رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي/ كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • *مزون شمر*
    عضو مؤسس
    • Nov 2006
    • 18994

    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


    ،

    يقف أمام الباب، أخذ نفسا عميقا وهو يستودع الله نفسه وجسده وقلبه، أغمض عينيه لتأت كل الأشياء راكضة أمامه، إبتداء من تلك اللحظة التي أنجبر بها على العودة إلى الرياض نهاية برتيل الموجعة لقلبه، فتح الباب صاعدا عبر السلالم حتى ألتقطت أعين الحراس حضوره، أتجهوا نحوه بسرعة ليقيدوه ويفتشوه بصورة عنيفة. ألصقوه بالجدار لتلتف ذراعه خلف ظهره بقيد ثقيل، أدخلوه بهدوء ليرفع رائد عينه : يا هلا والله ب ولد سلطان . . يا هلا يا هلا
    عبدالعزيز بإبتسامة خبيثة : هلابك
    رائد يقف ليشير للحرس بالإنصراف، وبإستفزاز لفقده : جاي تفزع لأبوك في قبره!
    عبدالعزيز المقيد اليدين : حق أبوي مو عندك، لا يكون ماخذ مقلب بنفسك وتحسب الحادث من ترتيباتك؟
    رائد بغضب يتجه نحوه ليأخذ بطريقه علبة صغيرة ينتشر على سطحها مثل الدبابيس مصنوعة من الخشب، صفعه بقوة ليدمي وجهه على هيئة خطوط.
    دخل فارس ليلتفت عليه : أطلع برا
    فارس : لا
    رائد بغضب : فارس لا تطلع جنوني عليك !
    فارس يقف بين والده وعبدالعزيز الذي وقف بثبات والدماء تنزف منه : قلت لك من قبل مافيه شي تخبيه علي .. يمسك ذراع والده بهدوء ليسحبه نحو الخلف وهو يترجاه بنظراته.
    رائد : ماشاء الله تلاقوا الأصحاب .. عرفني يا فارس على اللي قدامي
    فارس بضيق : يبه
    رائد بصرخة أرعبته : مو هذا اللي من وراي تقابله ؟
    عبدالعزيز : وين عبير ؟
    رائد يبعد فارس عنه ليجلس على طرف المكتب : تبي عبير؟ للأسف لا
    عبدالعزيز : قلت . .
    رائد يقاطعه : وليه تثق بكلامي؟ يخي أنا مو عند كلمتي .. عبير عاد بتكون مع فارس ! عاد الله أعلم زوجته .. ولا غيره مايهمني المهم أنكم ماراح تشوفونها إلا لما أنا بمزاجي أقرر . . عاد مزاجي مدري متى يحن عليكم!
    عبدالعزيز بغضب : لا تساوم على البنت! خل كلامك معي وأتركها
    رائد بإبتسامة : أحلامك كبيرة يا عبدالعزيز ..
    عبدالعزيز بحدة عينيه : لمرة وحدة كون رجال وأبعد الحريم من موضوعنا
    رائد : علم نفسك كان كنت رجال قبلي وقابلتني مو سويت لعبتك مع الكلاب اللي وراك .. إيه صدق وش أخبار أبو زوجتك ؟
    عبدالعزيز بتجاهل يحاول أن يحرك وجهه ليبعد الدماء عن شفتيه التي بدأت تتذوق طعمها : اختصر وش المطلوب الحين ؟
    رائد يضع قدما على قدم وبإستفزاز وهو يفكر : والله مدري! مدري وش الشي اللي بيخليني أتلذذ بتعذيبك! لكن أقدر أقولك ماراح تكون لك حياة بعد ما تطلع من هنا ! لأن أصلا ماراح تطلع من هنا! شايف كيف مسألة خداعي تكلف الكثير؟ عشان غيرك يحسب حسابه ألف مرة قبل لا يقرب مني .. قرب قبلك أبوك وشوف نهايته والحين أنت وبتكون نهايتك أسوأ بكثير، أنت تلعب مع رائد الجوهي اللي برمشة عين يمحيك من هالوجود . . . يؤسفني أنك بتكون مثال للعظة والعبرة
    عبدالعزيز : عبير لا تمسها بشي !
    رائد بضحكة : I'm sorry هذا خارج إرادتي
    عبدالعزيز بصراخ : خل حكيك معي
    رائد بتهديد شرس : أقسم بالعلي العظيم أنه عبير ماراح تشوفونها .. ريح نفسك من كل هالكلام!
    عبدالعزيز أبعد وجهه للجهة الأخرى وهو يتحرك بإتجاه الجدار يحاول أن يتخلص من قيده.
    يكمل : أما شغلي راح يتم غصبا عنك وعن عبدالرحمن وسلطان! وبتبقى معي إن شاء الله لين يصير اللي في بالي بعدها بفكر بأي طريقة تبي تموت .. على فكرة أنا ديمقراطي جدا أنت أختار الطريقة اللي تبي وأبشر باللي أعنف منها .. أردف كلماته الأخيرة بشماتة ساخرة.
    أخذ المشرط لينادي الحرس حتى دخلوا بمجرد سماع صوته المنادي،
    بقوة أجلسوه على كرسي ليلفوا حول جسده الللاصق حتى تجمدت حركته ولم يعد يستطيع أن يتحرك، وبعينيه يفهم رجال رائد مالعمل؟ أخذ أحدهم خيطا وربط قدمه اليمنى ليمد الخيط للعمود الخشبي النحيف، أنهى العقدة بزناد السلاح، بمجرد ما تتحرك قدم عبدالعزيز سيضغط على الزناد لتنطلق الرصاصة بإتجاهه.
    رائد بسخرية : لا تحاول تموت بدري! تقدم إليه ليستفزه وهو يقرب المشرط من رقبته : من مين هالخطة ؟ مين اللي قالك تروح لي ؟ سلطان ولا عبدالرحمن ؟
    عبدالعزيز لا يجيبه، معتمدا على التجاهل التام.
    رائد بقوة يسحب المشرط من يمين رقبته حتى يسارها ليكتم صرخته وهو يحاول أن يثبت أقدامه حتى لا يتحرك، فارس أبعد أنظاره لا يتحمل رؤية هذه الوحشية من والده.
    رائد : وش اللي تخبونه ؟ ها ؟ ترى السكوت ماهو لصالحك
    عبدالعزيز ويستحم بدماءه : لا تنتظر مني أي معلومة
    رائد بإبتسامة : حلو .. جدا حلو ... ليصفعه بقوة وهو يقاوم حركة كل شيء عدا أقدامه، نظر لعصير الليمون الذي ينتصف الكأس ليمسكه وبتلذذ سكبه على رقبته لتندفع صرخة عبدالعزيز.
    : باقي ما شفت شي .. أنت بالذات راح أخليك تترجاني أنك تموت وبتشوف ... أبتعد ليلتفت على فارس : يالله أطلع قدامي!
    فارس : ممكن تخليني شوي!
    رائد بضحكة شامتة : لا تفكر يا فارس تقدر تخليه يهرب لأن هالطلقة بتجي في راسه أسرع من تصورك وبتلحقه وراك .. هذا أنا حذرتك ... وخرج لأنه يعرف تماما أن فارس يستحيل عليه أن يهرب عبدالعزيز والحرس ينتشرون في كل مكان.
    فارس يسحب منديلا ليقترب منه، يمسح دماءه وبقايا العصير، أدرك تلوث جرحه : عبير عندي
    عبدالعزيز بحدة : وأنت مين ؟ لا زوجها ولا شي!
    فارس : أنت عارف أبوي ! في كلا الحالتين كان راح يخطفها سواء بواسطتي أو بغيري بس أنا ماأبي شي يضرها والله العظيم يا عبدالعزيز ما أبي شي يمسها عشان كذا سويت كل هذا
    عبدالعزيز بصوت خافت : واثق فيك بس أبعدها عن أبوك!
    فارس : خذه وعد مني أبوي ماراح يقرب منها .. أنتظر لحظة . . . . . أقترب من الرفوف ليستخرج لصقات الجروح ومعقم، عقم جروح عبدالعزيز ليغطيها باللصق.
    عبدالعزيز : شكرا ..
    فارس : العفو . . أبوي مقرر أنه بكرا بيخليني أملك على عبير ويقول إن رفض عبدالرحمن فهو الخسران بكلا الحالتين ماراح ترجع له بنته
    عبدالعزيز : ماراح يوافق! مستحيل أصلا
    فارس : داري وأصلا مستحيل الشيخ بيرضى لأن حضوره لازم
    عبدالعزيز بسخرية : كأنها بتصعب على أبوك!
    فارس يستخرج هاتفه : تبيني أتصل على عبدالرحمن! كلمه وقوله
    عبدالعزيز تنهد : أنتظر لبكرا
    فارس : طيب .. تامر على شي
    عبدالعزيز : لا . . . ليستدرك شيئا ويوقفه: فارس
    فارس ألتفت عليه ليردف : ممكن تربط رجلي
    عبدالعزيز الذي شعر بأنه ربما يغفى وتتحرك أقدامه الغير مقيدة، أخذ اللاصق العريض ليلفه حول أقدامه لتتجمد بسيقان الكرسي : كذا تمام ؟
    عبدالعزيز : إيه

