقال يا له قاتله الله من سيد ما أضخم قدره ثم أمر له بمثله وقال العتبي أشرف عمرو بن هبيرة يوما من قصره فإذا هو باعرابي يرقل قلوصة فقال عمرو لحاجبه إن أرادني هذا الاعرابي فأوصله إلي فلما وصل الأعرابي سأله الحاجب فقال أردت الأمير فدخل به إليه فلما مثل بين يديه قال له ما حاجتك فأنشد الأعرابي يقول:
                ( أصلحك الله قل ما بيدي ... ولا اطيق العيال إذ كثروا )
                ( أناخ دهري علي كلكلة ... فأرسلوني إليك وانتظروا )
                فأخذت عمر الاريحية فجعل يهتز في مجلسه ثم قال أرسلوك إلي وانتظروا إذن والله لا تجلس حتى ترجع إليهم ثم أمر له بألف دينار وقيل أراد ابن عامر أن يكتب لرجل بخمسين ألف درهم فجرى القلم بخمسمائة ألف فراجعه الخازن في ذلك فقال انفذه فما بقي إلا نفاذه وإن خروج المال أحب إلي من الاعتذار فاستشرفه الخازن فقال إذا أراد الله بعبد خيرا صرف القلم عن مجرى إرادة كاتبه إلى إرادته وأنا أردت شيئا وأراد الجواد الكريم أن يعطي عبده عشرة أضعافه فكانت أرادة الله الغالبة وأمره النافذ

                .....
                .

                تعليق

                • نوران العلي
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 3156

                  المستطرف في كل فن مستظرف

                  يتبع الباب الثالث والثلاثون
                  وقف أعرابي على ابن عامر فقال يا قمر البصرة وشمس الحجاز ويا ابن ذروة العرب وابن بطحاء مكة برحت بي الحاجة وأكدت بي الامال إلا بفنائك فامنحنى بقدر الطاقة لا بقدر المجد والشرف والهمة فأمر له بمائتى ألف درهم وسمع المامون قول عمارة بن عقيل:
                  ( أأترك إن قلت دراهم خالد ... زيارته إني إذا للئيم )
                  فقال أوقلت دراهم خالد إحملوا إليه مائة ألف درهم فبعثها خالد بن يحيى إلى عمارة بن عقيل وقال هذه قطره من سحابك ولما عزل عبد الرحمن بن الضحاك عن المدينة بكى ثم قال والله ما بكائي جزعا من العزل ولا أسفا على الولاية ولكن أخاف على هذه الوجوه أن يلي أمرها من لا يعرف لها حقا وأراد الرشيد أن يخرج إلى بعض المتفرجات فقال يحيى بن خالد لرجاء بن عبد العزيز وكان على نفقاته ما عند وكلائنا من الأموال قال سبعمائة ألف درهم قال فاقبضها إليك يا رجاء فلما كان من الغد دخل عليه رجاء فقبل يده وعنده منصور بن زياد فلما خرج رجاء قال يحيى لمنصور قد ظننت أن رجاء توهم أنا قد وهبنا المال وإنما أمرناه بقبضة من الوكلاء ليحفظه علينا لحاجتنا إليه في وجهنا هذا فقال المنصور أنا أستخبر لك هذا فقال يحيى إذن يقول لك قل له يقبل يدي كما قبلت يده فلا تقل له شيئا فقد تركتها له وقيل إن الرشيد وصل في يوم واحد بألف ألف وثلاثمائة ألف وخمسين ألفا وصل المنصور في يوم واحد لبني هاشم وجوه قوادة بعشرة الاف ألف دينار على ما ذكر
                  ....
                  وعن الأخفش الصغير قال كان أسيد بن عنقاء الفزارى من اكبر أهل زمانه قدرا وأكثرهم أدبا وأفصحهم لسانا وأثبتهم جنانا فطال عمره ونكبه دهره فخرج عشية ينتفل لأهله فمر به عميله الفزارى فسلم عليه وقال ما أصارك يا عم إلى ما أرى فقال بخل مثلك بماله وصون وجهي عن مسألة الناس فقال والله لئن بقيت إلى غد لأغيرن ما أرى من حالك فراجع بن عنقاء إلى أهله فأخبرها بما قال له عميلة فقالت له لقد غرك كلام غلام في جنح الليل قال فكأنما ألقمت فاه حجرا وبات متململا بين رجاء ويأس فلما كان وقت السحر سمع رغاء الابل وصهيل الخيل تحت الأموال فقال ما هذا قالوا عملية قد قسم ماله شطرين وبعث إليك بشطره فأنشأ يقول:
                  ( راني على ما بي عميله فاشتكى ... إلى ماله حالي فواسي وما هجر )
                  ( ولما رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردى رداء سابغ الذيل واتزر )
                  ( غلام حباه الله بالحسن يافعا ... له سيمياء لا تشق على البصر )
                  ( كأن الثريا علقت في جبينه ... وفي أنفه الشعري وفي جيده القمر )
                  وكان عمر بن عبيد الله بن معمر التميمى من الأجواد قيل إنه كان لرجل جارية يهواها فاحتاج إلي بيعها فابتاعها منه ابن معمر بمال جزيل فلما قبض ثمنها أنشأت تقول:
                  ( هنيئا لك المال قد قبضته ولم يبق في كفي غير التحسر )
                  ( أبوء بحزن من فراقك موجع ... أناجي به صدرا طويل الفكر )
                  فأجابها بقوله:
                  ( ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري )
                  ( عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر )
                  فقال ابن معمر قد شئت وقد وهبتك الجارية وثمنها فخذها وانصرف وفد أبو الشمقمق إلى مدينة سابور يريد محمد بن عبد السلام فلما دخلها توجه إلى منزله فوجده في دار الخراج يطالب فدخل عليه يتوجع له فلما راه محمد قال:
                  ( ولقد قدمت على رجال طالما ... قدم الرجال عليهم فتمولوا )
                  ( أخنى الزمان عليهم فكأنما ... كانوا بأرض أقفرت فتحولوا )
                  فقال أبو الشمقمق:
                  ( الجود أفلسهم وأذهب مالهم ... فاليوم إن راموا السماحة يبخلوا )
                  قال فخلع محمد ثوبه وخاتمة ودفعهما إليه فكتب بذلك مستوفي الخراج إلى الخليفة فوقع إلى عامله باسقاط الخراج عن محمد بن عبد السلام في تلك السنة وإسقاط ما عليه من البقايا وأمر له بمائة ألف درهم معونة على مروءته

