رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي/ كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • *مزون شمر*
    عضو مؤسس
    • Nov 2006
    • 18994

    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

    ،

    خلخل أصابعه بحبال الحزام المرتبط بخصره ويده على هاتفه الذي يهيج بأنفاسه المضطربة : كيف؟ . .
    : هالكلام وصلني الساعة 7 الصباح! . . أظن سليمان راح يضر فارس بدون شك! . . لكن المشكلة هو أنت!
    سلطان توترت أصابعه ليترك الحزام دون أن يحاول فتحه : الحي مراقب! أنا اهم شي عندي بيتي!!
    : كثفنا جهودنا الأمنية، لكن بالنهاية . . انت عارف الحال! سبق ودخلوا البيت وكسروه
    سلطان شحب لونه بفوران دماءه : لو صار شي لأهلي ماراح يحصل لأحد طيب! مفهوم؟
    : مفهوم طال عمرك لكن احنا سوينا اللي علينا! وش ودك نسوي أكثر وإحنا مستعدين؟
    سلطان : ما شفتوا أثر أحد لما أحترقت المزرعة؟
    : لا . . بس الجانب الخلفي اللي احترق ولا أحد من العمال شاف شي!
    سلطان تنهد بهواء يضيق بإنحداراته في جوفه : طيب . . بس يصير شي ثاني بلغني!
    : أبشر . .
    أغلقه ليسقط الهاتف من يده بحركة الحبال التي أنسحبت للخلف، جره الحبل لإرتطام رأسه بعامود قاس حارق، أخفض رأسه ليتقيأ الدماء، شعر أنه يغيب كليا عن العالم الذي حوله.
    لا عيناي ترى الإنعاكسات بإتجاه سليم ولا أنا أرى شيئا بمكانه الصحيح، أختنق يالله بغصات متكاثرة على حافة قلبي، لا تترك لي فرصة المرور سهلة ولا تترك لي فرصة الرجوع سهلة، إني عالق! . . " ثارت دماءه لتعتلي الحمرة عينيه، حاول أن يفتح الحزام ولا جدوى، أختنق وهو يشتد اكثر حول بطنه حتى شعر بغثيان مؤلم والدماء تنزف بعمق من رأسه، حاول أن ينادي، أن يصرخ ولكن بلع صوته بحرقة الدماء الثائرة، طريقة وحدة بأن يفتح الحبل الاول ولحظتها سيصعد به للاعلى وفرصة أن يرتطم بإحدى الأبراج الشاهقة كبيرة "
    كانوا كثير يالله الذين فقدوا حياتهم بهذه الصورة المفجعة، لا تجعلني منهم! يا رب . . يارب . . يارب أسألك ثلاثا.
    تقيأ مرة أخرى وهو يضع يده المرتخية على الحبل، كل شيء يخذله حتى قوته.
    ثانية، لحظة ولحظتين، عد في داخله وهو يدرك تماما لو فقد وعيه الان سيذهب لموت شنيع ويفقد قدرته على التحكم بالحبال المرتبطة به.
    مرت في باله بصورة موجعة، مرت بملامحها الباذخة، بكلماتها الناعمة، بربكة شفتيها وحمرة خجلها، مرت بصوتها الندي، مرت بألم.
    فاتنا أن نعيش! أن نخيط لنا من الأرض قطعة من اجلنا، فاتنا أن نحيا بلا ألم. يا مرورك المر في ذاكرتي، ويا حزني الذي تشي به عيناي.
    عاد بخطاه الذابلة للخلف وهو يحاول أن يسحب الحبل للجهة الأخرى، مسك القطع الحديدية الحادة الخارجة من الحزام، حاول أن يبعد إحداهما بلا حول ولا قوة.
    في جهة أخرى خرج من المصعد متجها لأحمد : سلطان جاء ؟
    أحمد : إيه وسأل عنك!
    عبدالرحمن : بمكتبه ؟
    أحمد : لا طلع للساحة!
    عبدالرحمن عاد بخطواته للمصعد ولكن سرعان ما أبتعد : بس يخلص تدريب خله يمرني . . وإتجه نحو مكتبه.
    سلطان تحت حرارة الشمس التي تغلي دماءه النازفة، يسعل ببحة مؤلمة دون أن يخرج صوته، يرى الموت بعينين يغيب نصفها ونصفها ينظر بوجع.
    سقطت عيناه للدائرة الكهربائية المكشوفة، على بعد خطوات لو يقترب منها سيحترق لا محالة. تمر الدقائق وهو يتحامل على وجعه حتى لا يغيب وعيه. كل الأشياء السيئة التي فعلها تعبره، يشعر بأن الموت يداهمه بصورة فجائية.
    كل الاشياء تتعلق بالجوهرة وحدها، تصبب عرقه مبللا وجهه الذي يختفي اللون منه، الموت الذي نعرفه جيدا لا يتعامل معا بشكل جيد، سكرات الموت الذي نسمعها دائما تأت أحيانا على هيئة كلمات. أنا أحتضر وأخشى على شخص واحد.
    من أعلى وقف أمام النافذة تغرق عينيه بهذه المملكة الأمنية العملاقة، أنتبه لسلطان، غرقت عيناه حتى شدته الدماء، نظر للحبل الملتوي حوله، أدرك أنه يختنق. بخطى سريعة خرج ليهرول مفاجئا الجميع، نزل للأسفل بالسلالم دون أن ينتظر المصعد، ركض إليه، حاول أن يفك الحزام الذي يحاصره، رفع عينه لسلطان الذي أغمي عليه تماما.
    عبدالرحمن وضع يده على عنقه ليستشعر نبضه، بصراخ: سلطان . .
    أبعد أنظاره لتأت صرخته بعظمة مكانته في صدره، يستجدي أحد يأت يساعده.
    نظر إليه برجاء كبير وهو يحاول أن يبعد الحبال عنه، وجهه لا يبشر بالخير من الدماء التي لم تتدفق إليه بعد : سلطان . .
    وضع يده على رأسه ليلامس الدماء، نظر بدهشة لكفه من منظر الدماء، بصوت يموت تدريجيا : لا يا سلطان! . . لا . .
    صرخ بقوة : أطلبوا الإسعاف! . .
    خرج بعض الموظفين على صوته لتندهش أعينهم بما يرون، كأنها محاولة إنتحار لا يرونها إلا بالأفلام السينمائية.
    عبدالرحمن ويده لا تفارق عنقه الشاحب : يارب . . يارب . . وضع يده الأخرى المنتشية بدماءه على وجهه دون أن يهتم بأي بلل.
    أقترب أحمد ليحاول نزع الحبال عنه، بتوتر : كيف متشباكة ؟
    عبدالرحمن بربكة عميقة : جيب أي شي نقطعه
    أحمد : مستحيل! الحبال ما تتقطع بسهولة! . . لحظة . . مفروض هالحبل يكون بالجهة الثانية!
    عبدالرحمن يحاول رفع رأس سلطان الذي بدأ بأكمله هو وجسده يذبلان معا وبغضب : وين الإسعاف!!!
    أحمد : دقيقتين بالكثير وهم هنا . . بس عشان نلحق . . . . .
    أتى مسفر المسؤول الاخر عن هذه الساحة : مافيه حل غير نحرق الحبل عشان يرتخي ونفكه!
    عبدالرحمن : جيب كبريت !
    أحمد وقف أمام جسد سلطان حتى لا تتسلل النار إليه.
    عبدالرحمن وضع ذراعه بجانب رأسه أيضا حتى لا تقارب النار إليه، أقترب مسفر ليشعل النار بمنتصف الحبل وسرعان ما أطفأها، أخرج السكين الحادة من جيبه ليقطع بها الحبل اللين بعد الحرق، بمجرد ما قطع اخر أوتار الحبل حتى سقط على الأرض، جلس عبدالرحمن على ركبتيه ليرفع رأسه من الأرض الحارقة : نبضه ينخفض!!!
    أحمد أنحنى الاخر ليجري أول ما تعلمه في حياته، شبك كفيه ببعضهما البعض ليضعها فوق قلب سلطان، بقوة ضغطه حاول أن يعيد نبضه لإتزانه، حاول مرة ومرتين وثلاثة ولا يحصل شيء سوى الدماء التي تخرج من فمه.
    عبدالرحمن يشعر بأن قلبه يقارب على التوقف من منظر سلطان، لا يتحمل فاجعة جديدة! أؤمن والله أن المصائب لا تأت فرادى، يارب يارب يارب أحفظه.
    أحمد برهبة : نبضه متوقف!!!
    عبدالرحمن أشتعلت عيناه بالحمرة : لا . . أبعد . . وضع رأسه على صدره ولا شيء يسمعه! وهذه " اللاشيء " تعني موت لا يصطبر عليه.
    عبدالرحمن بنبرة متحشرجة : وين الإسعاف؟ . . ويننننهم
    أحمد بتوتر وقف وهو يشعر بأن العالم يدور به، خسارة سلطان تعني خسارة دولة بأكملها، من بعد سلطان العيد و عبدالله القايد و مقرن و الان ؟ هذا ما لا طاقة لنا به.
    موته مخطط! هذه الحبال المتشابكة ليست صدفة! ورب البيت ليست صدفة، إنما مفتعلة من أحدهم.
    دقائق عميقة حتى دخل رجال الإسعاف، وقف عبدالرحمن ملطخا بدماءه يحاول أن يصدق عكس ما تشير إليه صورته، وضعوا جسده الذابل على سرير الإسعاف المتحرك وخرجوا به دون أن يقولوا شيئا يطمئننا، إتجه نحو المغاسل ليغسل يديه و وجهه، توضأ بثواني ممتدة بتفكير غائب تماما. أحاول أن لا أفكر بأسوأ الأشياء ولكن تأت بغتة.
    خرج متجها للغرفة المنزوية، نزع حذاءه، شعر بأن قواه تنهار فعليا ليسجد قبل كل شيء، إلتصق جبينه على سجادة الصلاة بملامح صبرت عمرا وفي أرذل هذا العمر فقد قواه و صبره، لا يحتمل الموت الذي يحمل نعش الذكريات على الدوام! لا يحتمل أن تنتهي حياة أحد بصورة مؤذية.
    سالت دمعته التي تصطدم بالسجادة، يارب الناس والحياة، يارب الموت والنهايات، يارب الأمن والأمان ، يارب قلبه لا ترينا به مكروها، أعد له نبضه وحياته ولا تحملنا فوق طاقتنا بفقده، يارب أنت تعلم بحاجتنا إليه بعدك، يارب أنت تعلم بوجع عائلته فلا تتركنا نبكيه، يارب أرزقنا النفس المؤمنة بقضاءك وقدرك. يارب إنه لا يعجز عنك شيئا ولا يخيب من سألك.

    ،

    دخل مشمئز من الملامح التي يراها، يشتد بغضه لهذه الأعين التي تلاحق ظلاله، فتح الباب لينظر لوالده : السلام عليكم
    رائد بهدوء دون أن يرفع عينه : وعليكم السلام
    فارس تقدم نحوه لينحني ويقبل رأسه : وش صاير ؟
    رائد يرفع رأسه ليسند ظهره على الكرسي : أنت اللي قولي وش صاير ؟
    فارس : مافهمت!!
    رائد يلوي فمه يمنة : فارس لا تستفز أعصابي
    فارس : والله مو فاهم
    رائد وقف بغضب : وش مخبي عني؟
    فارس : ولا ش
    لم يكمل من والده الذي دفعه بإتجاه الجدار، أحاط رقبته بكفيه الحادتين، بغضب يضغط على أسنانه : وش مخبي عني؟
    فارس يختنق بقبضة يده، تركه لينحني بسعاله الضيق، رفع عيناه بهيجان مالح : قلت لك ما أعرف شي!!!
    رائد : طيب!! . . وين عبير؟ تركتها وين؟
    فارس : كلامك معي مو معها
    رائد بصراخ : فارس!! . . لو تموت قدامي ما كملت معها!
    فارس : ماراح أموت قدامك! وبكمل معها
    رائد يصفعه بقوة ليشده من ياقته : لا تعاندني!
    فارس نزفت شفته بالدماء الثائرة : سم وأبشر بكل شيء عدا عبير
    رائد يدفعه ليضرب رأسه بالجدار، تجاهل فارس كل ألامه ليردف : هذا اللي طلبتني عشانه؟
    رائد :قلوبهم كلهم بتحترق بما فيهم عبير!!
    فارس تنهد وهو يمسح دماءه بطرف كمه : واضح يا يبه أنك بديت تنسى كثير! عبير هي أنا لو ضريتها بتضرني! عاد إذا يطاوعك قلبك تضر ولدك فهذا شي ثاني
    رائد : أتركها زي الكلاب! وأبشر بكل اللي تبيه
    فارس : لا
    رائد بعصبية هائلة : أتركها يا فارس لا تخليني أوجع قلبك فيها!!!
    فارس : مستحييل
    رائد : إذا تركتها وعد ما يجيها شي
    فارس ثارت أعصابه ليردف : تحاول تجبرني أني أتركها!!
    رائد : أقسم لك بالله لو تركتها ما أخلي ظل يسيء لها
    فارس : يبه لا تسوي فيني كذا!!
    رائد : أتركها! . . أتركها وأوعدك ما راح يضرها شي! لو تحبها صدق أتركها
    فارس مسح على وجهه وعينيه تشتد بحمرتها : اللي تسويه في ولدك حرام! خله يعيش ولو مرة
    رائد بخفوت : سليمان راح يذبحك معها! أنا قاعد أحميك
    فارس بضعف الحب الذي دائما ما يستمد قوته منه : بس احبها! مقدر . . روحي معها
    رائد بحنية لا يبددها الزمن، يقترب منه ليمسح دماءه بكفه : أنا احاول ألقى منفذ عشان أورط سليمان مع اسلي . . لكن ماراح أضمن أنه ماراح يجيك شي! . . فارس أحلف لك بالله أنه هالمرة مالي مصلحة في هالموضوع! أبيك تتركها عشانك
    فارس : مقدر
    رائد : إلا بتقدر! . . بكرا تنسى عبير وطوايف عبير!
    فارس : مقدر لا تطلب مني شي فوق طاقتي!!
    رائد : فارس! لا تجبرني أستخدم القوة معك!!!! مثل ما صار هالزواج بتدبيري ينتهي بتدبيري بعد! ولا تتوقع أنه عبدالرحمن بيجي يوم يرضى فيه عنك!! . . لا أنت تناسبها ولا هي تناسبك! أتركها من الحين قبل لا تدخل في معمعة ما تنتهي على خير!
    فارس عقد حاجبيه : نسيت أمي؟ قلت ما تناسبك؟ تزوجتها وأنتهى زواجكم فيني! ليه تحرمني من شي أنت مقدرت تحرم نفسك منه؟
    رائد بغضب : أنا غير وأنت غير!!! فارس للمرة الالف أقولك أتركها
    فارس وضع يده على رأسه بمحاولة جادة أن لا تنهار خطاه المبعثرة : مستعد أسوي لك أي شي بس أترك عبير لي . .
    رائد : ما ينفع! وجودك معها خطر لك ولها! . .
    لم أترجى في حياتي شيئا كرجائي من أجل عبير : أكيد فيه حل! . .
    رائد للحظة الأولى أدرك عمق الحب في عين إبنه، صمت لثواني من عينيه التي تتوهج بحمرة العشق : يا يبه أسمع كلامي! أصلا طريقة زواجكم مبنية على فشل!!! لا عبدالرحمن راضي ولا أنا! مستحيل أحد يتنازل منا! . . مهما حاولت تطول بالوقت بينك وبين عبير بالنهاية لا أنت لها ولا هي لك
    فارس بجمود ملامحه الغير مصدقة لكل هذه الإتهامات : عبير لي . . سواء رضيتوا أو لا
    رائد : فارس! فارس أفهم أنها ماهي لك! . . أتركها!! تتألم من غيابها أحسن من أنك تتألم من موتها
    فارس : الأعمار بيد الله
    رائد بعصبية : لكن ناخذ بالأسباب! أنا أعرف شغلي زين وأعرف كيف تنتهي فيه الأمور!!! كنت عارف أنك تشتغل من وراي! ورطت نفسك وورطتني معك!!! كان مفروض كل معلومة تعرفها تقولها لي بس شوف نهاية سكوتك وهدوئك! . . فارس بتطلقها وبتتركها أحسن لك وأحسن لها
    تأت الكلمات بصورة قاتلة، بصورة مفجعة اكثر من كونها كلمات، تأت بشكل إنتحاري فوق كل إحتمالاتنا بالحياة.
    فارس : وأنا يبه؟ ما عشت بعمري يوم حلو! طلبتك إلا هي
    رائد صمت طويلا حتى سحبه له وعانقه بإندفاع الحنان في صدره، ذبل جسده بعناق والده الحزين : عشانك وعشانها.
    فارس بضيق يخنق صوته : كم مرة يا يبه أموت في هالحياة؟ كم مرة أتعذب؟ . . خلني بس مرة أعيش!
    رائد بخفوت قريبا من أذنه : فيه أشياء تستصعبها بالبداية وما تتقبلها لكن بعدين تقتنع فيها!
    فارس بحسرة : عبير ماينطبق عليها هالكلام! . . يبه عبير اللي شفت فيها نفسي وحياتي! كيف تقوى تقولي أترك حياتك! مقدر! . . . تكفى يبه!
    رائد يضيق صوته : ماعاد ينفع هالكلام
    فارس يبتعد عن حضنه الفسيح : كيف أتركها ؟ والله أموت
    رائد : بسم الله عليك! . . فارس ما أخبرك ضعيف!! أنت قادر توقف على حيلك بدونها
    فارس : كنت صادق يوم قلت لك نحن قوم إذا أحبوا ماتوا . .
    رائد نظر إليه بنظرات لا منتهية من التيه : كنت صادق!
    فارس يشير لقلبه : هنا الوجع مين يداويه؟
    رائد : أتركه للأيام
    فارس أشاح بنظره ليردف : الأيام داوتك بعد أمي؟
    رائد : إيه
    فارس : تكذب يا يبه! . . تكذب وأنت لهفتك بعيونك كل ما أتصلت
    رائد بحدة : فارس!!!
    فارس بضيق يجلس على حافة النافذة ونظراته ممتلئة بالرجاء : مقدر يا يبه! والله مقدر . . تعرف وش يعني أتركها؟
    رائد بهدوء : حبيت الشخص الغلط! وهذا الحل بالنهاية
    فارس : أوقف مع ولدك ولو مرة! أنصفني
    رائد : وأنا ما عمري وقفت معك؟ أسألك بالله يا فارس تصدق؟ أنا لو اعرف أنه مصلحتك معها كان خليتها معك لكن أنا عارف أنه مصلحتك صفر معها!
    فارس تنهد : طيب
    رائد : بتطلقها؟ بتنهي هالموضوع بكرا ؟
    نظر للسقف بعينيه التي تحمر حبا/عشقا : إن شاء الله
    رائد عقد حاجبيه لينحني بظهره ويقبل رأس إبنه الذي لا يعتلي مكانته أحد بقلبه/بحياته، أحاط يده برأسه : بنتظرك بكرا! لا تتأخر
    فارس أبتعد ليخرج، نزل للأسفل بالسلالم المتأملة لخطاه التائهة.
    ركب سيارته خارجا من الحي الأسوأ على الإطلاق، أبتعد عن المنطقة متجها نحو الفندق، تعبره الدقائق والمطر يهطل بغزارة! لا شيء أخف من المطر ولا شيء أثقل من وجع الماء.

    تعليق

    • *مزون شمر*
      عضو مؤسس
      • Nov 2006
      • 18994

      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

      وصل للفندق ليضع رأسه على مقود السيارة.
      يالله! لا أعرف لمن ألجأ، أخطأت دروبي ولكن لم يأت دربها خاطئا، كانت أكثر الأشياء صدقا في حياتي! يارب أنت تعلم أنني أحببتها بشراهة، بكثافة. أنت تعلم كم كلفني حبها. ولكنني أغرق في أرض تيه، ماذا أطلب من قدري بعدها؟ يارب هي اخر الأحلام وختام الحياة، لا نجمة بعدها أهتدي بها في صحراء الدنيا الواسعة، لا نجمة بعدها تطل من السماء. كموال عراقي يضل يبكينا لسنين طويلة ، كليلة بغدادية مخضبة بالدماء، كنحن يا عبير. استسلم رغما عني! أنا الذي وعدت نفسي أن لا يجيء شيئا يباعد بيننا، ولكن رمش الوعد تكسر! لا شيء يهز الرجل سوى الحب، لا شيء يعبث به أكثر من المرأة، أتراني أبكيك حبا ام بعدا ؟ حد الفضاء موجوع. عن الصبابة،الشغف و الود، عنهم جميعا أنا البكاء الواقف في حنجرة القصائد، وأنا الشطر المكسور في أغنية يتيمة لم ينعشها وزن ولا قافية، لم أكن طاهرا بما يكفي حتى أليق بك ولكنني كنت عاشقا بما يكفي حتى أهتدي إليك.
      تلألأت في محاجره دموع شرقية، تكابر بعزة سمراء ولا تسقط، فقط تضيء عينيه كمصابيح الحوانيت في القرى الفقيرة.
      مثل قلبي الذي توسل الغنى من عينيك ولم يفلح.
      مسح وجهه بكفيه الدافئتين، نزل متجها للداخل بشتات فعلي، ضغط على المصعد الكهربائي.
      من المؤسف أن أشعر بضيق قلبي في لحظة توقعت أن كل الأمور تبسط يدها أمامي، من المؤسف أن تغيبين عني.
      دخل ليضغط على الطابق الثالث، وضع يده على رأسه بمحاولة تخفيف هذا الصداع الذي ينهش خلايا عقله الثائرة بوجه الحياة، . . بوجه الفراق.
      أخرج مفتاحه ليفتح الباب بخفوت، دخل ليبحث بعينيه عنها، تقدم بخطاه لينظر للسرير الذي تستلقي عليها ومن خلفها شعر مبلل بالماء، وقف دون أن يهمس بكلمة ودون أيضا أن تشعر به.
      تعطي الباب ظهرها وهي تتوسد يدها ويدها الأخرى تحركها بخطى موسيقية على الفراش، بصوت ناعم مبحوح يكاد لا يسمع : كيف أقص جذور هواك من الأعماق، علمني! كيف تموت الدمعة في الأحداق علمني! كيف يموت القلب وتنتحر الأشواق .. . صمتت لتغرق عينيها بالنافذة، ضمت يديها ناحية صدرها حتى تخفف رجفة البرد التي تصيبها.
      سحبت وسادة أخرى لتضعها تحت رأسها مما جعلها تلتفت للخلف، شهقت برعب من وقوفه.