    ،

    أستيقظت شمس الرياض بخمول وهي تغيب خلف الغيم الذي يتكاثف ببداية شتاء خافت، كان جالس في المقاعد الخارجية في ممر المستشفى ينتظرها تخرج بعد أن تم الأذن لها، لم يتحاور معها ولم ينطق أي كلمة معها منذ ما حدث.
    رفع عينه عندما فتح الباب، تقدم إليها : تبين كرسي متحرك؟
    مهرة ببحة تخفي وجعها : لا
    خرج معها متجها لسيارته، فتح لها الباب الأمامي، الصمت الذي كان بينهما لم يدينه أحد، لم يقطعه الكلام أبدا طوال الطريق الطويل في صباح مزدحم، تمر الدقائق بثبات تشطر قلبيهما.
    كنت أرفض هذا الحمل ولو عاد الوقت لما دعوت دعوة واحدة على من يسكن رحمي، أشعر بأني فقدت نفسي معه، كل الأشياء تلاشت بسرعة أمامي، لا أريد أن أندم وأقول " لو " ولكن أشعر بحاجتي لأن أصرخ ب " لو " ، لو أنني لم أخرج من الغرفة وأنا أشعر ببعض التعب لما حدث كل هذا، يارب أني لاأعترض على قدرك ولكن أرزقني الصبر والرضا به، قبل عدة أيام كنت أراه بعيني والان لا أحد، رحمي خاوي من الذي أنتظرته في الفترة الأخيرة.
    ركن السيارة وهو يأخذ نفس عميق يشعر بالسوداوية تطغى على كل حياته، فتحت الباب لتخرج وهي تشعر بقليل من التعب يعكس نفسه على خطواتها المتأنية المضطربة، أتجه معها للفوق ليفتح لها باب الجناح، نزعت عباءتها بهدوء لتضعها على الأريكة وخلفها نقابها وطرحتها، أتجهت نحو السرير لتدس جسدها به، نظر إليها وهي تغطي ملامحها بالفراش.
    نزع حذاءه وهو يضع شماغه فوق عباءتها، أتجه لناحية السرير الأخرى ليجلس بقربها : مهرة ...
    كانت تغرق ببكائها تحت الفراش، لم تتوقع أبدا أن يصل حالها إلى هذا الحد. لم تتصور أن تبكي بهذه الصورة القاسية، ماذا يفرق أن يموت فرد بعد أن يستنشق الحياة أو يموت في رحم أمه؟ كلاهما موت، كلاهما نهاية، كلاهما قبر لروحي.
    رفع الفراش بهدوء لتغطي وجهها بيديها وهي تجهش ببكائها، خرج صوتها كأنين يخترق قلبه قبل سمعه، رفعها نحوه ليضعها على صدره وهو يمسح على شعرها، لم أعرف كيف أواسي نفسي حتى أواسيك؟ ولا أعرف أي طريقة تخفف وطأة الخبر علينا.
    تشبثت بثوبه وهي تبلله بحزن عميق، كل الأشياء أفقدها، كل شيء أتعلق به ينسحب من حياتي بهدوء، لم أجرب معنى الأب، وحين جربته تلاشى، ولم أجرب الأمومة وحين أقتربت مني ذابت دون أن ألمسها، أنا لا أعرف كيف أحافظ على أشيائي ولن أعرف أبدا ما دمت على الدوام أفقدها بصورة مفجعة لي، أؤمن بالموت ولا أعترض عليه ولكن أريد لمرة أن أحافظ على شيء لفترة طويلة أو أرحلوا ولكن بهدوء، لا ترحلون بهذه الطريقة المفجعة لي، لا تجعلوني أتأمل لأصعد لسابع سماء وأسقط فجأة دون سابق إنذار على أرض جافة. تكسر ظهري وضعلي من الفقد، يالله أرزقني الصبر . . يا رب الصبر.
    يوسف بخفوت : الحمدلله على كل حال ...
    مهرة بصوت مخنوق وهي تدس نفسها في صدره : بموت يا يوسف ..
    يوسف : بسم الله عليك لا تجزعين مايجوز ...... الله يعوضنا بالذرية الصالحة . . . يستلقي ليجعلها تستلقي معه . . . . نامي وأرتاحي
    نظرت للجدار الذي أمامها ويدها ترتخي عليه، وجهها الشاحب عكر جمالها الناعم، كيف أنام بهدوء وأنا فقدت طفلي الأول! طفلي الذي بثت به الروح في أحشائي و كلمات الدكتورة تصب في إذني ك نار وأشد حرقة من النار " سلمي أمرك لله والله يعين عباده "
    يوسف بصوت هادىء : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . . . وأكمل قراءته للرقية الشرعية عليها حتى نامت على صدره.

    ،

    بحزن عقدت حاجبيها : الله يصبرها .. صدق قهرتني بس عاد حرام ما تستاهل
    هيفاء بضيق : لو شفتي يوسف! قطع قلبي مع أنه ماقال شي بس لو تشوفين عيونه .. يا شينها عاد لا تلهفتي على شي وماصار
    ريم : ترى سمعت أنه مايجوز تقولين حرام وما يستاهل! كذا إعتراض على القدر وكأنه الله ما يعرف يصرف أحاول العباد .. يعني تعالى الله عن ذلك
    نجلاء بدهشة : لالا أستغفر الله مو قصدي كذا
    ريم : إيه دارية بس أنا قلت لك عشان ماتقولينها مرة ثانية
    نجلاء : ما قلتي لنا وش فكرتي؟ بترجعين له ؟
    ريم تنهدت : إيه
    هيفاء : هذا أحسن حل توكم حتى ما تعرفتوا على بعض زين
    ريم : الله يكتب اللي فيه الخير.
    نجلاء : صدقيني يا ريم بكرا تندمين على تسرعك! كل شي له حل ! الطلاق مو سهل، أكثر شي يكسر المرة الطلاق لا تكسرين نفسك بنفسك وتدمرين حالك وأنت ماتدرين زين الرجال وشينه .. توك في البداية يعني لا تندفعين كثير
    ريم بضيق كلماتها : وهذا أنا بسوي بنصيحتكم . . .

    تعليق

    • *مزون شمر*
      عضو مؤسس
      • Nov 2006
      • 18994

      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

      ،

      يجلس وهو يحتضن رأسه، يبحث عن الحلول، عن الحرية من كل هذه القيود، عيناه تغرق ب ريف الضاحكة وهي تقفز كلما أخرجت من بين شفتيها فقاعات الصابون، وقف متجها لغرفة والدته، طرق الباب ثلاثا حتى فتحه ليراها مستقيمة بجلستها تقرأ كتاب " عبقرية عمر للعقاد " تشبه والده كثيرا، مثل الطباع تماما مثل الجلسة مثل العينين التي تغرق في القراءة، كل الأشياء تكتسبها من أبي وهذه طريقة أمي في الإشتياق، أن تتقمص دوره وتقرأ ما يحب.
      أنحنى ليقبل رأسها وأطال بقبلته التي توسدت كتفها، جلس عند أقدامها وعيناه تتوسل، قاس علي زعلك! قاس كثيرا تجاهلك لي يا جنتي.
      وضعت الفاصل المزخرف لتغلق الكتاب عليه، رفعت عينها بعتب : تضايقني كثير يا فيصل !
      فيصل بخفوت : الله لا يسلم فيني عظم إن ضايقتك! يمه أنت منت فاهمة الموضوع بس صدقيني مو زي اللي في بالك
      والدته : أبيك الحين تجاوبني! وش علاقتك بمقرن؟ وش كنتم تسوون في باريس ؟ أبي أعرف الحين وأتطمن
      فيصل بضيق : شغلي هذا اللي أسسته كله كان من باريس! ومقرن كان يساعدني بعلاقاته بس هذا الموضوع
      أختنقت عيناها بالدمع : تكذب! والله تكذب
      فيصل وسيجن بفعل دموع والدته : يمه لا تعورين قلبي، تطمني مافيه شي من اللي في بالك
      تنزل دمعتها بحزنها اللاذع الذي يجعلها تحضر قلبها على فقده، شتت نظراته ليس هناك أقسى من دمعة الأم، قبل ركبتها ليضع رأسه في حجرها وهو يردف بصوت ضيق : سوي اللي تبينه فيني بس هالدموع ماأبي أشوفها، لا توجعيني يمه فيك لاتوجعيني وأنا أحس بالإهانة قدام دموعك إذا نزلت بسببي، قاسي هالشعور والله.. والله يا يمه تكسرني دموعك
      وضعت كفيها على رأسه لتغرق بماء عينيها، خرج صوت بكائها الحزين كيف لإبني الذي خط السواد في ملامحه أن ينحني كالطفل حتى لا يرى دموعي؟ أي دعاء يا فيصل خرج من لساني حتى يجلبك الله لي؟ أي خير فعلته في حياتي حتى تأت؟ بقدر الوجع الذي أشعر به إلا أنك لم تخرج من بطني وحيدا؟ أنت خرجت ومحملا بجزء مني لذلك أشعر بنبضك المضطرب لأني هناك! هناك في يسارك وليتك تعلم مامعنى أن حزنك لا يعنيك وحدك فهو يضايقني أضعافا وأضعافا.

