رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي/ كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • *مزون شمر*
    عضو مؤسس
    • Nov 2006
    • 18994

    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

    ،

    طرقت عليها كثيرا بنبرة تتصاعد بخوفها : ضي!! أفتحي الباب . . لم يأت سوى سعالها المتكرر وتقيؤها الحاد، استغرقت وقتها حتى فتحت الباب وهي تضغط على بطنها بكفها.
    رتيل عقدت حاجبيها بشحوب ملامحها التي اصفرت بالتعب، استندت عليها لتسير بخطى متعبة نحو الأريكة، جلست بتأوه من بطنها الذي يهيج بالوجع : أخاف صاير شي!
    رتيل بإندفاع : لا إن شاء الله . . جلست على ركبتيها أمامها . . يوجعك كثير؟
    اختنقت محاجرها بالدمع لتلفظ : مو مرة . . أقدر أتحمله
    رتيل بضيق : أكلم عبدالعزيز؟ . . يعني ممكن فيه مستشفى قريب!
    ضي : لا . . خلاص بنام وممكن يخف الألم
    رتيل : طيب أنسدحي يمكن داخلك برد
    ضي بإبتسامة : لو داخلني برد ما رجعت
    رتيل بإبتسامة شاحبة: تحملي دلاختي بهالأمور . . بروح أجيب لك فراش يدفيك . . . إتجهت نحو الغرفة المنزوية لتجلب لها فراش يدثرها، غطت جسدها : إرتاحي . . . بخطوات خافتة نظرت للنافذة، لا ترى شيء سوى ظهره على الكرسي المتمرجح بفعل الهواء، سحبت جاكيتها لترتديه، أخذت وشاحها الصوفي لتلفه حول رقبتها، إتجهت نحو الباب وانحنت لتأخذ معطفه التي نامت به، شدت على مقبض الباب دون أن تصدر صوتا، إلتفت عليها لتسير برجفة من البرد الذي يصير أنفاسها لبياض متبخر، جلست بجانبه لتمد إليه معطفه، ارتداه فوق جاكيته ليلفظ : كيفك اليوم؟
    رتيل دون أن تنظر إليه، أعينهما كليهما متجهة نحو المسطحات الخضراء التي أمامهما : بخير
    عبدالعزيز : و ضي؟
    رتيل : تمام . . إلتفتت عليه . . ما نمت؟
    عبدالعزيز : متقطع نومي
    رتيل تنهدت لتعود إلى صمتها مرة أخرى ويشاركها الصمت، نظراتهما جدل لا يهدأ.
    سمع صوت طرق، إلتفتت رتيل للخلف بتوجس، عبدالعزيز وقف : هذا نايف . . . إتجه إليه ليقترب منه : أبو سعود يبي يكلمك . .
    عبدالعزيز يأخذ الهاتف ليجيب : ألو
    عبدالرحمن : هلا . . شلونك يبه؟
    عبدالعزيز : تمام . . أنت شلونك؟
    عبدالرحمن : بخير الحمدلله . . أموركم تمام؟
    عبدالعزيز : إيه بس نايف يقول لازم نغير المكان لأنه شاك بأنهم عرفوه!
    عبدالرحمن تنهد : بخلي نايف يدور على مكان ثاني إن شاء الله
    عبدالعزيز : وش قررتوا؟
    عبدالرحمن : بأقرب وقت راح أجي عشان نرجع الرياض كلنا وهناك بفهمك كل شي
    عبدالعزيز : متى؟
    عبدالرحمن : بس أضبط كم شغلة هنا وأسلمها لسلطان يكملها عني وأجيكم
    عبدالعزيز : طيب
    عبدالرحمن : رتيل عندك؟
    عبدالعزيز : إيه . . لحظة . . . إتجه للخلف بخطواته الهادئة ليمد إليها الهاتف . . أبوك
    بلهفة أخذته لتجيب : هلا
    عبدالرحمن : هلابك
    رتيل : شلونك يبه؟
    عبدالرحمن : بخير الحمدلله و . . كلمتني عبير اليوم
    رتيل وقفت بدهشة : جد!! وينها فيه؟ يعني بيتركونها؟
    عبدالرحمن بإبتسامة لم يشعر بأنه تلذذ بها منذ مدة : أمورها تمام إن شاء الله كلها كم يوم وينتهي كل هذا
    رتيل : قالت لك شي؟ تعبانة؟
    عبدالرحمن : لا بس مشتاقة لنا كثيير
    رتيل برجفة شفتيها تلألأت عينيها بالدمع : واحنا مشتاقين لها . . طيب يبه متى بتجي؟
    عبدالرحمن : بس انتظر كم شغلة أنهيها وأجيكم . . أنتبهي لنفسك ولا تنسين صلواتك وكل أمورنا إن شاء الله بتتسهل
    رتيل : إن شاء الله
    عبدالرحمن : عطيني ضي!
    رتيل بتوتر : طيب . . دخلت إلى البيت الدافىء . . . شكلها نايمة
    عبدالرحمن عقد حاجبيه : نايمة الحين؟ . . فيها شي؟
    رتيل : ا .. لا . . يعني شوي تعبانة بس . . يعني عادي تمام
    عبدالرحمن بضيق : تعبانة!! رتيل وش صاير؟ فيه شي مخبينه عني؟
    رتيل بربكة : لا . . يعني وش بيكون؟ . . هذا هي صحت
    ضي التي كانت تحاول النوم ولم تستطع من الألم، رفعت عينيها إليها
    رتيل : أبوي ..
    ضي بحركة متهورة من لهفتها إليه ضربت بطنها بطرف الطاولة التي أمامها لتخرج " اه " موجعة من بين شفتيها الشاحبتين.
    عبدالرحمن بخوف : ألو!! ..
    رتيل تضع الهاتف على الطاولة : لا تتحركين . .
    ضي أخذت الهاتف بعدم رضوخ لطلبات رتيل : ألو
    عبدالرحمن : وش فيك؟
    ضي تتحامل على وجعها: ولا شي بس صدمت بالطاولة . . المهم ماعلينا . . بشرني عنك؟
    عبدالرحمن بعدم إقتناع : صاير شي؟
    ضي : وش فيك عبدالرحمن؟ مافيه شي . .الحمدلله كل أمورنا تمام . . . أبي أسمع أخبارك؟ ليه ماجيت قبل أمس؟
    عبدالرحمن : مقدرت! بس إن شاء الله هاليومين بجي
    ضي : إن شاء الله
    عبدالرحمن : يبه ضي فيك شي؟
    ضي بضيق : صار فيني شي من قلت يبه
    عبدالرحمن ضحك ليردف : لا تدققين مرة! طلعت عفوية
    ضي بإبتسامة : الله يديم هالضحكة! من زمان ما سمعتها
    رتيل بضحكة تجلس على الطاولة ليصل صوتها إلى والدها : من قده أبوي!
    ضي بدأت الحمرة ترتفع لوجهها لتردف : كنت متأملة تجي قبل العيد!
    عبدالرحمن تنهد : والله ماهو بإيدي . .
    ضي : أهم شي سمعنا صوتك، لا تطول
    عبدالرحمن : أبشري . . . تامرين على شي؟
    ضي : ما أبي إلا سلامتك و ضحكتك
    عبدالرحمن : الله يسلمك من كل شر . . أنتبهي لنفسك طيب يب . . طيب ضي
    ضي تنهدت : طيب يبه
    عبدالرحمن بضحكة عميقة أردف : بحفظ الرحمن يا روحي
    ضي : مع السلامة . . أغلقته لتمده إليها.
    وقفت رتيل بخبث : راح التعب؟
    ضي بضحكة مجنونة : هههههههههههههههههههههههه مبسوطة . . مبسووووطة ودي أطييير
    رتيل : هههههههههههههههههههههه عساه دوم . . خرجت لتمد إليه الهاتف.
    إبتسم لإبتسامتها لتردف رتيل بفرح : أتصلت عبير على أبوي!
    عبدالعزيز : كويس الحمدلله
    رتيل : الحمدلله . .
    عبدالعزيز : دقيقة بوديه لنايف وأجيك . . . ثواني قليلة حتى عاد وجلس بجانبها، إلتفت إليها بكامل جسده : شوفي عيونك كيف تضحك؟ لو أدري كان قلت له يتصل عليكم كل دقيقة.
    رتيل إلتفتت نحوه بمسافة قصيرة تفصلهما، نظرت لغياهيب عينيه: محد يرد للحياة فرحها إلا صوت أبوي.
    عبدالعزيز : الله يخليه ويطول بعمره
    رتيل : امين . . . كليت شي؟ وجهك تعبان!
    عبدالعزيز : مو مشتهي
    رتيل : عبدالعزيز ممكن أسألك سؤال؟
    عبدالعزيز تنهد بعينين تقبل الإجابة.
    رتيل : كيف عرفت عن هالجرح؟ . . أشارت إلى بين حاجبيها.
    عبدالعزيز بإبتسامة ضيقة : كنت أصلي الفجر بالمسجد وشفت سيارتكم مارة، قمت أخمن وش ممكن يخليكم تطلعون بهالوقت وما جاء الصبح الا وسألت الشغالة وقالت لي وعرفت.
    رتيل : كنت أحسب في وقتها كنت تدري أني إسمعك عشان صدق أحقد عليك!
    عبدالعزيز : ما عرفت إلا منك، بس أحب هالمكان
    رتيل بإبتسامة : تحبه عشان . .
    لم تكمل من قبلته العميقة بين حاجبيها ليهمس بضحكة مبحوحة : هنا موضع العشق . . أرتفع قليلا ليقبل جبينها . . وهنا الإحترام . . إلتفت جانبا نحو عينيها ليقبلها . . وهنا الود . . . مال قليلا ليقبل خدها . . وهنا الحنان . .
    ضحك عند إذنها ليردف : أعلمك فن القبل؟ تراني خبرة من بعدك
    رتيل تدفعه بقوة ليضج كل ما حوله بصوت ضحكاته، والحمرة ترتفع لأعلى رأسها، كل الأشياء في جسدها تغلي بالدماء.
    إلتفت عليها بإبتسامة ونبرة فصيحة : جفنه علم الغزل ومن العلم ما قتل، فحرقنا نفوسنا في جحيم من القبل
    رتيل تقلد صوته : أنا ماأحفظ شعر غزلي كثير!
    عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههه
    رتيل تقف بغضب ليسحبها بيده : له الجنة أبوك . . كان بيروح يومي بالكابة.
    رتيل تحك جبينها بتوتر عميق لتردف دون أن تنظر إليه : لمين هالقصيدة؟
    عبدالعزيز بخبث: عجبتك؟
    رتيل : لا! بس كذا أسأل فضول
    عبدالعزيز : لبشارة الخوري . . اللي قال ياعاقد الحاجبين على الجبين اللجين . . إن كنت تقصد قتلي قتلتني مرتين
    رتيل : ما أعرفه
    عبدالعزيز بإستغراب : اللي قال قتل الورد نفسه حسدا منك وألقى دماه في وجنتيك.
    رتيل بإصرار :ما أعرفه
    عبدالعزيز يبتعد بأنظاره للسماء : ما عندك ثقافة أدبية!
    رتيل : لأني ما أحب الشعر! أحب المواويل
    عبدالعزيز بضحكة إلتفت عليها : طقطقي علي! مسموحة
    رتيل بإبتسامة تنظر إلى السماء و بصوت ناعم لم يعتاد أن يسمع فصاحته : أضنيتني بالهجر ما أظلمك . . . فارحم عسى الرحمن أن يرحمك
    إلتفت عليها بدهشة جعلتها تضحك ليردف : هذي اللي ماتعرفه!
    رتيل بضحكة محمرة بالخجل : أقولك شي! . . الأيام اللي كنا جالسين فيها في شقتك كنت أحب أشوف أغراضك وأكتشفها وأقراها! وعلق في مخي إسم الشاعر لما رجعنا الرياض ما قريت الا قصيدة وحدة وصرت أرددها دايم لين حفظتها . . بس ما تذكرتها يوم قلت البيت الأول لكن يوم قلت قتل الورد نفسه تذكرت اللي قريته بشقتك!
    عبدالعزيز بإبتسامة يراقب حركات شفتيها الرقيقة.
    رتيل : مولاي .. حكمتك في مهجتي . . فارفق بها يفديك من حكمك! . . ا . . ما كان
    يكمل عنها بنبرة لا تقل صحة مخارج الحروف عنها : ما كان أحلى قبلات الهوى إن كنت لا تذكر . . فأسأل فمك، تمر بي كأنني لم أكن قلبك أو صدرك أو معصمك.
    رتيل بنظرات متلألأة نحو السماء : لو مر سيف بيننا لم نكن نعلم . . هل جرى دمي أم دمك ؟
    عبدالعزيز بإبتسامة واسعة : الله الله!
    رتيل : سل الدجى كم راقني نجمه لما حكى .. مبسمه مبسمك
    عبدالعزيز إلتفت عليها : يا بدر إذا واصلتني بالجفا . . ومت في شرخ الصبا مغرمك . . قل للدجى مات شهيد الوفا فأنثر على أكفانه أنجمك.
    رتيل غرقت بضحكة مبحوحة وهي تدفىء كفيها بين فخذيها : هذي القصيدة خلتني أحب الشعر على فكرة!
    عبدالعزيز : شكرا.
    رتيل إلتفتت إليه بإبتسامة : عشاني حبيت الشعر؟
    عبدالعزيز : عشانك جميلة.
    ضاعت النظرات بينهما، هذه النظرات لا تصنف تحت الحب الناعم، هذه النظرات عشق موضعها: عليين. حركت الريح شعرها الملتوي بإلتواءات ناعمة تشبه تلعثم قلبها في هذه اللحظات، تاهت بحيرة هدبيه، رغم الدنيا، الحزن ومراسيل عينيك الحادة، رغم الناس والعالم الذي يباعد بمسافاته عنا، رغم الكلمات المودعة و الأشياء المخبئة في تلويحة، رغم إيماءات الغياب نحن نلتقي بقصيدة شفافة، بمباركة طيبة من حناجرنا المبحوحة.

    ،

    في ساحة العمل المكتظة بحرقة الشمس، يتدرب على ثلاث ساعات متواصلة. أتى إليه ليناديه بصوت عالي : سلطان
    سلطان الذي كان يتشبث بالحبل المتين الذي يربط المبنى بمبنى اخر، إلتفت عليه ليشير إليه بالإنتظار للحظات، رمى نفسه وخاصرته تلتف بحبل اخر، نزل ليقترب منه.
    عبدالرحمن : بيته من داخل فيه شخصين عند الباب، وعند الباب 4 بس . . بتروح الحين؟
    سلطان يفتح الحزام الغليظ ليرتفع الحبل المصنوع من المطاط إلى الأعلى : إيه . . بس خلني أغسل وأجيك
    عبدالرحمن : طيب موضوع زياد وصلهم؟
    سلطان : ماراح أطلع من بيته إلا وأنا عارف مين الكلاب اللي عندنا!
    عبدالرحمن : المهم نفسك لا تجهدها ولا تدخل بخناقات معهم! توك طالع من العملية
    سلطان : بتجلس سنة كاملة وأنت تقول توك طالع من العملية!
    عبدالرحمن : الشرهة على اللي خايف عليك!
    سلطان بإبتسامة : أبشر من عيوني . . طيب أسمعني فكرت وأنا أتدرب بهالشي وحسيته بيساعدنا كثير . . إذا دخلت أبيك تجي وتضربني! خلنا نوصل لهم أننا على إختلاف وبعدها بروح بيت رائد وبيتأكد رائد أننا على خلاف وبيوصل للحمار الثاني سليمان . . . وبعدها نطبخهم إثنينتهم على نار هادية
    عبدالرحمن إتسعت إبتسامته : طيب أستعجل وأنا بنتظرك فوق
    سلطان يشعر بالنوافذ التي تكشف هذه الساحة كثيرا : طيب حاول تبين إنك معصب
    عبدالرحمن بجمود ملامحه : كلمني وبتركك الحين وحاول تحذف أي شي عشان تضبط السالفة
    سلطان أعطى النوافذ ظهره ليتسع بضحكته : واثق أنهم أغبياء لو يشوفنا نضحك بعد يشكون
    عبدالرحمن بعقدة حاجبيه : طيب يالله لا تطول . . بنتظرك فوق وبنتظر 5 دقايق وبطلع من مكتبي
    سلطان : تمام . . أخذ نفس عميق ليعقد حاجبيه . . .
    عبدالرحمن تركه بخطى سريعة إلى الداخل، سلطان بحركة غاضبة رمى المنشفة على الأرض وإتجه نحو دورات المياه.
    أستمر دقائق حتى أغتسل وأرتدى لبسه العسكري، مسح وجهه ليتنهد ويعود بخطواته نحو المبنى، وضع السلاح على خاصرته والقبعة بجانبها، صعد للطابق الثاني لينظر لعبدالرحمن المتجه إليه بغضب يتضح بملامحه، شعر لوهلة بأنه صادق في غضبه، كل الأنظار بدأت تتبع خطاه الحادة.
    لكمه بشدة جعلت أنفه ينزف دماء، بتعابير من سلطان صادقة بسبب الألم الذي بدأ يشعر به بأنفه، تخدر تماما كما تخدرت عيناه، أشار إليه بالسبابة وهو يقترب منه بخفوت، همس وأشعر كل من حوله بأنه يهدد، بخبث يعرفه سلطان جيدا : سلامات
    سلطان بمثل همسه وهو ينحني بظهره بمحاولة أن يوقف النزيف الذي أندفع في أنفه : الله يسلمك ما سويت شي بس طيرت لي خشمي! . . إبتعد عبدالرحمن عائدا لمكتبه تاركا سلطان واقف أمام أنظار الجميع المندهشة/المصدومة.
    وقف بربكة أقدامه : وش صاير؟
    أحمد بإستغراب شديد : شكلهم مختلفين في شي!
    سلطان بخطوات غاضبة عاد للدرج لينزل للأسفل، ركب سيارته ومن خلفه تتبعه السيارة الأخرى بإتجاه قصر رائد الجوهي.
    سحب المنديل وهو يقود بكف واحدة، يمسح الدماء التي بدأت تسقط على قميصه، تنهد وهو يراقب السيارة من خلفه، أستغرق دقائق كثيرة حتى وصل للمنطقة. ركن السيارة بعيدا، إلتفت إليهما : واحد منكم يجلس هنا وواحد معاي
    : إن شاء الله
    سلطان و معاذ إتجها نحو الباب الخلفي، نظر لكاميرات المراقبة ليثبت ظهره بالجدار : انتظر . . تسلق الجدار ليضع أمامها حجرة صغيرة تحجب الرؤيا.
    قفز ليردف : خلنا ندخل من هنا . . دخلا ليثبت السماعة في إذنه المتصلة بعبدالرحمن.
    عبدالرحمن الذي يراقب الوضع بنفسه بعد أن فقد الثقة بموظفيه : فيه شخصين عند الباب الأمامي
    سلطان : معاذ خلك هنا . . دخل من باب المطبخ ليرى الخادمة، أشار إليها بالصمت وهو يضع يده على السلاح. الخادمة برهبة إبتعدت ليصعد للأعلى بخطوات سريعة، عبدالرحمن : مكتبه على يمينك
    سلطان تراجع عندما سمع خطى أحدهم، مد قدمه لتتلعثم خطى الاتي ويسقط على وجهه، جلس عليه وهو يضع كفه على فمه حتى لا يصدر صوتا، ضغط بقوة خلف رقبته حتى أغمى عليه، تركه وإتجه نحو المكتب، حاول فتحه ولكنه مقفل، بقوة دفع نفسه بإتجاه الباب حتى أنفتح، دخل وأغلقه عليه.
    أخذ نفس عميق ليتجه نحو مكتبه، فتح الدروج لينظر إلى الأوراق، يقرأها بعجالة ليرميها بفوضوية على المكتب، إتجه نحو الملفات المصطفة بترتيب في رفوف مكتبته، إبتدأ من الملفات التي على الجانب الأيمن، قرأ بعض المعاملات والعقود التي تربطه مع شخصيات معروفة، تركها وهو يقف على ركبتيه لينظر للرف الأول، بدأت الأوراق تتوزع على الأرض، ليردف : كلها أشياء نعرفها!
    عبدالرحمن : شوف أبحث! يمكن يحفظها بمكان ثاني
    سلطان يقف ليأخذ نظرة شمولية لمكتبه الواسع : مافيه شي يذكر! . . إتجه نحو الجهة الأخرى من الغرفة لينظر إلى الباب الذي يتوسطها، حاول فتحه ولم يستطع، دفع نفسه بقوة بإتجاهه ولم ينكسر، حمل الكرسي ليدفعه بقوة نحو الباب حتى إنكسر وفتح.
    نظر للمكان الشبه خاوي سوى جهة واحدة مكتظة بالأوراق والملفات الورقية.
    سلطان بنظرة مندهشة : هنا أسماء الموظفين . . . وضع الأورق بجيبه دون أن يقرأها، أستغرق وقت كبير وهو يفتش بكل جهة تسقط عينه عليها، تراجع ليغلق الباب بهدوء ويضع الكرسي جانبا، اخذ منديلا ليمسح كل المواضع التي لمسها، مسح بصماته ورتب المكان، نظر نظرة أخيرة ليطل من النافذة على الرجال الذين يقفون عند الباب.
    فتح الباب بهدوء ليغلقه بذات الهدوء، نظر للرجال الساقط أمامه وبكره أبعده بقدمه لينزل للأسفل، شعر بفوهة السلاح على رأسه من الخلف، تجمدت قدماه ليأت صوت عبدالرحمن : سلطان؟
    : سلطان بن بدر بجلالة قدره مشرف عندنا!
    سلطان : أبيك تبشر اللي فوقك
    بضحكة مستفزة : لازم نبشره! بيجيك من باريس طاير!! . . دفعه حتى يسير للأسفل، سحب سلاحه من خاصرته ليرميه بعيدا : وش خذيت؟
    سلطان : قرب أقولك
    : قديمة الحركة
    سلطان بخداع قدم قدمه اليمنى بخطوة وترك قدمه اليسرى ليشد بها ساق من خلفه حتى سقط من أعلى الدرج، هرول إليه سريعا ليسحب السلاح منه، أخذ سلاحه المرمي جانبا ووضعه في حزامه، رفعه من شعره بحدة الغضب : بلغه يا روح ماما . . . وخرج بخطوات سريعة بجانب معاذ.


