موسوعة عبير الثقافية ..(مفهرسة),,

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نوران العلي
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 3156

    المستطرف في كل فن مستظرف

    الباب الثاني عشر
    في الوصايا الحسنة والمواعظ المستحسنة وما أشبه ذلك:-


    قال الله تعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) وقال الله تعالى ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) وقال تعالى ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) وقال تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات )
    والايات في ذلك كثيرة مشهورة وفوائدها جمة منشورة
    وروينا في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان
    وقال شيخنا محي الدين النوي رحمة الله تعالى عليه في قوله تعالى ( يا ايها الذين امنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) إن هذه الاية الكريمة مما يغتر بها أكثر الجاهلين ويحملونها على غير وجهها بل الصواب في معناها أنكم إذا فعلتم ما أمرتم به لا يضركم ضلالة من ضل
    ومن جملة ما امروا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاية مرتبة في المعنى على قوله تعالى ( ما على الرسول إلا البلاغ )
    وقال محمد بن تمام الموعظة جند من جنود الله تعالى ومثلها مثل الطين يضرب به على الحائط إن استمسك نفع وإن وقع أثر
    ومن كلام علي رضي الله تعالى عنه لا تكونن ممن لا تنفعه الموعظة إلا إذا بالغت في إيلامه فإن العاقل يتعظ بالأدب والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب
    وأنشد الجاحظ:
    ( وليس يزجركم ما توعظون به ... والبهم يزجرها الراعي فتنزجر )
    وكتب رجل إلى صديق له أما بعد فعظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك واستح من الله بقدر قربه منك وخفه بقدر قدرته عليك والسلام وقيل من كان له من نفسه واعظ كان له من الله حافظ وقال لقمان الموعظة تشق على السفيه كما يشق صعود الوعر على الشيخ الكبير قيل أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام إنك إن أتيتي بعبد ابق كتبتك عندي حميدا ومن كتبته عندي حميدا لم اعذبه بعدها أبدا وقال الرشيد لمنصور بن عمار عظني وأوجز فقال يا أمير المؤمنين هل أحد أحب إليك من نفسك قال لا قال إن أردت أن لا تسيء إلى من تحب فافعل وقال النبي في بعض خطبه أيها الناس الأيام تطوى والأعمار تفنى والأبدان في الثرى تبلى وأن الليل والنهار يتراكضان تراكض البريد ويقربان كل بعيد ويخلقان كل جديد وفي ذلك عباد الله ما ألهى عن الشهوات ورغب في الباقيات الصالحات
    ولما لقي ميمون بن مهران الحسن البصري قال له لقد كنت أحب أن ألقاك فعظني فقرأ الحسن البصري ( أفرأيت من أتخذ إلهه هواه أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ) فقال عليك السلام أبا سعيد لقد وعظتني أحسن موعظة

    تعليق

    • نوران العلي
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 3156

      المستطرف في كل فن مستظرف

      يتبع
      الباب الثاني عشر
      في الوصايا الحسنة والمواعظ المستحسنة وما أشبه ذلك:-

      ولما ضرب ابن ملجم لعنه الله عليا رضي الله عنه دخل منزله فاعترته غشية ثم أفاق فدعا الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما وقال أوصيكما بتقوى الله تعالى والرغبة في الاخرة والزهد في الدنيا ولا تأسفا على شيء فاتكما منها فإنكما عنها راحلان افعلا الخير وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا ثم دعا محمدا ولده وقال له أما سمعت ما أوصيت به أخويك قال بلى قال فإني أوصيك به وعليك ببر أخويك وتوقيرهما ومعرفة فضلهما ولا تقطع أمرا دونهما ثم أقبل عليهما وقال أوصيكما به خيرا فإنه أخوكما وابن أبيكما وأنتما تعلمان أن أباه كان يحبه فأحباه ثم قال يا بني أوصيكم بتقوى الله في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر والعدل في الصديق والعدو والعمل في النشاط والكسل والرضا عن الله في الشدة والرخاء يا بني ما شر بعده الجنة بشر ولا خير بعده النار بخير وكل نعيم دون الجنة حقير وكل بلاء دون النار عافية يا بني من أبصر عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ومن رضي بما قسم الله له لم يحزن على ما فاته ومن سل سيف البغي قتل به ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها ومن هتك حجاب أخيه هتكت عورات بنيه ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره ومن اعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل ومن خالط الأنذال احتقر ومن دخل مداخل السوء اتهم ومن جالس العلماء وقر ومن مزح استخف به ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر كلامه كثر خطؤه وقل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار يا بني الأدب ميزان الرجل وحسن الخلق خير قرين يا بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت الا عن ذكر الله تعالى واحدة في ترك مجالسة السفهاء يا بني زينة الفقر الصبر وزينة الغنى الشكر يابني لا شرف أعلى من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا شفيع أنجح من التوبة ولا لباس أجمل من العافية يا بني الحرص مفتاح التعب ومطية النصب

      ولما حضرت هشام بن عبد الملك الوفاة نظر إلى أهله يبكون حوله فقال جاد لكم هشام بالدنيا وجدتم له بالبكاء وترك لكم جميع ما جمع وتركتم عليه ما حمل ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له
      وقال الأوزاعي للمنصور في بعض كلامه يا أمير المؤمنين أما علمت أنه كان بيد رسول الله جريدة يابسة يستاك بها ويردع بها المنافقين فأتاه جبريل عليه السلام فقال يا محمد ما هذه الجريدة التى بيدك اقذفها لا تمتلأ قلوبهم رعبا فكيف بمن سفك دماء المسلمين وانتهب أموالهم يا أمير المؤمنين إن المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر دعا إلى القصاص من نفسه بخدشة خدشها أعرابيا من غير تعمد يا أمير المؤمنين لو أن ذنوبا من النار صب وضع على الأرض لأحرقها فكيف بمن يتجرعه ولو أن ثوبا من النار وضع على الأرض لأحرقها فكيف بمن يتقمصه ولو أن حلقه من سلاسل جهنم وضعت على جبل لذاب فكيف بمن يتسلسل بها ويرد فضلها على عاتقه
      وروى زيد بن أسلم عن أبيه قال قلت لجعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكان والي المدينة احذر أن يأتي رجل غدا ليس له في الاسلام نسب ولا أب ولا جد فيكون أولى برسول الله منك كما كانت امرأة فرعون أولى بموسى وكما كانت امرأة نوح وامرأة لوط أولى بفرعون ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ومن أسرع به عمله لم يبطىء به نسبه
      وروى زياد عن مالك بن أنس رضي اللله تعالى عنه قال لما بعث أبو جعفر إلى مالك بن أنس وابن طاوس قال دخلنا عليه وهو جالس على فرش وبين يديه أنطاع قد بسطت وجلادون بأيديهم السيوف يضربون الأعناق فأومأ إلينا أن اجلسا فجلسنا فأطرق زمانا طويلا ثم رفع رأسه والتفت إلى ابن طاوس وقال حدثني عن أبيك قال سمعت أبي يقول قال رسول الله إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله تعالى في ملكه فأدخل عليه الجور في حكمه فأمسك أبو جعفر ساعة حتى اسود ما بيننا وبينه قال مالك فضممت ثيابي مخافة أن ينالها شيء من دم ابن طاوس ثم قال يا ابن طاوس ناولنى هذه الدواة فأمسك عنه فقال ما يمنعك أن تناولنيها قال أخاف أن تكتب بها معصية فأكون شريكك فيها فلما سمع ذلك قال قوما عني فقال ابن طاوس ذلك ما كنا نبغي قال مالك فما زلت أعرف لابن طاوس فضله من ذلك اليوم

