رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي
،
قبل عدة أيام طويلة، دخل الجناح الخاص بهم وهو يبحث بعينيه عنها، أتجه نحو الجهة الأخرى التي تضم دواليبهم، بصوت هادىء : رييييم!! ...
نظر للسرير المرتب الذي يثبت له بأنها لم تنام في الظهيرة كعادتها في الأيام الماضية، عقد حاجبيه من فكرة خلو الجناح منها، بغضب يمسك هاتفه ليتصل عليها ولكنه " مغلق " تأكد تماما بأنها خرجت دون علمه، لا يتصور كل هذه الأفكار السوداوية التي تنهمر عليه في لحظة واحدة، في الوقت الذي نزل به كانت الخادمة تبلغ والدته ما رأت.
والدته بهجوم شرس: أنت وش مسوي مع البنت ؟
ريان : وش قالت لك ؟
والدته : الشغالة تقول أنها راحت مع أخوها ومعاها شنطتها!
ريان بحدة : طيب .. مثل ماراحت ترجع وأنا أعلمها كيف تروح بدون علمي
والدته بغضب : من جدك يا ريان تبي تقصر لي عمري!! ..
ريان : يمه لا تزيدينها علي لو انها متربية ما تركت البيت بدون علمي .. بس والنعم والله فيها والنعم في أخوانها اللي مخلينها تمشي كلمتها عليهم – أردف كلماته الأخيرة بسخرية شديدة رغم القهر الذي ينتشر على جسده –
والدته برجاء : أتصل عليها لا ترفع ضغطي
ريان : ماراح أتصل ولا راح تتصلين يا يمه .. أنا أعرف كيف أربيها! إذا ما خليتها معلقة لين ترجع برجولها ما أكون ريان ...
في هذه اللحظات تجهل ردة فعله ولكن كانت تتوقع أن يتجاهلها، أن لا يتصل، أن لا يحاول أن يستعيدها، تعلم أنه لا يكن لها أي شعور حتى يفتقدها، مر أسبوع وهذا الأسبوع الثاني ولا خبر عنه ومنه، تتكور في فراشها كالجنين، هذه الوضعية التي تحن إليها، تكتم ملامحها البيضاء في الوسادة القطنية، لا تتحمل كل هذا الألم، كل هذا الوجع الثقيل على قلبها، كلمة " مطلقة " التي تأت كشبح وكابوس على قلبها، في عمر أصغر من أن تتحمل كل هذا العناء، لم أتوقع ولو للحظة ان تصل بنا الحياة لهذا المفترق، أن يلتصق بي " الطلاق " في وقت قصير، ولو كنت أكثر المتشائمين لما توقعت أن يكن ريان بهذه الشراسة وهذه الحدة التي تصيبني في غثيان الأحلام الزهرية.
تمسح دموعها وهي تعتزل الجميع وتتوحد بغرفتها، سمعت طرقات الباب لتلفظ ببحة : تفضل
طلت هيفاء وهي تضيق اكثر وأكثر بمنظرها منذ ان أتت : ما نمتي ؟
ريم : لا
هيفاء : طيب أنزلي تحت، أبوي ومنصور ويوسف مجتمعين و ... يتكلمون بموضوعك .. تعالي وقولي لهم قرارك قبل لا تضيق بينهم كلهم لأن حتى أمي عصبت
ريم عقدت حاجبيها لتتنهد بضعف، وقفت وهي ترفع شعرها كذيل حصان وتنزل مع هيفاء، بنبرة خافتة : أستخيري قبل كل شي
لم ترد عليها، هي مع ريان تجاوزت الإستخارة بكثير، لم يعد هناك شيئا يجعلني أتمسك به، لا شيء يخبرني بأن هذه الحياة ستبتسم وأنا بقربه.
نظرت إليهم ولحدة النقاش والكلمات التي تقذف بينهما، تفاجئت بنبرة يوسف وهو يقول : إذا جاء ريان ذيك الساعة محد بيمسكها ويقولها لا ، بترجع له
ألتفتوا عليها، والدها : تعالي .... أشار لها للمكان الفارغ بجانبه.
جلست ليحتضنها من كتفيها، هذا الدعم الذي يبثها فيه والدها يشعرها بالأمل رغم كل الإحباط واليأس، بنبرة هادئة : أنا ماأبي الموضوع يكبر وياخذ أكبر من حجمه ... أنا قررت وأنتهينا
يوسف : على الطلاق؟
ريم هزت رأسها بالإيجاب.