    تعليق

    • *مزون شمر*
      عضو مؤسس
      • Nov 2006
      • 18994

      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

      ،

      تنقضي ساعات الظهيرة، تجيء ساعات الليل الطويلة، تنقضي هي الأخرى بتفاصيل مرتبكة، يحل ليل اخر و عيد يفتقد نفسه تحت أسقف مالحة و يتغنج فرحا بين جدران ناعمة في بيوت أخرى.الساعة التاسعة مساء.
      وقفت أمام المراة التي تعكس البياض الذي يلفها كقطعة سماوية، كنجمة سقطت من كنف القمر، وشعرها مرفوع بأناقة مخملية، و بشرتها التي تعود لبياضها المعهود يغرزها السواد بعينيها التي تطل على أحلام زهرية، أخذت نفس عميق ولسانها بحركة مستمرة على شفتيها حتى تلاشى الروج.
      نجلاء : هيوف مو من جدك! . . بطلي تلحسين الروج! تقل بزر
      هيفاء تأخذ المنديل لتمسح شفتيها : ما أحس على نفسي! . . تعالي حطيه لي أحس قلبي وقف
      نجلاء تضع لها الروج وهي تمسح الأطراف الخارجة : كذا شكلك تمام . . . ماشاء الله تبارك الرحمن ربي يهنيكم ويسعدكم ويرزقكم الذرية الصالحة
      هيفاء بإبتسامة : امين
      نجلاء : أستحي شوي مو على طول امين
      هيفاء تنهدت : نستحي مايعجبكم! ما نستحي بعد ما يعجبكم! . .
      نجلاء بضحكة : وجهك لا يحمر بس!
      دخلت ريم بتأفأف : إنكسر كعبي! هذي حوبة ريان والله ...
      نجلاء إلتفتت عليها : أشوف!
      ريم جلست على طرف الأريكة وهي تنزع حذاءها : يالله . .
      نجلاء : جيبيه أنا أعرف كيف ألصقه بس لا رقصتي أنزعيه عشان ما تطيحين على وجهك
      ريم : وش بتسوين فيه؟
      نجلاء : جايبة معي صمغ!
      ريم بإبتسامة : منت هينة كل شي عندك اليوم!
      نجلاء : جايبته عشان أختك الهبلة! ماتعرف تمشي بالكعب وخفت ينكسر
      ريم بضحكة : هيفاء أمشي خلني أشوف
      هيفاء : جايين عشان تمصخروني؟
      ريم : لا والله بس بشوف! . .
      هيفاء تسير نصف خطوة لتغرق ريم بضحكاتها : لا تدخلين القاعة!
      هيفاء بضيق : الفستان أبو كلب مو الكعب!
      نجلاء : يا حمارة يا كلبة شكلك حلو وفستانك حلو! مفهوم؟
      هيفاء ببلاهة : مفهوم
      ريم : جايبة الكعب الثاني صح؟
      هيفاء : إيه مستحيل أمشي فيه هذا مسافة طويلة، لا طلعت من القاعة بلبس الثاني . . . بشغف أردفت . . كيف الناس تحت؟ صديقاتي جو؟
      ريم : القاعة ممتلية كل صديقاتك وبنات ما أعرفهم بعد جايين! . . وأهل فيصل أنصدمت منهم! طبعا ماعرفت الا أمه بس شكل أهله من بعيد أو مدري
      نجلاء تمد لها حذاءها : يالله ألبسيه . .
      ريم ترتديه لتقف : تمام .
      نجلاء بخبث : وش حوبة ريان؟
      ريم بحماس جلست : ما قلت لكم! سويت نفسي المريضة المسكينة عنده
      نجلاء بدهشة : من جدك؟ . . وش تبليتي فيه على نفسك؟
      ريم : قلت له أنه فيني مرض نفسي وأني أتوهم أشياء ماهي موجودة
      نجلاء : مجنونة! بكرا ربي يعاقبك وتمرضين جد! . . لا تتمارضوا فتمرضوا
      ريم : أستغفر الله يعني أنا قصدي حسن مو سالفة أتبلى على نفسي! . . وش أسوي ريان عقله واقف عند عصر ما أنولدت فيه! لازم شوي أكسب رحمته عشان يرحمني
      هيفاء : أنا لو أتميرض الليلة وش يقول عني؟
      نجلاء إلتفتت عليها : وش بتقولين له بعد؟ خففي ربكة وش فيها الأدوار أنقلبت!
      هيفاء تجلس بتنهيدة : هذا إذا طلع صوتي! . . طيب وش أسوي؟ يعني وش أقوله أول ما اشوفه . . ريم أنت وش قلتي له؟
      ريم : أصلا ليلتي كانت زفت! نمت وما سأل عني . .
      هيفاء : وأنت نجول؟
      نجلاء بإبتسامة شاسعة : سولفنا عادي!
      هيفاء بربكة : يعني وش أقوله؟ أجلس ولا وين أروح أول ما أشوفه؟
      ريم ضحكت لتردف : أمشي على حظك وشوفي وش يصير! لا تفكرين وش بتقولين ولا وش بتسويين . . خليك عفوية
      هيفاء تضع يدها على عنقها لتبلع ريقها بصعوبة، أردفت : طيب سوي لي تجربة . . يعني أنت فيصل
      نجلاء بإبتسامة : مبرووك يا قلبي
      ريم : كذابة ماراح يقول يا قلبي على طول! وش هالميانة الوصخة
      نجلاء : ههههههههههههههههههههههههههههههه طيب مبرووك
      هيفاء بإتزان تجاهد أن تصل إليه : الله يبارك فيك
      نجلاء : ا . . اممم . . شلونك؟
      ريم أسندت ظهرها على الأريكة بضحكات عميقة لا تنتهي.
      نجلاء : والله كذا يسألون وش فيك!
      هيفاء عقدت حاجبيها : يخي جد أتكلم! . . لا تضحكون
      نجلاء : ما عليك منها! . . إيه شلونك؟
      هيفاء : تمام . .
      نجلاء : قولي وأنت شلونك
      هيفاء صمتت قليلا لتردف : لا وش ذا الجو المخيس! مستحيل يكلمني كذا
      ريم : إيه خليها تنفعك! . . أنا أقولك وش بيصير . . . مبروك هيفاء
      نجلاء : أقص إيدي لو قال إسمها
      ريم بسخرية : بيقول يا قلبي ياعيوني يا روحي! . . أنت إكرمينا بتضيعينها بكلامك
      هيفاء تنهدت : الله يبارك فيك . .
      ريم : خلاص أنتهى دورك أسكتي لين هو يتكلم! إذا تكلم جاوبيه ما تكلم لا تحاولين أنت اللي تتكلمين . . وإكلي هنا لين تقولين بس عشان تتغلين هناك
      نجلاء : الحمدلله والشكر! خلها تاكل معه . . هذي ليلة للذكرى تبينها تموت جوع فيها
      ريم : مستحيل راح تاكل براحتها . . صدقيني
      هيفاء : طيب شكلي حلو؟
      ريم : يجنن والله العظيم يجنن
      هيفاء : يارب تمر هالليلة على خير . . تخيلوا نقضيها سوالف ونضحك؟
      ريم : إيه وش فيها؟ عادي .. أكيد بتسولفون بس عاد لا تفلينها مررة
      هيفاء : لا مستحيل! وش بنسولف فيه؟ مافيه سوالف
      نجلاء : أهم شي كلمة براحتك . . على كيفك شيليها من قاموسك! إثبتي شخصيتك قدامه من البداية عشان بكرا ما يمسح فيك البلاط
      ريم : لا تسمعين لها! لو فيها خير سوت هالأشياء عند منصور
      نجلاء : أنا و منصور طبيعة زواجنا غير! جلست دهر ملكة لين جاء العرس!

      ،

      الإبتسامة تزين محياه بسكسوكة تشتد سوادا تشابه عينيه المضيئة بالفرحة، على كتفيه يثبت البشت الأسود وبفلاشات تصور كل شخص يجيء إليه للسلام، زفاف يخطف أنظار الصحافة بحضور يحتوي على شخصيات هامة، جلس و بمجرد ما لمح دخول عبدالرحمن حتى جاء إليه، قبل رأسه بإحترام كبير.
      عبدالرحمن : مبرووك منك المال ومنها العيال
      فيصل : الله يبارك فيك . . . عاد ليوسف ليهمس له بضحكة يقصده بها . . شكلي تمام؟
      يوسف الذي يتلاعب بين أصابعه سبحته السوداء : خل أمك تبخرك
      فيصل: عيت الساعات تمر
      يوسف : مستعجل! .. هد اللعب
      إلتفت عليه بدهشة ليضحك يوسف : جوكينق! . . وش فيها حرارتك ارتفعت؟
      فيصل : لولا البرستيج كان هفيتك ذاك الكف اللي يعلمك الحرارة صح!
      يوسف : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه أحمد ربك وجه وقفا أني موجود في حياتك لولا الله ثم يوسف ولد عبدالله كان الحين أنت ضايع!
      فيصل بإبتسامة : ما أبغى أدعي عليك! انت عارف دعواتي
      يوسف يمسح وجهه : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه . . طيب طالعني بصورك
      فيصل : لا تنزلها بالإنستقرام!
      يوسف : خف علينا! . . ترى الأكاونت برايفت إذا خايف على جمالك
      فيصل : صورني ولا يكثر . .
      يوسف يصوره ويرسلها بالواتس اب إلى " هيفاء ".
      فيصل : ورني أشوفها
      يوسف يمد له الهاتف : حلوة الصورة حطها بدل المخيسة اللي من أيام الثانوي وأنت عليها
      فيصل : لا هذيك الصورة أحبها
      يوسف : حبتك القرادة وين الزين فيها!! كنك توك بالغ على هالشنب! . .
      فيصل : ههههههههههههههههههههه عمري فيها 22
      يوسف : قسم بالله كل ماأشوفها ودي أتفل بوجهك! معليش فيصل ودي أجاملك أحاول أجامل بس يخي الصورة معفنة! . . معفنة . . معفنننننة
      فيصل :الله ياخذك قل امين . . أدخل يوزري وغيرها . . وقف عندما أتى أحدهم للسلام.

      ،


      تذكر الأوراق التي تركها في جيبه، بخطى متمللة إتجه نحو الغرفة ليأخذها من جاكيته، سحبها لتنتثر مرة أخرى بعض الصور، إنحنى لتتعلق عينيه بصورة غادة، تخدرت أقدامه بهيئتها الجديدة عليه، رفعها لينظر إليه بعينين متخدرة تماما، نزلت عينيه نحو الأوراق، قرأ الورقة الأولى التي تنقش إسم " رؤى بنت مقرن بن ثامر " عقد حاجبيه ليرى سجل طبي لا يفهم ولا كلمة منه، قرأ الورقة المنفردة لوحدها مع الصور " غادة صارت رؤى؟ و سلطان بن عيد صار مقرن بن ثامر؟ . . هوا الميت إزاي بيصحى؟ العلم بعد الله عند أبو سعود "

      ،

      في ساعات الليل المتأخرة بعد عمل دام لساعات طويلة بعد خروجه من زفاف فيصل، عاد لينظر للضوء المستيقظ بالصالة، إتجه لتلتقي عيناه بهما : صاحيين!
      حصة بإبتسامة : جي . . تغيرت ملامحها عندما رأت الجرح الذي بجانب أنفه . . وش فيك مجروح؟
      إلتفتت الجوهرة بنظرات ترتجي الإطمئنان.
      سلطان : بالتدريب . . ليه ما نمتوا؟
      حصة : خذتنا السوالف . .
      سلطان ينظر إليهما بنظرات فضولية تخمن الكثير، يعرف جيدا أن خلفهما أمر ما.
      حصة وقفت : يالله تصبح على خير
      سلطان يقف أمامها : بالله؟
      حصة : وشو؟
      سلطان : فيه شي تطبخونه من وراي؟
      حصة : وش فيك سلطان! يعني وش بيكون؟ . . سوالف عادية تبي تعرفها؟
      سلطان : لا . . بس عيونك تقول شي ثاني
      حصة بإبتسامة : لا تطمن مافيه شي . . يالله تصبح على خير . . وأختفت من أمامه لتتجه عينيه نحو الجوهرة الهادئة، إقترب بخطواته إليها، بدأ الغضب يعتليه عندما أنتبه لتجاهلها وهي تنظر للتلفاز، وقف أمامها وبحدة دفع ساقها اليمنى التي تضعها على اليسرى . . .

      .
      .


      أنتهى البارت

      تعليق

      • *مزون شمر*
        عضو مؤسس
        • Nov 2006
        • 18994

        رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
        إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


        رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طيش !
        الجزء (71)



        المدخل ل سليمان الطويهر.


        تجيئين حسنا ..
        وتمضين حزنا ..
        كما داعب الغيم جوع الفلاة


        وأحلم فيك..
        ولا ألتقيك..
        وجفني يعض على الذكريات


        وأغدو ابتهالا..
        وقلبا يتيما ..
        يفتش عن أهله في الرفات


        وأهتف في الأفق .. ما من مجيب..
        سوى رجفة الأضلع المرهفات


        أهز إلي جذوع الأماني ..
        فتسقط أوراقها ..
        يابسات !


        رحلت ..
        تجرين حبل الأماني ..
        وزادك..
        أحلامك الزائفات


        تخيرت وهما مديد الظلال ..
        ودربا جوانبه موحشات


        بخديك يجري فرات صغير ..
        وأين أنا من مصب الفرات ؟


        ولو ينبت الزهر ملح العيون ..
        لأزهرت يوما على الوجنات


        سألتك بالله .. يا نور عيني ..
        بدوني هل في الحياة.. حياة ؟


        تعالي ..
        لنسخر منا قليلا ..
        مللت الحديث عن الأمنيات


        مللت انتظاري لحلم كذوب...
        فلا قال "هاك"..
        ولا قلت "هات" !


        تعالي..
        لنزعج حزن الصدور ..
        برجف الضلوع من القهقهات


        ف حتام نجري إلى غير شيء ..
        وما العمر إلا "هنيئا" و.... "مات!"


        سئمت غيابك .. في القلب طفل ..
        يطارد طيفك في الشرفات


        تعالي..
        نعد الدموع سويا..
        و
        ونرجع أيامنا الضاحكات


        ونخطف من وهمنا.. ما حرمنا..
        ونوهم حرماننا..
        بالسبات !


        أحبك ..
        يا رحلة الروح..
        أنت.. بذور الحياة..
        وقش الممات


        تغيبين عني..
        طويلا..
        طويلا ..
        وتأتين دوما مع الأغنيات





        بدأ الغضب يعتليه عندما أنتبه لتجاهلها وهي تنظر للتلفاز.
        اشتدت الدماء في رأسي حتى شعرت بأن عروقي ستتفكك لا محالة، أكره أن أكون بهذه النرجسية معك بالذات، أكره كوني مجرد من تراكمات السنوات الفائتة، أكره كوني أنسى من أنا في عينيك، أكره كل أمر يجعلني خارج سيطرة عقلي، هذه الأمور البسيطة التي تتفاقم بصدري إن انجرفت نحو قلبي تقع كارثة، الكارثة التي تجيء في اللحظة التي ينبض بها رأسي بقلب لا يحكم سيطرته، أكره عيناك التي تتلعثم بعفوية تحبط كل رجس من عمل عقلي، أكره عيناك التي تجادلني كثيرا.
        وقف أمامها وبحدة دفع ساقها اليمنى التي تضعها على اليسرى، رفعت عينيها بجمود ملامحها التي لا تعبر عن شيء، هي لا تتجاهلني فقط، هي تتجاهل حتى شعورها وردات فعلها.
        أنحنى عليها ليضع ذراعيه على جانبين الأريكة ويحاصرها، أبتعدت بظهرها حتى ألتصق بظهر الأريكة، قاتلت كل رهبة وخوف في قلبها لتنظر إلى عينيه بتحدي عميق، كل شيء يهرب حتى الهواء من أمامي تخدر وتلاشى، لا شيء يعمل بصورة طبيعية بقربه، يشتعل صدري ويرتفع بأنفاس مضطربة ويهبط بزفير جبان.
        سلطان يقرأ عيناها الجريئة المتحدية التي تثبتها بلا تردد في عينيه، هناك شيء تريده أن يصل إلي بنظراتها، أنا أفهم جيدا عيناك الغاوية.
        الجوهرة بصوتها التي جاهدت بأن يتزن : هالمرة وش غلطتي اللي بتعاقبني عليها يا بابا ؟
        لا يتحرك، كلماتها تعبره ببرود تام، مندهش/مصدوم.
        الجوهرة تشعر بأنها تغص بالهواء : ممكن تبعد؟
        سلطان بنبرة تخفي تجوفا بركانيا : مين بابا ؟
        الجوهرة بدأت أصابعها تنغرز في الأريكة بتوتر عميق لتردف بإصرار : ممكن تبعد؟
        سلطان بحدة كبيرة : منت قد الكلام؟
        الجوهرة بإستفزاز تنظر إليه بعينين تتشكل من البرود : ممكن تبعد؟
        سلطان إبتعد بخطوتين إلى الخلف لتقف وهي تعدل بلوزتها الناعمة، نظرت إليه بنظرات متهمة تشعل به نار الضمير، لوت فمها جانبا بضيق، لتقترب منه حتى ألتصق بطنها ببطنه، رفعت عينيها إليه بتحدي : تعرف وش مشكلتي معك؟ أني يوم دعيت الله يهديني! كنت الضلالة في عيني . . . حاولت أن تتجاوزه وتخرج ولكن يده إمتدت لتمنعها، سحبها حتى أرغمها على الوقوف بأطراف أصابعها، وضع ذراعه خلف ظهرها ليشدها نحوه، وبإجابة أرجفتها : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين
        هرولت حمرة الخجل في جسدها بأكمله حتى وصلت لعينيها التي ضاقت بالملح، بلعت غصتها من جواب أفحمها، أسقط حصون قوتها، جواب أسكتها حد اللاحديث بعده، شدها أكثر حتى شعر بنبضات قلبها الملتصقة به، تألمت من الوقوف على أصابعها حتى تجاري طوله، تألمت من قلبها الذي بدأ ينبض في كل جزء بجسدها الغض.
        يكمل بإبتسامة تهزم كل محاولاتها في إسترداد قوتها المندثرة بحضرته : اللي وده الضلالة ما يدعي بالهداية!
        لوهلة شعرت بأن جسدها عبارة عن دماء/ماء لا شيء اخر، ترتخي بقبضة يده كقطعة صلصال يشكلها كيفما يريد، تلألأت عينيها بتجمع الدموع في غيم محاجرها.
        أرتفعت أنفاسها وكأنها للتو خرجت من معركة حامية، في لحظة كان هو يشعر بزلزال يضرب بصدره الذي يعلو بشهيق وينزلق بزفير مضطرب.