      عبير تسارعت أنفاسها بإضطراب كبير، جلست لتبعد شعرها للجهة الأخرى دون أن تجففه من الماء الذي يمتصه.
      نظر للطعام الذي لم يلمس ليردف : ليه ما أكلتي؟
      عبير : مو مشتهية
      فارس : طيب تعالي .. بكلمك بموضوع
      عبير بخطى خافتة وقفت لتجلس أمامه : وشو ؟
      فارس ضاعت عينيه بعينيها، أربكها بنظراته حتى شتتها بعيدا عنه : بس يجي أبوك باريس! راح ترجعين معاه
      عبير إبتسمت بسعادة لا تستطيع أن تخبئها : متى راح يجي ؟
      فارس يختنق بإبتسامتها الفسيحة : بالضبط ما أدري! ممكن هاليومين
      عبير : اتصل عليك ولا كيف ؟
      فارس : لا . . بس أنا فكرت وشفت أنه طريقة الزواج غلط وبالنهاية لازم تتصلح!
      عبير توترت لتتلاشى إبتسامتها الناعمة : أكيد لازم تتصلح!!! لأن مافيه زواج بالغصب
      فارس : ممكن أسألك سؤال واعتبريه اخر ما بيني وبينك
      عبير بربكة وضعت يدها على نحرها : تفضل
      فارس : مين اللي كنتي تقصدينه بكتاباتك؟
      عبير بلعت ريقها لتردف : محد
      فارس : فيني فضول أعرف مين كنتي تحبين في مراهقتك؟
      عبير أحمرت ملامحها البيضاء لتقف : ما يخصك!
      فارس ظهرت غيرته في عينيه التي تحرقها بنظراته : لهدرجة الجواب صعب؟
      عبير بغضب : مالك علاقة فيني ولا بمين حبيت ولا كرهت!!
      فارس يقف ليروض غضبها بوقوفه المهيب لقلبها : خليك لطيفة شوي على الاقل في هالأيام الأخيرة
      عبير عقدت حاجبيها وبنبرة متذبذبة : وش تبغى توصله؟
      فارس يدخل يداه في جيوب بنطاله : ولا شي! وش بيكون مثلا؟
      عبير تنهدت بنظرات غاضبة : طيب . . حاولت أن تتجاوزه لتتجه نحو الأريكة الأخرى ولكن وقف أمامها ومن خلفها الطاولة الزجاجية
      رفعت عينها بتنهيدة : أستغفر الله
      فارس إبتسم : بمقابل أني راح أسلمك لأبوك لازم نتفق على شروط معينة
      عبير فهمت مقصده من خبث إبتسامته : إبعد عن وجهي
      فارس : أول نتفق! كلها يومين مو لهدرجة ماتقدرين تتحملين عشان أبوك!
      عبير : وش تبي ؟
      فارس إقترب خطوة لتتراجع عبير خطوتين وترتطم أقدامها طرف الطاولة، إلتوى ساقها حتى سقطت على ظهرها، تناثر الزجاج حولها من سقوط لم تتوقعه في وسط طاولة زجاجية خفيفة.
      فارس بخطى سريعة إنحنى عليها : لا تتحركين . . . جلس بجانبها ليبعد الزجاج الذي التصق ببلوزتها.
      عبير بغضب أحمرت به عيناها المنتشية بالدمع :كله منك! . . . لا تلمسني . . أبعد . .
      فارس بعصبية وضع يده على فمها ليسكتها وهو يبعد بيده الأخرى قطع الزجاج المتناثرة حولها ليردف : أنا لو أبي أضرك كان ضريتك من أول يوم! فما له داعي تخافين مني في كل حركة أتحركها!!
      عبير بغضب رفعت رأسها ومازالت يده تكتم فمها، عضته بشدة حتى أبعدها. فارس نظر إليها بدهشة : عنيفة!!!! . .
      عبير : ولا تحاول تقرب لي بخطوة
      فارس تنهد وهو يشير إليها بالسبابة : لا تنسين أنك لوحدك! حطي هالشي في بالك قبل لا تخسريني بعد
      عبير أشاحت أنظارها بعيدا وهي تمدد بأكمام بلوزتها حتى تغطي كفيها، شعرت بدوار إثر هذا السقوط، فارس : ما سمعتي الشروط ؟
      عبير تنهدت : وش ؟
      فارس : كوني زوجتي ليوم واحد.
      نظرت إليه بدهشة ومحاجرها المحمرة تتسع، خفتت أنفاسها المضطربة، لم يبقى هواء تسحبه لصدرها، هم هم لا يتغيرون! مثل التفكير ومثل التصرفات! مثل الدناءة!
      فارس : لا يروح فكرك بعيد!!! أقصد تصرفي كزوجة بدل هالحدة بنظراتك
      عبير أخذت نفس عميق وكأنها استردت الحياة للتو، أغمضت عينيها لثواني طويلة حتى فتحتها، يسحبني بلحظات سريعة نحوه، يوقعني بتفكيره بعمق شخصيته، يتصرف بطريقة تثير حواسي التي تتشبث به كمحاولة أخيرة للخلاص : تبيني أمثل أني مرتاحة معك!
      فارس : لا تمثلين! تصرفي بعفوية! عيونك تقول أشياء ولسانك يقول أشياء ثانية
      عبير بغضب : بطل تحلل شخصيتي! . . وقفت وتحتها كومة زجاج، ليرفع فارس عينه وبتلذذ بتحليلها : تحاولين تحسسيني أنه مالي وجود في عالمك وأنك معصبة علي! وأنك متضايقة من وجودك هنا! لكن كل هالأشياء خرافات من عقلك والمشكلة أنك مكذبتها لكن تتصرفين وكأنك مصدقتها
      عبير تجمدت أقدامها من قراءته لها كأنها صفحة واضحة لا تخفي شيئا، أخذت نفس عميق لتردف دون ان تلتفت إليه : والمشكلة انك تصدق خرافاتك!
      فارس وقف ليضع قدمه بين قدميها، أمال قدمه حولها حتى تلوي كاحلها ويرغمها على التمسك به، وضعت يدها على ذراعه حتى تقف بإتزان، بغضب من ألاعيبه : فارس!!!!
      فارس بضحكة يخفف بها لوعة الوداع : يا عيونه
      عبير شعرت بأن دماءها تفور وتغلي، نظرت لعينيه وهي تشتد حمرة من النار ذاتها : لو سمحت!
      فارس : وش أتفقنا؟ تصرفي كزوجة عشان أتركك بأقرب فرصة
      عبير بحدة : والزوج يلوي رجل زوجته ؟
      فارس بإبتسامة هز رأسه بالنفي ليردف : بس ممكن يسويها في حالات مجهولة الأسباب!
      عبير رغما عنها إبتسمت في وقت جاهدت فيه أن تبقى بغضبها، ضحك فارس بخفوت على شفتيها التي تحاول أن تحبس إبتسامتها : بما أنك راح تتصرفين بعقل كزوجة راح نطلع الليلة لمكان قريب . . وأعتبريها الليلة الأولى والأخيرة
      عبير : وين ؟
      فارس : خليها مفاجاة
      عبير : أخاف من مفاجات الناس الغريبة
      فارس بإبتسامة : أنا اسف على محاولاتك السيئة بأنك تجرحيني!
      عبير شعرت بأنها تذوب فعليا، وقلبها يضطرب بنبضاته : ما قصدت أجرحك!
      فارس : مسألة أنك تقولين أني غريب و إلى اخره من كلماتك صدقيني ما تحرك فيني شي! أنا يكفيني عيونك وش تقول!

      ،

      وصلت بعد ساعات طويلة ناعسة لبيتها الذي لم تفقتده كثيرا، كل الذكريات السيئة تتفرع منه بصورة مؤذية لقلبها، أخذت نفس عميق لتنزل من السيارة ومن خلفها والدها.
      : لا تخبين عن أمك شي!
      الجوهرة : إن شاء الله . . وقفت الجوهرة لتترك والدها يدخل أولا إمتثالا للحديث الذي تحفظه منذ نعومة أناملها " لاتسمه باسمه ولاتمش امامه ولاتجلس قبله ".
      عبدالمحسن بصوت عال : السلام عليكم . . دخل إلى الصالة لترفع عينها : وعليكم الس . . نظرت للجوهرة بلهفة . . وعليكم السلام والرحمة . . وش هالمفاجاة الحلوة
      الجوهرة بإبتسامة أنحنت عليها لتقبل رأسها ويدها، جلست بجانبها : بشريني عنك؟
      والدتها : بخير الحمدلله . . انت شلونك؟ وش مسوية؟
      الجوهرة : تمام دام شفتك . . رفعت عينها لريان الذي نزل وبجانبه ريم.
      وقفت بتوتر وحساسية ما بينهما، قبلته بهدوء : شلونك ؟
      ريان بإقتضاب: بخير . . .
      عانقت ريم التي بدأت تعتاد على أجواء هذه العائلة بكافة تناقضاتها بين الصخب والهدوء: منورة الشرقية
      الجوهرة بإبتسامة عميقة : منورة فيكم . . بشريني عنك؟
      ريم : بخير الحمدلله . .
      ريان جلس دون أن ينطق كلمة أخرى، تركنا حزننا للزمن ولم يداوي هذا الزمن خيباتنا.
      الجوهرة توترت من صمت ريان وجمود ملامحه، جلست لتردف : وين أفنان ؟
      ريم : قبل شوي نامت!
      والدتها : زين جيتي! على الأقل تبعدين عن الرياض شوي! خذتك منا
      الجوهرة إبتسمت : محد ياخذني منكم
      ريان ببرود : واضح
      الجوهرة نظرت إليه لتأخذ نفس تخفف الربكة التي اصابتها : انشغلت شوي عن الكل مو بس عنكم!
      ريان : سلطان ماراح يجي ؟
      الجوهرة بلعت ريقها : لا . . مشغول
      عبدالمحسن : بيأذن العصر الحين . . يالله ريان أمش معي . .
      ريان رفع عينه لوالده الذي يشي بكلماته لموضوع ما : إن شاء الله . .
      ريم لاحظت التوتر بينهما لتردف : ليه ما جيتي العرس؟
      الجوهرة : ما أحضر حفلات! بس أتصلت على هيفا . . اللهم يهنيهم يارب
      ريم : امين . .
      والدتها : وشلون عمة سلطان؟
      الجوهرة : ماعليها بخير الحمدلله . .
      ريم وقفت : بروح أشوف الغداء
      أم ريان بإبتسامة : عاد جيتك يالجوهرة بركة! اليوم أول مرة بنذوق طبخ ريم
      ريم بإبتسامة منتشية بالفرح خرجت لتردف الجوهرة : واضح أنها مرتاحة الحمدلله
      أم ريان : إيه الحمدلله . . ما شفتي الأيام اللي فاتت! الله يصلح ريان بس
      الجوهرة بنظرات ممتلئة بالشوق : إيه سولفي لي بعد؟
      والدتها : أبد على حطة يدك ! مافيه شي ينذكر .. أنت اللي سولفي لي؟ شلون سلطان؟
      الجوهرة : عندي لك بشارة
      والدتها بإبتسامة : وشو ؟
      الجوهرة بحمرة ملامحها الناعمة : أنا حامل
      تجمدت ملامحها لتستوعب حتى عانقتها بشدة : يا عين أمك! عساه مبروك
      الجوهرة ضحكت بفرحة عميقة : الله يبارك فيك . .
      والدتها : من متى ؟
      الجوهرة : تو ما صار! بس قلت أقولها لك وجه لوجه!
      والدتها بعينين تضيء بالفرح : وأخيرا بشوفك أم
      لا شيء أطهر من أن يصبح لك حفيدا ينحدر من رحم إبنتك، لا شيء أجمل من هذه الفرحة ولا يضاهيها أيضا، الحياة الناعمة مهما تنازعت وفاض جدلها يبقى الطفل محل وفاق أبدي، والجنين الذي يكبر فيك يالجوهرة يتخذ من قلبي مقعدا.
      الجوهرة وإبتسامتها لا تغيب، نظرت لدموع والدتها المحتبسة لتهيج محاجرها بالملوحة : الحمدلله
      والدتها: يا سعادتي والله . . ياربي لك الحمد والشكر
      الجوهرة : ما ودي أخرب فرحتك عشان كذا بكرا بقولك الخبر السيء
      والدتها عقدت حاجبيها : لا قولي الحين! عسى مو صاير شي كايد؟
      الجوهرة : لا . . بس أنا وسلطان
      والدتها بضيق : لا تجيبين طاري الطلاق!!!
      الجوهرة أخفضت رأسها : وش أسوي يمه! عله خيرة
      والدتها : لا يمه لا توجعين قلبي!! أكيد فيه حل! . . سلطان يدري عن حملك؟
      الجوهرة : لا
      والدتها : حرام عليك! كيف تخبين عنه؟ لو تقولين له كل أمورك تنحل
      الجوهرة برجاء : الله يخليك يمه لا تضغطين علي! ماتدرين الخيرة وينها!
      والدتها بحزن يعبر صوتها : الله يسامحك بس

      يتبع

      تعليق

      • *مزون شمر*
        عضو مؤسس
        • Nov 2006
        • 18994

        رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

        ،

        دخلت للغرفة وعيناها تتأمل بغرق عميق، أشعر وكأنني أدخل متحف من السبيعنات الميلادية، الصور المعلقة بطريقة مذهلة تجذب عيني بلا إنتهاء، و الة الكتابة البدائية تتوسط الطاولة الخشبية، رفعت عينها للثريا الذهبية التي تشبه عصور أوربا المنتشية بالثراء، ألتفتت ناحية المكتبة التي تحبس الكتب بترتيب أنيق، يبدو لوهلة أنها غرفة للتأمل فقط.
        من خلفها : وش رايك؟
        هيفاء بإبتسامة : تجنن . . جميلة مررة
        فيصل اقترب من المكتبة ليردف : أي نوع من القراءة تفضلين؟
        هيفاء تنحنحت بتوتر : ا . . يعني . .
        فيصل : روايات وأدب؟
        هيفاء : إيه
        فيصل : هذي رواية البؤساء! لما كنت في باريس حضرت مسرحيتها . . ماراح تندمين عليها! تعتبر من أشهر الروايات سوو منها أفلام ومسرحيات كثيرة وللحين مشهورة مع أنها من القرن 19 . .
        هيفاء جاهدت أن تظهر إبتسامتها : تحكي عن أيش؟
        فيصل : عن الظلم الإجتماعي في فرنسا بعد سقوط نابليون! . .
        هيفاء ودت لو تخبره بأنها تكره القراءة ولكن ألتزمت صمتها ليردف فيصل : وفيه كتب كثير ممكن تعجبك! متى ما طفشتي أدخلي وأقرأي براحتك
        هيفاء بإعجاب كبير : هالغرفة للتأمل بجد!
        فيصل إبتسم لينظر لريف التي تتمايل بمشيتها حتى تجيء إليه، رفعها : وشلون الحلوة؟
        ريف: كويسة
        فيصل : طيب سلمي على هيفا
        ريف بعفوية مدت يدها الصغيرة. هيفاء بضحكة عانقت كفها : مساء الخير
        ريف ترفع عينها لفيصل لتهمس : وش أقول؟
        فيصل : قولي مساء النور
        ريف بتلعثم حروفها الناعمة : مسا النور
        خرجا من الغرفة، ليأت صوت والدته الهادىء : غيروا ملابسكم على ما احط الغدا
        فيصل ينزل ريف : شوية وأجيك . .
        ريف بإبتسامة : تيب
        فيصل صعد للأعلى لتتبعه هيفاء، فتح لها جناحه لتتأمله بمثل تأملها السابق، يطغى عليه التصاميم القديمة منذ عقود سابقة، إتجهت نظراتها ناحية السرير الذي يطغى بخمرية لونه : هنا غرفة الملابس!
        هيفاء : أوكي . . نزعت عباءتها لترتفع معها بلوزتها أمام أعين فيصل التي لا تفوت لحظة لتأملها، علقت عباءتها وهي تنزل بلوزتها دون أن تنتبه لنظراته، رفعت عينيها لتقع بعينيه، إرتبكت بحمرة تصاعدت لملامحها البيضاء.
        فيصل بسؤال فضولي : ممكن أسألك شي؟
        هيفاء بربكة : إيه
        فيصل : لا تفهمين انها قلة ذوق بس بجد هالسؤال في بالي من زمان
        هيفاء بلعت ريقها : تفضل
        فيصل : في الملكة كنت سمرا كذا على برونز . . والحين بيضا!!
        هيفاء لم تستطع أن تحبس ضحكتها التي أنفجرت بوجهه، شتت نظراتها من ضحكتها الصاخبة
        فيصل بإبتسامة : ترى إذا سؤالي غبي تقدرين ما تجاوبين!
        هيفاء أنطلقت بعفويتها : لا عادي . . بالملكة كنت مسوية تان! ومع الوقت راح ورجع لوني الطبيعي
        فيصل يتفحصها بنظراته من أقدامها حتى رأسها : اها .. طيب خلينا ننزل لا نتأخر على أمي
        هيفاء بإبتسامة شغب ترتسم على محياها : ينفع أقولك شي غبي!
        فيصل وهو ينزل معها للأسفل والإبتسامة لا تفارقه : قولي
        هيفاء : عندي مشكلة مزمنة مع القراءة!
        فيصل ضحك ليلتفت عليها : أجل ليه تجاملين من اليوم؟
        هيفاء : هو يعني بقرا الرواية بما أنك رشحتها لي! بس ماعندي ميول للروايات والقصص
        فيصل : وش ميولك؟
        هيفاء بكذب لا تتردد به : يعني مثلا أحب أقرأ الأشياء الإقتصادية
        فيصل رفع حاجبيه بدهشة : جد؟ ماتوقعتك تحبين الأشياء الإقتصادية والحساب وهالأمور
        هيفاء : على أني أكره المواد العلمية بس أيام الثانوي دخلت علمي عشان الرياضيات
        فيصل بإعجاب كبير بميولها الذي يشترك معها فيه : وليه ما تخصصتي رياضيات أو أي شي يتعلق بالإقتصاد؟
        هيفاء بلعت ريقها لتردف: بصراحة مدري! ناسية أسبابي
        فيصل جلس على طاولة الطعام بمقابلها ليردف لوالدته : تصوري يمه أنه هيفا ميولها يشابه ميولي!
        هيفاء بتوتر : يعني مو مررة
        والدته : تراه فرحان لأن عنده أهم صفة يبيها بشريكة حياته أنها ذكية وتحب شغله
        هيفاء أكتفت بإبتسامة مرتبكة، أدركت أنها تقع بمصيبة كبيرة بسبب كذبها التي حاولت أن تثير إعجابه به.

        ،

        استلقت على السرير لتنظر للسقف بملل بدأت تتأقلم معه وتتعايش معه كصورة روتينية، في جهة أخرى كان واقف أمام والده ومنصور : عاد للأمانة يبه ما جاء في بالي كذبة سنعة إلا أنك مسافر! . .
        منصور : المشكلة ما تعرف تكذب! قبل أمس كانوا في الشركة ينتظرون أبوي
        والده : الله رزقك عقل حمير وأنا أبوك!
        يوسف : مقبولة منك يا بو منصور! . . سبحان الله منصور علاقته طردية من رفعة الضغط
        منصور : حط حرتك فيني!
        يوسف يجلس بمقابل والده : يبه فيه خبر أسود وخبر أبيض . . وش ودك أبدأ فيه؟
        والده : لو الأسود شين بيجيك كف يطيحك شلل كامل
        يوسف بضحكة : بس أنت روق
        والده : قل وأخلص
        يوسف : الخبر الأبيض أني أنا ومنصور وقعنا لك عقد ذهبي
        والده : قالي منصور
        منصور غرق بضحكته على ملامح يوسف من ردة فعل والده الباردة.
        يوسف : واضح اليوم أني متمصخر! . . طيب الخبر الأسود . . اني ألغيت العقد وأسألني السبب قبل كل شي!
        منصور بدهشة : من جدك!
        والده : يا وجه الخيبة بس! . . وراه ؟
        يوسف : بصراحة ما عجبوني ومندوبه واضح أنه يتلاعب فينا! قلت وراه نجيب الغثا لنفسنا وفيه عقود ثانية ممكن نرتاح لها
        والده أغمض عينه ليردف بهدوء : يوسف!
        يوسف : سم
        والده : أنقلع عن وجهي . . أغيب عن الشركة يومين وتلعبون فيها لعب!!
        يوسف وقف: والله أنا بريت ذمتي! الناس ماعجبوني ولا تنسى يبه أنا عندي حاسة سادسة أعرف الحيوانات من عيونهم
        والده : وماعرفت نفسك ؟
        منصور : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههه سو نفسك ميت
        يوسف بإبتسامة يحمر وجهه : معليه معليه يمون الوالد! . . يومين مانيب طالع لكم . . . صعد متجها للأعلى والإبتسامة لا تفارقه.
        دخل غرفته لتسقط عينيه عليها : مساء الخير
        رفعت مهرة ظهرها : مساء النور . .
        يوسف : وش جوك! بتنامين الحين!!!
        مهرة : لا وين يجيني النوم! بس طفشت قلت أفكر
        يوسف يجلس على الأريكة وهو ينزع شماغه : تفكرين بأيش؟
        مهرة : ولا شي محدد . . إتجهت نحوه لتجلس بجانبه : ماراح تاخذ إجازة قريب؟ ودي أروح حايل مشتاقة لأمي
        يوسف : شكلي بدعي على حايل والسبة أنت
        مهرة إبتسمت : لا والله جد يوسف! مافيه إجازة قريب؟
        يوسف : أنتظري بس هالشهر يعدي على خير وبعدها اخذ من إجازتي السنوية ونروح
        مهرة : تمام . . وش فيه وجهك؟ حر برا ؟
        يوسف : وين حر! الرياض بدت تبرد الحين
        مهرة : أجل حرارة جسمك مرتفعة
        يوسف بضحكة إلتفت عليها : لولا البرستيج كان قلت لك
        مهرة إبتسمت : قول . . تراني فضولية ممكن ماأنام لو ما عرفت!
        يوسف : أستغفر الله كنت بقولك شي وقح
        مهرة : يخص؟
        يوسف بسخرية : سواليف الشباب بينهم وبين البعض ما فيها حيا لكن لا جت عند الحريم تصير وقحة مثل سواليفكم تماما . . مو فيه سواليف تنقال بينكم عادي لكن لو وصلت لنا تستحون!
        توترت لترتفع الحمرة من جدار قلبها نحو ملامحها البيضاء، غرق يوسف بضحكته ليردف : ترى ما قصدت شي!
        مهرة أخذت نفس عميق لتردف : أنت تفكيرك غلط مع مرتبة الشرف . .
        يوسف أسند ظهره بإرهاق على الاريكة لينظر إليها بنظرة مربكة : تذكرين لما كنا جالسين هنا في بداية زواجنا
        مهرة : أيام تعيسة ذيك الأيام
        يوسف : خليك من الأيام التعيسة .. ما تتذكرين شي صار هنا؟
        مهرة عقدت حاجبيها بتفكير لثواني طويلة حتى أردفت : لا ... وش صار ؟
        يوسف : تعالي قربي أقولك
        مهرة : ما عاد أثق فيك
        يوسف : قربي
        مهرة بإصرار : لا . . قول من هنا
        يوسف يستعدها بجلسته ليسحبها ويقبلها بالقرب من شفتيها، همس بضحكة : فلاش باك للمشهد

        ،

        بدأت تسير بإجهاد يمينا ويسارا، قلبها ينقبض لدقائق طويلة وينبسط للحظة قصيرة، تشعر بأن ستلد الان من وجعها، الساعات التي تعبرها لا تمر بخفة، كلما أستطال الوقت ولم تأت رتيل يزداد خوفها أكثر وهاتف عبدالرحمن المغلق يزيد من توترها/ربكتها.
        لا تعرف مالوسيلة المثلى بأن تهدأ وتسكن ربكة تفكيرها، تقدمت نحو الباب الأمامي لتفتحه قليلا، من خلفه : نايف!
        أقترب : سمي
        ضي : عبدالعزيز ما قالك وين رايح ؟
        نايف : لا . .بس قريب وراح يرجع تطمني
        ضي : طيب أتصلت على أبو سعود؟
        نايف : لا
        ضي : قاعدة أتصل عليه وما يرد! . . إذا تقدر تتصل على مكتبه وتشوف
        نايف : أبشري . . محتاجة شي ثاني؟
        ضي : لا . . . أسندت ظهرها على الباب بألم المغص الذي يداهمها، يارب رحمتك التي وسعت كل شيء.
        نحن الذين ضللنا السير في حياتنا لا نعرف طريقا أوضح من الله. يارب أشرح صدري ويسر أمري، جلست على الكرسي المتصلب بجسدها، تخشى أن أمرا حدث لعزيز. غضبه الأخير وتصرفاته الغريبة توحي لشيء غريب، من المستحيل أن يؤذي رتيل ولكن مرت ساعات منذ خروجهما!!!

        ،

        وضع قدمه على الطاولة وفوقها قدمه الأخرى لينظر ببرود : طيب؟ وش أسوي؟
        عمر : ا . . ولا شي بس قلت أخبرك أنه عبدالعزيز طلع من المكان بس!
        سليمان : مايهمني! كل اللي يهمني الحين فارس و ناصر! هالإثنين أبيكم تنهون لي موضوعهم بأسرع وقت!
        أسامة : طيب وش صار على اسلي؟ ماراح تقابله؟
        سليمان : خل اسلي على جمب بمخمخ له هاليومين! .. المهم فارس وناصر
        عمر : ناصر عرفنا مكانه بلندن . . ننتظر إشارتك
        سليمان : حمار! . . أنا وش قايل؟ . . هالأمور أستعجلوا لي فيها لا تنتظرون كلمة مني! كم صار لكم سنة ماعرفتوا اسلوبي!!! .. إلتفت لأسامة : قلت لي متى بيجتمع معه؟
        أسامة : بعد بكرا . . هاليوم مصيري لنا كلنا! وأتوقع لو وصل العلم لربعنا بالرياض راح يكون مصيري لهم بعد!
        سليمان ببرود : خل يوصلهم! أهم شي اللي تعبت عليه طول هالشهور يصير!
        أسامة : بس لا تنسى أنه رائد معك وهذا إذا ما دخل بالخط سلطان وبوسعود!!
        سليمان : هاليوم أنتظرته كثيير وحلمت فيه كثيير! بس لازم شوي أكسر رائد بفارس وأكسر سلطان و بوسعود بناصر وعبدالعزيز! . . . . وبتصفى لي الساحة
        أسامة : تقدر بهاليومين تحقق هالشي؟ لأن العد التنازلي بدا يا سليمان أي غلطة مننا ممكن تضيع كل أتعابنا
        سليمان : لا تكثر حكي قلت لك أنا مضبط أموري . . بس لازم فارس وناصر تتصرفون بأمورهم عشان نشغلهم
        أسامة : أبشر 24 ساعة وأنهي لك أمورهم . .