يوسف : أنت عارفة وش يعني طلاق؟ مهما كان فيه مشاكل بينكم فهذا شي طبيعي ببداية كل زواج! أنت بيوم وليلة صرتي بحياة ثانية أكيد بتواجهكم عقبات، ماراح يكون بهالسهولة! لكن أنك من أول مشكلة قلتي طلاق هذا شي مرفوض طبعا
ريم : لما كنت تبي تطلق مهرة ماكان بيوقفك كلامنا .. ليه الحين بيختلف الوضع
يوسف بغضب : لا تربطين الأشياء في بعضها! مهرة غير وأنت غير ... تصرفك غبي أنك تجين وبدون لا يدري والمشكلة من الكبير بعد
منصور : يوسف أحفظ ألفاظك كويس
ريم بعصبية رغم أن عيناها تتلألأ بالدمع : يعني بتغصبني مثلا؟ قلت ماأبيه .. أنا إنسانة ما اصلح لزواج ولا أصلح لأي شي
والدها : ريم حبيبتي سواء كنت رافضته أو موافقته أنا بكون معك لكن بتاخذين بنصيحتي أكيد ؟ .. لا تتصرفين تصرف أنت متأكدة أنك راح تندمين عليه بعد فترة
والدتها بإنفعال : رافضته!! عقب العرس وكل اللي صار تجي الحين تقول رافضته!
ريم وصوتها يختنق بالعبرات : طيب أنا ماأرتحت له، ماأبغاه
والدتها : وليه توك تقولين هالحكي! كلمتك يوم كنت في تركيا وقلتي أنك مرتاحة ومزاجك عال العال .. وش تغير الحين؟ ولا هو لعب بزارين قالك كلمة وعلى طول زعلتي... لو كل البنات سوو زيك ما بقى بيت عامر! لكن الشرهة على اللي ما عرف يربيك ولا عرف يعلمك كيف تحفظين بيتك وتصونينه ... وخرجت غاضبة لا تحتمل أبدا وقوف الأب والأخ الأكبر معها، لا تحتمل أن إبنتها تدمر بيتها وهي التي تتأمل منها أحفادا وحياة زهرية لا تذبل.
أخفظت رأسها، كلمات والدتها أتت موجعة لها في وقت جف به جسدها وكل شيء عدا عينيها التي لا تتوقف عن البكاء،
يوسف بهدوء : تعوذي من الشيطان هذا طلاق ماهو لعبة! لا تهدمين شي بكرا بتندمين عليه
والدها : لا تسمعين لأحد، أنت بروحك اللي قرري ووقتها أنا بنفسي بكلم ريان وأبلغه
،
في الصباح المضطرب، يضع الأوراق أمامه وهو ينظر للقائمة التي وقعت بدخولها للأرشيف الذي يعتبر مستودع أسرار محظور، رفع عينه : ومين بعد ؟
أحمد : بس هذا ما يخص شهر أوقست
عبدالرحمن بإرهاق يضغط على عينيه : أبي أعرف مين مسك هالأوراق غيري؟
أحمد : الله يسلمك عطيتك الأسماء وأنا متأكد أنه ما سقط ولا إسم سهوا
عبدالرحمن : باقي يشككونا في نفسنا
أحمد بكلمات مرتبكة يحذر منها : أعذرني على التدخل لكن ما تحس أنكم تشكون في شخص وبعدها يطلع دليل يبرئه .. ممكن يكون فيه شخص قاعد يشككم بناس مالها دخل عشان ينفذ مخططاته، أنا أشوف يا طويل العمر أنه السالفة تتعلق بشخص واحد اللي قاعد يحاول يضرب روسكم في بعض.
عبدالرحمن رفع عينه إليه : ومين هالشخص اللي قاعد يشتتا بنظرك ؟
أحمد : أحذر صديقك قبل عدوك
عبدالرحمن تنهد : شاك في أحد يا أحمد ؟
أحمد : لا، لكن دامه يعرف كل هالأمور أكيد أنه قريب مننا
عبدالرحمن : تقدر توصلي لسكرتير سلطان العيد الله يرحمه
أحمد : أستقال من فترة طويلة
عبدالرحمن : طلعه من تحت الأرض، شف لي عناوينه وروح له .. لازم أشوفه ضروري
،
يكتب في الصفحة 77 " حقل محظور : في الأرض التي رأيتك بها ربيعا أقتلعت أشجاري ولم يعد للحطاب شيئا يفعله سوى عد النجوم ليلا " ينظر لوالده المشغول بأعماله، يراقب تصرفاته الدقيقة التي يشترك بها معه، نظرته الحادة وتلك الهادئة، عدسة عينه التي تتجه للأعلى في حالة غضبه، هذه الحالة التي ينظر بها للسقف معبرا عن ضيقه ومعبرا عن تهديده الذي إن عاد ونظر للشخص الذي أمامه سيقتلع جذوره، هذه الحركات البسيطة تشبهه تماما حتى وإن حاول إنكارها.
