رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طيش !
الجزء (76)
رتيل تجمدت أقدامها من كلماته التي تشبه تماما ما قاله في تلك الليلة التي أتى بها كخيال محرض، تراجعت للخلف والرجفة تسكن أطرافها، أقترب منها ليشدها بقوة ناحيته وبوعيد : تحملي أخطاءك!! . . دفعها على السرير لتتسع نظراتها بالدهشة والدمع يصعد مجرى الكلمات إلى عينها، حاولت أن تقف ولكن ثبتها بكتفيها لتصرخ بوجهه : أتركنننني . .
هذه الصرخة التي من شأنها أن تستثير غضبا فوق غضبه، و حزنا يغص بما يحصل بحياته.
كيف للقسوة أن تتراكم بعينيك وأنا أستدل بها؟ كيف لها أن تقمعني بهذه الهيئة وأنا أرى نفسي كلما نظرت إليك!
تضببت رؤيتها من البكاء الضيق في زوايا محاجرها، كتم أنفاسها بكفه وهو يحفر أصابعها بملامحها، شعرت بأن فكيها يتكسران، تذوب بقبضة يده وهو يحاول أن لا يسمع صوتها، هذا الصوت الذي يرتد صداه بقلبه ولا يندثر.
نزلت دمعتها من نبرتها التي تختنق بداخلها ولا تخرج، أخذت شهيق ومات الزفير بقلبها، نظرت إليه بنظرات قتلت كل جزء فيه، نظراتها التي أتت أقسى من التجاوز و اللامبالاة، زادت ضغط أصابع كفيها المتمسكتين بصدره حتى تقاومه، كانت تقاومه بكفيها ونظراتها، هذه النظرات التي تأت بأحيان كثيرة أقوى من الأفعال.
كان هائلا، شاهقا، أشعر بأن العالم بأكمله فوقي ولست وحدك يا عزيز، أشعر وكأن الدنيا بمصائبها تتواطىء معك لتحرق قلبي! لو كانت عينيك أقل قسوة ، لو كانت خطاك أقل بعثرة لو كانت ملامحك أقل سمرة، لتجاوزتك! ولكنك كنت ما لا أشاء وما لا يحتمله قلبي، كيف تفعل هذا بإمرأة ظفرت قوانين هذه الدنيا ووضعتها خلف ظهرها من أجلك؟ كيف تفعل هذا بإمرأة تجاوزت أفعالك بالشتائم التي كانت تعني " أحبك " بهيئة مبطنة، كيف تفعل هذا بإمرأة منعها خجلها في كل مرة من المصارحة، كل شيء يتعلق بنا كان حجة، حجة لقول الحب وفعل الحب وكل الحب، قاس أكثر مما أظن، أنا التي أثق بعينيك أكثر من كل شيء، أثق بقدرتك على خيانتي بكل ماهو بمتناول قلبك ولكن عينيك لا تخون! عينيك لا تفعل بي هذا! أتركني بسلام! كان واضحا أننا سننتهي بطريقين منفصلين، ولكن لا تفعل كل هذا حتى أكرهك! لا تفعل يا عزيز من أجل بريق الحب الذي لمع في عينيك ذات مرة، لا تفعل من أجل " أحبك " التي لم نتجرأ أن نقولها لبعضنا بطريقة ناعمة.
أرخى قبضته على شفتيها، نظر لعينيها التي تتوهج بالدمع، ويدها التي تلامس صدره حتى تبعده، ذبلت كفاها حتى سقطت بمستوى مواز لجسدها، أبعدت ملامحها للجهة الأخرى، أبعدت نظراتها عنه حتى لا تراه، ببحة نزف بها بكاءها : أتركني . . . اتركني
مالذي يمنعني عنك؟ كنت قريبا جدا من أن أهينك بأكثر الأشياء ذلا لإمرأة مدللة مثلك! أنا أتوقف عن إهانتك في كل مرة أنوي بها أن أروضك ذلا، كيف تكونين بهذه الثقة المؤذية، كيف يأت صوتك واثقا في كلماتك المهتزة " أنا وقلبك نمنعك يا عبدالعزيز "، وكيف يخيب صوتي في كل مرة أقول " ما عاد لقلبي قرار! "، ضعنا هذا ما أنا واثق منه، في كل مرة يا رتيل أحاول أن أنسلخ من مبادئي أجدني في عرض هذه المبادئ تحديدا في عينيك التي تهذب كل أمر أنويه، لو أنك لا تنظرين لي بهذه النظرات لأستطعت أن أفعل بك كل ما نويته، ولكنك تملكين عينين تجسد الأفعال بصورة حادة.
أبتعد عنها بعقدة حاجبيه ليقف بثبات دون أن يلتفت إليها، دفنت وجهها في الوسادة لتجهش ببكاءها وهي تحضن نفسها بذراعيها الناعمتين و اثار قبضته مازالت على ملامحها الباكية.
صوت بكاءها يرن صداه في جسده الذي مازال يقمع محاولات قلبه بالإلتفات عليها، نظر لقميصه المبهذل إثر مقاومتها له، أغلق أزاريره ليلفظ : تعرفين وش اللي يحز في خاطري؟ إني أهين نفسي معاك
شعرت بأن حديد يصهر في أذنها من كلماته، في كل ثانية تمر كانت تشد على عناقها لنفسها وهي تتكور حول جسدها كظل يأس من صاحبه، بالحقيقة أنا يأست من أشياء كثيرة أهمها أنني يأست من هذا الحب، قنطت من رحمة هذا الحب بي! أنا في أشد لحظات حياتي يأسا، في أكثر فترات عمري حزنا، ماذا فعلت يا عزيز حتى تجعلني بهذه الصورة؟ أنا التي لم أتمنى الموت إلا قبالتك، وأنا التي لم أحبس الكلمات وأتلحف الصمت الا معك، وأنا التي أحببتك كثيرا وأحزنت نفسي كثيرا، يليق بنا أن نفترق، يليق بنا دائما أن ينفر كلانا من بعضه، أنا وأنت! هذا ما تقتضيه الحياة لنا، هذا ما تمليه علينا.