        ،

        هبط الليل بظلمة ينيرها قمر باريس، نظرت للنهر الجاري لتلتفت إليه : وين بنجلس؟
        فارس تقدم بخطواته دون أن يجيب عليها بكلمة ليقترب من حافة النهر أمام القارب الصغير ، إلتفت عليها : تعالي
        عبير مشت بخطى ناعمة نحوه ليمد يده إليها، رفعت حاجبها بتوتر : بنركب القارب؟ ..
        فارس : إيه
        عبير : ا . . كيف؟ ما معانا أحد ممكن يصير
        فارس يقاطعها : تطمني مو صاير شي!
        استغرقت ثواني طويلة حتى وضعت يدها على يده، أرتعش جسدها بلمساته، مدت خطوتها الطويلة لتركب القارب، من خلفها أقترب وجلس ليجدف مبتعدين عن هذا الجانب.
        عبير بربكة قلبها تنظر للمكان الخالي تماما إلا منهما، نظرت إليه بخوف : لا تبعد كثير!!
        فارس : أدل هالمكان . .
        عبير : طيب وقف خلاص أحس بعدنا كثير . .
        فارس ترك المجداف، ليتوسط القارب المضيء بمصباحه وسط النهر الفسيح، نظر إليها بنظرات أشعلت قلبها بربكة عميقة . .

        ،

        بين يديه هاتفه الذي سئم منه، لم يصل لعبدالعزيز ولن يصل ما دامت كل أرقامه لا تعمل، تنهد ليرفع عينه لغادة الجالسة أمامه : تذكري! ممكن قالك كلمة
        غادة : ولا شي! كان ساكت ماعرفت مين . . بس أكيد مو عبدالعزيز لأن الرقم مو مسجل
        ناصر : لازم يعرف عبدالعزيز قبل لا يدري من غيري!!! . . إتصل على اخر رقم ليأت صوت نايف بعد دقائق طويلة : ألو
        ناصر : ألو . . مين معاي؟
        نايف : انت اللي متصل!
        ناصر : أمس أتصل علينا شخص من هالرقم!!
        نايف : أكيد غلطان لأن محد أتصل أمس
        ناصر تنهد : أوك . . مع السلامة . . أغلقه . . محد أتصل!
        قبل أن تجيبه غادة أتى صوت الجرس قاطعا، ناصر وضع أصبعه على شفتيه بإشارة واضحة لغادة أن لا تصدر صوتا، إقترب من الباب لينظر من العين السحرية، تيبست أقدامه للحظات طويلة مع الرنين المتكرر.

        ،

        جلست بمقابله دون أن تهمس بكلمة، غاضبة من هذا المكان ومن وجودها في هذا المكان ومن فكرة أنها تتشارك معها السقف ذاته، تنهدت لتبعد أنظارها للأشياء القريبة، للأثاث المخضب بذوقها.
        عبدالعزيز يشرب الماء دفعة واحدة ليثبت أنظاره بإتجاهها : تفكرين فيها؟
        رتيل بعينيها الحادة : مشكلتك واثق من نفسك كثيير!
        عبدالعزيز بإبتسامة : كان مجرد سؤال! قولي لا وراح أصدقك . . بس واضح أنه ثقتي بمحلها
        رتيل بضيق : لا تكلمني بشي! ماأبي أتناقش معك بأي موضوع
        عبدالعزيز بسخرية : أبشري . . أنت بس امري وش تبين وأنا أسويه لك
        رتيل تكتفت بتنهيدة غاضبة ثائرة.
        عبدالعزيز : تطمني ما راح تجي اليوم! بكرا إن شاء الله تصبحين على وجهها
        رتيل تتجاهل كلماته وحضوره الصاخب في قلبها، لا تريد أن تنظر إليه وتثور أعصابها مرة أخرى.
        عبدالعزيز بإستفزاز يجري بدمه : شاركيني أفكارك! أخفف لك حدة الموقف على الأقل
        رتيل بغضب لم تتمالك أعصابها : تعرف تاكل تبن!!!!!
        عبدالعزيز وقف ليقترب منها، أرتبكت من وقوفه أمامها، بهدوء : علميني كيف اكله؟
        رتيل دون أن ترفع عينها بإتجاهه : عبدالعزيز أبعد عني!
        عبدالعزيز بغضب يضع قدمه فوق قدمها ليضغط بقوة : لسانك أمسكيه زين!!
        رتيل بوجع دفعته لتسحب قدمها للداخل : نذل!!!
        عبدالعزيز جلس بجانبها وعينه على هاتفه يحاول أن يشغله بعد وقت طويلة بمحاولاته الفاشلة : هو كذا بتعصبين يوم ويومين! واخر شي بترضين
        رتيل بحدة : لا تكلمني! مالك علاقة فيني
        عبدالعزيز بإبتسامة يحاول أن يخمد وجعه على غادة بها، لو يصل إليها الان ويروي عيناه : مو أنت اللي تقولين لي لا تتكلم وتكلم!
        رتيل بغضب بدأت عيناها تلمع بالدموع : عبدالعزيز كافي!!
        عبدالعزيز وضع الهاتف على الطاولة بيأس ليلتفت إليها بكامل جسده
        رتيل إلتفتت إليه لتنظر لعينيه الباردة : ممكن توديني غرفة أجلس فيها بعيد عنك!!
        عبدالعزيز أشار لغرفته، وقفت ليسحبها من يدها ويعيدها للجلوس: بس ماراح تجلسين فيها الحين!
        رتيل بحدة : تبيني أقابلك وأسمع كلامك الحلو!!!
        عبدالعزيز : أحسن من الجدران!
        رتيل : الجدارن أبرك لي مية مرة منك
        عبدالعزيز بسخرية لاذعة : سبحان اللي يغير وما يتغير!!
        فهمت قصده، ودت لو تبصق عليه لتشفي حرقتها/غضبها : طيب؟ وش أسوي لك ؟
        عبدالعزيز : أجلسي تأملي معي هالحياة
        رتيل : صدقني محد بيخسر غيرك ومحد بيندم غيرك!!
        عبدالعزيز : جاني تبلد! ما يهمني وش أخسر ولا على أيش أندم!!!
        رتيل زفرت غضبها، ما عادت تحتمل ربكة وجوده و كلماته المؤذية.
        عبدالعزيز : كنت تحسين بالرخص قبل شهور! والحين؟ أفهم إحساسك تماما
        رتيل بعصبية ثارت كل أعصابها : وتذكر وش قلت لك وقتها! المشكلة مو إني رخيصة المشكلة إني ما لقيت رجال . .
        عبدالعزيز إلتفت عليها ليسحب ساقها بقدمه ويجعلها رغما عنها تستلقي على الأريكة، سحبها بشدة غضبه الذي ثار كبراكين متصاعدة . .

        ،

        بحزن عميق سارعت خطاها المبعثرة، لتنظر لعبدالرحمن الذي تحفظه جيدا : وينه ؟
        عبدالرحمن بحرج : تفضلي من هنا . . دخلت حصة لترى ملامحه الشاحبة الذابلة كليا، ورأسه يلفه الشاش الأبيض، جلست بجانبه ليبتسم لها يجاهد أن لا يخيفها . .
        حصة بغضب وعينيها تجهش بالبكاء : هذي ضربة بسيطة!!
        سلطان ببحة التعب : الحمدلله على كل حال
        حصة تمسح على رأسه : شوف كيف وجهك تعبان؟ ما بقى جهة في جسمك ما طحت عليها!!
        سلطان تنهد ليسعل بوجع، رفع عينه إليها : ليه تعبتي نفسك وجيتي؟ أصلا بيطلعوني بعد شوي
        حصة : مو شايفني أصغر عيالك اللي تضحك عليهم!!!
        سلطان بجدية : والله كنت بطلع
        حصة بتوسل عينيها الباكيتين : يا روحي لا تسوي في نفسك كذا . . خاف ربك في نفسك
        سلطان بضيق : حادث ومر على خير . .لا تفكرين بشي ثاني
        حصة : حادث وحادثين وثلاث . . مو كل مرة بتسلم!!
        سلطان شتت نظراته بعيدا ليأت سؤاله الثقيل على نفسه : الجوهرة راحت ؟
        حصة : إيه . . كنت أنتظرك عشان أعطيك محاضرة تعلمك أنه الله حق بس عقب هالحال وش عاد أقول!
        سلطان بإبتسامة ينظر إليها : ماش الغالية مهيب راضية علينا!
        حصة : سلطان شايف نفسك! شوف كيف الحزن ماليك! المشكلة كل الأمور بإيدك لكن تكابر . . والله حرام اللي تسوونه بنفسكم!!
        سلطان أغمض عينيه : بغمضة عين ممكن أخسر حياتي! . . اليوم للمرة المدري كم حسيت بالموت قريب مني! . . تعرفين وش جاء في بالي ؟
        حصة : وش ؟
        سلطان : الجوهرة
        حصة سقطت دمعة ناعمة على خدها : ليه يا سلطان تعذب نفسك وتعذبها معك؟
        سلطان : كنت أفكر فيها بشعور ما عرفت أصنفه! بس مافيه قرار أفضل من هالقرار
        حصة بغضب : إلا فيه! . . تحبون الشقا والغثا وش فيها لو تنازلتوا شوي وكملتوا حياتكم . . هذا وبينكم و. . . صمتت لتشتت نظراتها.
        سلطان : بيننا أيش؟
        حصة : ولا شي
        سلطان عقد حاجبيه : عمتي . .
        حصة : سلطان ماأبغى اتكلم في هالموضوع
        سلطان : أي موضوع ؟
        حصة بضيق : بقولك بس أوعدني ماتقول للجوهرة لين هي تقولك
        سلطان بحدة : وشو ؟
        حصة بلعت ريقها : الجوهرة حامل . .

        .
        .


        أنتهى البارت

        تعليق

        • *مزون شمر*
          عضو مؤسس
          • Nov 2006
          • 18994

          رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
          إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


          رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طيش !
          الجزء (٧٣)




          تجمدت خطى عيناه ناحية حصة، تجمد العالم بأكمله في شرفة محاجره، تصاعدت الحمرة ببخار ضيق لتباعد النظر/البصر عنه، تصاعدت حتى اوشكت على خنقه بدمع متجمد/متيبس.
          لا شعور! أنا أخاف للمرة الأولى بهذه اللذاعة، أنا أخاف بعمق قلب لم يعش الحياة كما ينبغي أن تعاش، أنا أخاف من الأحلام إن أتت، أخاف من فكرة تحقيقها، لأن هذه الحياة لا تناسبي، تروق لي فكرة أن أرى أحلامي تتساقط واحدة تلو الأخرى، قضيت عمري أتأمل كيف لأحلامي أن تنتهي وتختلف بنهاياتها، أراقب كيف لها أن تتبدد وتتلاشى كأنها لم تكن، أراقب كيف تنتهي دون أن تنظر إلي؟ دون أن تعتذر عن العمر الذي قضيته في إنتظارها؟ لا أحد يحترم إنتظاري فكيف أحترم معتقدات هذه الحياة؟ كيف يطلبون مني أن أنسى؟ أن اتجاهل؟ أن أتغاضى؟ كيف يريدون مني أن أحترم هذه الحياة التي لم تحترمني ولا مرة!
          حصة بخوف : سلطان ؟
          سلطان بصوت يضيق وجعا : متى ؟
          حصة : قبل فترة عرفنا
          سلطان زم شفتيه، لينظر بإتجاه مستقيم حاد للجدار الذي أمامه، شعر بأن قلبه يتقيأ حزنا/كمدا، " إلتزم الصمت والسكون " ليس لأني أريد الصمت، ولكن كيف لأبجدية واحدة أن تشرح حزني في هذه اللحظة؟ كيف لها أن تصور بحة قلبي؟ وترسم تقاطيع الأفكار المارة في حنجرة أتخذت لها من الريح صوتا، يالله! هو حلم واحد! كيف له أن يتحقق بهذه الهيئة المؤذية؟ لم أتوقع ولا للحظة أن أهان بأحلامي! أن أكون اخر من يعلم بولادة حلم ابتعد عني طويلا! ليه يا جوهرة سلطانك؟
          حصة سقطت دمعتها بمنظر عينيه القاسية، يكسرها حزن الرجال كيف إن كان سلطان؟ يكسرها أن تنظر لدموعهم المعلقة بين الأهداب؟ يؤلمها أكثر أن ترى الوجع بملامحه حتى وإن حاول إخفاءها، هذه المرة سلطان واضح جدا حد الألم/الحزن/الوجع/الحسرة : كانت راح تعلمك مو قصدها تخبي عنك!
          سلطان دون أن يرمش أو يلتفت، تصلب لتسعر رعشات الدماء المثارة في داخله : عمتي اتركيني لحالي شوي!
          حصة برجاء : لا تسوي في نفسك كذا! واللي يرحم والديك يا سلطان
          سلطان إلتفت عليها بحدة تقيم الثورات بدماءه الهائجة بقاع غاضب : ليتني مت ولا سمعت منك هالخبر!
          حصة بكت بلا تردد، سقطت دموعها سقوطا حاد: لا تقول كذا! . . وضعت يدها على كفه الباردة . . سلطان تكفى أبيك تنبسط بهالخبر مو تتضايق!
          سلطان : مسألة إني أتضايق منها هذا أمر تركته للوقت ، ماني متضايق من أحد ولا أنتظر أسف من أحد!
          صعد دمعه القاسي في محجره لتضيء عيناه ببكاء معلق : محد بيعرف ويحس بحجم حزني الحين!
          حصة بضيق تشد على كفه : حاسة فيك . . حملت نفسك فوق طاقتها، خسرت كثيير عشان هالأرض باقي الجوهرة . . لا تخسرها بعد!
          سلطان عقد حاجبيه بتعرجات الضيق في جبينه : الله يعوضني
          حصة : لا سلطان . . لا تكفى . .
          سلطان يهذي بوجعه : مصدوم منها! إذا أنا غلطت وقهرتها في أي شيء فأكيد أنه شي مؤقت هي بتقهرني عمر كامل! . . ردت علي بأكثر شي يوجعني يا حصة!!! . . أنت أكثر وحدة تعرفين وش كثر متشفق على طفل يحمل إسمي! ممكن أستوعب أنها تسوي أي شي بس ماأستوعب أنها تكون لئيمة هالقد! تبي تكسرني بطلاقها! وتكسرني بأني اخر شخص يعرف بحملها . .
          حصة : الجوهرة مو كذا
          سلطان يكمل بروح مخضبة بحزن،أسى، غم، بأس و شجن، يكمل بعبرات ظهرت بعد عمر طويل لم يتجرأ أن يتيح لحزنه فرصة أن يتوسع بتفكيره وقلبه، دائما ما كان يترك البكاء يتغلغل في داخله دون أن تلتفت إليه عيناه ولكن هذه اللحظة كل حواسه تلتفت لقلبه ولحزنه.
          : إلا كذا! لما حاولت أرجع وأصحح معها حياتنا صدت وهي حارمتني حتى من أني أعرف بالموضوع! إذا أنا غلطت ألف مرة هي غلطت مرة وتساوي هالألف كلها! هي اللي تبي الطلاق! وراحت .. سوت اللي براسها وماكلفت نفسها تقولي!! . . ولو ما زل لسانك ما قلتي لي! . . أنت شايفة أنه تصرفها طبيعي؟ ومالي حق أتضايق ؟
          حصة : سلطان . .
          يقاطعها بعصبية : لا تدافعين عنها! . . نبرته تعتلي حتى تبح بوجعها/تعبها . . لا تدافعين! لا توقفين ضدي!!! ماعاد في حيل أصبر على أحد!
          حصة : ماأوقف ضدك يا روحي، ولا راح أوقف ضدك بيوم! أبيك تصحح حياتك! ماراح يجيك اكثر من اللي مضى . . سلطان تجاوز هالموضوع!! تجاوزه عشان خاطر نفسك اللي تبيها
          سلطان : اللي موجعني أنه في حياتي كلها ما هزني شيء، بقيت ثابت مع كل الظروف اللي شفتها واوجعتني، اللي موجعني أنه بعد كل هالأيام والعمر اللي فات . . يهزني حمل الجوهرة!!
          حصة شتت نظراتها، يا رب! كيف ينكسر بهذه الصورة العنيفة لقلبي : سلطان! . . أرجوك
          سلطان : إتركيني . .
          حصة ببلل ملامحها : بس ترتاح راح تفكر صح، . . وقفت . . تصبح على خير
          سلطان بلع صوته كغصة عكرت صفو الكلمات. خرجت حصة ليغمض عينيه ثانيتين وبنصفها الثاني فتحها لتسقط دمعة من عينه اليسرى، دمعة لم يثبط مسارها بأي جهد، تركها للحياة، للثبات الذي عاش به لسنوات مديدة، للإتزان الذي لم يتخلى عنه الا عند الجوهرة، تركها تسقط بحزن إلتم حوله كجماعة توحدت به.
          شدت عروقه حتى بانت في أطراف رقبته وجبينه، أشتعلت عيناه بحزن قبائل وليس فردا واحدا.
          انهارت قواه الداخلية، انهارت بعد حياة كاملة ظهر بها في موقف الرجل الصامد الذي لا يهزه شيء، ولكن هزه خبر! هزه جنين في رحم إمرأة بلغت من قلبه ما لم يبلغ أحدا قبلها.
          مالذي كان يدور في عقلك لحظتها؟ كيف قدر قلبك أن يهزمني بإرتطام مدويا؟ من ينظف مخلفات الحياة التي تعوث في قلبي؟ من يرتب كومة ملامحك في؟ من أنا من هذا كله؟ ألغيت وجودي في لحظة لم أكن أريد فيها إلا أن أثبت نفسي في حياتك! قاسية، أقسى من أن يحتمل أحدا هذا الحزن الذي خلفتيه بصدري!! كل الإناث مهما بلغت عواطفهن الناعمة إن انتقمت الواحدة منهن لا تبق جزء منا صالحا للحياة.
          وضع رأسه على الوسادة البيضاء، أغمض عينيه لتفكير لا يدري ماهيته، لتفكير يشتد مخاضه بعقل بائس، كيف أبتهل بحزني؟ لم أعتاد على إتاحة الحزن بي! لم أعتاد أن يتحدث بصوتي! يا نداء الحزانى في مأذنة أندلسية فقدت إمامها، يا نداء الثكالى في محرقة عراقية يسمع صداها لعقود من زمن ذابل لا يقف على عتبة وقت إلا ليحمل دقائقها ويدفنها، يا ندائي الخافت! بح صدر الحياة ولم يبق بنا صوت.


          ،

          إلتفت عليها ليسحب ساقها بقدمه ويجعلها رغما عنها تستلقي على الأريكة الشاسعة، سحبها من ذراعها بشدة غضبه الذي ثار كبراكين متصاعدة، أشعر وكأن أحدا حشر في حلقي طبقة من النار، بعينين تجلدها بسياط من النظرات اللامنتهية : لا تنتظرين مني أثبت لك رجولتي! لأنك لو كنت شيء له القيمة كان ممكن أبرر لك!!
          ضاقت محاجرها بدمع يغزو البياض حمرة : ومين قال أني أنتظر إثبات رجولتك لي! أنا ما أسألك عن مبرراتك!
          بقسوة تكمل : كلامي كان بصيغة خبرية ! شكك في نفسك ماراح يغير من الموضوع شي . .
          جن جنونه في وقت لا يلتزم عقله بأي تفاوض للإتزان، صفعها بقوة على حافة شفتيها ليسد مجرى الكلمات المتعالية بصخبها : راح تندمين! . . على كل كلمة وعلى كل حرف!
          رتيل بلعت دمعها بحموضته، كابرت بأن لا يهتز رمشها لتردف بحدة : وأنت راح تندم! قلتها بعظمة لسانك إحنا نقدر نتجاوزكم لكن أنتم الرجال أبقوا في جهنمكم!! . .
          عبدالعزيز : كيف بتتجاوزيني؟ خليني أتعلم من خبراتك! . . أردف كلمته الأخيرة بسخرية لاذعة لعدم مقدرتها على تجاوزه طوال الفترة الماضية.
          رتيل ببحة : تحاول تذلني؟ . . وش القلب اللي عليك؟
          عبدالعزيز احترق ببحتها الحادة: تقدرين تحكمين سيطرتك على قلبك؟ . . طبعا لا وأنا كذا يا رتيل!
          رتيل اندلع في عينيها فوج من الدموع لتذبل نبرتها المبحوحة : كذاب! . . قلبك ما يقدر يضايقني بظل كلمة! . . . . . ما أعرفك ولا راح أعرفك! . . غلبني قلبي فيك.
          عبدالعزيز ألان قبضته، بنبرة خافتة : لا تحاولين ولا لمجرد التفكير أنك تضايقيني!! لأن لحظتها ماراح أضمن حياتك!
          رتيل بتحد عينيها وبإصرار الكلمات المتحشرجة على لسانها : و لا تحاول تكسرني! .. طول ما أنا هنا صدقني ماراح تشوف يوم حلو!! . .
          سحبت نفسها لتخرج من بين ذراعيه، وقفت ليقف أمامها، لاصق جسدها بجسده ليحتد صوته : محد يكسر نفسه بنفسه مثلك!!!
          رتيل بقسوة أنثوية : لو تعرف وش الجنون اللي ممكن أسويه إذا حقدت على أحد! لو تعرف بس كيف ممكن أمحيك من حياتي!!
          عبدالعزيز تأمل الصدق/الشفافية التي تبوح بها، أدرك أنها وصلت لأقصى مراحل الحقد والكره : المسألة مو بإيدك! المسألة بإيدي وأنا اللي بحدد وجودك من عدمة بحياتي!
          رتيل أخذت نفس عميق لتثبت عينيها به : ماراح أحبسك فيني وأنتظرك تحن! ولا راح أمنع دموعي من أنها تبكي عليك! راح ابكي لين تنتهي من داخلي! ولحظتها راح تعرف حجم خسارتك لي وراح أعرف كيف ممكن تجي النزوات ثقيلة!!
          عبدالعزيز برزت عروقه بغضب عال، سحبها من ذراعها ليدفع بظهرها على الجدار، أوجعها ليحيط عنقها بقبضة كفه شديدة الحرارة، خنقها حتى شحب لونها بالهواء الذي يطير من رئتيها : مطلوب أخاف منك؟ أو أفكر بأيش ممكن تسوين؟ . . بغضب تعتلي نبرته . . لا تتحدين شخص ما عنده شي يخسره!!!
          رتيل تضع كفيها على كفه لتبعده، شد أكثر حتى أحمرت رقبتها، تركها بعد ثوان حاول أن يسكن بها حدة غضبه بروحها.
          سعلت كثيرا وأصابعه تنقش نفسها حول رقبتها، رفعت عينيها بإتجاهه: هان عليك؟ . . صرخت ببحة . . ليه؟
          جلست على ركبتيها، لم تعد تحتمل الوقوف أكثر وقلبها يضطرب بنبضات لا تعرف إلى أين نهايتها.
          عبدالعزيز عقد حاجبيه ليجلس بجانبها، بخفوت واضح: ممكن أكون متناقض! ممكن أكون لئيم! ممكن أكون كذاب! ممكن أكون أي شي تتخيلينه لكن بخصوصك أنت أبدا . . لكن غصبا عني، مقهور! . . مقهور منهم كلهم
          رتيل بضيق محاجرها المتلألأة: وش ذنبي؟ وش ذنبنا أنا وقلبك من كل هذا؟
          عبدالعزيز : مالكم ذنب . . بس أنا ممتلي ذنوب . .
          رتيل: عزيز
          عبدالعزيز : يا روحه
          رتيل ببكاء يتصبب من نهر مجراه عيناها : سامح! سامح والله بيجبر خاطرك
          عبدالعزيز: أسامح على أنهم بغمضة عين اخطفوا مني أهلي! أسامح على أنهم تركوني أهذي بغادة وهي تشوف نفس السما اللي أشوفها! أسامح على أنهم كذبوا علي بأكثر شي مشتاق له! أسامح على أيش؟ لو تدرين بس مر الوجع اللي فيني؟ لو تحسين بس بقدر أنك تفقدين أحد بفجيعة كذا! لو بس تعرفين أنه كل هذا مو بإيدي!!!
          سار بخطواته نحو الأريكة ليسحب معطفه والهاتف ويخرج، نظرت لمقبض الباب الذي يلتف ويقفل جيدا، وضعت يدها على رقبتها تتحسس الحرارة التي ارتفعت بها، ثوان قليلة حتى يضطرب هدبها وتعود لكنف بكاءها.
          جلست على الكرسي لتخفض رأسها ببكاء عميق، اختر هواك يا عزيز، ومثل ما يشتهي هواك، عسى أن يقطع الطريق قلبا عزه هواه وأذله، إن نصيبي من دنياك حلم، و نصيبك من حلمي وجع، كيف ننتهي؟ كيف نتجاوزك؟ أنا وقلبي! كيف نتشافى منك؟ إني أؤمن بأن الحب الذي يصلني بك محفوف بالخواطر، إني أؤمن أكثر بأن لا بد أن نتغاضى ونتنازل، ولكن لا تشرك إمرأة أخرى معي! لا تشركها ونحن نولد بكيد عظيم.أرجوك يا عزيز! لا تستفز شياطيني الأنثوية بها، أرجوك لا تقتلني بوجودها، لا تقلتني بالنظر إليها، لا تقتلني أكثر وأنا أحبك أكثر وأكثر.
          همست : أرجوك!!

