رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي
|
، في اخر الليل ، السماء صافية و الجو معتدل مائل للبرودة. وهذا لايهم ما يهم جسد بارد و قلب مائل للحرقة و الأجواء بين أجزاء جسده ليست بصافية وجدا. سلم على خالها الأصغر : السلام عليكم : وعليكم السلام .. حياك تفضل يوسف دخل متنهدا ليجلس في غياب الكثير ، الهدوء يخيم على هذا البيت. الخال الصغير يسكب له من القهوة ليمدها له : شلونك ؟ بشرنا عن أحوالك يوسف بإبتسامة : الحمدلله أحوالنا تسرك ، أنتم بشرونا ؟ : أبد بخير ، بعد دقائق طويلة تبادلوا بها الأحاديث الودية حتى هبط الصمت عليهم ، ليقطعه الشاب الثلاثيني بحسب توقعات يوسف : أنادي مرتك ؟ يوسف : ياليت والله لأني برجع الرياض : أفا يا ذا العلم .. أنت ريح اليوم وبكرا إن شاء الله تسري يوسف ويبحث عن حجة : مقدر والله عندي ظرف في البيت مقدر أطول بإستسلام : بيزعلون عليك *قاصدا أخوانه الكبار* أبتسم : البركة فيك وقف بإبتسامة : بروح أناديها لك دخل لتسقط عيناه عليها خارجة من المطبخ : مهرة ... يوسف بالمجلس شعرت وكأن قلبها يسقط في بطنها و يجاور جنينها ، أخذت نفسا عميق : طيب ، لم تتوقع بهذه السرعة سيأتيها ، لم تتوقع أبدا بأنه يتنازل ويأتيها. : وشو طيب .. يالله لا تصيفين عليه وأنا بصعد أشوف أمك ولا مجال حتى للنقاش وهي تراه يصعد تاركها في ليلة كهذه لا أحد هنا ينظر لفضيحة عينيها. أقتربت من باب المجلس ، وضعت كفها على المقبض ، بلعت ريقها بل بلعت كلمات متراكمة. تخاف؟ لا أكذب على نفسي وأخدعها بغير ذلك ! فتحته لتلتقي عينه بعينها. يوسف وقف و سرعان ما أستقرت نظراته على بطنها الذي لايتضح به معالم الحمل ولكن الشعور النفسي فوق أي إعتبار. مهرة بهدوء : السلام عليكم يوسف : وعليكم السلام . . بدأت أصابعها متشابكة و بينهما خطوات مرتبكة ، يوسف بتنهيدة : روحي حضري نفسك بنمشي الرياض الحين مهرة أخفت ربكتها لتردف : عندي مواعيد كثيرة هنا .. مقدر يوسف بحدة : عسى بس الرياض تشكي فقر العيادات ؟ لا تأخريني أكثر مهرة بهدوء : م ... قاطعها دخول أم مهرة ، لا إراديا أبتسم .. " هلا هلا " أقترب منها وقبل رأسها : هلا والله .. مشتاق لك أم مهرة : هلابك ، والله عاد العتب عليك مخلي مرتك هنا ومعشعش عند أهلك يوسف ضحك ليردف : بشريني عن أحوالك ؟ أم مهرة : الحمدلله حالنا يسرك يوسف جلس ليردف : جاي اخذ مهرة أم مهرة : حلالك محنا بقايلين شي يوسف أبتسم ليرفع عينه : بسولف مع طويلة العمر ماعلى تجهزين نفسك مهرة بضيق : يمه تدرين أنه عندي مواعيد و مقدر .. يعني قاطعتها والدتها : تشوفين مواعيدتس بالرياض مهرة : مقدر يمه والدتها بعصبية : وش اللي ماتقدرين عليه !! مهرة خرجت لتغلق الباب بقوة معبرة عن غضبها ، صعدت للأعلى وهي تشتم كل شيء في هذا الكون. والدتها بتغير النبرة الفظيع : وشلون أختك المعرسة ؟ ، يمر الوقت ، يمر العمر ونحن العشاق ننتظر على مشارف الموت. من يطلقنا للحياة و يثقب ما بقي منا ؟ يثقبه إننا لا نريد بعضنا الملتصق بنا. المتشبث بلا رحمة يجرنا للهاوية. تمر الأيام و سماء الرياض على حالها لا تبكينا ، تمر الأيام و باريس لا تعطف علينا ، تمر الايام و مثل الأيام. لا شيء يخبرنا أننا بخير. لا شيء يعنينا ولا شيء بات يهمنا. نحن نفكر الان كيف نموت بطريقة سلمية ؟ في إحدى مستشفيات الرياض ، الطابق الأول حيث يستدير القلب يسارا و من ثم ممر موحش حتى تلتقي الأعين بزجاج فاصل يهمس لنا قبل الدخول " أنتبه! هناك أحد يهمه أمرك " ممسك يد والده الباردة بين يديه الدافئة وعيناه تتأمله بضعف شديد ، أفكر كيف الحياة دون والدي ؟ أشعر بالجنون ! حياتي تشعر بالخواء لمجرد التفكير بأن لا أحد بقي سوى والدي و عبدالعزيز. وهذا هو عبدالعزيز يرحل لجهنم الدنيا بإبتسامة واسعة. لا أحد يرحمني من هذا الغياب ! أريد أن أصرخ إن حياتكم لا تعنيكم وحدكم ، إن حياتكم تعنيني أنا أيضا ، تعني من يحبكم ! إن نويتم الرحيل فكروا بنا ، نحن المعلقين على مشجب حياتكم ، وأنا أشهد بالثلاثة أن نيتكم فاسدة لاتمت للعقل بصلة يا أنتم يا من أحببتهم وكانوا أناسا متهورين متذبذبين أنانيين. يالله أرحمني من غباء عبدالعزيز إني لا أتحمل غيابه ، وأرحمني من إستسلام والدي إني لا أتحمل فقده. أخبرته مرارا أنك كبرت يا والدي ، كبرت على القيادة ويجب أن يأتيك سائقا كجميع الرجال في عمرك ، إن أمتنعت عن القيادة أخبرني أنا أقودك ، أنا أفعل كل شيء تريده. إنه إبنك الذي يجلس أمامك الان ، إنه إبنك التي تناديه بين ضحكاتك " نويصر ووجع " ما عاد له قوة حتى يتحمل أكثر تهورات من يحب. حتى " الوجع " الذي تقوله بعد إسمي أشعر بأنه أتى كدعاء وألتصق بي ، حياتك يا أبي لاتعنيك وحدك ، من خلفك إبن يبكي حضورك وأنت أمامه. أرجوك يالله لا ترني به مكروها. ، لم تراه منذ أن أستنشقت به هواء باريس ، في المقهى يجتمعن ثلاثتهن وسط أحاديث رتيل و ضي و هدوء عبير. لا تخفي إشتياقها و لهفتها لرؤيته ولكن كانت تخطط كيف تهينه باول حديث لها ، تخجل من أنها تخطط على الإهانة قبل وقوعها في وقت تجد أن عبدالعزيز لا يخطط وهو الذي يكسب دائما في حصارها بشتائمه المبطنة. ضي : لا ب كان بتكون ، بس لازم نخليها تزورنا هنا إذا ما طلعنا من باريس رتيل : أنا قلت لها أصلا إذا خلصتي بدري تعالي باريس ولاتجلسين هناك ضي بإبتسامة : طيب وش رايكم نطلع ، طفشت من الجلسة رتيل تنظر للباب الذي يدلف : أبوي جاء ضي ألتفتت لتضحك عيناها بمجرد أن رأته ، أقترب منهم : خلصتوا ؟ رتيل : كلها كم محل بس عبدالرحمن يتأمل الأكياس الكثيرة بدهشة : كل هذا وكم محل !! رتيل أبتسمت : لا تنسى أن أسواق الرياض ما طبيناها صار لنا قرن عبدالرحمن أبتسم : طيب ، بتكملون يعني تسوق ؟ لأن عندي شغل الحين عبير : أنا ودي أرجع الشقة تعبت وأبي أنام ضي : دام كذا خلاص نرجع كلنا ونطلع العصر رتيل : أنت بتطول يبه ؟ عبدالرحمن : لا مو مرة بس أوصلكم وبعدها ماتطلعون رتيل تنظر لنافذة المقهى الزجاجية لتقع عيناها عليه ، هذا ظهره وطوله. على بعد مسافة طويلة واقف ومعطي المقهى ظهره. تعلقت عيناها حتى أنتبه لها والدها و ليس هو فقط. بل ضي وعبير أيضا. عبدالرحمن تنهد : يالله خلونا نمشي رتيل بلعت ريقها لتأخذ حقيبتها وبعض الأكياس ، خرجوا ليلتفت عبدالعزيز لهما وهو الذي يحسب بأن الخارج عبدالرحمن فقط بعد أن أخبره بأنه سيتطمئن عليهم ويتجهون للتخطيط للعمل. تعلقت عيناه بعين رتيل ، تجاهل والدها وغضبه الذي سيحدث من وقع نظراته ، أطال نظره لتشتت الأخرى نظراتها ، أعطته درسا في شراسة العيون ، أعطته جوابا للحب من نظرات حادة عنيفة لا تخرج من رقيقة ك رتيل ولكن خرجت بعنفوان ولا أحد يجرؤ أن يسأل عن أسبابها. في جهة كانت نظرات عبدالعزيز تحمل شيئا مبهم كأنه رأى قطعة بعد أن فقدها لفترة زمنية طويلة ، كأنه رأى شيئا غريبا يتملك قلبه اللهفة بأن يطيل النظر ويفهمه. مقاطعا كل تصوراته : نوصلهم وبعدها نروح . . عبدالعزيز لم ينطق بكلمة ، تنفس بعمق ليخرج بخار أبيض من بين شفتيه يبرهن على برودة الأجواء في مثل هذا الوقت من السنة. ساروا على الرصيف والفندق قريب جدا ، كانت خلفه تماما ، يشعر بخطواته ، يكاد يتعلم فراسة الخطوات أيضا من صخب هذه الأقدام ، هي تسير بين جسدين ، بين ضيء و عبير ، يفهم جيدا طريقة عبدالرحمن في التناقض ، لا يرضى بأحد مهما كان أن يرى بناته والان زوجته ولكن يرضاها علي ، يعتبرني إبنه لدرجة أخجل بها من نفسي ، أخجل والله أن أرى هذا اللطف بعد أن أعتدت الجفاف. نفث أفكاره ليقف أمام الفندق وينظر لسيرها المرتبك للداخل. ، دخل مبنى عمله بثوبه الأبيض الأنيق و الشماغ الأحمر يأخذ وضعيته في الجمال الشرقي ، عوارضه الخفيفة تتكاثر حول فمه لتكن سكوكة " تسر الناظرين " ، كل من يمر بجانبه يصبح عليه ليبادره بإبتسامة و يدخل مكتبه : وين أحمد ؟ متعب يضع الملف على الطاولة : راح يشوف المتدربين الجدد ، أمس رائد الجوهي سافر ومعه ولده بس غير وجهته ، راح باريس رفع حاجب الإستنكار : غريبة ! هالولد اللي مستتر عليه من عيوننا دايم ليه يبي يظهره الحين ! متعب : فيه شخص ثاني ماكان واضح شكله لأن معطي الكاميرا ظهره بس كان يقول أنه أبوه يبي يعرف فارس على صالح سلطان شد على شفتيه : يعرفه ؟ متعب : إيه كذا سمعته يقول ، بس أكيد فارس مايدري عن شي لأن عازله بشكل كلي سلطان : طيب أرسل صورته لعبدالعزيز و انا بكلم بوسعود متعب : إن شاء الله .. تامر على شي ثاني ؟ سلطان : لأ .. خرج متعب من جهة و بدأ هو بالتفكير بموضوع فارس ، لم في هذا الوقت بالذات يقحمه بعمله ؟ ماذا يريد أن يصل إليه ؟ فارس شاب والأكيد أنه لايعرف الكثير عن عمل والده ! بماذا يفكر هذا الرجل ؟ أريد ان أفهم فقط بماذا يفكر !! مجنون حتى تصرفاته باتت تصبح محل غباء. أشتغلت أصابعه الموسيقية بالطرق على الطاولة و أفكاره تتداخل ، لو جعلنا رائد يشك في رجاله ماذا سيفعل ؟ إن جعلناه يفكر بوسوسة إتجاه إبنه !! بالطبع سيلجأ لصالح بأنه الرجل المناسب ومحل الثقة ضحك ليردف : جبتها يا ولد بدر ..... وقف متجها لغرفة المراقبة و تخطيطات كثيرة تلتهم عقله في مثل هذه اللحظات ، متعب وقف بمجرد أن راه سلطان : شغل الكاميرات اللي حول بيت رائد متعب فتح هذه الكاميرا على الشاشة الرئيسية التي تتوسط بقية الشاشات : هذا البيت اللي قدامه مين له ؟ متعب : أظن تابع له سلطان : شف أبيك تتأكد لي من البيت اللي قدامه و كل خدمه تجيب لي أسمائهم ، خصوصا الحرس اللي عند الباب أبي أعرفهم واحد واحد. متعب : إن شاء الله سلطان أخذ ورقة و قلم ليكتب : شغل مخك شوي معي أبيك تحفظ كل كلمة متعب بتوتر وهو من النوع الذي إذا قيل له " ركز " يفقد كل تركيزه : طيب سلطان : عند الباب الرئيسي أبيك تحذف من كاميرات المراقبة الصغيرة ، أبيها محروقة بس بدون لحد ينتبه لك ، وبعدها بتروح لأي بقالة وتطلب منه تكلم من تليفونه .. إلى الان فاهم ؟ متعب : إيه سلطان : تتصل على هالرقم *كتب له بالورقة رقم محدد* و تقول بالحرف الواحد روسيا ما تصلح لك .. وش تقوله ؟ متعب بربكة كبيرة : روسيا ما تصلح لك سلطان : بعدها تقول لأحمد يكلم الشباب هناك أنهم يراقبون رائد ويصيرون له مثل ظله بتمتمة أردف : أنا أخليه برجوله يجينا ، برد يا أسطنبول و رقص لا يهدأ على أوتار فتنتك ، الغيم يثقل في سماءك و أنباء عن أمطارك الملونة ، اللغة تتغنج من المارة و تسلب السمع لينحصر به ، هذه المدينة متخمة بالأثار الممتدة لثلاثة عصور عاصرتها بإختلافاتها وتناقضاتها ، هي التي تملك التفرد وتجمع بين قارتين بجسر البوسفور ، مدينة عملاقة و فخمة منذ سلالات العهد الروماني حتى أتى محمد الفاتح. تسير بجانبه في إحدى أكثر شوارع أسطنبول إزدحاما " شارع إستقلال " ، لم تناقشه بشيء مهم أو حتى حديث مطول تشعر بأنه مغصوب رغم انه يغير رأيها بسرعة إن باغتها بسؤال ودي أو حديث حميمي يكسر أفكارها. أحاول جاهدة أن أفهمك يا ريان ، صبية مثلي لم تعتاد أن ترى الرجال كثيرا حين أخبروها أن هناك رجلا سيتزوجها وقعت في حبه دون أن تراه لأنها كانت في حاجة ماسة بأن تكسر عينها برجل غير أقرباءها. ربما أنا لا أحبك ولكن . . لا أفهم حتى شعوري إتجاهك ولكن الحياة معك ستجعلني أعرف تحديدا من أنا و ماهو قلبي. ريان : بردتي ؟ ريم : لا بالعكس الجو حلو ريان غرقت عيناه في جنبات الطريق حيث الرسامون و العازفون و حتى الواشمون ومن فوق المحلات الموسيقى تصخب بالأندية الليلية. مر شاب سكران بجانبها جعلها تمسك ذراع ريان بشدة ، ألتفت عليها بعد ان قطعت سرحانه : وش فيك ؟ ريم بحرج أبعدت يدها : لا بس مر واحد شكله شارب ... ماأحب الأماكن الضيقة ريان خلخل أصابع كفه الأيمن بكفها اليسرى ليخرج من الطريق : نجلس يومين هنا ونروح بورصة ؟ وش رايك ؟ ريم : ما قد جيت تركيا ماأدري اللي تشوفه ريان : بورصة أهدى و طبيعة أكثر ريم بإبتسامة : اللي تشوفه ريان أقترب من إحدى الدكاكين ليشتري قارورتين مياه : تبين شي ؟ ريم هزت رأسها بالنفي ، ليخرجان على الساحة العريضة ، أتى على بالها هيفاء تحب هذه الأجواء المزدحمة والصاخبة في وقت تكرهها كثيرا. يالله لم يمر سوى أيام قليلة وأشتقت بها لهيفاء و يوسف و منصور و حتى مزاجية نجلاء. الأهم من كل هذا أنها أشتاقت لوالدها و والدتها. جلسا على إحدى الكراسي الخشبية ، والصمت يدار بينهما ، تمر الدقائق الطويلة الخافتة لتضيق على ريم التي ملت من هذا الهدوء ، هي تحب الهدوء ولكن لا يعني أن تتأمل وفقط دون أي حديث يذكر. أهذا أيضا طبيعي في بداية الزواج ؟ |
تعليق