                  وقال أبو العيناء حصلت لي ضيقه شديدة فكتمنها عن أصدقائي فدخلت يوما على يحيى بن أكثم القاضي فقال إن أمير المؤمنين جلس للمظالم وأخذ القصص فهل لك في الحضور قلت نعم فمضيت معه الى دار أمير المؤمنين فلما دخلنا عليه أجلسه وأجلسني ثم قال يا أبا العيناء بالألفة والمحبة ما الذي جاء بك في هذه الساعة فأنشدته:
                  ( لقد رجوتك دون الناس كلهم ... وللرجاء حقوق كلها تجب )
                  ( إن لم يكن لي أسباب أعيش بها ... ففي العلا لك أخلاق هي السبب )
                  فقال يا سلامة أنظر أي شيء في بيت مالنا دون مال المسلمين فقال بقية من مال قال فادفع له منها مائة ألف درهم وابهث له بمثلها في كل شهر فلما بعد أحد عشر شهرا مات المأمون فبكي عليه أبو العيناء حتى تقرحت أجفانه فدخل عليه بعض أولاده فقال يا أبتاه بعد ذهاب العين ماذا ينفع البكاء فأنشأ أبو العيناء أولاده فقال يا أبتاه بعد ذهاب العين ماذا ينفع البكاء فأنشأ أبو العيناء يقول:
                  ( شيئان لو بكت الدماء عليهما ... عيناى حتى يؤذنا بذهاب )
                  ( لم يبلغا المعشار من حقيهما ... فقد الشباب وفرقه الأحباب )
                  ....
                  .

