موسوعة عبير الثقافية ..(مفهرسة),,

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نوران العلي
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 3156

    المستطرف في كل فن مستظرف

    الباب الثاني و العشرون
    في اصطناع المعروف وإغاثة الملهوف
    وقضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم:-

    قال الله تعالى ( ولا تنسوا الفضل بينكم ) وقال تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى )
    وقال رسول الله من مشى في عون أخيه ومنفعته فله ثواب المجاهدين في سبيل الله وعن أنس رضي الله عنه أن النبي قال الخلق كلهم عيال الله فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله رواه البزار والطبراني في معجمه ومعنى عيال الله فقراء الله تعالى والخلق كلهم فقراء الله تعالى وهو يعولهم وروينا في مسند الشهاب عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه قال خير الناس أنفعهم للناس وعن كثير بن عبيد بن عمرو ابن عوف المزني عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال قال رسول الله إن لله خلقا خلقهم لقضاء حوائج الناس الى على نفسه أن لا يعذبهم بالنار فإذا كان يوم القيامة وضعت لهم منابر من نور يحدثون الله تعالى والناس في الحساب وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله من سعى لأخيه المسلم في حاجة فقضيت له أو لم تقض غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله من قضي لأخيه المسلم حاجة كنت واقفا عند ميزانه فان رجح وإلا شفعت له رواه أبو نعيم في الحلية
    وروينا في مكارم الأخلاق لأبي بكر الخرائطي عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله من مشى في حاجة أخيه المسلم كتب الله له بكل خطوة سبعين حسنة وكفر عنه سبعين سيئة فإن قضيت حاجته على يديه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فإن مات في خلال ذلك دخل الجنة بغير حساب وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله من مشي مع أخيه في حاجة فناصحه فيها جعل الله بينه وبين الناس سبع خنادق ما بين الخندق والخندق كما بين السماء والأرض رواه أبو نعيم وابن أبي الدنيا وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله إن لله عند أقوام نعما يقرها عندهم ما داموا في حوائج الناس ما لم يملوا فاذا ملوا نقلها الله إلى غيرهم رواه الطبراني ورأينا من طريق الطبراني باسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل حوائج الناس إليه فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله من أغاث ملهوفا كتب الله له ثلاثا وسبعين حسنة واحدة منها يصلح بها اخرته ودنياه والباقي في الدرجات وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله أتدرون ما يقول الاسد في زئيره قالوا الله ورسوله أعلم قال يقول اللهم لا تسلطني على أحد من أهل المعروف رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قيل يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال أنفع الناس للناس قيل يا رسول الله فأى الأعمال أفضل قال إدخال السرور على المؤمن قيل وما سرور المؤمن قال إشباع جوعته وتنفيس كربته وقضاء دينه ومن مشى مع أخيه في حاجة كأن كصيام شهر واعتكافه ومن مشى مع مظلوم يعينه ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام ومن كف غضبه ستر الله عورته وإن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله من لقى أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك سره الله يوم القيامة رواه الطبراني في الصغير باسناد حسن وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله له سرورا دون الجنة رواه الطبراني وعن جعفر ابن محمد عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال قال رسول الله ما أدخل رجل على المؤمن سرور إلا خلق الله من ذلك السرور ملكا يعبد الله تعالى ويوحده فإذا صار العبد في قبره أتاه ذلك السرور فيقول له أما تعرفني فيقول له من أنت فيقول أنا السرور الذي أدخلتني على فلان أنا اليوم أؤانس وحشتك وألقنك حجتك وأثبتك بالقول الثابت وأشهد مشاهدك يوم القيامة وأشفع لك إلى ربك وأريك منزلك في الجنة رواه ابن أبي الدنيا وعن علي بن ابي طالب رضي الله عنه يرفعه إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر لها يوم الخميس وليقرأ إذا خرج من منزله اخر سورة ال عمران واية الكرسي وإنا أنزلناه في ليلة القدر وأم الكتاب فان فيها حوائج الدنيا والاخرة وهو حديث مرفوع ومن كلام الحكماء إذا سألت كريما حاجة فدعه يفكر فانه لا يفكر إلا في خير وإذا سألت لئيما حاجة فعاجله لئلا يشير عليه طبعه أن لا يفعل وسأل رجل رجلا حاجة ثم تواني عن طلبها فقال له المسؤول أنمت عن حاجتك فقال ما نام عن حاجته من أسهرك لها ولا عدل بها عن محجة النجح من قصدك بها فعجب من فصاحته وقضي حاجته وأمر له بمال جزيل وقال مسلمة لنصيب سلني فقال كفك بالعطية أبسط من لساني بالمسألة فأمر له بألف دينار وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها وعنه أيضا قال لا تكثر على أخيك بالحوائج فإن العجل إذا أفرط في مص ثدي أمه نطحته وقال ذر الرياستين لثمامة بن أشرس ما أدري ما أصنع بكثرة الطلاب فقال زل عن موضعك وعلى أن لا يلقاك منهم أحد فقال له صدقت وجلس لهم في قضاء حوائجهم وحدث أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي قال عرضت على أبي الحسن علي ابن محمد بن الفرات رقعة في حاجة لي فقرأها وضعها من يده ولم يوقع فيها بشيء فأخذتها وقمت وأنا أقول متمثلا من حيث يسمع هذين البيتين:
    ( وإذا خطبت إلى كريم حاجة ... وأبي فلا تقعد عليه بحاجب )
    ( فلربما منع الكريم وما به ... بخل ولكن سوء حظ الطالب )
    فقال وقد سمع ما قلت ارجع يا أبا جعفر بغير سوء حظ الطالب ولكن إذا سألتمونا الحاجة فعاودونا فإن القلوب بيد الله تعالى فأخذ الرقعة وقع فيها بما أردت وسأل إسحق بن ربعي اسحق بن إبراهيم المصعبي أن يوصل له رقعة إلى المؤمون فقال لكاتبه ضمها إلى رقعة فلان فقال:
    ( تأن لحاجتي واشدد عراها ... فقد أضحت بمنزلة الضياع )
    ( إذا شاركتها بلبان أخرى ... أضر بها مشاركة الرضاع )
    وقال أبو دقاقة البصرى:
    ( أضحت حوائجنا اليك مناخة ... معقوله برحابك الوصال )
    ( أطلق فديتك بالنجاح عقالها ... حتى تثور معا بغير عقال )
    وقال سلم الخاسر:
    ( إذا أذن الله في حاجة ... أتاك النجاح على رسله )
    ( فلا تسأل الناس من فضلهم ولكن سل الله من فضله )
    ولله در القائل حيث قال:
    ( أيها المادح العباد ليعطي ... إن لله ما بأيدي العباد )
    ( فاسأل الله ما طلبت إليهم وارج فرض المقسم الجواد )
    وعن عبد الله بن الحسن بن الحسين رضي الله تعالى عنهم قال أتيت باب عمر بن عبد العزيز في حاجة فقال إذا كانت لك حاجة إلي فأرسل إلي رسولا أو أكتب لي كتابا فإني لأستحي من الله أن يراك ببابي وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال والذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أودع قلبا سرورا إلا خلق الله تعالى من ذلك السرور لطفا فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل وقال لجابر بن عبد الله الأنصارى رضي الله عنهما يا جابر من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه فإن قام بما يجب لله فيها عرضها للدوام والبقاء وإن لم يقم فيها بما يجب لله عرضها للزوال نعوذ بالله من زوال النعمة ونسأله التوفيق والعصمة
    وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
    ...
    .

