رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي/ كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • *مزون شمر*
    عضو مؤسس
    • Nov 2006
    • 18994

    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

    ،

    قبل عدة أيام طويلة، دخل الجناح الخاص بهم وهو يبحث بعينيه عنها، أتجه نحو الجهة الأخرى التي تضم دواليبهم، بصوت هادىء : رييييم!! ...
    نظر للسرير المرتب الذي يثبت له بأنها لم تنام في الظهيرة كعادتها في الأيام الماضية، عقد حاجبيه من فكرة خلو الجناح منها، بغضب يمسك هاتفه ليتصل عليها ولكنه " مغلق " تأكد تماما بأنها خرجت دون علمه، لا يتصور كل هذه الأفكار السوداوية التي تنهمر عليه في لحظة واحدة، في الوقت الذي نزل به كانت الخادمة تبلغ والدته ما رأت.
    والدته بهجوم شرس: أنت وش مسوي مع البنت ؟
    ريان : وش قالت لك ؟
    والدته : الشغالة تقول أنها راحت مع أخوها ومعاها شنطتها!
    ريان بحدة : طيب .. مثل ماراحت ترجع وأنا أعلمها كيف تروح بدون علمي
    والدته بغضب : من جدك يا ريان تبي تقصر لي عمري!! ..
    ريان : يمه لا تزيدينها علي لو انها متربية ما تركت البيت بدون علمي .. بس والنعم والله فيها والنعم في أخوانها اللي مخلينها تمشي كلمتها عليهم – أردف كلماته الأخيرة بسخرية شديدة رغم القهر الذي ينتشر على جسده –
    والدته برجاء : أتصل عليها لا ترفع ضغطي
    ريان : ماراح أتصل ولا راح تتصلين يا يمه .. أنا أعرف كيف أربيها! إذا ما خليتها معلقة لين ترجع برجولها ما أكون ريان ...

    في هذه اللحظات تجهل ردة فعله ولكن كانت تتوقع أن يتجاهلها، أن لا يتصل، أن لا يحاول أن يستعيدها، تعلم أنه لا يكن لها أي شعور حتى يفتقدها، مر أسبوع وهذا الأسبوع الثاني ولا خبر عنه ومنه، تتكور في فراشها كالجنين، هذه الوضعية التي تحن إليها، تكتم ملامحها البيضاء في الوسادة القطنية، لا تتحمل كل هذا الألم، كل هذا الوجع الثقيل على قلبها، كلمة " مطلقة " التي تأت كشبح وكابوس على قلبها، في عمر أصغر من أن تتحمل كل هذا العناء، لم أتوقع ولو للحظة ان تصل بنا الحياة لهذا المفترق، أن يلتصق بي " الطلاق " في وقت قصير، ولو كنت أكثر المتشائمين لما توقعت أن يكن ريان بهذه الشراسة وهذه الحدة التي تصيبني في غثيان الأحلام الزهرية.
    تمسح دموعها وهي تعتزل الجميع وتتوحد بغرفتها، سمعت طرقات الباب لتلفظ ببحة : تفضل
    طلت هيفاء وهي تضيق اكثر وأكثر بمنظرها منذ ان أتت : ما نمتي ؟
    ريم : لا
    هيفاء : طيب أنزلي تحت، أبوي ومنصور ويوسف مجتمعين و ... يتكلمون بموضوعك .. تعالي وقولي لهم قرارك قبل لا تضيق بينهم كلهم لأن حتى أمي عصبت
    ريم عقدت حاجبيها لتتنهد بضعف، وقفت وهي ترفع شعرها كذيل حصان وتنزل مع هيفاء، بنبرة خافتة : أستخيري قبل كل شي
    لم ترد عليها، هي مع ريان تجاوزت الإستخارة بكثير، لم يعد هناك شيئا يجعلني أتمسك به، لا شيء يخبرني بأن هذه الحياة ستبتسم وأنا بقربه.
    نظرت إليهم ولحدة النقاش والكلمات التي تقذف بينهما، تفاجئت بنبرة يوسف وهو يقول : إذا جاء ريان ذيك الساعة محد بيمسكها ويقولها لا ، بترجع له
    ألتفتوا عليها، والدها : تعالي .... أشار لها للمكان الفارغ بجانبه.
    جلست ليحتضنها من كتفيها، هذا الدعم الذي يبثها فيه والدها يشعرها بالأمل رغم كل الإحباط واليأس، بنبرة هادئة : أنا ماأبي الموضوع يكبر وياخذ أكبر من حجمه ... أنا قررت وأنتهينا
    يوسف : على الطلاق؟
    ريم هزت رأسها بالإيجاب.
    يوسف : أنت عارفة وش يعني طلاق؟ مهما كان فيه مشاكل بينكم فهذا شي طبيعي ببداية كل زواج! أنت بيوم وليلة صرتي بحياة ثانية أكيد بتواجهكم عقبات، ماراح يكون بهالسهولة! لكن أنك من أول مشكلة قلتي طلاق هذا شي مرفوض طبعا
    ريم : لما كنت تبي تطلق مهرة ماكان بيوقفك كلامنا .. ليه الحين بيختلف الوضع
    يوسف بغضب : لا تربطين الأشياء في بعضها! مهرة غير وأنت غير ... تصرفك غبي أنك تجين وبدون لا يدري والمشكلة من الكبير بعد
    منصور : يوسف أحفظ ألفاظك كويس
    ريم بعصبية رغم أن عيناها تتلألأ بالدمع : يعني بتغصبني مثلا؟ قلت ماأبيه .. أنا إنسانة ما اصلح لزواج ولا أصلح لأي شي
    والدها : ريم حبيبتي سواء كنت رافضته أو موافقته أنا بكون معك لكن بتاخذين بنصيحتي أكيد ؟ .. لا تتصرفين تصرف أنت متأكدة أنك راح تندمين عليه بعد فترة
    والدتها بإنفعال : رافضته!! عقب العرس وكل اللي صار تجي الحين تقول رافضته!
    ريم وصوتها يختنق بالعبرات : طيب أنا ماأرتحت له، ماأبغاه
    والدتها : وليه توك تقولين هالحكي! كلمتك يوم كنت في تركيا وقلتي أنك مرتاحة ومزاجك عال العال .. وش تغير الحين؟ ولا هو لعب بزارين قالك كلمة وعلى طول زعلتي... لو كل البنات سوو زيك ما بقى بيت عامر! لكن الشرهة على اللي ما عرف يربيك ولا عرف يعلمك كيف تحفظين بيتك وتصونينه ... وخرجت غاضبة لا تحتمل أبدا وقوف الأب والأخ الأكبر معها، لا تحتمل أن إبنتها تدمر بيتها وهي التي تتأمل منها أحفادا وحياة زهرية لا تذبل.
    أخفظت رأسها، كلمات والدتها أتت موجعة لها في وقت جف به جسدها وكل شيء عدا عينيها التي لا تتوقف عن البكاء،
    يوسف بهدوء : تعوذي من الشيطان هذا طلاق ماهو لعبة! لا تهدمين شي بكرا بتندمين عليه
    والدها : لا تسمعين لأحد، أنت بروحك اللي قرري ووقتها أنا بنفسي بكلم ريان وأبلغه

    ،

    في الصباح المضطرب، يضع الأوراق أمامه وهو ينظر للقائمة التي وقعت بدخولها للأرشيف الذي يعتبر مستودع أسرار محظور، رفع عينه : ومين بعد ؟
    أحمد : بس هذا ما يخص شهر أوقست
    عبدالرحمن بإرهاق يضغط على عينيه : أبي أعرف مين مسك هالأوراق غيري؟
    أحمد : الله يسلمك عطيتك الأسماء وأنا متأكد أنه ما سقط ولا إسم سهوا
    عبدالرحمن : باقي يشككونا في نفسنا
    أحمد بكلمات مرتبكة يحذر منها : أعذرني على التدخل لكن ما تحس أنكم تشكون في شخص وبعدها يطلع دليل يبرئه .. ممكن يكون فيه شخص قاعد يشككم بناس مالها دخل عشان ينفذ مخططاته، أنا أشوف يا طويل العمر أنه السالفة تتعلق بشخص واحد اللي قاعد يحاول يضرب روسكم في بعض.
    عبدالرحمن رفع عينه إليه : ومين هالشخص اللي قاعد يشتتا بنظرك ؟
    أحمد : أحذر صديقك قبل عدوك
    عبدالرحمن تنهد : شاك في أحد يا أحمد ؟
    أحمد : لا، لكن دامه يعرف كل هالأمور أكيد أنه قريب مننا
    عبدالرحمن : تقدر توصلي لسكرتير سلطان العيد الله يرحمه
    أحمد : أستقال من فترة طويلة
    عبدالرحمن : طلعه من تحت الأرض، شف لي عناوينه وروح له .. لازم أشوفه ضروري

    ،

    يكتب في الصفحة 77 " حقل محظور : في الأرض التي رأيتك بها ربيعا أقتلعت أشجاري ولم يعد للحطاب شيئا يفعله سوى عد النجوم ليلا " ينظر لوالده المشغول بأعماله، يراقب تصرفاته الدقيقة التي يشترك بها معه، نظرته الحادة وتلك الهادئة، عدسة عينه التي تتجه للأعلى في حالة غضبه، هذه الحالة التي ينظر بها للسقف معبرا عن ضيقه ومعبرا عن تهديده الذي إن عاد ونظر للشخص الذي أمامه سيقتلع جذوره، هذه الحركات البسيطة تشبهه تماما حتى وإن حاول إنكارها.
    لاحظ نظراته ليلتفت إليه : لا يكون أنا إلهامك!
    أبتسم : كنت بجاملك وبقول محظوظ أنك أبوي
    رائد : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه شكرا على صراحتك ..
    لتتغير ملامحه بغضب مصطنع ويكمل : قم أنقلع عن وجهي منت كفو
    فارس يقف : طولوا وما ردوا علينا! يمكن يرفض
    رائد : مو سأل عنك يعني معناته أنه مقتنع بس أنت أنتظر يومين بالكثير وبتلقاه يتصل على أبوك .. *أردف كلمته بسخرية*
    فارس : تراني بلغت أمي
    رائد بسخرية لاذعة : عز الله راح الزواج في خبر كان
    فارس نظر إليه بغضب من أنه يهين والدته أمامه : يبه!!
    رائد ويكمل بسخريته وهو ينظر لأوراقه : من باب مالاتعلمه عن امك تراها إذا ما بغت شي يصير ومقدرت توقفه .. الله وكيلك يصير اللي تبيه عاد كيف! لا تسألني ... كيد أعوذ بالله منه
    فارس : لكن هي موافقة وأنبسطت
    رائد : غريبة! عاد أمك نكدية درجة أولى! إذا مالقت شي تبكي عشانه قامت حضرت لها فيلم تبكي فيه .. عقد الله يبعدك عنها
    فارس : أنا الغلطان اللي فتحت سيرتها، على الأقل أحترمها عشاني
    رائد : أنا أتطنز عليك ولا عليها؟ عليها إذن إكل تراب ومالك دخل ..
    فارس يجلس أمامه لا يستطيع أن يجادله بشيء لأنه يعرف ردة الفعل المستقبلية لذلك، تنهد ليردف : متى بنرجع الرياض؟
    رائد : متى ما طق بمزاج .. مين؟
    فارس : بمزاج رائد
    رائد : وحطبة!
    فارس بإستفزاز صريح له : هالحين موضي اللي مو عاجبتك متزوجة ومبسوطة! وأنت مقلق نفسك ولا تزوجت
    رائد يضع أوراقه في الدرج ليرفع عينه : الحريم مايناسبوني
    فارس : وش يناسبك؟
    رائد بنظرة الشك : هذي الأسئلة ماهي لله! لايكون تكتب عني! تراني أنبهك عشان ما يكتبون فارس الله يرحمه
    فارس : كان مجرد سؤال

    ،

    تقيأت كثيرا هذا الصباح، تشعر بأن روحها تخرج في سعالها الذي قطع أوردتها، لن يعجب عبدالرحمن الخبر، يمكنني تصور ردة فعله إن علم! إنقطاعي عن حبوب منع الحمل أتى مكلفا، سيغضب لو علم! بالتأكيد سيشعر أنني أستغله أو أرفض أوامره، يالله مالحل! لو أخبرته وهو في الرياض لن يترك لي فرصة بشرح الأمر! ماذا لو لم اخبره ربما يغضب بعد أن يعرف ويشعر بأني أستغفله! مسحت وجهها بالمنشفة وهي تخرج لترى عبير تسرح شعرها.
    أخذت نفسا عميقا لتردف : أنتم أطلعوا أنا برجع أنام.
    عبير تتأمل شحوب وجهها الذي لا يبشر بالخير : فيك شي؟
    ضي تستلقي على السرير وهي تضع يدها على بطنها : لا بس تعبانة شوي شكله من الاجواء
    رتيل الغائبة فعليا عنهما، تغلق أزارير معطفها دون ان تنطق كلمة مازالت اثار البارحة تجفف حقل الكلام في صدرها.
    عبير : إذا ماطلعتي معنا محنا طالعين .. نسيتي أبوي وش قال؟ يا نطلع كلنا يانجلس كلنا
    ضي : بقفل علي الباب وماراح يجيني شي إن شاء الله
    رتيل تجلس بالسرير الذي يجاورها : أمس ماكان فيك شي! لا يكون ماكلة شي ومخليك تتعبين كذا!
    ضي بتوتر : لا ماكليت الا اللي أكلناه مع بعض .. أنا أعرف نفسي أحيانا أتعب ويجيني خمول زي كذا فجأة
    عبير تنهدت : طيب أجل بنجلس معك
    ضي : وش تسوون معي! خلاص قلت لكم بنام وماعلى تجون بتلقوني شبعت نوم
    عبير : أنت أول وحدة نمتي أمس .. وش هالنوم اللي جايك فجأة
    أرتبكت ضي لتردف وهي تبلع ريقها : وش فيكم مستغربين! قلت لكم تعب عادي بس أنام برتاح
    سمعوا طرق الباب لتتجه عبير وترى من خلال العين السحرية، ألتفتت : هذا عبدالعزيز ... أتجهت رتيل وهي تأخذ نفس عميق : أقوله بنجلس ؟
    عبير : إيه خلاص أنا بجلس
    فتحته وهو يقف مبتعدا عدة خطوات ويعطي الباب ظهره، ألتفت ليطيل صمته بعينيها : صباح الخير
    رتيل : صباح النور .. أغلقت الباب لتتمسك بقبضته وهي تتحدث معه ... ضي وعبير بيجلسون اليوم، مو مشتهين ينزلون تحت .. وأنا بعد
    عبدالعزيز : مو مشتهين! ولا بتحاولون في غيابي تنزلون!
    رتيل : جد أكلمك مو مشتهين .. ماراح ننزل تطمن
    عبدالعزيز : طيب .. وأنت ؟
    رتيل بهدوء : ماني مشتهية بعد
    عبدالعزيز : طيب، تبون أجيب لكم شي ؟ نزلتوا أفطرتوا ؟
    رتيل : لا مو مشتهين
    عبدالعزيز بشك : كلكم مو مشتهين!
    رتيل بتوتر : إيه
    عبدالعزيز : ماشاء الله كلكم مو مشتهين تاكلون وكلكم مو مشتهين تطلعون ..
    رتيل تنهدت : قلت لك مو مشتهين يعني فيه شي غريب بالموضوع؟
    عبدالعزيز : إذا صاير شي قولي لي! أتركي خلافاتنا على جمب ولا تخبين شي
    أبتسمت : الحين صارت خلافاتنا!! قلت لك مافيه شي
    عبدالعزيز : طيب تعالي معاي .. بننزل نفطر
    رتيل : مو مشتهية! نفسي منسدة
    عبدالعزيز كان سيتحدث لولا هاتفه الذي أهتز بيده : هلا أثير
    أرتفع نبضها بإسمها الذي لا شأن له سوى أن يعبر لسان عزيز، تنظر له وهي تتأمل صوته، تتأمل الكلمات التي تخرج منه، لا قوة لدي لأصطبر على أنك تحادثها، لا قوة لدي لأتحمل كل هذا، وإن كنت لا تعنيني إلا أنني أنانية جدا بك، أنانية لدرجة لا تستوعب أن هذه الأنثى تسمعك، تراك، تحدثك، تعانقك.
    عبدالعزيز مشتت نظراته بعيدا عن رتيل التي تشتعل غيرة : ... طيب ... إن شاء الله الساعة 5 ............لا مو أكيد ...... طيب بحفظ الرحمن ... أغلقه.
    رتيل بهدوء تخفي الغيرة المتوجهة في عينيها : تبي شي ثاني ؟
    عبدالعزيز : لا ولا تطلعون .... لم يترك لها فرصة للتعليق وهو يتجه نحو المصاعد الكهربائية.
    دخلت وهي تشتمه بكل الكلمات وتصخب بألفاظها حتى قاطعتها عبير : وش قالك على هالصبح بعد!
    رتيل : الله ياخذ أثير أخذ عزيز مقتدر
    ضحكت ضي بين وجعها وإضطراب مشاعرها لتردف : مدري كيف فيه حريم يقدرون يعيشون مع الضرة! شي يحرق القلب
    رتيل : ومين قال بعيش معها! يا أنا يا هي .. وطبعا هو ما يقدر يتنازل عن حبيبة قلبه .. إثنينتهم كلاب ..
    عبير عقدت حاجبيها : ما أتخيل حتى لو كان شخص ماأحبه بس فكرة أنه فيه وحدة غيري بحياته بحد ذاته هالشي يقطع قلبي
    رتيل بضيق : شكرا لأنكم تزيدونها علي
    أبتسمت ضي : قلنا لك روحي له بس أنتي تكابرين وتقولين لا ومستحيل وماأعرف أيش .. خلي حججك تنفعك
    رتيل وهي تقطع أظافرها بأسنانها من حرقة الغيرة التي لا تنطفىء أبدا : اكيد الحين راح لها ..
    عبير : بتضلين طول الوقت تفكرين وتقولين الحين جمبها والحين هي وياه والحين مدري وش يسوون! ... لاتفكرين بهالأشياء وتشيبين عمرك

    يتبع

    تعليق

    • *مزون شمر*
      عضو مؤسس
      • Nov 2006
      • 18994

      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


      ،

      في مدينة الضباب الماطرة على الدوام، تتأمل ملامحه وهو نائم على الأريكة بعد ان جلبت له غطاء قطني يدفئ أطرافه، تتوافد عليها الذكريات بمجرد ما تمارس معه الأفعال، كل أقواله التي يستمر بالضغط بها عليها لا تجلب لها ذكرى واحدة و قبلة فقط قبلة جعلتها تعود لمكان تجهله على وقع ضحكاتها، ما يثير في نفسها ألف علامة تعجب كيف كانت تمارس الحب معه في الأماكن العامة؟ من المستحيل أنها كانت تمارسه معها! ولكن في كل ذكرى لا أتذكر أن أحد معنا أو بجانبنا، كنت أول رجل ألحظه بحياتي، أول رجل هذبت به مراهقتي، كنت فارس أحلامي الذي يجيء يوميا مع عبدالعزيز لأتلصص عليه بالنظرات، كان إعجابا بك وبشخصيتك التي كنت أراها فريدة، ولكن الان لا أعرف ما شعوري نحوك؟ من انا بالضبط ومن أنت!
      أستيقظت عيناه ببطء ليراها، شعر أنه مازال غارق في حلمه، أن يبدأ صباحه على هذا الوجه الذي لا يشبهه أحد، الذي يليق بأن يكون تمثالا رومانيا ولا غير ذلك، كيف للنساء هذا الكم من الفتنة؟ الفتنة القدرية التي لا سلطة لنا عليها، وأنا أعني ب " النساء " أنت وحدك، فلا قبلك نساء ولا بعدك.
      أرتبكت لتحك رقبتها، هذه التفاصيل الصغيرة التي تتمسك بها رغم كل الذي حصل، وقفت وهي مشتتة لا تعرف مالعمل هنا؟
      ناصر يستعدل ودون أن يلفظ كلمة أتجه نحو الغرفة، لا أفهم ماهي الخسارة؟ أأنا خسرت نفسي أم خسرت غادة!
      دقائق واسعة تركها تتوحد مع ذاكرتها الخاوية العاقة، بينما إستحمامه لم يستغرق الكثير، خرج ليلفظ : قومي ألبسي بنطلع
      غادة رفعت عينها بهدوء : ليه تبي تحبسني عندك ؟
      ناصر : أستعجلي بأنتظرك هنا
      غادة لا تتحمل تجاهله : أبي إجابة لسؤالي
      ناصر يجلس أمامها : ماعندي إجابة، أنت تعرفين لو تبينها تذكري مثل ما تتذكرين ناس كثير غيري
      يحاول تعذيبي، يحاول أن لا يجيب عن أسئلتي حتى أبحث عنها بذاكرة فارغة، أردفت بهدوء وفي داخلها تغلي : أجل ماهو مهم أتذكر دامه يعنيك
      رفع عينه بحدة غضبه وهي تتجه نحو الغرفة، رمى هاتفه الذي بين إيديه على الطاولة الزجاجية ليقف متجها إليها، فتح الباب دون أن يطرقه وعيناه تجلد جسدها الرقيق بالنظرات، تقدم إليها ليسحبها من ذراعها : الحين صرت ماني مهم!!
      غادة : أترك إيدي
      يلويها أكثر ليشدها نحوه : أنا أسألك
      غادة بحدة تتألم من ذراعها : ماعندي إجابة
      ناصر : لا تحديني أتصرف بأشياء لا ترضيك ولا ترضيني
      بلعت ريقها، تخافه كثيرا، تخاف قربه، لا يمكنها أن تثق به أبدا : ممكن تترك يدي!
      ناصر بوعيد : كلمتين ولا غيرهم! لو جربتي ترمين حكي منت قده بيكون حسابك عسير ... اللهم بلغت
      ترك يدها لتضم ذراعها إليها بعد أن شعرت أنها تتمزق بقبضته، أحمرت محاجرها بالدمع : طيب أتركني لحالي
      ناصر يتجه للباب : أنتظرك برا
      غادة ودمعها ينزل بخفوت : ماأبغى أطلع
      ناصر الذي تضعفه هذه الدمعة كثيرا، تضعف قلبه الذي أصطبر على البعد وحين رضخ لأقداره وامن سخطت عليه الحياة لتعيده لبداية حزنه، : قلت أنتظرك برا! ما قلت وش رايك نطلع ؟
      غادة تعض شفتها السفلية لتمنع دمعاتها من المسيرة نحو خدها : يعني غصب؟ ليه ما تفهمني؟ ليه ما تحاول تفهمني!
      ناصر تنهد ليردف : أحاول! طيب أنت ليه ما تحاولين، ليه ماتفهمين كيف كنا عايشين قبل! كنا غير .. كان لكل شي بهالوجود معنى ، كل شي حلو كان إسمه غادة .. كل شيء .. والحين؟ ولا شيء! ولا شي من هالوجود يعكسك، الكل يذبل لأنك منت غادة اللي أعرفها
      غادة وتتذكر ما حدث في محطة القطار، كيف كانت تضحك بغرقه بها، كيف كان الضحك يصل لأعلاه وهي تحمر خجلا، كيف هي الأشياء تزهر و تتورد بين شفتي، أخاف منك وعليك، أخاف مني وكيف للأشياء تضيع وتندثر مع رجل يحتفظ بكل الأشياء الصافية وتلك الشائبة، كيف يعيش شخص دون ذاكرة؟ كيف يستطيع أن يعيش دون ذكريات؟ نحن الذين كنا نطلب النسيان من الله هل فكرنا كيف من الممكن أن نعيش بعد النسيان؟ هذه الذاكرة وإن أحتفظت بأسوأ الأشياء تبقى إرث للنفس البشرية، وإن أندثر الإرث رخص القلب! رخص وبشدة، كان يجب أن أنظر للذاكرة بنظرة النعمة حتى أشكر الله عليها مرارا وتكرارا، كان يجب أن أستودعها الله وأستودع من يسكن هذه الذاكرة.
      ناصر : ما أبغى نقاش ... وخرج ليتركها في وعثاء حزنها، لا شيء يحتمل هنا.