          ،

          تيبست قدماه مع الرنين المتكرر، تجمدت كل خلية متاحة للتفكير، عاد خطوتين للخلف، لا يعرف مالحل المجدي بهذا الأمر، إلتفت عليها، نحن لا نملك القدرة على محاربة الأقدار، كل ما يربطنا بها حفنة صبر. انتهينا! لا مدى يسعنا ولا الأرض تحتمل وجودنا معا، نحن نموت جزء جزء، ننكسر ضلعا تلو ضلعا، نتلاشى كفتات يصعب على الأرض أن تجمعنا، نحن نموت بصورة بطيئة مؤذية، كنت أريد دائما أن تكونين اخر وجه أراه، كنت أدعو الله دائما أن تكونين في الجنة وأصعد إليك، كنت أطمع بحياة أخرى معك في وقت لم تدفع لي هذه الدنيا ما يكافىء حبك، أنت معصمي في هذه الحياة ومنذ غبت لم أفعل شيئا صالحا بيد مستأصلة جذورها! والان؟ لا أعرف أعمق من قول لأودعك به سوى " رديني لعيونك " ، كان حبنا حلم تحقيقه بمتناول اليد، كان حبنا أقوى من أن يطوى، كان ما بيننا أعمق من أن تنسينه يا غادة! أعمق من أن يفلت من ذاكرتك! متنا، متنا منذ زمن بعيد.
          تقدمت إليه بعينين محمرة بدمع يضيق بمحاجرها، همست : مين؟
          ناصر بجمود ملامحه التي تخفي وجعا عظيم : الشرطة
          غادة برجاء يبللها بالدمع : لا تروح! .. سحبت يده لتضغط عليها بوجع . . لا تروح!
          ناصر بصوت خافت يحبس صداه بقلبها : بقولك شي مهم . . .
          أحاط وجهها بيديه ليقربها منه هامسا : فيه شي ما قلته لك أمس، وهو مهم بالنسبة لي
          غادة بعينين متلألأتين، اختلطت أنفاسها بأنفاسه القريبة منه، رمشت لتسقط دمعاتها مرارا، ويهز البكاء غصنه تكرارا
          يكمل تحت رنين الجرس المزعج : تاريخ مستحيل أنساه وأبيك تتذكرينه حتى لو كذب! قولي اتذكره وأحفظيه بقلبك، ١٦ أوقست ٢٠٠٨ اشتركنا بالرسائل المستقبلية اللي تنظمها الجامعة . . كتبنا مع بعض كلام كثير وحطينا تاريخ وصوله بداية عام ٢٠١٣ وقلنا راح نكون مع بعض ومر على زواجنا ٥ سنوات . . كتبنا أحلامنا كلها . . بس نسيت أكتب شي وأبي أقوله لك الحين . .
          اقترب ليقبل جبينها بحب بلغ في قلبه الشيء الكثير والكبير، بحب أصبح عذريا نسبة للنوى والغياب، نسبة لقوم عذرة الذين أبكوا أجيالا من بعدهم، هم الذين بلغوا الهزل والمرض حد الموت من أجل حبهم الذي يحترق من شدة الوجد والصبابة، أغمض عينيه.
          أريد أن أسحب رائحتك يا غادة في، لا أريدك تموتين في داخلي، أريدك حية لذاكرة لم تنساك لحظة ولن تنساك أبدا، أود أن أستنشقك حتى لا يبق من هواء المدينة غيرك، أود أن أتغلغل بك، بكل خلية بجسدي أريدك، لم يهرم حبنا، لم تتحقق أحلامنا معا، نحن الذين وعدنا بعضنا البعض أن نشيخ معا، ولم أرى طفلي يا غادة! لم أراه. لم أأذن بإذنه اليمنى وأقيم باليسرى، لم أغرقه بقبلاتي ولم ينام بحضني، لم نسافر بعيدا ونقيم لحبنا ضحكات هذا العالم بأكمله، لم نفعل أي شيء يا غادة!! يا فردوسي بهذه الدنيا، يا جنتي، يا ضحكة الميلاد ومواعيده. أحبسي نفسك في، لا أطمح لنهايات بالغة السعادة ولكن يالله أريد قربها حتى لو كان وجعا إني راضي بوجعها، إني راضي يا ذو الكرم. إني راضي بإستبدادها وظلمها ما دامت هنا. يا صاحب الجلالة والفضل والقوة أرزق فقير الحظ من لطفك واكرمني بحبها.
          انهارت قواها وذبلت لتتشبث أصابعها بقميصه، غرقت به حد اللاإنتهاء، شدت على صدره لتغطي به وجهها المبلل، استنشقت عطره الذي ينقش بذاكرتها بصلاحية عمر كامل، حبست جسدها بجسده وهي تبك، بكل دمعة هناك رجاء أن لا تذهب، بكل دمعة هناك حزن يمد يده نحوك، بكل دمعة هناك وجد ينساب إليك، بكل دمعة هناك أحبك مشردة.
          ناصر يهمس : اللي نسيت أكتبه . . كنت دايم أسأل نفسي وش فايدتي في هالحياة؟ بعدك حسيت إني مجرد عدد زايد لا أفيد ولا أستفيد . . كنت دايم أقول يارب أرزقني الصبر على أني اتحمل اللي بقى من عمري . . وبس جيتي! طلعتي لي مثل الحلم . . ما كنت أبي أنام أو تغفى عيوني دقيقة، كنت أخاف ما اصحى! ماألقاك جمبي، كنت أبي أستغل كل دقيقة معاك قبل لا ينتهي عمري . . كنت أبيك هنا وبالاخرة وبكل مكان راح أعيشه، ما عدت أسأل ربي عن عمري، انا كنت أحمد الله على كل دقيقة كنت فيها هنا . . قدام عيوني، . . اللي أبيك تفهمينه أنه . . مد الله بعمري عشان أعيشه معاك.
          خرج أنينها موجعا مؤذيا لكل خلية بصدره، سقطت حصونها باخر جملة، إرتخى جسدها وكأن العظام ذابت وتبخرت، شد على ظهرها ليعانقها بكل ما يملك من قوة، دفن ملامحه بعنقها، عاد لأصل الهوى، لعنقها الذي هو المرجع في العشق والشعر، صعد بقبلاته نحو ملامحها ليهمس بالقرب من إذنها : بحفظ قلبي بعد الله.
          ستقرأين يوما عن أحلامنا المشتركة التي أصلها إثنين وكان لا بد أن يجمعنا ثالث يحمل إسمي ويحمل ملامحك، ستقرأين يوما عن الحب الذي غادر ذاكرتك سريعا، ستقرأين يوما عن الحياة التي كانت لابد أن تنصفنا ونجتمع تحت سقفها، ستقرأين يوما عن هذيان رجل كتب لك عن أطفاله الذين لم يأتون و عن حياته التي لم تأت، ستقرأين يوما أنني أحببتك أكثر مما يجب لنفس بشرية، لا تحتمل كل هذا الغرام.
          تركها ليعطيها ظهره، أقسى ما في الوداع الإلتفاتة التي تصعب من أمره، سحب جاكيته ليأخذ نفس عميق وبداخله ردد " اللهم أحفظها " ، فتح الباب ودون أن تتحرك شفتيه بكلمة سحبوه ليقيدوا يديه.
          سقطت على ركبتيها بمجرد ما أن اختفى عن أنظارها، رحل! كيف أدل طريقه بعد الان؟ هل سينتهي أمره بالسجن ثم الموت؟ وأنا؟ . . يا الله أستعيذك من إنكسارات أخرى لقلب أمتلأ بثقوبه/خدوشه. أستعيذك يالله من الوجع أن يقترب من قلبه، لو أن الوقت يستطيل ويتيح لنا فرصة واحدة، فرصة حتى أخبرك بأنني أتحدى هذه الذاكرة والزمان الذي رحل، إنني أتحدى كل شيء من أجلك، من أجل أن أعود لأصلي، أصلي الذي هو قلبك.

          يتبع

          تعليق

          • *مزون شمر*
            عضو مؤسس
            • Nov 2006
            • 18994

            رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

            ،


            لا صوت ينفذ سوى رعشات الماء تحت القارب، ولا ضوء يبرق سوى المصباح الصغير الذي على جانبي القارب، السكون يهبط بسلامه على الهواء الذي يحيطهما والبرودة ترجف ملامحهم وتخرج كبخار أبيض من بين شفتيهما.
            نظر إليها بنظرات أشعلت قلبها بربكة عميقة، شدت على جاكيتها بتجمد من درجة الحرارة المنخفظة، شتت نظراتها خوفا/رهبة.
            فارس وقف ليثير كل خلية في داخلها ويغرقها برعب شديد، رفعت عينيها المرتجفتين لعلوه و هيبته المتسللة بجسد تترجمه حواسه، ثبتت نظراتها لعينيه المرة كالقهوة والحلوة بذات الوقت.
            مالذي تحاول أن تفعله بي يا فارس؟ عيناك لم تكن يوما شيئا عاديا حتى أتجاوزه! عيناك ثقافة كلما رأيتهما شعرت بأني أمية، عيناك موسوعة وأنا لا أحفظ أمامهما إلا لحن إسمك الملتوي على لساني، مالذي تريد أن تصل إليه؟ قلبي؟ أمر أنتهينا منه. عقلي؟وقعنا على إستعمارك له في عقد زواجنا. هذه السماء التي تقف خلفك تضيئني، أم أنت من تضيء لي هذه السماء! أحبك! " كذا ببساطة أحبك ". تتغلغل بي وتتحكم بحواسي، كل شيء يخرج تحت سيطرتي لتسيطر عليه بإستحلال تام، أنا مقيدة تحت شرعيتك، أعمل بقوانينك أهمها ما تمليه علي عينيك، أنت تعلم! والله تعلم كم يبلغ مداك في، تعلم وتثق بذلك مهما حاولت أن أنكر لك وجودك في داخلي. عيناك كارثة! لولا الخوف من الله لعبدتها عبادة، عيناك أمسية لولاها ما خرجت علينا الشمس ولا غربت، عيناك يا فارس! لا أحتملها.
            فارس ابتسم لملامحها حتى بانت أسنانه : وين وصلتي له؟ . . جلس بمقابلها، بقرب شديد حد أن يلامس أقدامه أقدامها.
            عبير أخفضت نظرها دون أن تنظر إليه : أفكر وش بيصير بعدين!
            فارس : وش بيصير؟
            عبير رفعت حاجبها الأيمن : مدري!! وش بتسوي؟
            فارس: عادي! برجع لحياتي القديمة . . مافيه شي تغير
            عبير نظرت إليه بقرب لا طاقة لها به، شتت نظراتها لتردف : كيف حياتك القديمة؟
            فارس: أصحى أقرأ أرسم أكتب وأنام
            عبير : بس؟
            فارس : بس
            عبير بلعت ريقها بصعوبة : كيف كنت تراقبني؟
            فارس بضحكة : كم تعطيني عشان أقولك!
            عبير ثبتت نظراتها عليه : أبي أعرف
            فارس : وأنا أقولك كم تعطيني؟
            عبير : ماعندي شي أعطيك إياه
            فارس إبتسم : إلا عندك
            عبير إبتسمت : أفهم وش تبي بس ماأبي
            فارس غرق بضحكته ليردف : ولا أنا أبي أقول!!
            عبير نظرت لضفة النهر البعيدة لتعيد عينيها نحوه : تحب الغموض في كل أمور حياتك!! حتى معلومة مستخسر تقولها لي.
            فارس: على الأقل ما ما استخسرت أمر واقع ولا أنكرته
            عبير شعرت أن دماءها تجلطت وتجمدت، صمتت لا كلمات تطفو على لسانها، كل شريان يضخ عجزه أمامك.
            فارس بخفوت : على فكرة ماراح تمرضين ولا راح تموتين لو كنت صريحة شوي مع نفسك
            عبير تنهدت : جايبني عشان تستدرجني بالحكي
            فارس : ماأستدرجك على شي ماتبينه! من حقي أعرف
            عبير بحدة : لا مو من حقك
            فارس : عبير! من حقي وأنت أكثر شخص يعرف أنه من حقي!
            عبير : وأنا حرة بأني ماأتكلم
            فارس : أنت عنيدة كذا مع الكل ولا بس معاي ؟
            عبير : ماني عنيدة . .
            فارس: كل شي تنكرينه لو أقولك إسمك عبير بتقولين لا ماني عبير!! بس لمجرد أنك تعانديني!!
            عبير بسخرية : إيه أنا نفسية كذا . .
            قبل أن يتحدث ثبتت نظراتها به لتكمل : تسألني وكأنك توك متعرف علي!!!
            فارس : كذا . . نفسية
            عبير أشتعلت بقهرها لتصمت مشتتة نظراتها، يعرفني أكثر من نفسي ذاتها، يحفظ أدق تفاصيلي وأصغرها، ومع ذلك يحاول أن يسألني وكأنه لا يستطيع أن يستشف الأجوبة من عيني.
            فارس : بردتي؟
            عبير بحدة : إيه خلنا نرجع
            فارس ينزع معطفه ليغطيها دون أن يترك لها مجال للرفض أو القبول، شده ليقرب ملامحها من ملامحه هامسا : خلي عندك أمور وسط وخيارات كثيرة
            عبير اخترق عطره جيوبها الأنفية حتى شعرت بأن رائحته تجري بدماءها جريان الأنهار والسيول، هذا العطر يهزمني بصخبه، على هواك يا فارس ننصب طريقا ونغير جغرافية العالم بإمتداد صوتك/رائحتك : شكرا
            فارس : عفوا يا روحي
            عبير خافت من إستسلامها له بهذه اللحظة، ارتعشت أطرافها بحمرة الخجل التي صبغت ملامحها البيضاء.
            فارس : جزا الله عن صبري الجنة
            عبير ضاقت حنجرتها بتحشرجاتها، بنبرة ضيقة : محد صبر غيري! كنت تعرفني وتعرف اهلي بكبرهم! وأنا حتى أول حرف من إسمك أجهله
            فارس : وتحسبين أنه الوضع كان عاجبني؟ لكن كانت لي أسبابي!
            عبير بإستهزاء : ماأتوقع أنك أول شخص إسمه فارس ولا اخر شخص عشان تخبي علي الإسم
            فارس : المشكلة أنك أكثر إنسانة جدية مع الكل! بس معاي أكثر إنسانة تستهزأ بكل كلمة أقولها
            عبير ابتسمت رغما عنها،" تتحكم بإبتساماتي يا فارس! بكل حركة أصدرها تملك سيطرتك عليها. "
            فارس بضحكة : حي الإبتسامة اللي تطلع بالسنة مرة
            عبير بجدية : لأني مقهورة منك! ماني مستوعبة كيف سنة وأكثر وأنا أشحذ خيالي عشان أخمنك! واخر شي ببرود تبيني أتعايش مع الوضع طبيعي!
            فارس : صححي معلوماتك! ماطلبت هالشي ببرود
            عبير : وش تفرق يعني؟ بالنهاية أنت تعرف وأنا ماأعرف ولا شي
            فارس: تفرق كثير . . احيانا نكون مجبورين على أشياء ما ودنا فيها
            عبير : من أضعف الإيمان أنك تقولي إسمك . .
            صمتت، عادت لكنف السكون، لا قدرة على الكلمات أن تشرح حزنك في اللحظة التي تغص بذات الكلمات، الكلمات التي كانت خلاصك للإنشراح. كم ليلة شحذت بها عقلي حتى يخمنك ويصورك. كم ليلة حاولت أن أرسمك بطريقة أسطورية تليق بصوتك الرجولي الذي هز ما كان وما سيكون، صوتك الذي زلزل قلبي بصخبه. صوتك الذي سمعته مرة وسرقني لعمر بأكمله، و لمحتك لحظة على شارع بمقابل الفندق حتى توسدت تفكيري بعينيك، لمحتك وأنا أدرك فداحة اللمحة الان، فداحتها التي تنتهي بظلال مقبرة يقودها والدك، لمحتك يا فارس وزعزعت أمني.
            فارس: بس هذا ما يمنع إني كنت صادق
            عبير انسابت دمعة تحت ضوء القمر من عينها اليسرى، نظرت إليه بضياء الدمع : تتحمل ضميرك يأنبك ليوم؟ بتضيق الدنيا في عينك وتنام عشان تهرب من هالتأنيب . . كيف تتصور هالضمير لو استمر معك سنة ؟ وأستمر كل دقيقة وكل لحظة!! جربت تغص بالحكي وتحس حتى ضحكتك ما عدت تملكها؟ مافيه شيء ضل على ماهو عليه من لحظة دخولك لحياتي!
            فارس: كل شي له جانب سلبي . . وله جانب إيجابي
            عبير: الحب اللي ما يقويك ما هو حب
            فارس: وش اللي صبرك كل هالفترة؟ مين عطاك هالقوة عشان تخبين على كل اللي حولك ؟
            عبير: الله
            فارس: بعده؟
            عبير بوجع: أنت تضعفني يا فارس!! ماكنت مصدر قوة بالنسبة لي
            فارس: وأنا كنت أبيك، حاولت أمنع نفسي عنك بس مقدرت، ماعندي قوتك اللي خلتك تقطعين بالشهور عني، ماعندي هالصبر اللي يخليني ما أسمع صوتك ولا أشوفك . . ماعندي ولا شي من هذا!! راس مالي بهالحياة قلبك! قلبك اللي هنا . . أشار لصدره.
            عبير بضيق: وهالقوة والصبر على قولتك ما خلتني أبتسم يوم!! ليه بخلت علي بكلمة أتطمن فيها؟ ليه لما شفتك بباريس أول مرة ما قلت لي شي! حسيت . . والله حسيت أنك تعرفني!
            فارس: كنت بوضع مقدر أقولك فيه شي . . . ما اخترت أنا حياتي! ماخترت ولا شيء عشان تحاسبيني عليه.
            عبير بدأت ملامحها بمقاومة البكاء الذي يفيض بها : طيب وأنا؟ خليتني أدعي على نفسي أيام وأكره نفسي شهور! . . . ما يحق لي أتضايق؟
            فارس تنهد : يحق لك تتضايقين! بس إلى متى؟ الحياة ماراح تنتظرك ترضين!
            عبير: تنتظرني؟ تقدر تصبر؟
            فارس صمت قليلا ليردف بكلمة أجهشت عينيها ببكاء عميق : إذا كنت حي
            عبير شدت على شفتها السفلية حتى تقاوم طوفان الدموع الذي يعبث بمحاجرها : ودي أصدقك . . بس لأني عارفة أنك ممكن تنجبر على أشياء ماتبيها! وممكن منها تنجبر على شي يخليك تنساني!
            فارس: الشي اللي ماتملكين سيطرتك عليه محد راح يسيطر عليه، حركاتك تصرفاتك أفعالك كلها أشياء أنت تقررينها وممكن تنجبرين عليها لكن قلبك؟ أنت ماتملكين سيطرتك عليه كيف غيرك يملك سيطرته عليه؟
            عبير رفعت نظراتها للسماء المتوهجة بنجومها البيضاء: اللي سويناه غلط! رضينا ولا مارضينا! تعبانة من هالغلط . . لأنه بحق الله مو بحق أحد ثاني عشان أنساه!!
            فارس: وصححناه، يعني تتوقعين كذا أنه ربي راضي عنك!! أنك تمنعين نفسك عن شي بالحلال؟ الله خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو رسول وقاله لا تحرم على نفسك ما أحله الله لك . . كيف أنت؟
            عبير همست: صلى الله عليه وسلم
            فارس: محد معصوم عن الغلط! كلنا نغلط . . لكن نصحح أغلاطنا . . صح أننا صححنا غلطنا بطريقة أقبح من الغلط نفسه لكن بالنهاية صححناه مهما كانت الطريقة . . ما أطلب منك شي يا عبير، ولا راح أضغط عليك بشي، كان يكفيني أحبك لو يوم بعمري، كان يكفيني أني أعيش معك هاليوم.
            عبير تبللت ملامحها برجفة اطرافها المتجمدة، شدت على معطفه الذي يغطيها: تتنازل؟ تتنازل عني بسهولة؟
            فارس شتت نظراته بعيدا ليصمت لدقائق طويلة، بكل ثانية تسقط دمعة مالحة على خدها المحمر.
            أردف: ما اقول أنت قلبي ولا أنت حياتي ولا أنت جزء مني، ماأقول إنك شيء عادي ممكن أنساه، أنت تقاسميني نفسي، كيف أتنازل عن نفسي؟
            ارتجفت شفتيها، نظرت إليه بدمع يضيء به وبعضه ينسكب، انساب حجابها دون أي ردة فعل لتوقف إنسيابه خلف ظهرها، تركت للريح مجرى أن يتلاعب بشعرها الطويل، تجمد هذا الكون بأكمله ولا رمشة تنقذ الموقف. لحظة صمت عميقة تربط نظراتهما المتقابلة عشقا/شغفا/غراما/حبا. اندفعت الضربات لصدرها الذي يرتفع بعلو ويهبط بذات العلو.
            كيف يأت الإعتراف صريحا هكذا؟ حادا بهذه الصورة! أشعر بحدائق تتحشرج بأوراقها في رئتي، لا خريف يأت يقتلع جذوري ولا ربيع يساعدها على النمو، واقفة بالمنتصف أنا وقلبي. أنت ما كتبت عنه غادة السمان وصدقت، أنت الذي شهدت عليك ولولا عكاز كلماتها لأنكسرت أمامك الان " وإذا أنكرت حبي لك، تشهد أهدابي على نظرة عيني المشتعلة حتى واحتك، وإذا تنصلت منك تشهد يدي اليمنى على اليسرى وأظافري على رسائل جنوني بك، وتشهد أنفاسي ضد رئتي وتمضي دورتي الدموية عكس السير ضد قلبي، وتشهد روحي ضد جسدي وتشهد صورتي في مراياك ضد وجهي، وتشهد الأقمار الطبيعية والإصطناعية ضد صوتي، وحتى يوم أهجرك أو تهجرني، لن أملك إلا التفاتة صبابة صوب زمنك لأشهد أنني أحببتك مرة ومازلت " مازلت يا فارس.
            اقترب أكثر، اغمضت عينيها ليندفع الحلم نحوها كإندفاع الدمع، أحاط يده خلف رأسها ليخلخل أصابعه بشعرها المطل بعتمته، لامست ملامحه السمراء بياضها ولا شهود سوى القمر وبضع نجومه.
            استسلمت بلا أي مقاومة تذكر، من فرط السعادة لا نملك القدرة على رؤيتها، نغمض أعيننا لأن لا قدرة على الواقع أن يرينا ضخامة ما نشعر.
            أغمض عينيه ليمتزج بها حسيا، إني أستودع ثغرك وعودا لا تكتبها سوى القبلات، إني أشهد على شفتيك بغنى وثراء ما قبل التاريخ وما بعده، إني أشهد على إختصار الكون فيك، وكل الكون أنت.
            تعبر الدقائق ولا يلقى لها بال، لم يكن الزمن مرا في أشد اللحظات عمقا، إنما مرارته بالوحدة/العتمة.
            سقط معطفه من على كتفها لتنجرف بأكملها نحوه، وضعت يدها خلف عنقه باللاشعور الذي يقودها، بكل كلمات الحب التي قيلت ومازالت تقال، يكفيني يا فارس أن أحبك لدقيقة وأن أتنفس أنفاسك، وأنا أقاسمك هذا الهواء وهذا الفضاء، يكفيني أن أختلي بك في وسط هذا النهر وليكن أجمل يوم في حياتي، ولا يوم يضاهيه، ألتحم بك بدوافع أعرفها ولا أعرفها، بدوافع لن أسأل نفسي عنها، بدوافع إسمها " أحبك " وكفى، يا لذة الوجع منك! " يا حلوه لا جا منك " أدركت تماما أن وجعي لذيذ ومغري للغرق به، أعني الغرق بك.
            اضطربت أنفاسها بربكة قربه/إلتحامه بها، ابتعد مقدار سنتيمتر واحد عن شفتيها، ليلاصق أنفها أنفه، كيف بقبلة أن يقف هذا الزمن بعيني؟ أن يتلاشى الجميع من عيني لتبقى الحياة أنت وماء عينيك شرابي؟ لن يجيء من بعدك شخصا له القدرة على إلمام الكون في ملامحه ومقابلتي. لن يجيء شخصا يقف ويلتف الكون حوله. من أي الأرحام أتيت حتى تحملي قلبي؟ يالطاعة التي أبذلها كلما تأملتك وقلت " سبحانه من أوجد الفتنة في عينيك ".
            سنفترق يا عبير؟ هذا ما يطفو على سطحنا، ولكن أحبك! " كذا ببساطة أحبك ".
            فتحت عينيها لتنظر إليه بإضطراب الأنفاس المتبادلة، ما مر حلم أو واقع، ما مر مطرا قدره أنت.
            فاضت ملامحها بالحمرة، ولم يبقى بياض سوى عينيها المتلألأة بالدمع.
            همس: مضطر! عشانك وعشاني، ولو بإيدي كان قلت أموت معاك ولا أموت من حياة بدونك، . . اسف
            عبير ببكاء سلك مجراه على ملامحها، همست ببحة : لا تروح!
            فارس صعدت دمعة لعينيه، صعدت بتقيؤ للوجع، أنا الذي ضللت السير طوال حياتي ولم أحب سواك. كتب علينا أن لا نجتمع مهما حاولنا أن نقترب.
            عبير بإستسلام تام يختنق صوتها تدريجيا ببحة لم تبق من لياقة الكلمات شيئا يسمع: فارس
            فارس رفع عينه للسماء: مافيه شي بحياتي مستقر! مافيه إلا أنت.
            عبير: محتاجتك . .
            فارس بألم يتحشرج به صوته : اسف لأني مقدرت أكون زوجك
            عبير أخفضت رأسها ليواسيها شعرها على الجانبين، بكت بلا أي محاولات للصمود، بكت من مرارة البعد والوداع، بكت لأن لا شيء سيكون على ما يرام في يوم سيغيب به فارس.