    تعليق

    • نوران العلي
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 3156

      المستطرف في كل فن مستظرف

      الباب الثالث و العشرون
      في محاسن الأخلاق ومساويه:-
      قال الله تعالى لنبيه ( وإنك لعلى خلق عظيم ) فخص الله تعالى نبيه من كريم الطباع ومحاسن الأخلاق من الحياء والكرم والصفح وحسن العهد بما لم يؤته غيره ثم ما أثني الله تعالى عليه بشيء من فضائله بمثل ما أثنى عليه بحسن الخلق
      فقال تعالى ( وإنك لعلى خلق عظيم ) قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القران يغضب لغضبه ويرضي لرضاه وكان الحسن رضي الله عنه إذا ذكر رسول الله قال أكرم ولد ادم على الله عز وجل أعظم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزلة عند الله أتى بمفاتيح الدنيا فاختار ما عند الله تعالى وكان يأكل على الأرض ويجلس على الأرض ويقول إنما أنا عبد اكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ولا يأكل متكئا ولا على خوان وكان يأكل خبز الشعير غير منخول وكان يأكل القثاء بالرطب ويقول برد هذا يطفيء حر هذا وكان أحب الطعام إليه اللحم ويقول هذا يزيد في السمع ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل وكان يحب الدباء ويقول يا عائشة إذا طبختم قدرا فأكثروا فيه من الدباء فإنها تشد قلب الحزين وكان يقول إذا طبختم الدباء فأكثروا من مرقها وكان يكتحل بالإثمد ولا يفارقه في سفره قارورة الدهن والكحل والمراة والمشط والإبرة يخيط ثوبه بيده وكان يضحك من غير قهقهة ويرى اللعب المباح ولا ينكره وكان يسابق أهله قالت عائشة رضي الله عنها سابقته فسبقته فلما كثر لحمي سابقته فسبقني فضرب بكتفي وقال هذه بتلك وكان له عبيد وإماء لا يرتفع على أحد منهم في مأكل ولا مشرب ولا ملبس وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب نشأ في بلاد الجهل والصحارى يتيما لا أب له ولا أم فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق وكان أفصح الناس منطقا وأحلاهم كلاما وكان يقول أنا أفصح العرب وقال أنس رضي الله عنه والذي بعثه بالحق نبيا ما قال لى في شيء قط كرهه لم فعلته ولا في شيء لم أفعله لم لا فعلته ولا لامني أحد من أهله إلا قال دعوه إنما كان هذا بقضاء وقدر وقال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى لا مانع من أن النبي إذا هضم نفسه وتواضع لا يمنع من المرتبة التى هي أعلى مرتبة من العبودية فالنبي أعطاه الله تعالى مرتبة الملك مع كونه عبدا له متواضعا فحاز المرتبتين مرتبة العبودية ومرتبة الملكية ومع ذلك كان يلبس المرقع والصوف ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويركب الحمار بلا إكاف ويردف خلفه ويأكل الخشن من الطعام وما شبع قط من خبز بر ثلاثة أيام متوالية حتى لقى الله تعالى من دعاء لباه ومن صافحة لم يرفع يده حتى يكون هو الذي يرفعها يعود المريض ويتبع الجنائز ويجالس الفقراء أعظم الناس من الله مخافة وأتعبهم لله عز وجل بدنا وأجدهم في أمر الله لا تأخذه في الله لومة لائم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أما والله ما كان تغلق من دونه الأبواب ولا كان دونه حجاب وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها ما ضرب رسول الله مرأة قط ولا خادما له ولا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون إثما أو قطيعة رحم فيكون أبعد الناس منه وقال إبراهيم بن عباس لو وزنت كلمة رسول الله بمحاسن الناس لرجحت وهي قوله عليه الصلاة والسلام إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم وفي رواية أخرى فسعوهم ببسط الوجه والخلق الحسن وعنه حسن الخلق زمام من رحمة الله تعالى في أنف صاحبه والزمام بيد الملك والملك يجره إلى الخير والخير يجره إلى الجنة وسوء الخلق زمام من عذاب الله تعالى في أنف صاحبه والزمام بيد الشيطان والشيطان يجره إلى الشر والشر يجره إلى النار وقال بعض السلف الحسن الخلق ذو قرابة عند الأجانب والسيء الخلق أجنبي عند أهله وقال الفضيل لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق لأن الفاجر إذا حسن خلقه خف على الناس وأحبوه والعابد إذا ساء خلقه مقتوه
      بيت منفرد:
      ( إذا رام التخلق جاذبته ... خلائقه إلى الطبع القديم )
      قيل أبي الله لسيء الخلق التوبة لأنه لا يخرج من ذنب إلا دخل في ذنب اخر لسوء خلقه وعن عائشة قالت كان رسول الله إذا بلغه عن الرجل شيء لم يقل ما بال فلان ولكن يقول ما بال أقوام يقولون حتى لا يفضح أحدا وعنه ما شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق وعنه أيضا قال ثلاث من كن فيه كن له من صدق لسانه زكا عمله ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره لأهل بيته زيد له في عمره ثم قال وحسن الخلق وكف الأذي يزيدان في الرزق وقيل سوء الخلق يعدي لأنه يدعو إلى أن يقابل بمثله وكتب الحسن بن علي إلى أخيه الحسين رضي الله عنهم في إعطائه الشعراء فكتب إليه الحسين أنت أعلم منى بأن خير المال ما وقي به العرض فانظر إلى شرف أدبه وحسن خلقه كيف ابتدأ كتابه بأنت أعلم مني وكان بينه وبين أخيه كلام فقيل له ادخل على أخيك فهو أكبر منك فقال إني سمعت جدي رسول الله يقول ايما أثنين جري بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الاخر كان سابقه إلى الجنة وأنا أكره أن أسبق أخي الأكبر إلى الجنة فبلغ ذلك الحسن فجاءه عاجلا رضي الله عنهما وأنشد في المعنى:
      ( وإني لألقي المرء أعلم أنه ... عدو وفي أحشائه الضغن كامن )
      ( فأمنحه بشرا فيرجع قلبه ... سليما وقد ماتت لديه الضغائن )
      وسرق بعض حاشية جعفر بن سليمان جوهرة نفيسة وباعها بمال جزيل فأنفذ إلى الجوهريين بصفتها فقالوا باعها فلان من مدة ثم إن ذلك الرجل الذي سرقها قبض عليه وأحضر بين يدي جعفر فلما رأى ما ظهر عليه قال له أراك قد تغير لونك ألست يوم كذا طلبت مني هذه الجوهرة فوهبتها لك وأقسم بالله لقد أنسيت هذا ثم أمر للجوهرى بثمنها وقال للرجل خذها الان حلالا طيبا وبعها بالثمن الذي يطيب خاطرك به لا تبع بيع خائف ودخل محمد بن عباد على المأمون فجعل يعممه بيده وجارية على رأسه تتبسم فقال لها المأمون مم تضحكين فقال ابن عباد أنا أخبرك يا أمير المؤمنين تتعجب من قبحي وإكرامك إياي فقال لا يعجبني فإن تحت هذه العمامة كرما ومجدا قال شاعر:
      ( وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم ... إذا كانت الأعراض غير حسان )
      ( فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى ... فما كل مصقول الحديد يماني )
      وحكى أن بهرام الملك خرج يوما للصيد فانفرد عن أصحابه فرأى صيدا فتبعه طامعا في لحاقه حتى بعد عن عسكره فنظر إلى راع تحت شجرة فنزل عن فرسه ليبول وقال للراعى احفظ على فرسي حتى أبول فعمد الراعي إلى العنان وكان ملبسا ذهبا كثيرا فاستغفل بهرام وأخرج سكينا فقطع أطراف اللجام وأخذ الذهب الذي عليه فرفع بهرام نظره إليه فراه فغض بصره وأطرق برأسه إلى الأرض وأطال الجلوس حتى أخذ الرجل حاجته ثم قام بهرام فوضع يده على عينيه وقال للراعي قدم إلي فرسي فإنه قد دخل في عيني من ما في الريح فلا أقدر على فتحهما فقدمه إليه فركب وسار إلى أن وصل إلى عسكره فقال لصاحب مراكبة أن أطراف اللجام قد وهبتها فلا تتهمن بها أحدا