                  تعليق

                  • نوران العلي
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 3156

                    المستطرف في كل فن مستظرف

                    يتبع الباب الثالث والثلاثون
                    وكان أحمد بن طولون كثير الصدقه وكان راتبه منها في الشهر ألف دينار سوى ما يطرأ عليه من نذر أو صله وسوى ما يطبخ في دار الصدقة وكان الموكل بصدقته سليم الخادم فقال له سليم يوما أيها الأمير إني أطوف القبائل وأدق الأبواب لصدقاتك وإن اليد تمد إلي وفيها الحناء وربما كان فيها الخاتم الذهب والسوار الذهب أفأعطى أم أرد قال فأطرق طويلا ثم قال كل يد امتدت إليك فلا تردها وقال سلمة بن عياش في جعفر بن سليمان:
                    وما شم أنفي ريح كف شممتها ... من الناس إلا ريح كفك أطيب )
                    فأمر له بألف دينار ومائة مثقال ومائة عنبر وكان عبد العزيز بن عبد الله جوادا مضيافا فتغدى عنده أعرابي يوما فلما كان من الغد مر على بابه فرأى الناس في الدخول على هيئتهم الأمس فقال أو كل يوم يطعم الأمير الناس قالوا نعم فأنشأ يقول:
                    ( أكل يوم كأنه عيد أضحي ... عند عبد العزيز أو عيد فطر )
                    ( وله ألف جفنه مترعات ... كل قدر يمدها ألف قدر )
                    وتعشي الناس ليلة عند سعيد بن العاص فلما خرجوا بقي فتى من الشام قاعدا فقال له سعيد ألك حاجة وأطفأ الشمعة كراهة أن يخجل الفتى فذكر أن أباه مات وخلف دينا وعيالا وسأله أن يكتب له كتابا إلى أهل دمشق ليقوموا ببعض إصلاح حاله فدفع له عشرة الاف دينار وقال له لا أدعك تقاسي الذل على أبوابهم ودخل رجل على علي بن سليمان الوزير فقال له سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم إلا ما أجرتني من خصمي فقال ومن خصمك حتى أجيرك منه فقال الفقر فأطرق الوزير ساعة وقال قد أمرت لك بمائة ألف درهم فأخذها وانصرف فبينما هو في الطريق إذ أمر الوزير برده إليه فلما رجع قال له سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم متى أتاك خصمك معنفا فارجع إلينا متظلما وقال الأعمش كانت عندى شاة فمرضت وفقدت الصبيان لبنها فكان خيثمة بن عبد الرحمن يعودها بالغداة والعشي ويسألنى هل أسوفت علفها وكيف صبر الصبيان منذ فقدوا لبنها وكانت تحتى لبد أجلس عليه فكان إذا خرج يقول خذ ما تحت اللبد حتى وصل من علة الشاة أكثر من ثلاثمائة دينار من بره حتى تمنيت أن الشاة لم تبرأ
                    وحكى أبو قدامة القشيري قال كنا مع يزيد بن مزيد يوما فسمع صائحا يقول يا يزيد ابن مزيد فطلبه فاتى به إليه فقال ما حملك على هذا الصياح قال فقدت دابتي ونفدت نفقتى وسمعت قول الشاعر
                    ( إذا قيل من للجود والمجد والندى ... فنادى بصوت يا يزيد بن مزيد )
                    فأمر له بفرس أبلق كان معجبا به وبمائة دينار وخلعة سنية فأخذها وانصرف
                    وحكى أن قوما من العرب جاؤا إلى قبر بعض أسخيائهم يزورونه فباتوا عند قبره فرأى رجل منهم صاحب القبر في المنام وهو يقول له هل لك أن تبيعني بغيرك بنجيبي وكان الميت قد خلف نجيبا وكان للرائى بعير سمين فقال نعم وباعه في النوم بعيره بنجيبه فلما وقع بينهما عقد البيع عمد صاحب القبر الى البعير فنحره في النوم فانتبه الرائي من نومه فوجد الدم يسيح من نحر بعيره فقام وأتم نحره وقطع لحمه وطبخوه وأكلوا ثم رحلوا وساروا فلما كان اليوم الثاني وهم في الطريق سائرون استقبلهم ركب فتقدم منهم شاب فنادى هل فيكم فلان ابن فلان فقال صاحب البعير نعم ها أنا فلان ابن فلان فقال هل بعت من فلان الميت شيئا قال نعم بعته بعيري بنجيبه في النوم فقال هذا نجيبه فخذه وأنا ولده وقد رأيته في النوم وهو يقول إن كنت ولدي فادفع نجيبي إلى فلان فانظر إلى هذا الرجل الكريم كيف أكرم أضيافه بعد موته