لاحظ نظراته ليلتفت إليه : لا يكون أنا إلهامك!
أبتسم : كنت بجاملك وبقول محظوظ أنك أبوي
رائد : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه شكرا على صراحتك ..
لتتغير ملامحه بغضب مصطنع ويكمل : قم أنقلع عن وجهي منت كفو
فارس يقف : طولوا وما ردوا علينا! يمكن يرفض
رائد : مو سأل عنك يعني معناته أنه مقتنع بس أنت أنتظر يومين بالكثير وبتلقاه يتصل على أبوك .. *أردف كلمته بسخرية*
فارس : تراني بلغت أمي
رائد بسخرية لاذعة : عز الله راح الزواج في خبر كان
فارس نظر إليه بغضب من أنه يهين والدته أمامه : يبه!!
رائد ويكمل بسخريته وهو ينظر لأوراقه : من باب مالاتعلمه عن امك تراها إذا ما بغت شي يصير ومقدرت توقفه .. الله وكيلك يصير اللي تبيه عاد كيف! لا تسألني ... كيد أعوذ بالله منه
فارس : لكن هي موافقة وأنبسطت
رائد : غريبة! عاد أمك نكدية درجة أولى! إذا مالقت شي تبكي عشانه قامت حضرت لها فيلم تبكي فيه .. عقد الله يبعدك عنها
فارس : أنا الغلطان اللي فتحت سيرتها، على الأقل أحترمها عشاني
رائد : أنا أتطنز عليك ولا عليها؟ عليها إذن إكل تراب ومالك دخل ..
فارس يجلس أمامه لا يستطيع أن يجادله بشيء لأنه يعرف ردة الفعل المستقبلية لذلك، تنهد ليردف : متى بنرجع الرياض؟
رائد : متى ما طق بمزاج .. مين؟
فارس : بمزاج رائد
رائد : وحطبة!
فارس بإستفزاز صريح له : هالحين موضي اللي مو عاجبتك متزوجة ومبسوطة! وأنت مقلق نفسك ولا تزوجت
رائد يضع أوراقه في الدرج ليرفع عينه : الحريم مايناسبوني
فارس : وش يناسبك؟
رائد بنظرة الشك : هذي الأسئلة ماهي لله! لايكون تكتب عني! تراني أنبهك عشان ما يكتبون فارس الله يرحمه
فارس : كان مجرد سؤال
،
تقيأت كثيرا هذا الصباح، تشعر بأن روحها تخرج في سعالها الذي قطع أوردتها، لن يعجب عبدالرحمن الخبر، يمكنني تصور ردة فعله إن علم! إنقطاعي عن حبوب منع الحمل أتى مكلفا، سيغضب لو علم! بالتأكيد سيشعر أنني أستغله أو أرفض أوامره، يالله مالحل! لو أخبرته وهو في الرياض لن يترك لي فرصة بشرح الأمر! ماذا لو لم اخبره ربما يغضب بعد أن يعرف ويشعر بأني أستغفله! مسحت وجهها بالمنشفة وهي تخرج لترى عبير تسرح شعرها.
أخذت نفسا عميقا لتردف : أنتم أطلعوا أنا برجع أنام.
عبير تتأمل شحوب وجهها الذي لا يبشر بالخير : فيك شي؟
ضي تستلقي على السرير وهي تضع يدها على بطنها : لا بس تعبانة شوي شكله من الاجواء
رتيل الغائبة فعليا عنهما، تغلق أزارير معطفها دون ان تنطق كلمة مازالت اثار البارحة تجفف حقل الكلام في صدرها.
عبير : إذا ماطلعتي معنا محنا طالعين .. نسيتي أبوي وش قال؟ يا نطلع كلنا يانجلس كلنا
ضي : بقفل علي الباب وماراح يجيني شي إن شاء الله
رتيل تجلس بالسرير الذي يجاورها : أمس ماكان فيك شي! لا يكون ماكلة شي ومخليك تتعبين كذا!