        كنت أظن أنني أنتصرت عليك بجملة خافتة من حقها أن تزلزل ثقتك بحبي، كنت أظن ذلك حتى سلبت مني حق الإنتصار وهزمتني باية عظيمة من كتاب عظيم، أنا حزينة! من الأشياء التي صيرتها ضدي، من صوتي المتخشب بإستجداءات الهوى، من البياض الفاتر في عيني، من طعم الدماء المترسبة في فمي، من صوتك الذي ينزلق ويسلب سلام قلبي، من عينيك ونظراتها التي لا سلطة تعلوها! ماذا بقي يا سلطان لم تهزمني به؟ هذا وأنا لم أرفع الرايات البيضاء!
        ضاق صوتها بكلمات جافة خدشت حواف حنجرتها : لعلمك هذي الاية نزلت في المنافقين.
        سلطان : وش الشي مشترك بينك وبينهم؟
        ارتجفت شفتيها برجفة فكيها، طلت على عينيها دمعة حجبت عنها عينيه : وش قصدك؟
        سلطان بإستخفاف : يظهرون خلاف ما يبطنون . .
        تجعد جبينها بتعرجات عروقها الغاضبة، عضت على شفتها السفلية حتى تخفي ربكتها، أبعدت أنظارها عنه لتسقط برمشتها دمعة فاضت بإنهزاميتها.
        سلطان يجهل ماذا يريد من إستهزاءه : لك حق الإنكار!!
        رفعت عينيها مرة أخرى إليه، أشتعلت بغضب صير ملامحها الناعمة لحدة تشبهه، بين أنفاسها التي تعتلي بإضطراب : لا بارك الله في ليل جابك بطريقي . . . نفذت من يديه لتتجه نحو الباب، تبعها ليسحبها بشدة حتى ثبت كتفيها، تألمت من ظهرها الذي ضربه بالجدار، لهثت ليسحب كل الهواء من رئتيها بقبلة عنفت شفتيها الناعمتين، أغمضت عينيها أمام عينيه التي أطبق جفنه عليها، إلتفت يدها الرقيقة حول رقبته وهي تغرق به، كالفضاء أتأملك وأرغب بك. صعدت ملامحها لأعلى سقف من اللاشعور، لولا دمعتها التي نزلت في قعر إلتحامهما، لا تتراجع الحياة عن إذلالي، مازلت يا سلطان تمارس سطوتك علي وساديتك التي لا تنتهي، أحاط ذراعه خلف ظهرها ليشدها نحوه أكثر، أفرغ غضبه منها بحدة قبلته، تستطيل اللحظات بمرورها حولهما بعد أن تلاقت أجسادهما بجسر (شفتيهما)، بجسر يحمل هواء خالص من رئتي على ضفتها نهر من الهوى/الجوى، وضع يده اليمنى خلف رأسها وأصابعه تخلخل شعرها في وقت كانت ذراعه اليسرى تحاصر جسدها بحصار متين، إبتعد قليلا دون أن ترتخي قبضة يديه، لم يفتح عينيه للحظات طويلة أستمر به صدره في علو وهبوط متذبذب، أرتخت يديه ليبتعد بخطواته ويعطيها ظهره، مسح وجهه بكلتا يديه دون أن ينطق كلمة.
        لم تحتمل قدماها ذبذبات الثبات من تحتها، سقطت على ركبتيها على رخام بارد، أخفضت رأسها لتسقط بفخ بكاءها الذي لا يتركها تكمل السير وتكابد من أجل الحياة، وصله أنينها كغزو قبائل على صدر خوى، لم يلتفت بقي ينظر لإنعكاس الجدران لظلاله، عقد حاجبيه ليرى ظلها الذي يرتب نفسه ليقف، بغضب الناعمات وحسرة بكاءهن، بشدة أسنانها التي ترتطم ببعضها البعض : أكرههك! أكره هالحياة اللي مخليتني أنتظر حظي معك! أنا ماني جارية عندك! مالك حق تستعبدني بهالطريقة! . .
        بعلو نبرتها صرخت، كثقب في نهر أخطأ الوجهة وصب في عينيها : لما أكون معصبة ومتضايقة لازم أروق لأنك تبيني أروق! ولما تكون معصب فلازم أعصب معك! . . ولا مرة حاولت تراعي شعوري! تضرب وتمد إيدك كأني . . مافيه شي يوصف تصرفاتك معي! مافيه شي يوصفك يا سلطان! . . . أناني ما يهمك الا نفسك! ما يهمك الا مزاجك! . . . . اليوم بس تأكدت أني مهما حاولت هذا قضائي وهذا قدري! . .
        ألتفت عليها بعقدة حاجبيه، و صدره يلتهب بنار شاهقة، نظر لعينيها المتلألأتين كخرزتين مضيئتان في نهر جار.
        الجوهرة : ذليتني وأوجعتني كثيير! سكت مرة ومرتين وثلاث بس إلى متى؟ حتى لما أكون بحالي بعيدة عنك تجي وتكرهني في عيشتي . . قراري ماراح أرجع فيه! أنت ما تقبل على عمتك أنه زوجها ما يحترمها! بس تقبل أنك تهيني!!! . . ماراح أجلس عندك عشان تستخف فيني كذا!
        سلطان بلل شفتيه بلسانه ليردف بحنق شعر به أن لسانه ينثني عن الحركة بإعوجاج : و لك اللي تبين . .
        الجوهرة بلعت ريقها بصعوبة لتردف برجفة اهدابها : يعني ؟
        سلطان : تبين ننفصل أبشري . . أنا بنفسي أتصل على أبوك وأبلغه، عشان تكسبين إحترام نفسك اللي على قولتك فاقدته عندي!
        الجوهرة تيبست قدماها لتشد على شفتها السفلية ودموعها تتساقط بلا توقف، أنهار كل جزء بجسدها بمحاولات بائسة أن تقف أمامه بثبات.
        نظرت إليه بعينين مضيئتين تجر القناديل حتى احترقت، اكتظ زحام الدمع حتى انتزع وسقط، جرى النهر يا سلطان وصب فوق خدي ولم تستطع أن ينجح حدسك بأن يفهم ما تشي به عيناي، كتمت أنفاسها لتحبس نحيبها، في لحظة كانت عيناها تكابد من أجل الصمود، خذلتها قوتها الصغيرة في الثبات/الإتزان، بلع غصته لتتجمد عيناه بإتجاهها، لا شيء مفهوم هنا.
        عقد حاجبيه بعقدة أسقطت اللوعة في قلبه، وماذا يعني أن نفترق؟ أن تخطو قدماك دون أن أظللها، أن تراقبي هفوات الزمن دون أن أصحح مسارها بإتجاهك، أن تنشطر المسافات بيننا لتطوى بحواجز شاهقة، أن لا نتشارك الطاولة نفسها، أن لا ننام على الوسادة نفسها، أن ترفع الشمس خمارها قبل عينيك، أن تندلع في جوفي الكلمات ولا تصل لصوتي، أن يبهت العالم في عيني و نفترق.
        هرولت الرجفة بأطرافها لترفع عينيها الباكية إليه، إلتقت به بنظرة ذابلة، مازال طعم قبلته في فمي، مازالت أوردتي منتشية به. امنت والله أننا كاذبات مغفلات لا نلتفت ولا لمرة لأنفسنا، نحن النساء اللاتي لا يعرفن إختيار مصيرهن، اللاتي يخجلن من قول الحب وفعل الحب و نسيم الصبح إن أتى كبرقية حب، نحن الصامدات من أجل عزة النفس والجبانات/الذليلات من أجل الحب، لم على كل حال ننادي بالسعادة؟ لم نطلبها ونحن في أول إنحناء لها تركناها! تركتها يا سلطان للحياة التي تقتص مني كل يوم، وكل ساعة ولحظة، الحياة التي تغرز أظافرها في حنجرتي وتقتلع صوتي من محجره، تركتني حرة حين طلبت الإنفصال! خذلتني كل الأشياء بما فيها صدرك الفسيح، ولكن في البعد لم يخذلني أحد، حتى صوتي أتى أكثر إتزانا.
        أتسمع رعشة قلبي؟ أتصل إليك حسرة حواسي؟ ببساطة أكثر أقول لذاتي " أنا أستاهل لأني ولا مرة عشت لنفسي، ولا مرة حاولت أكسب نفسي، أنا أستاهل لأني دايم أحاول أدافع عن نفسي اللي أصلا يئست مني، أنا ضايعة! لأني تخليت عنك، يعني خلاص؟ خذني لاخر مدى وقول أنه كذب! كل هذا كذب، أعتذر عشان أعيش! عشان ما أحس بالإذلال! اعتذر وراضية، راضية بك "يا سلطاني"
        سلطان بإنكسار واضح في صوته الضيق، اغدقت في تفكيرها وصمتها ليقطعه : لا تقولين ما حاولت! أنا حاولت لكن . . ماعاد ينفع! المشكلة ماهي فيك! المشكلة اننا جلسنا سنة وأكثر مو قادرين نتجاوز هالشي! كيف نتجاوزه؟ كيف نبدأ صفحة جديدة؟ . . ما نقدر! لا أنا أقدر ولا أنت تقدرين!!! بس . . أنا
        شتت نظراته بعيدا عنها عندما رأى دمعتها كيف تصمد في هدبها قبل أن تسقط بإنصياع للحزن، ثبت أنظاره للطاولة التي امامه ليكمل بتنهيدة تهزم البدايات والنهايات وما بينهما : للحياة تركتك.

        تعليق

        • *مزون شمر*
          عضو مؤسس
          • Nov 2006
          • 18994

          رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

          الجوهرة بنبرة مالحة: لله يا سلطان.
          دارت عينيه إليها، اعتدت الوجع و إيماءات الوداع، اعتدت أن أكون الخاسر في الحياة ولا أسف علي، وعلى الرغم من هذا أنا لا أتقبل خسارتي معك، لا أتقبل الخدش أسفل جلدي إثر الدماء النافرة من جسدي، كل ما يحط ويصب ينفر مني في اللحظة التي أريد ان أفصل ما بيننا، امنت والله أننا وجدنا للنصف وأن الوجع قدر كتب علينا، امنت يالجوهرة أن لا نهاية سنصل إليها ولا بداية يمكننا الرجوع إليها، امنت أننا معلقين لا نهزم أحدا ولا ننتصر أيضا، تعالي! أسكني في، لم تجيئي وحدك، أتيت كقبائل نصبت خيامها في صدري، سحبت من أرضي ماءي ولم يبقى لي ماء! لم يصلي أحد الإستسقاء من أجل قلبي، أنتظرت كالمساجد الشاهقة الخاوية سجدة مصلين، أتيت سماء واسعة حجبت الغيم والمطر، أتيت جفاف صب في عمر يابس نحيل، أتيت راكضة في زمن توقف عند عتبة الحياة، أتيت جذع فقير هزته الريح وأنغرز في صدري كوسم باق لن ينتهي، أتيت يالجوهرة وعيناك ليل طويل، وأنا لم أبرأ بعد من ذنب النهار.
          لم تحتمل عيناه المتحدثة بإنحناء الحزن في إنكسار كلي، يالله! أنا التي لم أدعو الله طوال السبع سنوات من أجل السعادة والفرح والحياة، أنا التي ضللت أردد أغفر لي يا رحمن، أنا التي خجلت أن أطلب منك يالله الفرح وأنت سترتني بعظيم لطفك، أنا التي قضيت أياما لا يجيء على لساني سوى " رحمتك لقلب أمتلأ بك يالله " ، إني أسألك يالله في هذه اللحظة، إني أسألك يارب الكلمات و الوجع، يارب الرحمة والعطف، يارب حزننا وفرحنا، يارب قلبه أعطف علي، ردني إلي، للصبية الناعمة التي أودعت في صدرها حبك، التي كتبت مذكراتها بنشوة الصبا، ردني لقلبي قبل 7 سنوات، قبل أن أموت في متاهات الدنيا المذلة، قبل أن يعصف النسيم الرطب ويصبح ريحا شديدة، قبل أن تصبح يقظتي كابوسا ومنامي سوادا، ردني يالله لنفسي إني أخاف يوما يبكي البكاء من نفسي. يا لوعة الحب الشديدة أسكني في إني أرغب بحملك في شراييني للحياة التي تركتني من أجلها، إني أمرض بك ولا أسأل من الله الشفاء، أريدك طريا في دماءي، في ذاكرتي، في حياتي يا كل حياتي.
          لاحت لوعتها في أنين مرتجف، بكت بعمق الحزن في صدرها، بكت بعمق الجرح في صوتها، بكت من الماضي الذي كان له سلطته في حاضرها، بكت لأن الموت ثابت في قلبها.
          سلطان أغمض عينيه للحظات طويلة حتى يسحب هواء نقيا لرئتيه التي ازدادت ضيقا، لا مفر منك يا شديدة الطفولة والبياض، يا أنثى هزت تاريخ الإناث برنة خلخالها، ليت ما كان لم يكن وليتني استطع قول ما كان.
          نظر إليها بنظرة خدرت الهواء من حولها حتى إمتلأ جوفها بالعدم/بالفراغ.
          بقسوة لسانه يصادق على قولها : لله يالجوهرة . . . خرج بخطى مبعثرة ليفتح أول أزارير قميصه العسكري بإختناق، دخل لمكتبه المنزوي في عتمة لا يخدشها سوى ضوء بسيط نافذ، رمى سلاحه على الطاولة ليجلس بغضب يتضح في ملامحه السمراء، شد على قبضة يده ليضربها في حافة الطاولة، مسك رأسه بوجع من صداع لا يدع فرصة شماتته تذهب، أنحنى بظهره قليلا ليثبت جبينه على المكتب وعيناه تنظر للرخام، عوضنا يا كريم، أنا وقلبي.
          غطت ملامحها بكفيها، أشعر بأني احتضر، أغيب تماما عن وعي الحياة، لم طلبت منه؟ لم اعيش في هذا التناقض! لم يبقى بي عقل يتجاوز كل هذه التناقضات التي تعشعش في!! لا أحتمل يوما يأت لا يجيء به، لا أحتمل! يالله فحبه تمكن مني حتى اخر خلية في جسدي، انسني حبه يا رب قلبي وقلبه، انسني عيناه الساهرة في ظلال منامي، انسني كلماته التي عقدها في، انسني من حياتي حياته.


          ،

          وقف بضياع تام، عقله لا يفهم إلا جملة واحدة " غادة لم تمت بالحادث " ، جملة تسحب كل ذرة أكسجين من الهواء المحيط به، سقطت كل ألوان الحياة من أمامه حتى أصبحت سوادا ولا غير ذلك، ما يحدث أيضا مدعاة للسخرية! لأن الحياة لم تكن يوما منتصبة في باقة ألوان، دائما ماكانت تعطيني ظهرها الشاهق، أنا لا ألوم أحد، ألوم نفسي التي واصلت تصديقها لأشخاص لم أكن يوما على محمل الأهمية بالنسبة لهم، ألوم نفسي التي صبرت بفرصة أن يكن نهاية صبرها إنشراح وفوز! ألوم نفسي للرجس الذي أعمل به، ألوم نفسي وساخط عليها لأنني مازلت بقربهم، مازلت معهم! غفرانك يالله على ما فعلته وسأفعله، لم أكن يوما صالحا بما يكفي حتى أتعلم التجاوز والعفو، لم أكن شيئا طيبا بما يكفي حتى ابتسم بوجه المصائب، حاقد! ولن أخفي حقدي من أجل الأخلاق والشيم، لن أخفي لوعتي بالحياة من أجل أحد. هذه المرة و رحمة الله لن أرحم نفسا أوجعتني، لن أرحم نفسا أضعفتني! لن أرحمهم!! سأقتص منهم واحدا واحدا ولو كان ذلك على سبيل خسارة قلبي/حياتي، كان لزاما علي أن أفهم هذا مبكرا أنني لا أستقيم مع هذه الحياة مهما بذلت من جهد، ولن أحاول ولا للحظة أن أستقيم.
          عاد بخطى تائهة حائرة للخلف ليصطدم بحافة السرير، دار به رأسه كما تدور الحياة بعينيه، اسند ذراعه على التسريحة بمحاولة جادة أن يتزن، ارتفع الضباب لعينيه حتى أختفت الرؤية تماما، شعر بحرقة تسيل بأوردته، وضع يده تحت أنفه لينظر لظاهر كفه المبلل بالدماء، عقد حاجبيه بجهل لمصدر الدماء، لم يحاول التفكير بشيء غير الكلمات التي قرأها، كما السكين تزهق الروح أيضا الكلمات، من يستوعب هذا الحديث؟ لم يتبقى بي عقل لأستوعب، هل هذا إبتلاء يالله أم عقاب؟ أين هي الان؟ من المستحيل أن يفعلها بي ناصر! أم ماتت بعد فترة من الحادث؟ . . شعر بغصة تقف في مجرى تفكيره، جفت عيناه وترسبت بالملح، لا دمعة تسقط تنقذ الموقف المزري ولا دمعة تربت على خده، ولا دمعة تشفق على إنهزامه، لا دمع يسيل! لكن القلب كيف يسكت؟ كيف يصمد ولايبكي؟ ، ينظر بتجاهل شديد للدماء التي تتدفق من أنفه، لم تحتمله قدماه حتى سقط على ركبتيه، نظر للصور المتناثرة على الأرض، لعينيها التي تشبهه، لملامحها الباهتة، تفتقدني أيضا؟ تشعر بي؟ كنت تجيئين في منامي بصفة وحشية حتى ظننتك تتوجعين من التراب، ولكن كنت تتوجعين من هذا العالم، تتوجعين منهم يا "روحي"، وضع يده على جبينه يحاول أن يثبط هذا الدوار الذي يصيبه، أدرك بأن ضغطي ينخفض الان، أعرف جيدا ما يصيبني، هذه الأعراض تشمت بي في كل مرة أتنفس أملا، أنا رجل لا أصلح للهدنات، للأماني والأحلام الصغيرة، أنا رجل لا أصلح للحب والأيام الجميلة، أنا رجل كسرته الحياة مرة وكسر معها حياته و محتواها، البرودة تحتبس أسفل جلدي وبقايا الماء في جسدي يتسامى حتى حجب الوضوح عن عيني، هل هذه أعراض صدمة؟ معاذ الله أن أكون مصدوم كل ما في الأمر أنني لم أتوقع أن تأت مزحة الحياة بهذه الجدية القاسية.
          تحامل على ألمه ليسحب نفسه قليلا حتى يأخذ الصورة بيدين تفقد قدرتها على الإمساك بثبات، كل طرف به يرتجف، نظر لغادة بشوق عظيم رغم رؤيته الشبه معدومة في هذه الثانية المرتبكة، سعل بذبول كلي.
          " اشتقت! يا عذابي في الصور وضحكات الصور! يا عذابي وش بعد باقي ؟ وش بعد يا غادة؟ ماطبت! كيف أطيب وأنا من عشمني في الوفا غدر! كيف أطيب وأوفى من بقى لي خان! ما عاد لي حق أسأل – ليه ؟ - ما بعد ناصر سؤال. "
          سقطت الصورة بين أصابعه التي ارتخت، أشتعل صدره بحقد،بغضب،بشحنات هائجة، بشتات تكدس بصوته، سمع ضربات المطر على الأرض، ليقف وهو يسند نفسه على الجدار، إتجه نحو الحمام ليغسل وجهه بشحوب، أغرق ملامحه لينظر لنفسه بالمراة، لم أكن بهذه الصورة أبدا! في حياتكم لم ينزف أنفي ولا مرة، لم تتحرك مسارات حنجرتي لتسد مجرى تنفسي، لم أضيع ولم أتوه قبلكم، هذه الحياة بعدكم خراب! ولا تصلح لي على كل حال.
          أخفض نظره قليلا ليرفع عينيه بإبتسامة مكسورة، جننت! غادة مازالت الأرض تحمل أقدامها؟ أم أنا بدأت أتوهم كلمات مقتولة؟
          عقد حاجبيه بشدة، لا يفعلونها! لو أنني ألد أعدائهم لا يفعلونها بي! . . لا يفعلونها بإبن صديقهم.
          بدأ صوته الداخلي يظهر، يدرك بأنه واقع في صدمة شديدة ولكن مازال ينكر، مازال يحاول أن يقر بوعيه التام في هذه الأثناء، رغم أن وعيه غائب تماما في لحظة انسلخ اللون من جلده وطغى الشحوب، إنخفاض الضغط الذي يداهمه ماهو إلا نتاج الصدمة.
          خرج من الحمام ليأخذ قارورة المياه ويفرغها بفوضوية في فمه، حاول أن يسترجع بعض الطاقة المهدرة، لدقائق كثيرة بقي جالسا لا يفكر بشيء ولا شيء يأت إليه، وقف متجها للخارج، اقترب من نايف ليلفظ : ممكن جوالك شوي
          نظر إليه نايف بنظرات مستغربة : فيك شي؟ تشكي من شي؟
          عبدالعزيز : لا . . ممكن؟
          نايف: إيه أكيد . . تفضل
          عبدالعزيز أخذه ليعود بخطى متأرجحة مضطربة للداخل و المطر يلامس جسده بلا شعور يذكر، فقد حاسية الإدراك تماما. جلس على السرير، وضغط بأصابعه الباردة على رقم ناصر السعودي الذي يحفظه، ثواني حتى اتاه " مغلق " ، حاول أن يتذكر رقمه الفرنسي، بدأ يخمن بعقله عدة أرقام يحفظ بعضها وبعضها يجرب حدسه بها، جرب للمرة الأولى ولكن أتى " خارج نطاق التغطية " ، إختار التخمين الاخر ليضغط عليه، قرب الهاتف من إذنه لينتظر إجابته، تمر دقيقة تلو دقيقة ولا مجيب.
          : ألو
          شعر بأن روحه تخرج، تقترب من النفاذ للسماء، لا سياج يفصلها عن التسامي، عن العلو وترك جسده، اتسعت محاجره حتى اجتاحتها الحمرة الكثيفة، ارتجف فكه بصرير مؤذي، لا شيء طبيعي! ورب الكعبة لا شيء!!!!، كل الخلايا تندفع بإتجاه صدره الذي يعلو بإرتفاع مضطرب.
          كررتها مرة اخرى بنبرتها العذبة : ألو . . مين معاي ؟
          لا يسعفه الصوت، يريد أن ينادي! يريد أن يبتهل صوته بإسمها ولكن حتى نبرته تخذله، فوق وعثاء الحياة وحظها السيء معي! فوق كل هذا يدير صوتي نفسه عني، يارب لا تجعلني أتخيل صوتها بهذه الصورة المؤذية، يارب أرجوك.
          بخفوت : ناصر نايم . . مين أقوله؟
          هذا مالاطاقة لي به! كنت أقول أن الحياة إن شاءت و وقفت ضدي فناصر معي، ما يخون؟ " خلي ما يخون " ، هذه أنت يا غادة، كيف؟ ربما أحلم! طبيعي أن أحلم.
          بضجر لا تعلم لم لم تود أن تغلقه، الأنفاس المضطربة التي تصل إليها تشغل عقلها : مين؟
          لست حلم! أنت يقظة، بعد سنة كاملة و نصف السنة أسمع صوتك يا غادة، أسمعه يا " روح عزيز " ، ناديني من أجل الله، " اصرخي بعالي صوتك، اصرخي لقلب مات نصفه ونصفه ينتظر إحتضاره، اصرخي عشان أصحى لو كنت منام البائسين اللي أتعبهم حرث أرض فاسدة، ناديني!"
          غادة بتوتر مستغربة هذا الصمت : ا ا
          صوتي لا يلوح لأحد ولا لك يا غادة، تحبس الأشياء نفسها في دون أن تترك لي حق الرفض والقبول، أنا أسمعك! أقرأ صوتك بخشوع، لكن لا أقدر على لمسك على مناداتك، ربما هناك شيء يربطني بك ويمكنك من سماع قلبي، ربما. أثق بذلك ما دمت لم تغلقي الهاتف إلى الان، أنت تشعرين ولكن صوتي جبان، ما أمر به " جاثوم " الذكريات، يهزمني صوتك يا غادة! أرجوك، أرجوك، أرجوك لا تفعلي بي هذا! لا مجال بأن يخدعني أحد اخر في حياتك، لا مجال أبدا. " أنت حية ؟ " أنت هنا، أسمعك.
          : مع السلامة.
          لحظة! . . صوتك يا غادة لا يغادرني، من يدلني عليك؟
          . . . أغلقته دون أن تسمع صوته.
          وقف بلا تركيز، تمر الدقائق بكثافة عالية دون أن يشعر بثانية واحدة، يتردد بعقله صدى صوتها و " ألو " التي خرجت من بين شفتيها كحياة جديدة، هي! والله العظيم هي. أذني لا تخطىء! أذني تحفظ صوتها ك رقية على قلبي كل ليلة. و حسرة السنة والنصف من يشفيها؟ من يرد لي أياما من عمري تلحفها النحيب، هم لا يدركون! لا يعرفون قيمة أن أخسر عائلتي! كيف قضوا كل هذه الأيام ينظرون إلى عيني دون أي خجل؟ كيف تجرأوا أن يفعلوا بي أسوأ فعل على مر حياتي، لا أفهمهم! ولا أفهم دناءتهم! لا أفهم أبدا كيف لهؤلاء البشر أن يبقوا على قيد الحياة وهم أقل من أن يقال لهم أحياء، ضمائرهم ميتة وقلوبهم ميتة! وأنا أيضا؟ من أجل هذه الحياة سأكون أشد دناءة منهم، والله لن يردني شيئا، لن يردني خلق تربيت عليه ولا شيء، هذه المرة أنا أريد ان أخسر نفسي وأخسر مبادئي، أريد ان أخسر " عبدالعزيز سلطان العيد ".
          أما أنت يا من ناديتك " يبه " وأنا استشعر طعم لذة الكلمة في لساني، ناديتك بأبي وأنا أشعر أني إبنك، ولكنك استغليت حزني على فقدي بمصالحك، نظرت إلي كأنك تشاركني المواساة في وقت كنت تدرك بأن هناك قطعة مني تسير على ذات الأرض ولا ألتقيها، كنت تدرك بأن جزء مني ينظر إلى ذات السحابة ولا تمطر علي ولا عليه، كنت تدرك كل هذا وتركتني أحارب الحياة بمخالب ملتوية، كنت تدرك يا " بو سعود "، أنا لن أشفق على أحد بقدر شفقتي على نفسي التي صدقتك، حسبي الله عليك وعلى الذين حسبوا أن الحياة تدار بتخطيطهم، لن يبرأ قهري منكم، لاخر لحظة في حياتي سأدعو عليكم قولا وفعلا.