      ،

      يدخل الغرفة الواسعة التي تنشر في كل جهة ملفات كثيرة، بخطى ثابتة يلتفت حتى يتأكد من خلو المكان، أقترب من جهة صفت بها الملفات الزرقاء بعناية، يسير خطوة خطوة بتأني شديد وهو يقرأ كل إسم حتى وقف عند – صالح العيد - ، فتحه وهو يقلب بأوراق الجرائم السابقة والشهادات الجنائية، حتى سمع صوت أحدهم يقترب، هرول سريعا حتى أختفى خلف الرف الأخير.
      عبدالرحمن وبجانبه عبدالله اليوسف ومن خلفهم متعب : هنا طال عمرك.
      يقترب بهدوء لينظر لمكان الملف الخالي : مين كان هنا ؟
      متعب : محد الله يسلمك
      عبدالله يرفع حاجبه : متأكد ؟
      متعب بلع ريقه : إيه
      عبدالله ينظر للملفات وهو الذي بدا يعاونهم بالفترة الأخيرة : تدري يا بوسعود! شكله فيه ناس تلعب على الحبلين
      عبدالرحمن تنهد : والله ما أتركوا لنا عقل
      عبدالله : طيب خلنا نراجع القضايا السابقة المرتبطة برائد . . . هذا سليمان الفهد؟
      عبدالرحمن ينظر للملف الذي بين يدي بو منصور : إيه . . . . وين صالح العيد؟
      متعب : موجود . . نظر للملفات وهو يبحث عن الإسم ليزداد توتره مع كل خطوة لا يجد بها الإسم المراد.
      عبدالرحمن يعقد حاجبيه وبنبرة حادة : مين داخل قبلنا ؟ هي فوضى عشان يدخل كل من هب ودب!
      متعب : لا طال عمرك والله محد دخل أنا متأكد و أسأل بو مساعد
      عبدالرحمن : طيب يالله طلع لي الملف! كذا يختفي فجأة
      متعب : لحظة أناديه . . . وخرج
      عبدالله بصوت خافت وبنبرة غير راضية أبدا : أشياء سرية وقاعدة تخترق بسهولة! وش بقى للأشياء الثانية؟
      عبدالرحمن بغضب : تعرف شي؟ أنا أعرف كيف أوقفهم عند حدهم . . . . . . وخرج بخطوات تهيج غضبا.
      وقف عند سكرتيره : تبلغ كل الموظفين إجتماع طارىء بعد ساعة وإن تغيب شخص واحد ما يلوم الا نفسه . . بما فيهم أنتم
      : أبشر إن شاء الله
      دخل مكتبه ليتبعه عبدالله بعد أن ترك ملف سليمان في مكانه : بتحقق معهم ؟
      عبدالرحمن : اليوم أعرف مين اللي ورى كل هذا !
      في جهة أخرى يضع الملف بمكانه وهو يخرج بهدوء قبل أن يلحظه أحد ليتقدم نحو مكتبه ومن خلفه : إجتماع بعد ساعة واللي ما يحضر على قولت بو سعود ما يلوم الا نفسه
      بصوت خافت : إن شاء الله
      دخل متعب بخطى مضطربة بعد أن خرج زياد : يارب أني ألقاه!
      أحمد من خلفه : طيب دور في الجهة الثانية
      متعب يمسح على وجهه : مستحيل يكون في غير مكانه! محد دخل أصلا
      أحمد يبحث بعينيه : قلنا بنرتاح من عصبية سلطان هالأسبوع وجاء اللي ألعن منه
      وقف متجمدا ليطل عليه أحمد بإستغراب : وش فيك ؟
      متعب بهذيان : بسم الله الرحمن الرحيم .. بسم الله الرحمن الرحيم .. اللهم أني أعوذ بك من الشياطين ومن أن يحضرون
      ضحك ليردف : وش فيك أنخرشت؟ . . أقترب منه ليلتقط إسم صالح العيد.
      متعب : والله يا أحمد أنه ما كان موجود قبل شوي!
      أحمد : شكل حرارتك مرتفعة اليوم
      متعب بعصبية : أقولك والله ماكان موجود! مين دخل بعدنا ؟
      أحمد : يمكن ماأنتبهتوا له
      متعب أخذ نفس عميقا : اللي قاعد يصير هنا مو طبيعي! .. طل عليهم سكرتير عبدالرحمن ال متعب : أنتم هنا! جهزوا نفسكم فيه إجتماع بعد ساعة
      متعب يسحب الملف ليتجه نحو مكتب عبدالرحمن، طرق الباب ودخل : لقيته طال عمرك
      عبدالله بدهشة ينظر إليه : وين ؟
      عبدالرحمن يقف مقتربا منه ليأخذ الملف ، متعب بلع ريقه : في مكانه
      عبدالرحمن : نلعب إحنا!
      متعب : والله العظيم قدام أحمد حتى! لقيناه في مكانه
      عبدالله : تونا قبل شوي ما كان موجود شي ، كذا نزل من السماء
      متعب ويعرف قوة عبدالله اليوسف وغضبه : لا الله يسلمك بس هذا اللي حصل دخلت عشان أدوره مع أحمد ولقيناه بمكانه
      عبدالرحمن بحدة : شف يا متعب أعصابي بروحها مشدودة لا تنرفزني أكثر!
      متعب بربكة : والله العظيم هذا اللي صار
      عبدالرحمن تعتلي نبرته لتصل للممر الخارجي : قبل شوي كنا هناك وماكان فيه شي!
      متعب يشتت نظراته : تقدر تشوف بكاميرات المراقبة!
      عبدالرحمن يتجه نحوه والكل في هذه اللحظة يبتعد عن طريقه، وصلت حالة الحليم الذي أبتعد عن شره إن غضب، نظر للشاشات : طلعه لي.
      زياد بعد أن مسح الشريط الذي يسبق دخوله، بهدوء ضغط على زر الإعادة ليعرض دخوله مع عبدالله ومن بعده دخول متعب و أحمد وما بينهما صورة مثبتة لم تشهد أي تغيير لأنه أستطاع بسهولة أن يقصها.
      عبدالرحمن يدقق في الدقائق، كانت 8:55 و من ثم 9:20 وما بينهما أقل من 25 دقيقة : لحظة أرجع
      يعود للبداية دون أن يرى شيئا مختلفا، عبدالرحمن ينظر لزياد بنظرة أربكته : أعرض لي الممر اللي قدام الأرشيف
      زياد يضغط على الكاميرا الأخرى لتعرض له سير جميع الموظفين على الممر، عبدالرحمن : بعد 8 و55 دقيقة .. شف مين مشى؟
      زياد يضغط على الوقت ليتم تسجيل كل من ساروا في الممر دون أن يتحدد من الخارج، عبدالله بدهاء : أخذ الكاميرا الأمامية
      زياد مد قدمه أسفل الطاولة ليسحب إحدى الأسلاك عشوائيا وينغلق نظام المراقبة. رفع عينه : ممكن عطل فني .. وقف . . أشوفه بس
      عبدالله بشك : يا سبحان الله هالعطل جاء الحين
      عبدالرحمن : دواهم عندي
      زياد ينحني خلف الطاولة بحجة إصلاح العطل في لحظة كان يقطع بها الشاشة المسؤولة عن الكاميرا الأمامية.
      عبدالله ويشعر بالمسؤولية، بشعور الثقل على أكتافه كما كان قبل تقاعده : وش قاعد يصير هنا! وش هالفوضى ؟
      عبدالرحمن تنهد : يارب رحمتك . . . نظر لمتعب وهو يشعر بان فاجعة أخرى تنتظره .. يالله كمل علي بعد
      متعب ويود لو يتوسل إليهم بأنه ليس ذنبه أن ينقل الأخبار السيئة، أخذ شهيقا ليردف : عبدالعزيز
      عبدالرحمن بخوف : وش صاير ؟
      متعب : عند رائد
      عبدالرحمن بغضب : قلت له لا يطلع . . .
      متعب بربكة حقيقية : بس .. يعني .. يعني بنتك طال عمرك
      تجمدت أعصابها التي أشتعلت بغضبها : بنتي!!!
      متعب : عند رائد بعد . . خطفها
      عبدالله أتسعت محاجره بصدمة لا يسبقها صدمة أخرى، إختطاف تعني موت من نوع اخر هذا ما نؤمن به.
      عبدالرحمن يشعر بيد من حديد تقتلع قلبه في هذه الأثناء، كان بيده ملف صالح العيد ضربه في عرض الحائط ليخرج،
      عبدالله بهيبته أردف : خذ الملف ومفتاح الأرشيف يجيني مفهوم يا متعب ولا أعيد الكلام ؟
      متعب : أبشر!
      يدخل مكتبه بغضب كان من النادر أن يصل لهذا المستوى، صرخ على سكرتيره : أحجز لي على باريس بأسرع وقت!
      أخذ هاتفه ليتصل على الأمن الذي وضعه في باريس، أستمر لدقائق ولم يجيب أي أحد منهم، أغلقه ليتصل على هواتف كثيرة أنتهت بهاتف عبير بعد أن ظن أن رتيل هي المخطوفة، على بعد مسافات طويلة كان يهتز الهاتف أمامه، ضحك بشماتة وهو يقرأ الإسم " ضي عيني " لا أحد يستحق الإسم هذا غير " عبدالرحمن " وها أنت تأت بكامل إرادتك، بعد أن تلاعب بأعصابه وأطال برنينه حتى أجابه بصوت منتصر : و عبدالرحمن ال متعب بجلالة قدره يكلمنا !
      عبدالرحمن يدرك من صاحب هذا الصوت : تلعب بالنار!
      رائد : وأنا أحب النار
      عبدالرحمن : واجهني باللي تبيه بس بناتي خط أحمر!
      رائد بتلذذ : يعني على حرمك المصون ترضى؟
      عبدالرحمن بغضب : رائد! محد خسران بهالقضية غيرك! كل الأدلة ضدك
      رائد : أثبت لي دليل واحد وأرسلك بنتك جثة محروقة
      عبدالرحمن تحمر عيناه بغضبه : كلمة وحدة ولا عندي غيرها! تترك عبير حالا .. وأنت عارف بصلاحياتي وش ممكن أسوي فيك
      رائد بهدوء مستفز : بصراحة ما جربت المساومة إلا مع سلطان العيد وراح الله يرحمه و الحين بجربها معك وممكن بعدها تروح ونترحم عليك! يا خسارة! قايلكم من قبل لا تلعبون معي بس أنتم ناوينها حرب وأنا أكملها لكم ماعندي مانع
      عبدالرحمن : أنتبه لألفاظك أنا ماأساومك أنا أأمرك!
      رائد : تصدق سبقتني كنت راح أتصل عليك عشان تبلغ الشيخ بموافقتك
      عبدالرحمن : موافقتي؟؟؟
      بضحكة يستفز كل عصب في جسد عبدالرحمن : على زواج بنتك من مشعل ولا نقول من فارس ولدي ! . . قلت أرحمك وأرسلك فارس بإسم ثاني عشان ما تجيك جلطة وتلحق خويك سلطان بس شفت! لأنكم لعبتوا معي مضطر وأنا كلي حزن على اللي بسويه . . على العموم في حال رفضت صدقني عبير راح تبقى عند فارس! أنت عاد قرر كيف العلاقة تكون بينهم؟
      عبدالرحمن يبلع غصة إنكساره في إبنته : تلوي ذراعي في بنتي! لو فيك خير قابلني بقوتي!
      رائد : أنا ما فيني خير . . ونقاط ضعفك هي قوة بالنسبة لي بالمناسبة
      عبدالرحمن : أترك عبير .. أتركها يا رائد مشكلتك معي مو معها!
      رائد : وتبيني أترك لك صالح . . أووه قصدي عبدالعزيز ؟ . . . أنا أقول ما ظنتي راح تشوف عبدالعزيز بعد! ممكن تزوره في قبره .. ماراح أكون حقير أبدا وأضيع جثته أبد بحطها لكم قدامكم . . *أردف جملته الأخيرة بسخرية لاذعة*
      عبدالرحمن : هي مسألة وقت وراح تنتهي!
      رائد : ودك تسمع صوت بنتك ؟ ترى قلبي رهيف ما اقوى على بكي الحريم!
      عبدالرحمن بغضب : أقسم بالحي القيوم لو تلمس شعرة منها لا أقاضيك بنفسي! وأنت عارف وش أقصد والله العظيم لألعب معك بأساليبك الملتوية ومحد بيخسر غيرك! لأن القوانين مع أشكالك ما تنفع
      رائد بنبرة مستفزة : لا لا ما ارضى على زوجة ولدي تنهان أفا عليك! . . بس تعرف بنتك الحلوة مع ولدي وبروحهم! ما تجي صح ؟ وبعدين كنت راح توافق على مشعل! شفت أنك مغفل وبسهولة أقدر أخدعك! . .