ضي بتوتر : لا ماكليت الا اللي أكلناه مع بعض .. أنا أعرف نفسي أحيانا أتعب ويجيني خمول زي كذا فجأة
عبير تنهدت : طيب أجل بنجلس معك
ضي : وش تسوون معي! خلاص قلت لكم بنام وماعلى تجون بتلقوني شبعت نوم
عبير : أنت أول وحدة نمتي أمس .. وش هالنوم اللي جايك فجأة
أرتبكت ضي لتردف وهي تبلع ريقها : وش فيكم مستغربين! قلت لكم تعب عادي بس أنام برتاح
سمعوا طرق الباب لتتجه عبير وترى من خلال العين السحرية، ألتفتت : هذا عبدالعزيز ... أتجهت رتيل وهي تأخذ نفس عميق : أقوله بنجلس ؟
عبير : إيه خلاص أنا بجلس
فتحته وهو يقف مبتعدا عدة خطوات ويعطي الباب ظهره، ألتفت ليطيل صمته بعينيها : صباح الخير
رتيل : صباح النور .. أغلقت الباب لتتمسك بقبضته وهي تتحدث معه ... ضي وعبير بيجلسون اليوم، مو مشتهين ينزلون تحت .. وأنا بعد
عبدالعزيز : مو مشتهين! ولا بتحاولون في غيابي تنزلون!
رتيل : جد أكلمك مو مشتهين .. ماراح ننزل تطمن
عبدالعزيز : طيب .. وأنت ؟
رتيل بهدوء : ماني مشتهية بعد
عبدالعزيز : طيب، تبون أجيب لكم شي ؟ نزلتوا أفطرتوا ؟
رتيل : لا مو مشتهين
عبدالعزيز بشك : كلكم مو مشتهين!
رتيل بتوتر : إيه
عبدالعزيز : ماشاء الله كلكم مو مشتهين تاكلون وكلكم مو مشتهين تطلعون ..
رتيل تنهدت : قلت لك مو مشتهين يعني فيه شي غريب بالموضوع؟
عبدالعزيز : إذا صاير شي قولي لي! أتركي خلافاتنا على جمب ولا تخبين شي
أبتسمت : الحين صارت خلافاتنا!! قلت لك مافيه شي
عبدالعزيز : طيب تعالي معاي .. بننزل نفطر
رتيل : مو مشتهية! نفسي منسدة
عبدالعزيز كان سيتحدث لولا هاتفه الذي أهتز بيده : هلا أثير
أرتفع نبضها بإسمها الذي لا شأن له سوى أن يعبر لسان عزيز، تنظر له وهي تتأمل صوته، تتأمل الكلمات التي تخرج منه، لا قوة لدي لأصطبر على أنك تحادثها، لا قوة لدي لأتحمل كل هذا، وإن كنت لا تعنيني إلا أنني أنانية جدا بك، أنانية لدرجة لا تستوعب أن هذه الأنثى تسمعك، تراك، تحدثك، تعانقك.
عبدالعزيز مشتت نظراته بعيدا عن رتيل التي تشتعل غيرة : ... طيب ... إن شاء الله الساعة 5 ............لا مو أكيد ...... طيب بحفظ الرحمن ... أغلقه.
رتيل بهدوء تخفي الغيرة المتوجهة في عينيها : تبي شي ثاني ؟
عبدالعزيز : لا ولا تطلعون .... لم يترك لها فرصة للتعليق وهو يتجه نحو المصاعد الكهربائية.
دخلت وهي تشتمه بكل الكلمات وتصخب بألفاظها حتى قاطعتها عبير : وش قالك على هالصبح بعد!
رتيل : الله ياخذ أثير أخذ عزيز مقتدر
ضحكت ضي بين وجعها وإضطراب مشاعرها لتردف : مدري كيف فيه حريم يقدرون يعيشون مع الضرة! شي يحرق القلب
رتيل : ومين قال بعيش معها! يا أنا يا هي .. وطبعا هو ما يقدر يتنازل عن حبيبة قلبه .. إثنينتهم كلاب ..
عبير عقدت حاجبيها : ما أتخيل حتى لو كان شخص ماأحبه بس فكرة أنه فيه وحدة غيري بحياته بحد ذاته هالشي يقطع قلبي
رتيل بضيق : شكرا لأنكم تزيدونها علي
أبتسمت ضي : قلنا لك روحي له بس أنتي تكابرين وتقولين لا ومستحيل وماأعرف أيش .. خلي حججك تنفعك
رتيل وهي تقطع أظافرها بأسنانها من حرقة الغيرة التي لا تنطفىء أبدا : اكيد الحين راح لها ..