      تعليق

      • نوران العلي
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 3156

        المستطرف في كل فن مستظرف

        يتبع
        الباب الثاني عشر
        في الوصايا الحسنة والمواعظ المستحسنة وما أشبه ذلك:-

        وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
        قال لكعب الأحبار يا كعب خوفنا قال أوليس فيكم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
        قال بلى يا كعب ولكن خوفنا فقال يا أمير المؤمنين اعمل فانك لو وافيت يوم القيامة بعمل سبعين نبيا لازدريت عملهم مما ترى فنكس عمر رضي الله عنه رأسه وأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال يا كعب خوفنا فقال يا أمير المؤمنين لو فتح من جهنم قدر منخر ثور بالمشرق ورجل بالمغرب لغلى دماغه حتى يسيل من حرها فنكس عمل عمر ثم أفاق فقال يا كعب زدنا فقال يا أمير المؤمنين إن جهنم لتزفر زفرة يوم القيامة فلا يبقي ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول يا رب لا أسألك اليوم إلا نفسي

        وقال الشيخ أبو بكر الطرطوشي رحمة الله تعالى عليه دخلت على الأفضل بن أمير الجيوش وهو أمير على مصر فقلت السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد السلام على نحو ما سلمت ردا جميلا وأكرمنى إكراما جزيلا وأمرني بدخول مجلسه وأمرنى بالجلوس فيه فقلت أيها الملك إن الله تعالى قد أحلك محلا عليا شامخا وأنزلك منزلا شريفا باذخا وملكك طائفة من ملكه وأشركك في حكمه ولم يرض أن يكون أمر أحد فوق أمرك فلا ترض أن يكون أحد أولى بالشكر منك وليس الشكر باللسان وإنما هو بالفعال والإحسان قال الله تعالى اعملوا ال داود شكرا واعلم أن هذا الذي أصبحت فيه من الملك إنما صار إليك بموت من كان قبلك وهو خارج عنك بمثل ما صار إليك فاتق الله فيما خولك من هذه الأمة فان الله تعالى سائلك عن الفتيل والنقير والقطمير قال الله تعالى ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) وقال تعالى ( وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) واعلم أيها الملك أن الله تعالى قد اتى ملك الدنيا بحذافيرها سليمان بن داود عليه السلام فسخر له الإنس والجن والشياطين والطير والوحش والبهائم وسخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ثم رفع عنه حساب ذلك أجمع فقال له ( هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ) فو الله ما عدها نعمة كما عددتموها ولا حسبها كرامة كما حسبتموها بل خاف ان تكون استدراجا من الله تعالى ومكرا به فقال ( هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر )
        فافتح الباب وسهل الحجاب وانصر المظلوم وأغث الملهوف أعانك الله على نصر المظلوم وجعلك كهفا للملهوف وأمانا للخائف ثم أتممت المجلس بأن قلت قد جبت البلاد شرقا وغربا فما اخترت مملكة وارتحت إليها ولذت لي الاقامة فيها غير هذه المملكة ثم أنشدته:
        ( والناس أكيس من أن يحمدوا رجلا ... حتى يروا عنده اثار إحسان )
        وقال الفضل بن الربيع حج هارون الرشيد سنة من السنين فبينما أنا نائم ذات ليلة إذ سمعت قرع الباب فقلت من هذا فقال أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا فقال يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلى أتيتك فقال ويحك قد حاك في نفسي شيء لا يخرجه إلا عالم فانظر لى رجلا أسأله عنه فقلت ههنا سفيان بن عيينة فقال امض بنا إليه فأتيناه فقرعت عليه الباب فقال من هذا فقلت أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا فقال يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك فقال جد لما جئنا له فحادثه ساعة ثم قال له أعليك دين قال نعم فقال يا أبا العباس اقض دينه ثم انصرفنا فقال ما أغني عني صاحبك شيئا فانظر لى رجلا أسأله فقلت ههنا عبد الرزاق بن همام فقال امض بنا إليه فأتيناه فقرعت عليه الباب فقال من هذا قلت أجب أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك فقال جد لما جئنا به فحادثه ساعة ثم قال له أعليك دين قال نعم فقال يا أبا العباس اقض دينه ثم انصرفنا فقال ما أغنى عنى صاحبك شيء فانظر لي رجلا أسأله فقلت ههنا الفضيل بن عياض فقال امض الينا أليه فأتيناه فإذا هو قائم يصلي في غرفته يتلو اية من كتاب الله تعالى وهو يرددها فقرعت عليه الباب فقال من هذا فقلت أجب أمير المؤمنين فقال مالي ولأمير المؤمنين فقلت سبحان الله أما تجب عليك طاعته ففتح الباب ثم ارتقي إلى أعلى الغرفة فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف الرشيد كفي إليه فقال أواه من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله تعالى فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب نقي فقال جد لما جئنا له رحمك الله تعالى فقال وفيم جئت حملت على نفسك وجميع من معك حملوا عليك حتى لو سألتهم أن يتحملوا عنك شقصا من ذنب ما فعلوا ولكان أشدهم حبا لك أشدهم هربا منك ثم قال إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولى الخلافة دعا سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة فقال لهم إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علي فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة فقال سالم بن عبد الله إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فصم عن الدنيا وليكن أفطارك فيها على الموت وقال محمد بن كعب إن أردت النجاة غدا من عذاب الله تعالى فليكن كبير المسلمين عندك ابا وأوسطهم عندك أخا وأصغرهم عندك ولدا فبر أباك وارحم أخاك وتحنن على ولدك وقال رجاء بن حيوة إن أردت النجاة غدا من عذاب الله تعالى فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ثم متى شئت مت وإني لأقول هذا وإنى لأخاف عليك أشد الخوف يوم تزل الأقدام فهل معك رحمك الله مثل هؤلاء القوم من يأمرك بمثل هذا فبكي هارون الرشيد بكاء شديدا حتى غشي عليه فقلت له ارفق يا أمير المؤمنين فقال يا ابن الربيع قتلته أنت وأصحابك وأرفق به أنا ثم أفاق هارون الرشيد فقال زدني فقال يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه شكا أليه سهرا فكتب له عمر يقول يا أخي اذكر سهر أهل النار في النار وخلود الأبدان فإن ذلك يطرد بك إلى ربك نائما ويقظان وإياك أن تزل قدمك عن هذا السبيل فيكون اخر العهد بك ومنقطع الرجاء منك فلما قرأ كتابه طوى البلاد حتى قدم عليه فقال له عمر ما أقدمك فقال له لقد خلعت قلبي بكتابك لا وليت ولاية أبدا حتى ألقي الله عز وجل فبكي هارون بكاء شديدا ثم قال زدني قال يا أمير المؤمنين إن العباس عم النبي جاء إليه فقال يا رسول الله أمرني إمارة فقال له النبي يا عباس نفس تحييها خير من إمارة لا تحصيها إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل فبكي هارون الرشيد بكاء شديدا ثم قال زدني يرحمك الله فقال يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لرعيتك فإن النبي قال من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة فبكي هارون الرشيد بكاء شديدا ثم قال له أعليك دين قال نعم دين لربي يحاسبني عليه فالويل لي إن ناقشني والويل إن سألني والويل لى إن لم يلهمني حجتي قال هارون إنما أعني دين العباد قال إن ربي لم يأمرني بهذا أو إنما أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره قال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس الإ ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين )
        فقال له هارون هذه ألف دينار فخذها وأنفقها على عيالك وتقو بها على عبادة ربك فقال سبحان الله أنا دللتك على سبيل الرشاد تكافئني أنت بمثل هذا سلمك الله وفقك ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا من عنده فقال لي هارون إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا فإن هذا سيد المسلمين اليوم

        واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط وصفات قال سليمان الخواص من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة ومن وعظه على رؤوس الأشهاد فإنما بكته
        وقالت أم الدرداء رضي الله تعالى عنها من وعظ أخاه سرا فقد سره وزانه ومن وعظه علانية فقد ساءه وشانه ويقال من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وسره ومن وعظه جهرا فقد فضحه وضره
        وعن عبد العزيز بن أبي داود قال كان الرجل إذا رأى من أخيه شيئا أمره في ستر ونهاه في ستر فيؤجر في ستره ويؤجر في أمره ويؤجر في نهية
        وعن عمر رضي الله تعالى عنه إذا رأيتم أخاكم ذا زلة فقوموه وسددوه وادعوا الله أن يرجع به إلى التوبة فيتوب عليه ولا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم
        وبالله التوفيق إلى أقوم طريق وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبة وسلم
        \\\\\

        تعليق

        • نوران العلي
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 3156

          المستطرف في كل فن مستظرف

          الباب الثالث عشر
          في الصمت وصون اللسان والنهي عن الغيبة والسعي بالنميمة مدح العزلة وذم الشهرة وفيه فصول:-
          الفصل الأول في الصمت وصون اللسان
          قال الله تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) وقال تعالى ( إن ربك لبالمرصاد )
          واعلم أنه ينبغي للعاقل المكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما تظهر المصلحة فيه ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الامساك عنه لأنه قد يجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه بل هذا كثير وغالب في العادة والسلامة لا يعادلها شيء وروينا في صحيحي البخارى ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا أو ليصمت
          قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في الكلام إذا أراد أحدكم الكلام فعليه أن يفكر في كلامه فان ظهرت المصلحة تكلم وإن شك لم يتكلم حتى تظهر
          وروينا في صحيحيهما عن أبي موسى الأشعرى رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل قال من سلم الناس من لسانه ويده

          وروينا في كتاب الترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله ما النجاة قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك قال الترمذي حديث حسن وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والاحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة وفيما أشرت كفاية لمن وفقه الله تعالى
          واما الاثار عن السلف وغيرهم في هذا الباب فكثيرة لا تحصر لكن ننبه على شيء منها
          فمما جاء من ذلك ما بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا فقال أحدهما لصاحبة كم وجدت في ابن ادم من العيوب فقال هي أكثر من أن تحصر وقد وجدت خصلة إن استعملها الانسان سترت العيوب كلها قال وما هي قال حفظ اللسان
          وقال الامام الشافعي رضي الله عنه لصاحبه الربيع يا ربيع لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها وقال بعضهم مثل اللسان مثل السبع إن لم توثقه عدا عليك ولحقك شره
          ومما أنشدوه في هذا الباب:
          ( احفظ لسانك أيها الأنسان ... لا يلدغنك إنه ثعبان )
          ( كم في المقابر من قتيل لسانه ... كانت تهاب لقاءه الشجعان )
          وقال الفارسي:
          ( لعمرك ان في ذنبي لشغلا ... لنفسي عن ذنوب بني أمية )
          ( على ربي حسابهم أليه ... تناهي علم ذلك لا إليه )
          وقال علي رضي الله عنه إذا تم العقل نقص الكلام وقال أعرابي رب منطق صدع جمعا وسكوت شعب صدعا وقال وهب بن الورد بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت والعاشر في عزلة الناس وقال علي بن هشام رحمة الله تعالى عليه:
          ( لعمرك أن الحلم زين لأهله ... وما الحلم الا عادة وتحلم )
          ( إذا لم يكن صمت الفتى عن ندامة ... وعي فإن الصمت أولى وأسلم )
          وقال ابن عيينة من حرم الخير فليصمت فإن حرمهما فالموت خير له وعن رسول الله أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه عليك بالصمت الا من خير فانه مطردة للشيطان وعون على أمر دينك ومن كلام الحكماء من نطق في غير خير فقد لغا ومن نظر في غير اعتبار فقد سها ومن سكت في غير فكر فقد لها وقيل لو قرأت صحيفتك لأغمدت صفيحتك ولو رأيت ما في ميزانك لختمت على لسانك ولما خرج يونس عليه السلام من بطن الحوت طال صمته فقيل له ألا تتكلم فقال الكلام صيرني في بطن الحوت وقال حكيم إذا أعجبك الكلام فاصمت وإذا أعجبك الصمت فتكلم وكان يقال من السكوت ما هو أبلغ من الكلام لأن السفيه إذا سكت عنه كان في أغتنام وقيل لرجل بم سادكم الأحنف فو الله ما كان بأكبركم سنا ولا بأكثركم مالا فقال بقوة سلطانة على لسانه وقيل الكلمة أسيرة في وثاق الرجل فإذا تكلم بها صار في وثاقها وقيل اجتمع أربعة ملوك فتكلموا فقال ملك الفرس ما ندمت على ما لم أقل مرة وندمت على ما قلت مرارا وقال قيصر أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت وقال ملك الصين ما لم أتكلم بكلمة ملكتها فإذا تكلمت بها ملكتني وقال ملك الهند العجيب ممن يتكلم بكلمة إن رفعت ضرت وإن لم ترفع لم تنفع وكان بهرام جالسا ذات ليلة تحت شجرة فسمع منها صوت طائر فرماه فأصابة فقال ما أحسن حفظ اللسان بالطائر والانسان لو حفظ هذا لسانه ما هلك وقال على رضي الله تعالى عنه بكثرة الصمت تكون الهيبة وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع وإن أكثرت منه قتل وقال لقمان لولده يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك يقول اللسان كل صباح وكل مساء للجوارح كيف أنتن فيقلن بخير إن تركتنا
          قال الشاعر:
          ( احفظ لسانك لا تقول فتبتلي ... إن البلاء موكل بالمنطق )