      يتبع

      تعليق

      • *مزون شمر*
        عضو مؤسس
        • Nov 2006
        • 18994

        رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي




        في جهة اخرى يقف فارس ويستهلك كل قواه العقلية في إقناع الشيخ ذو الملامح البيضاء بتوكيل مزور : طيب هذا التوكيل؟
        الشيخ : لا يا إبني الجواز مش لعبه! بشوف ولي أمر الفتاة بالاول
        فارس : طيب هو في السعودية ما يقدر يجي! وموكل زوج بنته الثانية يكون ولي أمرها في عقد النكاح!
        الشيخ بشك : ما بقدر! هيك العقد باطل!
        فارس : الشروط كلها تامة! الشهود موجودين والفحوصات الطبية قدامك والبنت راضية ووالدها راضي لكن صعب يجي الحين! نواجه ظروف صعبة يا شيخ
        الشيخ : طيب بالأول تفرجيني إثبات بموافقة ولي الأمر غير هالتوكيل
        فارس يمسح وجهه بعد أن أستعصى عليه إقناع هذا الشيخ، وكأنه يعرف بأنه توكيل مزور لولي الأمر، أخذ نفس عميق : طيب .. تفضل هنا على ما أتصل وأشوف . . . . . أبتعد عن الغرفة متجها لوالده، دخل عليه ليستمع لكلماته الأخيرة: مو قلنا لكم خلكم في شغلكم وخلوا غيركم يشوف شغله .. الحين لا تطلب مني شي! بنتك بعيد التفكير فيها لكن أظنك بتهوجس كثير ولا بتشوف حتى طيفها
        فارس وقف أمامه ليردف بضيق على هذا الحال : يبه
        رائد بضحكة : عن إذنك يا بوسعود بس خلك قريب من الجوال ها! لا أوصيك عشان تشهد على زواج بنتك . . وأغلقه.
        فارس : كنت تكلمه؟
        رائد : جاء الوقت اللي أتشمت فيهم! . . وش سويت مع هالشيخ ؟
        فارس : رفض! يقول لازم يشوف ولي أمرها
        رائد تنهد : أقول أكرشه وأجلس ماهو لازم تتزوجها
        فارس بدهشة يلفظها غضبا : كيف يعني؟ أتركها كذا
        رائد بإبتسامة : عشان يتعذبون صح
        فارس : لا يبه .. واللي يرحم لي والديك عادك بتعذبني معهم
        رائد بهدوء : طيب وش أسوي! هذا الشيخ ورفض تبيني أبوس رجله عشان يوافق حضرته يزوجكم
        فارس شتت نظراته لا يعرف ماذا يفعل، كل الأشياء تتعقد أمامه، رائد بخبث : لقيتها لك .. مكالمة فيديو تفي بالغرض!
        فارس : كيف يثبت أنه ابوها!
        رائد : شغل مخك! بيشوف صورته وبيسمع موافقته وبنثبت هالشي ببطاقته .. غصبا عنه أصلا راح يوريهم بطاقته! وبتطابق أوراق بنته وتم الموضوع
        فارس : ومين يوقع عنه ؟
        رائد : التوكيل! الكلب الثاني جيبه وخله يوقع
        فارس : طيب يعتبر عقدنا باطل؟ بكرا إذا صار شي . .
        رائد يقاطعه : شف عاد الأشياء القانونية أعرفها أكثر منك! عقدك تام تمت الشروط فيه خلاص يكون صحيح وإن حصل شي بعدين تطمن تقدر تجدد عقد الزواج وينتهي موضوعك .. رح شف الكلب وخل أي أحد يشهد معكم ماعلى أشوف ولد خالد وش بيسوي!
        يتصل على عبدالرحمن من هاتف عبير ليجيبه بهدوء، لم يلفظ كلمة : أسمع من الاخر الشيخ يبي موافقتك! ويبي يتأكد من أنك ولي أمرها!
        وبسخرية يكمل : لذلك رحمة ببنتك وفيك ياليت تقبل مكالمة الفيديو عشان حضرة الشيخ يشوفك ويسمعك وغير كذا ياليت توريه بطاقتك اللي تثبت إسمك وصورتك ... وإلا . . تخيل وش ممكن يصير في بنتك!
        عبدالرحمن الصامت ينظر للعدم، ماهذا الخطأ العظيم الذي يجعلني أذيق حرقته مرتين أول مرة مع رتيل والان مع عبير، كلاهما لم يتزوجان بصورة طبيعية، كلاهما شعرت بأن موتا يقذفني ليحييني من جديد، في أشد الأشياء يكسرون ظهري بها، هذه إبنتي كيف أرضى؟ كيف تحدث كل هذه الفوضى وأعجز عن فعل شيء! أريد فقط أن أفهم لم كل هذا يحدث، لن أجد أسوأ من شعورك بأنك عاجز! لا تستطيع فعل شيء لأقرب الناس إليك، يالله صبر عبادك.
        رائد : أفهم من كلامك رفضك؟ يعني عبير بح !
        عبدالرحمن بإنهزام فظيع يقطع أوردته : أنتظرك
        رائد أتسعت إبتسامته : واللي يبيه رائد بالنهاية هو اللي يصير! ليتكم تفهمون هالقاعدة زين . . . أغلقه ليتصل عليه بمكالمة فيديو . . وقف متجها للصالة الأخرى نحو الشيخ : تفضل تقدر تكلم ولي أمرها وتتأكد بنفسك . . .
        أبتعد فارس حتى لا يظهر بجانب الشيخ، لن يتجرأ أن ينظر إليه أبدا.
        دخل عبدالعزيز بعد أن فك قيده حتى لا يثير الريبة في نفس الشيخ، بصورة سريعة تسير الدقائق، بصورة سريعة يتم نحر الحياة في قلب عبدالرحمن، بصورة سريعة يسقط قلبه وشرايينه التي تنبض له، بصورة سريعة يفقد الحياة مع إبنتيه، كنت أخاف عليهما من ظلهما، كنت أحزن عليهما من نسمة هواء تضايق جدائلهما، ولم أستطع أن أحميهما بصورة كافية، أهناك أشد وجعا من كل هذا ؟ يا ضياعي وشتات الأشياء مني، يارب إني أحسن ظني بك وإن هذا لحكمة منك ولكن أسألك بكل إسم سميت به نفسك أن لا تجعلني أشهد يوما ضياعهما مني.
        أنحنى فارس ليوقع بعد إطالة الشيخ بأسئلته حتى يتأكد وتبقت خانة – الزوجة -.
        وقف متجها إليها، فتح الباب ليراها جالسة وتضع ذقنها على ركبتيها، رفعت عينيها إليه لتزحف حتى لاصق الجدار ظهرها.
        بهدوء : تعالي عشان يسمع الشيخ موافقتك!
        عبير : ماني موافقة
        فارس : لازم توافقين! لأن أبوك أتصل وبلغ الشيخ موافقته بعد