      ،

      تترتب الأسماء الأكثر ضياعا وتشتتا، كان الإسم الأول يرقد بسلام " سلطان العيد " و صح صغير بجانبه أضاع حياته، فقط " علامة " من المحتمل أن تسرق روحك، بإبتسامة هادئة يضع دائرة حول إسمه البسيط " ناصر " ليردف بإنكليزية سمراء : كل الأشياء يجب أن تتلاشى من جذورها.
      . . .

      ،

      تجاهلت كل كلماته الحادة وقسوة كلماته الأخرى الضيقة، منذ ان دخلت عليه فجرا لتلمس جبينه الذي يرتفع بحرارة فظيعة وهي تفتعل النسيان لكل الأمور الرمادية، ما يشغل عقلها هو صحته وفقط.
      وضعت الكمادات الدافئة على وقع دخول حصة الهامسة : ماصحى؟
      الجوهرة : لا
      حصة : طيب روحي نامي وأرتاحي أنا بجلس عنده
      الجوهرة : لا خليني مو جايني نوم أصلا
      حصة : شوفي وجهك من سوء التغذية وقل النوم كيف صاير! يالله يالجوهرة لا تخليني أشيل همك فوق همه
      الجوهرة برجاء تتوسلها : الله يخليك لو تعبانة صدقيني بناديك
      حصة أخذت نفس عميق، لا سلطة لديها تمنعها : طيب، أنا بجلس بالصالة بس يصحى ناديني
      الجوهرة : إن شاء الله ...
      خرجت لتعود عينيها تتأمله، من التعب لم يشعر كم من الوقت نام، يكاد يستغرق أكثر من 15 ساعة في نومه، بربكة تخلخل أصابعها في شعره القصير، وهذه التفاصيل البسيطة التي كانت تتلهف تجربتها كان يمنعها عنها بكلماته، والان لا شي يمنعني فنومك العميق يترك لي فرصة التأمل دون توقف، يترك لي فرصة لمسك وتحسسك دون أن تشعر بي، هذا الشحوب الذي يتكىء في ملامحك لا يسرق منك حياتك فقط بل يسرق حياتي أيضا، تمرر أصابعها على رأسه ووجهه مغري جدا بأن أتخلى قليلا عن المكابرة/الخجل مادام لا يشعر بمن حوله، أنحنت لتقبل جفنه العلوي، دائما ما كانت عيناه حادة تقيم في قلبي الكوارث، من النادر أن أراها نائمة كملاك، المثير للشفقة في كل هذا أننا نحتد بأقوالنا يوما وباليوم الاخر نقترب من بعض، هذه الكيمياء التي بيننا مازلت أجهلها ولا أدري إن كنت تلتفت إليها أساسا، عرفتك متغطرسا لا تلقي للأشياء التي تخصنا بالا.
      فتح عينيه بتضايق من نور الغرفة وهو يشعر بحرارة جسده المرتفعة، أبتعدت بتوتر لتلتقي عيناه بعينيها.
      سلطان ببحة : كم الساعة ؟
      الجوهرة : 3 العصر
      عقد حاجبيه من فكرة أنه نام كل هذه المدة من الأمس، شعر بالكمادة التي على جبينه، الجوهرة : أرتفعت حرارتك الفجر
      سلطان بضيق يبعدها ليحاول أن يقف، الجوهرة بهدوء : راح أجهز لك ملابسك ما على تقوم وتصلي اللي فاتك،
      خرجت لتطمئن حصة : توه صحى، تركته يتوضأ ويصلي صلواته وبروح أجيب له ملابسه
      حصة وهي تتجه نحو المطبخ : أجل دام كذا بحضر له أكل من أمس ما أكل شي يا عيني
      صعدت بخطوات سريعة متجهة نحو الدولاب، لتستخرج له بيجاما خفيفة، سقطت عيناها على قمصان نومها المرتبة بعناية والتي لم تلبسها قط، هذه الأشياء تخدش روحها، هذه الجمادات المصنوعة من قماش لها قدرة في الوجع. أغلقت الدولاب لا تريد التفكير من هذه الزاوية التي دائما ما تحسسها بالنقص عن بنات جنسها، نزلت لتفتح باب غرفته بهدوء وتنظر له على السجادة، يركع بصعوبة ويسجد بصعوبة أكبر، عقدت حاجبيها من منظره مازال جرحه لم يتلئم، مازال يؤلم ويهيج عليه في كل حركة.
      أنتظرته كثيرا حتى سلم من صلاة العصر، ألتفت عليها دون أن ينطق شيئا.
      الجوهرة : ليتك صليت وأنت جالس .. الدين ماهو عسر زين كذا تعبت نفسك!!
      سلطان : عمتي وينها ؟
      الجوهرة بإبتسامة : على فكرة نظام تتجاهلني وتحسب أنك بتوجعني ماعاد ينفع
      سلطان لم يستطع أن يمنع نفسه من الإبتسامة : أهنيك!
      الجوهرة تضع ملابسه على السرير : طيب إلبس ما على حصة تجهز لك الأكل من اليوم تنتظرك تصحى
      وقف ليأخذ ملابسه : جيبي لي مقص
      الجوهرة رفعت حاجبها : ليه ؟
      سلطان بعد أن كح ببحة موجعة : شايفة صوتي تعبان مافيني حيل أتكلم كثير
      الجوهرة بتوسل للإجابة : طيب وأنا ماأبي أتعبك بس وش له داعي المقص!
      سلطان الذي أستصعب على نفسه نزع بلوزة البيجاما القطنية بسبب مكان الجرح: مالي خلق أنزع ملابسي .. مفهوم؟
      الجوهرة : كلها بلوزة!
      سلطان رفع عينه بحدة جعلتها تتراجع بخوف : الحين بروح أجيب لك .... وخرجت ليستلقي على السرير بإرهاق فعلي، ينظر للسقف الشاحب بنظره، يبدو لي أنني أغرق أكثر، ولا شيء تقرأه الدنيا في وجهي جهارا غير كلمات ترضي غروري البشري " إني عشقتك واتخذت قراري فلمن أقدم يا ترى أعذاري ؟ ، لا سلطة في الحب .. تعلو سلطتي فالرأي رأيي .. والخيار خياري ، وأنا أقرر من سيدخل جنتي وأنا أقرر من سيدخل ناري أنا في الهوى متحكم .. متسلط. "
      دخلت لتمد له المقص، أستعدل بجلسته وهو يقطع بلوزته الخفيفة أمام أنظارها، عندما أقترب من مكان الجرح مسكت يده بشعور لم تفهمه ولا تفهم إندفاعها به : خلاص .. وتسحب المقص من بين يديه التي أصبحت في لحظات مطيعة لها.
      بيديها مزقت بقية البلوزة ليتعرى بصدره العريض أمامها، بلعت ريقها بصعوبة وهي تبعد سنتيمترات قليلة عنه، هذه التدريبات المرهقة صقلت جسده وعضلات صدره بشكل كبير، أتى في بالها هيئة عمها عبدالرحمن، أجسادهم تؤلم العين من فتنتها، أرتدى بلوزته بسهولة أكثر دون أن ينظر إليها، تذكر أنه أخبر عبدالرحمن بأن يجيء بمتعب إليه! رفع عينه : ما أتصل أحد اليوم ؟
      الجوهرة بربكة مازالت تسرح به : ها !
      سلطان : ما أتصل أحد؟
      الجوهرة : إيه .. لا .. أقصد إيه ما أتصل أحد
      سلطان وقف لتتجه بخطوات سريعة نحو الباب وهي تلفظ بحرج : ننتظرك برا ...
      لم يستغرق الكثير حتى يأت خلفها ويتجه خلف كرسي حصة وينحني ليقبل رأسها من الخلف، ألتفتت عليه بعينين متلهفة : بعد عمري والله ... كذا تخوفنا عليك!! هالشغل ما خذينا منه إلا الشقا
      أبتسم وهو يجلس أمامها لتكمل : وفوق هذا طلعت من المستشفى قبل لا يأذنون لك! ودك تشقيني وبس
      سلطان : جو المستشفى يزيدني كابة .. هنا مرتاح
      حصة : طيب تشكي من شي؟ يوجعك شي؟ لا تخبي علي!
      سلطان : لو أشكي شي ما جلست قدامك
      الجوهرة وكأنها تنتقم منه في لحظاتها التي كان يتمتع في تعذيبها : ماشاء الله الله لايضرك على هالقوة
      ألتفت عليها بنظرات تفهم معناه ليتمتم بهمسة لم تسمعها سوى الجوهرة : جايتك هالقوة قريب

      ،

      بغضب كبير يقاطعه لم يعد يتحمل أكثر من هذا الشتات التي تعيشه عائلته : شف سكت مرة ومرتين وقلت معليه حياته ولا تتدخل فيه لكن توصل أنك تقرر بعد تعلقها وتلحقها بمنى ماراح أرضى !
      ريان بهدوء يحاول أن يمتص غضب والده : تركت البيت بدون لا تترك لي خبر! وش تبيني أسوي؟ أركض وراها وأترجاها ترجع!
      عبدالمحسن : ماقلت تترجاها! أتصل عليها وتفاهم معها ولا روح الرياض رجعها معك! عيب اللي تسويه هالتصرفات ما تطلع الا من المراهقين!!!
      ريان ويعلم تماما ردة فعلها إن أتى الرياض : طيب تبيني أروح الرياض عشان أطلقها؟ أبشر من عيوني
      عبدالمحسن بحدة: ريان!!!! لاترفع ضغطي، قلت لك روح وجيبها
      ريان : هذا اللي ناقص يايبه! الحين أخوها لو فيه خير ما خلاها تترك البيت بدون لا تعطيني خبر! بس دامه كذا خلهم أنا من وراهم ماني شايف خير ولا أرتجي الخير اصلا
      عبدالمحسن : هذول متربين أحسن منك على فكرة! على الأقل ما يتلاعبون في البنات ويشكون في ظلالهم!
      ريان أحتقن بالغضب : إيه أنا شكاك! شي يرجع لي وأنا حر فيه، وريم أنا أعرف أربيها خلها تنثبر في بيت أهلها والطلاق تحلم فيه ..... وخرج بخطوات غاضبة.


      ،

      وضعته في سرير بعد أن نام بهدوء، لترفع عينها وبصوت خافت : أنا أشوف أنك يا منصور تتحمل جزء من الغلط! يعني ماهي حلوة بحقه بعد تطلع بدون لا تقوله أكيد الحين بيقول زي ماطلعت ترجع ! كذا تحط نفسها في موقف محرج لها ولك ..
      منصور المستلقي وأعصابه متوترة بتصرفات يوسف ووالدته : كنت معصب وقتها من سالفة انه يمد إيده عليها!
      نجلاء بسخرية : كأنك ما مديت إيدك علي من قبل!
      منصور بغضب : أنت غير وهي غير! هم في بداية زواجهم يعني توهم في طور تعرفهم لبعض أما أنت كنا نعرف بعض ونعرف شخصياتنا وتعرفين أنه لما امد إيدي عليك ما أكون قاصد اهينك لكن ريان من شخصيته واضح قاصد يستقوي عليها
      نجلاء تجلس بمقابله : أنا أقول تعوذ من الشيطان، ريم توها صغيرة بدري عليها تتطلق في هالعمر، خلها تصلح أغلاطها بنفسها وترجع له، وإن جت بالمرة الثانية ذيك الساعة تقدرون تتدخلون لكن من أول مشكلة وصارت كل هالضجة! كذا ريان بيحس بالإهانة منكم لأنكم تدخلتوا في حياته وكأنه هو عاجز أنه يحل مشاكله بنفسه.
      منصور : أنت ما تشوفينها لما تبكي! تقطع قلبي واضح أنها ماهي مرتاحة معه .. وش يرجعها مرة ثانية!
      نجلاء : ما مر أكثر من شهر ونص على زواجهم وتبونها تتطلق! يا منصور هذي مشاكل دايم تصير لا تخلونها تكبر بتصرفاتكم وبعدها هي اللي بتندم وبتحس أنك ظلمته

      ،

      على بعد ليس بالطويل كانت جالسة تفكر بتناقض رأي يوسف إتجاه ريم وإتجاهها، بهدوء : يوسف
      رفع عينه من هاتفه الذي أنشغل به
      مهرة : لاتحسبني أتدخل بس أبي أعرف رايك بالموضوع! ليه ماتبي ريم تتطلق؟
      يوسف : لأن توها ماصار لها أكثر من شهر معه! من الظلم أنها تتطلق الحين وهي ماعرفت أطباع الرجال ولا هو عرفها
      مهرة : بس دامها ماهي مرتاحة وش تسوي!
      يوسف : ترجع وتجرب! ما قلت أني بغصبها على حياة ماتبيها لكن تعطي نفسها فرصة عشان تقرر بحكمة أكثر
      مهرة ألتزمت الصمت وهي تميل فمها، دائما ما تتسع دهشتي بك! دائما ما لاترضاه على عائلتك ترضاه على غيرك، أخذت نفس عميق لتردف : مشتهية أروح حايل!
      يوسف بإبتسامة حميمية : لا يا ملي
      أبتسمت من كلمته الأخيرة لتردف : والله ودي أروح
      يوسف عقد حاجبيه : ما صار لك يا مهرة! أنتظري بس هالفترة وبعدها أبشري
      مهرة وقفت لتجلس بجانبه وتلتفت بكامل جسدها نحوه : ممكن أسألك سؤال؟
      يوسف : تخوفني صيغة هالأسئلة
      مهرة بتوتر : بس أبي أعرف أنا وش أعنيك؟
      تفاجىء من سؤالها حتى ضاعت الكلمات منه، لا يعرف أي إجابة تليق أو أي إجابة يجب أن يمتنع من قولها.
      وتشتته كانت دلالة لشيء يخدش قلبها : تفكر! ... انسى السؤال خلاص
      يوسف : لا ماهو أفكر! بس .... أنا فاشل بالتعبير والله
      أتسعت إبتسامتها بشحوب ملامحها الذي أختطفت منه الحمرة بتردده وضياعه.
      يوسف : جد اكلمك! فاشل مع مرتبة الشرف ... بس كل اللي أعرفه أني ما أعرف يومي بدونك
      بلعت رجفة قلبها بريقها، تجمدت ملامحها والحمرة تسير إبتداء من أقدامها حتى جبينها، أبتسم لخجلها ليقبلها بجانب شفتيها قليلا بإتجاه اليمين، هذا المكان الذي ينتمي إليه ويفضله دوما، لايعرف كيف لهذا الجزء قدسية في قلبه.



      تعضعض شفتيها حتى تشققت، لا تعرف كيف تبلغه تخشى أن يهجرها كإعلان منه على رفض الذي في بطنها، توترت مع الدقات التي تطرق سمعها ودقات قلبها التي تطرق صدرها، تاهت بينهما وهي تجهل الفرح في كل مرة، في كل مرة أبحث بها عن من يشاركني الفرح لا أجد أحد سواك يا عبدالرحمن ولكن هذه المرة يبدو أن لا أحدا سيشاركني هذه الفرح، رغم أنني أعرف عواقب هذا الحمل ولكن أريده، أريد أن أصبح أم وأن أربي طفلا يقف معي ويكن كل شيء في هذا الكون، أريد هذا الطفل بشدة، أريد من يشبهك ويشبهني أن يأت إلى الحياة بسرعة ولكن أخشى! أن ترفضه. قاطع سلسلة أفكاره وهو منهك في العمل أنتبه متأخرا لهاتفه الذي يهتز : مساء الخير
      ضي : مساء النور .. شلونك ؟
      عبدالرحمن : بخير الحمدلله، أنت بشرنيي عنك وعن البنات؟
      ضي : كلهم بخير، للحين في الشغل ؟
      عبدالرحمن : إيه
      ضي : طيب ما أعطلك كنت بتطمن عليك
      عبدالرحمن بهدوء يستشف من صوتها : فيك شي؟ مو على بعضك!
      ضي : لا ولا شي حبيبي، بس .......... هذه الأحلام من شأنها أن تضعفها وتضعف نبرتها التي تجاهد بها أن تتزن، تجاهد كثيرا أن تخرج بمنظر المرأة الصلبة ولكن في كل مرة تفشل ... فاقدتك
      عبدالرحمن بهدوء : ما تفقدين غالي، إن شاء الله بس يقوم سلطان بالسلامة أرجع
      ضي : إن شاء الله


      يتبع

      تعليق

      • *مزون شمر*
        عضو مؤسس
        • Nov 2006
        • 18994

        رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


        ،

        في مكان بعيد عن ضواحي باريس المزدحمة، يجلس بمقابله : بس يرجع راح يبلغك أكيد
        فارس : وهي ؟ وافقت ولا إلى الان!
        عبدالعزيز : والله مدري بس ما أتوقع بترفض
        فارس عقد حاجبيه : على فكرة أبوي بدا يشك فيك وبدا يشك في كل اللي حوله أصلا
        عبدالعزيز : يسأل عني؟
        فارس : كثير، يحاول يستغل طيحة سلطان بس ماهو لاقيك
        عبدالعزيز أبتسم : ولا راح يلاقيني! لأن مدري وش بيقررون لكن الأرجح أنهم بيفصلون موضوع رائد وبيوكلونه لشخص ثاني
        فارس : تعرف شي! رغم أني أعارض أبوي بكل شي لكن ممكن أسوي المستحيل عشان ما ينمسك!
        عبدالعزيز كان يعرف ردة فعله مسبقا من حبه الكبير لوالده إذا ماوصل لمرحلة العشق لأنه ببساطة والده مهما فعل وكل شيء في حياته : هذا أنت تلاقيني! ما خفت يعرف ويشك فيك؟
        فارس : هذا شي وهذاك شي ثاني! أنا مستحيل أضر أحد من كلا الجانبين وأكيد أبوي مستحيل أضره
        تنهد بهدوء الذي لم يفهم من لقاءه الأول معه سوى أنه يريد عبير ولا عرضة بذلك للأكاذيب لم يعرف أنه على علاقة بها منذ سنة وأكثر، لم يعرف أبدا عن الرسائل والحب الكبير المجهول الذي ينمو بينهما، يثق بفارس كثيرا حتى لو كان إبن مجرم! يكفيني صدقه وعدم كشفه لشخصيتي أمام والده.
        : بس والله أبوك مو هين لصقك بإسم وبشهادات وأقنع بوسعود فيك
        فارس ضحك ليردف : ما صار رائد الجوهي من فراغ!!
        بإبتسامة يجيبه : بهذي صدقت!
        فارس ينظر لما خلف عبدالعزيز، إحدى رجال والده الذين يحفظهم جيدا : لا تلتفت
        عبدالعزيز بجمود رفع حاجبه.
        فارس : توقعت أني ضيعتهم معي .. روح قبل لا يشك فيك!
        عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليقف : طيب .. أشوفك على خير ....... أتجه نحو الأمام دون أن يلتفت ليشعر بوخز في يسار صدره، يشعر بصوت يفتك بجسده، شغل سيارته لتتعدى سرعته ال 120 كيلومتر في الساعة، تضببت رؤيته والأصوات التي كانت تأتيه بعد الحادث مباشرة تعود إليه بقوة، وقف عند الإشارة الحمراء ليمسح وجهه بيديه، لا يتحمل هذه الصرخات التي تنهش بأذنه/قلبه، أخذ نفس عميق ليحرك السيارة وصوت غادة الطاغي بصرخاته يمزج بصوت والده الخافت، ولوالدته النصيب الأكثر من البكاء المتداخل فيما بينهما، يشعر بصمت هديل، بصمتها المهيب الذي يشتت عليه كل أفكاره، ركن سيارته بجانب المقبرة ليدخلها بحشرجة روحه، بخطوات يائسة وقف أمام قبورهم ليحييهما بتحية الأحياء " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "
        وقف كثيرا دون أن ينطق شيء، عيناه مازالت تنظر إلى الأسماء المحفورة بالحروف الإنكليزية، جلس على ركبتيه لم يعد له طاقة بالوقوف، أستغفرك يالله من كل ذنب وكل خطيئة وكل حرام، أستغفرك يالله من كل شيء يحول بيني وبين جنتك، يالله! يالله أرزقنا رحمة منك تلطف بأجسادنا التي أنهكها الإشتياق، يالله أرزقنا إنا عبادك أبناء عبادك، يالله إرحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء وأرزقنا الصبر والإصطبار، نظر لقبر والدته ووصل الحنين إلى أقصاه، هذه أعظم إمرأة عرفتها في حياتي، كم من الوقت يلزمني حتى أنساها، أنسى كيف أشتاق إليها، إلهي! كم من طاقة تود نفسي بها حتى تقف وتصطبر على شر القضاء، ليتك تعلمين فقط بأني أفتقدك بأضعاف هذه الأرض التي تفتقدك، تفتقد خطاك الخفيفة الروحانية، تفتقد صوتك الرباني الذي يرتل الايات بإستمرار، كل الأشياء التي تحبس تفاصيلك بصدرها تثور بالحنين في كل لحظة يهبط الليل ولا تجدك بقربها، كل الأشياء يا أمي " أتفه " من أن تتحمل غيابك، وأنا أصغر بكثير من أن أتحمل غياب قلبي معك، أنا أفقدني في كل لحظة، أفقد صفاتي التي تربيت عليها بين يديك، أنا يا أمي والله والله أشتاقك فوق الإدارك وما يعلم ولا ما لا يعلم.
        أطال في مكوثه، في أحاديث النفس الرمادية، كيف يأت الموت سريعا؟ كيف يختطف الناس دون سابق إنذار! في المقبرة أنت تدخل ولا تعلم هل تستغفر وتدعي من أجل الموتى أم تستغفر لنفسك قبل أن يصبح حالك مثل حالهم، الموت لا ينتظر أحد، وأخشى ان يأت ولم أقدم شيء يشفع لي بأن أشارك الجنان معكم.