إلتفت عليها، أطال النظر إلى ملامحها المخبئة في الوسادة، ويده اليمنى التي تجاور جنبه تشتد حتى ظهرت عروقه المنتشية على ظاهر كفه، بحدة : أفكر غيري وش كان ممكن يسوي فيك؟
رتيل دون أن تلتفت إليه وضعت يديها على أذنيها : ماأبي أسمعك! ماأأبي . . . أنفجرت بالبكاء لتصرخ : اطلع! . . . أطلع من حياتي!! ما أبي قربك ولا أبي أشوفك . . عمري ما كرهت شي قد ما كرهت حبي لك!!
عبدالعزيز يقترب منها ليسحبها من ذراعها رغم محاولاتها بالتشبث بالسرير، أوقفها ليدفعها بقوة على ظهرها للجدار، سحب السلاح الراقد في خصره، وجهه لصدرها المرتجف، تجمدت عروقها وأنفاسها الثائرة دون زفير يسعف الموقف : شايفة شعورك الحين؟ هذا الشعور كنت أحسه كل يوم وكل دقيقة وكل ثانية! . . تخافين يغويني الشيطان وتنصابين؟ أو ممكن تموتين؟ . . انا ماكنت أخاف من الشيطان! كنت أخاف من الواقع اللي محد قادر يقوله لي!
أعتلت نبرته ليجلد روحها بغضبه : كنت اخاف من أبوك ومن فكرة أنه مخبي عني شي! كنت برضى لو مخبي عني معلومة تكون بنظر الكل تافهة! كنت برضى لو كان مخبي عني أي شي! لكن كيف أرضى أنه يخبي عني شخص من لحمي ودمي؟ أنا بالضبط وش سويت عشان أستحق كل هذا؟ . . ممكن ضايقت أبوك! ضايقته كثير . . بس ما أذيته مثل ما اذاني! . .
يحفر فوهة السلاح بنحرها وعينيه تتسلط بحدتها/قسوتها بعينيها : على فكرة! فيه أشياء كثير تخليني أتصرف بطريقة تليق فيكم!! لكن أبوي يمنعني! أبوي اللي مامات بداخلي!!
نست أمر السلاح الموجه إليها، نست كل شيء تماما وصدى جملته الأخيرة ترتد في جسدها ك رنين لا ينتهي، تسيل دمعتها بيأس عميق/ بحب مندثر، كنت أؤمن بشدة ومازلت نحن النساء لا نتملك عاطفة واحدة حتى يكون أمر الحب محض التجاهل والنسيان بسهولة مثلما يفعل الرجال، هم يملكون عاطفة واحدة من الممكن أن تنسى، ولكن كيف نتجاهل عواطفنا الفطرية والمكتسبة؟ عواطفنا التي تحتل عقولنا أيضا؟ في حين أن عاطفتهم لا تشكل سوى 1٪ من أجسادهم.
عبدالعزيز بيأس اتضح بنبرته : تفكرين كيف ممكن أتناقض بالدقيقة الوحدة مليون مرة؟ وكيف هالتناقض يلعب فيك؟
أخفضت رأسها، لا تريد أن تراه وتزداد زاوية إنكسارها ببكاء أكبر.
يكمل بمثل حدته التي تأت كسبب مقنع لبكاءها : لأنه عمري ما كنت لنفسي! أنا لأهلي . . لأبوي وأمي و هديل وغادة . . أنا كلهم يا رتيل! . . . . أهلي اللي أبوك بدم بارد ما فكر فيهم! كيف تبيني أفكر فيك؟ . . بتفق معك إني ممكن أكون أسوأ شخص تقابلينه في حياتك! لكن راح أكون الأسوأ فعليا لأني مقدر أدعي الفضيلة وأقول معليه يا عبدالعزيز قابل السيئة بالحسنة! فيه ناس أقوى مني ممكن يقابلون سيائتكم بحسنة صبرهم وتجاوزهم لكن أنا . . ماني بهالقوة!
دون أن ترفع رأسها لنظراته التي تأت كنار تلهبها : وأنا مقدر أدعي الفضيلة وأقول الحق حق يا رتيل وأبوك غلطان! أنا ماني بهالقوة يا عزيز عشان أقهر نفسي بأبوي!
عبدالعزيز إبتسم بإزرداء : تربية أبوك ماراح أستغرب! . . تعاملون الناس باللي ماترضونه على نفسكم!!
رتيل رفعت عينيها إليه لتردف وهي تحاول أن تتجاوز بكاءها وتتزن : إذا قصدك من كل هذا إنك توجع أبوي فيني، عادي! ماعاد تفرق معي نفسي، يهمني أنه ابوي ما يضيق علي لأني ببساطة منك تعلمت الصبر، إذا أنت تفكر لو غيرك وش كان يسوي فيني أنا افكر لو كانت غيري كيف بتقدر تتحمل كل هالمصايب؟ قلت لك كثير ببكيك يا عزيز لين تنتهي مني!
عبدالعزيز بعقدة حاجبيه يتأمل ملامحها التي تبكي من بين كلماتها التي لا تتراجع عنها أبدا، لن يرى أبدا بكاء يشبه بكاءها، ولا عينا تشبه عينها ولا نبرة تحطمه كنبرتها، ينزل السلاح ليضعه في مكانه السابق، بتهديد مبطن : حزني ما يخصني بروحي! يخصك أنت بعد!
رتيل التي تفهمه جيدا لفظت : تهددني حتى بالأشياء اللي تسيطر عليها نفسي!