        عبير وهي تتعبر : كذاب! أبوي مستحيل يوافق
        فارس : والله . . ممكن تجين؟
        عبير بحدة : قلت لا . . لو تذبحني ما وافقت
        فارس يتأمل شحوب ملامحها ليلفظ : بكيفك! بس تحملي وش بيصير بعدها
        عبير بضيق تسقط دمعتها الفاتنة لقلب من يقف أمامها : مو قلت ماراح تضرني؟
        فارس : وعشان ما أضرك أنا جيتك الحين . . لو هالشي يضرك أبوك ما وافق
        تهز رأسها بالرفض، بعدم الإقتناع أن والدها يتساهل بالزواج بهذه الصورة، يقترب منها : ممكن توقفين وتجين معاي؟
        عبير بغضب ودموعها تسبقها على ملامحها : ما تقدرون تزوجوني بالغصب! هنا فيه قانون .. مو على كيفكم
        فارس بهدوء : مافيه شي بالغصب إذا تبيني أشيل إيدي منك وأخلي أبوي يتصرف زي مايبي بكيفك! عاد الله أعلم مين يخلي عندك .. أنت حرة ماراح تشوفين وجهي ومثل ماتبين بيصير . . . . أعطاها ظهره متجها للباب وبنبرة باكية أرتجفت بها الحروف : لحظة!
        وقف دون أن يلتفت عليها لتقترب بخطواتها نحوه، نظر إليها لعينيها المتلألأتين، يا فتنة الصبا رفقا بأعصابي، رفقا برجل أصطبر عليك حلما ولم يتوقع أن يقابلك وجها لوجه، " تعالي أحبك قبل الرحيل فما عاد في العمر إلا القليل أتينا الحياة بحلم بريء فعربد فينا زمان بخيل " تعالي قبل أن ينفك قيد الظروف وتذهبين، إن كنت ضائعا لا أدل الطريق تعالي لأعيش بك الحلم، إني راضيا بكل الحياة التي تسكنني أن أعيشك حلم وأصبر على حقيقتك ليوم لا أعرفه ولكن سأنتظره.
        تقف خلف الباب ليسألها الشيخ، ثواني طويلة حتى لفظت بثبات يعني فقدان الحياة، أن تستقبل الموت بتبلد : موافقة.
        يعطي فارس الأوراق حتى توقع، أتجه إليها، أخذت القلم وبرجفة أصابعها وقعت، نظرت لما حولها من الصعب أن تهرب، لا مجال للهرب أساسا.

        ،

        يجلس سكرتيره أمامه وهو يلقي عليه الأخبار الجديدة : وبس هذا !
        سلطان يمسح وجهه بتعب : مين اللي وثق أوراق رائد ؟
        : والله ما عندي علم يا بوبدر .. أظن بوسعود قايل لمتعب يسويهم!
        سلطان : لا مو متعب! أبغى أعرف مين اللي تصرف بقضية رائد؟ أبي كل شخص قرأ قضيته سواء شخص من قريب ولا من بعيد
        : مافيه غيركم! الملفات ما تطلع لأحد
        سلطان : طيب مقرن في الفترة الأخيرة كيف كانت تصرفاته بالشغل ؟ تذكر شي سواه وأستغربت منه
        : تعرف يا بو بدر أحمد ومتعب هم اللي قريبين منه أما أنا ملتزم بمكتبي ماأطلع ولا أتكلم معاه كثير
        سلطان تنهد : طيب مستحيل ما مر عليك! تذكر حتى لو شي بسيط
        بصمت يطول حتى يردف : قبل لا يروح بوسعود باريس طلب مني كشوفات لإتصالات رائد اللي قدرنا نحصل عليها
        سلطان : أيه؟
        بدهشة يلفظ : لا لا صح! هذي كيف ضاعت مني أذكر يوم عطاني أسماء عشان أراقبها
        سلطان : مين؟
        : أسامة و عمر و حسين و إسم ثاني ناسيه .. كلهم كانوا يرتبطون مع رائد
        سلطان أسند رأسه لينظر إلى السقف : وش تبيني أسوي فيك؟
        بحرج : ما توقعت والله!
        سلطان : أبي مقرن هاليومين! يجي الرياض .. حاول تشوف أي طريقة عشان يرجع بدون لا تشككه بشي .. أتفقنا ؟
        : أبشر
        سلطان : تقدر تروح
        : مع السلامة وما تشوف شر مرة ثانية . .
        سلطان : الشر ما يجيك . . نظر للنافذة التي لا تطل على شيء يستحق التأمل، غرق بتفكيره وهو يعزم على أن يذيق رائد شر هزيمة، طرأت على عقله المشوش – الجوهرة - ، تجادل عقله في الوقت الذي يريد أن يفكر به بالعمل فقط.
        يعود عقله لتفاصيل وقت مضى، للحظة رحلت ولن تعود!
        في ساعات الليل المتأخرة، وقمر الرياض يتزن في عرض السماء الداكنة، دخل وهو مضطرب المزاج لا يريد أن يحرك فكيه بكلمة واحدة، نزع حذاءه الأسود الثقيل ورمى نفسه على السرير بملابسه العسكرية دون أن يخلعها من شدة التعب، سمع صوت فتح الباب ومن إرهاقه لم يلتفت.
        تقدمت بخطواتها إليه وهي تحسبه نائما، اقتربت حتى تفتح أزارير قميصه الأولى لكي لا تضايقه، بمجرد ما لامست أصابعها رقبته حتى فتح عينيه.
        الجوهرة بربكة : كنت أحسبك نايم . .
        ينظر إليها بصمت ويشعر بأن الكلمة الان لها وزنها على لسانه لذا يصرف نظره عن الحديث.
        الجوهرة : طيب نام على ظهرك! هذي نومة أهل النار نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن نومة البطن
        سلطان : أنا مانمت!
        الجوهرة أخذت نفس عميق : طيب ... ووقفت
        سلطان : وين رايحة ؟
        الجوهرة : بنزل تحت
        سلطان بهدوء هامس : تعالي
        وقفت دون أن تتقدم خطوة ليعيد حديثه : تعالي
        وإرهاقه يجعله يتراجع عن مواقفه السابقة بصورة مؤقتة، وضع رأسه في حجرها : دلكي راسي
        تجمدت خلاياها بمجرد ما شعرت برأسه وهو في حضنها، وضعت يدها على رأسه وهي تخلخل شعره القصير، بسخريته : قلت دلكي راسي مو ألعبي بشعري
        سارت الحمرة في جسدها بأكمله لترتجف أصابعها وهي تدلك فروة رأسه.
        أستيقظ من غيبوبة الجوهرة على سؤال الدكتور أمامه : شلونك يا سلطان اليوم ؟