          تعليق

          • نوران العلي
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 3156

            المستطرف في كل فن مستظرف

            الباب الثالث عشر
            في الصمت وصون اللسان

            الفصل الثاني في تحريم الغيبة

            اعلم أن الغيبة من أقبح القبائح وأكثرها انتشار في الناس حتى لا يسلم منها إلا القليل من الناس وهى ذكرك الانسان بما يكره ولو بما فيه سواء كان في دينه أو بدنه أو نفسه أو خلقه أو ماله أو ولده أو والده أو زوجته أو خادمه أو عمامته أو ثوبه أو مشيته أو حركته أو بشاشته أو خلاعته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكرته بلفظك أو بكتابك أو رمزت إليه بعينك او يدك أو رأسك أو نحو ذلك فاما الدين فكقولك سارق خائن ظالم متهاون بالصلاة متساهل في النجاسات ليس بارا بوالديه قليل الأدب لا يضع الزكاة مواضعها ولا يجتنب الغيبة وأما البدن فكقولك أعمى أو أعرج أو أعمش أو قصير أو طويل أو أسود أو أصفر وأما غيرهما فققولك فلان قليل الأدب متهاون بالناس لا يرى لأحد عليه حقا كثير النوم كثير الأكل وما أشبه ذلك أو كقولك فلان أبوه نجار أو إسكاف أو حداد أو حائك تريد تنقيصه بذلك أو فلان سيء الخلق متكبر مراء معجب عجول جبار ونحو ذلك أو فلان واسع الكم طويل الذيل وسخ الثوب ونحو ذلك وقد روينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي عن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل وإن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد أغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته قال الترمذي حديث حسن صحيح وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت قلت للنبي حسبك من صفية كذا وكذا قال بعض الرواة تعني قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته أي خالطته مخالطة يتغير بها طعمة وريحة لكثرة نتنها وروينا في سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله لما عرج بي إلى السماء مرت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم وروي عن جابر رضي الله عنه عن النبي أنه قال إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا ثم قال رسول الله إن الرجل ليزني فيتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لم يغفر له حتى يغفر له صاحبها وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال من اغتاب المسلمين وأكل لحومهم بغير حق وسعى بهم ألى السلطان جيء به يوم القيامة مزرقة عيناه ينادي بالويل والثبور ويعرف أهله ولا يعرفونه وقال معاوية بن قرة أفضل الناس عند الله أسلمهم صدرا وأقلهم غيبة وقال الأحنف في خصلتان لا أغتاب جليسي إذا غاب عني ولا أدخل في أمر قوم لا يدخلونني فيه وقيل للربيع بن خيثم ما نراك تعيب أحدا فقال لست عن نفسي راضيا فأتفرغ لذم الناس وأنشد:
            ( لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ... لنفسي من نفسي عن الناس شاغل )
            وقال كثير عزة:
            ( وسعى إلى بعيب عزة نسوة ... جعل الإله خدودهن نعالها )
            وقال محمد بن حزم أول من عمل الصابون سليمان وأول من عمل السويق ذو القرنين وأول من عمل الحيس يوسف وأول من عمل خبز الجرادق نمروذ وأول من كتب في القراطيس الحجاج واول من اغتاب إبليس لعنه الله اغتاب ادم عليه السلام
            وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن المغتاب إذا تاب فهو اخر من يدخل الجنة وإن أصر فهو أول من يدخل النار ويقال لا تأمن من كذب لك أن يكذب عليك ومن اغتاب عندك غيرك أن يغتابك عند غيرك وقيل للحسن البصري رضي الله تعالى عنه ان فلانا اغتابك فأهدى إليه طبقا من رطب فأتاه الرجل وقال له اغتبتك فأهديت إلي فقال الحسن أهديت إلى حسناتك فأردت أن أكافئك وعن ابن المبارك رحمة الله تعالى قال لو كنت مغتابا أحدا لاغتبت والدي لأنهما أحق بحسناتي وإذا حاكى إنسان إنسانا بأن يمشي متعارجا أو متطأطئا أو غير ذلك من الهيئات يريد تنقيصه بذلك فهو حرام وبعض المتفقهين والمتعبدين يعرضون بالغيبة تعريضا تفهم به كما تفهم بالتصريح فيقال لأحدهم كيف حال فلان فيقول الله يصلحنا الله يغفر لنا الله يصلحه نسأل الله العافية نحمد الله الذي لم يبتلنا بالدخول على الظلمة نعوذ بالله من الكبر يعافينا الله من قلة الحياء الله يتوب علينا وما أشبه ذلك مما يفهم تنقيصه فكل ذلك غيبة محرمة
            واعلم أنه كما يحرم على المغتاب ذكر الغيبة كذلك يحرم على السامع استماعها فيجب على من يستمع إنسانا يبتدىء بغيبة أن ينهاه إن لم يخف ضررا فإن خافه وجب عليه الانكار بقلبه ومفارقة ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته فإن قال بلسانة أسكت وقلبه يشتهى سماع ذلك قال بعض العلماء ان ذلك نفاق قال الله تعالى ( وإذا رأيت الذين يخوضون في اياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) ومما أنشدوه في هذا المعنى:
            ( وسمعك صن عن سماع القبيح ... كصون اللسان عن النطق به )
            ( فإنك عند سماع القبيح ... شريك لقائله فانتبه )
            ( وكم أزعج الحرص من طالب ... فوافي المنية في مطلبة )

            تعليق

            • نوران العلي
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 3156

              رد: موسوعة عبير الثقافة ..(مفهرسة),,

              يتبع
              الفصل الثالث في تحريم السعاية بالنميمة
              قال الله تعالى ( ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم ) الاية
              وحسبك بالنمام خسة ورذيلة سقوطه وضعته والهماز المغتاب الذي يأكل لحوم الناس الطاعن فيهم وقال الحسن البصري هو الذي يغمز بأخيه في المجلس وهو الهمزة واللمزه وقال علي والحسن البصري رضي الله عنهما العتل الفاحش السيء الخلق قال ابن عباس رضي الله عنهما العتل الفاتك الشديد المنافق وقال عبيد بن عمير العتل الأكول الشروب القوى الشديد يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة وقال الكلبي هو الشديد في كفره وقيل العتل الشديد الخصومة بالباطل والزنيم هو الذي لا يعرف من ابوه قال الشاعر:
              ( زنيم ليس يعرف من أبوه ... بغي الأم ذو حسب لئيم )
              وروينا في صحيحي البخارى ومسلم عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي قال لا يدخل الجنة نمام وروى أن النبي مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما احدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الاخر فكان لا يستنزه من بوله قال الإمام ابو حامد الغزالي رحمة الله تعالى عليه النميمة إنما تطلق في الغالب على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كقوله فلان يقول فيك كذا فينبغي للإنسان أن يسكت عن كل ما راه من أحوال الناس إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع معصية وينبغي لمن حملت إليه النميمة وقيل له قال فيك فلان كذا أن لا يصدق من نم إليه لأن النمام فاسق وهو مردود الخير وأن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله ويبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله والبغض في الله واجب وأن لا يظن بالمنقول عنه السوء لقول الله تعالى ( اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم )

              وسعى رجل إلى بلال بن أبي بردة برجل وكان أمير البصرة فقال له انصرف حتى أكشف عنك فكشف عنه فإذا هو ابن بغي يعني ولد زنا قال أبو موسى الأشعرى رضي الله عنه لا ينم على الناس إلا ولد بغي وروى أن النبي قال ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى يا رسول الله قال شراركم المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة والباغون العيوب
              وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي قال ملعون ذو الوجهين ملعون ذو اللسانين ملعون كل شغاز ملعون كل قتات ملعون كل نمام ملعون كل منان
              والشغاز المحرش بين الناس يلقي بينهم العداوة والقتات النمام والمنان الذي يعمل الخير ويمن به وأما السعاية الى السلطان وإلى كل ذي قدرة فهي المهلكة والحالقة التى تجمع الخصال الذميمة من الغيبة وشؤم النميمة والتغرير بالنفوس وألأموال في النوازل والأحوال وتسلب العزيز عزه وتحط المسكين عن مكانته والسيد عن مرتبته فكم دم أراقه سعي ساع وكم حريم استبيح بنميمة نمام وكم من صفيين تباعدا وكم متواصلين تقاطعا وكم من محبين افتراقا وكم من إلفين تهاجرا وكم من زوجين تطالقا فليتق الله ربه عز وجل رجل ساعدته الأيام وتراخت عنه الأقدار وأن يصغي لساع أو يستمع لنمام وجد في حكم القدماء أبغض الناس إلى الله المثلث قال الأصمعي هو الرجل يسعى بأخيه الى الإمام فيهلك نفسه وأخاه وأمامه وقال بعض الحكماء احذروا أعداء العقول ولصوص المودات وهم السعاة والنمامون إذا سرق اللصوص المتاع سرقوا هم المودات وفي المثل السائر من أطاع الواشي ضيع الصديق وقد تقطع الشجرة فتنبت ويقطع اللحم السيف فيندمل واللسان لا يندمل جرحه ودفع إنسان رقعة إلى الصاحب بن عباد يحثه فيها على أخذ مال يتيم وكان مالا كثيرا فكتب إليه على ظهرها والنميمة قبيحة وإن كانت صحيحة والميت رحمه الله واليتيم جبره الله والساعي لعنة الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

              تعليق

              • نوران العلي
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 3156

                رد: موسوعة عبير الثقافة ..(مفهرسة),,

                يتبع
                الفصل الثالث في تحريم السعاية بالنميمة


                وروينا في كتاب أبي داود والترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ومن الناس من يتلون ألوانا ويكون بوجهين ولسانين فيأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها قال صالح بن عبد الله القدوس رحمه الله تعالى:
                ( قل للذي لست أدري من تلونه ... أنا صح أم على غش يناجيني )
                ( إني لأكثر مما سمتني عجبا ... يد تشح وأخرى منك تأسوني )
                ( تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في اخرين وكل عنك يأتيني )
                ( هذان شيئان قد نافيت بينهما ... فأكفف لسانك عن شتمي وتزييني )
                وقيل لألف لحوح جموح خير من واحد متلون وكان يشبه المتلون بأبي براقش وأبي قلمون فأبو براقش طائر منقط بألوان النقوش يتلون في اليوم ألوانا وأبو قلمون ضرب من ثياب الحرير ينسج بالروم ينلون ألوانا ويقال للطائش الذي لا ثبات معه أبو رياح تشبيها بمثال فارس من نحاس بمدينة حمص على عمود حديد فوق قبة بباب الجامع يدرو مع الريح ويمناه ممدودة وأصابعها مضمومة إلا السبابة فإذا أشكل عليهم مهب الريح عرفوه به فإنه يدور بأضعف نسيم يصيبه والذي يعمله الصبيان من قرطاس على قصة يسمى أبا رياح أيضا ويقال أخلاق الملوك مثل في المتلون قال بعضهم:
                ( ويوم كأخلاق الملوك تلونا ... فصحو وتغييم وطل وابل )
                ( أشبهه إياك من صفاته ... دنو وإعراض ومنع ونائل )
                وكلم معاوية الأحنف في شيء بلغه عنه فأنكره الأحنف فقال له معاوية بلغني عنك الثقة فقال له الأحنف إن الثقة لا يبلغ مكروها وكان الفضل بن سهل يبغض السعاية وإذا أتاه ساع يقول له إن صدقتنا أبغضناك وإن كذبتنا عاقبناك وإن استقتلنا أقلناك وكتب في جواب كتاب ساع نحن نرى أن قبول السعاية شر من السعاية لأن السعاية دلالة والقبول إجازة وليس من دل على شيء وأخبر به كمن قبله وأجازه فاتقوا الساعي فإنه لو كان في سعايته صادقا لكان في صدقه لئيما إذ لم يحفظ الحرمة ولم يستر العورة وقيل من سعى بالنميمة حذره الغريب ومقته القريب وقال المأمون النميمة لا تقرب مودة إلا أفسدتها ولا عداوة إلا جددتها ولا جماعة إلا بددتها ثم لا بد لمن عرف بها ونسب إليها أن يجتنب ويخاف من معرفته ولا يوثق بمكانه وأنشد بعضهم
                ( من نم في الناس لم تؤمن عقاربه ... على الصديق ولم تؤمن أفاعيه )
                ( كالسيل بالليل لا يدرى به أحد ... من أين جاء ولا من أين يأيته )
                ( الويل للعهد منه كيف ينقضه ... والويل للود منه كيف يفنيه )
                وقال اخر:
                ( يسعى عليك كما يسعى إليك فلا ... تأمن غوائل ذي وجهين كياد )
                وقال صالح بن عبد القدوس رحمه الله تعالى
                ( من يخبرك بشتم عن أخ ... فهو الشاتم لا من شتمك )
                ( ذاك شيء لم يواجهك به ... إنما اللوم على من أعلمك )
                وقال اخر:
                ( إن يعلموا الخير أخفوه وإن علموا ... شرا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا )
                وقال اخر:
                ( إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا )
                ( صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا )
                وقال الحسن ستر ما عاينت أحسن من إشاعة ما ظننت وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه من سمع بفاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها
                ومما جاء في النهي عن اللعن
                ما روينا في صحيح البخاري ومسلم عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال قال رسول الله لعن المؤمن كقتله وروينا في صحيح مسلم أيضا عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة وروينا في سنن أبي داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق ابواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن ان كان أهلا لذلك وإلا رجعت ألى قائلها ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة على العموم كقوله لعن الله الظالمين لعن الله الكافرين لعن الله اليهود والنصارى لعن الله الفاسقين لعن الله المصورين ونحو ذلك
                وثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله لعن الواصلة والمستوصلة وأنه قال لعن الله اكل الربا وأنه قال لعن الله المصورين وأنه قال لعن الله من لعن والديه وأنه قال لعن الله من ذبح لغير الله وأنه قال لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وأنه قال لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال وجميع هذه الألفاظ في البخارى ومسلم بعضها فيهما وبعضنا في أحدهما والله أعلم
                ومما جاء في العزلة ومدح الخمول وذم الشهرة
                قال رسول الله الخمول نعمة وكل يتبرأ والظهور نقمة وكل يتمنى
                وقال بعضهم:
                ( تلحف بالخمول تعش سليما ... وجالس كل ذي أدب كريم )
                وقال جعفر بن الفراء:
                ( من أخمل النفس أحياها وروحها ... ولم يبت طاويا منها على الضجر )
                ( إن الرياح إذا اشتدت عواصفها ... فليس ترمي سوى العالي من الشجر )
                وقال إعرابي رب وحدة أنفع من جليس وحشة أنفع من أنيس وكان أبو معاوية الضرير يقول في خصلتان ما يسرني بهما رد بصرى قلة الإعجاب بنفسي وخلو قلبي من اجتماع الناس إلي وقال عمر رضي الله عنه خذوا حظكم من العزلة وصعد حسان على أطم من اطام المدينة ونادى بأعلى صوته يا صباحاه فاجتمعت الخزرج فقالوا ما عندك قال قلت بيت شعر فأحببت أن تسمعوه قالوا هات يا حسان فقال:
                ( وإن امرا أمسي وأصبح سالما ... من الناس إلا ما جني لسعيد )
                ولما بنى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه منزله بالعقيق قيل له تركت منازل إخوانك وأسواق الناس ونزلت بالعقيق فقال رأيت أسواقهم لاغية ومجالسهم لاهية فوجدت الاعتزال فيما هنالك عافية وقيل لعروة أخي مرداس لا تحدثنا ببعض ما عندك من العلم فقال أكره أن يميل قلبي باجتماعكم إلى حب الرياسة فأخسر الدارين وقال سفيان بن عيينة دخلنا على الفضل في مرضه نعوده فقال ما جاء بكم والله لو لم تجيئوا لكان أحب إلي ثم قال نعم الشيء المرض لولا العبادة وقيل للفضل إن ابنك يقول وددت لو أني بالمكان الذي أرى الناس فيه ولا يروني فقال ويح ابني لم لا أتمها فقال لا أراهم ولا يروني وقال علي رضي الله تعالى عنه طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وطوبى لمن لزم بيته وأكل قوته واشتغل بطاعته وبكي على خطيئته فكان من نفسه في شغل والناس منه في راحة وقال سفيان الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس وقيل لراهب في صومعته ألا تنزل فقال من مشي على وجه الأرض عثر
                والكلام في مثل هذا كثير وقد اكتفينا بهذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.