            ،

            وقف أمام الباب بتعب وجهد استنزفه الجو البارد، ضغط على الجرس كثيرا، تمر اللحظة واللحظة الأخرى ولا يتحرك من مكانه، مازال يضغط على الجرس حتى بدأت ملامحه تحمر بالغضب، طرق الباب بقوة صاخبة، صرخ: ناصر! . . . أدري أنك هنا! أدري أنك بباريس . . ضرب الباب بكفه المتجمدة من البرد. واصل ضربه متجاهلا الشقق التي بجانبه، واصل حرقته التي تصل بضرباته، صرخ حتى بح صوته: ناصر . . ناصر
            هرول إليه حارس العمارة سريعا : أزيز؟ *عزيز*
            إلتفت إليه ليخبره الحارس قبل أن ينطق كلمة: ألم تعلم ماذا حصل؟ قد أغلقته الشرطة وأتى أمر بأن لا يسكن أحدا حتى تنتهي مجريات القضية.
            عبدالعزيز بفرنسية أصبح يبغضها و رغما عنه لا يتخلى عنها : أي قضية؟
            : لا أدري تماما ما حصل ولكنه قتل شخصا وهرب
            عبدالعزيز شعر بأن العالم يدور حوله والحارس العجوز يدور أكثر : من الشخص؟ إمرأة؟
            : لا أدري
            عبدالعزيز بهذيان تذكر صوتها: متى حصلت الحادثة؟
            : قبل أسبوعين أو أكثر
            تنهد براحة وكأنه أمتلك العالم بكف يده: شكرا
            : بوردون
            نزل للشارع ليفكر بأي مكان من الممكن أن يذهب إليه، سار كالعابرين البائسين، يشد الخطوة ويسحب الأخرى والذبول يلحظه المارة. لا تفعل هذا بي يا ناصر!
            تجمدت خطواته ليقف بالمنتصف، و الأصوات تتداخل بمخيلته، حاول أن يستعيذ بالله ويترك هذا الأمر برمته خلف ظهره ولكن لم يستطع، لم يقدر على أن يصفي ذهنه من كل هذا.
            مسك رأسه لينخفض بوجع عميق : يالله ساعدني . . ساعدني يارب يا كريم . . .
            بصداع يفتت خلاياه تنبعث أصواتهم، و صوت هديل الناعم والصاخب يسلب عقله، جلس على عتبات الدرج لينقبض قلبه بشوق لهديل ولضحكة هديل ولروح هديل، يارب!
            رفع عينه لسيارة الأجرة الواقعة أمامه ليقف بتعب ويتجه نحوها : إلى المقبرة.
            : ولكن لا يمكنك دخولها بهذا الوقت.
            عبدالعزيز بحدة : إتجه بي إليها . . .
            : حسنا
            نظر لساعته التي تعبر الفجر بساعاته الأولى، يالله كم يلزمني من وقت حتى أتعايش مع موتكم/فقدكم، يارب أجبر كسر قلبي بفقدهم، يارب يا كريم عوضني بخير من عندك في جناتك.
            مرت نصف ساعة حتى وصل إلى عتمة لا يضيئها شيء، أعطاه أجرته ونزل، نظر لمن حوله، ليتجه نحو الناحية الأخرى، بحث في الأرض عن شيء حاد يدخله بالقفل، حاول أن يدفع الباب ولكن لا جدوى، نظر بنظرات للجانبين حتى تسلق الجدار ورمى نفسه على الأرض بمسافة ليست بالمرتفعة، نفض ملابسه ليسير بخطاه نحو الجهة الأخرى التي يحفظها، بكل خطوة كان يخرج الهواء من رئتيه ولا يعود، بكل خطوة كان يختنق أكثر.
            جلس على ركبتيه أمام قبرها، لا قوة لديه تسعفه أن يقف أمام هذا الألم المفجع.
            " السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون "
            صمت ولا فكرة تدور بباله، ينظر للتراب الذي يرقد فوقها ويفيض قلبه بحزن لا تشرحه الكلمات ولا توازيه المعاني.
            أخفض رأسه لتحمر محاجره بملح الدمع، لا شيء يبكينا بقدر الموت، لو أن الحياة تعود يوما لما فرطت بدقيقة دونكم، لما تركت لحظة تأت وأنتم لستم معي، لما غبت.
            لو أن الحياة تعود يوما يا هديل وأشرح لك عن وجع غيابك،" أشتقت! اشتقت لك كثير. وكيف ألتقيك؟ لو أني أقدر أشوفك أو بس ألمحك! لو بس أملك هالمعجزة اللي تخليني أسمعك. "
            وضع رأسه على الصخرة التي ترمز لقبرها، انسلخ من جلده ولونه وشخصه وكبرياءه وعاد لأصله، أصل البشر بكاء منذ أن خرج من رحم أمه ليواجه هذه الدنيا.
            كل شيء بعدكم يحمل الإفتراضات و " لو " لا شيء حقيقي يسعدني، وأنا والله العظيم لا قدرة لي على الحياة بعدكم. يارب أسألك بكل إسم سميت به نفسك ذكرته في قرانك أو على لسان أحد من خلقك أو أخفيته في علم الغيب عندك لحكمة منك لانعلمها، يارب أرزقني الصبر، يارب أرزقني الصبر، يارب أرزقني الحياة.


            تعليق

            • *مزون شمر*
              عضو مؤسس
              • Nov 2006
              • 18994

              رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

              ،

              الساعة الثامنة صباحا -/ باريس.
              خرج من المطار ليتنفس هواء باردا يدفىء خلاياه المشتاقة لهم، هذه البرودة لا تعني شيئا أمام حرارة الشوق، ولا شيء يعتلي سقف العائلة، لا شيء له القدرة أن يوازي مقدار العائلة، هذا الشتات، شتاتكم تحديدا يعني أن يكسر في داخلي ضلعا تلو ضلع، يارب المم شتاتنا وبعثرتنا.
              إتجه نحو نايف ليسلم عليه بحرارة : الحمدلله على السلامة
              عبدالرحمن : الله يسلمك . . شلونك يابوي؟
              نايف: تمام . . خليت سالم في البيت
              عبدالرحمن : ليه وين عبدالعزيز؟
              نايف: طلع . . خلنا نستعجل قبل لا تمسكنا الزحمة
              عبدالرحمن عقد حاجبيه ليركب السيارة بجانبه، ربط حزام الأمان ليردف : فيه شي صاير؟
              نايف: كل الأمور تمام
              عبدالرحمن : وعبدالعزيز؟
              نايف بتوتر تنحنح : بخير . . حرك السيارة ليأت سؤال عبدالرحمن مزلزلا لكل كذبة يغطي بها ما حدث: هذي سيارتك؟
              نايف: لا . . لسالم
              عبدالرحمن صمت لينظر للطريق المزدهر بخضاره وقلبه يبتهل شوقا لعائلته. تمر الدقيقة تلو الدقيقة ويفيض قلبه شوقا أكثر/أعمق، كل الأفكار تنسحب وتبقى فكرة واحدة " عائلته " . . رتيل، عبير، ضي.
              بعد 45 دقيقة انقضت بطريق طويل نحو البيت الخشبي الذي لم يراه عبدالرحمن مسبقا، ركن سيارته لينزل، سلم على سالم ليلتفت نحو نايف: تقدرون تاخذون إجازة اليوم بكون هنا
              سالم: الحمدلله على سلامتك قبل كل شي
              عبدالرحمن : الله يسلمك من كل شر . . إتجه نحو الباب ليفتحه بخفوت، طل للجهة الأخرى ناحية المطبخ المكشوف على الصالة، نظر لظهرها وهي تتكىء به على الطاولة وتحرك الملعقة وسط الكوب. لم تشعر بخطواته خلفها وتفكيرها غارق حد اللاشعور بشيء اخر وبطنها ينتفخ بشهور أولى، بدأ الحمل يظهر عليها ويزيدها جمالا مهما شحب لونها وانصهر، تبقى الحياة تبث بها لأن بداخلها حياة أخرى.
              : صباح الخير
              إلتفتت بلهفة لنبرة تحتل قلبها، ارتجفت شفتيها لتتجه نحوه بعناق جعلها تقف على أطراف أصابعها، سحبت رائحته بداخلها وهي تستنشق الهواء الذي يعبر عنقه، فاض قلبها ببكاء ممتلىء بالسكينة، فاضت روحها بالشوق وهي تتشبث به كطفلة أضاعت سبيلها، " وجودك بجانبي يكفيني! يكفيني عن هذه الحياة بأكملها، لو تعلم كيف لمزاجية قلبي أن تتبعثر وتصطدم بحدة التفكير لمجرد أنك لست هنا! لو تعلم فقط كيف تتلعثم روحي دونك؟ وأنك الطريق الأوضح على الإطلاق! وأنك صوتي يا عبدالرحمن، صوتي الذي لا يبح أبدا ".
              : اشتقت لك
              عبدالرحمن بإبتسامة: وأنا أكثر . .
              تشبثت به بطريقة تثير كل خلية حانية في جسد عبدالرحمن، لست على ما يرام! لا شيء يسير بخير طالما أنك لست هنا، لا شيء يا عبدالرحمن يسد مكانك.
              شد على ظهرها وهو يشعر ببكاءها الذي يهز قلبه قبل كل شيء: ليه البكي؟ . . ضي!!
              ضي: محنا بخير!!!
              عبدالرحمن يبعدها ليحاصر ملامحها الباكية بكفيه: الحمدلله على كل حال . . كل امورنا راح تتصلح بإذن الكريم . . إلتفت ليبحث بعينيه عن رتيل : . . وين رتيل؟
              ضي بضيق: طلعت مع عبدالعزيز
              عبدالرحمن: متى؟
              ضي: أمس
              عبدالرحمن عقد حاجبيه: كيف ما رجعت؟ وين راحوا؟
              ضي هزت كتفيها باللاأدري : عبدالعزيز مو على بعضه في اليومين اللي راحوا
              عبدالرحمن: رتيل معها جوالها؟
              ضي: لا لما غاب عبدالعزيز اخر مرة أخذه معه وما رجعه
              عبدالرحمن تنهد ليبتعد بخطواته متجها للخارج، اقترب من نايف: وين عبدالعزيز؟
              نايف: قالي بيرجع بس ما رجع وماحبيت أشغل بالك!!
              عبدالرحمن بغضب: كان لازم تعلمني! . . الحين وين نلقاه؟
              نايف: تطمن ماهو عند رائد ولا غيره . . لكن بالضبط مقدرت أوصله
              عبدالرحمن مسح على وجهه بتعب وإرهاق: من وين طلعت لنا هالمصيبة بعد!!!
              نايف: الحين راح أدور عليه داخل باريس يمكن أقدر أوصله،
              عبدالرحمن صمت لتتداخل الأفكار بعقله، تحديدا الأفكار الأشد سوء.
              : ما قالك شي؟ كذا فجأة قالك بطلع
              نايف: لأ . . حصل شي غريب، جاه ظرف ومنعني إني أفتحه، خذاه ومن عقبها انقلب حاله
              عبدالرحمن شتت نظراته لتثبت للغرفة الخارجة عن البيت، أتى صوت نايف منبها: هنا كان ينام
              اقترب بخطواته ليفتح الباب ويدخل، نظر للمكان المبعثر حتى سقطت عيناه على الأرض، على الصور المشتتة.
              انحنى ليأخذها بملامح تشتد غضبا، قرأ الورقة ليعجنها بكفه المنتشي غضبا، تنهد راميا الورقة على الأرض: مجنون!!!!
              جلس على طرف السرير ليضع يده على رأسه، كل الأمور تسوء! ما أن نخرج من مصيبة حتى ندخل في أخرى! ماذا تفعل الان يا عزيز، أعرف تماما ماذا يدور في عقلك هذه اللحظة. يالله أرحمنا!!!


              ،

              يدخن سيجارته ليجلس أمامه بساق ترقد على ساق أخرى: أكرر سؤالي مرة أخرى
              ناصر بتظاهر يتحدث بركاكة إنجليزية : لا أتكلم الفرنسية ولا الإنجليزية
              : يبدو أنك لا تفهمني جيدا! سجلك وافر بشهادات اتقان اللغة . . لذا لا فرصة لك بالكذب
              ناصر: لا أفهمك
              بغضب: اجبني قبل أن اتخذ بحقك عقاب يمنع عنك النوم!!
              ناصر ببرود: لا أفهم شيء
              : حسنا! في حال حكم عليك بالمؤبد قل لهم أنني لا أفهم لغتكم!
              ناصر بإستفزاز : من دواعي سروري
              اقترب منه الضابط ليلكمه على شفته: إياك! إياك أن تستفزني
              ناصر: ما أفهمه من لغتك أنني لست قاتل
              : سأقول لك شيئا وتذكره جيدا . . لن تخرج من هنا إلى لقبرك.
              ناصر سعل من بحة البرد الذي يداهمه : شكرا لمعلومتك
              جلس الضابط الفرنسي خلف مكتبه: هروبك إلى لندن سيكلفك الكثير
              ناصر أسند ظهره متجاهلا صوته البغيض، الضابط: ألا تملك شخصا نتصل به؟
              ناصر: لا
              الضابط: أين والدك؟
              ناصر: ليس هنا!
              الضابط: أنا اسألك أين هو ولا أسألك إن كان هو هنا!
              ناصر تنهد بغضب ليعود لصمته دون أن يجيبه بكلمة، هذه الحياة تتخلى عني للمرة الثالثة، لم أكن أحتاج أن يقف معي أحدا، تشافيت تماما من الخيبات والصدمات التي مازلت أتعرض لها، تشافيت من النهاية التي تجيء ببطء يقتلني! تشافيت من الإنكسارات التي تغدر بي، تشافيت من كل هذا ولكن لم يكن شفاءي بلا مقابل! دفعت مقابله اللاشعور، لم أعد أشعر بأي فرح! لم أعد أدرك أعراض الفرح ذاته، وقلبي؟ فقدته تماما. أنا أموت! بطريقة بشعة.


              ،

              نظر للسقف يحاول بشتى ما يملك من قوة أن يخرج صوته مناديا، لا أحد حوله/بجانبه، مهما على صوته لا أحد يسمعه، احترق جوفه بإختناق لا قدرة له عليه، اضطرب صدره الهابط/المرتفع، شد بأصابعه على السرير، يحاول أن يتمالك نفسه ويقاوم هذا الغرق، يدعو الله أن يدخل أحدا لينقذه الان، يبتهل قلبه بأن يدخل طبيبا أو ممرضا ويسعفه، في كل لحظة يزيد به الألم كان يزيد بغرزه لأصابعه على السرير، في كل لحظة يزيد به الوجع كان يأت صوتها الملائكي بايات السكينة، في كل لحظة كان صوتها يقرأ " هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما " لا مخرج هذه المرة، ولا خلاص.
              الذي أشعر به، تحديدا إنقباضات قلبي في هذه اللحظات، هل هي سكرات الموت؟
              يأت صوتها مرا يالله، يأت صوتها بأكثر الايات تأنيبا " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد "
              أخذ نفس عميق يحاول أن يستنشق الهواء اللازم للتنفس بصورة طبيعية، ولا محاولة تجدي وتفيد.
              تفجرت عروقه بحمرة ملامحه التي تضيق وتختنق بشحوب، يراهم! يقسم بالله أنه يرى ما حوله ولكن لا قدرة له على مناداة أحد. يكاد يجزم أن طوال حياته لم يشعر بوجعا قدر هذا الوجع الذي يقتلع حنجرته وقلبه ببطء لا تتحمله الروح، يالله أسألك سلاما.
              اصطدم فكيه بصرير مؤذي، تقف الغصات وتقبض على عنقه لتخنقه بشدة، لا مفر من الموت، لا مفر!
              أصعب لحظات حياته يشعر بأنه يواجهها الان، حاول أن يضع يده على عنقه ولكن حتى يده تجمدت في موضعها، يشعر بطعم الدماء التي تعبث بفمه، يشعر بالقلب الذي يقتلع من محاجره، يشعر بأن شوكا ينهش بكل جزء من جسده، كل قوة زائلة ما دامت هي في يد الله.
              حاول أن ينطق الشهادة، حاول حتى لوي لسانه، ضاقت محاجره حتى تدافع الدمع بفوج عميق، تحشرجت روحه وهي تعبر حنجرته كصوت ركيك جاهد أن يتسلق الشهادة. لم يستطع! لم يملك الحياة الكافية حتى يقول " أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله "، فقد الهواء اللازم ليدفع بها كلمات الشهادة على لسانه . . فقد الحياة.
              ارتخت أصابعه المشدودة على السرير، وهدأ إضطراب صدره حتى سكنت أنفاسه بنظراته الذابلة الأخيرة، كان الموت جديا أكثر من اللازم.
              وضع الممرض يده على يد السلطان الباردة ليلفظ بخوف: سلطان . . سلطان!!! . . . . . إلتفت مناديا . . دكتووور أحمد . . .اقترب الممرض من كوب الماء ليبلل يده ويبلل ملامحه الشاحبة المختنقة، بنبرة أخوية حانية: بسم الله عليك . . استعيذ بالله هذا كابوس!!
              نظر لما حوله ولا شيء يشعر به سوى وجع قلبه هذه اللحظة، وضع يديه على رأسه المنفجر بصداعه، بربكة عميقة، تعلق عقله بفكرة أنه لم يستطع نطق الشهادة في موته، يحاول أن يستوعب حاله الان! هل ما يمر به حقيقة أم كابوس/حلم! هل ما يحدث له الان واقع.
              استعدل حتى حاول الوقوف ولكن منعه الممرض الواقف بجانبه: ارتاح
              سلطان المتعرق من كابوس لم يرى مثله أبدا: بس بتوضأ
              : تحتاج مساعدة؟
              سلطان هز رأسه بالنفي متجها للحمام، وقف أمام المغسلة مستندا بذراعيه، ليتعرى بجروحه أمام المراة، اختنقت محاجره من هول ما رأى، لمجرد الحلم شعر بأن روحه تقبض كيف لو كان حقيقة؟ يالله! كيف سيأت الموت! ماذا لو أتى ولم أكن مستعدا! هذا حلم ولكن المرة المقبلة لن يكون حلما.
              بدأت أفكاره تتشتت، لتتوسده مسألة الأمن التي تتذبذب في الفترة الأخيرة وهو مؤتمن عليها، بلل ملامحه بالمياه الباردة، يحاول أن يهدأ روعه ولا فائدة، كل خلية في جسده ترتجف.
              توضأ ليخرج، رفع عينه للممرض: راح أطلع الحين!!
              الممرض: إيه بس . . حالك ..
              قاطعه: تمام . . . تحامل على كل شيء ليتوجه ناحية القبلة، بأول سجدة وأول دعوة لله، أتت بنبرة مجروحة من بكاء لا يخرج " اللهم أحفظ بلادنا بحفظك وامنها بأمنك وأبعد عنها الفتن ما ظهر منها ومابطن، الله عليك بأعداء الدين والمنافقين ومن ولاهم ومن عاونهم، اللهم أحفظ أرضنا وأرض المسلمين بعينك التي لا تنام، اللهم أدم أمننا واستقرارنا، يارب يارب يارب أخلف لنا خيرا ممن فقدنا ومد حماة الأرض والدين بالقوة والمعونة. "
              خفت! خفت على أمن يتزعزع بلحظة، خفت على أرض أن تسلب، خفت على خراب أن يبعثرها، خفت للمرة اللاأدري على الشهادة التي تعتلي العلم، خفت عليها من أن تتلوث!