        ،

        جلس وهو يعصر رأسه بكلا كفيه، وصل أعلاه، وصل لحد لا يستطيع أن يقاوم كل هذه الضغوط، للتو وافق على زواج إبنته، للتو إبنته تزوجت! لا يستطيع أن يستوعب كل هذا، لا يملك القدرة على الإستيعاب أبدا، في حين كان جالس عبدالله بمحاولة مواساة لم يلفظ كلمة أمامه، الصمت هو أعلى رتب المواساة، لست أقل دهشة منه ولكن صعب علي أن أرى عبدالرحمن بهذه الحالة التي لم أراها به منذ سنوات طويلة : تعوذ من الشيطان
        عبدالرحمن يقف وهو لا يعرف أين يذهب، وصل لقمة غضبه، أوقفته الطاولة الزجاجية التي أمامه ولم يتردد بأن يتعارك مع " جماد " وهو يرفسها حتى تسقط ويتناثر زجاجها، قاسي حزن الرجال! قاسي قهرهم.
        بغضب يلفظ : كسرني يا عبدالله في أغلى شي عندي . .
        عبدالله بهدوء : إن شاء الله مو صاير لها شي
        يلتفت عليه لينفجر بصراخه : معاه كيف مو صاير لها شي! هذا إذا ما جننها! . . يارب .. يارب بس
        مسك جبينه وهو يشعر ب دنو الموت منه، بأن روحه تصل لحنجرته حتى تسقط مرة أخرى في قلبه : بيذبحون لي بنتي! .. بيذبحونها يا عبدالله أعرفه وأعرف أساليبه ..
        عبدالله : دامها زوجها ولده أكيد ماراح يسوي فيها شي . . خلنا نفكر بحل بدل هالعصبية .. وعبدالعزيز معاها
        عبدالرحمن صمت قليلا ليستوعب : ورتيل وضي ؟ . . وينهم!
        بخطوات سريعة أتجه نحو هاتفه ليتصل على هاتف رتيل و " مغلق " هذه الإجابة التي تضيق عليه دائما، ضغط على رقم ضي ولا طاقة له بأن يتحمل أخبارا أسوأ.
        أهتز الهاتف أمامها ورأس ضيء في حضنها يغفو، سحبتها قليلا لتضع الوسادة أسفلها، نظرت للرقم لتجيب بسرعة : ألو .. يبه
        عبدالرحمن : هلا يبه . . . وينكم فيه ؟
        رتيل برجفة الكلمات التي تخرج من بين شفتيها : مدري طلعنا من باريس بس بالضبط ماأعرف
        عبدالرحمن : وداكم عبدالعزيز؟
        رتيل : إيه تركنا هنا وراح
        عبدالرحمن : ضي وينها ؟
        رتيل : نايمة
        عبدالرحمن الذي أستغرب نومها في هذه الساعة، لفظ بخوف : فيها شي ؟
        رتيل : لا بس يمكن تعبت من اللي صار ... يبه وش بيصير علينا . . أردفت جملتها الأخيرة برجفة أسنانها.
        عبدالرحمن : بجيكم إن شاء الله بأقرب وقت، الحين بخليهم يرسلون لكم حرس وتطمنوا .. طيب يا قلبي . . . . كان يهدئها بكلماته في وقت لم يستطع أن يطمئن قلبه.
        رتيل وتختنق بغصتها : وعبير ؟
        عبدالرحمن : وعبير بخير .. مو صاير لها شي بإذن الله
        رتيل : لا تخبي علي شي
        عبدالرحمن : يبه رتيل تطمني إذا مو بكرا إن شاء الله اللي بعده أنا عندكم . .
        رتيل لم تتمالك نفسها أكثر لتبكي ومن بين دموعها : يبه كيف أصبر لبكرا ولا اللي بعده! والله خايفة لو صار شي مقدر أتصل على أحد .. عبدالعزيز مو هنا ولا عمي مقرن موجود
        عبدالرحمن ويشعر بأن هذا فوق طاقته، بكاء إبنته الأخرى يعني موت فعلي لخلاياه : رتيل حبيبتي قلت الحين برسلكم حرس وبحدد مكانكم بعد . . ريحي نفسك
        رتيل بنبرة باكية : يبه المكان يخوف . . تكفى خل أحد نعرفه يجينا ..
        عبدالرحمن بضيق : يا يبه قلت لك بيجونكم حرس تطمني .. أنا الحين بشوف لي أي حجز عشان أجيكم اليوم قبل بكرا بعد!
        رتيل : طيب
        عبدالرحمن : أنتبهي لنفسك و أنا كل شوي بتصل عليكم عشان أتطمن .. أتفقنا ؟
        رتيل : طيب لأن جوال ضي ما بقى فيه رصيد كثير يمكن مانقدر نتصل إحنا .. تكفى يبه أتصل بعد شوي
        عبدالرحمن : إن شاء الله يا عمري ... مع السلامة ...
        عبدالله : عبدالعزيز تاركهم وين ؟
        عبدالرحمن : شكله مسكنهم في بيت برا باريس! الحمدلله تطمنت عليهم واثق متأكد أنه عبدالعزيز مستحيل يسوي شي بدون لا يتأكد. . . بخليهم يرسلون حرس لهم ويشوفون الرقم وش إحداثياته
        عبدالله : كويس على الأقل نضمن سلامتهم ونفكر برائد ومصايبه اللي ماتنتهي.

        ،

        يخترق عتمة الغرفة بدخوله، لم يراها منذ أمس، نظر لجسدها الملقى على السرير ويبدو أنها تغرق بنومها، أنتبه لزجاجات العطر المرمية على الأرض، كالعادة تفجر غضبها برمي الأشياء، دائما ما كنت عنفوانية يا غادة حتى بحبك لي، أريد أن أعرف شيئا واحدا كيف تنكرين هذا الحب؟ الحب الذي يعني قلبك، جسدك، عقلك ، حواسك، حياتك وأكسجينك؟ كيف تصبرين على هذا الإختناق بتوحدك مع نفسك دوني؟ وضع قدمه خلف قدمه لأخرى لينزع حذاءه بها، ويعاود حركته مع القدم الأخرى، وضع معطفه على الكرسي ليسحب الفراش برفق، ويدس جسده خلفها، أحاط بطنها بذراعه ورأسه يغرق بشعرها الطويل . . . .