        ،

        تسير بجانبه ولا تعلم لأي مكان يذهب بها، هذه الأجواء الباردة تجمد عقلها معها من التفكير بأي شيء سواء كان صغير أم كبير، دخلا لممر ضيق إختصارا من المرور بالطريق العام، أمامهما إحدى مداخل حديقة الهايدبارك ولكن كانت توجهات ناصر مختلفة ولم تستطع أن تناقشه بشيء، لا تريد أن تفتح معه حوارا أبدا.
        شعر بأن أحد خلفهما، لم يطيل بالتفكير حتى ألتفت ووقعت عيناه على شخص يمدد السلاح عليه، أتسعت محاجر غادة من هذا المنظر، لم تعتاد أبدا أن ترى " سلاح " حقيقيا أمامها حتى والدها لم يكن يجيء بهذه المستلزمات، في لندن المدينة الشاهقة كان لابد من وجود عصابات الشوارع ولكن هذه الملامح لا توحي بعصابات ومشردين وإلى اخره من هذه الأفكار، سحب غادة لتكون خلفه، يفكر بطريقة يفلت بها دون أن يصيب غادة شيئا، قطع سلسلة أفكاره بإنكليزية مغلظة : للمرة الأخيرة يجب أن تحذر من يحاولون تهميشك أن لا يعبثون معنا أبدا
        ناصر بهدوء عكس ما بداخله : من تقصد؟
        : إن كنت صدقت الخدعة التي لفقت لك فأنت مع كامل إحترامي غبي! يجب أن تسأل من تقف خلفك من كان معها الأيام الماضية؟ هل وليد الذي جلبه سلطان بن بدر أم عبدالرحمن! أم فيصل. *أردف الأسماء بأسلوب ركيك يوضح به أصوله الإنكليزية رغم ملامحه السمراء*
        ناصر تجمدت عيناه، أكثر مما يتحمل، أكثر بكثير من أن يصدق كل هذا، بلكنة فرنسية مكتسبة حاول أن يختبر جنسيته : وكيف أصدقك!
        بالفرنسية يكمل معه : لا يعنيك من أكون! أنا أقول لك ما يجب أن تعرفه يا "ناسر" ! أصدقائك هم من منعوك عن من تقف خلفك، يمكنك ان تسألها وتتأكد
        ناصر تسترجع ذاكرته حواره مع سلطان، عندما قال بكل إتزان إن كنت أستطيع أن أسامح أحد على فعل ما؟ هل هذا الفعل؟ هذا لم يكن فعل يا سلطان هذه كانت كارثة ورب من خلق السماء بغير عمد إنها كارثة لا تحتمل أبدا، لا تحتمل بان أصدق تجاهلك لمشاعري ولإنسانيتي، هذا فعلا اكبر بكثير مني.
        تراجع الأسمر عدة خطوات للخلف ليردف بفرنسية يقطعها بكلمة إنجليزية : الان يمكنني القول أنني من قضيتك I'm out
        تجمدت خلايا المخ لديه امام الأمطار التي هطلت وكأنها تواسيه، كانوا يعلمون! كانوا يعرفون! كل هذه المدة كانوا يشاهدوني كيف أتقطع وأضيق وتركوها! تركوها ولم يبلغوني!
        ألتفت عليها لتردف قبل أن يندفع عليها بالكلمات : ماأعرف أي شي عن اللي قاله . . . . .
        يسحبها بشدة لم يتعامل بها مع إمرأة من قبل، لم يترك لها فرصة تفسر وتبرر، هذه المرة لن يقف بوجهي أحد، هذه المرة والله وأنا أحلف برحمة الله أن أقتص منهم واحدا واحدا ، ورحمة الله التي جعلتني أصبر كل هذه المدة ليصبهم زمهرير جهنم مبكرا ولن أبالي بالأسماء.

        ،

        يتراجع بخطاه للخلف قبل أن يدخل لوالده وهو يسمع صراخه وغضبه الكبير الذي ينفجر بالشتائم والكلمات الحادة، لم يستوعب شيئا ولكن يعرف الجحيم الذي يقبل عليه.
        رائد يصرخ : 10 شهور وأنا ماأعرف مين الكلب ولد سلطان ولا صالح! أقسم برب الكعبة لا أوريهم كيف يلعبون علي !
        : طال عمرك أنت أهدى إحنا جبنا كل المعلومات وهو زوج بنت عبدالرحمن وكل شي تحت سيطرتنا
        رائد : سيطرتك في ******* ، 10 شهور وتوك تجيب المعلومات الله يلعنك ...
        لم يبالي باللعن الذي يطرده من الجنة في حديث صريح لا يتحمل تأويل غير الطرد، في قول روحاني نطق به " لا يدخل الجنة لعانا " لم يبالي بشي وهو ينطق بكل ما يذهب به إلى جهنم فأنفاسه تتصاعد بحرارة جهنم الدنيا.
        أردف بصراخ : هذا عبدالعزيز تجيبونه لي من تحت الأرض، أنا أوريهم .. والله ما أخليهم في حالهم ! هم بدوها حرب وأنا أخليهم بنفسهم يترجوني عشان أنهيها!
        ركض بالسلالم للأسفل ليخرج من منطقة والده بأسرع الخطى وهو يكتب رسالة لعبدالعزيز ولم ينتبه لهاتفه البلاك بيري الذي يراقبه رائد عن كثب بعكس هاتفه الاخر " الايفون" :" أطلع من باريس في أقرب وقت، أبوي كشفك "

        ،

        والأخبار تخرج على السطح بصورة سريعة، تنتقل للرياض بصورة أسرع، متعب الذي كان متملل وهو يراقب قصر رائد الجوهي الخاوي حتى سمع الحديث الذي يحصل بين إحدى رجاله.
        : والله توه مكلمني أسامة وبلغني .. طلع عبدالعزيز ولد سلطان العيد!
        *: من جدك!! وش سوى رائد؟
        : قايمة الدنيا هناك في باريس!!! أنا بس سمعت وش قال أسامة وأنا قايل بتصير الكارثة
        *: وش قال بعد!
        : رائد بجلالة قدره قال والله مثل ما بدوها حرب لأخليهم يترجوني بنفسهم عشان أنهيها
        *: الله لايبشرك في الخير! الحين بيكرفنا!!
        ترك متعب السماعة وهو يتجه بخطوات سريعة نحو الطابق الثاني لمكتب عبدالرحمن بن خالد، طرق الباب حتى دخل : عذرا على المقاطعة
        رفع عينه عبدالرحمن : تفضل متعب
        متعب برجفة شفتيه من تهديد رائد المباشر لهما : رائد كشف عبدالعزيز
        وقف وأعصابه تتجمد في مكانها : وشو؟
        متعب : هذا اللي صار! الدنيا قايمة في باريس ورائد بيبداها معاكم ومع عبدالعزيز مثل ما قالوا رجاله
        عبدالرحمن بغضب يتجه بخطوات سريعة وكل تفكيره أنحصر بدائرة ضي وبناته : أتصل على عبدالعزيز بسرعة .... نزل بالسلالم للطابق الاخر وهو يأمر بأن يوفرون الحماية لعائلته في باريس من قبل الحرس هناك.
        متعب الذي كان خلفه : عبدالعزيز جهازه مغلق
        عبدالرحمن بصراخ جن جنونه : شف اي طريقة تتصل فيها عليه!
        متعب بلع ريقه ليحاول أن يكتب له رسالة بأصابع بدأت ترتجف من الكوارث التي ستحصل.
        ألتفت على زياد المسؤول عن أمن الحراسة : حي سلطان مأمن؟
        زياد الذي كان يجري عدة إتصالات حتى لا يتم الإعتداء على بيوت العاملين ذو المناصب الكبيرة: كل شي تحت السيطرة
        عبدالرحمن أطمئن من ناحية سلطان وزاد خوفه من ناحية عائلته وبدأ يشتم نفسه من أنه تركهم لوحدهم! كان يجب أن يفكر بعواقب الأمور، تصرفاتي بدأت تصبح غبية في الفترة الأخيرة، دون أي تفكير ومنطق تركتهم!
        وضع يده على جبينه وهو يحاول أن يفكر بطريقة متزنة، أتصل على ضي النائمة، ومع كل رنة يزيد بخوفه ورهبته من أن أمرا حصل لهما، هذه المرة لن يرحمهما رائد، لن يرحمهما أبدا! هذه المرة ستتلاشى عائلتي مثل ما تلاشت عائلة سلطان العيد ومثل ما تلاشت عائلة سلطان بن بدر من قبل، لن أتحمل كل هذا، والله لن أتحمل.

        ،

        يمسك رأسه وهو لا يعرف كيف يفكر وبأي طريقة، رمى هاتفه في عرض نهر السين بعد أن أكتشف أنه مراقب من أجهزة رائد وسهل عليه أن يكتشف مراقبته من الرسائل التي حذفت دون أن يحذفها بنفسه، والإتصالات التي أستقبلها هاتفه رغم أنه لم يستقبل شيء، ترك سيارته حتى تشتتهم قليلا، بخطوات سريعة قطع الطرق ويتمنى لوهلة أن يصل وأن يجدهم بسلام هناك.
        أخذ نفسا عميق بعد أن أقترب من منطقته، رجع عدة خطوات وهو يرى ملامحهم، رغم ملابسهم التي توحي انهم طبيعيين ولكن يعرف جيدا من هم، دخل إحدى المحلات القريبة ليرتدي نظارته الشمسية رغم الجو الغائم ويغلق معطفه عليه ليتسلل إلى باب الفندق، لم يتحمل إنتظار المصعد ليركض بالسلالم نحو طابقهم، طرق باب الغرفة ومع كل إنتظار يندفع قلبه بإتجاه صدره ... من المستحيل أنهم لا يسمعون.


        ،

        رمى هاتفه الذي راقبه ليأخذ سلاحه وبحافته الحادة يصفعه بقوة حتى أنحنى فارس ليتقيأ دماءه، صرخ به : ولدي يسوي فيني كذا !! بس والله يا فارس لا أوريك كيف تغدر!
        فارس وهو يبصق الدماء على الأرض : ما كنت أبي أضرك ..
        يقاطعه بغضب : واللي سويته! والله ... ولا خلني ساكت! أنا أعرف كيف أربيك
        فارس كان يستكلم لولا هيجان والده الذي يشبه البركان إذ لم يكن هو البركان ذاته : وعبير! مالي علاقة زوجها منت زوجها إن شاء الله ******** تجيني هي الثانية
        فارس أتسعت عينيه بالدهشة : لا مستحيل
        رائد بغضب يرمي عليه علبة ثقيلة ذات حجم متوسط يحتفظ بداخلها السلاح : مستحيل في عينك! أقسم بالعلي العظيم لو ما تطيعني يا فارس لا أقطعها قطع قدامك! وهذاني عند حلفي
        فارس يشعر بأن والده يخترق قلبه بعنف/بوحشية : مستعد أسوي لك اللي تبي! تبيني أضر مين؟ مستعد بس عبير لا .. خلاص أتركها عنك ما عاد أبيها
        رائد بحدة : بس أنا أبيها! وإن ماجت منك بتجي من غيرك وأنت أختار
        فارس : يبه ..
        رائد بصراخ : لا تناقشني! لك عين تناقشني بعد!!! عندك 24 ساعة .. بس 24 ساعة تجيني فيها ومعك عبير!
        فارس ازداد صراخه مع صراخ والده : مقدر ! ماهي زوجتي كيف أجيبها
        رائد بغضب : الله عليك يالمحترم! يالشريف ياللي ماتقبل تلمس وحدة ماهي زوجتك! أقول بلا كلام زايد وتجيني عبير ! وعبدالعزيز اللي مخليه صاحبك انا أعرف كيف أجيبه ... والله لاأوريهم نجوم الليل في عز الظهر... والله لا أخليهم مايتهنون دقيقة في حياتهم.
        فارس بحدة : مقدر .. مقدر كيف أجيبها ! ماهي زوجتي ما هي حلالي
        رائد يقترب منه ليطوق رقبته بيديه وهو يعصرها بأصابعه الغاضبة ليدفعه على الجدار : ماهي زوجتك! أنا أعرف كيف أخليها زوجتك! بس ساعتها أنت اللي بتندم!!!

        ،

        أرتفع صدره بهبوط شديد، بلع ريقه الجاف ليردف وهاتفه مثبت بإذنه : طيب .. أنا بتصرف.
        : أسمعني يا فيصل! اللي قدامك أكبر منك . . . قاعد تدفع ثمن أغلاطك
        فيصل بهدوء رغم الفوضى التي تهيج في داخله : طيب ..
        شعر بأن كلماته تذبل ولا إتزان يستطيع أن ينطق به ليكمل : بحاول أكلمهم اليوم
        : ماهو اليوم! حالا !! حالا يا فيصل ولا بتضيع
        فيصل : طيب ... إن شاء الله
        : يا ما قلت لك أبعد عن هالخراب! لكن ما سمعتني .. شف وين وصلت نفسك!!
        فيصل : ماني متحمل أحد يعاتبني يرحم لي والديك ....
        : طيب أنتبه لنفسك وطمني بس تتم أمورك .. مع السلامة
        فيصل أغلقه ليلتفت وتتسع محاجره من والدته الواقفة ودمعها يجتمع في محاجرها : مين هذا ؟
        فيصل : صاحبي
        والدته : ماأقصد مين يكون! أقصد أيش اللي قاعد يصير!
        فيصل يقترب من والدته لتبتعد عدة خطوات للخلف : لا تلمسني! مستحيل تكون كذا
        فيصل : يمه فاهمة غلط! أنت سمعتي جزء من الموضوع ... هي سالفة قديمة لا تشيلين في بالك
        والدته بغضب : ما فكرت فينا! ما فكرت بمين لنا من بعدك! دايم أناني يا فيصل .. دايم تفكر بنفسك وتنسانا! تغيب بالأشهر وترجع بدون لا تفهم وش يعني وجودك في حياتي وحياة ريف!! .... ودخلت غرفتها دون أن تترك له مجال يفسر ويشرح.
        ضرب بقبضة يده على الجدار ليتألم من ضربته، يشعر بأنه في حاجة للتفريغ، أن يفرق كل هذه الشحنات التي تهبط على قلبه.

        ،

        يغلق الهاتف وأصابعه فعليا تتجمد، شعر بأنه يختنق وأن حرارة جسده ترتفع، يشعر بأن إغماءة بسيطة تتسلل إليه وهو الذي كان يضرب به المثل في الإتزان والصبر، لم تكن تهزه المصائب ولا تحرك به شعرة ولكن إرهاق جسده يتواطىء مع كل هذه المصائب، مسح وجهه بكفه الحارة جدا، نادى بصوت عال : الجوووووهرة
        ماهي إلا ثواني حتى دخلت إليه، ألتفت عليها : طلعي لي ثوب وأي شماغ بسرعة!
        الجوهرة : كيف تطلع وأنت بهالحالة!
        يصرخ عليها ببحة قاتلة لترتجف أطرافها الهشة : قلت روحي جيبي!
        الجوهرة عقدت حاجبيها وهي تحاول أن لا تتأثر عاطفتها وتسقط بوحل دموعها : الدكتور ما راح يسمح لك ولا أنا ... يتقدم نحوها ليدفعها قليلا ويخرج متجها للأعلى.
        تتخطاه لتقف أمامه معلنة رفضها خروجه وهو بهذه الحالة الضعيفة : سلطان ما ينفع! شوف حالتك كيف!
        سلطان بحدة الغضب : أبعدي عني دام النفس عليك طيبة
        الجوهرة : لا ما راح أبعد ...

        ،

        يغلق الباب بعدة قفلات أمام إعتراضاتها ومحاولاتها اليائسة بفتحه، وصوتها تدريجيا يموت بداخلها كجنين يستعمر بأكثر من 9 أشهر : تكفى لا !

        .
        .

        أنتهى البارت

        تعليق

        • *مزون شمر*
          عضو مؤسس
          • Nov 2006
          • 18994

          رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
          إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()



          المدخل لخالد الفيصل :
          يا صاحبي مني لك الروح مهداه
          والله لو به غيره اغلى هديته
          ما قلت لأحد غيرك الروح تفداه
          انت الوحيد الي بروحي فديته
          وانت لولاك ما قلت انا اه
          ولا شكيت من الهوى ما شكيته
          يا زين حبك عن هوى الناس عداه
          جميع وصف كامل بك لقيته
          سلم المحبه ما وطا الزين ناطاه
          حد الخطر لعيون خلي وطيته
          والي يودك كل ما منك يرضاه
          حتى عذابك يا حبيبي رضيته





          رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طيش !
          الجزء ( 63 )



          يغلق الباب بعدة قفلات أمام إعتراضاتها ومحاولاتها اليائسة بفتحه، وصوتها تدريجيا يموت بداخلها كجنين يستعمر بأكثر من 9 أشهر : تكفى لا !
          بلا رحمة، تستعمره قسوة بعد سنة و 5 أشهر و ثواني! لم تكن ثواني قليلة! لم تكن ثواني سهلة! كانت صعبة قاسية حادة! كانت سنين! كانت عمرا! عمرا يا غادة وليتك تفهمين ما يعني العمر؟ ما يعني أن أعيش دون وجهة! دون حياة! هل جربتي العيش دون حياة؟ هل جربتي العيش وكأنك عدم! لم تشعري أبدا بحرقة الشوق فيني! ولن تشعري أيضا! يسمع صوتها من خلف الباب، هذه نبرة قلبها أعرفها جيدا، هذه نبرة البكاء التي تثقب الجسد بالندب، جميعكم! جميعكم والله ستدفعون ثمن هذا غاليا، أنا الذي دعوت الله: يا رب خذني إليها! ليتني حددت في أي دار ألقاك! يا ليتني قلت " الجنة ولا غيرها " ولم أراك في هذا العالم الوضيع! ومازلت أبحث عن إجابة يا ضي عمري . . لم أنطفأت ؟ لم حين حلمت بك كقصيدة أضعت القوافي مني؟ أني أبحث عن عينيك وعن وطني الذي نكرني! أني ضائع ولن أسامح من أضاعني حتى لو كان يجاور كتفي طيلة سنوات حياتي.
          توجه نحو هاتفه وأطرافه ترتجف من الغضب الذي يسد الفراغات بين أصابعه، كتب رسالة لفيصل تحمل تهديدا لاذعا " و رحمة الله ماراح تفلت مني أنت واللي وراك "
          جلست على الأرض الباردة وهي تسند ظهرها على الباب، أجهشت بالبكاء، لم أعد أريد شيء، لا أريد أن أرى أي أحد من الذين مضيت معهم عمري السابق، كشجرة لا ظل لها في منتصف الصحراء أنا حزينة، كجفاف أوراقها أنا عطشانة. أكره هذه الحياة، أكرهكم جميعا.