                    وروى عن الهيثم بن عدي أنه قال تمارى ثلاثة نفر في الأجواد فقال رجل أسخي الناس في عصرنا هذا عبد الله بن جعفر فقال الاخر أسخي الناس قيس بن سعيد بن عبادة فقال الاخر بل أسخي الناس اليوم عرابة الأوسي فتنازعوا بفناء الكعبة فقال لهم رجل لقد أفرطتم في الكلام فليمض كل واحد منكم إلى صاحبه يسأله حتى ننظر بما يعود فنحكم على العيان فقام صاحب ابن جعفر فوافاه وقد وضع رجله في ركاب راحلته يريد ضيعة له فقال الرجل يا ابن عم رسول الله ابن سبيل ومنقطع به قال فأخرج رجله وقال ضع رجلك واستو على الناقة وخذ ما في الحقيبة وكان فيها مطارف خز وأربعة الاف دينار ومضي صاحب قيس فوجده نائما فقالت له جارية لقيس ما حاجتك فقال ابن سبيل ومنقطع به فقالت له الجارية حاجتك أهون من إيقاظه هذا كيس فيه سبعمائة دينار ما في دار قيس اليوم غيرها وامض إلى معاطن الابل فخذ راحلة من رواحله وما يصلحها وعبدا وامض لشأنك قيل إن قيسا لما انتبه أخبرته الجارية بما صنعت فاعتقها ولو لم تعلم أن ذلك يرضيه ما جسرت أن تفعله فخلق خدم الرجل مقتبس من خلقه قال بعض الشعراء:
                    ( وإذا ما أختبرت ود صديق ... فاختبر وده من الغلمان )
                    ومضي صاحب عرابة فوجده قد خرج من منزله يريد الصلاة فقال يا عرابة ابن سبيل ومنقطع به وكان معه عبدان فصفق بيده اليمنى على اليسرى وقال أواه أواه والله ما أصبح ولا أمسى الليلة عند عرابة شيء ولا تركت له الحقوق مالا ولكن خذ هذين العبدين فقال الرجل والله ما كنت بالذي يسلبك عبديك فقال ان أخذتهما وإلا فهما حران لوجه الله تعالى فان شئت فاعتق فأخذ الرجل العبدين ومضى ثم اجتمعوا وذكروا قصة كل واحد فحكموا لعرابة لأنه أعطى على جهد قيل إن شاعرا قصد خالد بن يزيد فأنشده شعرا يقول فيه:
                    ( سألت الندى والجود حران أنتما ... فقالا يقينا إننا لعبيد )
                    ( فقلت ومن مولاكما فتطاولا ... إلي وقالا خالد ويزيد )
                    فقال يا غلام اعطه مائة ألف درهم وقل له ان زدتنا زدناك فأنشد يقول:
                    ( كريم كريم الأمهات مهذب ... تدفق يمناه الندى وشمائله )
                    ( هو البحر من أى الجهات أتيته ... فلجته المعروف والجود ساحلة )
                    ( جواد بسيط الكف حتى لو أنه ... دعاها لقبض لم تجبه أنامله )
                    فقال يا غلام أعطه مائة ألف درهم وقل له إنه زدتنا زدناك فأنشد يقول:
                    ( تبرعت لي بالجود حتى نعشتني ... وأعطيتني حتى حسبتك تلعب )
                    ( وأنبت ريشا في الجناحين بعدما ... تساقط مني الريش أو كاد يذهب )
                    ( فأنت الندى وابن الندى وأخو الندى ... حليف الندى ما للندى عنك مذهب )
                    فقال يا غلام اعطه مائة ألف درهم وقل له إن زدتنا زدناك فقال حسب الأمير ما سمع وحسبي ما أخذت وانصرف
                    ......