              يتبع

              تعليق

              • *مزون شمر*
                عضو مؤسس
                • Nov 2006
                • 18994

                رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                ،


                جلست أمامه دون أن تنطق كلمة من هول الكلمات التي لم تعرف منها ولا شيء، لابد أن أصارحه بأنني أكذب! هذا الحال لا يمكنني أن أستمر عليه، يالله على غباءي في اللحظة التي كذبت بها عليه، يالله على غباءي كيف أصحح الأفكار الخاطئة التي يأخذها عني، كنت أعلم والله أنني أستحق رجلا طائشا أطيش معه وليس متزنا يغلبني معه.
                فيصل :الله يعين
                هيفاء: امين
                انشغل بأوراق مبعثرة على مكتبه، لا يرفع رأسه من الثغرات المتورط بها بفعل ناصر، تبقى له من الشهر 17 يوم إن لم يحل الأمر سيفضح بإتجاهه إلى السجن، أخذ نفس عميق ليعيد قراءة ما بين يديه، يتجاوز الأسطر لينظر للحسابات البنكية المتعامل معها وعيناه تقرأ لغة الأرقام.
                تراقب حركاته وتفاصيله الصغيرة بالتفكير، أصابعه التي تحك جبينه للحظات طويلة وفرقعة أصابعه بين كل لحظة والأخرى، تنهيدته الطويلة التي تأت بعد عمل متعبا، تحاول أن تحفظه بقلبها وعينيها.
                هيفاء وقفت: راح أجيب لك قهوة . . خرجت لتنزل للأسفل، نظرت لريف التي تلعب بألعابها في منتصف الصالة، بحثت بعينيها عن أم فيصل ليأت صوتها مقاطعا للعبها: ريف
                إلتفتت عليها، أردفت هيفاء : وين ماما؟
                ريف: راحت
                هيفاء أمالت فمها لتتجه نحو المطبخ، تحتاج أن تتعرف عن فيصل من خلال والدته، دقائق قليلة حتى ملأت الكوب بقهوة مرة، صعدت به وبخارها الحار يسبقها، وضعته على الطاولة أمامه.
                فيصل: شكرا
                هيفاء: العفو . . رفع عينيه على صوت الهاتف الذي صخب برنينه.
                هيفاء: خليك بشغلك أنا برد . . راقبها بنظراته إلى أن إتجهت نحو الهاتف، رفعته : ألو . . . إيه . . . . . . . لزمت الصمت بربكة تامة . . . نظرت إلى فيصل الذي يخفض نظره ناحية الأوراق، بلعت ريقها بصعوبة حتى نطقت : فيصل . . .
                رفع عينه : مين؟ . . . أنتبه لملامحه ليترك القلم ويتجه إليها، أخذ السماعة : ألو . . .
                لم يأت صوتا واضحا، ليشتد صوته بحدة : ألو!!!!
                : مبروك الزواج . . ليتك قلت لنا نسوي معك الواجب!
                فيصل أشار لهيفاء أن تخرج، بخطوات مرتبكة إتجهت نحو الغرفة المرتبطة بمكتبه بباب فاصل، جلست على طرف السرير وقدمها تهتز من الكلمات التي زعزعت سكينة قلبها " زوجته؟ ماشاء الله تزوج ولا قالنا !! زوجك من أولها باع العشرة! . . " أي الأصدقاء هذا الذي يحادث زوجة صديقه بهذه الوقاحة! من المستحيل أن تكون طبيعة أصدقاءه بهذه الصورة.
                في جهة أخرى يلفظ بحدة : عمر كلمة وحدة ماراح أكررها كثير لو أتصلت علي هنا ما تلوم الا نفسك! لا تجرب تستفزني عشان ما أجرب أذبحك
                عمر: معليش يا عريس شوية تفاهم داخل علينا بقوة! عندي لك موضوع يهمك
                فيصل: وأنا عندي لك ******
                عمر غرق بضحكته ليردف بإستفزاز: تؤ تؤ!! هذا حكي يطلع من فيصل ولد القايد!!
                فيصل بعصبية: أقسم لك بالله لو جربت تلعب بذيلك معي لاأقطعه لك
                عمر بجدية : أنا أبي أساعدك! شفت توريطة ناصر لك وماهان علي
                فيصل ابتسم بسخرية : على اساس أنه ناصر متصرف على كيفه! لا تلعب علي ولا ألعب عليك!! ألاعيبكم حافظها
                عمر: بكرا راح تنسحب الدعوى اللي ضدك!
                فيصل: وش المقابل؟
                عمر بضحكة: وش متوقع أبي منك؟
                فيصل: لا يكثر وأخلص علي
                عمر: أبي بعض الأوراق من عبدالله اليوسف
                فيصل: روح لبومنصور وقوله أبي الأوراق! ماني وسيلة لك
                عمر: أكلمك جد!! ماهو وقت مصخرة . . أنا أحتاج هالأوراق ومتأكد أنه بومنصور يعرف مكانها
                فيصل: مقدر أجيب لك شي! . . ولا تتوقع أني بساعدك بشي!!
                عمر: أجل صبح بكرا على الشرطة اللي راح تحبسك بديون مقدرت تسدد ربعها!
                فيصل بغضب: عمممر!!!
                عمر: جرب تساعدني وراح أساعدك
                فيصل زفر براكينه ليلفظ بين كومة حادة تخنق صوته : تخص إيش الأوراق؟
                عمر: أسماء موظفين يشتغلون عند رائد، أنسرقت قبل يومين من بيته وهي موجودة عند بومنصور!
                فيصل: بتفهمني أنه الي سرقها بومنصور!!
                عمر: لأ لكن وصلت له
                فيصل تنهد: تطلب مني شي صعب!!
                عمر: ما يصعب عليك . . عن طريق زوجتك
                فيصل: وش عرفك عن زوجتي؟
                عمر بضحكة: أنا ممكن أتظاهر لك بالغباء بس ولا يدخل في مخك للحظة إني غبي!!!!!
                فيصل بغضب: طلبك مرفوض!!
                عمر : تحمل اللي بيجيك
                فيصل صمت قليلا ليردف :إذا عشت لبكرا إن شاء الله
                عمر بضحكة عميقة : يعجبني أنك واثق بمسألة موتي! بس بخليك تثق بقدراتي بعد . . إتصال مني ينهي لك بيتك بكبره!
                فيصل: يؤسفني والله إني أنزل من مستواي عشان أوصل لمستواك وأقول على *** . . أغلقه في وجهه ليأخذ نفس عميق يحاول أن يهدأ به أعصابه، أخذ هاتفه المحمول ومفتاحه ليتجه نحو الباب، تراجع بخطواته لغرفته، نظر لسكينتها التي ترتدي عقلها بتفكير عميق : هيفا
                رفعت عيناها دون أن تنطق كلمة، : أنا طالع . .
                هيفاء بتوتر تشتت نظراتها بعيدا عنه : طيب
                نظر إليها ليرفع حاجبه : فيك شي؟
                هزت رأسها بالنفي ليخرج بخطى سريعة، أخرج هاتفه المحمول ليثبته بكتفه وهو يفتح باب سيارته : عمر هددني!


                ،


                بحرج يحاول يغلق الموضوع برمته بعد أن تم فتحه بطريقة لم يتوقعها : لا أكيد . . هي أم زوجتي
                الضابط رفع حاجبيه: بس الواضح مثل ما قلته
                منصور: يعني كان فيه إتصالات بين يزيد وفهد؟ قبل وفاته؟
                الضابط: إيه ومن جوال أمه
                يوسف بضيق: طيب ما أظن حكي أمه بيغير شي الحين! سواء كانت تعرف أو ماتعرف . . بالنهاية يزيد هو اللي قتله ولبس التهمة لمنصور
                الضابط: هي تحايلت وغيرت مجرى قضية كاملة!
                يوسف بغضب لم يسيطر عليه: أنا وش دخلني الحين بأنكم تجيبون أمه!
                منصور يضع يده على كتف يوسف وبحدة : يوسف!!!
                يوسف تنهد : أستغفر الله بس
                الضابط: إحنا راح نسوي اللي علينا ومضطرين نعتقل الأم
                يوسف بحدة : كيف تعتقلونها! هذا ولدها مستحيل تضره، ممكن تكلمت من خوفها .. بس بتجر وحدة بمقام أمك لهنا وبتدخلها بين الرجال!! . .
                الضابط : أتمنى يا أخ يوسف ما تنسى نفسك
                يوسف بعصبية بالغة : أنا ماني موافق! ولا من المعقول انكم بتجيبونها
                الضابط: ومين قال أننا ننتظر موافقتك؟
                منصور: يوسف قوم!!
                يوسف: ماراح أتحرك . . يجي أبوي ويتفاهم مع مقامك السامي . . أردف كلمته الأخيرة بسخرية/إستهزاء
                الضابط: أخ يوسف أنت كذا بتخليني أحتجزك عندنا لمخالفتك القواعد
                منصور وقف بغضب: يوسف قوم!!!
                يوسف يخرج من المكتب بخطوات غاضبة، إتجه نحو الخارج ليلتفت يمينا نحو سيارته، إقترب منه منصور: مجنون! تبي تورطنا بعد!!!
                بغضب كبير يقف أمامه: تحملت سخافاتكم بهالقضية بما فيه الكفاية! ترضى على أم نجلا ؟ ماراح ترضى بس يوسف تاكل تراب وترضى
                منصور: كان راح نقدر نوصل لحل لو ساكت ومخلينا نتفاهم مع الضابط
                يوسف: ماني مجبور أتحمل أغلاطك يا منصور! . . ركب سيارته ليغرق منصور بغضب بالغ، إتجه نحو سيارته التي تركن بجانبه ليلحقه.


                ،


                صعد الدرج الذي شعر وكأنه مبنى شاهق يتسلقه، رفع عينه لينظر لجسدها الواقف أمام الباب، إلتفتت عليه بلهفة، وضع قدمه على اخر عتبة حتى اندفعت إليه وعانقتها بشوق كبير هامسة: وينك كل هالمدة! يالله يا عزوز خوفتني عليك . .
                عبدالعزيز تنهد : أنشغلت شوي . .
                ابتعدت قليلا لتنظر لملامحه الشاحبة: وش فيك؟ صاير شي؟
                عبدالعزيز: لا . .
                أثير: طيب طمني عليك؟ وش مسوي؟
                عبدالعزيز: كل أموري بخير . . رتيل هنا
                أثير أتسعت محاجرها بالدهشة : نعم!!!!
                عبدالعزيز يقترب من الباب ليخرج مفتاحه، من خلفه: كيف هنا؟ كيف تجيبها يا عبدالعزيز؟
                عبدالعزيز بتعب: مافيني حيل أتناقش معك! بتكون هنا وياليت ما تقربين لها بكلمة
                أثير بغضب: يعني تتركني فترة لا أعرف أرضك من سماك بعدها تجيبها لي وتقول لا تقربين لها! ما تراعي شعوري أبد
                عبدالعزيز: أثير!!
                أثير بعصبية: عبدالعزيز الحين توديها لأي جهنم مالي أي علاقة فيها! ماتجمعني معها في مكان واحد
                عبدالعزيز بغضب يلتفت نحوها، شدها من ذراعها : كلمة ثانية وأقسم بالله . . أستغفر الله بس
                أثير ارتعبت لتصمت دون أن تهمس بحرف، فتح الباب لتدخل، بحث بعينيه عنها ليراها منحنية تغلق حذاءها، رفعت عينيها نحوه، لتشتد حدتها بمجرد أن رأتها.
                جلس على الأريكة دون أن يبالي بأي واحدة منهن، أثير تنهدت لتعلق معطفها خلف الباب والسكارف، جلست بجانبه : وين كنت فيه؟
                عبدالعزيز: هنا
                أثير بضيق ينخفض صوتها: هنا وما تسأل عني!!!
                عبدالعزيز: جوالي طاح في النهر وماطلعت جوال جديد!
                أثير رفعت عينها لرتيل، ألتهمتها بنظراتها، رغم أنها كانت تشعر بأن رتيل ليست بالمنافسة لها إلا أنها تشعر الان بأنها تفوقها جمالا/فتنة.
                إلتفتت لعبدالعزيز لتلتصق بجسده: اهم شي إنك هنا . .
                رتيل وقفت ولو جلست للحظة لن تتردد بأن تدفنها حية، تشتد غضبا وكرها لها : ممكن تفتح غرفة من هالغرف عشان أدخلها!
                عبدالعزيز: كلهم مقفلات؟
                رتيل تعلم أنه يستهزأ بها : إيه
                عبدالعزيز: وش أسوي؟
                رتيل بحدة: يعني كيف؟
                عبدالعزيز رفع حاجبيه: وش اللي كيف؟
                رتيل بلعت ريقها بصعوبة لتردف: على فكرة مسألة أنك تقهرني باللي جمبك أمر أنساه! فعشان كذا تكرم وأفتح لي غرفة من الغرف!!!
                أثير بضحكة مستفزة : إسمي أثير مو اللي جمبك! . . عيب يا بنت عبدالرحمن ال متعب تقولين مثل هالحكي!
                عبدالعزيز إلتفت لأثير بحدة جعلتها تصمت، أعاد نظره لرتيل: أظن أني وصلت لك الفكرة أمس!
                رتيل بغضب: أوكي وأنا أوصلك فكرة أني مجنونة أحرق لك البيت باللي فيه لو ما تركتني بمكان ماأشوفك فيه أنت وياها!!
                عبدالعزيز تجاهلها تماما ليشتت نظراته بعيدا.
                تحاول أن تقتلني يا عزيز برؤيتك معها، تحاول بأي طريقة أن تهين كبريائي أمامها، لو أراك تحترق معها وبيدي ماء لن أفكر ولا للحظة أن أسكبه عليكما. أشعر بقهر يثبت أشواكه في صدري، أريد أن أنساك حالا، أنا أتجاهلك وكأنك لم تكن شيئا، أود بشدة أن أتخلى عنك بدناءة لا تفارقك عمرا بأكمله، أود أن أمحي أمرها وأن لا يبقى في هذا الكون صدى لإسم " أثير "، أود بشدة ذلك.
                رتيل إقتربت منه لتقف أمامه: أنا أكلمك!!
                عبدالعزيز بحدة: رتيييل! ماأبغى أكرر الكلام عليك ألف مرة
                أثير تضع يدها على ذنقه لتلفه نحوها وبإبتسامة: روق وبسوي لك كوفي تمخمخ عليه . . وقفت لتسير من أمام رتيل، ضربت كتفها بكتف رتيل وإتجهت نحو المطبخ.
                رتيل أغمضت عينيها تحاول أن تمتص غضبها قبل أن ترتكب كارثة بحقها، نظرت إلى عبدالعزيز: الكلبة اللي معك ماأجلس معها بمكان واحد!
                عبدالعزيز يستلقي على الأريكة بتعب: لها إسم!
                بغضب ركلت الأريكة بقدمها، أنحنت عليه لينخفض صوتها بخفوت: وش تبي توصله؟ تبي تقهرني؟ أنت ما تقصر ماله داعي تعزز قواك فيها!
                عبدالعزيز بهدوء: هذا بيتها
                رتيل فاضت البراكين بداخلها، رفعت رأسها عنه لتتكتف : أبي أطلع من هنا! ماراح أجلس معها ولا تفكر إني بأرضى . . والله يا عزيز لا تطلع جنوني عليكم أنتم الإثنين
                عبدالعزيز بضحكة يحاول أن يدفع بها القليل من همومه : أحب الشراسة!!
                رتيل إلتفتت لترى غطاء المناديل الثقيل، رمته بإتجاه بطنه بقوة لتردف: ماراح أجلس معها!!
                عبدالعزيز يبعد الغطاء عن بطنه ليستعدل بجلسته: تبيني أعيد حكي أمس؟
                رتيل: أبي أطلع من هنا
                عبدالعزيز بغضب: وقلت لك لا . . تفهمين ولا ماتفهمين؟
                رتيل: أفتح لي غرفة من الغرف . . ماأبغى أجلس معك طيب
                عبدالعزيز : وبعد لا
                رتيل تمتمت : حقييير!
                كان سيتحدث لولا مجيء أثير، استغل فرصته بإستفزازها فعليا، ليسرق قبلة خاطفة على خد أثير: شكرا
                بإبتسامة تمد له الكوب : عافية على قلبك . .
                تجمدت حواسها، حتى شعرت بأن عقلها يغلي وليس قلبها وحده، أغار عليك بصورة مؤذية لقلبي، أغار عليك بوجع يتخمر في قلبي وينضج، لا اعلم كيف لك القدرة أن تقسى بهذه الصورة؟ كيف لك أن تتجاوز أمر قلبي وتلامسها أو حتى تحدثها بكلمة ناعمة! كيف لك كل هذه القوة أن تغيضني بها! " عسى حزني منك مايفارقك "
                أثير رفعت عينيها بتغنج لرتيل: خلاص ولا يهمك الحين أقوله يعطيك المفتاح! لا تموتين بس . . إلتفتت لعبدالعزيز . . حبيبي عطها المفتاح، ماتسوى نسمع تحلطمها طول اليوم!
                عبدالعزيز يضع الكوب على الطاولة ليرفع عينيه لرتيل المنهزمة تماما، نظر لعينيها وهو يفهمها جيدا، تقاوم بكاءها ودموعها، تقاوم بملامح جامدة لا تلين بدمعة.
                صمت يدور بينهم، ورتيل مازالت صامدة ثابتة أمام كل قوة تهين قلبها.
                نظراتك هذه تحفظني، في الوقت الذي تخونني به أفعالك، عيناك تقف بصفي، في الوقت الذي تشعرني بأني لا شيء, عيناك تساندني، تملك القدرة على اهانتي بكل شيء إلا نظراتك! مهما حاولت لن تستطيع أن تهينني بنظرة محجرها في.
                أتى صوتها مقاطعا للأحاديث المتناقلة بنظراتهما : عطها عزوز
                رتيل بحدة ملامحها : ما أحتاج وساطتك في شي! . .
                أثير بإبتسامة ناعمة ترتسم على شفتيها : أنا أتوسط لنفسي! بصراحة ما أتحمل وجودك قدامي . . فأبي فرقاك
                عبدالعزيز بحدة : أثير . .
                أثير رفعت حاجبها : وش قلت؟
                رتيل نظرت لحزمة المفاتيح المتوسدة الطاولة، رفعت عينها لأثير بإبتسامة سرعان ما تلاشت بطريقة " تسليكية " : لا تتكلفين مرة بكلامك لأنك ما تهميني! زيك زي الجدار . . وممكن حتى الجدار أكثر أهمية منك . .على الأقل مغري للتأمل!
                عبدالعزيز بلامبالاة وضع قدمه على الطاولة التي أمامه: واضح أنه ليلتكم ماراح تعدي على خير!!
                أثير: يا سلام! بس علي أنا!
                رتيل بتشفي تنظر إليها من أقدامها حتى رأسها بطريقة تفصيلية مهينة، بمكر : ممكن يا روحي تعطيني المفتاح
                عبدالعزيز نظر لنبرتها المتغنجة، إبتسم لا إراديا: لا مو ممكن
                أثير تأفأفت : بس تحل مشاكلك معها نادني . . وقفت ليسحبها عبدالعزيز من ذراعها ويجلسها رغما عنها : اللي ينطبق عليها ينطبق عليك
                أثير: لا تساويني معها . .
                رتيل استغلت إنشغالهما لتسحب المفتاح وتأخذ الكوب، بقهر سكبته عليها لتردف بسخرية: كذا صار فيه فرق بيني وبينك على الأقل شكليا . . مشت بخطوات سريعة نحو الغرفة، فتحتها لتدخل وتغلق قبل أن يصل إليها عبدالعزيز.
                أثير تجمدت بمكانها من القهوة التي تبللها في هذه اللحظة : شايف اللي سوته!!!
                عبدالعزيز يسحب المناديل ليمسح ملامحها، أثير بغضب تبعده: لا والله! روح كسر راسها، لو أنا اللي مسوية هالتصرف كان كليتني! . . بس هي على راسها ريشة
                عبدالعزيز تنهد: بسم الله على قلبك كأنك ما قلتي شي!
                أثير: يعني شايف وش سوت هالبزر فيني! . . مهي بصاحية مكانها مستشفى المجانين!!
                عبدالعزيز وقف متجها نحو الغرفة، طرق الباب: رتيل أفتحي
                رتيل الجالسة على السرير لا تجيبه بكلمة، نظرت للحاسوب المنطوي على المكتب لتتقدم نحوه، فتحته وهي تدعي أن تجد شبكة " وايرلس " قريبة لتتحدث مع والدها.
                عبدالعزيز تنهد: حسابك بعدين . .
                مسح على وجهه بإرهاق : أستغفر الله . . نظر للساعة . . أذن العصر
                أثير وهي تمسح أثر القهوة على ملابسها: عبدالعزيز هالمجنونة ماأجلس معها بكرا عادي أنها تولع فيني
                عبدالعزيز يعقد حاجبيه: ماني ناقص مواضيعكم! فيني اللي مكفيني . . إتجه نحو المغسلة ليتوضأ.
                أثير إتجهت إليه لتغسل ملامحها: عاجبك شكلي كذا! حسبي الله عليها! . . هالقميص توني شاريته وشوف وش سوت فيه
                عبدالعزيز نظر لقميصها لتحتد ملامحه بالغضب: طالعة بالشارع كذا؟
                أثير بربكة: كنت لابسة جاكيتي؟
                عبدالعزيز بعصبية : عادي عندك تلبسين قميص شفاف؟ واللي رايح وجاي يتفرج!
                أثير: لا تبالغ ماهو شفاف! بس لأن حرمك المصون كبت علي شف . . وبعدين كنت لابسة فوق جاكيتي
                عبدالعزيز: قلت لك مليون مرة وأحذرك للمرة الأخيرة وبعدها لا تشرهين على أي تصرف أسويه بحقك! لو شفتك لابسة هالخرابيط ماتلومين الا نفسك!
                أثير تنهدت : أستغفر الله . .
                عبدالعزيز : على فكرة التحرر بالمنطق وبالتفكير وبالراي ماهو بالشكل
                أثير بغضب: ومين قال إني متحررة! أنا حرة ألبس مثل ما أبي ماراح تحاسبني على كل قطعة ألبسها . . لا تصادر حريتي الشخصية!
                عبدالعزيز : منت حرة! دام أنت على ذمتي يعني بتنضبطين !
                أثير بهدوء : ماأمشي ورى قناعاتك يا عبدالعزيز! لي شخصيتي ولك شخصيتك
                عبدالعزيز يعيد وضوءه بعد أن فقد شرط " الترتيب والمتابعة " متجاهلا الجدال معها، إلتفت إليها بعد أن فرغ : هالموضوع لا عاد تفتحينه . .



                تعليق

                • *مزون شمر*
                  عضو مؤسس
                  • Nov 2006
                  • 18994

                  رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                  ،

                  تأملته بنظرات تحاول أن تكتشف سر " منى " التي سمعت أسمها اليوم، زوجته الأولى! مالذي يخبئه بالضبط! هذا يعني أنه لم يستطيع أن يتجاوزها بعد كل هذه السنوات! هذا يعني أنه يحاول أن ينساها بي! ولكن لا قدرة يملكها على النسيان، لا شيء يوحي بأنه يريد حياة جديدة يبدأها معي، ولا عذر يقنعني بأنه مستعد لحياة نتشاركها معا! هذه ال " منى " أخذت حاضره وماضيه وربما مستقبله، لا يملك أي فرصة تقوده للبدء من جديد! لأن فرصه بأكملها عند منى!! وأنا التي أحاول بشتى الطرق أن أكسب ودك، حتى الكذب سلكته لألينك قليلا نحوي، ولكن لا شيء أصل إليه بالنهاية لأنك لا تريدني من الأساس! . . تعلم شيء! أحتاج أن أصرخ وأقول " لجهنم أنت وياها ".
                  بخ عطره العابث بخلاياها ليلتفت نحوها : وش فيك سرحانة؟
                  ريم ببرود : ولا شي!
                  ريان: لا فيه شي . .
                  ريم : قلت لك مافيه شي! غصب تخلي فيني شي
                  ريان تنهد : مجرد إحساس
                  ريم بحقد : لا تطمن إحساسك غلط
                  ريان بنظرات يتفحصها : وش صاير لك اليوم؟ ضاربة فيوزاتك؟
                  ريم وقفت لتتجه نحوه : كذا . . سمعت خبر وأنقلب مزاجي
                  ريان : وش الخبر؟
                  ريم: أخاف أقوله وتقولي تتدخلين بأشياء راحت وانتهت
                  ريان بحدة: وش الخبر يا ريم؟
                  ريم : عن منى!!!
                  ريان بغضب: ولا تفتحين هالموضوع قدامي مرة ثانية!
                  ريم بربكة: كيف نبدأ حياتنا صح وأنت تخبي عني أشياء كثيرة أولها منى
                  ريان يشير إليها بالسبابة غضبا : قلت لا تفتحينه مرة ثانية ولا قسما بالله ما تلومين الا نفسك
                  ريم : من حقي أعرف
                  ريان بصراخ : لا مو من حقك!
                  ريم عادت خطوتين للخلف برعب من صوته، بلعت ريقها الذي تجمد كغصة يصعب ذوبانها ورمشها يهتز ببلل.