عبير : بتضلين طول الوقت تفكرين وتقولين الحين جمبها والحين هي وياه والحين مدري وش يسوون! ... لاتفكرين بهالأشياء وتشيبين عمرك
يتبع
،
قبل عدة أيام طويلة، دخل الجناح الخاص بهم وهو يبحث بعينيه عنها، أتجه نحو الجهة الأخرى التي تضم دواليبهم، بصوت هادىء : رييييم!! ...
نظر للسرير المرتب الذي يثبت له بأنها لم تنام في الظهيرة كعادتها في الأيام الماضية، عقد حاجبيه من فكرة خلو الجناح منها، بغضب يمسك هاتفه ليتصل عليها ولكنه " مغلق " تأكد تماما بأنها خرجت دون علمه، لا يتصور كل هذه الأفكار السوداوية التي تنهمر عليه في لحظة واحدة، في الوقت الذي نزل به كانت الخادمة تبلغ والدته ما رأت.
والدته بهجوم شرس: أنت وش مسوي مع البنت ؟
ريان : وش قالت لك ؟
والدته : الشغالة تقول أنها راحت مع أخوها ومعاها شنطتها!
ريان بحدة : طيب .. مثل ماراحت ترجع وأنا أعلمها كيف تروح بدون علمي
والدته بغضب : من جدك يا ريان تبي تقصر لي عمري!! ..
ريان : يمه لا تزيدينها علي لو انها متربية ما تركت البيت بدون علمي .. بس والنعم والله فيها والنعم في أخوانها اللي مخلينها تمشي كلمتها عليهم – أردف كلماته الأخيرة بسخرية شديدة رغم القهر الذي ينتشر على جسده –
والدته برجاء : أتصل عليها لا ترفع ضغطي
ريان : ماراح أتصل ولا راح تتصلين يا يمه .. أنا أعرف كيف أربيها! إذا ما خليتها معلقة لين ترجع برجولها ما أكون ريان ...
في هذه اللحظات تجهل ردة فعله ولكن كانت تتوقع أن يتجاهلها، أن لا يتصل، أن لا يحاول أن يستعيدها، تعلم أنه لا يكن لها أي شعور حتى يفتقدها، مر أسبوع وهذا الأسبوع الثاني ولا خبر عنه ومنه، تتكور في فراشها كالجنين، هذه الوضعية التي تحن إليها، تكتم ملامحها البيضاء في الوسادة القطنية، لا تتحمل كل هذا الألم، كل هذا الوجع الثقيل على قلبها، كلمة " مطلقة " التي تأت كشبح وكابوس على قلبها، في عمر أصغر من أن تتحمل كل هذا العناء، لم أتوقع ولو للحظة ان تصل بنا الحياة لهذا المفترق، أن يلتصق بي " الطلاق " في وقت قصير، ولو كنت أكثر المتشائمين لما توقعت أن يكن ريان بهذه الشراسة وهذه الحدة التي تصيبني في غثيان الأحلام الزهرية.
تمسح دموعها وهي تعتزل الجميع وتتوحد بغرفتها، سمعت طرقات الباب لتلفظ ببحة : تفضل
طلت هيفاء وهي تضيق اكثر وأكثر بمنظرها منذ ان أتت : ما نمتي ؟
ريم : لا
هيفاء : طيب أنزلي تحت، أبوي ومنصور ويوسف مجتمعين و ... يتكلمون بموضوعك .. تعالي وقولي لهم قرارك قبل لا تضيق بينهم كلهم لأن حتى أمي عصبت
ريم عقدت حاجبيها لتتنهد بضعف، وقفت وهي ترفع شعرها كذيل حصان وتنزل مع هيفاء، بنبرة خافتة : أستخيري قبل كل شي
لم ترد عليها، هي مع ريان تجاوزت الإستخارة بكثير، لم يعد هناك شيئا يجعلني أتمسك به، لا شيء يخبرني بأن هذه الحياة ستبتسم وأنا بقربه.
نظرت إليهم ولحدة النقاش والكلمات التي تقذف بينهما، تفاجئت بنبرة يوسف وهو يقول : إذا جاء ريان ذيك الساعة محد بيمسكها ويقولها لا ، بترجع له
ألتفتوا عليها، والدها : تعالي .... أشار لها للمكان الفارغ بجانبه.
جلست ليحتضنها من كتفيها، هذا الدعم الذي يبثها فيه والدها يشعرها بالأمل رغم كل الإحباط واليأس، بنبرة هادئة : أنا ماأبي الموضوع يكبر وياخذ أكبر من حجمه ... أنا قررت وأنتهينا
يوسف : على الطلاق؟
ريم هزت رأسها بالإيجاب.