          ،

          يطرق الباب للمرة الأخيرة حتى ألتفت للمصعد الذي تخرج منه عبير ورتيل، توجه إليهما وبحدة : وين ضي ؟
          رتيل بإستغراب : في الغرفة!
          عبدالعزيز يكاد ينفجر بهذه اللحظة، كل الأفكار تختلط في رأسه، كل الأشياء تهرب منه : وين كنتم ؟
          رتيل : نزلنا نجيب بطاقة شحن ... وش فيك؟
          عبير أبتعدت عنهما لتدخل الغرفة وعقلها يغيب بأمر عبدالعزيز المريب.
          عبدالعزيز : طيب روحي شوفي لي مرت أبوك
          رتيل تنهدت : وش صاير لك؟
          عبدالعزيز بغضب كبير : مو قلت لا تطلعون!
          رتيل : طيب ! ما طلعنا من الفندق بس نزلنا ل ..
          يقاطعها : رتيل قلت لا تطلعون! واضح كلامي ولا لا
          رتيل بقهر : لا تصرخ علي ماني أصغر عيالك! ...
          عبدالعزيز يسحبها من ذراعها ليقف أمام غرفتهم : ولا تطلعون ولا تفتحون الباب لأي أحد حتى لو كانوا من العاملين بالفندق .. مفهوم ولا أعيد الكلام مرة ثانية! حتى أنا لا تفتحين لي لأن عندي مفتاحكم!
          رتيل بعدم فهم : كيف مانفتح لك؟
          عبدالعزيز عض شفته السفلية من غباءها في هذه اللحظة : ركزي معي قلت لا تفتحين الباب لمين ما كان! طيب؟
          تسحب ذراعها دون أن تجيبه ليردف بحدة : مفهوم!
          رتيل بخفوت : إيه
          عبدالعزيز : أدخلي شوفيها وتعالي بسرعة
          دخلت وهي تتأفأف منه، لتلتفت لضي التي أستيقظت بإنزعاج : يالله رحمتك بس!!
          بخطوات بطيئة أتجهت نحوه : مافيها شي! بخي
          يسحب الباب دون أن يترك لها فرصة إكمال الكلمات، أتجه نحو غرفته ليخرج جوازه وأوراقهم المهمة من الخزنة التي تنزوي في الدولاب ليبحث بعينيه عن مكان يدسسها به ،بالتأكيد مثلهم لن يستصعب عليهم فتح الخزنة بأدواتهم التي أجهلها، نظر للوحة تتوسط الجدار، قلبها ليفتح البرواز ويضعها خلفها، نظر وهو يبعد اللوحة بيديه حتى يتأكد، شعر بأنها مثقلة، أتجه نحو دولابه ليبحث عن " تي شيرت " يحتوي على رسومات تناسب أن توضع كلوحة، بدأ يرمي ملابسه على الأرض وهو يبحث حتى أستخرج " تي شيرت " أبيض وضعه في البرواز ليعلق اللوحة في مكانها، أطال في نظرته حتى يتأكد من أن لاشيء غريب يظهر عليها، أتجه نحو نافذته ليرى كم يفصله عن الأرض، من حسن الحظ ان النافذة تطل على الشارع الخلفي، فتحها ليخطط كيف يسقط للأسفل وبأي وسيلة يقفز، بالإمكان أن أتجه يمينا نحو المنزل القريب ومن أنبوب المدخنة أنزل حتى أصل للسلالم وأحط على الأرض، هذه الطريقة الوحيدة، تراجع ليأخذ سلاحه ويجهزه.
          في داخله كان يشعر بأن لا أمل، ولكن هناك محاولة فقط محاولة إن ذبلت ف " لي الله "، كم من الذكاء أورثه سلطان العيد لإبنه حتى ينظر للأمور بنظرة بعيدة وكم من الحيرة جعلتني أعيش يا أبي!
          على بعد مسافات قليلة كانت تسير بإرتباك وهي تتصل على عبدالرحمن الذي أتصل عليها مرارا في نومها.
          ضي بضيق : أكيد صاير شي! قلبي يقول فيه شي ..
          رتيل اللامبالية أستلقت على السرير وهي تلعب بخصلة شعرها : يارب أني أنام بس وماأصحى الا بعد ما يجي أبوي
          عبير عقدت حاجبيها وهي تجلس على طرف السرير : ما رد ؟
          ضي تختنق في داخلها من أثر الغصات التي توافدت على قلبها : مارد لل .. لم تكمل من صوته الرجولي الذي دائما ما يأت كقصيدة عاصفة تقلب في قلبها كل الكلمات : ألو
          ضي بلهفة أجابته : هلا ... كنت نايمة لما أتصلت ...
          عبدالرحمن : طيب .. كلكم بالفندق ؟
          ضي : إيه .. وش صاير؟
          عبدالرحمن وهو يسير بالممر الذي ينتهي بمكتبه، يتجاهل سؤالها بربكة ما يشوش عقله : وعبدالعزيز ؟
          ضي : توه جانا
          عبدالرحمن : طيب ضي خلي رتيل تكلمه عشان يفتح جواله!
          ضي : الحين؟
          عبدالرحمن يدخل مكتبه ليجلس على مقعده الجلدي : إيه.. ولا أقولك عطيه جوالك أنا بنتظر على الخط!
          ضي : طيب ... رتيل عطيه عبدالعزيز .. تمد هاتفها لها لتندفع رتيل بضيق : عشان يعلقني معه! أصلا هو يبيها من الله
          ضي : طيب أبوك يبيه ضروري!
          رتيل تنهدت واقفة، أخذت الهاتف من يدها الناعمة لتخرج وتشتم باب الغرفة التي كانت تريد أن تجعله مفتوحا حتى تعود بسرعة ولكن أرتد وأغلق بسرعة، نظرت للممر الخاوي سوى من عامل النظافة الذي كان يحمل عربته ولا يقف بجانب أي غرفة، بالعكس تماما كان واقفا في المنتصف، بلعت خوفها لتتجه نحو غرفته، طرقت الباب لتتجمد عروق عبدالعزيز الذي كان يغير ملابسه متجهزا للخروج، بلع ريقه بصعوبة ليتجه نحو الباب دون أن يلفظ حرف وهو يتوقع أسوأ التخمينات على الإطلاق.
          وضعت رتيل الهاتف على أذنها : يبه . .
          وقبل أن تكمل فتح الباب ليسحبها للداخل، لا يعرف كيف يتحمل هذا الإستهتار منها، سحب الهاتف بعد أن رمقها بنظرة أربكتها، أجاب : ألو
          عبدالرحمن بضيق : وين جوالك يا عبدالعزيز! يعني من متى وأنا أتصل عليك طيحت قلبي الله يصلحك
          عبدالعزيز : راقبوا جوالي! مسحوا كل شي فيه .. وحذفته بالنهر
          عبدالرحمن بشك : كيف وصلوا له؟
          من المستحيل أن أنطق " فارس " في وقت كهذا، أردف : مدري
          عبدالرحمن : طيب أخذ جوال رتيل! عشان أقدر أكلمك منه .. الحين الفندق إن شاء الله محد بيقدر يدخله، لايطلعون ياعبدالعزيز ولا يعتبون الباب! لين ما يهدا الوضع وبتطلع من باريس .. مفهوم؟
          عبدالعزيز : بس أنا لازم أطلع بشوف ..
          يقاطعه بحدة : ولا لمكان يا عبدالعزيز! أجلس لين أتصل عليك
          عبدالعزيز تنهد : مقدر أنا ..
          ولا يكمل كلماته في حضرة غضب عبدالرحمن الذي لا يخرج دائما : عبدالعزيز إحنا مانلعب! قلت مافيه طلعة
          عبدالعزيز : طيب راح أشوف الوضع برا بدل ما أجلس! وأشوف لنا طريقة نطلع فيها من باريس بأقرب وقت
          عبدالرحمن : ماراح تقدر لأن رائد ..
          يقاطعه : عارف! كل الموضوع واصلي
          عبدالرحمن صمت قليلا ليردف : مين موصله لك؟
          عبدالعزيز : وصلني وبس
          عبدالرحمن يقف بجنون ليصرخ : قلت مين وصله لك ؟
          عبدالعزيز تنهد : شخص من رائد أتعامل معاه
          عبدالرحمن : وضامنه؟
          عبدالعزيز : إيه ضامنه
          عبدالرحمن بغضب : قل امين الله ياخذ عدوك كانك بتجيب اخرتنا .. الحين تجلس في الفندق ولا تطلع منه .. مفهوم ؟
          عبدالعزيز بعناد : لا مو مفهوم وماراح اجلس! وأنا أعرف وضعي وأعرف كيف أطلع منها
          عبدالرحمن بقهر حاد : لا تستغل غيابي وتلوي ذراعي!
          عبدالعزيز : ماألوي ذراعك أهلك بالحفظ والصون ماعدا ذلك لا تتدخل فيه
          عبدالرحمن بغضب خافت : طيب يا عبدالعزيز! بس لو مقدرت ترجع شف عاد وش بتخسر!
          عبدالعزيز : أوامر ثانية
          عبدالرحمن : جوال رتيل خله عندك
          عبدالعزيز : طيب .. مع السلامة .. وأغلقه.
          رفع عينه : وين جوالك ؟
          رتيل : بالغرفة
          عبدالعزيز : طيب روحي جيبيه بسرعة ... ومد لها هاتف ضي.
          فتح لها الباب لينظر للعامل الذي كان بجانب بابهم تماما، سحب رتيل بقوة ليرتطم راسها بحافة الجدار، كانت ستصرخ لولا كف عزيز التي وضعها على فمها، أغلق الباب ليضع السلسلة فوقها حتى يتأكد من عدم فتحها، شعر بالدمعة التي تعانق كفه، قشعريرة حارقة أصابت جسدها، ألم لا يساويه ألم، وكأنها دخلت عملية جراحية دون أن يفلح المخدر بشيء، أبعد يده ليضعها خلف رأسها وكأن لمساته ستخفف وقع الألم.
          همس : تحملي ...
          أتجه نحو السرير ليأخذ جاكيته الخفيف، ألتفت عليها وبصوت خافت : خليك بغرفتي لا تطلعين أبد ! طيب؟ ولا حتى لغرفة أختك!
          رتيل برجاء وهي ترتعش من خوفها : لا تخليني ..
          عبدالعزيز يقترب منها ليطمئنها : ماراح يصير شي! فيه أمن برا .. و
          رتيل : بس فيه ناس بهالطابق! الله يخليك عبدالعزيز لا تخليني بروحي
          عبدالعزيز : مضطر أروح! أنت بس خليك هنا وأنا ماراح اتأخر
          رتيل سالت دموعها بلا توقف لتمسك كفه برجاء أكبر : تكفى لا .. الله يخليك عبدالعزيز
          عبدالعزيز يشعر بأن عقله يتشوش ولا تركيز يسعف في هذه اللحظات الضيقة، جلس على طرف السرير ويده على جبهته يحاول أن يفكر بحل، سمع صوت الباب ومحاولة فتحه ليرتفع صدر رتيل بشهيق دون زفير، تجمدت أقدامها، ليشير لها بأصبعه أن لا تصدر صوتا، فتح النافذة ونزع حذاءه ليضع أثارا من الطين الذي ألتصق بوقع الأمطار على عتبة النافذة، أرتدى حذاءه مرة أخرى ليأخذ رتيل ويدخل بها لزاوية من الغرفة تحتوي دواليب الملابس ولا يخفي أجسادهم شيء سوى الجدار القصير، ألتصق صدره بصدرها الذي كان يرتفع ويهبط بشدة كان يشعر بها، كان يشعر بضربات قلبها تتجه نحو قلبه مباشرة، وضع يده مرة أخرى على فمها ليكتم أنفاسها الصاخبة، سمعا صوت الباب وهو يرتد.
          أقترب الرجل ذو رداء عامل النظافة إلى النافذة الذي شعر بأنه هربا منها من أثر الأقدام التي عليها، بالنبرة الفرنسية البحتة شتمهم، لتضيع نظراته في أرجاء الغرفة، أطال بنظرة للجدار الذي يخفي خلفه دواليب الملابس، أقترب منه حتى ألتفت للجهة المعاكسة من رتيل وعبدالعزيز، عندما رأت ظهره شعرت بأن قلبها سيتوقف عن النبض حالا، بينما كانت كف عبدالعزيز قاسية وهو يزيد بكتمانها، أتى شخص من خلفه يستعجله بالفرنسية : يجب أن نخرج حالا الأمن في الأسفل ..
          تراجع بخطواته ليخرجان وتبتعد يد عبدالعزيز، رتيل بعدم إستيعاب، لا تفهم كل ما يحصل بها الان، هذا أكثر مما يستوعبه عقلها البشري! أكثر مما تستوعبه فتاة مثلي، شعرت بأن أصابعه توشم اثارها حول ثغرها.
          رتيل بصوت مرتجف تعبر عنه دمعاتها الشفافة في محاجرها : وش قاعد يصير! ماني فاهمة شي
          يتجاهل سؤالها وهو يغرق بتفكيره، لا بد من حل ينقذهما من هذا المأزق، لن يرحمنا الجوهي هذه المرة وهو يكتشف أعظم ما أخفيناه.

          تعليق

          • *مزون شمر*
            عضو مؤسس
            • Nov 2006
            • 18994

            رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

            ،

            تنظر إليه بحشرجة الخوف في عينيها، أتراني أخافك؟ أما أخاف عليك؟ أجهلك والله إنني لا أعرف عن مزاجاتك السماوية ولا أفقه بك شيئا سوى قلبك يا شريعتي في الحب، يا التشريع الذي لا يأت إلا بعينيك، وجه سهامه بنظراته الحادة التي أرجفت صدرها حتى أزاحت يمينا رغما عن قلبها! رغما عن كل شيء، وإن مر من العمر لحظات كثيرة إلا أن عينيه إن ضاقت غضبا يرتجف جسدي بأكمله. دخل الغرفة وهي من خلفه، بدأت تقطع أظافرها بربكة أسنانها التي تصطدم ببعضها البعض، بنبرة متذبذبة : طيب والله جرحك ماألتئم! كيف تطلع كذا؟
            لا يجيبها، يمارس التجاهل الذي يسير كشريان في جسده، أخرج ثوبه لينتزع بلوزته بصعوبة بالغة، رماها ونظرت للحمرة التي تظهر من خلف الشاش الأبيض لتتسع محاجرها برهبة : سلطان! .. والله ما يصير
            غير ملابسه أمام عينيها التي تشتت لكل شيء في الغرفة، حتى باتت علبة المناديل مغرية للتأمل، أرتدى ثوبه وبحركة يديه شعر بأن غليان يهرول في رأسه : بدل هذرتك تعالي سوي لك شي مفيد
            تقدمت إليه وأصبحت الحمرة هي التي تهرول في ملامحها : بكلم عمي عبدالرحمن
            لم يجيبها وعينيه تشير لها بأن تغلق أزارير ثوبه، وضعت أصابعها في أعلى بطنه لتبدأ بالأزارير السفلية.
            سلطان : قولي لعمتي ماتطلع من البيت!
            الجوهرة تغلق اخر إزرار لترتبك أصابعها من لمسة رقبته، رفعت عينها : أنتبه لنفسك ترى عمتك تبيك
            أتجه نحو الأرفف ليأخذ شماغه وعقاله : بس عمتي؟
            الجوهرة أخذت نفس عميق لتردف : لو يكتبون عن فن التعامل مع مزاجك صدقني ماراح يكفيهم كتاب واحد!
            ألتفت عليها وبإبتسامة في عز الربكة والفوضى أعقبها بنبرة ساخرة : أجلسي وأستغفري لي عن مزاجي عسى الله يتوب علي .... ونزل للأسفل ولم تتركه أبدا وهي تسير كظله لتندفع بكلماتها كالطفلة التي لا تعرف كيف تختار مصيرها : طيب! بستغفر عن نفسي اللي صابرة
            ضحك بخفوت وهو ينحني ليأخذ حذاءه ويخرج دون أن يعقب ضحكته بأي حرف، في الثانية الواحدة كم مرة تتغير سماءك؟ في جزء من الثانية أنت غاضب وفي جزءها الثاني أنت تضحك، إلهي يا سلطان " وش قد تعذبني! ".

            ،

            يجلس بصمت بعد أن أستنزف لسانه بالكلمات الجارحة الناقصة المذمومة السيئة، يراقب الوضع الذي يعيشه، يراقب الخطر الذي يحاصره، يراقب أسوأ الأشياء التي تحصل له، كم شهر مضى وأنا أخطط وأخطط وبالنهاية! لا شيء. وأنا رجل لا أقبل باللاشيء، لا أقبل بالقليل أبدا ولا يغريني النقص، أحاول أن أكف بطش غضبي عنكم ولكن أنتم من تريدون ذلك، لا أصدق بأن خدعة مثل هذه تمر علي بسهولة، خدعة كان من الممكن أن أكتشفها لو كنت أعرف عن " عبدالعزيز إبن سلطان " لما أستصعب علي أن أعرفه ولكن شخص أسمع بإسمه ولا أراه بالقرب بسهولة أسقط في فخه.
            يلعب بمجسم صغير الحجم على شكل سلاح، رفع عينه الغاضبة : انا شغلي يتم وفي الوقت اللي كنت مخطط له عاد بعبدالعزيز وهو متنكر ولا بعبدالعزيز وهو مدري كيف! المهم أنه بيصير اللي أبيه وساعتها أعرف كيف أتعامل معهم
            : طال عمرك ... عبدالعزيز ماهو بالفندق ومانقدر ندخل له أصلا
            رائد بهدوء مخيف يحك عوارضه : مقدرتوا تدخلون! برافو والله ... تقدر تروح ترتاح
            يعرف أنه يسخر ليبلع ريقه بصعوبة : حاولنا نهرب أحد وأكتشفنا أنه قدر يهرب قبل لا نجيه
            رائد بصرخة أرجفت الجسد الثقيل الذي يقابله : قلت يجيني قبل هاليوم ينتهي !! مفهوم ولا أعيد كلامي مرة ثانية
            بضيق : مفهوم طال عمرك لكن جواله موقف عند إشارة وحدة ولا نقدر نراقبه أو نحدد مكانه الحين
            رائد يقف ليتراجع دون إرادته الشخص الاخر للخلف، ضرب بكفه على طاولة مكتبه : تحفر لي باريس شبر شبر لين يطلع !
            وبصوت خافت يكمل : و الخمة اللي معه؟
            : واضح أنهم ما هم في الفندق بعد!
            رائد : طيب! لك لين الليل إن ماجاني عبدالعزيز وش يصير فيك؟
            : بحاول إن شاء الله
            رائد بصراخ : ماأبيك تحاول! أبيك تجيبه ... مفهوم !
            : إن شاء الله
            رائد يجلس ليتلاعب بالأقلام بين أصابعه : الحين أذلف عن وجهي ولا عاد أشوفك إلا وهو معك
            خرج رجله بإمتعاض وهو يفكر بطريقة يصل بها لعبدالعزيز، كان جالسا بالقرب منه، لا يصدر صوت ولا ينطق بكلمة، كل الكلمات تنزوي في صدره دون أن تتجرأ على الوقوف في حنجرته، كيف يجلب عبير؟ ليس هذا المهم! كيف أرضى عليها أن تعامل بهذه الطريقة، سهل علي أن أتقطع أجزاء ولا أراها تحت بطش والدي! سهل علي أن أفعل كل الأشياء الغبية الصعبة السهلة التافهة القوية الخشنة الناعمة عدا أنني أمام عبير لا أرضى ولا أستطيع أن أرضى بأي فعل يبدد الأمن من قلبها البكر، أنحنى بظهره ليطوق رأسه بكفيه وتبدأ شفته بالنزيف دون أن يتحرك أو يفكر بمسح دماءه، لا تزول اثار ضربك يا أبي بسهولة! يجب أن أتحمل عقباتها حتى في أشد الأوقات حسرة.
            يقطع سلسلة أفكاره بسخرية قاسية : كلم عبدالعزيز وخله يساعدك كان فيه خير
            لم يجيبه ولم يرفع عينه له، كم دفعنا أخطاء الاخرين حين كنا مكرهين على أشياء لم نحبها يوما وكم كنا ضعفاء في وجه الأشياء التي نحبها حين أستصعب علينا أن نتمسك بها، لا قدرة لدي والله لا أملك القوة الكافية حتى أسرقك يا عبير من حدود موطنك الذي رسمه والدك، لا أملك هذه القوة التي تجعلني أتخلص من مبادئي الثابتة وإن تذبذبت يوما بسهولة، صعب علي والله وليت والدي يعلم.
            رائد : الوقت يمر وأنت جالس بمكانك بس أنا عند حلفي والله إن ماجتني يا فارس لا أخليك تتحسر عليها عمر كامل
            فارس عقد حاجبيه ويشعر بالألم يتدفق من أنفه وليس دماء وحسب، كلمات والده توجعه، توجع قلبه الذي يعشق، سحب منديلا ليخرج مشتتا ضائعا، يقف أمام واجهة الدكان الصغير ليعكس وجهه المحتقن بالغضب، نظر لإحدى الجرائد السعودية التي تصدر من لندن تعتلي الرف الباريسي وبالخط العريض " خطف شاب سعودي في سياتل "
            بلع جفافه الذي كسى لسانه، أعتاد أن يقرأ هذه الأخبار على الدوام، يجهل شعور أهله ولا يشعر بشيء سوى الشفقة ولكن هذه المرة يعرف كيف هذه الكلمة التي تحتوي على ثلاثة حروف بمقدورها أن تحول الحياة إلى جحيم.
            هل يجب أن أقول الان " اسف " لقلبك لأني لم أكن رجلا مناسبا لك يوما ما، اسف لأنني لا أستطيع أن أتمرد عن من يعقب إسمه إسمي، اسف لأنني أحببتك بطريقة لاذعة قاسية، اسف لأن ذنبك كان أني أحببتك، اسف من أجل الصور التي وقعت بين يداي في لحظة لم أكن أبحث بها عن الحب، اسف لعينيك التي أتت ك أرق في ليال عديدة، اسف لأني حاولت أن أبحث عن هويتك الضائعة وأنا أخمن من صاحبة هذه الصور ؟ اسف على كل شيء جعلني أتضور شوقا لمعرفة إسمك، اسف لأنني علمت إسمك عن طريق رجال والدي، اسف لأنني أستعملت كل الأشخاص الذين حولك في حبي، اسف من أجل السائق الذي كان يخبرني عن خروجك ودخولك يوميا، اسف من أجل الخادمة التي كانت تعطيني تقريرا يوميا عنك، اسف من أجل اللحظات العصيبة التي مررت بها تحت وطأة الضمير الذي يجلدك، اسف من أجل ألاعيبي التي لم تنتهي، اسف من أجل خياناتي التي لم أستطيع أن أتجاوزها، اسف من أجل الخمر الذي أحاول أن أنساك به ولكن أتذكرك في كل لحظة سكر و صحوة، اسف لله عليك يا عبير.