                  ،


                  يرتدي بدلته بأناقة باهضة، متناسيا موضوع المقابلة التي لا تحتمل كل هذا، ولكن أمر سقوط أعداءه يشعره بأنه ذاهب لزفاف، اليوم يوم سعادة بالنسبة له، وقف أمام المراة ليرتدي معطفه ويلف حول عنقه " السكارف "، ألتفت إلى حمد : فارس ما جاء؟
                  حمد : لا للحين
                  رائد جلس خلف مكتبه : إن شاء الله ما يودينا بداهية!! . . المهم جهزتوا أوراقنا
                  حمد : كل شي جاهز . .
                  رائد رفع هاتفه ليتصل على فارس وهو ينظر لساعته، تمر الثواني ببطء تشغل عقله بأفكار سيئة، تنهد: وينه!!!
                  وقف ليسير ذهابا وإيابا وهو يتصل على فارس لمرات كثيرة، في كل لحظة يتأخر بها يخسر جزء من روحه، هذا الصباح لا بد أن يفترق فارس عنها. لا بد!!
                  تنهد بضيق ليجلس مكررا إتصالاته.
                  في جهة أخرى سار بخطوات خافتة نحوها، قبل جبينها بخفة دون أن يضايق نومها الناعم، لم يستطع أن يمنع نفسه من قبلة على عينها اليمنى، طبع قبلة رقيقة وتراجع للخلف، حاول أن يحبسها فيه بنظراته العميقة.
                  أحاول أن أقول لك وداعا بما يليق بك، أحاول أن أبتعد دون أن يزعجك أمر إبتعادي، أحاول يا عبير الحياة على بعد منك، هذا الحلم الذي مرني سريعا والان يتبخر أمامي، هذا الحلم تماما هي المرحلة التي عشتها عدا ذلك مجرد محاولات يائسة للعيش، هذا الحلم الذي أفتقده الان قبل أن يذوب بكفي، يؤلمني!! " كان بخاطري " أن أعيشك واقعا بما يكفي، ولكن قدر العشاق حلما. قدر الحياة أن تكون حلما، ليتني أستطيع أن أجاور كتفك على الدوام، ليتني أستطيع أن أحيا لك.
                  خرج ببعثرة خطاه ليفتح هاتفه، كتب رسالة إلى نايف تحمل عنوان الفندق، لينزل بهرولة سريعة إلى الخارج، شد على معطفه الذي امتص رائحتها، اتجه للطريق الاخر قبل أن يشعر بفوهة السلاح المثبتة خلف رأسه.
                  : ولا صوت!


                  ،


                  يضع السلاح على خاصرته ليرفع عينه ناحية نايف: لا تخلي بالي ينشغل على أحد وأنا هناك! . . طلعهم من تحت الأرض
                  نايف : إن شاء الله بسوي كل اللي أقدر عليه . .
                  عبدالرحمن نظر للسيارة التي تركن بقربه وبداخلها رجاله الذين دربهم طيلة السنوات الفائتة، اليوم يجب أن يسقطون بفخ أفعالهم، إلتفت لنايف: لا أوصيك
                  نايف: أبشر باللي يسعدك
                  عبدالرحمن تنهد : تبشر بالجنة . . . إتجه نحو السيارة ليركب بالأمام : فيه أحد وصل؟
                  : رائد إلى الان أما سليمان موجود
                  عبدالرحمن : طبعا مثل ما أتفقنا ما ابغى أحد يحس علينا . . راح نحاصرهم بدون ولا أثر
                  : أكيد . .
                  عبدالرحمن : في الوقت اللي راح أدخل فيه لهم بحجة تهديد رائد لي راح تكون التسجيلات شغالة! كل شي راح يصير أبيه يكون مسجل! . . ابي اصدم سليمان بوجودي . . فراقبوا كل ردة فعل له


                  ،


                  دخل للبيت بعينين تبحث عن عمته، تقدمت إليه لتعانقه بحب: الحمدلله على سلامتك
                  سلطان بشحوب : الله يسلمك . .
                  حصة : كيفك الحين؟
                  سلطان : تمام
                  حصة : كليت شي؟ وجهك أصفر
                  سلطان : مستعجل بتروش وأطلع لدوامي
                  حصة عقدت حاجبيها بدهشة : تروح! وأنت بهالحال! خاف ربك في نفسك
                  سلطان بضيق: أجلي كل هالكلام لين أرجع
                  حصة تقف أمامه لتمنعه من الصعود : سلطان شوف حالتك! تعبان يالله توقف على حيلك وتبي تروح!
                  سلطان : حصة!! . . ابعدها بلطف ليصعد للأعلى.
                  حصة شعرت بحرقة من أفعاله اللامبالية بنفسه، مسكت هاتفها لتتصل عليها، أتى صوتها المبحوح : ألو
                  حصة : هلا الجوهرة . .
                  الجوهرة بتوتر: هلابك .. صاير شي؟
                  حصة : ممكن أطلب منك طلب؟
                  الجوهرة : إيه أكيد . . امري
                  حصة : ممكن تكلمين سلطان . .
                  الجوهرة : حصة ق
                  تقاطعها : تعبان!
                  الجوهرة بضيق : تعبان من أيش؟
                  حصة : توه طالع من المستشفى ويبي يروح شغله . . بس كلميه! حسسيه أنك معه . . يمكن يلين شوي ويعطي نفسه أهمية ويخاف عليها!
                  الجوهرة فزت من سريرها لتردف بحشرجة صوتها الذي فقد إتزانه : ليه دخل المستشفى؟
                  حصة : أمس صار له حادث بالتدريب . . الجوهرة والله العظيم أنه بس يفكر فيك . . بس تنازلي شوي وكلميه
                  الجوهرة تلألأت عينيها بالدموع لتردف : هو قريب منك الحين؟
                  حصة : لا .. جواله طافي بعطيه جوالي .. خليك معي . . صعدت للأعلى لتفتح باب الجناح بهدوء، بحثت عنه بعينيها لتسمع صوت الماء : يتروش! . . عطيني 10 دقايق وراح أتصل عليك . . خليك قريبة منه
                  الجوهرة : طيب . . أنتظرك . . أغلقته ليدور عقلها بأفكار كثيرة عنه، أن تفقده حيا أمر بغاية الصعوبة كيف لو كان ميتا! لا يمكنني تخيل الحياة بعدك، أفضل أن أموت معك ولا أموت من حياة دونك، يالله يا سلطان! ليتك تفهم وتعرف أمر الحب الذي يهرول بقلبي عبثا، ليتك تفهم معنى أن أسقط بأنين يستأصل جذوري وخلاياي، ماذا ستخسر لو تتنازل قليلا؟ ما ستخسر لو فقط تشعرني بأنني أهمك كما ينبغي، مجروحة منك، مجروحة من الكلمات التي تخرج منك بصورة بشعة، مجروحة من عينيك التي تكثر لومها علي! مجروحة و موجوعة منك.
                  طرقت أفنان الباب المفتوح : انزلي تحت . . مجتمعين وناقصنا أنت
                  الجوهرة بملامح شحبت بلونها : جايتك بس أنتظر إتصال
                  أفنان : فيك شي؟
                  الجوهرة هزت رأسها بالنفي وعينيها تضيع بالفراغ.
                  أفنان بشك : تكلمي وش فيك؟
                  الجوهرة نظرت لهاتفها الذي يضيء بإسم حصة: شوي وأجيك
                  أفنان بإستغراب : طيب ..
                  أجابتها : ألو . .
                  حصة بهمس: دقيقة خليك معي . . . دخلت إليه وهو يعدل نسفة شماغه : سلطان
                  إلتفت عليها : سمي
                  حصة : سم الله عدوك . . ا . . مدت إليه الهاتف.
                  سلطان بحاجب مرفوع إستغرابا : مين؟
                  حصة : رد بنفسك . . بمجرد أن أعطته الهاتف حتى خرجت وأغلقت الباب من خلفها.
                  سلطان بصوت يظهر عليه نتوءات المرض والبحة : ألو
                  أشعر وكأن الهواء ينجلي بنبرته، أشعر بأني أفقد تماما قدرتي على الحديث بحضرة صخبه، صوته المتعب ما سره؟ لو أنني أقدر على مداواته، تتعبني يا سلطان من تعبك.
                  سلطان أبعد الهاتف لينظر للإسم، أمال فمه من حركة عمته به ليعيده إلى إذنه : أتمنى إتصالك ما يكون شماتة!!
                  الجوهرة بخفوت : محشوم . . كيفك؟
                  سلطان ببرود : تمام!
                  الجوهرة : قالت لي عمتك أنك طلعت من المستشفى اليوم . . الحمدلله على سلامتك
                  سلطان : الله يسلمك . .
                  الجوهرة بضيق : سلطان
                  سلطان : مشغول مضطر أسكره . .
                  الجوهرة بمقاطعة سريعة : لحظة! . . بس بقولك شي
                  سلطان بسخرية : وش الشي؟ . . حامل! مبرووك حبيبتي
                  الجوهرة بصدمة تجمدت أصابعها وجسدها بأكملها، شعرت بأن هذا العالم باكمله يحشر نفسه بصدرها ويقبض على نبضاتها، لم تتوقع ولا للحظة أن يلفظها ببرود هكذا! ولم تتوقع ولا بنسبة ضئيلة أن تخبره حصة، كيف يستقبل خبرا مهما بهذه الصورة السيئة التي تفقد الخبر بريقه؟ كيف يقوى أن يكون باردا حتى بأمر مهم كهذا! يالله يا سلطان! يا قساوتك! ما تحمله ليس بقلب! لوهلة أشعر بأن ما في صدرك حجرا لا يشعر ولا يحس! من أين خرجت لي؟ من أين حتى تسلب كل قواي وتشدني إليك! من أين أتيت حتى تذلني بهواك! لمرة واحدة فقط أشعرني بأن كل جزء مني هو مهم بالنسبة لك، لمرة واحدة فقط أجعلني أستشعر بأنك زوجي ولست حبيبي فقط.
                  برجفة : أيش!!!
                  سلطان : هذا اللي تعلمتيه و ربوك عليه؟ أنك تخبين علي!!!
                  الجوهرة : سلطان . .
                  سلطان بغضب : لا تقولين سلطان!
                  الجوهرة : فاهم غلط . . لو كنت مكاني . .
                  سلطان بحدة : ماأبي أكون مكانك! ما قصرتي علمتي العالم كلها بس أنا لان . .
                  الجوهرة بوجع : لو تعرف بس أنه وقتها . .
                  يقاطعها بغضب يزيد تعبه تعبا : ما أبغاك تشرحين وتبررين! . .
                  الجوهرة بإصرار : إلا بشرح لك وأبرر . . تهمني يا سلطان
                  سلطان : واضحة هالأهمية! . .
                  الجوهرة تساقطت دموعها بمواساة صوتها الذي يزداد ذبولا : ممكن ترتاح الحين وماتروح الشغل وتزيد تعبك!
                  سلطان : شكرا على إهتمامك . . ماأحتاجه
                  الجوهرة بغضب : سلطان
                  سلطان بحدة : . . .


                  ،

                  شعرت بالهدوء الذي يحف المنزل، نظرت لشاشة الحاسوب التي أمامها، أدرك فداحة ما أفعله ولكنك يا عزيز لم تترك لي فرصة، هذه المرة من تهجرك أنا ولست أنت، هذه المرة لن يكون الخيار عائدا إليك، لمرة واحدة أريد أن أهزمك بطريقة ملتوية أستخدمتها معي كثيرا، لمرة واحدة أريد أن أكون لئيمة إتجاهك، حتى تبرد حرارة القهر الذي زفرته بي، إلتفتت عليه بمجرد أن شعرت بخطواته، اندهشت لتتجمد بمكانها، عبدالعزيز يقترب ناحيتها بغضب يعتلي ملامحه : أنت اللي تجبريني أتصرف بهالطريقة
                  رتيل بلعت ريقها وهي تعرف ماذا يريد أن يفعل بها، وقفت لتبتعد لاخر زاوية في الغرفة وعيناه تشرح بطريقة ما كيف ستكون الإهانة مؤلمة بحقها.
                  رتيل : . . .


                  ،


                  يأت صوته واضحا بجانب إذنه ليلفظ : أنهينا لك موضوع فارس! أما ناصر بالسجن عطني بس يومين وتدفنه بنفسك.



                  .
                  .


                  أنتهى البارت

                  تعليق

                  • *مزون شمر*
                    عضو مؤسس
                    • Nov 2006
                    • 18994

                    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                    إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


                    رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طيش !
                    الجزء (٧٤)






                    الجوهرة تساقطت دموعها بمواساة صوتها الذي يزداد ذبولا : ممكن ترتاح الحين وماتروح الشغل وتزيد تعبك!
                    سلطان : شكرا على إهتمامك . . ماأحتاجه
                    الجوهرة بغضب : سلطان
                    سلطان بحدة : أنت لو . . . استغفر الله بس!
                    الجوهرة بضيق : أنا أيش؟ . . أصلا أنا وش بالنسبة لك؟ تحاسبني على أشياء بدون لا تلتفت لنفسك وتحاسبها بالأول!
                    سلطان : بشرتي السعودية بكبرها واستكثرتي تقولين لي!!! وبعدها أعرف من زلة عمتي! . . كيف تبيني ما أحاسبك؟
                    الجوهرة : ما بشرت أحد! أهلي و . .
                    يقاطعها : وأنا ماني أهلك؟
                    الجوهرة بلعت رجفتها بربكة فكيها من إعترافه المبطن/الحاد لقلبها : سلطان ا . . ماراح تفهمني
                    سلطان : ولا أبي أفهمك! كنت متوقعك واعية وعاقلة مهما ضغطت عليك الظروف! بس أنت ما ضيعتي أول فرصة جتك عشان تهينيني قدام الكل بأني اخر من يعلم
                    الجوهرة بدأت نبرتها تميل ناحية البكاء : ما أهنتك! أنا ما بغيت تصلح الأمور معي بحجة حملي! كنت أبيك . .
                    يقاطعها بغضب جعلها ترتبك من خلف الهاتف، بغضب جعلها تتراجع بظهرها للجدار.
                    يا سطوتك علي يا سلطان حتى وأنت بعيد! يا لهيبتك المزروعة في نبرة، من شأنها أن تسقطني في أسفل قاع وترفعني لأعلى غيم.لو أنني استطيع أن أتجاوزك بخفة ولا التفت إلى الخلف، لو أنني أستطيع أن أغمض عيني وتسقط بدمعة، لو أنني فقط أعرف كيف أقمع ذاكرتي وأنساك! أنت تتكاثر بي، تتكاثر بكل دمعة تمر على خدي، لست صالحة بما يكفي للنسيان! أنا صالحة بما يكفي لحبك.
                    : تستهبلين!! وش اللي ما صلحت الأمور معك! جيتك وأنا مدري عن عقليتك المريضة اللي تقرر من كيفها! . . دوري حجة ثانية عشان تقنعيني فيها
                    الجوهرة : ليه تاخذ الأمور بهالطريقة؟ أنت ماتشوف نفسك أجبرتني أتصرف كذا!
                    سلطان : اقتنعت أنه الكلام معاك ضايع . .
                    الجوهرة بوجع : لا تضيق علي بأسلوبك!
                    سلطان بعصبية : ربي رحمك أنك منتي قدامي ولا والله كان ذبحتك من حرتي!
                    الجوهرة شدت على شفتها لتمنعها من بكاء طويل : الله رحمني عشان ما تقهرني بتعبك
                    سلطان عقد حاجبيه بضيق ليجلس على الأريكة : روحي اللي تعبانة منك! اخترتي طريقك وكمليه بروحك
                    الجوهرة بغصة تربك الكلمات العابرة فوق لسانها : قلت لي كثير لا تتوقعين إني أفرح لما أضايقك بكلمة! . . وأنا بعد! لا تتوقع مني إني أفرح بهالخبر وأنت تقابلني فيه بهالطريقة!!!
                    سلطان بغضب يعود ليقف : على أساس إنك قلتي لي إياه! انا لو ماعرفت الله العالم متى راح تكلفين عمرك وتقولين لي!
                    الجوهرة تنهدت بدمع يغزو محاجرها : ماراح نقدر نتناقش وأنت معصب . . ماراح تفهمني صح!
                    سلطان : أسألك بالله! في نيتك نقاش وصلح؟
                    بلعت ريقها بصعوبة لتردف : ليه تظن فيني سوء؟
                    سلطان بحدة أرعشت جسدها : لا تجاوبين على سؤالي بسؤال!
                    الجوهرة : أكيد . . أبي نتناقش ونوصل لحل يرضينا
                    سلطان بضيق اتضح على نبرته التي تزداد إتساعا بالتعب : تبين تكسبين كل شي بما فيهم تعاطف عمتي معك، وش راح تخسرين؟ بتكملين حياتك مع ولدك في وقت أكون أنا متشفق على هالولد! . . مين الغلطان؟
                    الجوهرة : نسيت كل اللي سويته فيني؟ ضربتني وحرقتني و أهنتني مليون مرة بكلامك ونظراتك! . . وبس خبيت عنك الحمل اجرمت فيني!
                    سلطان : لأن هذا أكثر شي كنت أحلم فيه! وأنت ما تركتي لي فرصة حتى أفرح!!
                    الجوهرة بدمعها الناعم : كنت راح تفرح؟
                    سلطان : مين اللي يظن في الثاني ظن السوء؟
                    الجوهرة : ما تركت لي مجال يا سلطان، عمرك ما حسستني بأني زوجتك اللي منتظر منها تكون أم عيالك!
                    سلطان يعود صوته للخفوت/للإنكسار : حرقتي قلبي! أبشع يوم شفته بحياتي كان أمس . . كيف تبيني اتقبل أعذارك وكلامك؟ . .
                    الجوهرة بضعف : أتركه للوقت
                    سلطان : هو باقي شي ما تركته للوقت؟
                    لم اتوقع ولا للحظة أن يأت صوته الضيق مؤذيا هكذا! أشعر بأن هالة من العتمة تحوم حول قلبي، " تعبانة " من الحياة التي لا تنصفني ولا لمرة، وحين أشعر بأنني أسترجعت بعض من القوة تهينني بظنك السيء، قل كيف أسعدك وأنا لست قادرة على أن ابتسم بأريحية! " فاقد الشيء لا يعطيه " وأنا لا استطيع أن أعطيك شيئا لا أملكه، كل هذه الدنيا خواء، وأنت الشيء الوحيد الذي أحسه ويعنيني، أريد أن أكون أم أطفالك و إبنة قلبك، لا أنتظر تصفيق من الحياة لأنني أحاول أن أرد إليك ما فعلته بي، ولا أنتظر أن يقول لي أحدا " قوية تركتيه " أنا لست قوية بما يكفي حتى أتركك بإستسلام تام، أنا مازلت معك، أجاورك تماما ولا أقدر على نفيك من قلبي، يا راحتي بهذه الدنيا وإن زعزعت راحتي، يا فرحتي البسيطة وإن أثقلت حزني، يا أمني وأماني، يا وداعة قلبي في صدرك إني مبعثرة، لا تنتظر مني أن ألملم شتاتي لوحدي، قلت " تركتك للحياة " وهذه الحياة يا سلطان لا تدللني، دثرني بحبك، يكفيني أن أعيش العمر المبتقي في كنف صدرك، لو سمحت هذه الحياة أساسا! ولكنها أحلام، و قدر الأحلام أن لا تتحقق. وأنت الحقيقة التي سرعان ما تتلاشى وتصبح " حلم/ خيال ".
                    أردفت : سلطان
                    سلطان بقسوة نبرته : بستخير بطلاقك الليلة
                    الجوهرة صمتت، إلتزمت السكون وهي تغرس أسنانها في شفتها السفلية، يارب ساعدني، يارب إني لا أسألك أن تخفف حزني بقدر ما أسألك قلبا يحتمله ويصبر عليه.
                    سلطان أبعد الهاتف قليلا ليسعل ببحة شعر أن روحه تخرج من محجرها، لن يستطيع مهما حاول أن يخفي تعبه ومرضه برداء الجمود و اللامبالاة : مع السلامة . . . انتظر لثواني يسمع صدى أنفاسها التي ترتطم بأذنه، ثانية تلو الثانية من حقها أن تعبث بقلبه، أغلقه ليضع الهاتف على الطاولة، نظر للنافذة التي تقابل الضوء بالإنعكاس، اضطربت أنفاسه بصدر يرتفع ويهبط دون سلام/إتزان، أسند ظهره على التسريحة ليردد بقلبه " يا رب اعطني جزء من الحياة أكافح من أجل أن أعيشه "