يوسف : أنت عارفة وش يعني طلاق؟ مهما كان فيه مشاكل بينكم فهذا شي طبيعي ببداية كل زواج! أنت بيوم وليلة صرتي بحياة ثانية أكيد بتواجهكم عقبات، ماراح يكون بهالسهولة! لكن أنك من أول مشكلة قلتي طلاق هذا شي مرفوض طبعا
ريم : لما كنت تبي تطلق مهرة ماكان بيوقفك كلامنا .. ليه الحين بيختلف الوضع
يوسف بغضب : لا تربطين الأشياء في بعضها! مهرة غير وأنت غير ... تصرفك غبي أنك تجين وبدون لا يدري والمشكلة من الكبير بعد
منصور : يوسف أحفظ ألفاظك كويس
ريم بعصبية رغم أن عيناها تتلألأ بالدمع : يعني بتغصبني مثلا؟ قلت ماأبيه .. أنا إنسانة ما اصلح لزواج ولا أصلح لأي شي
والدها : ريم حبيبتي سواء كنت رافضته أو موافقته أنا بكون معك لكن بتاخذين بنصيحتي أكيد ؟ .. لا تتصرفين تصرف أنت متأكدة أنك راح تندمين عليه بعد فترة
والدتها بإنفعال : رافضته!! عقب العرس وكل اللي صار تجي الحين تقول رافضته!
ريم وصوتها يختنق بالعبرات : طيب أنا ماأرتحت له، ماأبغاه
والدتها : وليه توك تقولين هالحكي! كلمتك يوم كنت في تركيا وقلتي أنك مرتاحة ومزاجك عال العال .. وش تغير الحين؟ ولا هو لعب بزارين قالك كلمة وعلى طول زعلتي... لو كل البنات سوو زيك ما بقى بيت عامر! لكن الشرهة على اللي ما عرف يربيك ولا عرف يعلمك كيف تحفظين بيتك وتصونينه ... وخرجت غاضبة لا تحتمل أبدا وقوف الأب والأخ الأكبر معها، لا تحتمل أن إبنتها تدمر بيتها وهي التي تتأمل منها أحفادا وحياة زهرية لا تذبل.
أخفظت رأسها، كلمات والدتها أتت موجعة لها في وقت جف به جسدها وكل شيء عدا عينيها التي لا تتوقف عن البكاء،
يوسف بهدوء : تعوذي من الشيطان هذا طلاق ماهو لعبة! لا تهدمين شي بكرا بتندمين عليه
والدها : لا تسمعين لأحد، أنت بروحك اللي قرري ووقتها أنا بنفسي بكلم ريان وأبلغه
،
في الصباح المضطرب، يضع الأوراق أمامه وهو ينظر للقائمة التي وقعت بدخولها للأرشيف الذي يعتبر مستودع أسرار محظور، رفع عينه : ومين بعد ؟
أحمد : بس هذا ما يخص شهر أوقست
عبدالرحمن بإرهاق يضغط على عينيه : أبي أعرف مين مسك هالأوراق غيري؟
أحمد : الله يسلمك عطيتك الأسماء وأنا متأكد أنه ما سقط ولا إسم سهوا
عبدالرحمن : باقي يشككونا في نفسنا
أحمد بكلمات مرتبكة يحذر منها : أعذرني على التدخل لكن ما تحس أنكم تشكون في شخص وبعدها يطلع دليل يبرئه .. ممكن يكون فيه شخص قاعد يشككم بناس مالها دخل عشان ينفذ مخططاته، أنا أشوف يا طويل العمر أنه السالفة تتعلق بشخص واحد اللي قاعد يحاول يضرب روسكم في بعض.
عبدالرحمن رفع عينه إليه : ومين هالشخص اللي قاعد يشتتا بنظرك ؟
أحمد : أحذر صديقك قبل عدوك
عبدالرحمن تنهد : شاك في أحد يا أحمد ؟
أحمد : لا، لكن دامه يعرف كل هالأمور أكيد أنه قريب مننا
عبدالرحمن : تقدر توصلي لسكرتير سلطان العيد الله يرحمه
أحمد : أستقال من فترة طويلة
عبدالرحمن : طلعه من تحت الأرض، شف لي عناوينه وروح له .. لازم أشوفه ضروري
،
يكتب في الصفحة 77 " حقل محظور : في الأرض التي رأيتك بها ربيعا أقتلعت أشجاري ولم يعد للحطاب شيئا يفعله سوى عد النجوم ليلا " ينظر لوالده المشغول بأعماله، يراقب تصرفاته الدقيقة التي يشترك بها معه، نظرته الحادة وتلك الهادئة، عدسة عينه التي تتجه للأعلى في حالة غضبه، هذه الحالة التي ينظر بها للسقف معبرا عن ضيقه ومعبرا عن تهديده الذي إن عاد ونظر للشخص الذي أمامه سيقتلع جذوره، هذه الحركات البسيطة تشبهه تماما حتى وإن حاول إنكارها.