عبدالعزيز : بالنهاية راح يجي يوم وبتكونين بين أهلك وناسك! راح تعرفين وش يعني ضميرك يموت! و كيف تعيشين الحياة كأداء واجب لا أكثر
رتيل بضيق: أداء واجب؟؟
عبدالعزيز : أنك تتنفسين لا أكثر! بدون أي هدف يخليك تعيشين هالحياة! و بتنتظرين الموت اللي يغيبك فعليا! . . راح يجي يوم وتعيشين كل هذا
رتيل بحدة : ما أشبهك! لا تربط مصيري بمصيرك بهالطريقة!!
عبدالعزيز بتهديد صريح حاد/قاسي : بس حزني مصيرك! قلت لك أنه ما يخصني بروحي . . . تراجع عنها بعد أن تقابل جسده بجسدها للحظات تقسم روحها نصفين، تركها ثابتة تحت تأثير الصدمة، خرج من الغرفة لترتفع عينيه نحو سقف هذه الشقة.
في حين انسحب ظهرها بذبول من التوكأ على الجدار لتجلس على الأرض، إنك تقتلني ببطء، تمارس أشنع الأفعال لقتلي، ليتك تحد سكينك وتنهي هذه الماساة ولكنك تستلذ بتعذيبي، " اللعنة " على الحب.
خرج من الشقة ليقفل الباب جيدا، نزل ليتسلل إليه ليل باريس الهادىء في مثل هذا اليوم، أدخل يديه بجيوب معطفه ليسير على الرصيف الضيق، خرج من على المحل الجانبي شخصا ليرتطم به على عجل، رفع عينه اللامبالية ليأت صوت وليد الشرقي : عبدالعزيز ؟
عبدالعزيز سار خطوتين ليلتفت عليه برفعة حاجبه : عفوا ؟
وليد : أنت عبدالعزيز العيد صح ؟
عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليردف : مين معاي ؟
وليد الذي ارتكب الصدفة وتعمدها : من يومين كنت عند ناصر و كنا ندور عليك
عبدالعزيز بملامحه المتجمدة وبرد باريس يزيده تجمدا : ناصر!! وينه؟
وليد : بالسجن! ماتعرف إيش صار؟ . . على العموم زين شفتك عشان تروح له، على حسب علمي هو صديقك
عبدالعزيز صمت طويلا حتى يقطع هذا الصمت بصوته الضيق : معه أحد ؟
وليد فهم قصده ليردف : لا ناصر لوحده . . ليه فيه شخص ثاني؟ ماعندي علم إذا فيه شخص كان معاه! اللي اعرفه أنه كان بروحه
عبدالعزيز : وش علاقتك فيه؟ مين تكون ؟
وليد : تعرفت عليه من فترة بسيطة لما كان هنا
عبدالعزيز بمزاج لا يجعله حتى يبتسم لإبتسامة وليد : طيب! . . شكرا لك . . أعطاه ظهره ليكمل طريقه.
وليد تنهد من مزاجيته السيئة التي كانت واضحة عليه، لا أعلم كيف فعلت كل هذا! بدأت أجن فعليا حد أنني أوقع بينهم من أجل أن احتفظ بغادة، هذا الحب امرضني، لست مثاليا حتى أرضى بأن غيري يحتفظ بك وينام على شعرك، أنا اسف لأنني لم أرضى بقدري وحاربته بأشد الأفعال سوء، لا أدري كيف أتجاوز خيبة اخرى؟ فشلت بحب تقليدي وفشلت أيضا بحب اخترته، لا حظ لي بهذه العاطفة التي تسمى " حب "، ولكنني أريد ولو لأسبوع فقط! أن أعيشه بسلام يقتضيه الحب فقط، أدرك تماما فداحة أفعالي! ولكن هذه الحياة لا تترك لي خيارا اخر، اسف جدا لأنني طبيبا سيئا عجز عن مداواة نفسه، أنا الذي أوصيت كل من اتني أن تكن الأخلاق الحسنة منهجهم حتى يصلح حالهم، أنا الذي أوجه الناس بشيء لا أقدر على فعله، أنا مريض جدا بك يا غادة.
،
لا أعني ما أقول، أنا التي تتبعها ضلالة الحب كظلها وحين تهتدي! تكن الهداية من عينيك، نحن نجسد الماساة بيننا لأننا لا نجرؤ على النهايات، كل شيء يجبرني أن أتخذ قرارا دون أن يشاركني قلبي به! هذه المرة أنا أقول " نعم " دون مشورة قلبي، ولكنني احترق! أشعر بأن النار تقوم في صدري، لم نتعلم العفو كما ينبغي حتى نتجاوز أمور كثيرة في حياتنا، المحبط يا سلطان أنني أحبك بالخفاء ولا اعرف شعورك تحديدا، سيقتلني شكي الذي يتحول ليقين في كل مرة أسمع بها صوتك، شكي/يقيني الذي يقول أنك تريدني، لا تقلها، أتركني اتعثر بك بالمكابرة.
سلطان يتصاعد غضبه في كل حرف ينطقه : أنت طالق!
ارتجفت شفتيها، شعرت بموجة صقيع تضرب جسدها، هذا الشعور الذي يقتضي العزلة تماما، أغمضت عينيها لتستوعب ما يحدث، تختنق ببكاءها، أظن أنني أسوأ مما أظن بنفسي، هذه الكلمة تأت ك; جرح. لا يمكنني أن أشفى منها، لم أكن متناقضة بهذه الصورة اللاذعة إلا معك، أنا لا أفهمني أبدا ولا أفهمك! إلهي كيف أتى صوته ثابتا دون أن تهزه الكلمة؟ إلهي كيف استطعت أن تقتلني دون أن تقول لي قولا ناعما يتمسك بي، كيف ننتهي هكذا وأنا لم أقل لك يوما أن عيناك جميلة وأني أحب النظر لنفسي عبرها، كيف يا سلطان تنهي الحياة بعيني حتى لو طلبتها منك! لم أكن أعنيها والله! تستفز صبري! تستفزني تماما حتى تخرج أسوأ مافيني لتجعلني أسقط في قاع الندم، هذه النهاية لا يحتملها قلبي، أنت المحرض الأساسي للألم و الوجع، للقهر والحزن، نطقتها دون أن يتحشرج صوتك بها؟ دون أن تنطق ب تنهيدة تنقذ الموقف! قلتها بإنسيابية تامة و قتلتني!