        ،

        أخذت نفس عميق منذ أن وصلت لبيته وهي لم تنطق كلمة واحدة، تكاد تنفجر من صمتها وهدوء الأجواء حولها، وقفت وهي تتشابك مع يدها، تحاول أن تجهز كلماتها في عقلها وتسترجع عباراتها، يجب أن أتفاهم معه أن يعرف كيف يضع حدوده معي، ويفهم أنني عدت لأعطيه فرصة ثانية وليس لأعطي نفسي فرصة، أنا لم أخطىء وهذا ما يجب أن يفهمه السيد ريان.
        خرج من الحمام و المنشفة السوداء تغطي جزءه السفلي وتعري صدره، بلعت ريقها لتضيع كل الكلمات التي جهزتها لتلقيها بوجهه بعد أن شعرت بأنه لا نية له للحديث والنقاش . . .

        ،

        في ضوضاء الخضرة المزهرة تتذبذب الأصوات يمينا ويسارا، سمعت صوت السيارة خارجا ولا بيت بجانبهم حتى تخمن أنه لاحد اخر، بلعت ريقها بخوف لتهمس : مو قادرة أتصل! مافيه شبكة!!
        ضي وتشعر بحاجتها للتقيؤ حالا : كبدي تقلب!
        رتيل بتوسل : تكفين بس هالدقيقة!!!

        ،

        سمعت صوته وهو يقترب من الباب، وعقلها يخيط حيلة للهروب، أستلقت على الأريكة وهي تمثل النوم مغمضة العينين . . .

        .
        .

        أنتهى البارت

        تعليق

        • *مزون شمر*
          عضو مؤسس
          • Nov 2006
          • 18994

          رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
          إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()





          رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طيش !
          الجزء ( 65 )


          المدخل ل فاروق جويدة .

          لو كنت أعلم أنني

          سأذوب شوقا في الألم

          لو كنت أعلم أنني

          سأصير شيئا من عدم

          لبقيت وحدي

          أنشد الأشعار في دنيا.. بعيدة

          و جعلت بيتك واحة

          أرتاح فيها.. كل عام

          و أتيت بيتك زائرا

          كالناس يكفيني السلام..



          ويدس جسده خلفها، أحاط بطنها بذراعه وملامحه تغرق بخصلات شعرها الطويلة، يا ليلي أنت! إني لوجه الله أترك الحياة أمامك، لأجل الحب أتركها ولكن! عيناك ما سرها؟ ما سر النكران وأنا محجرها يا غادة. تعالي، أقبلي كحشد مستبد إني أرضى بإستبدادي، أقبلي كحكومة ترأسني إني أرضى بظلمي، تعالي لأقول لك فقط أني أحبك، تعالي ك غادة، كروح غادة، كعين غادة، تعالي حتى أعيش، حتى أتنفس بصورة طبيعية، أنا والله من بعدك لم أرى شيئا يستحق العيش وكيف أرى بعد أن كنت أرى الغدير من ضحكتك ينساب؟ والجنة بين هدبيك ترى؟ كيف أرى بهذا العالم شيء يستحق التأمل وأنت كنت حبيبتي؟ كنت يا غادة والان؟ هل تكفي المساحة؟ هل تكفي لأقول " اه " هل ستشعرين ببحة قلبي ؟ قاسية جدا قاسية على رجل يراك من هذا الكون كونا اخر، قاسية على رجل يقدم لك قلبه قربانا ؟ أستجيبي .. من أجل الله أستجيبي لي لمرة، قولي أنك أشتقت! لا تتركيني أموت ولم أسمعها منك! لا تتركيني أغرق وصوتك طوق نجاتي. لا تتركيني يا غادة وأنا عطشان، تعالي و أرويني بماءك، - يستنشق عنقها ليشدها نحوه أكثر بوجع أكثر – هذا الجسد كيف ينساني؟ وأنا الموشوم بك من مفرق رأسي إلى أقدامي! هذا الجلد الذي يحبس كلماتنا وضحكاتنا كيف تفكرينه بهذه الخشونة! كيف تمحين – قلبي – بسهولة. أنا حزين! حزين جدا وأشعر بالوحشة رغم أن جسدك يدثرني.
          تحركت وهي تتضايق من حصاره، فتحت عينيها لتنظر إليه بجمود بعد أن نامت و بكائها يتلحفها، حاولت أن تسحب ذراعها ولكن لا حيلة للهروب ويديه تثبتها من كل جهة، بهمس مبحوح : ممكن تبعد!
          لا يجيبها ليغمض عينيه ورأسه يضعه على كتفها، وبمثل همسها أوجعها : إذا كان بعدك واقع أتركيني على الأقل أحلم.
          غادة صمتت لثواني وكلماته تصب في قلبها كندبات مالحة : لا توجعني أكثر .. أتركني لو سمحت.
          ناصر بلهيب أنفاسه يشد عليها حتى كادت تدخل به : لا تقولين لو سمحت
          وتشعر بالألم من قبضته على جسدها : ناصر أتركني أوجعتني
          ناصر بهذيان حمى الحب : 5 سنين كيف تنسينها ؟ أنت اللي أوجعتيني .. شوفي وش سويتي فيني! مريض فيك وتعبان منك ..... ليتني ماعرفتك . . ليتني صدقت موتك وبقيت عليه، أحزن عليك ولا أضيق منك!
          نزلت دمعتها بنهاية كلمته الأخيرة، وإن نسيت من أنت ولكن هذه الكلمة تهين قلبي الذي لا يشعر بك، تهينه لأنه متخم بالكبرياء الذي لا يروق له بأن أحدا يندم على معرفته به.
          يكمل بصوت ينام به الحزن : كنت تقولين الحب ما يموت! كلهم يشهدون عليك! هالجدران هذي تشهد عليك! ليه مات في صدرك حبي؟ ليه ذبحتيني وأنا المتشفق عليك! . . . . مين المخطي؟ انا ولا أنت! . . قلبك هذا من أيش؟ قلبك هذا أنا . . وين ضيعتيني ؟ وين تركتيني ؟ . . .
          وبهمس يموت تدريجيا : رديني . . ردي لقلبي حياته
          تتحسس الحمرة التي تنساب من صوته، يندفع قلبه بإتجاه صدرها الرقيق، أستسلمت من قواه بين ذراعيه، لم تستطع أن تقاوم وأفلتت كل وسيلة للمقاومة بعد كلماته، كيف تكون لهذه الكلمات حواف حادة تقتلني بهذه الصورة؟ يالله يا ناصر! لو أنني فقط أسترجع نفسي حتى أعرف كيف أسترجعك.
          همست بين ظلام الغرفة والهواء العابر دون أن يغطيهما شيء، كانت أجسادهم الباردة تدثر نفسها بنفسها والفراش يغطي أقدامهما فقط. : عطني وقت! بس وقت عشان أصلح نفسي.
          ناصر وهو مغمض عينيه : عطيني عمر! وأوعدك بالوقت.
          شدت على شفتيها حتى لا يخرج أنينها، لم تستطع أن تتمالك نفسها أمام كلماته المندفعة بعاطفته، هذه العاطفة الرجولية تكسرها بعنف، بضراوة لم تتوقعها. ببحة البكاء وعيناها تغرق بالدمع وهي لا تستطيع أن تلتفت إليه ما دام ظهرها يلاصق بطنه وهو يستلقي على جانبه الأيمن : تكفى ....
          ناصر : تبين تبعدين؟ تبين تصلحين نفسك بعيد عني! يا قساوتك
          غادة وضعت يدها على ذراعيه وهي تحاول أن تفك قيده على جسدها : أرجوك . . والله مافيني طاقة أتحمل كل هذا
          ناصر بعنف يشدها أكثر وهو يضغط على بطنها حتى شعرت بأنه يخترق جلدها ليطحن أحشائها بقبضته، وبنبرة حادة تتركها تصرخ بألمها : أنت لي.
          بضيق حنجرتها : اه . . خلاص .. تكفى خلاص أوجعتني
          بغياب الوعي التام يؤلمها بمفاصل يده المشتاقة، أزداد بضغطه وأزدادت بألمها، غرزت أظافرها في ذراعه وهي تهمس بين أنفاسها المضطربة : ناصر ...... كافي .. كافي
          بهذيان : تتذكريني! متأكد أنك تتذكريني مستحيل تنسيني لكن فيه شخص ثاني بحياتك! فيه شخص تبينه ..
          فتح عينيه ليكمل : تبينه صح؟
          غادة : ماأبي أحد . . أتركني واللي يرحم والديك
          ناصر : تبين وليد؟ . . . وليد بسنة خلاك تنسين 5 سنين من عمرك! أنا بس بسألك شي واحد وبعدها بتركك
          أرخى يديه لتتنهد براحة بعد أن شعرت بالغثيان من معدتها، أستلقت على ظهرها وهو يفك قيد جسده منها، نظر لعينيها المضيئتين بالدمع كما تضيء السماء في هذه اللحظات بماءها.
          أردف : مين قال أنه المطر أنت وأنه السما ما تشبه إلا عيونك ؟
          غادة تجمدت حواسها في لحظة لا تعرف ماهية نبرة الأحداث التي تجري على لسان ناصر.
          أبتعد ليقف، يراقب شفتيها، لا يريد أن يفقد الأمل و موسيقى الحزن تضرب في قلبه، أنتظر لدقائق طويلة وهو ينتظر جواب! لاتصمتي! هذه المرة أرجوك اكذبي وقولي أنا وجهت هذا الخطاب لعينيك. من أجل الله لا تكسري مجاديف الأمل في قلبي.
          أرتجفت شفتيها ليشعر بأمل أن تتحدث ليصدم بفظاعة الخيبة وهي تنطق : تضغط علي كثير.
          من يداوي الخيبات في صدري؟ من يشق طريقه لقلبي ويضمد جراحه؟ من يعتذر عنها نيابة؟ من يعتذر عن حزني هذا وسأعف عنه! أنا أحتاج وبشدة لشخص يقرأ علي ايات السكينة، أن يقول " ولربك فاصبر " عله ينتشلني من وعثاء الحياة، يالله لا تميت بي الحياة بهذه الطريقة.
          تراجع بخطواته مضطربا، وصوتها الخمري يغشى عليه ليستذكر ذاك اليوم الماطر أسفل سماء باريس كان صوتها أغنية، كيف تنسى لحنها؟
          بتراقصات المطر تسير معه وذراعها تتأبط ذراعه : أعلمك شي !
          ناصر : وشو
          غادة : جايني حس الشاعرية اللي عندك
          وترجف شفتيه من البرد وأنفاسه البيضاء يزفرها : سمعينا
          غادة تتنحنح لتردف بصوت عذب : و أعطشك! وأنت المطر وهذي السماء ما تشبه إلا عيونك.
          ناصر بإبتسامة شاسعة : الله الله صح لسانك! . . . يسمح لي مقامك أني أرد عليك ؟
          غادة بخجل شفاهها التي تصير أنفاسها للبياض وهما يدخلان الممر المغطى حتى يقيهما من المطر : إيش ردك؟
          ناصر يقف لتلاصق أقدامه أقدامها ويده تلامس ظهرها الناعم وعيناهما تغني الصمت: البدر يقول .. انا قلبي عصفورك وباقي الصدر اعشاش.
          عاد لواقعه، للاإتزان الذي يتشكل بها، أعطيني الكلمات حتى أسترجعك أغنية، أنا عرفتك لحن لا ينسى كيف قطع أوتاره ونسى؟
          كيف نسى وأنا قرأت على قلبك المعوذتين و " أحبك " ، كيف نسي صخب القصائد المقروؤة بيننا، قلت لك مرة بلهجة مهندس الكلمة " إنت عيونك هالمدى بحر وطيور مهاجرة " والان بمثل القصيدة أعيد لك المقطع " إنت عيونك نجمتين ضي ورا ضي يعود، ويادوب غابوا ليلتين خلو شموس الكون سود ، رحتي ولا ظنك تجين .. وين الوعد يامفارقه "
          أتجه خارجا وقلبه يسجد بحزنه ولا يضرب بأوتار صوته سوى جملة مبحوحة – وين الوعد يا مفارقه ؟ -.