لاحظ نظراته ليلتفت إليه : لا يكون أنا إلهامك!
أبتسم : كنت بجاملك وبقول محظوظ أنك أبوي
رائد : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه شكرا على صراحتك ..
لتتغير ملامحه بغضب مصطنع ويكمل : قم أنقلع عن وجهي منت كفو
فارس يقف : طولوا وما ردوا علينا! يمكن يرفض
رائد : مو سأل عنك يعني معناته أنه مقتنع بس أنت أنتظر يومين بالكثير وبتلقاه يتصل على أبوك .. *أردف كلمته بسخرية*
فارس : تراني بلغت أمي
رائد بسخرية لاذعة : عز الله راح الزواج في خبر كان
فارس نظر إليه بغضب من أنه يهين والدته أمامه : يبه!!
رائد ويكمل بسخريته وهو ينظر لأوراقه : من باب مالاتعلمه عن امك تراها إذا ما بغت شي يصير ومقدرت توقفه .. الله وكيلك يصير اللي تبيه عاد كيف! لا تسألني ... كيد أعوذ بالله منه
فارس : لكن هي موافقة وأنبسطت
رائد : غريبة! عاد أمك نكدية درجة أولى! إذا مالقت شي تبكي عشانه قامت حضرت لها فيلم تبكي فيه .. عقد الله يبعدك عنها
فارس : أنا الغلطان اللي فتحت سيرتها، على الأقل أحترمها عشاني
رائد : أنا أتطنز عليك ولا عليها؟ عليها إذن إكل تراب ومالك دخل ..
فارس يجلس أمامه لا يستطيع أن يجادله بشيء لأنه يعرف ردة الفعل المستقبلية لذلك، تنهد ليردف : متى بنرجع الرياض؟
رائد : متى ما طق بمزاج .. مين؟
فارس : بمزاج رائد
رائد : وحطبة!
فارس بإستفزاز صريح له : هالحين موضي اللي مو عاجبتك متزوجة ومبسوطة! وأنت مقلق نفسك ولا تزوجت
رائد يضع أوراقه في الدرج ليرفع عينه : الحريم مايناسبوني
فارس : وش يناسبك؟
رائد بنظرة الشك : هذي الأسئلة ماهي لله! لايكون تكتب عني! تراني أنبهك عشان ما يكتبون فارس الله يرحمه
فارس : كان مجرد سؤال
،
تقيأت كثيرا هذا الصباح، تشعر بأن روحها تخرج في سعالها الذي قطع أوردتها، لن يعجب عبدالرحمن الخبر، يمكنني تصور ردة فعله إن علم! إنقطاعي عن حبوب منع الحمل أتى مكلفا، سيغضب لو علم! بالتأكيد سيشعر أنني أستغله أو أرفض أوامره، يالله مالحل! لو أخبرته وهو في الرياض لن يترك لي فرصة بشرح الأمر! ماذا لو لم اخبره ربما يغضب بعد أن يعرف ويشعر بأني أستغفله! مسحت وجهها بالمنشفة وهي تخرج لترى عبير تسرح شعرها.
أخذت نفسا عميقا لتردف : أنتم أطلعوا أنا برجع أنام.
عبير تتأمل شحوب وجهها الذي لا يبشر بالخير : فيك شي؟
ضي تستلقي على السرير وهي تضع يدها على بطنها : لا بس تعبانة شوي شكله من الاجواء
رتيل الغائبة فعليا عنهما، تغلق أزارير معطفها دون ان تنطق كلمة مازالت اثار البارحة تجفف حقل الكلام في صدرها.
عبير : إذا ماطلعتي معنا محنا طالعين .. نسيتي أبوي وش قال؟ يا نطلع كلنا يانجلس كلنا
ضي : بقفل علي الباب وماراح يجيني شي إن شاء الله
رتيل تجلس بالسرير الذي يجاورها : أمس ماكان فيك شي! لا يكون ماكلة شي ومخليك تتعبين كذا!