سلطان يشعر بأن نارا تندلع في حنجرته من مرور هذه الكلمة على لسانه، أغلق هاتفه ليقف وهو يفتح أول أزارير ثوبه، وصل لأقصى حالات الإختناق، ليس جسدي وحده الذي يمرض، روحي أيضا.
تحملني هذه الحياة فوق طاقتي، والمحبط في الأمر أن تكونين سببا يزيد من تحملي، أنا الذي حاولت ان أرتد عن مبادئي السابقة، وأنا الذي ضللت أستخير الله في كل ليلة حتى توقفت عن ذلك قبل شهر تقريبا، لم ييسر لي الله إنفصالي منك أبدا، وهذا ما كان يجعلني دائما في حرب لاذعة بين إيماني بحكمة الله وإيماني بأنني لا أقدر على تجاوز الأمر، توقفت عن الإستخارة في الوقت الذي خفت به تماما أن يسهل الله أمر طلاقك! كنت أود بشراهة أن لا تأت نقطة تنهي ذكرك في فمي! في نبرة صوتي تحديدا، تعبرني تفاصيلك بحدة، هذا الأمر الذي لا أملك السيطرة عليه.
" إبتسامتك الخجلى، ضياع عينيك في خوفك/فرحك، رجفة صوتك، تصاعد أنفاسك، بعثرة خطاك، دندنتك الناعمة التي يستذكرها عقلي دائما ( روح لي قلبي يا ميمه ) ، رفعة شعرك، فرقعة أصابعك المتوترة، قدمك التي تضرب الأرض بخفوت كلما أشتد غضبك، أصبع يدك اليمنى الذي يعبث خلف أذنك في تفكيرك، تلاعب يديك بياقتك إن لم تجدي جوابا ينقذك من الأسئلة المتراكمة بداخلك، أسنانك العلوية التي تقبض على شفتك السفلية في كل مرة تبكين فيها، أحفظك تماما، أحفظ أبسط الأشياء المتعلقة فيك، لنا نحن العوض من الله، لنا أنا وقلبي رحمة من الله ".
إلتفت للباب الذي يفتح، بلع ركام الكلمات المبعثرة بداخله ليأت صوته متزنا بظاهر لا يعكس باطنه، اعتاد أن يموت ببطء دون أن يظهر من إحتضاره شيئا للناس، اعتاد دائما أن يحبس هذه الأمور بداخله ولا يظهرها لأحد : حصل شي جديد؟
أحمد بإبتسامة متسعة : إيه . . فيه شخص إسمه فواز عندنا ملفه هنا
سلطان يتجه نحو الطاولة الجانبية ليمد يده نحو كأس الماء ويبلل ريقه المحترق بالجوهرة : إيه وش الجديد؟
أحمد : الجديد أنه سلطان العيد الله يرحمه ويغفر له . . كتب وثيقة موقعة منه عنه
إلتفت إليه ليضع الكأس بصخب : وش وثيقته؟
أحمد : وثيقة تفيد تحقيقه ال . .
سلطان بلع ريقه بصعوبة ليقاطعه : أحمد! . . كيف وصلت لهالمعلومات؟ كيف تعرف أننا نحقق بهالموضوع ومحد يعرف غيري أنا و بوسعود و بو منصور!!!!
أحمد اختفت إبتسامته ليردف : الكل هنا يعرف أنكم تحققون بموضوع سليمان
سلطان مسح على وجهه بصدمة أخرى لا يمكن لعقله أن يستوعبها : كلكم!!!!
أحمد : لكن أكيد محد بحث بالموضوع بدون إذن منك الله يطول لنا بعمرك
سلطان بسخرية : أثلجت صدري بصراحة!
أحمد : أعتذر منك إذا كان تصرفي غلط، كل ما في الأمر إني وصلت لها وأنا أحدث السيرفر التابع لنا
سلطان يجلس على مقعده، كل شيء يحدث اليوم يجلب له البؤس : وش كان مكتوب فيها؟
أحمد : أنه إخفاء المعلومات المتعلقة بفواز هي جزء مما يتطلبه التحقيق
سلطان: غيره؟
أحمد : سلطان العيد الله يرحمه كان موافق على فعل عبدالمجيد، يعني الملف المتعلق بفواز هو مجرد حيلة من سلطان و عبدالمجيد لسليمان، عشان يتيقن سليمان بأنه الشكوك مبتعدة عنه ومتجهة لشخص يدعى فواز . .لكن مافيه شخص خلف هذا الإسم والإسم ماهو مزور! الإسم ماله صاحب من الأساس عشان يتزور!!
سلطان إبتسم من سخرية أحداث حياته به، ود لو يقتل نفسه الان ولا يسمع أنه أخطأ التقدير مرة أخرى
أحمد أرتعب من إبتسامته هذه التي تأت في غير حينها أي يعني أن غضبا سيأت بحينه : و . . و وبس
سلطان وقف ليحك رقبته بضيقه الشديد : وهذا الإكتشاف مين يعرف فيه غيرك؟
أحمد : محد، أنت أول شخص الله يسلمك أقول له
سلطان : وأتمنى إني أكون اخر شخص
أحمد بلع ريقه : أكيد أبشر
سلطان : فيه شي ثاني؟
أحمد: لا سلامتك . . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طيش !