                    تعليق

                    • نوران العلي
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 3156

                      المستطرف في كل فن مستظرف

                      يتبع الباب الثالث والثلاثون

                      وأما الذين انتهى اليهم الجود في الجاهلية
                      فهو حاتم بن عبد الله الطائى وهرم ابن سنان وخالد بن عبيد الله وكعب بن أمامة الأيادي
                      وضرب المثل بحاتم وكعب وحاتم أشهرهما فأما كعب فجاد بنفسه واثر رفيقه بالماء في المفازة ومات عطشا وليس له خبر مشهور
                      وأما خالد بن عبيد الله فانه جاء إليه بعض الشعراء ورجله في الركاب يريد الغزو فقال له إني قلت فيك بيتين من الشعر فقال في مثل هذا الحال قال نعم فقال هاتهما فأنشده يقول:
                      ( يا واحد العرب الذي ... ما في الأنام له نظير )
                      ( لو كان مثلك اخر ... ما كان في الدنيا فقير )
                      فقال يا غلام أعطه عشرين ألف دينار فأخذها وانصرف

                      وأما حاتم فأخباره كثيرة واثاره في الجود شهيرة ويكنى أبا سفانة وأبا عدى وكان يسير في قومه بالمرباع والمرباع ربع الغنيمة وكان ولده عدى يعادي النبي فبعث النبي عليا إلى طي فهرب عدى بأهله ولده ولحق بالشام وخلف أخته سفانة فأسرتها خيل رسول الله فلما أتى بها إلى النبي
                      قالت يا محمد هلك الوالد وغاب الرافد فإن رأيت أن تخلي عنى ولا تشمت بي أحياء العرب فإن أبي كان سيد قومه يفك العاني ويقتل الجاني ويحفظ الجار ويحمي الذمار ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ويحمل الكل ويعين على نوائب الدهر وما أتاه أحد في حاجة فرده خائبا أنا بنت حاتم الطائى
                      فقال لها النبي يا جارية هذه صفات المؤمنين حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق
                      وقال فيها ارحموا عزيزا ذل وغنيا افتقر وعالما ضاع بين جهال
                      فأطلقها ومن عليها فأستأذنته في الدعاء له فأذن لها وقال لأصحابه اسمعوا وعوا فقالت أصاب الله ببرك مواقعه ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا وجعلك سببا في ردها عليه
                      فلما أطلقها رجعت إلى قومها فأتت أخاها عديا وهو بدومة الجندل فقالت له يا أخي ائت هذا الرجل قبل أن تعلقك حبائله فانى قد رأيت هديا ورأيا سيغلب أهل الغلبة رأيت خصالا تعجبني رأيته يحب الفقير ويفك الأسير ويرحم الصغير ويعرف قدر الكبير وما رأيت أجود ولا أكرم منه وإني أرى أن تلحق به فإن يك نبيا فللسابق فضله وإن يك ملكا فلن يذل في عز اليمن

                      فقدم عدي إلى النبي فألقي له وسادة محشوة ليفا وجلس النبي على الأرض فأسلم عدي بن حاتم وأسلمت أخته سفانة بنت حاتم المتقدم ذكرها وكانت من أجود نساء العرب وكان أبوها يعطيها الضريبة من إبله فتهبها وتعطيها الناس فقال لها أبوها يا بنية إن الكريمين إذا اجتمعا في المال أتلفاه فأما أن أعطى وتمسكى وأما أن أمسك وتعطى فانه لا يبقي على هذا شيء فقالت له منك تعلمت مكارم الأخلاق