          يتبع

          تعليق

          • *مزون شمر*
            عضو مؤسس
            • Nov 2006
            • 18994

            رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

            ،

            وضعت الهاتف على الطاولة، بقلب يطلق علامات الإستفهام، أثارت أنفاسه الثائرة فضولها، وضعت يدها الدافئة على نحرها، شعرت بلوعة تغص بها، جلست بمقابل جسده الذي يغط في سبات عميق، بدأ عقلها بالهذيان.
            ربما عرفني! أو ارتبك من الصوت الغريب. ربما كان مثل ناصر يحسبني غائبة تحت التراب وتفاجىء بصوتي! لكن كيف ورقمه غير مسجل؟ هذا يعني أنه ليس من معارف ناصر. تنهدت بيأس لتنجذب لحركته الخفيفة، لميل رأسه ناحية اليمين قليلا، وقفت لتقترب منه، جلست بجانب بطنه، وفي داخلها سؤال واحد " من صاحب الأنفاس المضطربة؟ "، كنا شتاتا وما زلنا! لا أحد سيشعر بحجم حزني لأن لا أحد سيفهم معنى أن تستيقظ عيناك ولا أحد بجانبك، لا عائلتك ولا أصدقائك، لا أحد سيفهم معنى أن تنظر للسقف دون أن يطل أحد عليك، لا أحد سيفهم معنى أن تجلس على الطاولة وحدك دون أن تذكرك أمك بالتسمية، دون أن يصحح أبيك بعثرة خطاك، لا أحد سيفهم معنى أن أشتاق لعائلتي بهذه الصورة المؤذية! هم اللذين لا أعرفهم ولا يعرفوني، اللذين يحسبون أنني راضية بحالتي، أنني سعيدة بفقداني لذاكرتي/لحياتي، هم لا يعرفون كيف أنني أنام على أمل ان أتذكر أيام أمي الأخيرة، وضحكات أبي المودعة، هم لا يعرفون كيف أن 5 سنوات من عمري تغيب عني فجأة! أستيقظ وأراها تبخرت!!! لا أحد سيفهم معنى ان تكون وحيدا إلى هذا الحد؟ لا عزيز و لا هديل بجانبي، لا أحد. رد لي يالله ذاكرتي وحياتي.
            تبللت ملامحها بالدمع، " موحشة الدنيا بدونكم! " مسحت على جبينه وهي تشعر بوجعه، بألمه، بحافة دمعه.
            تحرك بإختناق دون أن يفتح عينيه النائمة، همست بالقرب منه: ناصر
            حرك رأسه للأعلى ليغرق بحلمه، أعلى معدلات اليأس/الذبول التي يصل بها الإنسان أن يشعر بأن منامه واقع.
            سقطت دمعة احترقت بمحجرها، ادركت بإحساسه بها، وضعت كفها على كفه لتردف : ناصر
            مازال مغمضا نائما بسلام، يمر صوتها لحنا شجيا، لانت ملامحه بإسمه الذي يعبر لسانها، أوجعها بتعابيره المبتسمة، أوجعها بأنه يعيشها " حلم ".
            انحنت عليه وشعرها يتجه نحو كتفها اليمين لينتثر بجهة واحدة كستار ليل مظلم، بحزن: لا تسوي كذا! . .
            سالت دمعة يتيمة من عينه اليسرى التي مازالت مغمضة، مسحتها بكفها الناعمة لتقبل جفنه النائم دون أن ترفع رأسها، ضعفت كل قواها أمام دمعته، تأكدت أنه يحلم، أنه يحارب واقعه بالأحلام.
            تنفست سمرته وهي تدس أنفها بملامحه اللينة، أما أنت مازلت أكثر الرجال طغيانا، في صخب رجولتك وإتساع وسامتك، في صوتك الذي يودع للكلمات ضياءها، مازلت يا ناصر فارس أحلام الصبا.
            رفعت جسدها قليلا لتنظر إليه بوضوح، ثبتت نظراتها بعينيه حتى فتحها بهدوء، نظر إليها بغصات السنين التي مرت في سنة واحدة، نظر إليها بحزن الثكالى واليتامى، أمال رأسه بإتجاه شعرها المنسدل، نظر بضياع شديد.
            غادة: إحكي لي! . . أبي أسمعني فيك.
            ناصر ببحة: ضعنا يا غادة
            غادة بهمس وعينيها لا تتوقف عن البكاء:أششش! .. سولف لي خل اخر التعب لقى
            ناصر: وين اللقى؟
            غادة تغمض عينيها وجسدها يلاصق جسده، تنتقل رعشاتها إليه بخفة: وش يعني لو ما قدرنا نعيش؟ وش يعني لو ما بنينا من أحلامنا حياة؟ وش يعني لو شابت ملامحنا ولا كبرنا؟ وش يعني لو ذاب الورد في إيدينا؟ وش يعني لو أمطرت السما وعيت لا تسقينا؟ وش يعني لو نغيب؟ نغيب ونلتقي في مقطع قصيدة
            ابتسم بوجع ليرفع ظهره عن الأريكة ويجلس بجانبها، نظر إليها بشحوب ملامحه، نظرات تسطع على جدار قلبها: يعني اننا انكسرنا، نعيش على البركة
            غادة: على أساس أننا عايشين بتخطيط وما نسمح للعشوائية تخرب حياتنا!
            ناصر: لما قلبك يخطط بدون لا يرجع لك هذا يعني أننا محنا عايشين بعشوائية، لما تصحيني كل صبح بصوتك وتنتظريني عند نهاية الشارع، لما أوصلك لين الجامعة وأرجع اخذك، لما أسولف لك عن أتفه الأمور وأبسطها، لما نسهر وندور الأعذار حتى نغطي فيها أخطاءنا، بس كانت أخطاءنا تسعدنا! كنا نتجمل فيها، وكنت أرجع وأنام على صوتك . . . كل هذا يا غادة تشوفينه عشوائية؟ هذا الروتين كان وجودك يرتب فوضويته.
            غادة تخفض رأسها لتردف بضيق يتحشرج به دمعها: أبي أتذكر كل هذا! . . بس مو بيدي . . والله مو بيدي
            ناصر : اسف
            إلتفتت عليه بحمرة تتسلق عينيها.
            ناصر : لأني ما عرفت ألتقي فيك إلا بالحكي!
            غادة : ناصر
            ناصر : لبيه
            غادة : سولف لي عني . . خل اللي ماعرفت استرجعه ألتقي فيه بصوتك
            ناصر بعقدة حاجبيه نظر للنافذة والثلج يتساقط على لندن بوفرة، مد ذراعه نحوها : تعالي
            اقتربت منه لتضع رأسها في حضنه، استلقت على الأريكة لتغمض عينيها الباكية: قولي عن اصغر التفاصيل.

            ،

            وضعت يدها على صدرها الذي يرتفع كريح محملة بالبرودة، نظرت للمراة التي أمامها ويدها الأخرى تغرز أظافرها ب/ مسكة الورد المنتشي بين أصابعها، الممر الذي يفصل حياة عن حياة أخرى ليس ممهدا أبدا، المرور نحو الزواج ليس بالسهولة التي تخيلتها، أشياء كثيرة تحدث في لا أعرف ماهيتها، رعشة أطرافي ماتزال ترن في إذني، صوت قلبي يسعل بضوضاء نبرته، أشعر بأنني أتلاشى وأذوب، كل شيء أمامي ينعدم ويعطب، أشعر بأنني متراجعة مترددة، يالله! أحس أنني تسرعت، كان من الممكن أن لا أوافق بهذه البساطة، كان من الممكن أن نؤجل هذا الزواج لأجل غير مسمى، أو ربما مسمى بسكون قلبي، بصوت داخلي يشد عزمها " يالله يا هيفا! أنبسطي . . أنبسطي " ، بدأت تقرأ في داخلها كل الايات التي تحفظها بمحاولة ناعمة لتهدئة الربكة التي ترعش حواسها، اللهم حببني الى قلبه وجملني في عينه واستر عيوبي عنه واستر عيوبه عني وألف بين قلوبنا واجمعنا في الفردوس الأعلى من الجنة. . . اللهم يا كريم.
            طلت ريم عليها لتردف : جو! . . .
            هيفاء بلعت ريقها : تكفين جيبي لي مويا
            ريم بإبتسامة مطمئنة : سمي بالرحمن . . ولا تتوترين كثير . . مدت لها كوب الماء لتشربه بدفعة واحدة.
            هيفاء ويدها مازالت تربت على صدرها : أحس قلبي بيوقف
            ريم كانت ستتكلم لولا دخول أم فيصل، إتسعت إبتسامتها لتردف: جاهزة؟ عشان تنزلين؟
            هيفاء بإبتسامة مرتبكة : ا . . ايه
            أم فيصل بصوت عذب قرأت عليها للحظات طويلة حتى ضجت الهواتف بإتصالاتهم، خرجت والدته لتتبعها ريف الصامتة المحدقة بإستغراب لهيفاء ولهذه الأجواء، بتوتر: يالله
            ريم ضحكت : مستعجلة!
            هيفاء أشتعلت حمرتها بخجلها: لا .. أقصد . . طيب ريم ممكن تاكلين تبن؟
            ريم بإبتسامة : ممكن يا ستي . .
            ثانية، ثانيتين، رعشة و رعشتين، ركض الفرح إلى عينيها الداكنتين لتتلألأ بالدمع المتغنج بعذوبة محجرها، ابعدت أنظارها عن ريم التي التقطت بكاءها الصامت، ريم بضيق وهي تتجه نحوها: لا تبكين!
            هيفاء رفعت عينيها للأعلى حتى تبدد الملح الذائب في عينيها، فرح شاهق يصيبها بربكة، تأت الأفراح دائما بربكة عكس الأحزان التي تجيء برتابة واضحة : طيب يا حمارة! أنت تبكيني
            ريم بضحكة عانقتها لتسقط دمعتها الناعمة على خدها : ماسكة نفسي من اليوم وأقول ماراح أبكي! . . شدت على جسدها بعمق السعادة المتشكلة في صوتها : الله يوفقكم يارب ويهنيكم ويسعدكم . .
            هيفاء همست: امين
            ريم ابتعدت لتنظر إليها بفرح شديد : يالله ننزل . . .
            هيفاء تمتمت وهي تضع يدها على بطنها لتأخذ نفسا عميق : بسم الله الرحمن الرحيم ، نزلت من على الدرج الشاسع بعرضه، الشاسع بمسافات القلوب التي تحبها و تنتظرها، رفعت عيناها لتنظر لملامحهم المبتسمة الطيبة.
            للمرة الأولى أشعر بأنني شخص اخر، بأنني عبارة عن أشخاص كثر يعيشون داخلي، عندما نظرت لهم رأيت الفرح كغيم مبارك فوق رأسي، ولكن هناك شيء يجمد خطواتي ويبطئها، أنا سعيدة! أنا لست اعرف ماهي السعادة تحديدا. جديا أنا أنسى مفاهيم الحياة و قوانينها الوضعية والفطرية أيضا، لا أعرف إن كنت سعيدة، ولا أعرف إن كنت حزينة، فقط أشعر بأنني خفيفة كجناح طائر، و ناعمة كملمسه، أشعر بالإنتماء للحياة، لأصل الحياة، *إتسعت إبتسامتها حتى بانت أسنانها العلوية في اللحظة التي رأت بها والدتها* فخورة بأنني أتنفس مثل الهواء الذي يدخل إلى رئتيك يا أمي.
            سالت دمعة رقيقة لتثبت أقدامها على الرخام، اقتربت من والدتها لتقبل جبينها ورأسها وتنحني لكفها،بكت بعاطفة الأمومة التي لا تقوى مهما كانت المسافات ضئيلة بوداع ابنتها : الله يهنيك يا يمه و يحرسك بعينه اللي ماتنام
            هيفاء : امين . . .
            إتجهوا نحو الصالة المنزوية في القاعة بقرب الباب الرئيسي، سمعت أصواتهم الخشنة التي تنبأ عن قربهم . .
            أغمضت عينيها بنفس عميق تستجمع قوتها، لتفتحها على ملامح يوسف، اقترب منها وقبل رأسها: مبرووك يالشينة
            هيفاء تهمس بقرب إذنه: على الأقل أجبر خاطري بكلمة حلوة
            يوسف بضحكة : مبروووووووك يا هلي أنت . . يا بعد طوايفي!
            هيفاء إبتسمت بعناقها الحميمي معه: الله يبارك فيك
            يوسف بضحكات السعادة التي تشاركها معها، رفعها قليلا عن مستوى الأرض ليردف وهو يرفع عينيه إليها : الله يهنيكم يارب ويرزقكم الذرية الصالحة
            هيفاء بدمعتين مرتعشتين همست : امين
            ابتعد يوسف ليتيح المجال لمنصور الذي قبلها على جبينها بعمق الحب والسعادة في قلبه: مبروك يا روح أخوك، الله يهنيكم ويوفقكم
            هيفاء أضاء الدمع في محجرها : الله يبارك فيك . . وين أبوي؟
            يوسف : بيجي الحين مع فيصل
            منصور اقترب من والدته ليقبل رأسها: ورينا إبتسامتك؟ مفروض الحين السعادة مو شايلتك
            إلتفت يوسف عليهما ليردف بخطى مقتربة : لا ما تسويها ريانة وتبكي!!
            ضربته بخفة على كتفه ليبتسم حتى بانت أسنانه، قبل جبينها وهو يعانقها، بخفوت : وش دعوى يالغالية تبكين؟ يكفيها دعواتك وتجيها السعادة كاش! . . بس لا تضيقين صدرك
            ابتعد قليلا للخلف ليسمع أصوات الغناء تضج بين الجدران، بفرح غامر أخذ والدته ليراقصها ويغني لها، رفع " عقاله " ليشاركه منصور ليرتفع سقف شاهق من الفرح والسعادة، دخلت ريم لتتسع إبتسامتها عندما رأتهم، هذه الفرحة مغرية للتجسيد،للرسم،للكتابة،للتصوير، لكل الأشياء الجميلة، مغرية جدا بأن تكون كالوسم في صدورنا، لا شيء أعمق من عاطفة العائلة إن اجتمعت، لا شيء أسعد من ضحكاتهم و جديلة الفرح المعقودة على رأس أمي، خفتت الأصوات لتجلس والدتهم بسعادة لا تقدر بمقدار.
            ريم بنشوة الفرح: ما بعد جو؟
            يوسف: للحين تلقينهم بالزفة انا ومنصور قلنا نجي قبلهم . . تعالي بس صورينا
            ريم: لحظة . . أخذت الكاميرا لتثبتها على الطاولة وهي تضع علبة المناديل تحتها، وضعت المؤقت لتهرول سريعا نحو " الكوشة " انزلقت ليمسكها يوسف وعلى صدى ضحكاته العالية إلتقطت الصورة.
            والدتها : بسم الله عليك!
            ريم بهيسترية ضحك : رجلي ما عاد أحس فيها!
            يوسف جلس بإستنزاف الضحك: عز الله أنه وجهك ينقص حظ الواحد!
            ريم رفعت نفسها لتقف بثبات: إيه طقطق علي هالمرة مسموح!
            يوسف رفع حاجبه بإبتزاز واضح: طبعا مسموح!
            ريم شتت نظراتها بحرج لتردف: طيب يالله بسرعة روح أنت أضغط على الزر اللي على اليمين عشان نصور قبل لا يجون
            منصور مسح وجهه من الضحك الذي غرق به: قسم بالله عايلة محششة! . . أخلصوا يالله
            يوسف ضغط الزر ليقف بجانب هيفاء و الإبتسامات الزهرية تجمدها " لقطة ".
            ريم تنظر لجمود هيفاء لتلفظ : هيوف بلعت العافية!
            يوسف يشير بيده أمامها: بوعيك؟