      وذكر أن أنوشروان وضع الموائد للناس في يوم نوروز وجلس ودخل وجوه أهل مملكته في الإيوان فلما فرغوا من الطعام جاءوا بالشراب وأحضرت الفواكه والمشموم في انية الذهب والفضة فلما رفعت انية المجلس أخذ بعض من حضر جام ذهب وزنه ألف مثقال وخبأه تحت ثيابه وأنوشروان يراه فلما فقده الشرابي صاح بصوت عال لا يخرجن أحد حتى يفتش فقال كسرى ولم فأخبره بالقضية فقال قد أخذه من لا يرده وراه من لا ينم عليه فلا تفتش أحدا فأخذ الرجل الجام ومضي فكسره وصاغ منه منطقة وحلية لسيفه وجدد له كسوة جميلة فلما كان في مثل ذلك اليوم جلس الملك ودخل ذلك الرجل بتلك الحلية فدعاه كسرى وقال له هذا من ذاك فقبل الأرض وقال نعم أصلحك الله وقال عبد الله بن طاهر كنا عند المأمون يوما فنادي بالخادم يا غلام فلم يجبه أحد تم نادي ثانيا وصاح يا غلام فدخل غلام تركي وهو يقول ما ينبغي للغلام أن يأكل ولا يشرب كلما خرجنا من عندك تصيح يا غلام يا غلام إلى كم يا غلام فنكس المأمون رأسه طويلا فما شككت أنه يأمرني بضرب عنقه ثم نظر إلى فقال يا عبد الله إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه وإنا لا نستطيع إن نسيء أخلاقنا لنحسن أخلاق خدمنا وقال ابن عباس رضي الله عنهما ورد علينا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان المدينة واليا وكأن وجهة ورقة من ورق المصحف فوالله ما ترك فينا فقيرا إلا أغناه ولا مديونا إلا أدي عنه دينه وكان ينظر إلينا بعين أرق من الماء ويكلمنا بكلام أحلى من الجني ولقد شهدت منه مشهدا لو كان من معاوية لذكرته تغدينا يوما عنده فأقبل الفراش بصحفة فعثر في وسادة فوقعت الصحفة من يده فوالله ما ردها إلا ذقن الوليد وانكب جميع ما فيها في حجره فبقي الغلام متمثلا واقفا ما معه من روحه الا ما يقيم رجليه فقام الوليد فدخل فغير ثيابه وأقبل علينا تبرق أسارير جبهته فأقبل على الفراش وقال يا بائس ما أرانا إلا روعناك اذهب فأنت وأولادك أحرار لوجه الله تعالى ومرض أحمد بن أبي داود فعاده المعتصم وقال نذرت ان عافاك الله تعالى أن اتصدق بعشرة الاف دينار فقال أحمد يا أمير المؤمنين فاجعلها في أهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار شدة فقال نويت أن أتصدق بها على من ههنا وأطلق لأهل الحرمين مثلها فقال أحمد متع الله الإسلام وأهله بك يا أمير المؤمنين فإنك كما قال النميري لأبيك الرشيد رحمة الله تعالى عليه:
      ( إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك الله منها حيث تجتمع )
      ( من لم يكن بأمين الله معتصما ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع )
      وقيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت حسن الخلق فقال من قيس بن عاصم بينما هو ذات يوم جالس في داره إذ جاءته خادم له بسفود عليه شواء حار فنزعت السفود من اللحم وألقته خلف ظهرها فوقع على ابن له فقتله لوقته فدهشت الجارية فقال لا روع عليك أنت حرة لوجه الله تعالى وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا رأى أحدا من عبيده يحسن صلاته يعتقه فعرفوا ذلك من خلقه فكانوا يحسنون الصلاة مراءاة له فكان يعتقهم فقيل له في ذلك فقال من خدعنا في الله انخدعنا له وروي أن أبا عثمان الزاهد اجتاز ببعض الشوارع في وقت الهاجرة فألقي عليه من فوق سطح طست رماد فتغير أصحابه وبسطوا السنتهم في الملقي للرماد فقال أبو عثمان لا تقولوا شيئا فإن من استحق أن يصب عليه النار فصولح بالرماد لم يجز له أن يغضب وقيل لإبراهيم بن أدهم تغمده الله تعالى برحمته هل فرحت في الدنيا قط فقال نعم مرتين إحداهما إني كنت قاعدا ذات يوم فجاء إنسان فبال علي والثانية كنت جالسا فجاء انسان فصفعني وروي أن على بن أبي طالب كرم الله وجهه دعا غلاما له فلم يجبه فدعاه ثانيا وثالثا فراه مضطجعا فقال أما تسمع يا غلام قال نعم قال فما حملك على ترك جوابي قال أمنت عقوبتك فتكاسلت فقال اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى
      وحكى أن أبا عثمان الحيرى دعاه انسان إلى ضيافة فلما وافي باب الدار قال له الرجل يا أستاذ ليس لي وجه في دخولك فانصرف رحمك الله فانصرف أبو عثمان فلما وافي منزله عاد الرجل إليه وقال يا أستاذ ندمت وأخذ يعتذر له وقال احضر الساعة فقام معه فلما وافى داره قال له مثل ما قال في الأولى ثم فعل به ذلك أربع مرات وأبو عثمان ينصرف ويحضر ثم قال يا أستاذ إنما أردت بذلك أختبارك والوقوف على أخلاقك ثم جعل يعتذر له ويمدحه فقال أبو عثمان لا تمدحني على خلق تجده في الكلاب فإن الكلب إذا دعي حضر وإذا زجر انزجر وقال الحرث بن قصي يعجبني من القراء كل فصيح مضحاك فأما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بوجه عبوس فلا كثر الله في المسلمين مثله
      ومن محاسن الأخلاق
      ما حكى عن القاضي يحيي بن أكتم قال كنت نائما ذات ليلة عند المأمون فعطش فامتنع أن يصيح بغلام يسقيه وأنا نائم فينغص علي نومي فرأيته وقد قام يمشي على أطراف أصابعه حتى أتي موضع الماء وبينه وبين المكان الذي فيه الكيزان نحو من ثلاثمائة خطوة فأخذ منها كوزا فشرب ثم رجع يمشي على أطراف أصابعه حتى قرب من الفراش الذي أنا عليه فخطا خطوات خائف لئلا ينبهني حتى صار إلى فراشه ثم رأيته اخر الليل قام يبول وكان يقوم في أول الليل واخره فقعد طويلا يحاول أن أتحرك فيصيح بالغلام فلما تحركت وثب قائما وصاح يا غلام وتأهب للصلاة ثم جاءني فقال لي كيف أصبحت يا أبا محمد وكيف كان مبيتك قلت خير مبيت جعلنى الله فداك يا أمير المؤمنين قال لقد استيقظت للصلاة فكرهت أن أصيح بالغلام فأزعجك فقلت يا أمير المؤمنين قد خصك الله تعالى بأخلاق الأنبياء وأحب لك سيرتهم فهناك الله تعالى بهذه النعمة وأتمها عليك فأمر لي بألف دينار فأخذتها وانصرفت قال وبت عنده ذات ليلة فانتبه وقد عرض له السعال فجعلت أرمقه وهو يحشو فمه بكم قميصه يدفع به السعال حتى غلبه فسعل وأكب على الأرض لئلا يعلو صوته فأنتبه قال يحيى وكنت معه يوما في بستان ندور فيه فجعلنا نمر بالريحان فيأخذ من الطاقة والطاقتين ويقول لقيم البستان أصلح هذا الحوض ولا تغرس في هذا الحوض شيئا من البقول قال يحيى ومشينا في البستان من أوله إلى اخره وكنت أنا مما يلي الشمس والمأمون مما يلي الظل فكان يجذبني أن أتحول أنا في الظل ويكون هو في الشمس فأمتنع من ذلك حتى بلغنا اخر البستان فلما رجعنا قال يا يحيى والله لتكونن في مكاني ولأكونن في مكانك حتى اخذ نصيبي من الشمس كما أخذت نصيبك وتأخذ نصيبك من الظل كما أخذت نصيبي فقلت والله يا أمير المؤمنين لو قدرت أن أقيك يوم الهول بنفسي لفعلت فلم يزل بي حتى تحولت إلى الظل وتحول هو إلى الشمس وضع يده على عاتقي وقال بحياتي عليك إلا ما وضعت يدك على عاتقي مثل ما فعلت أنا فإنه لا خير في صحبة من لا ينصف انظر إلى أخلاقهم رضي الله تعالى عنهم ما أحسنها وإلى أفعالهم ما أزينها نسأل الله تعالى أن يحسن أخلاقنا وأن يبارك لنا في أرزاقنا إنه على ما يشاء قدير وبالأجابة جدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
      وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
      ...
      .