                      قال ابن الأعرابي كان حاتم الطائي من شعراء الجاهلية وكان جوادا يشبه جوده شعره ويصدق قوله فعله وكان حيثما نزل عرف منزله وكان مظفرا إذا قاتل غلب وإذا سئل وهب وإذا سابق سبق وإذا أسر أطلق وكان إذا أهل رجب الذي كانت تعظمه مضر في الجاهلية نحر كل يوم عشرا من الابل وأطعم الناس واجتمعوا اليه
                      وكان قد تزوج ماوية بنت عفير وكانت تلومه على إتلاف المال فلا يلتفت لقولها وكان لها ابن عم يقال له مالك فقال لها يوما ما تصنعين بحاتم فوالله لئن وجد مالا ليتلفنه وإن لم يجد ليتكلفن ولئن مات ليتركن أولادا عالة على قومك فقالت ماوية صدقت إنه كذلك
                      .....
                      وكانت النساء يطلقن الرجال في الجاهلية وكان طلاقهن أن يكن في بيوت من شعر فإن كان باب البيت من قبل المشرق حولته إلى المغرب وإن كان من قبل المغرب حولته إلى المشرق وإن كان من قبل اليمن حولته إلى الشام وإن كان من قبل الشام حولته إلى اليمن فإذا رأى الرجل ذلك علم إنها طلقته فلم يأتها