            ،

            مسك رأسه يريد أن يتزن، أقصى أحلامه في هذه اللحظة أن يتلاشى الصداع ويستطيع أن يفكر بإستقرار أكثر، نظر للساعة، يترقب الموعد اليومي الذي يستطيع به أن يتصل وأن يتحدث، أحد يحركنا كيفما يشاء وكيفما يريد، أحد لا يرحمنا أبدا ويجعل كل شخص يشك بالاخر وها هو أتى دوري ليجعل ناصر يشك بي، تنهد، أذهب أم لا ؟ أقول أم لا ؟ أعترف أم لا ؟ . . أضيع أم "لا ؟
            وقف ليتجه خارجا، لا حل غير ذلك، كل الحلول يجب أن تقع تحت عين بوسعود وسلطان حتى لا يقع الذنب كله علي، ركب سيارته ليهتز هاتفه برسالة تجلده بكل ماهو لاذع/حاد " حذرتك أكثر من مرة، ولكن في حال أثرت غضبي سأرسل كل ما لدي لمكتب من تودهم .. ولك حرية الإختيار "
            إذن؟ ضرب على مقوده، كل شيء يقف ضده، لاشيء يستوي وينقذه، إلهي كن معي في هذه اللحظات، لا يخيب من يطلب رجاءك، اللعنة على كل الأشياء التي صيرتني بهذه الصورة، أين عقلي حين رضيت بذلك؟ كنت أعرف والله كنت أعرف أنهم يخونون أصدقائهم ولكن أنا السيء على كل حال وأستحق هذا العذاب.

            يتبع

            تعليق

            • *مزون شمر*
              عضو مؤسس
              • Nov 2006
              • 18994

              رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


              ،

              في مكتب عبدالرحمن بعد أن طلب بإتصال منه، يجلس عبدالله اليوسف أمامه : وبس؟
              عبدالرحمن : إيه هذا اللي قريته هو نفسه اللي صار! أحيانا أقول هو شخص واحد وجالس يلعب فينا ومرات أقول هو ما يلعب فينا هو قاعد ينفذ أهدافه وبعدها بيبعد ... وبينهم إحنا ضايعين
              عبدالله الذي تلتصق بيده إحدى الأوراق : خلك من كل هذا أرجع للحادث! بدايته .. أسمح لي ياعبدالرحمن لكن هذي كيف تضيع منكم؟ ماني مصدق! يعني دفنوا جثث ماهي جثث حقيقية! إلا أخته الصغيرة وأمه وأبوه بعد! أما أخته الكبيرة حية ! وبعدها تصدقون أنه أمه حية بسهولة بدون لا تبحثون بالموضوع! في المستشفى هنا بدت نقطة التحول، تحاليل ال DNA اللي ثبتت أنهم عائلته مين زورهم ؟ طيب وكلتوا موضوع غادة لمقرن! وخليتوا مقرن هو المسؤول عنه وتطمنتوا عليها لكن مقرن ماخبركم عن هاللي ماأعرف إسمها! وقبل فترة وبوقت إختفائها مع وليد اعترف لكم مقرن بأنها ماهي أمها! ليه هالوقت بالذات! هذا يعني أنه مقرن قاعد ينقذ نفسه من الشك، قبل لحد يفضحه .. لكن هذا مايعني أنه مقرن هو المسؤول الأول لكن أظن أنه مقرن تحت ضغوط ثانية وأنت فاهم قصدي زين .... أظن يا بوسعود أنكم جالسين تدفعون ثمن أخطائكم اللي خليتوها تحت رحمة ناس مالها حيل ولا قوة مثل مقرن.
              عبدالرحمن تنهد : كنا واثقين! كنا نقول أنها بخير دام مقرن يتابع حالتها لكن أكتشفنا العكس
              عبدالله : والحين وينها؟
              عبدالرحمن : يراقبها سعد
              عبدالله : وهذا بعد واثق فيه ؟
              عبدالرحمن بضيق ألتزم الصمت
              عبدالله : ماتدري إذا هي حية ولا ميتة!! جالسين تستمرون في الغلط نفسه! اليوم قبل بكرا لازم يدري عبدالعزيز بموضوع أخته .. وناصر بعد ..... حمايتكم لها قاعد تضرها! هي ماعادت تحتاج لكم .. هي تحتاج أهلها ولا ترتكبون جريمة ثانية في حقهم! أنا أحترم انكم في البداية ماكان قصدكم سيء وكانت نيتكم هي حمايتها بس لكن الحين نيتكم هذي صارت شي ثاني وتحولت لضرر وأنت تعرف يا عبدالرحمن حجم الظلم والظلم ظلمات يوم القيامة
              دخل سلطان : السلام عليكم
              : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              جلس بمقابل عبدالله وقبل أن ينطق كلمة واحد : تو أقول لعبدالرحمن أنه لازم ناصر وعبدالعزيز يدرون عن غادة!
              سلطان : بهالوقت! مستحيل .. إحنا ما نضمن تصرفات عبدالعزيز وهو معصب من موضوع تافه كيف لو كان الموضوع يخص اخته
              عبدالله : إن ما درى الحين بيدري بعدين! المصيبة هي نفسها ماراح تزيد ولا راح تنقص، ومهما أختلف الوقت يبقى الموضوع صعب عليهم مهما حاولتوا تخففونه!
              سلطان: خلنا من هالموضوع الحين، كنت أبغى أسألك إذا قد تناقشت مع بوعبدالعزيز الله يرحمه وجاب لك سيرة شي يخص شخص ثاني غير رائد وشلته .. حاول تتذكر إذا طرا لك مرة أحد وبشكل غريب .. يعني إحنا ماندري عنه
              عبدالله عقد حاجبيه : لا .. كل الاشياء في الملفات والمجلدات اللي بالأرشيف مافيه شي جديد
              عبدالرحمن : حاولنا نوصل لسكرتيره لكن قالوا مريض وبديرته بعد! تعرف يا عبدالله أنه في ليلة الحادث وقبلها بأيام كان جوال بوعبدالعزيز كله تهديدات من رائد لكن صار الحادث ورائد مايدري عن توابع هذا الحادث! والشي اللي مهبل فيني أنه لو كان سلطان شاك واحد بالمية بجدية التهديد كان ما خذا أهله وياه .. فيه شي ماني قادر أفهمه وبنفس الوقت أحس العلم عنده الله يرحمه
              سلطان يسحب حلقات معدنية كانت تتراكم فوق بعضها على مكتب عبدالرحمن وتزينه، يرتبها على الطاولة ليرمز لها : هالشخص هو نفسه المسؤول عن الحادث لكن خلانا نشك في رائد، هو نفسه المسؤول عن عزل غادة في البداية عشان يخليهم بعدين يتهمونا ويحسبونا إحنا اللي أبعدناها في البداية وإحنا اللي زورنا بالتحاليل، هذا الشخص هو نفسه المسؤول عن تعطيل سيارة عبدالعزيز عشان مايخليه يقابل رائد وعشان يخلي رائد يشك فيه، هذا الشخص هو نفسه المسؤول عن أمل اللي كانت مع غادة ..... هو اللي جالس يتلاعب فينا وفي رائد بعد! لكن مين له مصلحة في كل هذا ؟
              عبدالله يضع حلقة صغيرة تربط بين الحلقات الكبيرة : وهنا مقرن! اللي واضح أنه تحت ضغط هالشخص نفسه! لكن ماهو خاين! وجالس يشككم فيه مثل ما شكك رائد وشكك غيركم .. هذا الشخص جالس يمشي عليكم واحد واحد ويذبحكم بالشك بدون لا يتدخل .. يعني بالعربي يحارشكم على بعض بدون لا يوجه العيون عليه
              عبدالرحمن مسح وجهه بتعب : والحل الحين ؟
              عبدالله : الحل الحين! المشكلة أنه رائد خرج عن سيطرتكم! وشغلكم هذا كله طار .. صرتوا مكشوفين قدامه، و ... أظن أنه الشخص *يشير إلى الحلقة الواسعة* اللي جالس يتلاعب فيكم ممكن يتعرض لكم! وماأستبعد لو كان قد تعرض لكم لكن فهمتوها على أنه رائد وغيره.
              عبدالرحمن يشعر بأن عقله يضطرب بشدة لا يستحملها : خاطرنا كثير يوم خلينا عبدالعزيز في وجهه!
              عبدالله : طيب أنا أقول دام الموضوع فيه خسارة لكم .. قللوا قوتها، يعني طيعوه في اللي يبي بس لاتطيعونه بشي كامل يعني مثلا بنص الطريق غدروا! أظن الغدر في أشكاله شرف!
              سلطان : كيف نطيعه؟ الحين رائد عرفنا كلنا! وعرف طريقتنا وخطتنا! وعرف عبدالعزيز .. يعني موضوع باريس بالنسبة له أنتهى وأنه فلوسه راحت خلاص لأنه بسهولة ماراح يقدر يكمل بدون صالح اللي هو عبدالعزيز ... فهو غصبا عنه لو يبي يكمل شغله محتاج عبدالعزيز بدون أي ضرر لكن .. ماينضمن الجوهي
              شعر بأن ضغطه ينخفض والزرقة تجتاح ملامحه، تجاهل كل أوجاعه ليكمل وصوته يبدأ بالموت في داخله وتتذبذب نبرته في العلو والخفوت تدريجيا : راح نبعد عبدالعزيز عنه هالفترة . . . . . . – شتت نظراته للسقف وهو يبلع الطعم المر الذي تدفق على لسانه – . . نشوف أول شي ردة فعله كأفعال ماهو تهديداته اللي ماتنتهي ونقرر بعدها
              عبدالرحمن : أنا أقول كذا لكن صعبة نصبر بعد
              عبدالله يراقب حركات سلطان التي بدأت تتجمد معه مفاصله حتى سقطت الحلقة الحديدية الصغيرة من بين أصابعه لتصدر طنينا في وسط الطاولة الزجاجية.
              يثبت عينه : سلطان ؟
              لم يشعر بشيء سوى جرف الحرارة التي ترتفع من رئتيه مرورا بقلبه إلى حنجرته، تتضبب رؤيته وغبار يطغى على الملامح، هذا العالم يلتف بلا توقف، تغيب الملامح عني في الوقت الذي يجب به أن أكون مستيقظا، يشعر بشيء يعيق عليه عملية تنفسه، سقط جانبا بقوة مهيبة و بجانب صدره يحمر ثوبه لتتسع بقعة الدماء التي يغرق بها، بخطوات سريعة خرج عبدالرحمن ليصرخ : أطلبوا الإسعاف!!!

              ،


              تنزل دمعاتها الشفافة بصمت وهي تسمع الطرف الاخر من الهاتف، تؤمن بذلك وهي أمام هذا الغرق الكبير الذي يجتاحها، كيف تقوى؟ كيف تنطق بإنسيابية دون أن يتعثر لسانها، يأت صوتها الحنون : يا ريم أنت غلاك من غلا الجوهرة وأفنان .. ما يصير كذا من أول مشكلة رحتي! أتركي لنفسك فرصة على الأقل! لو كل البنات سوو مثلك كان نصهم مطلقات! أكسبي بيتك وزوجك وكل شي له حل
              ريم بضيق لا تعرف ما يجب عليها قوله وما لا يجب، لتكمل : ريان وأبوه إن شاء الله جايينكم بكرا!
              ريم بخفوت : إن شاء الله على خير
              أم ريان : يا يمه أنا ما أتصلت عليك إلا وأنا أبي لكم الخير! ماهو عاجبني لا حالك ولا حاله ... الله يبعد عنكم كل ضيق وحزن ويجمع قلوبكم على بعض
              عقدت حاجبيها، شعرت بأن قلبها الذي بحجم الكف يتفكك، لا تتزن في تفكيرها ولا تعرف مالصح ومالخطأ، ما ينبغي فعله ومالاينبغي، يا رب الفرح خذني لديار لا تبكي.
              أم ريان : تامرين على شي؟
              ريم : سلامة قلبك
              أم ريان : بحفظ الرحمن يا بنتي ... وأغلقته.
              وضعت رأسها على ركبتيها لتنخرط في بكاء عميق، بدأ الندم يتشكل كصداع في جبينها الناعم، لو أنني لم أوافق؟ لا أريد يالله أن أفتح للشيطان بابا ولكن ليس هناك أشد حزنا من الندم، ليس هناك معنى يصف الشعور بالندم أبدا لقلبي الصبي، لم أنضج تماما حتى أقف بثبات أمام كل هذه الأشياء المتداخلة.
              على مسافات بعيدة في شرق المملكة : وش؟ يمه مو قلت لا تتصلين!!!
              والدته :أنا كلمت أبوك وبكرا بتروح لها
              ريان بغضب : يمه أنت على عيني وعلى راسي لكن مشاكلي ماأبي أحد يتدخل فيها! تدخلتي بزواجي وقلت يالله معليه!! لكن تتدخلين بعد بهذي لا وألف لا
              والدته بضيق : تعال أضربني بعد!
              ريان : أنتم بقيتوا فيني عقل .. ماعاد أفهمكم
              من خلفه بصوته الحاد : لا تعلي صوتك على أمك!!
              ألتفت لوالده : عاجبك اللي يصير! هذا اللي ناقص شوي وتترجاها وتكفين أرجعي يا ريم!
              والده : كلمة ثانية يا ريان بحق أمك وماتلوم الا نفسك! ... تروح الرياض وتجيبها معك أما سالفة أنك بتخليها معلقة تحلم!! بكرا تلحقها الجوهرة وأفنان وأنت عارف أنه الجزاء من جنس العمل ... يا تطلقها يا ترجعها غير هذا مافيه
              والدته بإندفاع : وش يطلقها! ما كملوا إلا شهر وتبيهم يتطلقون!!
              والده : أستح على وجهك غيرك عياله طوله وأنت من أول مشكلة أنهبلت! اعقل وخلك رجال وروح جيبها معك
              ريان : أشوفكم واقفين بصفها!
              والده : واقفين مع الحق! انا عارف ومتأكد أنه السبب منك أنت مو منها! من رجعتوا وأنا ماعاد أشوفك بالبيت! طول يومك برا من عذرها يوم تزعل وتروح بيت أهلها
              تنهد بغضب : طيب! راح أرجعها وغير كذا ماراح تتدخلون في حياتي وزي ماأبي بتصرف ! .... خرج بخطوات مستثارة بالحدة.
              تراجعت للخلف وهي تأكل تفاحتها الصفراء، لن تنتهي المشاكل أبدا في هذا البيت. صعدت لغرفتها لتثبت الهاتف بكتفها وتكمل أكلها.
              أجابتها : ألو
              أفنان : مساء الخير
              الجوهرة : مساء النور ... تاكلين؟
              أفنان بسخرية : من حرقة الأعصاب اللي صايرة في بيتنا! صايرة أحط حرتي بالأكل
              الجوهرة : ليه وش صاير؟
              أفنان : من غيره ريان، تدرين أنه ريم عندكم!
              الجوهرة : متهاوشين ؟
              أفنان : إيه ... والحين عصب من أمي عشانها كلمتها بس يقول بكرا بيروح يجيبها
              الجوهرة بسخرية : والله إحنا عايلة بالمشاكل محد يغطي علينا
              أفنان أبتسمت : قالتها قبلك عبير! كل ال متعب لو مالقوا أحد يتهاوشون معه تهاوشوا مع نفسهم
              الجوهرة : خليها على ربك .. صدق أبوي شلونه؟
              أفنان : بخير على حاله ..
              الجوهرة : الحمدلله
              أفنان : شفتي تركي غير رقمه وما أرسل لنا الرقم الجديد! وأمي تقول أنه متهاوش مع أبوي ومدري وش سالفته! ياربي بس عاد تركي مفلم مرة من هوشة يزعل ويقطع
              أرتبك قلبها لتلتزم الصمت دون أن تعلق بأي كلمة، أردفت أفنان : ألو؟
              الجوهرة : معك
              أفنان : عندك رقمه الجديد؟ تكلمينه؟
              الجوهرة : لا من وين بجيبه
              أفنان : يختي ليه كذا يصير فينا! يعني أخو أبوي من لحمه ودمه يقطع فينا كل هالفترة ويغير رقمه ومايقولنا!
              الجوهرة بغصة تشابكت مع حبالها الصوتية، الذي من لحمه ودمه لم يصون عرضه قبل كل هذا حتى يحفظ حقوق أهله عليه : أكيد بيرجع زي كل مرة
              أفنان : بس هالمرة طول! طول مررة
              الجوهرة تنهدت لتضيع الموضوع : أبوي بيجي معاه الرياض؟
              أفنان : أمي قالته لريم لكن شكله ماراح يروح من كلامه مع ريان ...... أنت قولي لي وش أخبارك مع سلطان وعمته؟
              الجوهرة : تمام الحمدلله
              أفنان بسخرية : يعني كأني منتظرة غير هالإجابة أنت حتى لو ميت عندكم أحد قلت الحمدلله بخير
              الجوهرة : وش تبيني أقول يعني؟ والله محنا بخير وشوي ونموت من الضيق
              أفنان : طيب طيب حقك علينا لا تاكليني

              تعليق

              • *مزون شمر*
                عضو مؤسس
                • Nov 2006
                • 18994

                رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                ،

                وضعت يدها على قلبها الذي ينبض بشدة تجاوز أي شدة سابقة، نظرت لضي التي تضم وسادة نحو بطنها الذي لا يفك عن إيلامها : بيصير زي 2006 ! يالله لا
                ضي : وش صار في 2006 ؟
                عبير بصوت خافت تشعر بأن الأمان يتلاشى من قلبها : وقتها جلس أبوي 3 شهور ما يتحرك من سريره
                ضي بحشرجة الخوف : لا إن شاء الله .. ربي لا يعيده عليهم! ....... عطيني جوالك
                عبير تمده لها لتتصل على رجلها الوحيد، الله يعلم أنه منذ أن تشابكت يدي بيده أبصرت الحياة من جديد، الله يعلم منذ أن رأيته ولدت من جديد، يالله إنه لا يعجز عنك شيئا فأبقه بجانب قلبي.
                على بعد مسافة قصيرة كانت تجلس بمقابله وهو يستلقي على السرير يتأمل السقف ويغرق بتفكيره وعلى بطنه يستقر السلاح وهو يتلاعب بأصبعه ليجعله يدور بتأني يشبه تفكيره الذي يبتعد عن الواقع بأشياء كثيرة.
                مسكت رقبتها المشتعلة بالحرارة، لتقف متجهة إلى الحمام غسلت وجهها بالماء البارد لتثبت كفيها على المغسلة، يالله كم يلزمنا من قوة حتى نتحمل كل هذا، تعبت من الحزن الذي يتسلل إلي في كل مرة أريد بها أن أبتسم، تعبت من أن أخفي مشاعري وأكذب بها، تعبت من أن أحزن وأكابر وأنا والله لست إلا كاذبة جيدة، تعبت منك يا عزيز، تعبت من عيناك الغاوية، تعبت منا كلانا، أي هدنة نتحدث بها؟ هذا والله هراء.
                تسترجع في الأسبوع الماضي كيف أتفقا على الهدنة بعد ليلة بكت بها وأجهشت بالبكاء أمامه، كلماته التي أتت مؤلمة لقلبها الذي يشيب على حبه " طيب يا رتيل أنا ماعندي مانع! قلت لك قبل هالمرة خلينا ننسى كل اللي صار على الأقل هالفترة وبعدها قرري بكيفك وش تبين! تعاملي معي كعبدالعزيز بس! أعتبريني أي شخص وأنا بعتبرك بعد أي شخص هالفترة وبعدها يصير خير! .. أتفقنا ؟ "
                كيف مرت الأيام بعد الإتفاق هادئة تصخب به ضحكاتهم، لا تعرف كيف الدنيا تفتحت وأصبحت ربيع بمجرد غياب أثير لعدة أيام مع والدها خارج باريس، كيف للحياة كل هذا الإغراء بمجرد ما أستشعرت أنه ينام لوحده ويستيقظ لوحده دون أن يراها، أن يأكل أيضا لوحده، هذه الأنانية التي جعلتني أفكر بهذه الصورة جعلت أيامي الماضية " جنة " ولكن سرعان ما تلاشت، عادت وعاد حزني معها وعدت أنت كشخصيتك التي لن تتغير أبدا.
                سحبت منديلا لتخرج ولم تراه على السرير، أنقبض قلبها بخوف حتى تنهدت براحة وهي تراه يسكب له من الماء. ألتفت عليها : قلت ماراح أطلع وجالس عندك .. وش فيك خفتي!
                جلست على طرف السرير : ولا شي
                جلس بجانبها ليمد لها كأس الماء، تعلقت عيناها بيده لثواني حتى أخذته، شربت الربع منه وهي تبلل قلبها ببرودته، أخذه منها ليشرب من موضعها، ألتفتت عليه لتتشبث عيناها بفمه، ماذا تفعل بي يا عزيز؟ برب السماء ما أنت بفاعل بقلب هش ؟ تقتلني أكثر من مرة وتشتتني مرات ومرات، والان ؟ مالذي تريد أن تصل إليه؟ إني أسألك بحق الأيام التي ضاعت بيننا ماذا تريد؟ إني أسألك بحزن عيني التي منذ أن رأتك أغمى عليها، حياتي لك، قلبي لك، وكل التفاصيل لك ولكن لمرة واحدة أعدني إلي.
                وضع الكأس على الطاولة ليلتفت إليها وبهدوء : في كل مصيبة لي لازم ألقاك بوجهي! ... أظن هذا له دلالة قوية
                رتيل تشتت نظراتها : أصلا لولا أبوي تأكد أني ماكنت راح أجيك بس قال ضروري عطوا الجوال لعبدالعزيز
                عبدالعزيز : وأنا مصدقك
                رتيل الذي فهمت من نبرته أنه يسخر : أنت بنفسك سمعت
                عبدالعزيز : والله مصدقك يا بنت الحلال .... قطع الصمت الذي ساد لبضع دقائق .... يوم جيتيني وراسك مغطيه الشاش، وش كان صاير لك ؟
                ضحكت بسخرية : بدري سؤالك!
                عبدالعزيز بمثل نبرتها : أعرف أروض نفسي وفضولها بسهولة!
                رتيل : طحت
                عبدالعزيز : وين ؟
                رتيل : ببيتنا بعد وين! طبعا عشان تحس شوي على نفسك تراها بسببك
                عبدالعزيز الذي كان يشعر بأن خلف الجرح الذي بين حاجبيها حكاية ولم يخيب توقعه : وش سويت هالمرة بعد ؟
                رتيل : سمعتك وأنت تبشر صاحبك كيف أنه شخصيتي تصلح لفترة مؤقته وبعدها خلاص!
                عبدالعزيز : وبس هذا اللي سمعتيه؟
                رتيل بقهر وهي تتذكر كل كلمة، كل حرف نطقت به شفاهه لتنغرز بقلبها، مازالت اثار حديثه باقية في قلبي ومازال جبيني الذي يشهد بالحزن معي بالندبة الواضحة بين حاجبي أيضا باقية : ما أبغى أتذكر ذاك الموضوع، ممكن ؟
                عبدالعزيز : أكيد ممكن بس على فكرة كلامي مع ناصر ذاك اليوم كان في وقته يعني تغيرت أشياء كثيرة بعده
                رتيل تعيد كلماته بحزن يستعمر قلبها : أنا أعرف كيف أتكيف مع أثير وأقدر أعيش معها .. متى بس أنتهي من هالحياة وهالرياض وأفتك منها وأعيش زي ماأبي بدون أي أحد من هالعايلة ..
                عبدالعزيز : كل شي يتغير حتى قناعات الشخص
                رتيل : وش تغير فيك يا عبدالعزيز ؟ أنك صرت عادل ماشاء الله وماتبي تظلم أثير
                عبدالعزيز : أنت دايم تحطين نفسك قدام أثير ماهو قدامي .. لا تقارنين وبترتاحين
                رتيل بعصبية : لأنه عمرك ماراح تحس بشعوري وأنا أشوفك معاها! مهما حبيتك .. ماراح أقبل والله لو أيش أني أتنازل وأرضى بأنها تشاركني!!
                عبدالعزيز تنهد : هالموضوع لو فتحناه ماراح يتسكر
                رتيل : أنتم الرجال تحسبون الحريم مايقدرون يعيشون بدونكم لأنهم ببساطة يموتون فيكم! لكن صدقني مافيه بنت تحب وتنسى عقلها! مهما جنت فيك بالنهاية تقدر تنسحب بهدوء وتعيش عذابها مع نفسها بدون لا تشارك أحد فيه لكن أنتم تنسحبون وتظلمون بنات غيركم لأنكم تدورون عن اللي تحبونه في الغير بس البنت عمرها ماتدور أحد! إما أنه يجيها اللي تبيه ولا تبطل حب، هذا الفرق بيننا وبينكم!
                عبدالعزيز : وأنا ما دورت عليك عند أثير! حطي هالشي في بالك
                رتيل : سو اللي تبيه وعيش حياتك مثل ماتبي لكن ماراح تقدر تجمعني معها أبد! .. ماراح تقدر يا عبدالعزيز لو صار أيش ما صار!
                عبدالعزيز بقسوة : وليه ضامنة أني أبيك في حياتي!
                رتيل بحدة تنظر إليه، هذه الحدة التي تلمع في عينيها كدمعة تسجن في محاجرها، صمتت وعينيها التي أستلمت الدفاع عن كلماتها، لوت طرف شفتها السفلية إلى الداخل وهي تشد عليها خشية من البكاء.
                كان سيتحدث لولا صوتها الخافت : متناقض! عمرك ماراح تعرف تفكر زي الناس! قلت هدنة وأنا أعرف وش غايتك منها! وقلت يالله ورجعت بكلامك لأنك ماتعرف تثبت على راي!
                عبدالعزيز بجديته أقترب منها : اسف
                رفعت عينها بدهشة من أنه يتنازل ويعتذر، رمشت كثيرا حتى تستوعب ما قاله، صعب عليها أن تصدق هذا الأسف بإنسيابية صوته.
                : أنا ماأعرف بالهدن شي ...
                رتيل : تعتذر عشانك ماتعرف بالهدن شي؟
                عبدالعزيز : قلبك مثل ما يبي يفهمها يفهمها
                رتيل عقدت حاجبيها : تنازل لو مرة!
                عبدالعزيز بإبتسامة يقتل بها قلبها : أعتذر لمقامك السامي يا رتيل بنت عبدالرحمن بن خالد ال متعب .. أتمنى أنه تنازلي هالمرة ما تجحدينه مثل ما جحدت غيره وتعرفين أني قادر أعتذر متى ما أخطأت بدون لا ينقص هالشي مني
                رتيل بتلذذ في " تفشيله " : وإعتذارك مرفوض.
                عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههههههههههههه شكرا لك
                رتيل : العفو يا ... بو سلطان
                عبدالعزيز غرق بضحكته ليردف بخبث : مين بيجيب لي سلطان ؟
                رتيل : الله يخلي لك أم عيالك اللي تبيها في حياتك ... أردفت كلمتها الأخيرة بسخرية لاذعة على كلماته الأخيرة معها.
                عبدالعزيز : يعني أفهم أنه حياتي ماهي مغرية لك؟
                رتيل رفعت حاجبها وهي تقلد صوته بطريقة ساخرة : أنت ماراح تكونين أول بنت في حياتي! أنت مستحيل تكونين أول بنت! أنت ... وأنت وأنت ... أذكرك إذا نسيت
                عبدالعزيز : أجل أنا أعتذر عن كلماتي بعد .. تقبلين إعتذاري يا حرم عبدالعزيز العيد ؟
                فهمت من كلمته الأخيرة كيف يريد أن يربط مصيرها به، أخذت نفسا عميقا وهي تنظر لإبتسامته التي تربكها، أخشى على نفسي من هذه الإبتسامة وفتنتها.
                أردفت : أفكر
                عبدالعزيز بضحكة وكأنه يحاول أن يهرب من واقعه بكلماته معها، يحاول أن ينسى ما يحدث بالخارج : طيب يا أم سلطان فكري وخذي راحتك بالتفكير
                رتيل شتت نظراتها بعيدا عنه : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه عفوا؟
                عبدالعزيز : أحاول أكون لبق وذوق بس عاد الشكوى لله
                رتيل : بوردون
                عبدالعزيز تذكر أشهر ما يحفظه من الشعر الفرنسي لينطق بلكنته الفرنسية المكتسبة : tu peux dire à la rivière de ne plus couler .au soleil de ne plus coucher et même à la terre de ne plus tourner mais jamais à mon cœur de ne plus t'aimer " يمكنك ان تقولي للنهر أن لا يجري أبدا، للشمس أن لا تغرب أبدا و حتى للأرض أن لا تدور أبدا لكن لاتستطيعين مطلقا أن تقولي لقلبي أن لا يحبك أبدا. "
                رتيل التي لم تفهم ولا كلمة مما قيل أردفت : طيب ترجم عشان أفهم!
                عبدالعزيز بلكاعة يغير المعنى : أن الحياة ما توقف عليك وأنه رجل مثلي بإمكانه نسيانك في الوقت اللي يفكر فيه كيف يقضي فراغه مع أصدقائه
                رتيل : شفت الوقت اللي أسرح فيه شعري ؟ في هذا الوقت أنا قادرة أنهيك مثل لما أتهور وأقص خصلة من شعري
                عبدالعزيز : تتهورين! لهدرجة مسألة نسياني تعتبر تهور بالنسبة لك
                رتيل أنقهرت من تمويهه لكلماتها : أفهم على كيفك!
                عبدالعزيز أبتسم : جوتيم .. أترجمها ؟
                رتيل : هههههههههههههههههههههههههههههه مغازلجي فاشل!
                عبدالعزيز و يحجر لها : أجل علميني كيف الغزل يكون؟ نتعلم من خبرتك
                رتيل بضحكة تستفزه لتلتفت عليه بكامل جسده وهي تقترب منه : يقولك خالد الفيصل سلم المحبه ما وطا الزين ناطاه، حد الخطر لعيون خلي وطيته ، والي يودك كل ما منك يرضاه ، حتى عذابك يا حبيبي رضيته . .
                عبدالعزيز غرق بضحكة طويلة ليردف : الله يعاقبني دام مخليني بارد والدنيا قايمة برا

                ،

                يقف بإتزان بعد أن أجتاحته برودة التبلد وخاب كما يخيب الجميع، لم تكن هناك فرصة أن أضطرب أو أقلق فقد فقدت كل أمل يتعلق بها، بصوت هادىء : هل بإمكاني أن أتحدث .. أمر ضروري
                : بالطبع .. تفضل.
                ضغط الموظف الأشقر على رقم غرفتها ليسلم السماعة ليد فارس، أخذ نفسا عميقا ليلفظ بصوت حاول أن يغلظه أكثر لتتغير النبرة : عبير؟
                عبير بنبرة يتضح بها الخوف : أيه!!
                فارس : إذا ممكن تنزلين! عمك مقرن ينتظرك تحت
                عبير : مين أنت ؟ ليه مو هو اللي أتصل
                فارس : تبين تكلمينه؟ هو قاعد يكلم أبوك لكن إذا تبين الحين أخليه يكلمك
                عبير بإقتناع : و عبدالعزيز ؟
                فارس : ماهو موجود .. على العموم لازم تنزلين بسرعة
                عبير : بروحي؟
                فارس : إيه .. إذا تبين أتصلي على أبوك وأسأليه
                عبير : لالا خلاص .. ثواني ونازلة
                أغلقه ليتجه بخطوات سريعة نحو المصاعد ويتجه نحو طابقهم، ألتفتت على ضي التي أستسلمت للنوم بتعب شديد، أخذت هاتفها وخرجت بهدوء لتضغط على المصعد، أنتظرت وهي تتشابك بأصابعها بقلق، أنفتح لتحاول الدخول ولكن من خلفها شدها وهو يكتم أنفاسها بقوة كفه، همس وهو يقرب المشرط الحاد من ملامحها : ولا كلمة !
                لم تستطيع أن تراه وهو يحاصرها من ظهرها، ولكن صوتها تشعر أنها سمعته من قبل، لم تطيل التفكير والتخمين بمن صاحب هذا الصوت وهي تنتفض وتحاول أن تبعده ولكن بتهديد لاذع أستسلمت : عبدالعزيز . . رتيل . . ضي . . ؟ مين تبين بالضبط ؟
                فهمت ما يقصد، لتهدأ، سحبها للمصعد ولم يجعلها تراه وهو يحاول أن يثبت كتفيها من الخلف، أنهمرت دمعاتها وهي تتوقع أسوأ السيناريوهات التي ستحدث بعد قليل، لا تعرف كيف تتخلص من هذا الرجل؟ وكيف تهرب! كيف تصرخ لعبدالعزيز وتناديه! يا غبائي! ليتني جلست مثل ما قال عبدالعزيز، كيف صدقت أن عمي مقرن يريدني! فتح المصعد ليسحبها بيدها دون أن يلتفت عليها وهي لا ترى سوى شعره القصير من خلفه وجسده العريض، أركبها السيارة ليكتم أنفاسها بقوة جعلتها تستلم للإغماءة المفتعلة بعد أن أتسعت محاجرها وهي تنظر إليه وتتعرف على وجهه، هذه اخر الحلول يا عبير! و رأيتك بأسوأ موعد عرفه الحب، ومسكت يدك بأسوأ لقاء من الممكن أن يكن، أنا اسف هذه المرة لأني سأجعلك تشعرين بحرقة الذنب ونظر الله إليك، ليتني أملك هذه الخشية من الله لما تجرأت أن أسمعك صوتي.

                ،

                أقتربت من الدرج وهي تتمسك بقبضته، شعرت أن قلبها يندفع بالعمق إلى بطنها، تشعر بالنبض في بطنها يؤلمها بشدة، تيبست يدها على طرف الدرج والضباب يغشى رؤيتها، كانت تريد أن تنادي أي إسم وعقلها يدور بها بلا ثبات/إستقرار، شعرت بوجع وكأنها تحتضر، وضعت يدها على بطنها المنتفخ لتحاول أن تبتعد عن الدرج ولكن لم تكن ترى شيئا سوى بياضا بإمكانه ان يعيقها عن الحركة لتنزلق من أعلى الدرج ورأسها يرتطم بقوة.
                كان صوت سقوطها مهولا في بيت هادىء كهذا، رفع عينه : هذا أيش ؟
                هيفاء : يمكن شي من المطبخ!
                يوسف مسك هاتفه ليسمع صرخة الخادمة، تركه وهو يهرول سريعا لتتسع محاجره من منظرها! كانت الدماء تنزف من رحمها، رفع رأسها من الأرض ليضعه على فخذه،
                هيفاء المندهشة ركضت للأعلى نحو جناحهما لتجلب عباءتها، وضع يده على رقبتها ليتحسس النبض والدماء بدأت تغرق كفوفه، غطاها ليحملها متجها نحو سيارته ومعه هيفاء، وضعت هيفاء رأسها على فخذيها بالمرتبة الخلفية لينطلق يوسف بسرعة جنونية.
                عقله غائب عن كل شيء، لا يستطيع التفكير بأي شيء وبأي تفصيل صغير، مشتت ضائع لا يملك أدنى فكرة عن شعوره في هذه اللحظة.
                هيفاء التي كانت ترتجف وهي تحاول أن تدعي بكل شيء عملته في حياتها، لا حيلة لها غير ذلك، نظرت لنهاية أقدامها والدماء التي تصل إليها! هل هي تسقط الجنين الان أم لا ؟ يالله أحفظها وأحمها.
                ركن سيارته بمكان خاطىء دون أن يلتزم بأي مرور وتعليمات، أدخلها إلى الطوارئ وقلبه يرتفع ويهبط بعلو، مسح وجهه بكفيه لينتبه بأن صمته هذا يجعله ينسى اللجوء إلى الله، في داخله بحت نبرة قلبه بالدعاء، يارب لا تريني بها مكروها.
                جلست هيفاء وأصابعها تتشابك ببعضها البعض، تشعر بأن أمرا سيء سيحصل، لا تعرف كيف تتحمل هذا الشعور! ولكن هناك أمرا يخبرني أنه سيصيبها شيء، كل هذه الدماء لن تجعلها تسلم إلا .. إن رحمها ربي، يارب أرحمها وأرحم ضعفها ولا ترينا بها مكروها.
                أستغرقت الدقائق الطويلة وهو يسير ذهابا وإيابا، كل أعصابه بدأت تفلت منه وهو ينتظر أحدا يطمئنه، بعد تضارب قلبه الشديد خرجت الدكتورة : أنت زوجها؟
                يوسف : إيه .. كيفها الحين ؟
                الدكتورة : هي بخير الحمدلله .. لكن مقدرنا ننقذ الجنين .. يعوضك الله ... تركته وهي تجهل ماذا سببت له! تجمدت أقدامه على الأرض دون أن يفهم شعوره، يجهل نفسه، صمت رهيب يعيق لسانه عن الكلام، قبل أيام كنت أراه بعيني وهو في رحمها واليوم؟ في اللحظة التي شعرت بها بالأبوة غادرني هذا الشعور أسرع مما يمكن، في اللحظة التي بدأت أحسب كم أسبوعا بقي حتى أراه، رحل. ولكني أريده يالله! كنت أتوق لرؤيته كثيرا!
                تنهد بطريقة جعلت دمعة هيفاء تنزل بهدوء، همس : الحمدلله على كل حال ... ألتفت عليها .. خليك بروح الحمام وراجع لك ... أتجه ليتوضأ بخطوات خافتة ليعقب ذلك لمصلى المستشفى، لأن لا أحد يواسي خيباتنا، لا أحد يواسي أحزاننا سوى الله فأنا لا أعرف طريقا للشكوى سوى السجود، لأني أحتاجك يالله أن تربت على كتفي وتجلي حزني، أحتاجك أن تخفف هذا الحزن، في المرة التي أردت بها أن تكون الحياة " إبني " مات.


                يتبع

                تعليق

                • *مزون شمر*
                  عضو مؤسس
                  • Nov 2006
                  • 18994

                  رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


                  ،

                  في ليل الرياض الطويل، كانت تتوضأ في مغاسل الصالة لتطل عليها حصة : أي صلاة؟
                  الجوهرة : لا مو صلاة! بس كذا من كثر ما أشوف سلطان يتوضأ صرت زيه
                  أبتسمت : عقبال ماأكسب هالعادة
                  الجوهرة وهي تغلق صنبور المياه : حلو الواحد يكون على وضوء دايم يعني وش بتخسرين كل مادخلتي الحمام توضي كلها دقيقة وتخلصين!
                  حصة : السالفة مو كذا بس تنسين إذا ماكان وقت صلاة
                  الجوهرة بهدوء : أنت ماتعرفين متى تقبض روحك فخليك دايم على طهارة . . . سمعوا صوت السيارة بالخارج . . . هذا أكيد عمي جاء . .
                  حصة : طمنيني ولا تخليني أنتظر
                  الجوهرة : إن شاء الله . . . .
                  دخل لتقبل رأسه، وبقلق : وش صار عليه ؟
                  عبدالرحمن : ماعليه خوف لكن أمرنا لله بيجلس في المستشفى هالأيام
                  الجوهرة : بس مافيه شي ! يعني واعي لا تخبي علي شي
                  عبدالرحمن : واعي وكلمته والحمدلله
                  الجوهرة برجاء : طيب طلبتك خلني أروح له
                  عبدالرحمن تنهد : وين تروحين له! خليك مرتاحة وهو صدقيني بخير ..
                  الجوهرة : الله يخليك عمي! لا تردني
                  بمجرد ما نظر لعينيها حتى رضخ، هذه العينين مقنعة وجدا : طيب ... روحي ألبسي عباتك
                  ركضت الجوهرة للأعلى ليبتسم عبدالرحمن، هذه الجميلة بقرب بناته وأكثر، حظك يا سلطان البائس أظنه يبتسم إن أتى بإتجاه جوهرتك.
                  نظر لعائشة : جيبي لي مويا
                  عائشة بغمضة عين مدت له الكأس، رفع حاجبه عبدالرحمن بشك من امرها المريب : فيك شي؟ صاير شي هنا
                  عائشة : لا بابا .. الحين بابا سولتان شنو فيه
                  عبدالرحمن ضحك ليردف : الله يرزقنا حبكم لهالسلطان! مافيه شيء بخير الحمدلله
                  عائشة بنبرة سريعة : أنا واجد خوف بابا هادا بابا سولتان واجد زين هو مو واجد زين بس يأني*يعني* هرام*حرام*
                  عبدالرحمن أبتسم : ليه مو واجد زين؟ وش مسوي لك!
                  عائشة بإبتسامة واسعة : يأني هو زين انا ما يقول مو زين بس واجد انقري*عصبي*
                  عبدالرحمن يرفع عينه للجوهرة التي تلبس نقابها، مد لها الكوب : شكرا
                  عائشة : أفوا
                  خرج مع الجوهرة متجهان للمستشفى، بنبرتها الخائفة : قلت له لا يروح بس ما سمع كلامي!
                  عبدالرحمن : الحمدلله عدت على خير بس هالمرة مستحيل يخلونه يطلع من المستشفى! عاد الله أعلم كم بيجلس يمكن أسبوع وأكثر.
                  الجوهرة : طيب وش اللي صاير في شغلكم ؟
                  عبدالرحمن وهو يقف عند الإشارة الحمراء : تعرفين سلطان وش وظيفته بالضبط؟
                  الجوهرة : لا
                  عبدالرحمن بإبتسامة : إذن ماراح تعرفين وش صاير
                  الجوهرة : لا يعني أبي أتطمن
                  عبدالرحمن الذي يشعر بأن اليوم كان ثقيلا على قلبه أكثر مما يجب، ولا يعرف كيف سينام الليلة وعائلته هناك! لا تكفي إتصالات عبدالعزيز لا يكفي هذا الإطمئنان من عزيز : كل شيء تمام الحمدلله .. تطمني.
                  تمر الدقائق طويلة شاقة في تقاطعات الرياض المزدحمة حتى ركن سيارته في مواقف المستشفى : يمكن نايم ماراح نطول طيب لأنه ماهو وقت زيارة
                  الجوهرة :طيب . . . . دخل معها وبمسافة قصيرة فتح باب غرفته المخصصة، ألتفت عليها : نايم!
                  فتح عينيه وهو الذي كان يحاول أن ينام بعد أن أستغرق يومه في النوم تحت وضعية التخدير، أبتسم بوسعود : كويس مانمت!
                  نظرت إليه وهي ترى شحوب ملامحه وصفرة ملامحه المربكة لحواسها، عقد حاجبيه ليلفظ ببحة : ماكان له داعي
                  عبدالرحمن : أعقل هذي مرتك وتبي تتطمن عليك! .. جوهرة حبيبتي ماعليك منه أجلسي وبجيك بعد شوي ... وخرج.
                  أقتربت منه : تحب تعذب نفسك وتعذبنا معاك
                  سلطان بضيق : عسى ما روعتي عمتي؟
                  الجوهرة : لا .. كيفك الحين ؟
                  سلطان : أنت وش شايفة ؟
                  الجوهرة بوجع والدموع ترتفع بسلالم هشة نحو عيناها : ممكن تتكلم معاي بأسلوب أكثر لباقة
                  سلطان : مو قلت ماأحب أحد يجيني المستشفى!
                  ألتزمت الصمت وهي تتأمل ملامحه التي أشتدت، أعرف أن التعب يجعل الشخص يرضخ قليلا ولكن أنت يا سلطان شيء اخر، شيء لا أعرف ما منتهاه! مرة أقول أنك وطن ومرة أقول أنك منفى.
                  يلتفت عليها : تطمنتي؟
                  الجوهرة : بتطردني يعني؟
                  سلطان بهدوء : أنا سألتك
                  الجوهرة تنزع نقابها لتستفزه وهي تحاول أن توصل له بأنها ستطيل المكوث، غرق في عينيها اللامعتين لتردف : جوابي وصل ؟
                  سلطان نظر للجهة الأخرى دون أن ينطق بكلمة أو حتى حرف.
                  أبتسمت، لتجلس على السرير بجانب بطنه مما جعله يزيح قليلا، هذه المرة من يستعمرك ويعبث بك : أنا ولست أنت، أيقنت أن الحياة أقبح من أن أتحداها بالقوة، أيقنت تماما بأن الخيبة التي تترسب في قلبي أخف وجعا من أن أقسى وأكابر، وضعت كفها على كفه الباردة بإستحلال تام لجسده : أقدر أرجع أسألك مرة ثانية كيفك؟
                  كان يعرف ما خلف هذه النبرة، يشعر بلمسة كفها وبالكلمات التي تنتقل من جلدها إليه، يعرف تماما ما تقصد وما تعني بجملتها، تستفزني كثيرا في وضع لا أستطيع به أن أقف وأروضها، أبتسم ليعاكس البركان الذي يشتعل في صدره : وأقدر أجاوبك مرة ثانية وأقولك أنت وش شايفة ؟
                  أبتسمت بطريقة لاذعة مستفزة لعينيه التي تعلقت في شفتيها : طيب الحمدلله، عمي عبدالرحمن يقول أنك بتجلس أكثر من أسبوع طبعا ماراح تخليني أنا وعمتك في البيت محروقة أعصابنا! ياليت تتحمل زيارتنا الثقيلة يوميا .. " شدت على كلمتها الأخيرة "
                  عض شفته السفلية : عندك دقيقة وحدة لو ماأبعدتي عن وجهي بتشوفين شي . .
                  وضعت أصابعها برقة على شفتيه لتمنعه من الكلام وهي تستلذ بتعذيبه : أشوف إيش؟ معليش يا سلطان أستحمل لو أنك جالس في البيت وسمعت كلامي ماصار كل هذا! لكن أنت تحب تأذي نفسك وتأذينا معك
                  سلطان يعض أصابعها لتسحبها بقوة وهي تطلق " اه ": أنتهت الزيارة مع السلامة
                  الجوهرة بعناد : أنتظر عمي يجي .. ولا تبيني أطلع وأدور عليه
                  سلطان بهدوء : والله شكلك شايلة في قلبك كثير والحين تردين علي فيه!
                  الجوهرة بمثل إبتسامتها المستفزة التي تتصارع مع ملامحها الناعمة البريئة : ماعاش من يشيل في قلبه عليك
                  سلطان : الجوهرة أحفظي نفسك أحسن لك
                  الجوهرة : جرب شوي الشعور اللي تخليني أحسه كل يوم
                  سلطان بحدة : جاية تتشمتين!
                  الجوهرة بجدية : أبوي ما رباني على الشماتة
                  سلطان : أتصلي على عبدالرحمن وخليه يجي ولا عاد أشوفك هنا
                  الجوهرة بهدوء : قلت لك تحمل زيارتنا الثقيلة!
                  سلطان بغضب : لا تعانديني قلت مافيه يعني مافيه!
                  الجوهرة : طلبك مرفوض
                  سلطان حاول يستعدل بجلسته ليفرغ غضبه بسهولة ولكن يدها توجهت لصدره لترغمه على الإستلقاء وبصوت خافت : يعني وش فيها لو جيناك! حرام ولا عيب!
                  سلطان : عندي حرام وعيب ومكروه!
                  دخلت الممرضة الناعمة لتطمئن على وضعه، لم تكن نظرات سلطان تتوجه إليها بقصدها ولكن من غضبه شتت نظراته عليها دون حتى أن يفكر بتفاصيل الوجه الذي يراه.
                  بحركة جريئة لم يتوقعها أبدا وضعت يدها على ذقنه لتلفه نحوها . . . .