      تعليق

      • نوران العلي
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 3156

        المستطرف في كل فن مستظرف

        الباب الرابع والعشرون
        في حسن المعاشرة والمودة وألأخوة والزيارة وما أشبه ذلك:-
        أعلم أن المودة وألأخوة والزيارة سبب التالف والتالف سبب القوة والقوة سبب التقوى والتقوى حصن منيع وركن شديد بها يمنع الضيم وتنال الرغائب وتنجع المقاصد وقد من الله تعالى على قوم وذكرهم نعمته عليهم بأن جمع قلوبهم على الصفاء وردها بعد الفرقة إلى الألفة والاخاء
        فقال تعالى ( واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )
        وصف نعيم الجنة وما أعد فيها لأوليائه من الكرامة إذ جعلهم إخوانا على سرر متقابلين وقد سن رسول الله الإخاء وندب إليه واخي بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وقد ذكر الله تعالى أهل جهنم وما يلقون فيها من الألم إذ يقولون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين وأنشدوا في ذلك:
        ( وما المرء إلا بإخوانه ... كما يقبض الكف بالمعصم )
        ( ولا خير في الكف مقطوعة ... ولا خير في الساعد الأجذم )
        وقال زياد خير ما اكتسب المرء الإخوان فإنهم معونة على حوادث الزمان ونوائب الحدثان وعون في السراء والضراء
        ومن كلام علي رضي الله عنه وكرم وجهه:
        ( عليك بأخوان الصفاء فإنهم ... عماد إذا استنجدتهم وظهور )
        ( وإن قليلا ألف خل وصاحب ... وإن عدوا واحدا لكثير )
        وقال الأوزاعي الصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب إن لم تكن مثله شانته
        وقال عبد الله بن طاهر المال غاد ورائح والسلطان ظل زائل والإخوان كنوز وافرة
        وقال المأمون للحسن بن سهل نظرت في اللذات فوجدتها كلها مملولة سوى سبعة قال وما السبعة يا أمير المؤمنين قال خبز الحنطة ولحم الغنم والماء البارد والثوب الناعم والرائحة الطيبة والفراش الواطىء والنظر الى الحسن من كل شيء قال فأين أنت يا أمير المؤمنين من محادثة الرجال قال صدقت وهى أولاهن
        وقال سليمان بن عبد الملك أكلت الطيب ولبست اللين وركبت الفارة ...... فلم يبق من لذاتي إلا صديق أطرح معه مؤنة التحفظ وكذلك قال معاوية رضي الله عنه .... النساء حتى ما أفرق بين ... وحائط وأكلت الطعام حتى لا أجد ما استمرئه وشربت الأشربة حتى رجعت إلى الماء وركبت المطايا حتى اخترت نعلي ولبست الثياب حتى اخترت البياض فما بقي من اللذات ما تتوق إليه نفسي ألا محادثة أخ كريم وأنشدوا في معنى ذلك:
        ( وما بقيت من اللذات إلا ... محادثة الرجال ذوى العقول )
        ( وقد كنا نعد هم قليلا ... فقد صاروا أقل من القليل )
        وقال لبيد:
        ( ما عاتب المرء اللبيب كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح )
        وقال اخر:
        ( إذا ما أتت من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالا لزلته عذرا )
        وقيل لابن السماك أي الاخوان أحق ببقاء المودة قال الوافر دينه الوافي عقله الذي لا يملك على القرب ولا ينساك على البعد إن دنوت منه داناك وإن بعدت عنه راعاك وإن استعنت به عضدك وان احتجت إليه رفدك وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله وأنشدوا في المعنى:
        ( إن أخاك الصديق من يسعي معك ... ومن يضر نفسه لينفعك )
        ( ومن إذا ريب الزمان صدعك ... شتت فيك شمله ليجمعك )
        ( وليس أخي من ودني بلسانه ولكن أخي من ودني وهو غائب )
        ( ومن ماله مالى إذا كنت معدما ... ومالي له إن أعوزته النوائب )
        وقال أبو تمام:
        ( من لى بإنسان إذا أغضبته ... وجهلت كان الحلم رد جوابه )
        ( وإذا صبوت إلى المدام شربت من ... أخلاقه وسكرت من ادابه )
        ( وتراه يصغي للحديث بطرفه ... وبقلبه ولعله أدري به )
        وقيل لخالد بن صفوان أي إخوانك أحب إليك قال الذي يسد خلتي ويغفر زلتي ويقيل عثرتي وقيل من لا يؤاخي إلا من لا عيب فيه قل صديقة ومن لم يرض من صديقة إلا بإيثارة على نفسه دام سخطه ومن عاتب على كل ذنب ضاع عتبه وكثر تعبه قال الشاعر:
        ( ومن لم يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب )
        وقال اخر:
        ( إذا كنت في كل الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه )
        ( وإن أنت لم تشرب مرارا على الأذي ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه )
        وقال إذا رأيت من أخيك أمرا تكرهه أو خلة لا تحبها فلا تقطع حبلة ولا تصرم وده ولكن داو كلمته واستر عورته وأبقه وأبرأ من عمله
        قال الله تعالى ( فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون )
        فلم يأمره بقطعهم وإنما أمره بالبراءة من عملهم السيء وقال الأرواح أجناد مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تنكر منها اختلف وقال عليه الصلاة والسلام إن روحي المؤمنين ليلتقيان من مسيرة يوم ما رأى أحدهما صاحبه
        وفي ذلك قال بعضهم:
        ( هويتكم بالسمع قبل لقائكم ... وسمع الفتي يهوى لعمرى كطرفة )
        ( وخبرت عنكم كل جود ورفعة ... فلما التقينا كنتم فوق وصفه )
        وقال اخر:
        ( تبسم الثغر عن أوصافكم فغدا ... من طيب ذكركم نشرا فأحيانا )
        ( فمن هناك عشقناكم ولم نركم ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا )
        ما تحاب اثنان في الله الا كان أفضلهما عند الله أشدهما حبا لصاحبه ما زار أخ أخا في الله شوقا إليه ورغبة في لقائه إلا نادته ملائكة من ورائه طبت وطابت لك الجنة وقالوا ليس سرور يعدل لقاء الإخوان ولا غم يعدل فراقهم وقالوا شر الاخوان الواصل في الرخاء الخاذل عند الشدة وقالوا إن من الوفاء أن تكون لصديق صديقك صديقا ولعدو صديقك عدوا وقالوا أعجب الأشياء ود من يهودي وحفظ من نصراني ورياضة من دهري وكرم من أعجمي والحذر من الكريم إذا أهنته واللئيم إذا أكرمته والعاقل إذا أحرجته وألأحمق إذا مازحته والفاجر إذا عاشرته وقالوا صحب من الإخوان من أولاك جمائل كثيرة فكافأته بجميلة واحدة فنسي جمائله وبقي شاكرا ناشرا ذاكرا لجميلتك يوليك عليها الإحسان الكثير الجزيل ويجعل أنه ما بلغ من مكافأتك القليل وقال ابن عائشة لقاء الخليل شفاء الغليل وقال بعض الحكماء إذا وقع بصرك على شخص فكرهته فاحذره جهدك قال عبد الله بن طاهر:
        ( خليلي للبغضاء حال مبينة ... وللحب اثار ترى ومعارف )
        ( فما تنكر العينان فالقلب منكر ... وما تعرف العينان فالقلب عارف )
        وقال اخر:
        ( وكنت إذا الصديق أراد غيظي ... وشرقني على ظمإ بريقي )
        ( غفرت ذنوبه وكظمت غيظي ... مخافة أن أعيش بلا صديق )
        وقال اخر:
        ( وليس فتى الفتيان من جل همه ... صبوح وإن أمسى ففضل غبوق )
        ( ولكن فتى الفتيان من راح أو غدا ... لضر عدو لنفع صديق )
        ..