            تعليق

            • *مزون شمر*
              عضو مؤسس
              • Nov 2006
              • 18994

              رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

              هيفاء بضياع تام: إيه
              يوسف بإبتسامة : ريلاكس . .
              هيفاء تنهدت : أحس بيغمى علي
              يوسف: أصبري بس دقيقتين وأغمي على صدره
              والدته : يوسف!!! . . لا توترها
              يوسف بإبتسامة: نمزح! . . هيفا طالعيني . . . نظرت إليه ليكمل . . الحين الواحد كم مرة بيفرح مثل هالليلة؟ حرام تضيع بتوتر وضيق؟ أفرحي يا بنت عبدالله ولو تبين ارقصي! . .
              هيفاء ابتسمت لتردف وهي تتنهد لتهدئة رعشاتها: طيب . . طيب
              منصور : جو . .
              ريم : لحظة بطلع . .
              يوسف إبتسم لها إبتسامة ذات معنى حميمي عميق، إبتسامة تسكن رعشاتها وتطمئنها، إبتسامة أخوية علوها شاهق.
              دخل والدها وعينيها تضيع بالأقدام والأرض، اقترب منها ليقبل رأسها: مبروووك . . الله يهنيك يا يبه ويحفظك بعينه
              هيفاء رمشت لتسقط دمعة جاهدت أن تحبسها في محجرها، برجفة صوتها: الله يبارك فيك . . قبلت رأسه بوضع لا تعرف كيف تصف مشاعرها.
              سقطت عينها عليه لتشتتها بعيدا، مسك عبدالله يد فيصل بحنية الوالد الغائب: الله يهنيكم ويرزقكم الذرية الصالح
              بإبتسامة صاخبة تقيم أعراسا في قلب هيفاء، أتى صوته المسكر : اللهم امين . . إلتفت نحو أم منصور ليقبل رأسها.
              أم منصور : مبروووك يا فيصل منك المال ومنها العيال
              فيصل : الله يبارك فيك . .
              ارتعش للحظة وهو يقترب من هيفاء، تجمدت أطرافه ليثبت أنظاره بإتجاهه، عيناه تخذله ولا تنظر إليها، تشتت بملامح الجميع عداها، بإبتسامة جعلت أمر الكلمات صعبة، نطق بعمق الربكة: مبرووك
              هيفاء بعد ثواني طويلة همست بخفوت : الله يبارك في . . فيك
              لحظات طويلة كان الصخب في كل مكان عدا قلبيهما، صمت أسماعهما أمام تصاعد الفرح، صمت ينام على شفاههم و كلمات المباركة تتهاتف عليهما، تمر الدقيقة تلو الضحكة، وتمر الثانية تلو الرعشة، تتكاثر الدقائق وتزداد ربكتهما.
              توقعت أن لا ارتبك، أن لا تضيع الكلمات من حافة شفاهي! ظننت أنني بمزاجية جيدة لحفل زفاف لا أكثر، ظننت هذا حتى وقفت أمامها، أدرك أنه أسأت الظن بحجم دهشتي والفرح المنصب في قلبي، أنا على يقين تام أنني سعيد فوق كل الكلمات المختصرة والمنضبة على أمرها، سعيد جدا بعينيها.
              خلت الصالة المتوسطة بحجمها مقارنة بصالة الفرح الرئيسية التي يقف عليها أحبابهم، دخلت ريف المهرولة بعبث فستانها القصير، أنحنى إليها فيصل ليرفعها ويغرق ملامحها البيضاء بقبلاته.
              همست بشغب: مبروووك
              ضحك بنبرة صوتها الناعمة التي تلفظ الكلمات بطريقة التسميع : الله يبارك في الشيخة ويخليها
              إبتسمت لتنظر لطرف بشته الأسود بذهول عقلها الذي يكتشف رداء جديدا، من خلفها والدتها، اقتربت منه ليعانقها بقبلة عميقة على رأسها.
              : مبروووك يا يمه
              فيصل: الله يبارك فيك
              أبعدها حتى ينظر لعينيها المكتظة بالدمع، بإبتسامة: وش قلنا؟
              والدته بلعت غصتها لتردف بإبتسامة فسيحة: الله يوفقكم يارب ويهنيكم . . اقتربت من هيفاء التي تنصهر بحرارة جسدها المرتفعة تدريجيا، عانقتها لتمتص رجفة جسدها.

              ،

              في ساعات الليل الأولى بأقصى بقاع الأرض، مستلقي على السرير بملامح الأموات الشاحبة الباردة، ينتظر بصيص أمل في الحياة ولكن لا إنتظار يكسب به.
              جلس الدكتور ذو الجنسية الكويتية بمقابله: شلونك اليوم يا تركي؟
              تركي : تمام
              الدكتور: عارف أنه ماهو مسجلة هالليلة في مواعيدنا! بس تدري يا تركي أنا أحس بمسؤولية إتجاهك خصوصا! يمكن عشانك سعودي وقريب مني! وممكن لأني ماني راضي على حالك ولا راح أرضى . . . اشرح لي شلون تمام؟
              تركي بضيق الكرة الأرضية المتحشرجة في صدره : ماني تمام! . . أنا اشتقت لها ليه ماتفهموني!!! أنا ما أبي أضرها . . والله ما أبي أسوي لها شي . . أبيها سعيدة دايم
              الدكتور: و الضرر في داخلك وش تفسره؟
              تركي: ما أبي أبكيها
              الدكتور: بس أنت بجيتها؟ صح؟ *بكيتها*
              تركي: هي تفهمني غلط
              الدكتور: لأنك كسرتها . . تصور معي لو رجعت لورى! ليوم الحادثة! . . بتسوي نفس اللي سويته؟
              تركي: لا
              الدكتور: يعني أنت معترف أنك غلطت! والإعتراف هو بداية التصحيح . . يا تركي أفهم شي واحد المسألة ماهي غلط في دينك وفي بيئتك بس؟ هالمسألة فطرية! غلط في كل حضارات هالعالم من أنخلقت البشرية! . . كيف تشوف واحد ينجذب لأمه؟ يشتهي أخته؟ . . غلط هالشي يا تركي ولا لأ؟ حتى أكثر المجتمعات تحرر ما تقبل بهالشي! فكيف بديننا؟ . .
              تركي بحرقة صدره الذي يشتعل: أنا أحبها! أبيها دايم قدامي! بس أسمع صوتها!! . . ارتاح لما أشوفها يا دكتور ياسر
              ياسر: إبن تيمية رحمه الله قال كل من أحب شيئا لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه . . محد بيساعدك بعد الله الا نفسك . . حاور نفسك وشوف أنت شنو اللي تبي توصله؟ .. حبك ماهو لله وكل شي ماهو لله مخالف للفطرة الصحيحة . . أنت أنخلقت وفي داخلك إنتماء للي خلقك، وكل أعمالك هي نابعة من إنتماءك للخالق! أنت ليه تصلي؟ ليه تصوم؟ ليه تستغفر؟ ليه وليه أشياء كثيرة؟ كلها بسبب واحد اللي هو رضا الله . . رضا من خلقك . . تخيل معي أنك تعزم شخص لبيتك وتكرمه وتضيفه لكن بعد فترة يجحدك ويبدأ يسيء بأفعال كثيرة ممكن ما تنتقص منك شي بس تضايقك لأنك قدمت له أشياء كثيرة لكن هو ما قدرها! . .ولله المثل الأعلى! كيف ببساطة تجحد سنين من عمرك رزقك فيها الله الأكل واللبس والأمان والإستقرار! . . كيف تجحدها يا تركي؟ انا أكلمك الحين بمبدأ فطري . . بعيدا عن تصرفاتك اللي طافت!
              تركي بلا جواب ينظر للنافذة التي يتساقط عليها الثلج بكثرة، ياسر : أنا ماأقولك غير نفسك بيوم وليلة، ما اقولك خلاص لا تحب هالإنسانة! . . أنا أبيك توقف وقفة صادقة مع نفسك اللي بكرا راح تحاسب عليها! . . خلني أعطيك إياها على بلاطة على قولتكم في السعودية . . أنا ممكن ما قدمت شي في حياتي صالح! لكن مستحيل مستحييل أحد يرضى يعيش بعكس فطرته . . طيب خلاص تبي تعيش على هواك! ماعندي مشكلة عيش مثل ماتبي لكن هل أنت سعيد؟ . . مو سعيد يعني شنو اللي استفدته؟ . . قاعد تتعذب! لكن تصور لو كان هذا حب عفيف من إنسانة ما تحرم عليك! . . يا تركي أبي أوصلك شي واحد . . أننا احنا كلنا نغلط . . أنا غلطت في حياتي وأنت غلطت وكلنا غلطنا! لكن خيرنا التوابين . . . . أنت دمرت نفسك! ودمرت علاقتك بأهلك كلهم! . . ونفسك تو تقول لو يعيد الوقت نفسه مستحيل تكرر فعلتك . . يا تركي أنت قادر! الله عطاك نعم ماعطاها لغيرك . . شد على نفسك شوي وجدد وصلك بالله . . وكل أمورك بتتسهل وماراح تحتاج لا لدكتور ولا غيره . .
              تسقط دمعة حارقة من محجر عينه اليسرى دون أن يخرج صوته بكلمة، يتعذب بحبها وبإشتياقه لها.
              ياسر: خذيت لك إذن من المستشفى! . . بكرا راح اخذك لمكان تغير جو فيه ونفضفض شوي . . تمام؟
              تركي بصوت مخنوق : والله العظيم أني فرحت لما حفظت القران . . والله العظيم ما أبي أضرها
              ياسر وقف ليقترب إليه : وأنا والله العظيم مصدقك . . وراح تفرح أنا متأكد لما تعرف أنك صححت نفسك!!

              ،

              يقطع البرتقالة بسكين حاد ليرفع عينيه : حمار! ماعليك شرهة
              أنس: أنا وش يدريني! قلت ناصر واضح بالصور مايحتاج أكتب تلميح عنه . . يكفي بوسعود
              عمر: كذا ولا كذا الحين بتلقى عبدالعزيز أنهبل!!! بيشك في ناصر وساعتها ..
              يتصنع النبرة الطفولية بخبث ليكمل : نتصل ونقول تعالوا يا جماعة! لقينا القاتل يدور في الشوارع
              أنس بضحكة : عاد لو يجيب أحسن محامي ماراح يطلع من هالقضية! كل الأدلة تدينه . . بيخيس في السجن لين يقوده الشيب!
              عمر يلحن الكلمات : و بيتفككون! . .
              دخل أسامة لينظر إليهما بتقزز: وين سليمان؟
              عمر: وش فيك تكلمنا من طرف خشمك؟
              أسامة يجلس بمقابله ليسحب جزء من البرتقال ويمضغه : احس رائد شاك فيني مع أنه ما تصرف بأي شي يخليني اشك بس كلامه معي يشككني
              عمر : اللي على راسه بطحا يحسس عليها! . .
              أسامة : مانيب ناقصك . . وين سليمان؟
              أنس: فوق . . ما قلنا لك وش سوينا؟ . . أرسلنا صور يحبها قلبك لعبدالعزيز وكتبنا له بعد
              عمر : أنت اللي كتبت له لا تجمعني معك !
              أنس تنهد : المهم خليناه يولع وراح يشبها قريب في بوسعود وسلطان . . عرف عن موضوع أخته
              أسامة لاحت إبتسامته : وش هالأخبار الحلوة؟ . . وسليمان يدري؟
              أنس : لا بنبلغه بس هو حاط علي أنا و عمر فخلنا مؤدبين هالفترة قدامه
              أسامة : وخله يدري والله ثم والله لا يجيب أجلك أنت وياه! . . مهبل تتصرفون من كيفكم!
              عمر تأفأف ليستلقي على الأريكة: أكرمنا بسكوتك وخلني أستمتع بروقاني! . . أحمد ربك ماجبت معي بنته
              أسامة رفع حاجبه : بنته!
              أنس بحماس : بنت بوسعود الثانية كانت موجودة و زوجته بعد
              أسامة : بنته اللي هي زوجة عبدالعزيز؟ أنهبلتوا!!!
              عمر : لمحتها بس مدري هي ولا زوجته . . بس زينهم والله من زين أبوهم! ولا اللي يشوف عبدالرحمن وش يقول؟ . . سبحان الله يخي فيه ناس مهما يكبرون تبقى أشكالهم ثابتة وشباب . .
              أسامة: لمحتها! وفصلتها تفصيل ماشاء لله على عيونك
              عمر : أصلا هم ما يطلعون من البيت . . بس يوم غيرت مكاني ورحت ورى شفتها وهي داخلة! . .
              أسامة : وشسمها ذي اللي جابها فارس! بنته الثانية بعد تشبه أبوها!
              أنس: قضت السوالف صرتوا تسولفون بأشكال الحريم بعد!
              عمر: خلنا نتمتع يا حبك للنكد! . . كيف شكلها بنته اللي عند رائد؟
              أسامة : شفتها مرة وحدة! ما ركزت بس تشبه أبوها . . نفس عيونه
              عمر : والله شكلها بنته اللي شفتها! . . تخصص عيون . . هي وين راحت مع فارس؟
              أسامة بعصبية: مدري عنه هالكلب! . . أنا مستغل حالة حمد الحين أبيه يخرب بينه وبين الكلبة اللي معه بعد
              عمر بضحكة: وش فيك خربتها! توك محترم صارت الحين كلبة!
              أسامة : أنت ماتدري! يقولك أبو سعود معلم بناته على الرمي والفروسية بعد! ماتشوف مزرعته كنك داخل ساحة حرب!! . . أنا أحس بنته ذي اللي مع فارس وراها شي! . . مستحيل فارس كذا يشك فيني! لأنه كان نايم وأنا متأكد أنه نايم
              عمر : والله عاد الحين يا ولد أبوك مستحيل تتعدل علاقتك مع فارس! شاك فيك شاك! ولا وصل شكه لرائد منت معين خير
              أسامة : حمار أنت! مو المشكلة صارت قدام رائد بس ما شك ولا قال شي لأن دايم فارس يتبلى علينا يعني متعود
              عمر رفع حاجبيه بإستغراب: رائد مو غبي! . . والله مدري يخي حتى بناته شقا الله ياخذهم
              أسامة : بس أنت ملاحظ معي! بناته كلهم الله معذبهم! . . إثنينتهم تزوجوا بدون رضاه!!!
              عمر : والله ياأني ذيك الليلة مانمت من الوناسة! أنا يوم عرفت منك أنه عبدالعزيز قال لرائد أنه زوجته وأنا قايل بتصير مصايب قومية بينهم! . .
              أسامة: أصلا هذا الموقف اللي تقربت فيه لفارس وعلمته قلت كود يحبني! بس جحدني الكلب عقبها!!
              عمر : لأن فارس داهية! والله داهية وقلت لك إذا أنت تفكر بعقل واحد هو يفكر بعقلين الله ياخذه أخذ عزيز مقتدر!!! . . قسم بالله مب صاحي! تحسه يتعاون مع الجن! كل شي يعرفه . . كل شي يدري فيه قبل أبوه . . المشكلة أنا مايخوفني الا سكوته .... ذولي اللي يجونك هاديين وكلامهم قليل يرعبون يخي! . .
              أسامة : أنا بس امنت بشي واحد من عقبه! أنه الواحد مفروض ما يخاف من الناس الأذكياء واللي يبينون ذكاءهم مفروض يخاف من الناس اللي يبينون غباءهم! . . ماتوقعت أنه فارس بهالصورة الوحشية يا رجل!!
              عمر : والله أني قلت لك من سنة جدي! أنه فارس شيطان مثل أبوه وألعن!
              أسامة: يالله هذانا استفدنا من هالدرس! عشان ثاني مرة نفتح عيوننا على اللي مسوين نفسهم مايدرون وين الله حاطهم!!
              عمر : تدري وش طينته؟ نفس عبدالعزيز لكن عبدالعزيز ياكلك بلسانه أما ذا هادي وهدوءه يخوف! . .
              أسامة ضحك وهو يسترجع موقف عبدالعزيز مع رائد : الله لا يحطك في لسان عبدالعزيز! ما شفته يوم هرب من رائد . . مسح فيه البلاط ..
              عمر بحسرة : اخ ليتني كنت موجود! لين يومك ذا وأنا متحسف ودي أشوف وش سوا فيكم!
              أسامة: وذا اللي هامك! قلبي كان حاس أنهم ما اختاروا عبدالعزيز عبث! لعنبو إبليسه قدر يهرب مننا كلنا!
              عمر : لأنكم حمير مع كامل عدم إحترامي!! .. هو وفارس شياطين الله ياخذهم بحريقة تحلل جثثهم

              يتبع

              تعليق

              • *مزون شمر*
                عضو مؤسس
                • Nov 2006
                • 18994

                رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                ،

                الساعة تقارب للثالثة فجرا بتوقيت الرياض الناعسة، وقفت خلف الباب كثيرا، ترددت بفتحه للحظات طويلة لتعود بخطواتها للخلف، نظرت لنفسها بالمراة، بربكة أخذت شعرها المنسدل على كتفيها لجانب واحد، اقتربت من باب الغرفة وهي لا تعرف كيف تخرج بثبات، مرت ساعة كاملة على كلمته الأخيرة " بنتظرك هنا " ، لابد أن إنتظاره طال ولا بد أن العشاء قد تجمد بالبرودة أيضا، يارب.
                تنفست بعمق لتفتحه، نظرت للجناح الذي يبدو فارغا، إلتفتت لتبحث عنه بعينيه ولم تراه، بخطى خافتة اقتربت للجانب الاخر من الجناح لتراه يصلي.
                تراجعت للخلف لتعود للصالة، جلست على الأريكة وهي تنتصب بظهرها متظاهرة بأنها لم تراه، جمعت كفيها في حجرها لتثبت أنظارها على الطاولة. شعرت بأن اللحظات تنخفض حرارتها.
                سلم فيصل من صلاته ليقرأ بعض الأذكار التي يحفظها عن ظهر غيب، غرق بتفكيره وهو جالس على السجادة، يشغل فضوله كيف من الممكن أن المكياج يغير لونها بهذه الصورة؟ قبل فترة كانت سمراء فاتنة والان بيضاء أشد فتنة. قرن كل تساؤلاته بأن كل هذه أدوات المرأة الخارقة التي لا يفهم منها شيء، وقف ليطو السجادة ويضعها على الطاولة، تنهد بعمق ليتجه بخطاه وتسقط عينيه عليها، وقف وهو يتأملها من الخلف، غاصت نظراته بشعرها المموج الذي تحركه بأصابعه مرة لليمين ومرة لليسار، تبدو الربكة واضحة من رعشة أصابعها التي تتلاعب بخصل شعرها، دقيق جدا لأبسط التفاصيل، للقرط الذهبي الناعم الذي يزين لحمة إذنها، للسلسال الذي يقيد معصمها اليمين، لأنفاسها المضطربة التي يصل صداها نحوه، تنحنح ليتقدم بخطاه المتوترة أكثر منها، أصطدم فكيها بربكة دون أن ترفع عينيه نحوه.
                فيصل لا يعلم ما سر الضحكة التي أقتربت من شفاه، حبسها في داخله خشية من أن يقال عنه " قليل ذوق "، توتر ولا يعرف ماذا يقول : ا . . حك عوارضه القصيرة المرتبة . . ا . . خلينا نتعشى!
                هيفاء شدت على شفتها السفلية حتى لا تفلت منها إبتسامة بمسماها " قليلة حياء "
                فيصل وقف ليأخذ كوب الماء الذي أمامه ويشربه بدفعة واحدة، إتجه نحو الطاولة التي تتوسط المكان ليعود للخلف فهو يدرك تماما من الذوق أن تتقدم النساء أولا، هيفاء تنحنحت هي الأخرى من التوتر الكبير الذي يصيبها، جلست بمقابله ولا صوت يصدر منهما ولا من الأطباق التي أمامهما.
                فيصل تمتم: أستغفر الله . . مسح على وجهه ليرفع عينه إليها . . تمنى لو لم يعتمد على نفسه بهذا الأمر، لم يتوقع ولا ل 1% أنه سيحصل على كل هذه الربكة والتوتر، في داخله أجزم بأنه كان يحتاج أن يستمع لنصائح يوسف حتى لو أتت " حقيرة " بمفهومه.
                بعفوية : معليش بس ماني متعود
                هيفاء حبست ضحكتها من الربكة ليخرج صوت بسيط ينبؤ عن حبس هذه الضحكة.
                فيصل إبتسم بلا حول ولا قوة ليردف : أقصد . . تنحنح قليلا . . يعني . . وش رايك ناكل ؟
                هيفاء رغما عنها أفلتت إبتسامة ناعمة على محياها دون أن تضع عينها بعينيه.
                فيصل يشرب كأس الماء الثاني بدفعة واحدة.
                هيفاء أخذت كأس الماء لتشرب ربعه تخفي به حرارة الربكة .. مرت الدقائق الطويلة دون أي صوت يذكر سوى إصطدام الملاعق بالأطباق، لا حديث يجرى بينهما وسط ربكة تامة تصل لأقصى مدى.
                فيصل رفع عيناه إليها ليسرح بها، أطال النظر وغرق بتفكيره، حتى شعرت بنظراته المصوبة بإتجاهها، إلتقت عيناها بعينيه وسرعان ما شتتها.
                حس على نفسه ليضع ذراعه على الكرسي الفارغ الذي بجانبه: فيك النوم؟
                رفعت عينيها بدهشة أحمر بها جسدها بأكمله، أخفضت نظرها باللحظة التي أندفعت ضربات قلبها إتجاه صدرها بقوة.
                فيصل تشنجت شفتيه التي أفترقتا بمسافة قصيرة : ا . .مو قصدي .. أقصد قلت عشان . . نجلس بس هذا كان قصدي . . أنه يعني إذا مرهقة وكذا
                صمتا لثواني طويلة ليردف بخيبة أمل كبيرة في تصرفاته التي تأت بالمعنى النجدي البحت " جاب العيد " : أنا اسف . .
                هيفاء بلعت ريقها بصعوبة، لتقف: عن إذنك . . إتجهت نحو المغاسل.
                فيصل تنهد ليمسح على وجهه بلوم لاذع لقلبه، سمع صوت المغسلة التي خلفه دون أن يلتفت، حس بوقاحته للحظة.
                أخذت نفس عميق وهي تمسح يديها بالمناديل الورقية، وضعت يدها على خدها المشتعل بالحرارة، اقتربت بخطاها نحوه لتعود لمكانها، أخذت كأس الماء لتشرب نصفه برعشة تامة.
                فيصل بدأ يحرك الشوكة بطبقه دون أن يأكل لقمة واحدة، تفكيره ينحصر بدائرة واحدة هذه اللحظة " كيف أقول جملة مفيدة؟ "، أيقنت أن ليلة الزواج مربكة لأشد الرجال. لم يرفع عينيه منذ جلست.
                ود لو يحدث أي شيء أمامه حتى يتكلم عنه ويخترع بداية للدردشة، " ليلنا طويل يا هيفاء ".
                اقترب أذان الفجر ولم يفتحا أي حديث تندمج به أصواتهما. تنهد ليجذب عيني هيفاء ناحيته، فيصل بإتزان أكثر: سولفي لي عن إهتماماتك!
                هيفاء بلعت ريقها لتردف بشعورها القريب جدا منه، تدرك حجم ربكته المندرجة بين شفتيه : ا . . مدري
                فيصل حك جبينه للحظة لينظر إلى عينيها المضيئتين، استغرق تفكيره بها ليردف : وش تحبين؟ . . وش ميولك يعني؟
                هيفاء تشعر بغباء شديد من أنها لا تميل لشيء : بصراحة . . يعني . . مافيه شي معين
                فيصل : يعني أنا أحب الشعر . .تحبين الشعر؟
                هيفاء لا تعلم أي إجابة يجب أن تجيب بها حتى تظهر بمظهر لائق: الشعر! . . عادي . . يعني . . *تنحنحت لتكمل* . . أقرأ أحيانا
                فيصل : مين تفضلين من الشعراء؟
                هيفاء شعرت بورطة حقيقية، لا تحفظ ولا إسم، بدأت تسترجع ذاكرتها أي إسم لتردف : سعود الفيصل . . بدر عبدالمحسن
                فيصل بإبتسامة: قصدك خالد الفيصل
                هيفاء تجمدت بمكانها من حمرة/حرارة اندفعت بوجهها، بلعت شفتها السفلية من شدها العنيف عليها، نظرت لكل الأشياء امامها عداه، مسكت قرطها الناعم بتوتر: لخبطت بالإسم
                فيصل إبتسم ليحبس ضحكة عميقة في جوفه، أردف: وش بعد؟
                هيفاء بإحراج شديد : بس
                فيصل : ما تسمعين فصيح؟
                هيفاء أدركت فعليا أنه له ثقافة واسعة بالشعر تجعلها لا تفكر بأن تكذب عليه بكلمة : لا
                فيصل : و وش تميلين له بعد؟
                هيفاء بتوتر تنطق الكلمة بثواني طويلة: ماعندي ميول معين، يعني أشياء كثيرة تجذبني
                فيصل بإستدراج لمعرفة ميولها الفكرية : وش كانت مشاريعك بالجامعة؟
                هيفاء فعليا شعرت بأنها فاشلة مع مرتبة الشرف أمام توجهات عقله لتردف ببلاهة : ولا شي
                فيصل صمت للحظة ليردف : ما سويتي شي بالجامعة؟ يعني معارض أشياء زي كذا!
                هيفاء : يعني ماكان فيه مشاريع بجامعتنا وكذا . .
                فيصل : و متى مفكرة بالوظيفة؟
                هيفاء بلعت ريقها : ا . . يعني . . قريب إن شاء الله ببدأ أبحث لأن أكيد ما أحب الفراغ
                فيصل : حلو! أشترك معك بهالصفة أكره الفراغ بشكل فظيع
                هيفاء أكتفت بإبتسامة بسيطة وهي في داخلها تعلم أنه ثلاث أرباع عمرها قضته فارغة والربع الاخر قضته بتفكيرها كيف تحول أوقاتها لفراغ.
                فيصل : تحبين فن الكولاج؟
                هيفاء تجمدت ملامحها ليردف حتى لا يحرجها : الكولاج بالصور . . يعني تلصقين أشياء مع بعضها وكذا
                هيفاء بصراحة تامة حتى لا تحرج نفسها أمامه أكثر : ما أعرفه . .
                فيصل : إذا جينا بيتنا بوريك غرفة أنا مضبط جدرانها بالكولاج بصور قديمة لي ولأبوي الله يرحمه وللعايلة
                هيفاء: الله يرحمه . .
                فيصل : امين . .
                هيفاء استغلت شروده لتتأمله بخفوت وهي ترفع عينيها ببطء نحوه، نظر إليها لتضع عينيها على يده وهي تضع يدها على رقبتها بحركات لاإرادية/غير مفهومة.
                تسلل صوت الأذان الرطب إلى أسماعهم، " حي على الفلاح ، حي على الصلاة " كيمياء النفس التي تنجذب للفلاح لا بد أن طريقها : صلاة.
                فيصل وقف متجها نحو المغاسل، إغتسل ليتوضأ دون أن ينطق كلمة أخرى، ثواني طويلة أستغرقها مثل ما استغرقتها هيفاء في النظر إليه و تأمل أدق تفاصيله. تنهد متجها نحو الأريكة التي وضع عليها شماغه، إرتداه وهو يغلق أزارير كمه، وقف خلفها لثواني طويلة يحاول أن يكون في عقله " جملة لطيفة " ، وقفت لتلتفت نحوه، برجفة أسنانها: تقبل الله.
                فيصل : منا ومنك صالح الاعمال .. . خرج من الجناح ليتجه نحو المصاعد الساكنة في مثل هذا الوقت.
                هيفاء ضحكت بصخب بلا داع ولا سبب، لا تفهم أي شيء من تصرفاتها. إبتسمت لتمتم : وش أحس فيه!! . . إتجهت نحو المراة لتنظر إلى نفسها وهي تتلاعب بملامحها وترفع حواجبها لحظة وتلوي فمها لحظة اخرى، شدت على أسنانها لتخرج أصواتا بلسانها. – هيسترية الفرح -.



                رسمت شخابيط لامنتهية على الورقة البيضاء، لتردف بخيبة: وش نسوي؟
                ضي المستلقية على ظهرها تنظر للسقف الخشبي: شوية حظ وتضبط علاقتكم
                رتيل بتنهيدة: هالحظ شكلي بموت ولا شفته! . . من دخل غرفته ما طلع! ودي أروح أشوفه بس ما أحب أبين له إهتمامي
                ضي : تعلمي فن التنازلات
                رتيل بإبتسامة: بتعلم منك أنت وأبوي
                ضي بحالمية عاشقة : يا زين الطاري . . ليت أبوك عندنا الحين.
                رتيل تكمل شخبطتها على الورق : أنا أفكر بأيش وأنت بأيش!! تتوقعين نام؟
                ضي: لا . . روحي له . . بعدين أثير هالفترة ماهي عنده يعني مفروض تخلينه يتعلق فيك
                رتيل: شفتي! تجيبين طاريها ويجيني غثيان! أتوقع يكلمها أكيد أتصل عليها!! . . حيوانة
                ضي بضحكة: أهم شي حيوانة!!
                رتيل: والله حيوانة تقهرني! . . تذكرين يوم بالمستشفى! اخ يا قلبي كل ما أتذكر السالفة أحس ودي أذبحها أقطعها بأسناني
                ضي: المشكلة انك أنت اللي قهرتيها
                رتيل: بس للحين قاهرتني! . . يعني شوفي أنا ماني حاقدة
                ضي أغمضت عينيها من شدة الضحك لتنجرف رتيل رغما عنها بضحكة خافتة.
                رتيل : أستغفر الله! جد أتكلم يعني والله ماني حاقدة كثيير . . يعني حاقدة شوي بس لما أفكر هي مالها ذنب! زوجته ولها حق فيه . . بس أنا كارهتها! اكتشفت أني أغار لدرجة أكره بعنف
                ضي بهمس سمعت صوت بالخارج: تلقينه برا . . روحي له
                رتيل: قلت لك ماأحب أروح بنفسي . .
                ضي بسخرية: أجل انتظريه يعزمك . . والله رتيل أنت تضيعين نفسك وتضيعينه معاك! . . خليك معه دايم وحسسيه بوجودك عشان ما يتجرأ يبعد لأنه بيكون متعود على وجودك
                رتيل تنهدت لتقف: شكلي كويس؟
                ضي بضحكة : مزة
                رتيل نظرت إليها بغضب لتردف: كم عمرك وعادك تتهيبلين
                ضي: اخر وحدة تتكلم عن العقل أنت
                رتيل إبتسمت لتبتر غضبها: ماشاء الله على أبوي كل الماضي الوصخ قاله لك . . . إتجهت للخارج ولمحته جالس بعيدا وغارق بتفكيره : أخاف أزعجه
                ضي: أجلسي ولا تتكلمين بس وجودك جمبه يكفي.
                أخذت نفس عميق لتخرج بخطى ثابتة، جلست بجانبه دون أن تتفوه بكلمة واحدة، إلتفتت عليه لتنظر لملامحه الشاحبة والمشحونة بالوقت ذاته.
                رتيل: وش فيه وجهك؟
                عبدالعزيز بهدوء: ولا شي . . أدخلي لا تبردين
                رتيل بعقدة حاجبيها: تعبان؟ ..
                عبدالعزيز يخرج صوته المبحوح بوجع: لا
                رتيل تنهدت : عبدالعزيز لا تخوفني!
                عبدالعزيز وقف: تصبحين على خير . . . وبخطى حادة إتجه للجهة الأخرى، إلتفتت رتيل بدهشة من تصرفه، إرتعش جفنها من كلمته الحادة الباترة كل الكلمات العابرة على لسانها، تنهدت بضيق لتدخل: مدري وش فيه؟
                إلتفتت ضي بنظرات إستفهامية.
                رتيل تشعر وكأن الأرض غصت بحنجرتها: فيه شي!! وجهها مخطوف وواضح تعبان بس ما خلاني أتكلم معه على طول قام!!!
                ضي أستعدلت بجلستها: كان زين الصبح!
                رتيل: طيب شوفي جوالك لقط شبكة!! .. يمكن أبوي يعرف

                تعليق

                • *مزون شمر*
                  عضو مؤسس
                  • Nov 2006
                  • 18994

                  رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                  ،

                  أشرقت الشمس في صباحات الشتاء الأولى، صباح الأجواء التي ترتفع برودتها ساعات حتى تسقط في حر شديد.
                  فتح عينيه لتتجعد ملامحه بضيق من نومه على الكرسي المكتبي، أبعد ظهره المتصلب بإرهاق، بتنهيدة نظر إلى ساعته التي تشير إلى الثامنة صباحا.
                  وقف خارجا من مكتبه، إلتفت لحصة الجالسة بسكينة وتقرأ إحدى المجلات. انتبهت عليه لترفع عينها بإستغراب: نايم هنا؟
                  سلطان بصوت ناعس: ماحسيت على نفسي . . إتجه نحو الدرج كارها لهذا الصعود ولهذا البيت بأكمله، فتح باب غرفتهما لتسقط عينه عليها وهي تسرح شعرها. بربكة أنزلت المشط لترفع شعرها بأكمله كذيل حصان.
                  لم يطيل بنظره كثيرا حتى إتجه نحو الحمام، استغرق في إستحمامه دقائق كثيرة وهو يفكر بأسوأ الإحتمالات التي تفكك حياته.
                  في جهة أخرى جلست على الأريكة لتغرق في تفكيرها به، ملامحه المتعبة لا تعنيه وحده! هي ترهقني أيضا. كانت ستبطل كل مبادئه لو علم بحملي ولكن سيبطل إحترامي لنفسي، من أختار يا سلطان؟
                  شعرت برجفة جفنها، كيف أشفي إلتواء قلبي حول نفسه كلما ذكر إسمك؟ كيف أشفيه منك؟ أنت جدل مهما انتحلت به الإتزان، أضطربت.
                  خرج ليدخل للزاوية الخاصة بملابسهما، ارتدى لبسه العسكري لينحني بلبسه لحذاءه الثقيل، فتح الدرج ليأخذ حزامه وأنتبه لخلوه من أغراضها، رفع عينه للدولاب الاخر ليجده خاليا تماما، إذن ستغادر!
                  تنهد باللامبالاة ليخرج متجها نحو التسريحة، ارتدى ساعته وعيناه تغرق بما خلفه، أخذ نظارته الشمسية ليخرج من الغرفة دون أن يهمس بحرف واحد.
                  بمجرد خروجه سالت دمعة على خدها الشاحب، بقيت بثباتها دون أن تصدر منها حركة أو إيماءة، بلعت غصتها العالقة لترفع عينيها للأعلى في محاولة هزيلة لإيقاف تجمع دموعها، كل شيء يرفض الغياب، حتى الدموع تقيم ثورتها ضدنا.
                  إلتفتت نحو عائشة التي طرقت الباب، بإبتسامة بشوشة: بابا كبير تحت!
                  الجوهرة تنهدت: طيب جاية . . أخذت منديل لتضغط على عينيها، نزلت للأسفل لتتجه نحو المجلس الخاص بالرجال، دخلت بخطى سريعة نحوه، وقفت على أطراف أصابعها لتعانقه بشدة الحنين في صدرها و الحزن أيضا.
                  مسح على رأسها: شلونك يبه؟
                  الجوهرة انهارت قواها لتبك على كتفه: ليه ماكلمتني؟ أوجعتني يبه
                  عبدالمحسن بضيق: لا تعتبين يا عيني، كنت متضايق يومها ومابغيت أكلمك وأضايقك معي
                  الجوهرة ابعدت جسدها عنه لتنظر إليه بتعر تام من قوتها المزيفة: والحين؟
                  عبدالمحسن : دام شفتك بخير الحمدلله
                  الجوهرة : وش ضايقك؟
                  عبدالمحسن تنهد ليجلس بجانبها: عبير بنت عمك عبدالرحمن
                  الجوهرة بخوف: وش فيها؟ . . رجعوا من باريس؟
                  عبدالمحسن بعتب : ليه ماتسألين عن بنات عمك يالجوهرة؟ منعزلة عننا وعن الكل! ما يصير كذا
                  الجوهرة شتت نظراتها بلا عذر يشفع لها: مقصرة
                  عبدالمحسن: كثيير . . حتى ريان مارفعتي السماعة تكلمينه!! مهما يكون هذا أخوك
                  الجوهرة ببكاء عميق : مو قصدي والله! يبه لا تفكر أني حاقدة عليه ولا زعلانة منه!!! . . الحين قدامك أكلمه
                  عبدالمحسن: أنا ماأقول زعلانة منه!! بس أنت تبعدين عنا يوم عن يوم!!
                  الجوهرة بعينيها اللامعتين بالدمع: والله مو بيدي! صايرة أيامي من سيء للأسوأ . .
                  عبدالمحسن بعقدة حاجبيه : وش صار؟
                  الجوهرة بلعت ريقها لتلفظ بشحوب: وصلنا لطريق مسدود أنا وياه
                  عبدالمحسن شتت نظراته بعيدا دون أن يعلق بكلمة.
                  الجوهرة إلتفتت عليه: برجع معك! جهزت أغراضي وهالمرة ما أظن راح أرجع له
                  عبدالمحسن نظر بعينيها بصمته المربك لحواسها التي تهيج بالدمع.
                  الجوهرة بضيق: ماراح تقول شي؟
                  عبدالمحسن: كم مرة تهاوشتوا ؟ كم مرة قررتوا تنفصلون؟
                  الجوهرة تدخل كفيها باكمامها وهي ترتعش بالبكاء، بنبرة خنقت قلب والدها: وش أسوي يبه؟
                  عبدالمحسن: ليه أوجعتي قلبك فيه؟
                  رفعت عينيها الذابلة، تجمدت بنظرات والدها الذي أكمل: أنا خايف عليك! ويضايقني أنك تتعلقين بأحد منت قادرة تتأقلمين معه
                  الجوهرة بحشرجة الحزن : ليه تقول كذا؟ والله حاولت . . . أنت شايف أني غلطت؟
                  عبدالمحسن: كلنا نغلط!
                  الجوهرة : طيب قولي! وجهني .. وش أسوي؟ . .
                  عبدالمحسن بحزن بالغ، لا شيء أشد من هذا الحزن المار في صوته : أبي أفرح يالجوهرة . .
                  الجوهرة أخفضت نظرها لتغرق بكومة بكاء لا تنتهي، لم تستطع أن تحبس صوت أنينها المحترق في جوفها، بين حزنها المكتظ: خيبت أملك كثيير! ما سويت شي في حياتي يخليك تفرح وتفخر فيني! . . سحبها لصدره ليوقف موجة كلماتها المضطربة: لا تقولين كذا . . أنا لابغيت أبتسم أتذكر اليوم اللي ختمتي فيه القران! هاليوم كان أسعد يوم في حياتي! . . . . أنا فخور فيك والله . . بس أبي أفرح لفرحك . . يوجعني أنه بنتي ماهي قادرة تعيش لنفسها! . .
                  بنبرة خافتة موجعة أكمل : لك الجنة وأنا أبوك
                  الجوهرة ببحة: كل ماحاولت وكل ما قلت هانت! جاء شي جديد وخرب كل شي . . والله ما أبي أنفصل عنه بس أحس خلاص . . . مهما طولنا مهما حاولنا بالنهاية طريقنا اخره طلاق . .
                  عبدالمحسن: كلمتيه؟
                  الجوهرة: أمس قالي
                  عبدالمحسن: ويدري أنك بترجعين معي!
                  صمتت لثواني طويلة حتى قطعها بصوته: أنت للحين على ذمته! ما يصير تطلعين بدون علمه
                  الجوهرة: بس أمس اتفقنا على الإنفصال يعني أكيد برجع
                  عبدالمحسن بلع ريقه بإستنزاف كبير لعاطفته الأبوية : ولو كلميه . . مسح ملامحها الباكية بكفه ليبتسم : أنتظرك ما على تجهزين نفسك . . عشان يمدينا نوصل قبل صلاة الظهر الشرقية
                  الجوهرة: إن شاء الله . . خرجت لتتجه نحو غرفة حصة، طرقت الباب لتدخل بتوتر، إبتسمت: صباح الخير
                  حصة : صباح النور . . أبوك وصل؟
                  الجوهرة : إيه من شوي . . جلست بمقابلها . . كلمك سلطان اليوم بشي؟
                  حصة بلهفة الشغف : قلتي له عن حملك؟
                  الجوهرة تحشرجت عينيها بلهفتها لتردف: لا . . ماراح أبلغه الحين
                  حصة بضيق: إلى متى؟ خلينا نفرح
                  الجوهرة : أمس تكلمنا . . قررنا ننفصل
                  حصة تجمدت بمكانها بدهشة لا تسبقها دهشة، صمتت و ماتت الكلمات في جوفها.
                  الجوهرة بربكة تشتت نظراتها: والحين برجع مع أبوي وباخذ أغراضي . . بس ما قلت له وماأبيه يفهم تصرفي أنه . . يعني . . كلميه
                  حصة للحظات طويلة بقيت على حالها حتى لفظت: ليه؟ . . حرام اللي تسوونه!
                  الجوهرة : تعبانة من هالموضوع والله وماودي أتكلم فيه . . هو راضي وانا راضية
                  حصة بإنفعال : على مين تضحكون؟ أنتم ما شفتوا نظراتكم لبعض! . . ماراح أقول عشان خاطر هالعشرة البسيطة اللي بينكم بس أقول عشان خاطر الحب! . .
                  الجوهرة : أي حب واللي يسلمك!!! . . مانصلح لبعض يا حصة حتى لو حاولنا نبقى ما نصلح لبعض! مانستفيد من قربنا إلا تجريح لبعض!!
                  حصة بضيق يرتجف به جفنها: كل شي وله حل! . . دايم تتهاوشون! ودايم تجرحون بعض بس ترجعون! لأن أنتم نفسكم مؤمنين أنه مالكم الا بعض . . لا أنت تستاهلين ولا هو يستاهل! . . ليه دايم تفكرين بسلبية وبزواية وحدة؟
                  الجوهرة: لو تكلمتي مع سلطان راح يقولك نفس الكلام وهو واثق أنه كلامه واقع!
                  حصة: لا تسوين في نفسك كذا! تفكيرك ومنطقيتك في الأمور ماراح تعطيك السعادة!! . . تنازلي شوي
                  الجوهرة بإختناق : طيب وهو؟ ليه ما يتنازل؟ ليه دايم أنا اللي لازم اتنازل!!! ..
                  حصة : وهو بيتنازل! أحلف بالله أنه سلطان معاك شخص ثاني!!! بس فكري! ليه هالإستعجال
                  الجوهرة بقهر تجهش بدموعها: وتبيني أكلمه وأقوله أنا ماأبي الطلاق! . . مو انا كرامتي منمسحة من تزوجته!! . . حطي نفسك مكاني! ترضين؟ .. هو ثارت شياطينه على كف إنمد لك وأنا طيب؟ . . ولا أنا لي معاملة خاصة!
                  حصة تقف لتجلس بجانبها، عانقتها لتهمس: والله مو قصدي أنك تهينين نفسك عشانه! . . بس لو قلتي له عن حملك وش بتخسرين؟ ممكن تنحل أمور كثيرة
                  الجوهرة : ليه أجبره يعيش معاي! ليه أرمي نفسه عليه بحجة الحمل! . . هو ماراح يتعلق فيني بيتعلق عشان هالطفل! وأنا مقدر اتحمل أني اكون على الهامش دايم!!!!
                  حصة بضيق متوسل: طيب لاتروحين اليوم! أجلسي بس اليوم لين يرجع وأكلمه
                  الجوهرة تخفض نظرها لتسقط دمعتها الناعمة على خدها: كلكم تقولون أجلسي وحاولوا تلقون حل! . . بس ما فكرتوا وش كثر أعاني! وش كثر موجوعة منه
                  حصة: لأن الطلاق مو سهل! . . أنا عارفة أنكم تبون بعض بس تكابرون! . . وش تفيدكم هالمكابرة؟
                  الجوهرة: تفيدني أني أكسب نفسي اللي محاها سلطان
                  حصة: تبالغين يالجوهرة! سلطان حتى لو قسى تلقينه يتوجع أكثر منك
                  الجوهرة: مو قلت أنه شخص ثاني معاي؟ هالشخص الثاني لما يقسى ما يرحم!
                  حصة: يعني مافيه أمل؟
                  الجوهرة تحشرجت صوتها بالبكاء: مافيه . . وقفت . . ما أبغى أتأخر على أبوي . . أرسلي له مسج لأنه هو بعد ما قصر وكسر جوالي!
                  حصة : شايلة عليه كثير!
                  الجوهرة إختناق يسحب صوتها تدريجيا: وكثيير شوية فيه! . . خرجت لتتجه للأعلى، أبلغت عائشة بأن تنزل أغراضها، إتجهت نحو الدولاب لتأخذ عباءتها، ضج أنفها برائحة عطره، أخذت نفس عميق لتغمض عينيه برائحته المسكرة لكل خلية في جسدها، و كل ما حاولت الغياب كان عطرك طريق العودة.