                  ،

                  يطيل النظره به دون أن يفهم ما يقصده بكلماته : طيب؟
                  : وش طيب! أنا أقولك اللي عندي! مو تبي تطلع حرتك
                  ناصر : إيه كلهم بلا إستثناء من سلطان إلى فيصل
                  : خلاص أعتبر موضوعك خالص، خلال يومين بنفسك راح تنتقم لنفسك ! وش تبي أكثر من كذا ؟
                  ناصر بهدوء : ولا شيء! أبيهم يجربون شعوري خلال سنة كاملة وأكثر! أبيهم يحسون وش سوو فيني
                  : ماراح يحسون بشعورك سنة! بخليهم يشوفون هالسنة في يوم واحد . . .

                  ،

                  وضع رأسه على الباب، صداعا يفكك خلاياه ولا تركيز يسعفه وينقذه، ألتفت عندما سمع صوت خطواته ليشد على قبضة الباب : يبه أترجاك لا تقرب لها
                  رائد : أبعد عني
                  فارس : لا ماراح أخليك تدخل!
                  رائد بحدة : قلت أبعد
                  فارس بتوسل : ماراح تدخل ولا اللي معك راح يدخلون عليها!
                  رائد : فارس!!! لاتعصبني .. قلت أبعد
                  فارس يغلق الباب بالمفتاح ليضعه في جيبه وهو مازال يشد على الباب حتى وهو مقفل : يببه تكفى .. تكفى هذي أول مرة أطلب منك شي يخصني
                  رائد بهدوء ينظر إليه : طيب أبي أشوفها ! أبي أتأكد
                  فارس بغيرة لاذعة : لا .. ماتشوفها
                  حمد الذي كان بجانب رائد أردف بنبرة ساخرة: على فكرة دينك يقولك يجوز أبو الزوج يشوفها
                  رائد إبتسم في عز غضبه ليصفعه فارس بحقد وهو الذي يحتبس غضبه منذ ساعات طويلة، كان لا بد أن يفرغه بوجه أي أحد يقابله.
                  رائد : حمد أطلع . .
                  حمد بنبرة التهديد وهو خارج بعد أن أحمر خده الأيسر : طيب يا فارس
                  رائد : طيب .. الحين مع كامل الأسف راح تتصل على عبدالعزيز! بعطيك رقم زوجته المحترمة! وبتقول لعبدالعزيز بالحرف الواحد : إما يجي بكرامته ولا عبير بتروح في خبر كان .. مفهوم ولا أعيد كلامي مرة ثانية ؟
                  فارس بوجع يظهر في عينيه التي تتوسل بكل شيء : يبه .. تكفى بس هالمرة! الله يخليك سو فيني اللي تبيه بس أتركها
                  رائد بحدة : عرفت وش تقول!
                  فارس بضيق : يبه ما ينفع كذا!
                  رائد بصراخ : أجل وش اللي ينفع يا حضرة الإستاذ!! أنك تقابل ولد الكلب الثاني
                  فارس تعتلي نبرته : طيب أحبها! تبي تذبح ولدك معاها! أقولك أحبها ماأرضى عليها ليه ماتفهم! لمرة وحدة تنازل بشي عشان ولدك اللي من لحمك ودمك
                  رائد : حبتك القرادة قل امين .. الحين بتتصل ولا قسم بالله يا فارس تحلم تشوفها
                  فارس بخضوع يمد يده ليأخذ الهاتف الذي يرن على رقم رتيل.
                  في جهة أخرى أستيقظت وهذا الحمل يجعلها تنام لساعات طويلة دون أن تشعر، ألتفتت لتبحث بعينيها عن أحد، أتجهت نحو الحمام لتغتسل ودقائق طويلة حتى خرجت وهي تسمع نغمة هاتف رتيل.
                  تقدمت إليه وهي قلقة من عدم وجود عبير ورتيل، نظرت للسماء التي تشير إلى مغيب الشمس المتأخر في باريس، ردت على هاتفها ليصل صوته الرجولي : ألو
                  ضي بربكة : هلا .. مين معاي؟
                  فارس : عطي الجوال عبدالعزيز
                  ضي : أنت مين ؟
                  فارس بهدوء : عطي الجوال عبدالعزيز
                  ضي : طيب أنت مين
                  فارس يكرر عليها : عطي الجوال عبدالعزيز بسرعة
                  ضي : عبدالعزيز مو هنا! مين أنت ؟
                  فارس ينظر لوالده الذي يشير إليه بأن يقول لها : توصلين له هالكلام! لو يبي عبير حية يجي بنفسه خلال 24 ساعة ولا يترحم عليها . . أغلقه.
                  على بعد خطوات ناما بتعب وإرهاق، نامت على السرير في حين هو نعس على الأريكة، فتح عينيه وهو ينظر للساعة ليشتم نفسه من غرقه بالنوم في وقت مثل هذا.
                  وقف لينتبه للورقة النائمة أسفل الباب، تقدم إليها وهو يفتح الظرف بهدوء، ورقة بيضاء توسطها بالخط العريض " Ask Nasser Where is your sister? " – أسأل ناصر، أين أختك ؟ -


                  .
                  .

                  أنتهى البارت

                  تعليق

                  • *مزون شمر*
                    عضو مؤسس
                    • Nov 2006
                    • 18994

                    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                    إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


                    رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طيش !
                    الجزء ( 64 )


                    المدخل ل فاروق جويدة .

                    إذا كنت قد عشت حلمي ضياعا
                    وبعثرت كالضوء عمري القليل
                    فإني خلقت بحلم كبير
                    وهل بالدموع سنروي الغليل ؟
                    وماذا تبقى على مقلتينا ؟
                    شحوب الليالي وضوء هزيل
                    تعالي لنوقد في الليل نارا
                    ونصرخ في الصمت في المستحيل
                    تعالي لننسج حلما جديدا
                    نسميه للناس حلم الرحيل



                    يقرأ بعينين خاملتين، لا تفهمان بأي حرف يقفان ويركزان " Ask Nasser Where is your sister? " ماذا يعني؟ ماذا يعرف ناصر من الأساس حتى أسأله! من أين تأت هذه الورقة؟ من أي عقل يأت كل هذا الجنون، توقف عقله عن التفكير بعائلته، وأحاطت خلاياه بأمر " ناصر " لم يجيء إسمه في هذا الوقت؟ في هذه اللحظة وهو في الرياض لا يعلم شيئا عني، كيف أتصل عليه الان وهاتفي غارق بمياه السين؟ أي أخت؟ غادة! ، بحق الله أسأله عن ماذا ؟ عن هذا الجنون!
                    أهتز هاتف ضي في جيب رتيل النائمة بخفة جعلتها تستيقظ مع أول إهتزاز، عقدت حاجبيها من إسمها الذي توسط الشاشة لتجيب : ألو
                    ضي بصوت مرتبك يختلط بنبرة البكاء الضيقة : وينكم ؟
                    رتيل : بغرفة عبدالعزيز
                    ضي : عبدالعزيز عندك؟
                    رتيل وقلبها ينقبض تدريجيا، هذه النبرة الحزينة تسقط أعوادا على قلب هش : إيه
                    ضي أخذت نفس عميق : عبير مو هنا ..
                    برجفة اكملت وصوتها يأت متقطعا في لحظة كان يقترب عبدالعزيز من رتيل : أتصلوا ناس ماأعرفهم وماأدري كيف دخلوا وخذوا عبير لأن ما حسيت في شي .. إما يجي عبدالعزيز ولا ماراح نشوف عبير
                    رتيل تجمدت أصابعها التي تحيط بالهاتف وعينيها تخترقها الحمرة ، في هذا الوقت السيء يشاركني قلبي الحزن في هبوطه وعلوه، عبدالعزيز : مين ؟
                    رتيل بنبرة تهطل عليها الرجفات من كل جهة : ضي
                    عبدالعزيز لم يكن ينتظر أن يسمع شيئا، أنحنى ليرتدي حذاءه ويأخذ سلاحه : أستعجلوا ... وعجن الورقة إلى أن دسها في جيبه، خرجت دون أن تلفظ كلمة لتفتح باب غرفتهم، دخلت لترى ضي جالسة وأقدامها تهتز بخوف ويديها تعتصر بطنها بوجع.
                    رتيل بلعت ريقها وهي تبحث بعينيها وكأنها لا تصدق ما سمعت، أطالت في وقوفها حتى تستوعب ما يحدث، أتجهت نحو الدولاب لتستخرج معطف ضي وتمده نحوها : عبدالعزيز ينتظرنا برا
                    ضي بنبرة توحي عن ألم فظيع تشعر به : عطيني جوالي
                    رتيل تمده لها وهي في دورها تأخذ هاتفها : لا تتصلين على أبوي أنتظري عبدالعزيز
                    ضي : وين بنروح؟ ماني فاهمة شي
                    رتيل تمسك يدها لتتجمع في عينيها الدموع دون ان تتجرأ أن تنزل واحدة تريحها : طيب قومي الحين ... أكيد عبدالعزيز عنده مكان ثاني
                    وقفت بلا قدرة على المناقشة أو القرار، أرتدت معطفها لتسحب حجابه وتلفه، خرجت مع رتيل لتلتقط عين عبدالعزيز الفرد الناقص : وين عبير ؟
                    رتيل التي لم تستطع أن تخبره ولم يترك لها وقت للكلام، رفعت عينها بمحاولة أن توضح لها بنظراتها.
                    عبدالعزيز بدأت البراكين تشتعل في صدره وعقله معا، ضي : أتصلوا على جوال رتيل!
                    رتيل تفتح هاتفها : أنا عندي أبلكيشن يسجل المكالمات، . . . . ثواني قليلة حتى فتحت المكالمة وصوت فارس الواضح تعرفه إذن عبدالعزيز.
                    بدأ يتشابك في عقله ألف فكرة، مالذي يجعل فارس يخطط على أخذها وكيف خرجت له أو أنه دخل! شعر بالغيرة وكأنها أخته وليست أخت زوجته التي ربما لا تعني له شيء بمفهوم عقله، كل هذه الأشياء تقذف علي في دقيقة واحدة، ناصر الذي أجهل حاله هذه الأيام و عبير التي تسرق من جيب شعرت أنه من المستحيل أن تتمرد يد عليه والان؟ مالعمل!
                    عبدالعزيز موجها سؤاله لضي : من متى ؟ وكيف ما قلتي لي ؟
                    ضي بربكة : صحيت ومالقيتها وبعدها دق جوال رتيل
                    عبدالعزيز أخذ نفس عميق وهو يشعر بأن المصائب تتواطىء عليه من كل ناحية، كيف يتصرف ؟ لا رجل هنا حتى مقرن مختفي ولا يجيب على إتصالاته! لا أحد من الممكن أن يثق به ليذهب لرائد فلا حل اخر ولكن " رتيل و ضي "، وقفا بالممر لوقت طويل وعقل عبدالعزيز يغيب وهو يبحث عن حل، لا مجال للمساومة أبدا على روح عبير، مسح على وجهه بكفيه وهو ينحني قليلا مطلقا تنهيدته الموجعة، رفع عينه ليضغط على زر المصعد. أدخل يديه بجيبه ليمسك الورقة، لا يريد لعقله أن يتشوش من أمر ناصر، عقد حاجبيه ليخرجان من الباب الخلفي، اخذ من الفندق سيارة اخرى ليخرج مبتعدا عن إزدحام باريس : لا تقولين لأبوك أي شي .. سامعة ؟
                    رتيل وهي تحاول أن تقاوم بكائها : طيب
                    وقف عند الإشارة الحمراء لينظر لرتيل وهي تجاهد أن لا تنزل دموعها، في جهة أخرى كانت ضي تسند رأسها على الشباك وتغرق بتفكيرها في الطريق.
                    مرر يده بجانبها ليشد على قبضته عليها، يريد أن يبعث لها بعض الراحة من ملامسة يدها المرتجفة ، أخذت شهيق مبحوح دون أن تنظر لعينيه، أتى حبك مفاجئا، مروضا لكل الأفكار السيئة عنك، أتى حبك عقابا لعنفواني إتجاهك، أتى سقوطك بذرة للحب لم اكن أتخيل يوما أن تصل لهذه الحدائق التي زرعتها في صدري، و " يا ما جف في صدري حكي كثير ويا ما قلت أنك ظالم بإيدك ترويني و تحرمني منه يا عزيز " ، كل الخلافات التي تتشعب من صدري تجعلني أضعف بصورة عميقة، تجعلني أتمنى لو كنت مكان عبير وأن لا يصيبها شيء، تراودني كل القصص التي أنتشرت في مجتمعنا بضيق شديد، تلك الفتاة التي أختطفت أمام بيتها ولم يراها أهلها منذ 15 سنة ومازالوا، تلك العائلة التي أحتجزتها إحدى العصابات في إحدى الدول العربية وضجت بها القنوات، كان من النادر أن يختطف أحدا ويعود بكامل عافيته، وأخشى على عبير، أخشى أن لا أراها بعد الان، جربت الفقد كثيرا ولا طاقة لي بأن أفقد أمي مرة أخرى، هي أمي و أختي وصديقتي و كل شيء أعرف تصنيفه ولا أعرف ماهيته، هي الأشياء الجميلة الناعمة التي لاأعرف أحيانا كيف تفكر وماذا تخفي، أفعلي بي ما تريدين، حتى تلك الصفعة كرريها لو تودين ولكن لا ترحلين، لا تغيبين تعرفين ما أقسى شيء يواجه شقيقتك ؟ أقسى شيء الغياب الحاد الذي يشطر قلبي نصفين، أنا أتراجع عن كلماتي السابقة بحق عبدالعزيز بأنه له حرية العيش وأن لا يستغرق حداده على عائلته كثيرا ولكن الان – لا - ، لا أريد أن أفكر بصعوبة عودتك، يالله ردها لنا، رد لنا روحنا.
                    ركن سيارته في الضفة الخضراء المزدهرة والهدوء يسكن جهاتها الأربع، أبتعد عن باريس كثيرا. هذا البيت الخشبي الصغير الأشبه بالكوخ أنسب مكان حاليا وأأمن مكان، تقدم وأخذ الطبق المصنوع من الفخار المزخرف ليقلبه ويجد المفتاح كما كان يعتاد سابقا، فتحه لينظر للأثاث المرتب والمغطى بقطع قماش خفيفة، مسك الباب ليدخلان بتجمد من برودة الجو هنا.
                    رتيل ألتفتت عليه : بنجلس هنا ؟ إلى متى ؟
                    عبدالعزيز : لين الله يفرجها .. وخرج لخلف البيت لتتبعه : بتروح لهم ؟
                    عبدالعزيز يبحث عن الحطب دون أن يجيبها بكلمة، ينزل دمعها بحرقة - اللاعبير – و بحزن – عزيز – عليها.
                    لم بين ذراعيه الحطب ودخل ليضعها في المدفأة الجدارية، أشعلها : شوي ويدفأ البيت ... أتجه نحو الشبابيك ليتأكد من إغلاقها، توجه للخارج ليلتفت لرتيل : بمر أجيب لكم أكل دقايق ماني مطول
                    رتيل راقبت إبتعاده بسيارته متجها للدكان الصغير في محطة الوقود القريبة من عينيها، دخلت لتجلس بمقابل ضي وهي تقدم أكمامها لتدفىء يديها : ضي ..
                    رفعت عينيها الغارقة لتضيق نبرتها المبحوحة : مافيه أحد جمبنا .. وعبدالعزيز ما قصر بس كثير عليه
                    رتيل بعقدة حاجبيها : تعدي .. إن شاء الله تعدي
                    ضي بضيق : ودي أقولك شي
                    رتيل : وشو ؟
                    ضي صمتت قليلا حتى أنهارت ببكائها، جلست رتيل بجانبها : بسم الله عليك ... أهدي
                    لم أجرب معنى العائلة، لم أجرب خوف أب علي أو حزن أمي ، لم أجرب فرحة شقيقات بزواجي ولم أجرب أي شعور باللذة في حياتي الحامضة، كل أموري تأت باردة لا ذكر لها إلا عندما أتى عبدالرحمن والان حين أردت الشعور بالحرية، الحرية التي تجعلني أكون عائلتي أشعر بأن كل شيء ينهار أمامي، أشعر بأن وجودي خاطىء، بأني في المكان الخاطىء، بأني حزينة وحزينة جدا، أنا التي حلمت كثيرا حتى سقطت كثيرا، أنا التي أحببتك بكل الدوافع التي أفهمها ولا أفهمها أشعر بعنف غيابك علي، ليتني ذهبت معك، ليتني أجاورك كظلك وأخبرك عن الذي في بطني دون أن تضيق، دون أن تغضب، أريد أن أجرب طعم مرور هذه الكلمة على لساني، أريد أن أقول " أنا حامل " لأرى ضحكتك وإبتسامتك.لأرى المطر في غير موسمه والغيم يتشكل لنا، أريد وبشدة يا عبدالرحمن ولكن أشعر بكارثة تقترب منا، لا أريد أن أتشائم ولكن لا أريد أن أموت ببطء بفعل حزني على نفسي وعليك وعلينا جميعا.
                    رتيل وهي تمسح على شعرها : ضي تكلمي شغلتي بالي ...
                    وهذا الضعف منها لم تراه رتيل من قبل وبين ذبذبات بكائها يأت صوتها متقطعا مرتجفا ببرودة الأجواء : حامل
                    توقفت يدها من المرور على شعرها وهي تتلقى الخبر بصدمة رغم أنه أمرا طبيعيا ولم تكن ستستغرب أبدا لكن بمجرد ما سمعته شعرت بدهشة قلبها، أخذت نفس عميق : أبوي يدري ؟
                    ضي هزت رأسها بالنفي والتعب يحاصرها من كل زاوية وجهة، رتيل : خايفة من ردة فعله ؟ صح ؟ . . .
                    ضي بحزن يغرز قلب رتيل معه : لأن ماني قادرة أفرح بأي شي .. بزواجي مقدرت .. والحين ماني قادرة .. وفي كل مرة .. مقدر، دايم أحس أني جاية في وقت غلط! جاية في مكان غلط .. دايم أحس أنه مالي وجود .. مالي مكان ..... ممكن بسهولة الكل ينساني
                    رتيل يتحشرج صوتها بالرجفة : ليه تقولين كذا ؟ هذا مكانك ولك وجودك في قلب أبوي وفي قلوبنا كلنا .. لا تقولين كذا ضي يمكن الظروف ماهي واقفة معنا كلنا مو بس أنت لكن هذا ماهو معناته أننا ما نبيك بيننا حتى عبير اللي كانت رافضتك بالأخير رضت وشفتيها اخر فترة كيف متقبلتك ..
                    ضي تمسح وجهها بكفيها الدافئة : أبوك مايبي مني عيال ولا راح يرضى فيه ..
                    رتيل تنهدت : أكيد مو قاصد بهالمعنى الحرفي .. يمكن بهالفترة بس
                    ضي تهطل دموعها بغزارة الحزن الذي يسكن بطنها : وش أقول غير الحمدلله؟
                    تشدها نحوه لتعانقها وهي تحاول أن تبعث بعض القوة لها : ماتدرين الخيرة وينها . . . . أطالت في عناقها وهي تشعر بمسؤوليتها إتجاه زوجة أبيها، لا تعرف ماهو إحساسها أول ما سمعت " حامل " ، شعرت بشيء يندفع نحو قلبها بشدة، حامل؟ هذه الكلمة من حقها أن تلخبطني.
                    سمعا صوت السيارة لتردف : أكيد عبدالعزيز جاء ... أبتعدت عن الجلسة الريفية لتفتح الباب قبل أن يأت، وضع الأكياس على الأرض : جبت لكم الضروري .. إذا صار شي أتصلي علي بس لا تفتحون الباب ولا تطلعون .. تمام ؟ .. عطيني جوالك عشان تتصلون
                    رتيل تمده له دون أن تنطق شيئا وعينيها تحكي خوفها اللاذع عليه،
                    عبدالعزيز أبتعد ليلتفت متنهدا : ممكن ما أرجع اليوم .. ولا بكرا .. المهم لا تشغلون بالكم مو صاير شي ..
                    رتيل لوت شفتها السفلية للداخل وعيناها تفيض، أقترب منها ليقبل ما بين حاجبيها، وقفت على أطراف أصابعها لتعانقه بشدة لم تسبقها شدة من قبل وهي تدس وجهها في عنقه وذراعيها تحيطان رقبته، رفعها لمستواه وذراعه تحيط بظهرها، والهواء البارد يدور حولهما ليخرج كبخار أبيض بين شفتيهما، لا أدري ماذا يخطط رائد أن يفعل بي هذه المرة، كان لزاما عليهم أن تختفي عائلتنا بأكملها، بقي فردا وكان من اللازم على رائد أن ينهيه، لا أتوقع الكثير هذه المرة ولكن الموت الذي يقترب مني أعرفه جيدا، أعرف كيف سيهدد بي إلى أن يسقطني، لا مفر بوجود عبير! سيجبرني على الموت مثلما أجبر أبي أم أجبره غيره فالحكاية نفسها تعاد، كنت أقول أن طيف المقبرة ألمحه على دوام، على دوام يا رتيل، وأخشى أن يأت حقيقة، وأتى مثلما لمحته ، أتى بضراوة لم أتوقعها، هل هذا عناق الوداع؟ وهل هذا نتاج معصيتي؟ هل تأت نهايتنا أسرع مما نتوقع، أسرع مما يجب ؟
                    بللته بدموعها وحرارة أنفاسها تلتصق بجلده، لم نكن نقوى أبد على لفظها حتى في أشد الأوقات، ليتني أستطيع أن أقولها يا حبيبي، لم الكلمات تستنكرني؟ تهرب مني وتكره أن تأت على لساني.
                    يهمس وهو الغارق بها، هل يجدي الإعتراف بشيء الان، كنت أتمنى للحظة أن لا يضيع العمر من تحتنا ولكن ضاع، ضاعت أيام كثيرة كان من الظلم أن تضيع، كان من الغباء أن تسير ببطء أمامنا ونراقبها بعين مفتوحة دون أن نفعل شيء : أنتبهي لي . . . وتركها متجها لسيارته، تراقب خطواته بعيني البكاء، " أنتبه لك في بعدك " أيعني هذا أن قلبك معي ؟ أتعترف يا عزيز الان ؟ " وين أروح ؟ " في غيابك، ماذا لو فعلوا بك شيء ؟ ماذا لو تبخرت من حياتي؟ يالله! إني أستودعتك إياه وأستودعت قلبي الذي يملكه فلا يمسه ضرا ولا سوء. شدت على بلوزتها الصوفية وهي تحضن نفسها ببكاء يغرقها، تراقب الطريق الخاوي أمامها، ذهب ولم أخبره بأني والله العظيم أحبك.