        تعليق

        • نوران العلي
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 3156

          المستطرف في كل فن مستظرف

          يتبع الباب الرابع والعشرون
          وأما اداب المعاشرة.. فالبشاشة والبشر وحسن الخلق والأدب
          فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي قالمن أخلاق النبيين والصديقين البشاشة إذا تراءوا والمصافحة إذا تلاقوا
          وكان القعقاع بن شور الهذلي إذا جالسته رجل يجعل له نصيبا من ماله ويعينه على حوائجه ودخل يوما على معاوية فأمر له بألف دينار وكان هناك رجل قد فسح له في المجلس فدفعها للذي فسح له فقال:
          ( وكنت جليس قعقاع بن ثور ... وما يشقي بقعقاع جليس )
          ( ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس )
          وقال ابن عباس رضي الله عنهما لجليسي على ثلاث أن أرمقه بطرفي إذا أقبل وأوسع له إذا جلس وأصغي له إذا حدث ويقال لكل شيء محل ومحل العقل مجالسته الناس ومثل الجليس الحسن كالعطار إن لم يصبك من عطره أصابك من رائحته ومثل الجليس السوء مثل الكبريت إن لم يحرق ثوبك بناره اذاك بدخانه وكانت تحية العرب صبحتك الأنعمة وطيب الأطعمه وتقول أيضا صبحتك الأفالح وكل طير صالح وصف المأمون ثمامة بحسن المعاشرة فقال إنه يتصرف مع القلوب تصرف السحاب مع الجنوب وقيل أول ما يتعين على الجليس الإنصاف في المجالسة بأن يلحظ بعين الأدب مكانه من مكان جليسه فيكون كل منهما في محلة وقال ذو العلم والسلطان أحق بشرف المنزل وقال جعفر الصادق رضي الله عنه إذا دخلت منزل أخيك فأقبل كرامته كلها ما عدا الجلوس في الصدور وينبغي للانسان أن لا يقبل بحديثه على من لا يقبل عليه فقد قيل إن نشاط المتكلم بقدر إقبال السامع ويتعين عليه أن يحدث المستمع على قدر عقله ولا يبتدع كلاما لا يليق بالمجلس فقد قيل لكل مقام مقال وخير القول ما وافق الحال وأوجبوا على المستمع أنه إذا ورد عليه من المتكلم ما كان مر بسمعه أولا أن لا يقطع عليه ما يقوله بل يسكت إلى أن يستوعب منه القول وعدوا ذلك من باب الأدب ولعله إذا صبر وسكت استفاد من ذلك زيادة فائدة لم تكن في حفظه وقيل ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم الجالس في مجلس ليس له بأهل والمقبل بحديثه على من لا يسمعه والداخل بين اثنيبن في حديثهما ولم يدخلاه فيه والمتعرض لما لا يعنيه والمتامر على رب البيت في بيته والاتي إلى مائدة بلا دعوة وطالب الخير من أعدائه والمستخف بقدر السلطان ويتعين على الجليس أن يراعي ألفاظه ويكون على حذر أن يعثر لسانه خصوصا إذا كان جليسه ذا هيبة فقد قيل رب كلمة سلبت نعمة وقال أبو العباس السفاح ما رأيت اغزر من فكر أبي بكر الهذلي لم يعد على حديثا قط وقيل أن أبا العباس كان يحدثه يوما إذ عصفت الريح فأرمت طستا من سطح إلى المجلس فارتاع من حضر ولم يتحرك الهذلي ولم تزل عينه مطابقة لعين السفاح فقال ما اعجب شأنك يا هذلي فقال إن الله يقول ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) وإنما لي قلب واحد فلما غمره النور بمحادثة أمير المؤمنين لم يكن فيه لحادث مجال فلو انقلبت الخضراء على الغبراء ما أحسست بها ولا وجمت لها فقال السفاح لئن بقيت لك لأرفعن مكانك ثم أمر له بمال جزيل وصلة كبيرة وكان ابن خارجة يقول ما غلبني أحد قط غلبة رجل يصغي إلى حديثي
          وفي نوابغ الحكم أكرم حديث أخيك بانصاتك وصنة من وصمة التفاتك وقيل من حق الملك إذا تثاءب أو ألقي المروحة من يده أو مد رجليه أو تمطي أو أتكأ أو فعل ما يدل على كسله أن يقوم من بحضرته وكان أردشير إذا تمطي قام سماره ومن حق الملك أن لا يعاد عليه حديث وأن طال الدهر قال روح بن زنباع أقمت مع عبد الملك سبع عشرة سنة فما أعدت عليه حديثا إلا مرة واحدة فقال لي قد سمعته منك وعن الشعبي قال ما حدثت بحديث مرتين رجلا بعيه وقال عطاء بن أبي رباح إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه قط وقد سمعت به من قبل أن يولد وقيل المودة طلاقه الوجه والتودد إلى الناس وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه إن المسلمين إذا التقيا فضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه ثم أخذ بيده تحاتت ذنوبهما كتتحات ورق الشجر وقيل البشر يدل على السخاء كما يدل النور على الثمر وقيل من السنة إذا حدثت القوم أن لا تقبل على واحد منهم ولكن اجعل لكل واحد منهم نصيبا وقالوا إذا أردت حسن المعاشر ة فالق عدوك وصديقك بالطلاقة وجه الرضا والبشاشة ولا تنظر في عطفيك ولا تكثر الالتفات ولا تقف على الجماعات وإذا جلست فلا تتكبر على أحد وتحفظ من تشبيك أصابعك ومن العبث بلحيتك ومن اللعب بخاتمك وتخليل أسنانك وإدخال أصبعك في أنفك وكثرة بصاقك وكثرة التمطي والتثاؤب في وجوه الناس وفي الصلاة وليكن مجلسك هادئا وحديثك منظوما مرتبا واصغ إلى كلام مجالسك واسكت عن المضاحك ولا تتصنع تصنع المرأة في التزين ولا تلح في الحاجات ولا تشجع أحدا على الظلم ولا تهازل أمتك ولا عبدك فيسقط وقارك عندهما واذا خاصمنت فانصف وتحفظ من جهلك وتجنب عجلتك وتفكر في حجتك ولا تكثر الإشارة بيدك ولا الالتفات إلى من وراءك واهدىء غضبك وتكلم وإذا قربك سلطان فكن منه على حذر واحذر انقلابه عليك وكلمة بما يشتهي ولا يحملنك لطفه بك على ان تدخل بينه وبين أهله وحشمه وإن كنت لذلك مستحقا عنده وإياك وصديق العافية فإنه أعدى الأعداء ولا تجعل مالك أكرم من عرضك ولا تجالس الملوك فإن فعلت فالتزم ترك الغيبة ومجانبه الكذب وصيانة السر وقلة الحوائج وتهذيب الألفاظ والمذاكرة بأخلاق الملوك والحذر منهم وإن ظهرت المودة ولا تتجشأ بحضرتهم ولا تخلل اسنانك بعد الأكل عندهم ولا تجالس العامة فإن فعلت فاداب ذلك ترك الخوض في حديثهم وقلة الاصغاء إلى أراجيفهم والتغافل عما يجري من سوء ألفاظهم وإياك أن تمازح لبيبا أو سفيها فإن اللبيب يحقد عليك والسفيه يتجرأ عليك ولأن المزاح يخرق الهيبة ويذهب بماء الوجه ويعقب الحقد ويذهب بحلاوة الإيمان والود ويشين فقه الفقيه ويجريء السفيه ويميت القلب ويباعد عن الرب تعالى ويكسب الغفلة والذلة ومن بلي في مجلس بمزاح أو لغط فليذكر الله عند قيامه فقد ورد عن النبي أنه قال من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا انت استغفرك وأتوب إليك غفر له ما كان في مجلسه ذلك
          ....
          .