                تعليق

                • نوران العلي
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 3156

                  رد: موسوعة عبير الثقافة ..(مفهرسة),,

                  الباب الرابع عشر
                  في الملك والسلطان وطاعة ولاة أمور الاسلام وما يجب للسلطان على الرعية وما يجب لهم عليه:-
                  روي عن الحسن أنه قال للحجاج سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول قال رسول الله وقروا السلاطين وبجلوهم فإنهم عز الله وظله في الأرض إذا كانوا عدولا فقال الحجاج ألم نكن فيهم إذا كانوا عدولا قال قلت بلى وعن عمر رضي الله تعالى عنه قال قلت للنبي أخبرني عن هذا السلطان الذي ذلت له الرقاب وخضعت له الأجساد ما هو قال ظل الله في الأرض فإذا أحسن فله الأجر وعليكم الشكر وإذا أساء فعليه الاصر وعليكم الصبر وعنه عليه الصلاة والسلام أيما راع استرعي رعيته ولم يحطها بالأمانة والنصيحة من ورائها الا ضاقت عليه رحمة الله تعالى التى وسعت كل شيء وقال مالك بن دينار رضي الله تعالى عنه وجدت في بعض الكتب يقول الله تعالى أنا ملك الملوك رقاب الملوك بيدي فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة لا تشغلوا ألسنتكم بسبب الملوك ولكن توبوا إلى الله يعطفهم عليكم وقال جعفر بن محمد رحمة الله تعالى عليه كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الاخوان وقال كسرى لسيرين ما أحسن هذا الملك لو دام فقال لو دام لأحد ما انتقل إلينا ومر طارق السرطي بابن شبرمه في موكبه فقال:
                  ( أراها وإن كانت تحب فإنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع )
                  وجلس الاسكندر يوما فما رفع إليه حاجة فقال لا أعد هذا اليوم من أيام ملكي وقال الجاحظ ليس شيء ألذ ولا أسر من عز الأمر والنهي ومن الظفر بالأعداء ومن تقليد المن أعتاق الرجال لأن هذه الأمور تصيب الروح وحظ الذهن وقسمة النفس وقيل الملك خليفة الله في عباده ولن يستقيم أمر خلافته مع مخالفته وقال الحجاج سلطان تخافه الرعية خير من سلطان يخافها وقال أردشير لابنه يا بني الملك والدين أخوان لا غنى لأحدهما عن الاخر فالدين أس والملك حارس وما لم يكن له أس فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع قيل لما دنت وفاة هرمز وامرأته حامل عقد التاج على بطنها وأمر الوزراء بتدبير الملكة حتى يولد له ولد فتملك وأغار العرب على نواحي فارس في صباه فلما أدرك ركب وانتخب من أهل النجدة فرسانا وأغار على العرب فانتهكهم بالقتل ثم خلع أكتاف سبعين ألفا فقيل له ذو الأكتاف وأمر العرب حينئذ بأرخاء الشعور ولبس المصبغات وأن يسكنوا بيوت الشعر وأن لا يركبوا الخيل إلا عراة
                  وقيل من أخلاق الملوك حب التفرد كان أردشير إذا وضع التاج على رأسه لم يضع أحد على رأسه قضيب ريحان وإذا لبس حلة لم ير أحد مثلها وإذا تختم بخاتم كان حراما على أهل المملكة أن يتختموا بمثله
                  وكان سعيد بن العاص بمكة إذا أعتم لم يعتم أحد بمثل عمامته ما دامت على رأسه وكان الحجاج إذا وضع على رأسه عمامة لم يجترىء أحد من خلق الله أن يدخل عليه بمثلها وكان عبد الملك إذا لبس الخف الأصفر لم يلبس أحد مثله حتى ينزعه وأخبرني من سافر إلى اليمن أنه لا يأكل الأوز بها أحد غير الملك
                  وقيل من حق الملك أن يفحص عن أسرار الرعية فحص المرضعة عن ابنها وكان أردشير متى متى شاء قال لأرفع أهل مملكته وأوضعهم كان عندك في هذه الليلة كيت كيت حتى كان يقال يأتيه ملك من السماء وما ذاك إلا بتفحصه وتيقظه
                  وكان علم عمر رضي الله عنه بمن نأي عنه كعلمه بمن بات معه على وساد واحد ولقد اقتفي معاوية أثره وتعرف إلى زياد رجل فقال أتتعرف إلي وأنا أعرف بك من أبيك وأمك وأعرف هذا البرد الذي عليك ففزع الرجل حتى ارتعد من كلامه
                  وعن بعض العباسيين قال كلمت المأمون رحمه الله تعالى في امرأة خطبتها وسألته النظر إليها فقال يا أبا فلان من قصتها وحليتها وفعلها وشأنها كيت وكيت فو الله ما زال يصفها ويصف أحوالها حتى أبهتني
                  ومما جاء في طاعة ولاة امور الاسلام
                  أمر الله تعالى بذلك في كتابه العزيز على لسان نبيه الكريم فقال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم )
                  وروينا في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال بايعت رسول الله على شهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والسمع والطاعة والنصح لكل مسلم
                  وسئل كعب الأحبار عن السلطان فقال ظل الله في أرضه من ناصحة اهتدى ومن غشة ضل وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه لا تسبوا السلطان فإنه ظل الله في الأرض به يقوم الحق ويظهر الدين وبه يدفع الله الظلم ويهلك الفاسقين وقال عمر بن عبد العزيز لمؤدبه كيف كانت طاعتى لك قال أحسن طاعة قال فأطعني كما كنت أطيعك خذ من شاربك حتى تبدو شفتاك ومن ثوبك حتى تبدو عقباك
                  وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أمري فقد أطاعني ومن عصى أمري فقد عصاني
                  وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن النبي أمر بالسمع والطاعة لولي الأمر ومنا صحته ومحبته والدعاء له ولو تتبعت ذلك لطال الكلام لكن أعلم أرشدني الله وإياك إلى الاتباع وجنبنا الزيغ والابتداع أن من قواعد الشريعة المطهرة والملة الحنيفة المحرزة أن طاعة الأئمة فرض على كل الرعية وإن طاعة السلطان تؤلف شمل الدين وتنظم أمور المسلمين وأن عصيان السلطان يهدم أركان الملة وأن أرفع منازل السعادة طاعة السلطان وأن طاعته وعصمة من كل فتنة وبطاعة السلطان تقام الحدود وتؤدي الفروض وتحقن الدماء وتؤمن السبل وما أحسن ما قالت العلماء إن طاعة السلطان هدى لمن استضاء بنورها وإن الخارج عن طاعة السلطان منقطع العصمة بريء من الذمة وإن طاعة السلطان حبل الله المتين ودينه القويم وان الخروج منها خروج من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية ومن غش السلطان ضل وزل ومن أخلص له المحبة والنصح حل من الدين والدنيا في أرفع محل وان طاعة السلطان واجبة أمر الله تعالى بها في كتابه العظيم المنزل على نبيه الكريم وقد اقتصر في ذلك على ما أوردناه واكتفينا بما بيناه ونسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا وان يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأن يصلح شأننا إنه قريب مجيب
                  وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم أجمعين.
                  .