                      ثم قال لها ابن عمها طلقي حاتما وأنا أتزوجك وأنا خير لك منه وأكثر مالا وأنا أمسك عليك وعلى ولدك فلم يزل بها حتى طلقته فأتاها حاتم وقد حولت باب الخباء فقال حاتم لولده يا عدي ما ترى ما فعلت أمك فقال قد رأيت ذلك قال فأخذ ابنه وهبط بطن واد فنزل فيه فجاءه قوم فنزلوا على باب الخباء كما كانوا ينزلون وكان عدتهم خمسين فارسا فضاقت بهم ماوية ذرعا وقالت لجاريتها اذهبى إلى ابن عمي مالك وقولي له إن أضيافا لحاتم قد نزلوا بنا وهم خمسون رجلا فأرسل إلينا بشيء نقربهم ولبن نسقيهم وقالت لها انظرى إلى جبينه وفمه فإن شافهك بالمعروف فاقبلى منه وإن ضرب بلحيته على زوره ولطم رأسه فاقبلي ودعيه فلما أتته وجدته متوسدا وطبا من لبن فأيقظته وأبلغته الرسالة وقالت له إنما هي الليلة حتى يعلم الناس مكان حاتم فلطم رأسه بيده وضرب بلحيته
                      وقال أقرئيها السلام وقولي لها هذا الذي أمرتك أن تطلقي حاتما لأجله وما عندى لبن يكفي أضياف حاتم فرجعت الجارية فأخبرتها بما رأت وبما قال لها فقالت لها اذهبي إلى حاتم وقولي له إن أضيافك قد نزلوا بنا الليلة ولم يعلموا مكانك فارسل إلينا بناقة نقريهم ولبن نسقيهم فأتت الجارية حاتما فصاحت به فقالت لبيك قريبا دعوت فأخبرته بما جاءت بسببه فقال لها حبا وكرامة ثم قام إلى الإبل فأطلق اثنتين من عقالهما وصاح بهما حتى أتيا الخباء ثم ضرب عراقيبهما فطفقت ماوية تصيح هذا الذي طلقتك بسببه نترك أولادنا وليس لهم شيء فقال لها ويحك يا ماوية الذي خلقهم وخلق الخلق متكفل بأرزاقهم وكان إذا اشتد البرد وغلب الشتاء أمر غلمانه بنار فيوقدونها في بقاع الأرض لينظر إليها من ضل عن الطريق ليلا فيقصدها ولم يكن حاتم يمسك شيئا ما عدا فرسه وسلاحه فانه كان لا يجود بهما ثم جاد بفرسه في سنة مجدبة
                      ...
                      حكى أن ملكان ابن اخي ماوية قال قلت لها يوما ياعمة حدثيني ببعض عجائب حاتم وبعض مكارم أخلاقه فقالت يا ابن أخي أعجب ما رأيت منه أصابت الناس سنة أذهب الخف والظلف وقد أخذني وإياه الجوع وأسهرنا فأخذت سفانة وأخذ عديا وجعلنا نعللهما حتى ناما فأقبل علي يحدثني ويعللني بالحديث حتى أنام فرفقت به لما به من الجوع فأمسكت عن كلامه لينام فقال لي أنمت فلم اجبه فسكت ونظر في فناء الخباء فإذا شيء قد أقبل فرفع رأسه فإذا امراة فقال ما هذا فقالت يا أبا عدي أتيتك من عند صبية يتعاون كالكلاب أو كالذئاب جوعا فقال لها احضري صبيانك فوالله لأشبعنهم فقامت سريعة لأولادها فرفعت رأسي وقلت له يا حاتم بماذا تشبع أطفالها فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعليل فقال والله لأشبعنك واشبعن صبيانك وصبيانها فلما جاءت المرأة نهض قائما وأخذ المدية بيده وعمد إلى فرسه فذبحه ثم أجج نارا ودفع إليها شفرة وقال قطعي واشوى وكلي واطعمىصبيانك فأكلت المرأة وأشعبت صبيانها فأيقظت أولادي وأكلت وأطعمتهم فقال والله إن هذا لهو اللؤم تأكلون وأهل الحي حالهم مثل حالكم ثم أتى الحي بيتا بيتا يقول لهم انهضوا بالنار فاجتمعوا حول الفرس وتقنع حاتم بكسائه وجلس ناحية فوالله ما أصبحوا وعلى وجه الأرض منها قليل ولا كثير إلا العظم والحافر ولا والله ما ذاقها حاتم وإنه لأشدهم جوعا وأخباره كثيرة مشهورة ومن شعره:
                      ( أماوى إن المال غاد ورائح ... ويبقي من المال الأحاديث والذكر )
                      (وقد علم الأقوام لو أن حاتما ... أراد ثراء المال كان له وفر )
                      وأغار قوم على طيء فركب حاتم فرسه وأخذ رمحه ونادى في جيشه وأهل عشيرته ولقي القوم فهزمهم وتبعهم فقال له كبيرهم يا حاتم هب لى رمحك فرمى به إليه فقيل لحاتم عرضت نفسك للهلاك ولو عطف عليك لقتلك فقال قد علمت ذلك ولكن ما جواب من يقول هب لي ولما مات عظم على طيء موته فادعى أخوه أنه يخلفه فقالت له أمة هيهات شتان والله ما بين خلقتيكما وضعته فبقي والله سبعة أيام لا يرضع حتى ألقمت إحدى ثديي طفلا من الجيران وكنت أنت ترضع ثديا ويدك على الاخر فأني لك ذلك قال الشاعر
                      ( يعيش الندى ما عاش حاتم طيء ... وإن مات قامت للسخاء ماتم )
                      وكانت العرب تسمي الكلب داعي الضمير ومتمم النعم ومشيد الذكر لما يجلب من الأضياف بنباحة والضمير الغريب وكانوا إذا اشتد البرد وهبت الرياح ولم تشب النيران فرقوا الكلاب حوالي الحي وربطوها إلى العمد لتستوحش فتنبح فتهتدىالضلال وتأتي الأضياف على نباحها والحكايات في ذكر الأجواد والكرماء والأسخياء وأهل المعروف وما كانوا عليه من السخاء والكرم أكثر من أن تحصر وأشهر من من أن تذكر ففي مثل هذه المناقب فليتنافس المتنافسون ولمثلها فليعمل العاملون فإن فيها عز الدنيا وشرف الاخرة وحسن الصيت وخلود جميل الذكر فإنا لم نجد شيئا يبقي على ممر الدهر إلا الذكر حسنا كان أو قبيحا وقد قال الشاعر:
                      ( ولا شيء يدوم فكن حديثا ... جميل الذكر فالدنيا حديث )
                      فانتهز فرصة العمر ومساعدة الدنيا ونفوذ الأمر وقدم لنفسك كما قدموا تذكر بالصالحات كما ذكروا وادخر نفسك في القيامة كما ادخروا واعلم أن المأكول للبدن والموهوب للمعاد والمتروك للعدو
                      فاختر أي الثلاث شئت
                      وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
                      ....

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...