                  يتبع

                  تعليق

                  • *مزون شمر*
                    عضو مؤسس
                    • Nov 2006
                    • 18994

                    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


                    ،

                    بغضب مجنون يلكمه على فكه حتى نزف، شده من ياقته ليقربه منه: حتى الحمير تكرم عنكم
                    تراجع للخلف بخطى هائجة ليشير إليه بالسبابة غاضبا ويصل غضبه لأقصى مدى: واحد!! شخص واحد قدر يدخل بيتي وفيه مليون كلب!! . . قوم أنقلع عن وجهي لا أثور فيك الحين . .
                    إلتفت لحمد: الكلاب يحجزون أقرب طيارة ويجوني هنا! ويخلون كلاب ثانين مثلهم يحرسون البيت
                    حمد بلع ريقه : أبشر
                    رائد: واللي يشوف وجهك تجيه البشاير! . . عاد لمكتبه وهو يشتعل بداخله من فكرة دخول سلطان لبيته، يشعر بأن أعصابه تتفكك، عصب عصب.
                    بحنق مسك هاتفه ليتصل على فارس، استغرق ثواني طويلة حتى أتاه صوته الناعس: ألو
                    رائد بعصبية: نايم يا روح أمك!!!
                    فارس بضيق أستعدل بجلسته: وش فيه بعد؟
                    رائد: تجيني الحين ولا أقسم بالله . .
                    فارس يقاطعه : بدون حلف! . . راح أجيك
                    رائد : وجيب الكلبة الثانية معك
                    فارس بعصبية : لها إسم!
                    رائد : شف فارس! أنا اليوم ممكن أرتكب جريمة فلا تخليها عليك
                    فارس: عبير ماراح تجي
                    رائد: لا تحدني أقهرك
                    فارس: وش تبي فيها؟ . . تبيني أخليها مع كلابك! . .
                    رائد زفر أنفاسه الغاضبة: قلت جيبها ما أبي أكرر كلامي!
                    فارس بإصرار: لا
                    رائد : طيب أنا أعرف كيف أجيبك أنت وياها بنفسي!!!
                    فارس بقهر: كل شي عندك بالغصب!!! . . تبيني أجيك أبشر لكن أني أجيبها معي لا وألف لا
                    رائد: طيب يا ولد الكلب! . . تعال الحين
                    فارس إبتسم بين كومة غضبه: مسافة الطريق . . . وأغلقه.
                    تنهد ليلتفت إليها نائمة بهدوء على الأريكة، اقترب منها ليأخذ الفراش ويغطيها جيدا، أغلق الشبابيك التي ينساب منها برد قارس في فترة من السنة تنخفض بها درجة الحرارة بصورة هائلة.
                    إتجه نحو الحمام ليغتسل، أستغرق دقائقه القصيرة ليخرج ويأخذ جاكيته، لف " سكارفه " الرمادي حول رقبته، ليميل إتجاهه نحوها، وقف للحظات طويلة أمامها لتتسع إبتسامته على حركتها الخفيفة، مغرية للتأمل.
                    فتحت عينيها عليه لتأخذ شهيق دون زفير برهبة، فارس: صباح الخير
                    عبير أخذت نفس عميق لتردف بخفوت : صباح النور
                    فارس: عندي شغلة ضرورية بخلصها وأجيك . . ماراح أطول إن شاء الله
                    عبير استعدلت بجلستها لترفع عينيها إليه دون أن تعلق بأي كلمة.
                    فارس: راح أطلب لك فطور . . وبيجيك غيره لا تفتحين الباب لأحد
                    عبير بضيق: طيب
                    فارس تنهد ليتجه نحو الباب، وضع يده على مقبضه ليقف، إلتفت عليها: إذا بتتضايقين من . .
                    قاطعته: تطمن ماراح أتضايق! . . بصفتي مين أتضايق أصلا!!
                    فارس شعر بأن الهواء يتصلب في جسده، بإتزان نبرته: بصفتك زوجتي!!
                    نظرت إليه بعينين تشتعلان بالغضب. خرج ليغلق الباب بعصبية نازلا للأسفل.

                    ،

                    يشرب من كأس الحليب ليكمل : عاد قمت أقول في نفسي سبحان الله كيف الحريم يتغيرون قبل الزواج وبعد الزواج
                    مهرة وضعت الملعقة على الطبق لتردف : مو بس الحريم! حتى أنتم تتغيرون
                    يوسف : لا الرجال ما يتغيرون يا عيني! يعني لو مثلا أنا جيتك وقلت لك أقطعي فلانة ماأبيك تسولفين معها! بتروحين وتقطعين عشان سواد عيوني لكن لو أنت قلتي لي بسوي نفس الشي؟ أطلقك ولا أقطع عشرة عمر مع واحد من ربعي
                    مهرة بإنفعال اندفعت: ومين قال أنه الحريم سطحيات لهدرجة؟ لا ياحبيبي محد يقطع عشرة عمر عشان أحد ثاني!
                    يوسف بضحكة : عشان كلمة حبيبي بوقف برايك
                    مهرة زفرت بغضب: والله يوسف! أنت منت طبيعي كله حريم وحريم وحريم! تحسسني أنه الرجال منزلين منزهين
                    يوسف: ههههههههههههههههههههههههههه طيب كيفي هذا رايي بعد بتناقشيني في رايي! أنا قلت لك أنه الحريم يبيعون الدنيا إذا حبت لكن الرجال عقلاني مايبيع الدنيا
                    مهرة بقهر: مالت على عقولكم! تحسسني أنكم مجتمع ملائكي
                    يوسف يكمل شربه للحليب لينزله على الطاولة ويردف: طيب أنا ماأعمم! يعني عادي رايي على فئة محددة! ولا تقولين لي أنه الحريم عقلانيات عشان ماأهفك بهالكوب . . يعني مثلا لو أقول المصريين ظريفين! يخي هم صدق ظريفيين بس مو معناته مافيه واحد بينهم سامج! يعني أتكلم عن صفة سائدة . . أنا أشوف البنت إذا حبت تبيع عمرها عشان اللي تحبه
                    مهرة : شف بموضوع أختك ريم! أنا أشوفها عقلانية
                    يوسف بضحكة عميقة يشعر بالإنتصار أنه مسك عليها شيء: شفتي! الخبث الأنثوي هذا تشجعينه! وين العقلانية في الموضوع؟
                    مهرة إبتسمت : مو خبث أنثوي! هذا ذكاء بطريقة ملتوية
                    يوسف: لأنكم تحبون الطرق الملتوية! أما احنا الرجال ماعندنا يمين ويسار واضحين
                    مهرة بسخرية : كثر منها! . . خلصت فطوري وأنت للحين تشرب بنفس الحليب!
                    يوسف: قاعد أتلذذ فيه . .
                    مهرة بإبتسامة: لو فكرة ريم جاية في بالي ماترددت لحظة أسويها فيك
                    يوسف بضحكة: تبطيييين تعرفين وش يعني تبطيين ما قدرتي تسوينها فيني! لسبب واحد . . أنا حقير بهالمواضيع ما أتعاطف على طول
                    مهرة رفعت حاجبها: مستحيل ما تتعاطف! . . لاحظت فيك شي .. قلبك رهيف وحساس بمحيط أهلك بس
                    يوسف بجدية: لأن بالنسبة لي عايلتي هي أنا! يعني إحترامي لها هو إحترامي لنفسي! وحبي لها هو حب لنفسي، وحياتي قايمة على أساسها . .
                    مهرة بإبتسامة واسعة: درر ماشاء الله تبارك الرحمن
                    يوسف: تطنزي علي بعد . . لا أكب ذا الحليب في وجهك
                    مهرة بضحكة: عطني إياه منت مخلصه اليوم
                    يوسف يمده إليها لتشرب من نفس جهته، شربته كله لتدخل والدته على وقع ضحكاتهم: الله يديمها من ضحكات
                    يوسف: اللهم امين . . قربي
                    مهرة بتوتر: وش بتسوي؟
                    يوسف يسحب كرسيه إليها ليمسح بطرف أصبعه بقايا الحليب على طرف شفتها. مهرة اشتعلت حرارتها لتكتسي ملامحها الحمرة أمام والدته، بلعت ريقها لتشتت نظراتها بعيدا وسط إبتسامات يوسف العريضة.
                    وقف : يالله أنا رايح . . تامرين على شي يمه؟
                    والدته : سلامتك
                    يوسف: الله يسلمك . . رمق مهرة بنظرة ذات معنى عميق ليتبعها بضحكة خافتة.


                    ،

                    بدأ يضرب بطرف القلب على الطاولة بتوتر، أربك كل من حوله بصوت القلم، تنهد لينظر للمصعد الذي انفتح.
                    مد يده ليأخذ الملف بعقدة حاجبيه المزاجية هذا اليوم التي أتت في وقت يجب أن يقتنع كل من يعمل هنا أن هناك خلاف بينه وبين عبدالرحمن : بوسعود جا ؟
                    : لا
                    سلطان بقي لثواني طويلة واقفا، هذا الهدوء يربكهم. تحرك بإتجاه مكتبه ليعود بخطواته للخلف وينظر للمكتب الخاوي: مين هنا؟
                    أحمد بلع ريقه: طالب . . بيجي الحين
                    سلطان : الساعة كم؟ قربت تجي 10 والسيد ما بعد داوم
                    أحمد : يمكن زحمة وك
                    سلطان بعصبية تسلط مزاجه عليهم : بس يجي حضرته يجيني . . عشان أوريه الزحمة صح!
                    سمع صوت ضحكات قادمة من إحدى الغرف المنزوية وأحمد من خلفه تعابير وجهه كافية لتوصل مزاجية سلطان هذه اللحظة، دخل لتستعدل جلساتهم ويقفون.
                    سلطان رمى الملف على المكتب الذي أمامه: هالملف ناقص! بتروحون حضرتكم للأرشيف تكملون القضايا اللي ناقصة بدل طق حنك
                    : أبشر
                    سلطان خرج وهو يفتح أول ازارير قميصه ومن خلفه أحمد كظله : طال عمرك ماراح تشوف الملفات الجديدة؟
                    سلطان بتنهيدة: أستغفر الله . . خلهم على مكتبي . . . . . فيه تدريب اليوم؟
                    أحمد: لا بعد ساعة التدريب الصباحي!
                    سلطان: كويس . . إذا جاء بو سعود نادني . . . نزل للأسفل خارجا لساحة التدريب، لا شيء يفرغ به غضبه سوى هذا التدريب القاسي.
                    سحب الحبل المتين ليربط حزامه حول خصره، تذكر هاتفه الذي في جيبه ليخرجه، أهتز بيده ليجيب دون أن ينظر الإسم إثر أشعة الشمس : ألو . . . وشو!!!!!!!!

                    ،

                    لف " السكارف " حول رقبته ليأخذ المفتاح من بين يدي نايف: مشوار صغير وراجع إن شاء الله . . أنتبه للبيت . . إتجه للخلف ليطرق الباب، ثواني قليلة حتى خرجت رتيل.
                    عبدالعزيز بجمود ملامحه التي لا تفهم : ألبسي حجابك وتعالي معاي
                    رتيل بإستغراب: وين؟
                    عبدالعزيز بحدة : ماني رايق لأسئلة كثيرة . .
                    رتيل عقدت حاجبيها : وش فيك؟ صاير شي!
                    عبدالعزيز يسحبها من ذراعها ليردف بغضب شديد: روحي جيبي حجابك وتعالي! مو معقولة بعيد الكلام كل شوي!!!
                    رتيل بلعت ريقها بربكة: طيب . . . دخلت دون أن تنطق كلمة واحدة من الدهشة، أخذت حجابها ومعطفها لتردف: بروح مع عبدالعزيز شوي واجي . .
                    ضي المنشغلة بإيجاد شبكة لهاتفها: طيب . .
                    رتيل تنهدت لتخرج معه، مسكها من يدها ليضغط عليها بلا وعي منه، بصوت مخنوق: توجع إيدي!!
                    أرخى قبضته ليركبها السيارة بجانبه، سار بسرعة جنونية وهو يخرج للطريق السريع.
                    رتيل ربطت حزام الأمان ولا تتجرأ أن تسأله سؤال اخر، قلبها يندفع بشدة الخوف الذي يسيل بدماءها.
                    عبدالعزيز خفف السرعة ليردف: الشخص لما يضحي بأشياء كثيرة عشان مبادئه وأخلاقه . . وش يستفيد؟
                    رتيل بضيق : عبدالعزيز وش فيك! خوفتني!!!
                    عبدالعزيز بعصبية : ما يستفيد شي! بس اللي يكسب نفسه ويضحي بمبادئه وكل هالأشياء؟ بيستفيد كثيير
                    رتيل بتوتر : مو فاهمة شي
                    عبدالعزيز : مو لازم تفهمين! . . لأن أنا جاء وقت قالوا لي فيها مو لازم تفهم الحين يا عبدالعزيز!
                    بغضب يعلي نبرته ويزيد من سرعته : مو لازم تفهم أشياء صارت بحياتك! لأن حياتك ماعادت لك . . . وبتهديد صريح . . بس والله العظيم يا رتيل أنه . . .

                    .
                    .