ضي بتوتر : لا ماكليت الا اللي أكلناه مع بعض .. أنا أعرف نفسي أحيانا أتعب ويجيني خمول زي كذا فجأة
عبير تنهدت : طيب أجل بنجلس معك
ضي : وش تسوون معي! خلاص قلت لكم بنام وماعلى تجون بتلقوني شبعت نوم
عبير : أنت أول وحدة نمتي أمس .. وش هالنوم اللي جايك فجأة
أرتبكت ضي لتردف وهي تبلع ريقها : وش فيكم مستغربين! قلت لكم تعب عادي بس أنام برتاح
سمعوا طرق الباب لتتجه عبير وترى من خلال العين السحرية، ألتفتت : هذا عبدالعزيز ... أتجهت رتيل وهي تأخذ نفس عميق : أقوله بنجلس ؟
عبير : إيه خلاص أنا بجلس
فتحته وهو يقف مبتعدا عدة خطوات ويعطي الباب ظهره، ألتفت ليطيل صمته بعينيها : صباح الخير
رتيل : صباح النور .. أغلقت الباب لتتمسك بقبضته وهي تتحدث معه ... ضي وعبير بيجلسون اليوم، مو مشتهين ينزلون تحت .. وأنا بعد
عبدالعزيز : مو مشتهين! ولا بتحاولون في غيابي تنزلون!
رتيل : جد أكلمك مو مشتهين .. ماراح ننزل تطمن
عبدالعزيز : طيب .. وأنت ؟
رتيل بهدوء : ماني مشتهية بعد
عبدالعزيز : طيب، تبون أجيب لكم شي ؟ نزلتوا أفطرتوا ؟
رتيل : لا مو مشتهين
عبدالعزيز بشك : كلكم مو مشتهين!
رتيل بتوتر : إيه
عبدالعزيز : ماشاء الله كلكم مو مشتهين تاكلون وكلكم مو مشتهين تطلعون ..
رتيل تنهدت : قلت لك مو مشتهين يعني فيه شي غريب بالموضوع؟
عبدالعزيز : إذا صاير شي قولي لي! أتركي خلافاتنا على جمب ولا تخبين شي
أبتسمت : الحين صارت خلافاتنا!! قلت لك مافيه شي
عبدالعزيز : طيب تعالي معاي .. بننزل نفطر
رتيل : مو مشتهية! نفسي منسدة
عبدالعزيز كان سيتحدث لولا هاتفه الذي أهتز بيده : هلا أثير
أرتفع نبضها بإسمها الذي لا شأن له سوى أن يعبر لسان عزيز، تنظر له وهي تتأمل صوته، تتأمل الكلمات التي تخرج منه، لا قوة لدي لأصطبر على أنك تحادثها، لا قوة لدي لأتحمل كل هذا، وإن كنت لا تعنيني إلا أنني أنانية جدا بك، أنانية لدرجة لا تستوعب أن هذه الأنثى تسمعك، تراك، تحدثك، تعانقك.
عبدالعزيز مشتت نظراته بعيدا عن رتيل التي تشتعل غيرة : ... طيب ... إن شاء الله الساعة 5 ............لا مو أكيد ...... طيب بحفظ الرحمن ... أغلقه.
رتيل بهدوء تخفي الغيرة المتوجهة في عينيها : تبي شي ثاني ؟
عبدالعزيز : لا ولا تطلعون .... لم يترك لها فرصة للتعليق وهو يتجه نحو المصاعد الكهربائية.
دخلت وهي تشتمه بكل الكلمات وتصخب بألفاظها حتى قاطعتها عبير : وش قالك على هالصبح بعد!
رتيل : الله ياخذ أثير أخذ عزيز مقتدر
ضحكت ضي بين وجعها وإضطراب مشاعرها لتردف : مدري كيف فيه حريم يقدرون يعيشون مع الضرة! شي يحرق القلب
رتيل : ومين قال بعيش معها! يا أنا يا هي .. وطبعا هو ما يقدر يتنازل عن حبيبة قلبه .. إثنينتهم كلاب ..
عبير عقدت حاجبيها : ما أتخيل حتى لو كان شخص ماأحبه بس فكرة أنه فيه وحدة غيري بحياته بحد ذاته هالشي يقطع قلبي
رتيل بضيق : شكرا لأنكم تزيدونها علي
أبتسمت ضي : قلنا لك روحي له بس أنتي تكابرين وتقولين لا ومستحيل وماأعرف أيش .. خلي حججك تنفعك
رتيل وهي تقطع أظافرها بأسنانها من حرقة الغيرة التي لا تنطفىء أبدا : اكيد الحين راح لها ..
عبير : بتضلين طول الوقت تفكرين وتقولين الحين جمبها والحين هي وياه والحين مدري وش يسوون! ... لاتفكرين بهالأشياء وتشيبين عمرك
يتبع
تعليق