الجزء (76)
رتيل تجمدت أقدامها من كلماته التي تشبه تماما ما قاله في تلك الليلة التي أتى بها كخيال محرض، تراجعت للخلف والرجفة تسكن أطرافها، أقترب منها ليشدها بقوة ناحيته وبوعيد : تحملي أخطاءك!! . . دفعها على السرير لتتسع نظراتها بالدهشة والدمع يصعد مجرى الكلمات إلى عينها، حاولت أن تقف ولكن ثبتها بكتفيها لتصرخ بوجهه : أتركنننني . .
هذه الصرخة التي من شأنها أن تستثير غضبا فوق غضبه، و حزنا يغص بما يحصل بحياته.
كيف للقسوة أن تتراكم بعينيك وأنا أستدل بها؟ كيف لها أن تقمعني بهذه الهيئة وأنا أرى نفسي كلما نظرت إليك!
تضببت رؤيتها من البكاء الضيق في زوايا محاجرها، كتم أنفاسها بكفه وهو يحفر أصابعها بملامحها، شعرت بأن فكيها يتكسران، تذوب بقبضة يده وهو يحاول أن لا يسمع صوتها، هذا الصوت الذي يرتد صداه بقلبه ولا يندثر.
نزلت دمعتها من نبرتها التي تختنق بداخلها ولا تخرج، أخذت شهيق ومات الزفير بقلبها، نظرت إليه بنظرات قتلت كل جزء فيه، نظراتها التي أتت أقسى من التجاوز و اللامبالاة، زادت ضغط أصابع كفيها المتمسكتين بصدره حتى تقاومه، كانت تقاومه بكفيها ونظراتها، هذه النظرات التي تأت بأحيان كثيرة أقوى من الأفعال.
كان هائلا، شاهقا، أشعر بأن العالم بأكمله فوقي ولست وحدك يا عزيز، أشعر وكأن الدنيا بمصائبها تتواطىء معك لتحرق قلبي! لو كانت عينيك أقل قسوة ، لو كانت خطاك أقل بعثرة لو كانت ملامحك أقل سمرة، لتجاوزتك! ولكنك كنت ما لا أشاء وما لا يحتمله قلبي، كيف تفعل هذا بإمرأة ظفرت قوانين هذه الدنيا ووضعتها خلف ظهرها من أجلك؟ كيف تفعل هذا بإمرأة تجاوزت أفعالك بالشتائم التي كانت تعني " أحبك " بهيئة مبطنة، كيف تفعل هذا بإمرأة منعها خجلها في كل مرة من المصارحة، كل شيء يتعلق بنا كان حجة، حجة لقول الحب وفعل الحب وكل الحب، قاس أكثر مما أظن، أنا التي أثق بعينيك أكثر من كل شيء، أثق بقدرتك على خيانتي بكل ماهو بمتناول قلبك ولكن عينيك لا تخون! عينيك لا تفعل بي هذا! أتركني بسلام! كان واضحا أننا سننتهي بطريقين منفصلين، ولكن لا تفعل كل هذا حتى أكرهك! لا تفعل يا عزيز من أجل بريق الحب الذي لمع في عينيك ذات مرة، لا تفعل من أجل " أحبك " التي لم نتجرأ أن نقولها لبعضنا بطريقة ناعمة.
أرخى قبضته على شفتيها، نظر لعينيها التي تتوهج بالدمع، ويدها التي تلامس صدره حتى تبعده، ذبلت كفاها حتى سقطت بمستوى مواز لجسدها، أبعدت ملامحها للجهة الأخرى، أبعدت نظراتها عنه حتى لا تراه، ببحة نزف بها بكاءها : أتركني . . . اتركني
مالذي يمنعني عنك؟ كنت قريبا جدا من أن أهينك بأكثر الأشياء ذلا لإمرأة مدللة مثلك! أنا أتوقف عن إهانتك في كل مرة أنوي بها أن أروضك ذلا، كيف تكونين بهذه الثقة المؤذية، كيف يأت صوتك واثقا في كلماتك المهتزة " أنا وقلبك نمنعك يا عبدالعزيز "، وكيف يخيب صوتي في كل مرة أقول " ما عاد لقلبي قرار! "، ضعنا هذا ما أنا واثق منه، في كل مرة يا رتيل أحاول أن أنسلخ من مبادئي أجدني في عرض هذه المبادئ تحديدا في عينيك التي تهذب كل أمر أنويه، لو أنك لا تنظرين لي بهذه النظرات لأستطعت أن أفعل بك كل ما نويته، ولكنك تملكين عينين تجسد الأفعال بصورة حادة.
أبتعد عنها بعقدة حاجبيه ليقف بثبات دون أن يلتفت إليها، دفنت وجهها في الوسادة لتجهش ببكاءها وهي تحضن نفسها بذراعيها الناعمتين و اثار قبضته مازالت على ملامحها الباكية.
صوت بكاءها يرن صداه في جسده الذي مازال يقمع محاولات قلبه بالإلتفات عليها، نظر لقميصه المبهذل إثر مقاومتها له، أغلق أزاريره ليلفظ : تعرفين وش اللي يحز في خاطري؟ إني أهين نفسي معاك
شعرت بأن حديد يصهر في أذنها من كلماته، في كل ثانية تمر كانت تشد على عناقها لنفسها وهي تتكور حول جسدها كظل يأس من صاحبه، بالحقيقة أنا يأست من أشياء كثيرة أهمها أنني يأست من هذا الحب، قنطت من رحمة هذا الحب بي! أنا في أشد لحظات حياتي يأسا، في أكثر فترات عمري حزنا، ماذا فعلت يا عزيز حتى تجعلني بهذه الصورة؟ أنا التي لم أتمنى الموت إلا قبالتك، وأنا التي لم أحبس الكلمات وأتلحف الصمت الا معك، وأنا التي أحببتك كثيرا وأحزنت نفسي كثيرا، يليق بنا أن نفترق، يليق بنا دائما أن ينفر كلانا من بعضه، أنا وأنت! هذا ما تقتضيه الحياة لنا، هذا ما تمليه علينا.