          تعليق

          • نوران العلي
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 3156

            المستطرف في كل فن مستظرف

            يتبع الباب الرابع والعشرون
            وأما اداب المسايرة

            فقد روى أن رسول الله تعقب هو وعلى بن أبي طالب كرم الله وجهه ورجل اخر من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في سفر على بعير فكان إذا جاءت نوبته في المشي مشى فيعزمان عليه أن لا يمشي فيأبي ويقول ما أنتم بأقدر مني على مشي وما أنا بأغني منكم عن أجر وقال لا تتخذوا ظهور الدواب كراسي وقيل لا تتقدم الأصاغر على الأكابر إلا في ثلاث إذا ساروا ليلا أو خاضوا سيلا أو واجهوا خيلا وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث في نكبته وغيبته وفاته
            وأما ما جاء في الإخوان القليلي الموافاة العديمي المكافأة الذين ليس عندهم لصديق
            فقال وهب بن منبه صحبت الناس خمسين سنة فما وجدت رجلا غفر لي زلة ولا أقالني عثرة ولا ستر لي عورة وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إذا كان الغدر طبعا فالثقة بكل أحد عجز وقيل لبعضهم ما الصديق قال اسم وضع على غير مسمى وحيوان غير موجود قال الشاعر:
            ( سمعنا بالصديق ولا نراه ... على التحقيق يوجد في الأنام )
            ( وأحسبه محالا نمقوه ... على وجه المجاز من الكلام )
            وقال أبو الدرداء كان الناس ورقا لا شوك فيه فصاروا شوكا لا ورق فيه وقال جعفر الصادق لبعض إخوانه أقلل من معرفة الناس وأنكر من عرفت منهم وإن كان مائة صديق فاطرح تسعة وتسعين وكن من الواحد على حذر وقيل لبعض الولاة كم لك صديق فقال أما في حال الولاية فكثير وأنشد:
            ( الناس إخوان من دامت له نعم ... والويل للمرء إن زلت به القدم )
            ولما انكب علي بن عيسي الوزير لم ينظر ببابه أحدا من أصحابه الذين كانوا يألفونه في ولايته فلما ردت إليه الوزارة وقف أصحابه ببابه ثانيا فقال:
            ( ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها ... فكلما انقلبت يوما به انقلبوا )
            ( يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت ... يوما عليه بما لا يشتهي وبثوا )
            وقال اخر:
            ( فما كثر الأصحاب حين نعدهم ... ولكنهم في النائبات قليل )
            وقال البحترى:
            ( إياك تغتر أو تخدعك بارقة ... من ذي خداع يرى بشرا وألطافا
            ( فلو قلبت جميع الأرض قاطبة ... وسرت في ألأرض أوساطا وأطرافا )
            ( لم تلق فيها صديقا صادقا أبدا ... ولا أخا يبذل الإنصاف إن صافي )
            وقال بعضهم في المعنى أيضا:
            ( خليلي جربت الزمان وأهله ... فما نالني منهم سوى الهم والعنا )
            ( وعاشرت أبناء الزمان فلم أجد ... خليلا يوفي بالعهود ولا أنا )
            وقال اخر:
            ( لما رأيت بني الزمان وما بهم ... خل وفي للشدائد أصطفي )
            ( فعلمت أن المستحيل ثلاثة ... الغول والعنقاء والخل الوفي )
            بيت مفرد:
            ( وكل خليل ليس في الله وده ... فإني به في وده غير واثق )
            قال اخر:
            ( ذا ما كنت متخذا خليلا ... فلا تأمن خليلك أن يخونا )
            ( فإنك لم يخنك أخ أمين ... ولكن قلما تلقي أمينا )
            وقال اخر:
            ( تحب عدوى ثم تزعم أنني ... أودك إن الرأي عنك لعازب )
            ( وليس أخي من ودني بلسانه ... ولكن أخي من ودني وهو غائب )
            ( ومن ماله مالي إذا كنت معدما ... ومالي له إن أعوزته النوائب )
            ولما غضب السلطان على الوزير ابن مقلة وأمر بقطع يده لما بلغه أنه زور عنه كتابا إلى أعدائه وعزله لم يأت إليه أحد ممن كان يصحبه ولا توجع له ثم أن السلطان ظهر له في بقية يومه أنه بريء مما نسب إليه فخلع عليه ورد إليه وظائفة فأنشد يقول هذه الأبيات:
            ( تحالف الناس والزمان ... فحيث كان الزمان كانوا )
            ( عاداني الدهر نصف يوم ... فانكشف الناس لي وبانوا )
            ( يا أيها المعرضون عنا ... عودوا فقد عاد لي الزمان )
            ومثله في المعني:
            ( أخوك أخوك من يدنو وترجو ... مودته وإن دعي استجابا )
            ( إذا حاربت حارب من تعادى ... وزاد سلاحه منك اقترابا )
            وقال أبو بكر الخالدي:
            ( وأخ رخصت عليه حتى ملنى ... والشيء مملول إذا ما يرخص )
            ( ما في زمانك من يعز وجوده ... إن رمته إلا صدق مخلص )
            فيجب على الإنسان أن لا يصحب إلا من له دين وتقوى فإن المحبة في الله تنفع في الدنيا والاخرة وما أحسن ما قال بعضهم:
            ( وكل محبة في الله تبقي ... على الحالين من فرج وضيق )
            ( وكل محبة فيما سواه ... فكالحلفاء في لهب الحريق )
            فينبغي للإنسان أن يجتنب معاشرة الأشرار ويترك مصاحبة الفجار ويهجر من ساءت خلته وقبحت بين الناس سيرته قال الله تعالى
            ( الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) وقال تعالى ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) فأثبت الله المماثلة بيننا وبين البهائم وذلك إنما هو في الأخلاق خاصة فليس أحد من الخلق إلا وفيه خلق من أخلاق البهائم ولهذا تجد أخلاق الخلائق مختلفة فإذا رأيت الرجل جاهلا في خلائقه غليظا في طبائعه قويا في بدنه لا تؤمن ضغائنه فألحقه بعالم النمورة والعرب تقول أجهل من من نمر وإذا رأيت الرجل هجاما على أعراض الناس فقد ماثل عالم الكلاب فإن دأب الكلب أن يجفو من لايجفوه ويؤذي من لا يؤذيه فعامله بما كنت تعامل به الكلب إذا نبح ألست تذهب وتتركه وإذا رأيت أنسانا قد جبل على الخلاف إن قلت نعم لا قال لا وإن قلت لا قال نعم فألحقه بعالم الحمير فإن دأب الحمار إن أدنيته بعد وإن أبعدته قرب فلا تنتفع به ولا يمكنك مفارقته وإن رأيت إنسانا يهجم على الأموال والأرواح فألحقه بعالم الأسود وخذ حذرك منه كما تأخذ حذرك من الأسد وإذا بليت بإنسان خبيث كثير الروغان فألحقه بعالم الثعالب وإذا رأيت من يمشي بين الناس بالنميمة ويفرق بين الاحبة فألحقه بعالم الظربان وهي دابة صغيرة تقول العرب عند تفرق الجماعة مشي بينهم ظربان فتفرقوا وإذا رأيت أنسانا لا يسمع الحكمه والعلم وينفر من مجالسة العلماء ويألف أخبار أهل الدنيا فألحقه بعالم الخنافس فإنه يعجبها أكل العذرات وملامسة النجاسات وتنفر من ريح المسك والورد وإذا شمت الرائحة الطيبة ماتت لوقتها وإذا رأيت الرجل يصنع بنفسه كما تصنع المرأة لبعلها يبيض ثيابه ويعدل عمامته وينظر في عطفيه فألحقه بعالم الطواويس وإذا بليت بإنسان حقود لا ينسي الهفوات ويجازي بعد المدة الطويلة على السقطات فألحقه بعالم الجمال والعرب تقول أحقد من جمل فتجنب قرب الرجل الحقود وعلى هذا النمط فليحترز العاقل من صحبة الأشرار وأهل الغدر ومن لا وفاء لهم فإنه إذا فعل ذلك سلم من مكائد الخلق وأراح قلبه وبدنه
            والله أعلم
            ...
            .