                    أنتهى البارت

                    تعليق

                    • *مزون شمر*
                      عضو مؤسس
                      • Nov 2006
                      • 18994

                      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                      -

                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                      إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


                      رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طيش !
                      الجزء (72)




                      المدخل ل حسن المرواني


                      خانتك عيناك في زيف و في كذب؟
                      أم غرك البهرج الخداع ..مولاتي؟
                      توغلي يا رماح الحقد في جسدي
                      ومزقي ما تبقى من حشاشاتي
                      فراشة جئت ألقي كحل أجنحتي
                      لديك فأحترقت ظلما جناحاتي
                      أصيح والسيف مزروع بخاصرتي
                      والغدر حطم امالي العريضات
                      هل ينمحي طيفك السحري من خلدي؟ و
                      هل ستشرق عن صبح وجناتي؟
                      ها أنت ايضا كيف السبيل الى أهلي؟
                      ودونهم قفر المفازات
                      كتبت في كوكب المريخ لافتة
                      أشكو بها الطائر المحزون اهاتي
                      وأنت أيضا ألا تبت يداك
                      اذا اثرت قتلي واستعذبت أناتي
                      من لي بحذف اسمك الشفاف من لغتي
                      إذا ستمسي بلا ليلى حكاياتي



                      عبدالعزيز : مو لازم تفهمين! . . لأن أنا جاء وقت قالوا لي فيها مو لازم تفهم الحين يا عبدالعزيز!
                      بغضب يعلي نبرته ويزيد من سرعته : مو لازم تفهم أشياء صارت بحياتك! لأن حياتك ماعادت لك . . . وبتهديد صريح . . بس والله العظيم يا رتيل راح أحرق كل قلب نحرني . . ذبحني ونام ليله مرتاح.
                      رتيل إرتجفت شفتيها : تقصد مين؟
                      عبدالعزيز: مين! . . أسألي اللي حولك! كيف يعذبون الروح قبل ينحرونها!
                      رتيل أجهشت عينيها بالبكاء، سلاسل من الدموع تتساقط على وجنتيها : لا تسوي فيني كذا !
                      عبدالعزيز بغضب يتحشرج به صوته: مين أنت! وش اللي بيوقفني؟
                      رتيل بصراخ ألتفتت عليه بكامل جسدها: أنا بوقفك! . . أنا وقلبك!!
                      عبدالعزيز يضغط على دواسة البنزين بقوة ليردف: ما سألت الله عن قلبك . . أقصد قلبي
                      ضاقت حنجرتها بنتوءات الحب، لا تفعل هذا يا عزيز! أرجوك، من أجل الله، الحب، الرسائل الغاضبة التي تخفي شغب قلبي، الليالي الساهرة على ظلال عينك، من أجلنا لا تفعلها! تخلصت من حياتي السابقة، من طيش الصبا لأجلك، مشيت بإستقامة ناحية قلبك، نظرت إلى عينيك حتى أضاء العالم بعيني، كنت الأمل الذي سلكته بكامل إتزاني، تجاهلت الريح المرسلة بمرارة الحزن/الضيق، تجاهلت الكلمات العابسة التي إتكأت على شفتيك، تجاهلت عقدة حاجبي الحياة بوجهي، تجاهلت كل شيء بما فيها قيم الكرامة التي كتبت في حياة كل عربي، تجاهلت كل هذا من أجلنا، لا تخذل هذا الحب! لا تخذله بإلتفاتة النهاية وأنا التي صممت عن الماضي/الذاكرة التي تحفظ أسوأ ما بيننا، ويا حزني لو أسأت الطريق ولم ألتقيك بالنهاية! أنتظرتك كثيرا وأتى صوتك قاسيا، أتى على هيئة جملة قاطعة ناعمة " أنتبهي لي " منذ يومها وقلبك يكبر وينمو في كبساتين كثيفة، تساقطت أوراقي كثيرا ولكن هناك قطعة من الربيع صامدة مازالت تنمو، مازالت يا عزيز! أرجوك يا حبيبي لا تأخذ من حياتي حياتك.
                      : ما تسويها فيني! مستحيل تسويها . . أكذب عيوني وسمعي وكل كلامك . . بس ما أكذب قلبي وقلبك.
                      عبدالعزيز أغمض عينيه بشدة ليمنع إنهيار ضلال أهدابه من الذبول أكثر والتساقط، أوقف السيارة فجأة ليضع رأسه على مقود السيارة، ساعدني يالله! تساقطت الحياة من على كفي، كخريف أستعذب قوافل بدو أرادوا من الأشجار ظلال، كربيع لامس الوجنات زيفا و ما ظننا يوما أن الزهر يخدع ويعصر في المحاجر ملح من الدمعات، يا الماضيات الجاريات على خاصرة الحب إننا ننحدر من قبيلة سمراء غناها الشمس وبحرها الصحراء، إننا ننحدر من جلد أسمر إن عشق الفرد منهم " مات بحبه ". أوجعتني يالله معضلات الحياة إن تشكلت على هيئة سمراء بذخها عال! كيف عن السمراء أغمض وأتجاوز؟ عن رتيل يالله! إنها عذاب لذيذ، لم تستطع أن تكون شيئا ناعما يعبرني دون أن تحتد أطرافه وتؤلمني، دائما ما كانت الوجع الذي أحب، والحزن الذي أريد. ومازالت! مهما حاولت أن تبتسم في وتحبس الضحكات أسفل جلدي، مازالت هي الوجع وستبقى لذته في فمي للأبد.
                      أنا على إستعداد تام بالخسارة، بخسارتك يا حبيبتي. و ليبقى حزني عليك سلام من الحياة ورحمة.
                      رتيل : أبوي؟ صح؟
                      عبدالعزيز دون أن يرفع رأسه : وش تفهمين عن العايلة؟ عن الأهل؟ . . وش تفهمين؟
                      رفع رأسه ليصرخ بوجهها الشاحب : ماتفهمين شي! . . ماتفهمين وش كثر أنا موجوع !!
                      رتيل بصوت خافت يقرأ السكينة ببكاء ناسك : متى فقدتهم؟ فقدتهم وأنت رجال قادر تعتمد فيه على نفسك؟ بس أنا فقدت أمي بوقت ما كنت أعرف وش يعني الموت؟ وش يعني النهاية؟ إذا أنت خسرت أنا خسرت من عمري سنين! كنت أعيد فيها دراستي مو لأني فاشلة ! لأني ما عرفت أكبر بدون أمي! . . ما عرفت كيف يعني الخلاص! يعني البعد! . . كل اللي بعمري تخرجوا وتوظفوا! وممكن تزوجوا وجابوا عيال! . . بس أنا وش سويت؟ . . ولا شي في حياتي يستحق الذكر . . اللي متضايق منه ومعصب ولا اعرف أيش سببك هو أبوي وأمي وأخوي وصديقي وحبيبي! . . هذا أبوي ياعبدالعزيز كيف تحرق قلبي كذا؟ . . ما ترحم! عمرك ماراح ترحم قلب غناه أنت!
                      عبدالعزيز بضيق خنق قلبها : مالله خلق فيني الرحمة الكافية عشان أشفق على أحد!
                      رتيل بغضب أعتلى به صوتها : ما أطلب شفقتك! أنا أطلب نفسي اللي معك!!!
                      عبدالعزيز بخفوت يستدرجها : قوليها! . . قوليها
                      رتيل أشاحت وجهها للنافذة وهي تغرق ببكاء لا ينتهي، وضعت يدها على شفتيها حتى تحبس أنينها، كل شيء حولها يرتجف ويفقد إتزانه، ما عادت الأرض تتزن لأقدامها الذابلة بوقع الحب، مصابة بك! بلعنة الحب. وصلت لمرحلة لا أقدر على تجاوزك يا عزيز.
                      عبدالعزيز بعينيه المحمرة بغضب هائج يعقد حاجبيه: قوليها . . ما تقدرين! لأن فيه حولك ناس تحبك! فيه ناس تنتظرك! فيه ناس راح تتصل عليك إذا فقدتك! فيه ناس كثييير إسمك حي في ذاكرتهم لكن أنا؟ شايفة الفرق الكبير اللي بيني وبينك! بقولها لك وأعتبريها . . .
                      رتيل نظرت إليه بعينيها الممتلئتين بالبكاء المالح، ثبتت يدها على فخذها الأيسر وهي تغرز أظافرها بعمق الحزن المتصبب في قلبها: أعتبره أيش؟ أعتبره فمان الله بقاموسك!! .. ولا مرة كنت صريح وقلتها بوضوح!
                      عبدالعزيز يفتح الباب ليخرج، يستشنق الهواء الطري والمطر يندلع في جوف السماء، أبتعد بخطواته ناحية البساتين الخضراء على جانب الطريق، شدت على معطفها لتنزل، وقفت وهي تسند جسدها على السيارة، تنظر إليه والمياه العذبة تبللها، تركت رجفة السماء المتسللة نحو أطرافها لتتجمد عينيه ناحيته، إلتفت عليها ليردف بصوت عال : كلنا نخاف لأننا نحب! نخاف من شيء ممكن يكون بسيط ما يستحق الخوف! لكن لازم نخاف! . . ودايم هالخوف يلوي ذراعي ولساني بعد! لكن هالمرة أنا على إستعداد تام بأني أقولها في وجهك بدون ما أحط أي إعتبارات قبلها . . أقترب بخطاه نحوها، أصطدمت أقدامه بأقدامها، وضع ذراعه خلف ظهرها ليشدها نحوه تحت رجفة المطر الذي يبللهما: فمان الله يا رتيل . .
                      تيبس ريقي، إنني مملوءة بالنتوءات والعثرات التي تسد صوتي، راهنت عليك كثيرا، حاولت أن أتخلص من وسواس عقلي ناحيتك – إن وجد بي عقلا – حاولت كثيرا ولكنني أخسر بطريقة فضائحية لقلبي الذي ينتحي بشمس عينيك كإنتحاء ضوئي/عاطفي. لم يا عزيز؟ في جوفي يسعر السؤال ولا يخمد. لم تفعل بي كل هذا؟ كيف تقولها ببسالة وأنا يتحشرج صوتي ب " وداعا " ويئن؟ كيف تقولها وأنا أبكيك بإلتقاء مطرين أحدهما أشد مرارة، أحدهما يسكن في لأيام طويلة ولا ينقضي! كيف تقولها وأنا أصمد/ أعيش من اجلك، كيف تقولها وأنا سلمتك قلبي؟
                      يكمل بصوت قاس يفض عذوبة المطر : بس ماراح أتركك! بتسأليني ليه؟ . . . كذا . . جربي حياة التعليق! أنك توقفين بالنص ما تقدرين تتقدمين بحياتك خطوة ولا تقدرين ترجعين! جربي وخلي عمرك يضيع مو عشانك صاحبة قرار وفشلتي بقرارك! عشانك حبيبة شخص تنازل عنك.
                      رتيل بعينيها المصوبتين بلذاعة الدمع: حبيبة شخص؟ . . تعترف بحبك في وقت تتنازل فيه عني؟
                      ببكاء يختلط بالمطر أكملت : منك لله يا عبدالعزيز . . منك لله.
                      عبدالعزيز رفع عيناه للسماء المتكحلة بغيم مبارك : لأني ما عدت أخاف، واللي ما يخاف ما يحب.
                      رتيل أغمضت عينيها بكثافة الدمع الجاري على خدها: يطاوعك قلبك؟
                      عبدالعزيز: عشان أكون أكثر دقة بكلامي . . مو عشانك حبيبة شخص تنازل عنك بس! أنت حبيبة شخص تنازل عن نفسه وقلبه.
                      رتيل بغضب البكاء الهائج في دماءها : أنت تعرف وش يعني أبكيك وأنت هنا قدامي؟
                      عبدالعزيز بأنفاسه التي تختلط بأنفاسها، بالقرب الشديد لشفتيها المرتجفتين، بالمطر الذي يشاركهما الحزن العميق : أعرف وش يعني أبكي على شخص يشاركني الأرض والسما!
                      رتيل : وأنا؟
                      عبدالعزيز: أحتاج أموت، عشان تغفر هالناس أخطائي، دايم الأموات نوقف بصفهم حتى لو أوجعونا. دايم الأموات ما يجي ذكرهم إلا حسن!
                      رتيل: أحتاج أعيش بنية الخلاص!
                      عبدالعزيز: جربي تعيشين مثل أي شخص وحيد سطحي ما يملك أدنى بديهيات الحياة
                      رتيل تحرقه بالكلمات المتشابكة بين حبالها الصوتية: جربت، كنت الناس في عيني و كان الغياب إحتضار جمعهم، ما أملك بديهيات الحياة يا عبدالعزيز! لو أملك ما وقفت قدامك دقيقة!! . .
                      عبدالعزيز سحب يده من خلف ظهرها، نظر إليها بنور عينيه الطيبة الحزينة الثائرة المسعرة، بسؤال يستثير قلبها : فقيرة؟
                      رتيل بإصرار : غناي أنت
                      عبدالعزيز: أحيانا أحسك مخلوقة من وجع! في حياتي كلها ماشفت إنسانة تجمع كل هالتناقضات! ما شفت إنسانة بالحب تحرق اللي تحبه وتبكي عليه!
                      رتيل بلعت ريقها المترسب في حنجرتها : ما شفت إنسانة تحبك بكل تناقضاتك؟
                      عبدالعزيز: أنت
                      رتيل تضرب صدره بكفيها ليبتعد وهي تنظر للطريق ببكاء رتيله " ناي " : سادي يا عزيز ما عرفت تكون أعمق من كذا!
                      عبدالعزيز من خلفها وظهرها يلاصق صدره: إلا عرفت! . . وش نسوي يا رتيل؟ حياتنا ما عادت لنا! إحنا فقارى اللقا كان غنانا بالفراق!! شايفة وش كثر إحنا مترفين؟ قدرنا حتى نقول مع السلامة لبعض . . كم شخص في العالم يودع صاحبه بدون ما يقدر ينطق كلمة! إحنا قدرنا بس ما قدرنا نقول . . .
                      رتيل ببحة الوجع تنظر لشفتيه المؤذية : ما تقدر! ما تقدر تتنازل وتقولها! . .
                      عبدالعزيز بحشرجة قلبه : ان عذابها كان غراما . . وأنت عذابي يا رتيل.
                      إلا الايات القرانية! هي أشد من يوقعني بحزن لا ينضب، هي أكثر الكلمات صدقا وأكثرها بكاء. موجع يا عزيز حتى في إستخدامك للايات، موجع في خذلانك لي، في محاولاتك السيئة بالتصالح مع ذاتك، موجع في إتصالك معي كخط مواز لا نلتقي أبدا ولا نتقاطع معا أبدا ولكن نستطيل بمسافات لا منتهية. ويستمر حالنا بهذه الصورة المذلة! كم يلزمني أن أغني من حناجر الشعراء حتى أخفف وطأة الحزن في صدري، كم يلزمني أن أعالج نفسي منك بقصيدة ناعمة تربت على كتفي كلما ساء بكائي، كم يلزمني من قول يشبه " ليت الذي بيني وبينك عامر و بيني وبين العالمين خراب " حتى أخفف لوعة قلبي!
                      عبدالعزيز بهمس : ولا شيء من أحلامي تحقق! . . وأنا ما عرفت أعيش بدون احلام! . . وتعرفين وش خطورة انه الشخص يعيش بدون أحلام؟ هذا يعني أنه راح يتطرف على قواعد الحياة مثل كل طغاة ومخربين العالم!!!
                      رتيل : تقولي هالكلام عشان تعذبني! . . كيف أكرهك؟ أسألك بالله كيف أكرهك؟
                      عبدالعزيز يشدها من الخلف ليحيط خصرها بذراعيه، شعرت بأن يده تنحفر في بطنها : كيف نغير القدر؟ حاولنا في كل الأسباب لكن ما قدرنا! . .
                      رتيل: وش هي خياراتك من القدر؟
                      عبدالعزيز : الموت.
                      رتيل ببحة الغضب: حقير!
                      عبدالعزيز: أحيانا كنت أقول في نفسي لازم نوقف هالحب! لازم نحط نقطة ما بعدها حياة، وأسهل الطرق أني أكرهك فيني بس ما تصرفت بأي طريقة و نيتي أنك تكرهيني!
                      رتيل شعرت بشحنات في عينيها من حزنها الصاعق: وش كانت نيتك؟
                      عبدالعزيز : اللهم بعد الشهادة والتوحيد إني أحبك.
                      رتيل أصطدم فكيها بصرير مؤذي، أخفضت رأسها لتنهار تماما ببكاء لا ينضب، أنتظرتها كثيرا!! يالله ساعدني! لا قوة لدي لأحتمل هذا الحب، مدني برحمة منك ولطف، كيف يأت الوجع صاخب على هيئة رجل محى الرجال من بعده، كيف يأت الحزن عميقا كعينيه؟ كيف يجيء الحب أسمر الملامح لا يلقى من السعادة سوى " أحبك ".
                      عبدالعزيز : أنا إنسان أتعايش مع الحزن أكثر من الفرح! . .
                      رتيل من بين دمعاتها : ولا جاء في بالي أنه مسألة تركك لي تكون بهالطريقة! . .
                      عبدالعزيز : ولا جاء في بالي يوم أني أرمي المبادىء والاخلاق وأكون شخص عدواني بهالطريقة! . . حطي في بالك هالشي! مثل ما تدين تدان، ماراح أطلقك ولا راح أكمل معك، بنكون تحت سقف واحد عشان أبوك! عشان يحترق قلبه مثل ما حرقني. تصوري كيف بتمر سنة كاملة وأنت تحسين بالوجود واللاوجود؟ تصوري كيف ممكن تعيشين مع ظلك بالرغم من وجودي! تصوري وش كثر ممكن أأذيك! ولا تتصورين أنه فكرة أني أأذيك مسألة تتعلق بأبوك بس! أنا ودي أحترق معك، . . خلينا نموت بطريقة درامية أحسن صح؟
                      إبتسم لها ليكمل بعصبية شدت حباله الصوتية: أفعال الحياة الدرامية مجبورين عليها!
                      رتيل : تحاول تستفزني! ألاعيبك القديمة ما عادت تفيد!
                      عبدالعزيز : ما أحاول أستفزك! أحاول أقولك الحقيقة بطريقة لطيفة! . . وأحلف لك بعظمة الله أن الكل راح يندم!
                      رتيل تحاول أن تفكك يده التي تحاصر جسدها، صرخت: أتركني!!
                      عبدالعزيز شدها بغضب كبير: أكرهيني! سبيني! ادعي علي! سوي اللي تبينه ما فرقت معي، أنا قادر بمزاجي أأسس لي حياة ثانية وما ألتفت لك! بس هالحياة الثانية أنا أبيك تذوقين وجعها
                      رتيل فهمت مقصده بمرارة هائلة : حياة ثانية؟؟ . . تبي تستلذ بعذابي بعدها تتركني! . . . . أثبت لي أنك تخليت عن مبادئك!!
                      عبدالعزيز يتحدث بلهيب بالقرب من إذنها : تخليت عن عبدالعزيز نفسه وصفاته القديمة . . راح أبقى عثرة في حياتك! مستحيل تتجاوزينها ومستحيل تتجاهلينها! أدفعي ثمن حزني لعمرك كله
                      رتيل بصراخ : أتركننننننننني
                      عبدالعزيز بصوته المنتشي بالحمم: كذبوا عليك؟ قالوا لك أنه أمك ما ماتت! . . ما كذبوا! كانوا أصدق ناس للي يحبونهم لكن كانوا أحقر ناس للي حاولوا يحبونهم! . . تذكرين يوم قلت لك أثير ماهي وسيلة! وأني لو أبي أأذيك أقدر أأذيك بدون أثير! وأثير في قلبي أكبر من هالرخص!! . . تذكرين؟ . . هالكلام نفسه أعتبريني أقوله لك اليوم!
                      رتيل: تبيها؟ تبي تروح لها؟ . . يارب ارحمني . .
                      عبدالعزيز: لو ماأبيها ما تزوجتها! . . الفرق بين الحين وقبل، قبل كنت أحس بضميري عليك! لكن الحين أحس تستحقين كل شيء يصير!
                      رتيل بإستفزاز غاضب: ما تقدر تكون قاسي! ما تقدر!
                      عبدالعزيز يؤلمها من بطنها الذي يغرز أصابعه به : كان ممكن أبداها معك بهالكلام وتنقهرين وممكن حتى ماتبكين وبسهل عليك موضوع النسيان والتناسي! لكن أبيك تحسين بفقدك لنفسك! . . شايفة كيف قدرت أخليك تتعلقين فيني بدقايق؟ وشايفة كيف قدرت أضحي فيك بثانية؟ . . قبل شهور كان في بالك أنك رخيصة لي! والحين أنا أعرف إحساسك . . إني أعترف لك بأنك ماراح تكونين في حياتي شي ولا حتى على الهامش! بس أخليك معلقة!! في النهاية لازم الكل يدفع ثمن أخطاءه أنا ماني ملاك أغفر وأسامح بسهولة! . .
                      رتيل ارتخى جسدها بقبضته المنتشية بنيران غضبه، عاد لكلماته الجارحة لكل جزء في قلبي ولكل زاوية في جسدي، عاد لكلماته السيئة الغاضبة، عاد لحزنه الملتوي كأفعى تخنق كل خلية في، عاد لعزيز الذي عرفته أول مرة، مؤذي أن أشعر بإندفاع عاطفتي نحوك في وقت كنت تستدرجني به! كم لزمك من الخبث حتى تفكر بهذه الصورة الحادة! كم لزمك من اللاشعور حتى تقتلني هكذا! . . أكرهك جدا بقدر ما أنا أكذب بها، يالله أنزعه من قلبي المنمش به.
                      عبدالعزيز يبعد يديه ليفتح باب السيارة: هالطريق بح!!!
                      رتيل شدت على شفتها السفلية المبللة : أهنتني كثير! بس مثل هالإهانة . . متأكدة ما راح أشوف!
                      عبدالعزيز بخفوت : الشكوى لله . .
                      رتيل بغضبها الثائر : تحسب أنك انتقمت لنفسك! وأنك رجال وأنك قدرت تجرحني! . . أرضيت نفسك بأني أعترفت لك! وأرضيتني مؤقتا بأنك أعترفت لي! عشان تقلب كل شي علي . . حقير وماجبت شي جديد . . .
                      عبدالعزيز بإبتسامة تخفي هيجان وبراكين: يشرفني هالشي دامه بيسعدني بالنهاية!

                      يتبع

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...