إلتفت عليها، أطال النظر إلى ملامحها المخبئة في الوسادة، ويده اليمنى التي تجاور جنبه تشتد حتى ظهرت عروقه المنتشية على ظاهر كفه، بحدة : أفكر غيري وش كان ممكن يسوي فيك؟
رتيل دون أن تلتفت إليه وضعت يديها على أذنيها : ماأبي أسمعك! ماأأبي . . . أنفجرت بالبكاء لتصرخ : اطلع! . . . أطلع من حياتي!! ما أبي قربك ولا أبي أشوفك . . عمري ما كرهت شي قد ما كرهت حبي لك!!
عبدالعزيز يقترب منها ليسحبها من ذراعها رغم محاولاتها بالتشبث بالسرير، أوقفها ليدفعها بقوة على ظهرها للجدار، سحب السلاح الراقد في خصره، وجهه لصدرها المرتجف، تجمدت عروقها وأنفاسها الثائرة دون زفير يسعف الموقف : شايفة شعورك الحين؟ هذا الشعور كنت أحسه كل يوم وكل دقيقة وكل ثانية! . . تخافين يغويني الشيطان وتنصابين؟ أو ممكن تموتين؟ . . انا ماكنت أخاف من الشيطان! كنت أخاف من الواقع اللي محد قادر يقوله لي!
أعتلت نبرته ليجلد روحها بغضبه : كنت اخاف من أبوك ومن فكرة أنه مخبي عني شي! كنت برضى لو مخبي عني معلومة تكون بنظر الكل تافهة! كنت برضى لو كان مخبي عني أي شي! لكن كيف أرضى أنه يخبي عني شخص من لحمي ودمي؟ أنا بالضبط وش سويت عشان أستحق كل هذا؟ . . ممكن ضايقت أبوك! ضايقته كثير . . بس ما أذيته مثل ما اذاني! . .
يحفر فوهة السلاح بنحرها وعينيه تتسلط بحدتها/قسوتها بعينيها : على فكرة! فيه أشياء كثير تخليني أتصرف بطريقة تليق فيكم!! لكن أبوي يمنعني! أبوي اللي مامات بداخلي!!
نست أمر السلاح الموجه إليها، نست كل شيء تماما وصدى جملته الأخيرة ترتد في جسدها ك رنين لا ينتهي، تسيل دمعتها بيأس عميق/ بحب مندثر، كنت أؤمن بشدة ومازلت نحن النساء لا نتملك عاطفة واحدة حتى يكون أمر الحب محض التجاهل والنسيان بسهولة مثلما يفعل الرجال، هم يملكون عاطفة واحدة من الممكن أن تنسى، ولكن كيف نتجاهل عواطفنا الفطرية والمكتسبة؟ عواطفنا التي تحتل عقولنا أيضا؟ في حين أن عاطفتهم لا تشكل سوى 1٪ من أجسادهم.
عبدالعزيز بيأس اتضح بنبرته : تفكرين كيف ممكن أتناقض بالدقيقة الوحدة مليون مرة؟ وكيف هالتناقض يلعب فيك؟
أخفضت رأسها، لا تريد أن تراه وتزداد زاوية إنكسارها ببكاء أكبر.
يكمل بمثل حدته التي تأت كسبب مقنع لبكاءها : لأنه عمري ما كنت لنفسي! أنا لأهلي . . لأبوي وأمي و هديل وغادة . . أنا كلهم يا رتيل! . . . . أهلي اللي أبوك بدم بارد ما فكر فيهم! كيف تبيني أفكر فيك؟ . . بتفق معك إني ممكن أكون أسوأ شخص تقابلينه في حياتك! لكن راح أكون الأسوأ فعليا لأني مقدر أدعي الفضيلة وأقول معليه يا عبدالعزيز قابل السيئة بالحسنة! فيه ناس أقوى مني ممكن يقابلون سيائتكم بحسنة صبرهم وتجاوزهم لكن أنا . . ماني بهالقوة!
دون أن ترفع رأسها لنظراته التي تأت كنار تلهبها : وأنا مقدر أدعي الفضيلة وأقول الحق حق يا رتيل وأبوك غلطان! أنا ماني بهالقوة يا عزيز عشان أقهر نفسي بأبوي!
عبدالعزيز إبتسم بإزرداء : تربية أبوك ماراح أستغرب! . . تعاملون الناس باللي ماترضونه على نفسكم!!
رتيل رفعت عينيها إليه لتردف وهي تحاول أن تتجاوز بكاءها وتتزن : إذا قصدك من كل هذا إنك توجع أبوي فيني، عادي! ماعاد تفرق معي نفسي، يهمني أنه ابوي ما يضيق علي لأني ببساطة منك تعلمت الصبر، إذا أنت تفكر لو غيرك وش كان يسوي فيني أنا افكر لو كانت غيري كيف بتقدر تتحمل كل هالمصايب؟ قلت لك كثير ببكيك يا عزيز لين تنتهي مني!
عبدالعزيز بعقدة حاجبيه يتأمل ملامحها التي تبكي من بين كلماتها التي لا تتراجع عنها أبدا، لن يرى أبدا بكاء يشبه بكاءها، ولا عينا تشبه عينها ولا نبرة تحطمه كنبرتها، ينزل السلاح ليضعه في مكانه السابق، بتهديد مبطن : حزني ما يخصني بروحي! يخصك أنت بعد!
رتيل التي تفهمه جيدا لفظت : تهددني حتى بالأشياء اللي تسيطر عليها نفسي!