            تعليق

            • نوران العلي
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 3156

              المستطرف في كل فن مستظرف

              يتبع الباب الرابع والعشرون
              وأما الزيارة والاستدعاء إليها
              فقد قال رسول الله يقول الله تعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتباذلين في والمتزاورين في اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي وقال من عاد مريضا أو زار أخا نادى مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا وقيل المحبة شجرة أصلها الزيارة
              قال الشاعر:
              ( زر من تحب وإن شطت بك الدار ... وحال من دونه حجب وأستار )
              ( لا يمنعك بعد من زيارته ... إن المحب لمن يهواه زوار )
              ولكن الزيارة غبا لقوله زر غبا تزدد حبا
              قال الشاعر في معنى ذلك:
              ( عليك يا غباب الزيارة إنها ... إذا كثرت صارت إلى الهجر مسلكا )
              ( ألم تر أن الغيث يسأم دائما ... ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا )
              ويقال الاكثار من الزيارة ممل والاقلال منها مخل وكتب صديق إلى صديقة هذا البيت
              ( إذا ما تقاطعنا ونحن ببلدة ... فما فضل قرب الدار منا على البعد )
              وقال اخر:
              ( وإن مروري بالديار التي بها ... سليمي ولم ألم بها لجفاء ) وقال اخر
              ( قد أتانا من ال سعدى رسول ... حبذا ما يقول لي وأقول )
              وقال اخر:
              أزور بيوتا لا صقات ببيتها ... وقلبي في البيت الذي لا أزوره )
              وزار محمد بن يزيد المهلبي المستعين وهب له مائتي ألف درهم وأقطعه أرضا فقال
              ( وخصصتني بزيارة أضحي لنا ... مجدى بها طول الزمان مؤثل )
              ( وقضيت ديني وهو دين وافر ... لم يقضه مع جوده المتوكل )
              وكتب المأمون إلى جاريته الخيزران يستدعيها للزيارة:
              ( نحن في أفضل السرور ولكن ... ليس إلا بكم يتم السرور )
              ( عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنكم غبتم ونحن حضور )
              ( فأجدوا المسير بل إن قدرتم ... أن تطيروا مع الرياح فطيروا )
              وقيل لفيلسوف أي الرسل أنجح قال الذي له جمال وعقل وقيل إذا أرسلتم رسولا في حاجة فاتخذوه حسن الوجه حسن الاسم وقال لقمان لابنه يا بني لا تبعث رسولا جاهلا فإنه لم تجد حكميا عارفا فكن رسول نفسك وقال بعضهم:
              ( إذا أبطأ الرسول فقل نجاح ... ولا تفرح إذا عجل الرسول )
              وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
              ...
              .

              تعليق

              • نوران العلي
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 3156

                المستطرف في كل فن مستظرف

                الباب الخامس والعشرون
                في الشفقة على خلق الله تعالى والرحمة بهم وفضل الشفاعة وأصلاح ذات البين وفيه فصلان:-
                الفصل الأول في الشفقة على خلق الله تعالى والرحمة بهم
                قال الله تعالى ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم )
                وصف الله نفسه لعباده فقال عز وجل ( إن الله بالناس لرءوف رحيم )
                وقال الله تعالى ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم )
                قال المفسرون الرحمن اسم رقيق يدل على العطف والرقة واللطف والكرم والمنة والحلم على الخلق والرحيم مثله وقيل يقال رحمن الدنيا ورحيم الاخرة وعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله والذي نفسي بيده لا يضع الله الرحمة إلا على رحيم قلنا يا رسول الله كلنا رحيم قال ليس الرحيم الذي يرحم نفسه وأهله خاصة ولكن الرحيم الذي يرحم المسلمين رواه أبو يعلي والطبراني وعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه أن النبي قال من لا يرحم لا يرحم ومن لا يغفر لا يغفر له وعنه صلى الله عليه وسلم قال ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول الله قال الله عز وجل إن كنتم تريدون رحمتى فارحموا خلقي رواه أبو محمد بن عدى في كتاب الكامل
                وروينا من طريق الطبراني عن الشعبي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال قال رسول الله مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتواصلهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى قال الطبراني إني رأيت رسول الله في المنام فسألته عن هذا الحديث فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأشار بيده صحيح صحيح صحيح ثلاثا وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمر عليه يده نور يوم القيامة ودخل عامل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فوجده مستلقيا على ظهره وصبيانه يلعبون على بطنه فأنكر ذلك عليه فقال له عمر كيف أنت مع أهلك قال إذا دخلت سكت الناطق فقال له اعتزل فإنك لا ترفق بأهلك ولدك فكيف ترفق بأمة محمد وروى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال أن ابدال أمتى لن يدخلوا الجنة بالأعمال ولكن يدخلونها برحمة الله وسخاوة النفس وسلامة الصدور والرحمة لجميع المسلمين.
                ...
                .