                  تعليق

                  • نوران العلي
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 3156

                    المستطرف في كل فن مستظرف

                    الباب الخامس عشر
                    فيما يجب على من صحب السلطان والتحذير من صحبته:-

                    أما صحبة السلطان

                    فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما قال لي أبي يا بني إني أرى أمير المؤمنين يستخليك ويستشيريك ويقدمك على الأكابر من أصحاب محمد وإني أوصيك بخلال ثلاث لا تفشين له سرا ولا تجرين عليه كذبا ولا تغتابن عنده أحدا قال الشعبي رحمه الله تعالى قلت لابن عباس كل واحدة منهن خير من ألف فقال أي والله ومن عشرة الاف

                    وقال بعض الحكماء اذا زادك السلطان تأنيسا فزده اجلالا واذا جعلك أخا فاجعله أبا واذا زادك إحسانا فزده فعل العبد مع سيده وإذا ابتليت بالدخول على السلطان مع الناس فأخذوا في الثناء عليه فعليك بالدعاء له ولا تكثر في الدعاء له عند كل كلمة فان ذلك تنبيه بالوحشة والغربة
                    وقال مسلم بن عمر لمن خدم السلطان لا تغتر بالسلطان إذا أدناك ولا تتغير منه إذا أقصاك
                    وروى أن بعض الملوك استصحب حكيما فقال له أصحبك على ثلاث خصال قال وما هن قال لا تهتك لي سترا ولا تشتم لي عرضا ولا تقبل في قول قائل حتى تستشيرني قال هذا لك فماذا لي عليك قال لا أفشي لك سرا ولا أدخر عنك نصيحة ولا أوثر عليك أحدا قال نعم الصاحب للمستصحب أنت وقال بزرجمهر إذا خدمت ملكا من الملوك فلا تطعه في معصية خالقك فإن إحسانه إليك فوق إحسان الملك وإيقاعه بك أغلظ من إيقاعه
                    وقالوا أصحب الملوك بالهيبة لهم والوقار لأنهم إنما احتجبوا عن الناس لقيام الهيبة وإن طال أنسك بهم تزدد غما
                    وقالوا علم السلطان وكأنك تتعلم منه وأشر عليه وكأنك تستشيره وإذا أحلك السلطان من نفسه بحيث يسمع منك ويثق بك فإياك والدخول بينه وبين بطانته فإنك لا تدري متى يتغير منك فيكونون عونا عليك وإياك أن تعادى من إذا شاء أن يطرح ثيابه ويدخل مع الملك في ثيابه فعل وفي الأمثال القديمة أحذروا زمارة المخدة وفيه قيل بيت منفرد
                    ( ليس الشفيع الذي يأتيك متزرا ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا )
                    وقال يحيى بن خالد إذا أصحبت السلطان فداره مداراة المرأة العاقلة لصحبة الزوج الأحمق
                    وأما ما جاء في التحذير من صحبة السلطان
                    فقد اتفقت حكماء العرب والعجم على النهي عن صحبة السلطان قال في كتاب كليلة ودمنة ثلاثة لا يسلم عليها الا القليل صحبة السلطان وإئتمان النساء على الأسرار وشرب السم على التجربه وكان يقال قد خاطر بنفسه من ركب البحر وأعظم منه خطرا من صحب السلطان وكان بعض الحكماء يقول أحق الأمور بالتثبت فيها أمور السلطان فإن من صحب السلطان بغير عقل فقد لبس الشعار الغرور وفي حكم الهند صحبة السلطان على ما فيها من العز والثروة عظيمة الخطر
                    وقيل للعتابي لم لا تصحب السلطان على ما فيك من الأدب قال لأني رأيته يعطي عشرة الاف في غير شيء ويرمي من السور في غير شيء ولا أدري أي الرجلين أكون وقال معاوية لرجل من قريش إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبي ويبطش بطش الأسد وقال ميمون بن مهران قال لى عمر بن عبد العزيز يا ميمون احفظ عنى أربعا : لا تصحبن السلطان وإن أمرته بالمعروف ونهيته عن المنكر ولا تخلون بامرأة وإن أقرأتها القران ولا تصل من قطع رحمه فإنه لك أقطع ولا تتكلم بكلام اليوم تعتذر منه غدا وكم رأينا وبلغنا ممن صحب السلطان من أهل الفضل والعقل والعلم والدين ليصلحه ففسد هو به فكان كما قيل
                    ( عدوى البليد إلى الجليد سريعة ... والجمر يوضع في الرماد فيخمد )
                    ومثل من صحب السلطان ليصلحه مثل من ذهب ليقيم حائطا مائلا فاعتمد عليه ليقيمه فخر الحائط عليه فأهلكه
                    قال الشاعر:
                    ( ومعاشر السلطان شبه سفينة ... في البحر ترجف دائما من خوفه )
                    ( إن أدخلت من مائه في جوفها ... يغتالها مع مائها في جوفه )
                    وفي كتاب كليلة ودمنة لا يسعد من ابتلى بصحبة الملوك فإنهم لا عهد لهم ولا وفاء ولا قريب ولا حميم ولا يرغبون فيك الا أن يطعموا فيما عندك فيقربوك عند ذلك فإذا قضوا حاجتهم منك تركوك ورفضوك ولا ود للسلطان ولا إخاء والذنب عنده لا يغفر
                    وقالت الحكماء صاحب السلطان كراكب الأسد يخافه الناس وهو لمركوبه أخوف وقال محمد بن واسع والله لسف التراب ولقضم العظم خير من الدنو من أبواب السلاطين وقال محمد بن السماك الذباب على العذرة خير من العابر على أبواب الملوك وقيل من صحب السلطان قبل أن يتأدب فقد غرر بنفسه وقال ابن المعتز من شارك السلطان في عز الدنيا شاركة في ذل الاخرة وعنه إذا زادك السلطان تأنيسا وإكراما فزده تهيبا واحتشاما وقال أبو علي الصغاني إياك والملوك فإن من والاهم أخذوا ماله ومن عاداهم أخذوا رأسه وقيل مكتوب على باب قرية من قرى بلخ اسمها بهار أبواب الملوك تحتاج إلى ثلاثة عقل وصبر ومال وتحته مكتوب كذب عدو الله من كان له واحد منها لم يقرب باب السلطان وقال حسان بن ربيع الحمير ي لا تثقن بالملك فإنه ملول ولا بالمرأة فإنها خؤون ولا بالدابة فإنها شرود وقال عبيد ابن عمير ما ازداد رجل من السلطان قربا الا ازداد من الله بعدا ولا كثرت أتباعه إلا كثرت شياطينه ولا كثر ماله الا كثر حسابه وقال ابن المبارك رحمه الله:
                    ( أرى الملوك بأدني الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدون )
                    ( فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما استغني ... الملوك بدنياهم عن الدين )
                    وقال بعضهم في ولاة بني مروان:
                    ( إذا ما قطعتم ليلكم بمدامكم ... وأفنيتمو أيامكم بمنام )
                    ( فمن ذا الذي يغشاكم في ملمة ... ومن ذا الذي يغشاكم بسلام )
                    ( رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة ... بلثم غلام أو بشرب مدام )
                    ( ولم تعلموا أن اللسان موكل ... بمدح كرام أو بذم لئام )
                    نهت الحكماء عن خدمة الملوك فقالوا إن الملوك يستعظمون في الثواب رد الجواب ويستقلون في العقاب ضرب الرقاب
                    وقيل شر الملوك من أمنه الجريء وخافه البريء