عبدالعزيز : بالنهاية راح يجي يوم وبتكونين بين أهلك وناسك! راح تعرفين وش يعني ضميرك يموت! و كيف تعيشين الحياة كأداء واجب لا أكثر
رتيل بضيق: أداء واجب؟؟
عبدالعزيز : أنك تتنفسين لا أكثر! بدون أي هدف يخليك تعيشين هالحياة! و بتنتظرين الموت اللي يغيبك فعليا! . . راح يجي يوم وتعيشين كل هذا
رتيل بحدة : ما أشبهك! لا تربط مصيري بمصيرك بهالطريقة!!
عبدالعزيز بتهديد صريح حاد/قاسي : بس حزني مصيرك! قلت لك أنه ما يخصني بروحي . . . تراجع عنها بعد أن تقابل جسده بجسدها للحظات تقسم روحها نصفين، تركها ثابتة تحت تأثير الصدمة، خرج من الغرفة لترتفع عينيه نحو سقف هذه الشقة.
في حين انسحب ظهرها بذبول من التوكأ على الجدار لتجلس على الأرض، إنك تقتلني ببطء، تمارس أشنع الأفعال لقتلي، ليتك تحد سكينك وتنهي هذه الماساة ولكنك تستلذ بتعذيبي، " اللعنة " على الحب.
خرج من الشقة ليقفل الباب جيدا، نزل ليتسلل إليه ليل باريس الهادىء في مثل هذا اليوم، أدخل يديه بجيوب معطفه ليسير على الرصيف الضيق، خرج من على المحل الجانبي شخصا ليرتطم به على عجل، رفع عينه اللامبالية ليأت صوت وليد الشرقي : عبدالعزيز ؟
عبدالعزيز سار خطوتين ليلتفت عليه برفعة حاجبه : عفوا ؟
وليد : أنت عبدالعزيز العيد صح ؟
عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليردف : مين معاي ؟
وليد الذي ارتكب الصدفة وتعمدها : من يومين كنت عند ناصر و كنا ندور عليك
عبدالعزيز بملامحه المتجمدة وبرد باريس يزيده تجمدا : ناصر!! وينه؟
وليد : بالسجن! ماتعرف إيش صار؟ . . على العموم زين شفتك عشان تروح له، على حسب علمي هو صديقك
عبدالعزيز صمت طويلا حتى يقطع هذا الصمت بصوته الضيق : معه أحد ؟
وليد فهم قصده ليردف : لا ناصر لوحده . . ليه فيه شخص ثاني؟ ماعندي علم إذا فيه شخص كان معاه! اللي اعرفه أنه كان بروحه
عبدالعزيز : وش علاقتك فيه؟ مين تكون ؟
وليد : تعرفت عليه من فترة بسيطة لما كان هنا
عبدالعزيز بمزاج لا يجعله حتى يبتسم لإبتسامة وليد : طيب! . . شكرا لك . . أعطاه ظهره ليكمل طريقه.
وليد تنهد من مزاجيته السيئة التي كانت واضحة عليه، لا أعلم كيف فعلت كل هذا! بدأت أجن فعليا حد أنني أوقع بينهم من أجل أن احتفظ بغادة، هذا الحب امرضني، لست مثاليا حتى أرضى بأن غيري يحتفظ بك وينام على شعرك، أنا اسف لأنني لم أرضى بقدري وحاربته بأشد الأفعال سوء، لا أدري كيف أتجاوز خيبة اخرى؟ فشلت بحب تقليدي وفشلت أيضا بحب اخترته، لا حظ لي بهذه العاطفة التي تسمى " حب "، ولكنني أريد ولو لأسبوع فقط! أن أعيشه بسلام يقتضيه الحب فقط، أدرك تماما فداحة أفعالي! ولكن هذه الحياة لا تترك لي خيارا اخر، اسف جدا لأنني طبيبا سيئا عجز عن مداواة نفسه، أنا الذي أوصيت كل من اتني أن تكن الأخلاق الحسنة منهجهم حتى يصلح حالهم، أنا الذي أوجه الناس بشيء لا أقدر على فعله، أنا مريض جدا بك يا غادة.
،
لا أعني ما أقول، أنا التي تتبعها ضلالة الحب كظلها وحين تهتدي! تكن الهداية من عينيك، نحن نجسد الماساة بيننا لأننا لا نجرؤ على النهايات، كل شيء يجبرني أن أتخذ قرارا دون أن يشاركني قلبي به! هذه المرة أنا أقول " نعم " دون مشورة قلبي، ولكنني احترق! أشعر بأن النار تقوم في صدري، لم نتعلم العفو كما ينبغي حتى نتجاوز أمور كثيرة في حياتنا، المحبط يا سلطان أنني أحبك بالخفاء ولا اعرف شعورك تحديدا، سيقتلني شكي الذي يتحول ليقين في كل مرة أسمع بها صوتك، شكي/يقيني الذي يقول أنك تريدني، لا تقلها، أتركني اتعثر بك بالمكابرة.
سلطان يتصاعد غضبه في كل حرف ينطقه : أنت طالق!
ارتجفت شفتيها، شعرت بموجة صقيع تضرب جسدها، هذا الشعور الذي يقتضي العزلة تماما، أغمضت عينيها لتستوعب ما يحدث، تختنق ببكاءها، أظن أنني أسوأ مما أظن بنفسي، هذه الكلمة تأت ك; جرح. لا يمكنني أن أشفى منها، لم أكن متناقضة بهذه الصورة اللاذعة إلا معك، أنا لا أفهمني أبدا ولا أفهمك! إلهي كيف أتى صوته ثابتا دون أن تهزه الكلمة؟ إلهي كيف استطعت أن تقتلني دون أن تقول لي قولا ناعما يتمسك بي، كيف ننتهي هكذا وأنا لم أقل لك يوما أن عيناك جميلة وأني أحب النظر لنفسي عبرها، كيف يا سلطان تنهي الحياة بعيني حتى لو طلبتها منك! لم أكن أعنيها والله! تستفز صبري! تستفزني تماما حتى تخرج أسوأ مافيني لتجعلني أسقط في قاع الندم، هذه النهاية لا يحتملها قلبي، أنت المحرض الأساسي للألم و الوجع، للقهر والحزن، نطقتها دون أن يتحشرج صوتك بها؟ دون أن تنطق ب تنهيدة تنقذ الموقف! قلتها بإنسيابية تامة و قتلتني!