                تعليق

                • نوران العلي
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 3156

                  المستطرف في كل فن مستظرف

                  يتبع الباب الخامس والعشرون
                  الفصل الثاني
                  في الشفاعة واصلاح ذات البين
                  قال الله تعالى ( من يشفع شفاعة حسنه يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا )
                  وقال رسول الله ان الله تعالى يسأل العبد عن جاهه كما يسأله عن عمره فيقول له جعلت لك جاها فهل نصرت به مظلوما أو قمعت به ظالما أو أغثت به مكروبا
                  وقال أفضل الصدقة أن تعين بجاهك من لا جاه له وعن أبي بردة عن أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا جاءني طالب حاجة فاشفعوا له لكي تؤجروا ويقضي الله تعالى على لسان نبيه ما شاء وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله أفضل الصدقة صدقة اللسان قيل يا رسول الله وما صدقة اللسان قال الشفاعة تفك بها الأسير وتحقن بها الدماء وتجر بها المعروف إلى أخيك وتدفع عنه بها كريهة رواه الطبراني في المكارم وقال علي رضي الله عنه الشفيع جناح الطالب وقال رجل لبعض الولاة إن الناس يتوسلون إليك بغيرك فينالون معروفك ويشكرون غيرك وأنا أتوسل إليك بك ليكون شكري لك لا لغيرك وقيل كان المنصور معجبا بمحادثة محمد بن جعفر بن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم وكان الناس لعظم قدره يفزعون اليه في الشفاعات فثقل ذلك على المنصور فحجبه مدة ثم لم يصبر عنه فأمر الربيع أن يكلمه في ذلك فكلمه وقال اعف يا أمير المؤمنين لا تثقل عليه في الشفاعات فقبل ذلك منه فلما توجه إلى الباب اعترضه قوم من قريش معهم رقاع فسألوه إيصالها إلى المنصور فقص عليهم القصة فأبوا إلا أن يأخذها فقال أقذفوها في كمي ثم دخل عليه وهو في الخضراء مشرف على مدينة السلام وما حولها من البساتين فقال له أما ترى إلى حسنها يا أبا عبد الله فقال له يا أمير المؤمنين بارك الله لك فيما اتاك وهنأك باتمام نعمتك عليك فيما أعطاك فما بنت العرب في دولة الاسلام ولا العجم في سالف الأيام أحصن ولا أحسن من مدينتك ولكن سمجتها في عينى خصلة قال وما هى قال ليس لي فيها ضيعة فتبسم وقال قد حسنتها في عينك بثلاث ضياع قد أقطعتكها فقال أنت والله يا أمير المؤمنين شريف الموارد كريم المصادر فجعل الله تعالى باقي عمرك أكثر من ماضيه ثم أقام معه يومه ذلك فلما نهض ليقوم بدت الرقاع من كمه فجعل يردهن ويقول ارجعن خائبات خاسرات فضحك المنصور وقال بحقي عليك ألا أخبرتني وأعلمتني بخبر هذه الرقاع فأعلمه وقال ما أتيت يا ابن معلم الخير إلا كريما وتمثل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر:
                  ( لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوما على الأحساب نتكل )
                  ( نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا )
                  وتصفح الرقاع وقضي حوائجهم عن اخرها قال محمد فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت
                  وقال المبرد أتاني رجل لأشفع له في حاجة فأنشدني لنفسه:
                  ( إني قصدتك لا أدلى بمعرفة ... ولا بقرب ولكن قد فشت نعمك )
                  ( فبت حيران مكروبا يؤرقني ... ذل الغريب ويغشيني الكرى كرمك )
                  ( مازلت أنكب حتى زلزلت قدمي ... فاحتل لتثبيتها لا زلزلت قدمك )
                  ( فلو هممت بغير العرف ما علقت ... به يداك ولا انقادت له شيمك )
                  قال فشفعت له وأنلته من الإحسان ما قدرت عليه وكتب رجل إلى يحيى بن خالد رقعة فيها هذا البيت:
                  ( شفيعي إليك الله لا شيء غيره ... وليس إلى رد الشفيع سبيل )
                  فأمره بلزوم الدهليز فكان يعطيه كل يوم عند الصباح ألف درهم فلما استوفي ثلاثين ألفا ذهب الرجل فقال يحيى والله لو أقام إلى اخر عمره ما قطعتها عنه شعر:
                  ( وقد جئتكم بالمصطفي متشفعا ... وما خاب من بالمصطفي يتشفع )
                  ( إلى باب مولانا رفعت ظلامتى ... عسى الهم عني والمصائب ترفع )
                  وقال اخر:
                  ( تشفع بالنبي فكل عبد ... يجار إذا تشفع بالنبي )
                  ( ولا تجزع إذا ضاقت أمور ... فكم لله من لطف خفي )
                  وروى أن جبريل عليه السلام قال يا محمد لو كانت عبادتنا لله تعالى على وجه الأرض لعملنا ثلاث خصال سقي الماء للمسلمين وإعانة أصحاب العيال وستر الذنوب على المسلمين إذا أذنبوا اللهم استر ذنوبنا واقض عنا تبعاتنا
                  وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
                  ...
                  .

                  تعليق

                  • نوران العلي
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 3156

                    المستطرف في كل فن مستظرف

                    الباب السادس والعشرون
                    في الحياء والتواضع ولين الجانب وخفض الجناح وفه فصلان:-
                    الفصل الأول
                    في الحياء
                    قالت عائشة رضي الله تعالى عنها مكارم الأخلاق عشرة صدق الحديث وصدق اللسان وأداء الأمانة وصلة الرحم والمكافأة بالصنيع وبذل المعروف وحفظ الذمام للجار وحفظ الذمام للصاحب وقري الضيف ورأسهن الحياء

                    قال رسول الله الحياء شعبة من الإيمان
                    وقال رسول الله أن مما ادرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت

                    وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من كسا بالحياء ثوبه لم ير الناس عيبه

                    وعن زيد بن علي عن ابائه يرفعونه من لم يستح فهو كافر
                    وقال بعضهم الوجه المصون بالحياء كالجوهر المكنون في الوعاء
                    وقال الخواص إن العباد عملوا على أربع منازل على الخوف والرجاء والتعظيم والحياء
                    فارفعها منزلة الحياء لما أيقنوا إن الله يراهم على كل حال قالوا سواء علينا رأيناه أو رانا
                    وكان الحاجز لهم عن معاصية الحياء منه ويقال القناعة دليل الأمانة والأمانة دليل
                    الشكر والشكر دليل الزيادة والزيادة دليل بقاء النعمة والحياء دليل الخير كله.
                    ..
                    .

                    تعليق

                    • نوران العلي
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 3156

                      المستطرف في كل فن مستظرف

                      الباب السادس والعشرون
                      الفصل الثاني في التواضع ولين الجانب وخفض الجناح
                      قال الله تعالى ( واخفض جناحك للمؤمنين )
                      وقال تعالى ( تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين )
                      وقال رسول الله أفضل العبادة التواضع وقال لا ترفعوني فوق قدري فتقولوا في ما قالت النصارى في المسيح فإن الله عز وجل اتخذني عبدا قبل أن يتخذني رسولا

                      وأتاه رجل فكلمه فأخذته رعدة فقال له هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد وكان يرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم في مهنة أهله
                      ولم يكن متكبرا ولا متجبرا
                      أشد الناس حياء وأكثرهم تواضعا وكان إذا حدث بشيء مما أتاه الله تعالى قال ولا فخر
                      وقال إن العفو لا يزيد العبد الا عزا فاعفوا يعزكم الله وإن التواضع لا يزيد العبد ألا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله
                      وإن الصدقة لا تزيد المال إلا نماء فتصدقوا يزدكم الله

                      وقال عدي بن أرطأة لإياس بن معاوية إنك لسريع المشية قال ذلك أبعد من الكبر وأسرع في الحاجة
                      وخرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير فقال معاوية لابن عامر اجلس
                      فإني سمعت رسول الله يقول من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوا مقعده من النار

                      وقيل التواضع سلم الشرف ولبس مطرف بن عبد الله الصوف وجلس مع المساكين فقيل له في ذلك
                      فقال إن أبي كان جبارا فأحببت أن أتواضع لربي لعله أن يخفف عن أبي تجبره
                      وقال مجاهد إن الله تعالى لما أغرق قوم نوح شمخت الجبال وتواضع الجودي فرفعه فوق الجبال وجعل قرار السفينة عليه
                      وقال الله تعالى لموسى عليه السلام هل تعرف لم كلمتك من بين الناس قال لا يا رب قال لأني رأيتك تتمرغ بين يدي في التراب تواضعا لي
                      وقيل من رفع نفسه فوق قدره استجلب مقت الناس
                      وقال أبو مسلم صاحب الذخيرة ما تاه إلا وضيع ولا فاخر إلا لقيط وكل من تواضع لله رفعة الله
                      فسبحان من تواضع كل شيء لعز جبروت عظمته
                      وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
                      ...
                      .

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...