                    والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والماب وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير
                    وصلي الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
                    .

                    تعليق

                    • نوران العلي
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 3156

                      المستطرف في كل فن مستظرف

                      الباب السادس عشر
                      في ذكر الوزراء وصفاتهم وأحوالهم وما أشبه ذلك:-

                      قال الله تعالى حاكيا عن موسى عليه السلام ( واجعل لى وزيرا من أهلي )
                      فلو كان السلطان يستغني عن الوزراء لكان أحق الناس بذلك كليم الله موسى بن عمران عليه السلام
                      ثم ذكر حكمة الوزارة فقال ( أشدد به أزري وأشركه في أمرى ) دلت هذه الاية على أن الوزار ة تشد قواعد المملكة وأن يفوض إليه السلطان إذا استكملت فيه الخصال المحمودة
                      ثم قال ( كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا ) دلت هذه الاية على أن بصحبة العلماء والصالحين أهل الخبرة والمعرفة تنتظم أمور الدنيا وألاخرة وكما يحتاج أشجع الناس إلى السلاح وأفره الخيل الى السوط وأحد الشفار إلى المسن كذلك يحتاج أجل الملوك وأعظمهم وأعلمهم إلى الوزير

                      وروى أبو سعيد الخدرى رضي الله عنه قال ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة الا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصمة الله وقال وهب بن منبه قال موسى لفرعون امن ولك الجنة ولك ملكك قال حتى أشاور هامان فشاوره في ذلك فقال له هامان بينما أنت إله تعبد إذ صرت تعبد فأنف واستكبر وكان من أمره ما كان وعلى هذا النمط كان وزير الحجاج يزيد بن مسلم لا يألوه خبالا ولبئس القرناء شر قرين لشر خدين وأشرف منازل الادميين النبوة ثم الخلافة ثم الوزارة وفي الأمثال نعم الظهير الوزير وأولى ما يظهر نبل السلطان وقوة تمييزه وجودة عقله في انتخاب الوزراء واستنقاء الجلساء ومحادثة العقلاء فهذه ثلاث خلال تدل على كماله وبهذه الخلال يجمل في الخلق ذكره وترسخ في النفوس عظمته والمرء موسوم بقرينة وكان يقال حلية الملوك وزينتهم وزراؤهم

                      وفي كتاب كليلة ودمنة لا يصلح السلطان إلا بالوزراء والأعوان وقال شريح بن عبيد لم يكن في بني إسرائيل ملك إلا ومعه رجل حكيم إذا راه غضبان كتب إليه صحائف وفي كل صحيفة أرحم المسكين واخش الموت واذكر الاخرة فكلما غضب الملك ناوله الحكيم صحيفة حتى يسكن غضبه ومثل الملك الخير والوزير السوء الذي يمنع الناس خيره ولا يمكنهم من الدنو منه كالماء الصافي فيه التمساح فلا يستطيع المرء دخوله وإن كان سابحا وإلى الماء محتاجا ومثل السلطان كمثل الطبيب ومثل الرعية كمثل المرضي ومثل الوزير كمثل السفير بين المرضى والأطباء فإذا كذب السفير بطل التدبير وكما أن السفير إذا أراد أن يقتل أحد من المرضى وصف للطبيب نقيض دائه فإذا سقاه كمثل الطبيب على صفة السفير هلك العليل كذلك الوزير ينقل إلى الملك ما ليس في الرجل فيقتله الملك فمن ههنا شرط في الوزير أن يكون صدوقا في لسانه عدلا في دينه مأمونا في أخلاقه بصيرا بأمور الرعية وتكون بطانة الوزير أيضا من أهل الأمانة والبصيرة وليحذر الملك أن يولى الوزارة لئيما فاللئيم إذا ارتفع جفا أقاربه وأنكر معارفه واستخف بالأشراف وتكبر على ذوي الفضل ودخل بعض الوزراء على بعض الخلفاء وكان الوزير من أهل العقل والأدب فوجد عنده رجلا ذميا كان الخليفة يميل إليه ويقربه فقال الوزير منشدا:
                      ( يا ملكا طاعته لازمه ... وحبه مفترض واجب )
                      ( إن الذي شرفت من أجله ... يزعم هذا أنه كاذب )
                      وأشار إلى الذمي فاسأله يا أمير المؤمنين عن ذلك فسأله فلم يجد بدا من أن يقول هو صادق فاعترف بالاسلام وكان بعض الملوك قد كتب ثلاث رقاع وقال لوزيره إذا رأيتني غضبان فادفع إلي رقعة بعد رقعة وكان في الأولي أنك لست بإله وإنك ستموت وتعود إلى التراب فيأكل بعضك بعضا وفي الثانية ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء وفي الثالثة اقض بين الناس بحكم الله فانهم لا يصلحهم إلا ذلك ولما كانت أمور المملكة عائدة إلى الوزراء وأزمة الملوك في أكف الوزراء سبق فيهم من العقلاء المثل السائر فقالوا لا تغتر بمودة الأمير إذا غشك الوزير وإذا أحبك الوزير فنم لا تخش الأمير ومثل السلطان كالدار والوزير بابها فمن أتى الدار من بابها ولج ومن أتاها من غير بابها انزعج وموقع الوزارة من المملكة كموقع المراة من البصر فكما أن من لم ينظر في المراة لا يرى محاسن وجهه وعيوبه كذلك السلطان إذا لم يكن له وزير لا يعلم محاسن دولته وعيوبها ومن شروط الوزير أن يكون كثير الرحمة للخلق رؤوفا بهم
                      واعلم أنه ليس للوزير أن يكتم عن السلطان نصيحة وإن استقلها وموضع الوزير من المملكة كموضع العينين من الرأس وكما أن المراة لا تريك وجهك الا بصفاء جوهرها وجودة صقلها ونقائها من الصدا كذلك السلطان لا يكمل أمره إلا بجودة عقل الوزير وصحة فهمه ونقاء قلبه

                      والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والماب وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
                      وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين
                      .

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...