سلطان يشعر بأن نارا تندلع في حنجرته من مرور هذه الكلمة على لسانه، أغلق هاتفه ليقف وهو يفتح أول أزارير ثوبه، وصل لأقصى حالات الإختناق، ليس جسدي وحده الذي يمرض، روحي أيضا.
تحملني هذه الحياة فوق طاقتي، والمحبط في الأمر أن تكونين سببا يزيد من تحملي، أنا الذي حاولت ان أرتد عن مبادئي السابقة، وأنا الذي ضللت أستخير الله في كل ليلة حتى توقفت عن ذلك قبل شهر تقريبا، لم ييسر لي الله إنفصالي منك أبدا، وهذا ما كان يجعلني دائما في حرب لاذعة بين إيماني بحكمة الله وإيماني بأنني لا أقدر على تجاوز الأمر، توقفت عن الإستخارة في الوقت الذي خفت به تماما أن يسهل الله أمر طلاقك! كنت أود بشراهة أن لا تأت نقطة تنهي ذكرك في فمي! في نبرة صوتي تحديدا، تعبرني تفاصيلك بحدة، هذا الأمر الذي لا أملك السيطرة عليه.
" إبتسامتك الخجلى، ضياع عينيك في خوفك/فرحك، رجفة صوتك، تصاعد أنفاسك، بعثرة خطاك، دندنتك الناعمة التي يستذكرها عقلي دائما ( روح لي قلبي يا ميمه ) ، رفعة شعرك، فرقعة أصابعك المتوترة، قدمك التي تضرب الأرض بخفوت كلما أشتد غضبك، أصبع يدك اليمنى الذي يعبث خلف أذنك في تفكيرك، تلاعب يديك بياقتك إن لم تجدي جوابا ينقذك من الأسئلة المتراكمة بداخلك، أسنانك العلوية التي تقبض على شفتك السفلية في كل مرة تبكين فيها، أحفظك تماما، أحفظ أبسط الأشياء المتعلقة فيك، لنا نحن العوض من الله، لنا أنا وقلبي رحمة من الله ".
إلتفت للباب الذي يفتح، بلع ركام الكلمات المبعثرة بداخله ليأت صوته متزنا بظاهر لا يعكس باطنه، اعتاد أن يموت ببطء دون أن يظهر من إحتضاره شيئا للناس، اعتاد دائما أن يحبس هذه الأمور بداخله ولا يظهرها لأحد : حصل شي جديد؟
أحمد بإبتسامة متسعة : إيه . . فيه شخص إسمه فواز عندنا ملفه هنا
سلطان يتجه نحو الطاولة الجانبية ليمد يده نحو كأس الماء ويبلل ريقه المحترق بالجوهرة : إيه وش الجديد؟
أحمد : الجديد أنه سلطان العيد الله يرحمه ويغفر له . . كتب وثيقة موقعة منه عنه
إلتفت إليه ليضع الكأس بصخب : وش وثيقته؟
أحمد : وثيقة تفيد تحقيقه ال . .
سلطان بلع ريقه بصعوبة ليقاطعه : أحمد! . . كيف وصلت لهالمعلومات؟ كيف تعرف أننا نحقق بهالموضوع ومحد يعرف غيري أنا و بوسعود و بو منصور!!!!
أحمد اختفت إبتسامته ليردف : الكل هنا يعرف أنكم تحققون بموضوع سليمان
سلطان مسح على وجهه بصدمة أخرى لا يمكن لعقله أن يستوعبها : كلكم!!!!
أحمد : لكن أكيد محد بحث بالموضوع بدون إذن منك الله يطول لنا بعمرك
سلطان بسخرية : أثلجت صدري بصراحة!
أحمد : أعتذر منك إذا كان تصرفي غلط، كل ما في الأمر إني وصلت لها وأنا أحدث السيرفر التابع لنا
سلطان يجلس على مقعده، كل شيء يحدث اليوم يجلب له البؤس : وش كان مكتوب فيها؟
أحمد : أنه إخفاء المعلومات المتعلقة بفواز هي جزء مما يتطلبه التحقيق
سلطان: غيره؟
أحمد : سلطان العيد الله يرحمه كان موافق على فعل عبدالمجيد، يعني الملف المتعلق بفواز هو مجرد حيلة من سلطان و عبدالمجيد لسليمان، عشان يتيقن سليمان بأنه الشكوك مبتعدة عنه ومتجهة لشخص يدعى فواز . .لكن مافيه شخص خلف هذا الإسم والإسم ماهو مزور! الإسم ماله صاحب من الأساس عشان يتزور!!
سلطان إبتسم من سخرية أحداث حياته به، ود لو يقتل نفسه الان ولا يسمع أنه أخطأ التقدير مرة أخرى
أحمد أرتعب من إبتسامته هذه التي تأت في غير حينها أي يعني أن غضبا سيأت بحينه : و . . و وبس
سلطان وقف ليحك رقبته بضيقه الشديد : وهذا الإكتشاف مين يعرف فيه غيرك؟
أحمد : محد، أنت أول شخص الله يسلمك أقول له
سلطان : وأتمنى إني أكون اخر شخص
أحمد بلع ريقه : أكيد أبشر
سلطان : فيه شي ثاني؟
أحمد: لا سلامتك . . .
تعليق