                    ،

                    بحركة جريئة لم يتوقعها أبدا وضعت يدها على ذقنه لتلفه نحوها : مضيع في وجهها شي ؟
                    لم تفهم الممرضة ما قالت لتنسحب بهدوء بعد أن أطمأنت متجهة للغرفة التي تليها، سلطان ينظر لها بعنف عينيه إن غضبت : عطيني جوالك
                    الجوهرة : وش تبي فيه ؟
                    سلطان بحدة لم يعتاد على هذه القوة/العناد منها : الجوهرة! قلت عطيني
                    الجوهرة مازالت تخاف من نبرته الرجولية الصاخبة التي تحدث ضجيجا في قلبها وبصوت خافت : طيب ولا تزعل الحين بطلع ... شكرا على حسن إستقبالك . . تامر على شي ؟
                    سلطان لم يجيبها وكأنه يرد لها العذاب النفسي الذي تلذذت به قبل قليل، أطال بنظره بعينيها دون أن يلفظ كلمة.
                    الجوهرة تنهدت : ماتبيني أقول لعمتك شي مثلا ؟
                    سلطان يبعد أنظاره للنافذة، وكأنه يخبرها " مع السلامة " بطريقة لا تليق إلا بقوته التي لا يتخلى عنها بسهولة، بحركات غير محسوبة تفرط في إظهار قهرها منه وهي التي أعتادت الكتمان : الله ياخذك من أوجاعي. . . أخذت نقابها لترتديه أمام عينيه التي أستدارت نحوها، يراقب تفاصيل عقدتها للنقاب خلف رأسها، ينظر ليديها الشديدة الفتنة : غطي إيدك
                    الجوهرة بإستغراب لم تجادله فيه، مددت أكمامها لتغطيها : بالأوامر جاهز بس لما . .
                    يقاطعها : بحفظ الرحمن
                    الجوهرة عضت شفتها السفلية من خلف النقاب : تعرف شي ! راح أزن على راس عمتك لين أخليها تجيك يوميا وتنشب لك وأنا ماني جايتك عشان تعرف تقدر حضوري زين
                    لم يمنع نفسه من الإبتسامة على كلماتها الطفولية ليردف ببحته : والله يا جوهرتي بديتي تخربطين !
                    الجوهرة تكتفت وهي تنتظر حضور عمها : ماني جوهرتك لا تحاول تتملكني!
                    بمزاج الإستلعان الذي يتواطىء معه على الجوهرة : أتملكك! قديمة مرة هذا الكلام لو قايلته من زمان كان ممكن يتصدق بس الحين أنت هنا يا ماما .. *أشار لإصبعه*
                    الجوهرة تفيض بالقهر وهي تحاول ان تمسك لسانها من قول ربما تندم عليه : طيب يا سلطان!
                    بإبتسامة ينظر لعينيها وهي تختنق بالقهر والغضب : سلمي لي على عمتي وخليها تجيني بعد
                    الجوهرة : على فكرة تصرفاتك صبيانية
                    سلطان بإستفزاز صريح : مو يقولون كلنا بالحب مراهقين
                    و تسري الحرارة من عنقها بإتجاه قلبها مباشرة، تشعر بماء حار يصب عليها بكلماته، بكلمة " الحب " تحديدا، أرتجف قلبها ليعلو ويهبط بإضطراب أنفاسها.
                    سلطان وحصل على مراده : شفتي! كيف أقدر احركك حتى لو بكذب! .. توك صغيرة على عنادي
                    ودائما تهزمني، حتى لحظة إنتصاري عليك سرعان ما تتلاشى وتبقى أنت بقوتك وسيطرتك علي، لا شيء يسقط بيدي ينهي عذابي منك، لا شيء يا سلطان، كل ما أود أقوله لعينيك بذات النبرة " الله ياخذك يا سلطان من كل أوجاعي وحزني، الله ياخذك لسماء تمطر علي "، المؤسف أنك تعيد تشكيلي كما تشاء؟ أنا الصبية الهادئة المتزنة أمام الناس وأمامك انا المندفعة المتناقضة الصاخبة الهادئة الحزينة السعيدة ال كل شيء و لا أعرف أين أنا من كل هذا ؟ وكيف اقول كلمات لا أتحاور بها أبدا. قاسي جدا وعيناك أقسى والله.
                    دخل عبدالرحمن بخطوات هادئة : يالله مشينا . . توصي على شي سلطان ؟
                    سلطان بتشفي حقيقي : لا . . . أنتبهي لنفسك زين يالجوهرة عشان قلبك مايوجعك مرة ثانية
                    عبدالرحمن الذي يفهم سلطان كثيرا : ضربت فيوزاتك!
                    بإبتسامة للذي فهمه تماما : أنا ؟ بالعكس
                    ألتفت للجوهرة : أمشي ماهو كفو أحد يجيه !
                    الجوهرة " ترد له الصاع صاعين " : نام كويس يا بو بدر عشان ما يضرب لسانك معك وتقط خيط وخيط
                    عبدالرحمن لم يتوقعها من الجوهرة لينفجر بضحكته : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههه تصبح على خير و ترى ماهو في صالحك تحط راسك في بنت جدها خالد ال متعب
                    الجوهرة وشعرت بالنشوة من دعم عمها البسيط بكلماته : نوم العوافي .. توصي على شي؟
                    سلطان ينظر إليهما والحدة تعقد حاجبيه : سلامتك
                    عبدالرحمن بإبتسامة تبين معها أسنانه : فمان الله .. وخرج معها.

                    تعليق

                    • *مزون شمر*
                      عضو مؤسس
                      • Nov 2006
                      • 18994

                      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                      ،

                      بهدوء يعطل اخر كاميرا متواجدة خلف الجدار، ليلفظ : كذا وصلت المعلومة لهم . . في كل مرة ألاحظ أنه حتى أذكى الناس فيهم جانب غبي!
                      : هم قالوا بيذبحون ولد سلطان ؟
                      : الله اعلم ! بس أسامة يقول أنه رائد يبي ينهيه بطريقته .. هههههههههههه الشماتة شينة بس أتخيل منظر عبدالعزيز قدامه . . . . . . هالمرة ماظنتي رائد بيرحمه والله لا يطلع جنونه كلها عليه
                      : ههههههههههههههههههههههههههههههه أنا أقول خلنا نهرب قبل لا يشكون فينا ... أتوقع خلصنا أمورنا ورائد مو سائل عنا
                      : لحظة أنتظر سليمان وش يقول يمكن يحتاج شي من قصره!
                      : مو محتاج شي خلاص كل شي عندنا و أسامة مضبط كل أموره هنا وأصلا هو يخطط بعد يهرب منه قبل لا يبدأ بموضوع عبدالعزيز
                      : طيب . . . ألتفت عليه وهو يصعد للأعلى . . . قالها عمر كل الأشياء بتختفي من جذورها يعني سلم على عبدالعزيز واللي معه
                      يتنهد الاخر وهو يتبعه : سلطان العيد لو كان من البداية ريح نفسه ماكان صار فيه اللي صار هو وأهله والحين سلطان و بوسعود يسوون نفس ما سوا ! يتحملون اللي يجيهم دام هم ما تعلموا من سلطان
                      : بس سلطان العيد لا تنسى أنه كان بعد تقاعده يعني مليون بالمية ما كان عند سلطان وبوسعود علم بالموضوع! كذا ولا كذا أظن أننا قدرنا ننجح . . وبإبتسامة النصر : يبي لنا نحتفل ؟ بقى شوية وتنضرب الروس الكبيرة في بعضها ويتبخرون مثل ما تبخر سلطان العيد من قبلهم
                      بإبتسامة : تصدق ماتوقعت أننا بنكمل لين النهاية ومثل ما خططنا! ولا شكوا واحد بالمية في سليمان الفهد .. ولا شكوا فينا .. والله يبي لنا نحتفل على شرف غبائهم
                      : أنتظر بس الجو بيحلى مع أسامة بعد ...
                      : صدق وش بيصير على حمد ؟ بتقولون له ؟
                      : وين نقوله أصلا أسامه بيسحب عليه هو وعده وقاله بخلصك من رائد وبخليك تشتغل بشغلة ثانية بس أسامة ماله نية يقول لسليمان عنه ولا راح يقول هذا اللي أظنه .. خله حمد عبد لرائد *أردف كلمته الأخيرة بضحكة شامتة*
                      : طيب بكرا الفجر نطلع أنسب وقت ؟
                      : إيه أكيد
                      ينظر للورقة التي بين يديه وهي تنقش أسماء كثيرة مشطوبة، الأسماء الأخيرة التي لم تشطب كانت واضحة جدا بالحبر الأسود " سلطان بن بدر الجابر ، عبدالرحمن بن خالد ال متعب ، فيصل بن عبدالله القايد " و أسماء على الجانب الأخير تحيطها الدائرة " ناصر الثامر ، عبدالعزيز بن سلطان العيد " : حط هالورقة معك لا تضيع
                      الاخر يستلم الورقة بإبتسامة شاسعة : قريبا كلهم بح !
                      بضحكة صاخبة : soon يا حبيبي soon

                      ،

                      يطل عليها وهي مستلقية على السرير الناعم وتعطي الباب ظهرها، لم تنتبه لوجوده، يسترجع أول ما أدخلها إلى هنا وصراخها الذي لم يتوقف، رغم أنها لم تنتبه لصوته ولم تربطه بشيء سوى كلماتها التي أتت بحرقة تقطع صدره العاشق " أبعد عننييييييييييييي لا تلمسني .. لو فيك ذرة رجولة ما قربت لبنت! لكن أنتم ناس قذرة جبانة ما تعرفون توقفون مع الرجال وجه لوجه أنتم تلوونهم بالحريم لأنكم ناقصين! " . . ثارت بكلماتها بغضبها بحزنها ببكائها حتى خرج تاركا ثورتها خلف ظهره، ألتفتت بفزع لينطق بهدوء الحب الذي يسكنه : بسم الله عليك.
                      عبير تستعدل بجلستها وهي تحكم الشد على معطفها : وش تبي؟ . .
                      فارس: جبت لك الأكل ..
                      عبير أخذته بهدوء لتطمئن ملامح فارس براحة لتفاجئه برميها على وجهه بعنف : ما أبي شي منكم
                      فارس الذي تبلل بالعصير، سحب منديلا وهو يمسح وجهه بجمود ملامحه التي لم تشتد بغضب ولم ترتخي أيضا : عبير .. قلت ماراح اضرك بشي
                      عبير بعصبية وأعصابها تتلف شيئا فشيئا كل الخوف الذي كان يسكنها يتبخر أمامهم جميعا لتثور بغضبها : لا تقول إسمي، راح يجي أبوي وصدقوني ماراح تفلتون أبد! راح تشوف انت وأبوك والكلاب اللي معكم
                      فارس : طيب .. ممكن تسمعيني ؟
                      عبير بحدة : لا
                      فارس لا يصطبر على وجهها القاسي، لم يتوقع يوما أن يرى جمالا بهذه القسوة، بهذا العنف الذي لا يعرف كيف يقف أمامه، يجهل تماما كيف لإمرأة تجتمع جميع الإناث في وجهها، كيف لجمال ناعما أن يكون قاسيا يجلد عينيه في كل مرة ينظر إليها، كيف لصوت حاد يشعر بأن طعمه ألذ من السكر، هل للصوت طعم؟ أثق بذلك ما دامت عيناك تملك رائحة الزهر، أنت الإستثناء من هذه الحياة ومن هذه المعتقدات. : ماراح أضرك .. أفهمي هالشي
                      عبير وهي تتأمل صوته، تتأمل كلماته، أرتجفت فكوكها وهي ترتطم ببعضها البعض، تغرق عيناها شيئا فشيء، بلعت ريقها الجاف دون أن تلفظ كلمة. تتكور في جحر صمتها و تضيع نظراتها بهذه النبرة.
                      شعر بأنها تتعرف عليه، تأكد من نظراتها أنها بدأت تدخل في مرحلة شكوكها ليلفظ بنبرة أبكتها : فارس يا عبير . . قلت لك مرة كيف ألون تعاستك ؟
                      أنحنت لتغطي وجهها بكفيها وهي تحفظ الرسالة تماما، عندما أرسلها في وقت ضاقت بها كل الدنيا ومساحاتها " هذه التعاسة الرمادية في عينيك ما سرها؟ وماذا أستطيع أن أفعل كي ألونها؟ " غرقت بحزنها الظالم على قلبها الهش، لم تتوقع أبدا! لم تتوقع يوما أن مجرما تعشقه لهذا الحد، كان عقابا من الله أنتظرته، في الوقت الذي عصيته به لم يكن عصياني شيئا سهلا وهو يسجل في صحيفتي، كان قويا بحق من أعطاني كل هذه النعم، كان قاسيا بحق نفسي، وهذا أنا أدفع الثمن، غلطتي أدفع حسابها فأنا لم أحب شخصا عاديا، أحببت مجرما حتى أذوق لوعة هذا الحب كما يليق بهذه المعصية. يالله يا عذاب حبك، كيف أراك بعد هذه السنة وأكثر ؟ كيف أتعرف عليك بهذا المكان، كنت أمامي ولم أعرفك، رأيتك قبل هذه المرة ولم أعرفك، والان تتجرد أمامي من كل شيء وتخبرني أنك فارس، فارس الإسم الذي أخفيته لتجعل لعقلي حرية التفكير لأي الأسماء تعتنق؟ لأي العوائل تنتمي؟ لأي المدن جذورك؟ يا قسوة حروف إسمك وهي تعبر قلبي، أنت عذاب لا أستطيع الوقوف منه، كنت أريد الجنة التي تخيلتها في عينيك، ولم أتصور يوما أن أغرق بجحيم كهذا، أنا يالله أموت لا أتحمل أكثر من ذلك، أرجوك يالله خذني، خذني بخاتمة حسنة وأغفر لي ذنب حبه، أغفر لي ذنب حبه ولا تفضحني به أمام الخلائق، أرجوك يالله خذني ولا تريني والدي مكسورا مني، لا تريني نهايتي على أيديهم.
                      لم يتحمل بكائها، قاسية يا عبير حتى في البكاء، أنا الموشوم بك كيف أصلح حالي ؟ والله لا أرضى عليك المهانة ولا الذل وليتك تفهمين أنه رغما عني، لو لم أجلبك معي كانوا سيأخذونك، في نهاية الأمر ستكونين هنا ولكن إما معي أو مع رجالا من أبغض الخلق على قلبي ولن أسمح لأحد غيري أن يراك، لن أسمح يا عبير فارس وقلبه، قلبي يبتهل " أغار عليك من عيني ومني ومنك ومن زمانك والمكان ولو أني خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني "
                      ياليتني أستطيع أن أعانقك أن أخفف من حدة بكائك، ليتني أستطيع ولكن رغم ذلك أعترف أني أخشى الله، أعترف أنني متهورا في الأقوال وفي التصرفات من بعيد ولكن بهذا القرب أنا والله أخاف الله لأنك تخافينه أكثر مني.
                      نظر إليها برجاء : عبير . . بس أسمعيني وبعدها خلاص
                      دون أن ترفع عينها تلفظ بحرقة صوتها : كنت تستغلني عشان أبوك .. أنت أحقر إنسان شفته في حياتي .. أرتحت الحين! صار اللي تبيه أنت وأبوك ..
                      فارس : ما كنت أستغلك والله العظيم ما كان عند أبوي خبر عنك من الأساس
                      عبير تحبس بكائها ليسود الهدوء، مسحت بكائها الذي يرتجف على ملامحها البيضاء، رفعت عينيها بحدة : كذاب! ممكن الحين تطلع! أهون علي أشوف كل هالكلاب اللي عندكم ولا أشوفك
                      فارس بهدوء غضبه الذي لم يتعود أن يصخب به : على فكرة زواجي منك بيتم قريب
                      عبير : تحلم! تعرف وش يعني تحلم لو على جثتي ما وافقت عليك
                      فارس شد على شفتيه وهو يشعر برماح تقذف بإتجاه قلبه : مضطرة توافقين للأسف
                      عبير بحزن عميق ودموعها لا تتوقف عن الهطول : الله ياخذك .. الله لا يوفقك أنت و أبوك
                      فارس يتركها ليخرج قبل أن يستمع بقية كلماتها الغاضبة التي تحزنه أكثر منها، أغلق الباب ووضع المفتاح بجيبه.
                      شعرت بحاجتها بأن تفرغ حزنها، " ليه " ؟ صعب علي أن أتقبل أنه مجرم، أن حبيبي الذي شعرت بإنتمائي إليه هذا هو! قاسيا ذنبي عندما جاء بك وقاسية أنا عندما عارضت الله في أوامره.

                      يتبع

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...