                    ،


                    رفعت عيناها الباكية لسقف غرفتها الذي يشتد بسواده،ينقبض قلبها بإرتطاماته الحادة، اخفظت نظرها لتنظر لباطن كفها الأيمن، علامة حرقه التي مازالت تعلم عليها وتذكرها بصرخاتها تلك الليلة، بصوت تركي الحارق لمسامعها، بكلماته الرخيصة التي يدافع من أجل أن يثبت مصداقيتها، بحزنها الشاسع الذي لا ينضب، ولا ينطوي على حاله!
                    كنا نماطل من أجل أسباب لا نتجرأ على قولها لأنفسنا، كنا نقرر " الإنفصال " كثيرا، كانت نهاية كل خناقاتنا مصيرها ذات الكلمة، هذه الكلمة التي حملناها فوق ما تحتمل، ولكننا لم نملك الشجاعة الكافية بتنفيذ القرار، كنا يا سلطان نخضع لقلبينا، الذي نواجه صعوبة بتفسيره/بفهمه، ومازلنا نواجه هذه الصعوبة، لا نقدر! لا نلتزم بأي وعد نقطعه من أجل الحياة، كيف سنصبر؟ كيف سيمضي العمر؟ موجوعة، أشعر بأنني اختنق من هذا الهواء الذي يعبث بصدري ولا يحاول ان يملأ رئتي، أشعر بأن الكل حاقد الان بما فيهم هذا الهواء، هذه الذرات المتطايرة بشفافية حولي، تخنقني، تملأني كلي ولا تذهب لمجرى تنفسي! أشعر تماما وكأني أتذوق طعم الشحوب/الإختناق/الضيق، الطعم اللاذع الذي يسعر بلساني ويطويه، يطوي الكلمات ويقتلني! سنصلي اليوم اخر ما يربطنا، سنصلي دون أن نتنازل من أجلنا، سنصلي لله الذي أمهلنا الوقت لنمضي معا، ولكننا نثبت أننا من جلد أسمر لا يرتضي بأن ينحني قليلا من أجل " الحب "، نضيع تماما ونسأل الله بصلاتنا أن لا نضيع، نرتكب أسوأ ما يمكن للإنسان أن يفعله بحق من يحب وندعو الله أن يحميه، كيف لنا أن نتناقض بهذه الصورة البشعة؟ أنا سيئة! سيئة جدا في الوقت الذي مال به قلبي ناحيتك، لأنني لم أعرف كيف أدافع عن نفسي/قلبي/ذاكرتي . . لم أعرف كيف أدافع عنك وأنت تتشعب في.
                    شعرت بغثيان يجوف معدتها، إتجهت إلى الحمام لتتقيأ تعبها وحزنها، توضأت وبمنتصف الوضوء ادركت أنه ليس وقتا للصلاة، هذه الصفة التي ستحملني العمر بأكمله تذكرني بك أيضا، كل شيء بالحقيقة يذكرني بك مهما حاولت أن أنكر ذلك.
                    أكملت وضوءها لتمسح شحوب ملامحها، أخذت نفس عميق ونزلت للأسفل، حاولت أن تبتسم بضيق شفتيها : السلام عليكم
                    : وعليكم السلام
                    الجوهرة بسؤال معتاد وإن عرفت إجابته، بعض الأسئلة لا ننتظر منها جواب بقدر ما نريد أن نتأكد أنها مازالت حية فينا : وين أمي ؟
                    أفنان : توها طلعت . .
                    الجوهرة جلست لتردف ريم : تعبانة؟
                    أفنان بضحكة : قولي أنها محلوة بالحمل
                    ريم اتسعت إبتسامتها : أكيد هالموضوع خالصين منه أصلا
                    الجوهرة اكتفت بإبتسامة حتى لا تفضحها نبرة صوتها، أفنان : كنت أسولف لريم عن أيام كان وباريس، فيه سالفة ما قلتها لك
                    الجوهرة تنحنحت حتى تعيد إتزانها : أي سالفة؟
                    أفنان : هناك كان يدربني واحد سعودي من الرياض . . إسمه نواف
                    الجوهرة : إيه؟
                    أفنان بتوتر يخجلها : يعني هو ما صار بيننا سوالف ولا شي . . بس . .
                    ريم بضحكة : أوصفي شكله عشان توصل المعلومة لجوج صح
                    أفنان بنظرة غير مبالية : تفكيرك وصخ
                    ريم : لو انك سنعة كان خذيتي عنوانه
                    أفنان : أروح أخطبه يعني؟ . . الشرهة على اللي حكى لك
                    ريم : وش فيها عادي! خديجة رضي الله عنها تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم وهي اللي عرضت عليه الزواج
                    الجوهرة : كل فترة وتختلف معتقداتها، أنت أصلا ماراح ترتاحين لو تصرفتي كذا! لأن ممكن بأول مشكلة يهينك بتصرفك!! وبعدين هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مو أي أحد
                    ريم : أكلتيني كنت أمزح
                    أفنان بشغف : المهم جوج طحت عليه بتويتر . . يا عليه رزة تقتل
                    ريم : كذا طول بعرض . . يعجبوني الرجال اللي كذا تحسينه صدق رجال . .
                    أفنان تكمل بحالمية : كذا لما تضمينه تصيريين وش صغرك في حضنه . .
                    ريم ولا تتردد بأن تعيش حالمية أفنان : كذا يشيلك وتصيريين بيبي بين يدينه . . تقطعت كبدي خلاص
                    الجوهرة تنظر إليهما بدهشة لتردف : بديت أخاف عليك
                    أفنان : بالله جوج ما تستانسين إذا وقفتي جمب سلطان! يعني كذا تصيرين فتنة وهو . .
                    الجوهرة تقاطعها برفعة حاجبيها : منت صاحية! ماله علاقة الطول
                    افنان : الله يرزقني يارب واحد كذا طول بعرض . . وعضلات بطنه بارزة أهم شي . . وأسمر وله عوارض . . ويهتم بشكله . . يعني كذا ودك تاكلينه من زينه
                    ريم : لا يسمعك ريان والله لا يخليك تعضين الأرض!
                    أفنان : أستغفر الله . . أهم شي الدين والأخلاق
                    ريم : خليتي اخر صفة الدين والأخلاق!! ماش من رجعتي وعقلك مو مضبوط
                    أفنان بإبتسامة تعيش حلمها الوردي كما ينبغي لفتاة عازبة : عقلي للحين معي الحمدلله! بس يعني خليني أحلم براحتي الأحلام ببلاش . . ودي يجيني فارس أحلامي اللي رسمته في بالي
                    ريم : كلنا كنا كذا نقول ودنا وودنا بعدين يجيك واحد عادي تشوفين كل مزايا الكون فيه لأن ببساطة أنت تصيرين قنوعة وتنبسطين معه ولا يجيك واحد حلو واخر شي يعيشك بنكد
                    أفنان : هذا رتيل صدق زواجها كان بطريقة خايسة لكن تزوجت واحد وش زينه يقطع القلب ومبسوطة والحين في باريس فالة أمها . . وهذي الجوهرة تزوجت . . ماأبغى أمدح وتاكليني بس يعني تزوجتي واحد يعتبر ولا حلمت فيه . . أما أنت ريوم الصبر زين إنما توفى أجورهم بما صبروا!
                    ريم ترمي عليها علبة الكلينكس : طايح من عينك ريان! بالعكس أنا مرتاحة معه ومبسوطة
                    الجوهرة : وش يدريك أنه رتيل مبسوطة ولا أنا مبسوطة؟
                    أفنان بضحكة : يعني تبين تفهمينا أنك منت مرتاحة مع سلطان! أشهد أنك طايرة في السما عشانه
                    الجوهرة أكتفت بإبتسامة لتردف : مررا! . . الحمدلله بس
                    أفنان : يارب ترزقني بس
                    رن الجرس مرتين، ليأت صوت أفنان الساخر : شكل دعوتي يا بنات استجابت
                    ريم : تخيلي لو نواف عند الباب
                    أفنان : لو هو باخذ وضعية الموت!!
                    الجوهرة : لا تجيبين سيرة نواف قدام ريان ويقوم الدنيا عليك
                    أفنان : من جدك! يا زيني وأنا أقوله . . بيعلقني مروحة في البيت
                    دخل ريان بنظرات الإستغراب من تجمعهم : سلام
                    : وعليكم السلام
                    ريم : غريبة . . مفتاحك وينه؟
                    ريان : لا كنت أبي الشغالة تطلع تجيب الأغراض . . أمي وينها؟
                    أفنان : طالعة
                    جلس بجانب الجوهرة لينظر لعيني الجوهرة المحمرة، وضع باطن كفه على خدها لترتعش من لمسته : تبعانة؟
                    الجوهرة ارتبكت من قربه لتلتفت إليه : لا
                    ريان عقد حاجبيه بخفوت : كنت تبكين؟
                    الجوهرة توترت من أسئلته وصدرها يرتفع بشهيق مرتجف، ريان : صاير شي؟
                    لم تعتاد على إهتمامه وسؤاله، شعرت بأن شيئا غريبا يحدث الان، أفنان التي تدرك التوتر الذي بينهما حاولت أن تضيع حدته على قلب الجوهرة : تلقاه تعب حمل عادي
                    ريان تنهد ليردف : طيب عطيني دلة القهوة
                    أفنان وقفت لتمد له الفنجان وتضع الدلة على الطاولة أمامه.
                    ريان نظر لشاشة الايباد المفتوحة على صورة " نواف " الذي يجهله : مين هذا ؟
                    أفنان أنتبهت لتخرج من حسابه : واحد بتويتر
                    ريان رفع حاجبه : ومين يكون الواحد؟
                    أفنان بلعت ريقها : ا ا . . ممثل . . إيه ممثل توه طالع وجالسة أوريه البنات
                    ريان : وش إسمه؟
                    أفنان تظاهرت بالسعال لتردف : إسمه . .
                    ريم بإبتسامة تكمل عنها : نايف
                    أفنان بربكة : إيه نايف محمد
                    ريان نظر لعينيها بتفحص، يشعر بخداعهما ولكنه تجاهله : طيب . .
                    إلتفت للجوهرة التي تشتت نظراتها بعيدا : إذا تعبانة أوديك المستشفى!! بس لا تجلسين كذا
                    الجوهرة بضيق تجاهد أن تبتسم وتخفف ربكتها : وش فيك تصر!! قلت لك تعب عادي
                    ريان بهمس : صاير لك شي اليوم؟
                    " الجوهرة إرتجف هدبها، لا تريد أن تبكي أمامه، اخر من تريد أن يراها باكية هو ريان."
                    السؤال وحده من يبعثرني في تمام قوتي كيف لو كنت أعاني؟ كيف لو كنت أتقلب بحزني؟ ليس لأن الجواب صعب يالله ولا أقدر بأن أغلقه برسمية اعتدتها، ولكن " بخير " أصبحت تتعبني، تمتص الحياة من جلدي وتسقطني في شحوبي! حزينة! حزينة فوق ما تتصور يا ريان.
                    سقطت دمعة على خدها سرعان ما قطعت مجراها أصابعها، بضيق : الجوهرة
                    الجوهرة رفعت نظراتها للأعلى خشية من دمع لا يترك لها مجالا للمقاومة، إلتزمت الصمت حتى لا تقع بفخ صوتها الذي ينهار شيئا فشيئا.
                    ريان ترك الفنجان على الطاولة ليلتفت بكامل جسده عليها : تشكين من شي؟ متضايقة من أحد؟
                    الجوهرة وقفت لتردف بصوت لا يكاد أن يسمع : عن إذنك . . صعدت للأعلى
                    ريان إلتفت عليهما : وش فيها؟
                    ريم : قبل شوي كنا نسولف ومافيها شي
                    أفنان : يمكن تعبانة نفسيتها . . لا تنسى هي بشهورها الأولى فأكيد بتتعب
                    ريان : شكرا على المعلومة
                    أفنان ضحكت لتردف : وأنا صادقة! أكيد الوحدة زين ما تكره نفسها وهي حامل!!
                    ريان : مجربة؟
                    أفنان أشتدت حمرة ملامحها : يعني هذي أمور فطرية كلنا نعرفها . . خرجت قبل أن يكثر بأسئلته المربكة.
                    اتجهت أنظاره ناحية ريم، ليردف : مروقة !
                    ريم : أكيد بروق نسيت كلامك لي قبل كم ساعة!!
                    ريان تجمدت ملامحه : أي كلام!!
                    ريم تتظاهر بالغضب : تراني ما انجنيت عشان تسوي نفسك ما قلت لي شي! أنا صدق أعاني أحيانا وأتخيل أشياء مهي موجودة لكن تراني بعقلي وأعرف وش قلت لي
                    ريان بصدمة : أصلا أنا من الصبح مارجعت البيت
                    ريم صمتت لثواني وهي تحاول بكل جهدها أن تضيء عينيها بالدمع : إلا كلمتني! يوم . . طيب خلاص ما قلت لي شي
                    ريان : وش قلت يا ريم ؟
                    ريم بضيق : حقك علي أنا أتبلى
                    ريان تنهد : ما قلت تتبلين! يمكن ناسي قولي لي!
                    ريم بعد جهد كبير تجمع الدمع في عينيها حتى تكسب تعاطفه : قلت أنك ما توافقت مع منى وطلقتها لأن ما بينكم تفاهم! و . . اعتذرت لي
                    ريان : أنا!!!!
                    ريم : إيه وحتى كنا بالصالة اللي فوق
                    ريان : ريم وش رايك أحجز لك موعد عند دكتورة تشوف حالتك ؟
                    ريم نزلت دمعتها المالحة و الكاذبة أيضا : دكتورة! طبعا لا . . خلاص قلت لك لا عاد تسألني وأنا ما عاد بتكلم بشي
                    ريان وقفت ليتجه إليها ويجلس بجانبها، بخفوت : مو قصدي كذا!
                    ريم : خلاص ريان سكر الموضوع ما أبغى أتكلم فيه وتضيق علي
                    ريان مد ذراعه خلف كتفيها ليقربها منه ويقبل رأسها : أنا خايف عليك لا تتطور هالمشكلة معك
                    ريم : ماهي متطورة تطمن
                    ريان : براحتك مثل ما تبين . .


                    تعليق

                    • *مزون شمر*
                      عضو مؤسس
                      • Nov 2006
                      • 18994

                      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                      ،


                      شعرت بالهدوء الذي يحف المنزل، نظرت لشاشة الحاسوب التي أمامها، أدرك فداحة ما أفعله ولكنك يا عزيز لم تترك لي فرصة، هذه المرة من تهجرك أنا ولست أنت، هذه المرة لن يكون الخيار عائدا إليك، لمرة واحدة أريد أن أهزمك بطريقة ملتوية أستخدمتها معي كثيرا، لمرة واحدة أريد أن أكون لئيمة إتجاهك، حتى تبرد حرارة القهر الذي زفرته بي، إلتفتت عليه بمجرد أن شعرت بخطواته، اندهشت لتتجمد بمكانها، عبدالعزيز يقترب ناحيتها بغضب يعتلي ملامحه : أنت اللي تجبريني أتصرف بهالطريقة
                      رتيل بلعت ريقها وهي تعرف ماذا يريد أن يفعل بها، وقفت لتبتعد لاخر زاوية في الغرفة وعيناه تشرح بطريقة ما كيف ستكون الإهانة مؤلمة بحقها.
                      فتحت عينيها الغافية لتنظر للجهة التي خلفها ولا ظل لعزيز، ارتفع صدرها بشهيق مؤذي لكل خلية منزلقة في جوفها، ماذا يحصل يالله! لا أريد أن أفكر ولا لثانية واحدة أن هذا الحلم تنبيه من الله حتى أكبح طريقي الملتوي ناحيتك، أقسم لك أن " أثيرك " لن تهنأ للحظة معك، أقسم لك يا عزيز أنني سأخرج لوعة حبي منك بها، لن يقف أمامي أحد! لن ترتاح معها وهذا ما سأصل إليه، لتعلم أنك أحببت مجنونة لا ترضى بأن يقاسمها أحد، أحببت متمردة لا تهذبها سوى عيناك! أحببت يا عزيز إمرأة أخفت إعجابها بك من أول مرة خلف لسان سليط، لم أكرهك ولا لمرة حتى أول ما جئت، كانت مجرد محاولات أن لاأحب، أن لا أحيا بقلب احد، ولكنك نفذت وشردت كطير إليك، لن يعود الزمن حتى أسيطر على نفسي، لن يعود وقتا أتصنع كرهك حتى أنفذ من هذه الورطة، ورطة حبك.
                      ولكن الان! هذه الإمرأة اختلفت، عدوانية شرسة لكل من حولك، طيبة ناعمة لقلبك، حاقدة ناقمة للظروف المحيطة بك، مسامحة وأستغفر لقلبك كثيرا. لن تفهم أبدا كيف يصل ولع النساء! لن تفهم أبدا كيف لإمرأة أن تصبح بهذه الصورة الشيطانية الغانية من أجل رجل، لن تفهم يا عزيز أنني أحبك بهذه الهيئة المؤذية لنفسي أولا ولك ثانيا، ولكنني لن أسمح لأحد أن يحتل جزء من قلبك، أنت لي و مني، أنت هنا من أجلي حتى لو انفصلنا، حتى لو ابتعدنا، حتى لو افترقنا.
                      سأجعلك تعيش هذا العمر بأكمله متوحدا بي، متغلغلا في، لن أسمح لأي أنثى مهما كانت أن تكون معك في غيابي، لتعش يا عزيز ولع هذا الحب، لتتألم منه لبقية عمرك ولتتركني بسلام أكافح من أجل نسيانك، لست أول من يحب ويفترق! لست اول من أموت عشقا بك، جميعهم يكملون حياتهم بحماسة أقل ولكنهم يكملونها! وأنا مثلهم وسيأت الوقت الذي تعي به أنك خسرتني وأنني أصبحت حرة لا يسيطر علي قلبك ولا تؤلمني عيناك بنظراتها.
                      تبللت ملامحها من زرقة ملأت محاجرها، وقفت لتنظر للنافذة الزجاجية التي تطل على شارع من باريس خافت في هذا الليل، تعبره الضحكات كما يعبره المطر المنساب من سماءها.
                      أخذت المنديل لتمسح ملامحها الشاحبة، رفعت شعرها البندقي كذيل حصان، إبتسمت بمحاولة أن تعيد لنفسها بعض الحياة، أخذت نفس عميق لتقترب من الباب، بقيت لثواني طويلة تحاول أن تتلصص للصوت، فتحته بهدوء لتسير على أطراف أصابعها ناحية المطبخ، أخذت الكوب الزجاجي لتملأه بمياه باردة تروي عطشها الذي استنزفه قلبها.
                      من خلفها : أشوفك طلعتي!
                      مسكت أعصابها قبل أن ترمي كوب الزجاج وتكسره بوجهها، تنهدت لتلتفت إليها بإبتسامة : خير انسة أثير ؟
                      أثير اقتربت منها وهي تتكتفت ببيجامتها التي تكشف منها أكثر ما تستر : سبحان مغير الأحوال كيف كنتي وكيف صرتي! قبل كم شهر في باريس كان وجهك فيه حياة والحين؟
                      رتيل تنحنحت لتقترب أكثر وبلسان حاد : طبيعي أتغير! واضح أنك ماتعرفين الأخبار ما ألومك يمكن ماجلستي مع عبدالعزيز جلسة محترمة وقالك وش صاير!
                      أثير شدت على شفتها السفلية : البركة في أبوك اللي مو تاركه يشوف حياته
                      رتيل ضحكت بتشفي لتردف : it's not my problem مو ذنبي إذا عبدالعزيز ما يشوفك حياته
                      أثير : حركاتك وكلامك صدقيني ما يهز فيني شعرة! أنا مقدرة شعور القهر اللي مخليك تتكلمين بهالطريقة
                      رتيل بإبتسامة لئيمة : أكيد مقدرة لأنك سبق وجربتيه، بس خلني أقولك الأخبار عشان أحطك في الصورة وتعرفين قهري من أيش! . . حاليا أبوي يتعرض لمشاكل كثيرة بشغله وأضطر يترك باريس! و أختي مختفية من شخص طمننا عليها لكن إلى الان مختفية . . حطي في بالك أنه عندي أسباب كثيرة تخليني بهالحزن، وطبعا مستحيل تكونين سبب يشغلني!
                      أثير بإبتسامة : عندك قدرة عجيبة بأنك تحورين الكلام وتقلبينه على مزاجك!
                      رتيل بخفوت : و عندي قدرة عجيبة بأني اقلبك على راسك الحين!!
                      أثير تغيرت ملامحها لجمود أمام حدتها، لتردف بنظراتها التي تفصل جسد رتيل من أقدامها حتى عينيها : لو كنت شي له القيمة ما تزوج عليك عبدالعزيز! إذا ودك تفهمين شي! أفهمي إنه عبدالعزيز لو يبي يقهرك كان قهرك بأشياء كثيرة وما يحتاج أنه يستخدمني عشان يقهرك! ولو يبي يستخدم أحد ماراح يهون عليه أنه يستخدم صديقة أخته وزميلتها
                      وبضحكة أكملت وهي تتصنع النبرة الطفولية : it's not my problem إنه عبدالعزيز إختارني عليك
                      رتيل نظرت إليها ببرود ملامحها : برافو! أقنعتيني، تصبحين على خير ماما ولا تنسين تقرين الأذكار على قلبك أخاف أحد يسرق عبدالعزيز منك . . . . ولا أووه سوري نسيت أنه أنتي متعودة أصلا أنه الناس يشاركونك بكل شي حتى قلبك!! . . أقري الأذكار على عقلك أخاف لا أشاركك فيه . . . *لفظت كلمتها الاخيرة بتهديد واضح*
                      نظرت إليها أثير بجمود وهي تغلي من الداخل، شعرت بأن دماءها تفور، تصنعت الإبتسامة : مريضة! الله يعينك على نفسك
                      رتيل بإبتسامة صادقة أظهرت صف أسنانها العلوي: امين
                      اشتعلت البراكين في صدرها من إبتسامتها لتكمل مقتربة من أثير : طبعا ماراح تفهمين وش يعني " نفسك " ؟ أسألي عبدالعزيز وش معنى نفسك بقاموسه! . . . أبتعدت وهي تشعر بلذة الإنتصار، دخلت الغرفة لتغلق الباب جيدا.
                      في جهة أخرى نظرت لكوب الماء الذي على الطاولة، مشت بخطوات حادة سريعة ناحية الغرفة الجانبية ليرفع عبدالعزيز عينه من الأوراق التي ينشغل بها لساعات متأخرة من الليل، عقد حاجبيه بإستغراب!
                      أثير بأنفاسها المتصاعدة غضبا : إن شاء الله إني ما أكمل أيامي الجاية معها!!
                      عبدالعزيز بهدوء يعيد أنظاره للأوراق متجاهل كلماتها، إقتربت أثير بحدة : هذي المجنونة ما تجمعني معها يا عبدالعزيز!!!
                      تنهد ليضع القلم على الورقة الغارقة بحبرها : إن أنفتح الموضوع هذا مرة ثانية أقسم لك بالله إنك ما تبقين دقيقة على ذمتي!
                      أثير تصلبت ملامحها بدهشة : تطلقني عشانها؟
                      عبدالعزيز يقف ليضع يديه بجيوب بنطاله، وبحدة اقترب منها حتى تلاصقت أقدامه بأقدامها : ما أطلقك عشان أحد!! مالك علاقة برتيل ولا لك حق تناقشيني بشي يتعلق فيها . . أتفقنا؟
                      أثير أمالت فمها بضيق : كيف تجمعني فيها؟ كيف تمسح كرامتي بالبلاط عشانها!
                      عبدالعزيز : محد يمسح كرامتك! وكرامتك من كرامتي!! لا تصيرين أنانية وتفكرين بنفسك، تقبليها إذا كان لي خاطر عندك ولا عاد تخلقين مشاكل خصوصا بهالوقت اللي ماني فاضي لمثل هالسواليف
                      أثير شتت نظراتها لثواني طويلة: ممكن أسألك سؤال!
                      عبدالعزيز نظر إليها بنظرة تنتظر السؤال، أردفت : وش مفهوم كلمة نفسك بالنسبة لك ؟
                      عبدالعزيز بدهشة رفع حاجبه : عفوا ؟
                      أثير : لهدرجة السؤال صعب؟
                      عبدالعزيز : طبعا لأ .. بس مستغرب
                      أثير : مجرد فضول إني أعرف الإجابة
                      عبدالعزيز فهم تماما أنه لرتيل علاقة بالأمر : نفسي أنا، محد يقاسمني فيها حتى لو قاسمني شخص حياتي
                      أثير تنهدت براحة لترسم إبتسامة ناعمة على ثغرها :كويس! . . . ماراح تنام ؟
                      عبدالعزيز : عندي شغل . . نامي وارتاحي
                      أثير نظرت إليه بنظرات غاوية : شغل إلى متى حبيبي؟ صار لك ساعات وأنت تناظر هالورق وتكتب!
                      عبدالعزيز بإبتسامة إقترب منها ليقبل جبينها : تصبحين على خير . .
                      أثير بادلته الإبتسامة : طيب براحتك . . وأنت من أهل الخير والطاعة . . . خرجت متجهة لغرفتها وهي تشتم رتيل بداخلها من حيلتها الكاذبة بإستفزازها.
                      راقبها حتى دخلت الغرفة ليعود بخطاه ناحية الطاولة، لم يجلس بقي لثواني طويلة واقفا/غارقا بالتفكير، تراجع للخلف متجها إلى غرفة رتيل، شد على مقبض الباب لتلتفت عيناها ناحيته، وقفت أمام الباب، تسحب هواء نقيا لرئتيها حتى تستعيد توازنها، اقتربت لتفتح الباب، دخل بنبرة ساخرة : ماشاء الله! من وين جايك هالهدوء ؟
                      رتيل بإبتسامة تعود لتجلس على طرف السرير، رفعت عيناها إليه : ليه فيه سبب يخليني ماني هادية؟
                      عبدالعزيز : وش سويتي؟
                      رتيل : ما فهمت
                      عبدالعزيز بحدة : فاهمة قصدي زين!
                      رتيل بضحكة أشعلت جحيم مصغر في قلب عبدالعزيز : والله عاد الحمدلله اللي خلاني أتصالح مع نفسي وأتقبل موضوع أثير
                      عبدالعزيز : تتقبلين موضوع أثير!!! فاهمة غلط يا قلبي . . أنت بتتقبلينها سواء رضيتي أو ما رضيتي
                      رتيل مازالت بإبتسامتها : طيب وأنا أشرح لك سبب رواقي في هالوقت! إني تقبلتها برضاي
                      عبدالعزيز أمال شفته السفلية بمثل طريقتها عندما تغضب : سبحان من خلا الكذب مكشوف بعيونك
                      رتيل بضحكة : سبحانه
                      عبدالعزيز لم يسيطر على أعصابه، إقترب منها ليشدها من ذراعها ويجبرها على الوقوف : وش سويتي؟ فيه شي صار خلاك كذا ؟
                      رتيل ببرود مستفز : تبيني أقولك؟ مايهمني إنك تعرف!
                      عبدالعزيز بغضب: لا تخلين جنوني يطلع عليك بهالليل!!!
                      رتيل بهدوء أخذت نفس عميق : طيب يا روحي ممكن تترك يدي
                      عبدالعزيز يشد عليها أكثر ليقربها إلى عينيه المشتعلة بالغضب : وش تبين توصلين له؟
                      رتيل : معك ما ابغى أوصل لشي
                      نظر إليها بنظرات تجهل ماهيتها، اندلعت الربكة في أطرافها لتردف : تصبح على خير
                      عبدالعزيز بنظرة عميقة : أحفظك وأعرف كيف تفكرين! بس صدقيني لو تجربين تضايقيني بشي ما تلومين الا نفسك
                      رتيل تنهدت بضيق : يزعجني إنك إلى الان تفكر بأني ممكن أأذيك وكأنك ولا شي عندي! لو راح يجيك الوجع مني ماراح يكون الا وجع حبي لك!
                      عبدالعزيز : لا تتصرفين بأي طريقة توجعني يا أث . . يا رتيل
                      تجمع الدمع في عينيها، حاول أن تتصرف بأي طريقة من شأنها أن تؤذيني، ولكن لا تتخيل بأن وجع مناداتك لي بإسم اخر أمر عادي، لا تتخيل ولا للحظة أن قلبي لا يبالي يا عزيز، أنا اموت في اليوم ألف مرة كلما فكرت بأنها معك، تشاركك الوسادة وجسدها، تشاركك الهواء الداخل إلى رئتيك، تشاركك الحياة بالنظر إليك، تشاركك كل شيء وهذا يقتلني! كيف تناديني بإسمها؟ كيف " يقوى" قلبك ؟ لا أريد أن أصدق أنها تمكنت من قلبك، وأنا تسيطر على لسانك وعقلك، لا أريد ولا للحظة أن أفكر بأنها تشاركني قلبك، ما أرغب به أن يضيق قلبك ويؤلمك! هذا تماما ما أريده.
                      سحبت ذراعها بحدة لتعطيه ظهرها وهي تنظر للنافذة، أرتفع صدرها ببكاء محبوس، وعيناها تتلألأ بالدمع.
                      عبدالعزيز من خلفها : تصبحين على خير . . اتجه نحو الباب ليسحب المفتاح ويضعه في جيبه.
                      بمجرد أن اخرج انسكبت دمعة يتيمة على خدها الأيسر.
                      ستعلم يا عبدالعزيز ما معنى أن تكون موجعا بنبرة، و ما معنى أن تؤذي إمرأة بكلمة.

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...