          ،

          خرج من الحمام و المنشفة السوداء تغطي جزءه السفلي وتعري صدره الصاخب بعضلاته المشدودة، بلعت ريقها لتضيع كل الكلمات التي جهزتها لتلقيها بوجهه بعد أن شعرت بأنه لا نية له للحديث والنقاش، بللت شفتيها بلسانها لتردف : ممكن أحكي معك شوي!
          ريان : طيب ممكن ألبس أول ؟
          شعرت بالإحراج يدب بوجهها كقبائل محمرة، أخذت نفس عميق لتغمض عينيها لثواني معدودة حتى تتخلص من ربكتها : قصدي بعد ما تلبس . . . أبتعد متجها ليرتدي ملابسه، أستغرق دقائقه الممتدة ويستلذ بجعلها تنتظر طويلا، خلخل أصابعه بشعره المبلل وهو يتجه نحو الأريكة المقابلة لها : إيه وش عندك ؟
          ريم : أنت ما ودك تتكلم معي بشي؟
          ريان ببرود وهو يسند ظهره على ظهر الأريكة : لا
          ريم تحاول أن ترخي أعصابها وأن تطيل بمزاجها الهادىء معه : أظن صارت أشياء لازم نحكي فيها
          ريان : وش الأشياء ؟
          ريم : ليه تحكي معي وكأنه ما صار شي؟
          ريان : يعني تبيني أناقشك بإحترامك وأنك طلعت بغيابي وبدون إذني؟ ولا أقول كيف أخوك الكبير المحترم جاء من الرياض عشان ياخذك! ولا أثقفك بواجباتك وبأنك ملزومة ما تطلعين بإذني! وأظنك تعرفين بالدين وتعرفين وش الواجب وش المحظور!
          ريم بهدوء : الحين رحت عند أغلاطي وما شفت وش سويت قبلها! أنا بحياتي كلها ما أنمدت يد أحد علي وأنت بسهولة تمدها! وأظنك بعد تعرف بحقوقي اللي عليك!
          ريان : أنت الغلطانة من البداية وحطي هالشي في بالك
          ريم : لا ماني غلطانة! صبرت في تركيا وقلت معليش بس أنك تحرجني قدام أهلك كل يوم وكل ما سألوا عنك سكت وما عرفت كيف أجاوبهم ! أبسط شي عنك أنا أجهله! وفوق هذا طول اليوم طالع من الصبح لين الليل ماأشوفك ولا تشوفني! و لو ماصحى قبلك يمكن ما كان شفتك أبد!
          وبإندفاع أكملت : يا روحي أبسط الأشياء اللي مفروض تكون بيننا معدومة.
          صمت ينظر إليها بعين ثرثارة لا تفهم ريم منها شيء سوى جمودها، أطال صمته لتقطعه ريم : ليه سكت؟ يالله برر لي
          ريان : لغة نقاشك ما تعجبني!
          ريم أمالت شفتها السفلية : وأيش يعجبك إن شاء الله ؟
          ريان يتجاهل كلامها الأخير : أولا أنا ما قصرت عليك بشي! لكن أنت اللي تبدين بكلامك وتستفزيني وأنا إنسان عصبي! يوم مديت إيدي عليك شوفي من بدا .. كنت أسألك وكنت مستفزة بأجوبتك يعني أنت كنتي تبينها من الله عشان تختلقين مشكلة. ثانيا سالفة أنك تبشرين أهلك عند كل مشكلة تصير هذي كارثة بالنسبة لي! منت بزر عشان تخلين أخوك يدري عن أدق الأشياء اللي بيننا
          ريم بسخرية : هذا إذا بيننا أشياء
          ريان بهدوء : شفتي ! لاحظتي نفسك كيف تتكلمين! وتبينا نتناقش بعد .. الكلام معك ضايع لأن أنت حتى السلام ويخب عليك بعد . . . وقف.
          ريم بعصبية أحمرت بها عيناها : لما يكون كلامي كذا فهذا يعني أني مقهورة! ولاحظ أنه عمري ماأهنتك بكلامي لكن أهين المضمون نفسها لكن أنت! تهينني عند أول كلمة .
          ريان بضيق : طيب يا ريم
          ريم تكتفت وهي تقف : وشو طيب؟
          ريان : أعطيك إياها من الاخر. . أنا بالزواج ما أمشي .. خليك هنا معززة مكرمة لا تناقشيني ولا أناقشك لك حياتك ولي حياتي .. أتفقنا ؟
          ريم أرتجفت أهدابها لتردف : كيف لي حياتي ولك حياتك؟
          ريان : أنا وياك ما نضبط مع بعض فخلينا منفصلين أحسن لي وأحسن لك
          ريم : وش مفهوم الزواج عندك؟
          ريان :تأكدي أنك منت فاهمته بعد.
          ريم : طيب ليه رجعتني ؟
          ريان بإذلال : مزاج!
          ريم بهدوء يغطي ثورة حزنها وغضبها : وأنا تحت رحمة مزاجك ؟
          بصمت أعطاها ظهره، بحدة أوقفته : دام ما أنتهى كلامي ما تعطيني ظهرك وتروح!
          ريان ألتفت عليها وبنبرة ساخرة : أبشري عمتي .. أي أوامر ثانية ؟
          ريم بغضب سارت بإتجاه الحمام لتصفع الباب بقوة، تشعر بغضب عارم يستدعي بها الحال أن تكسر كل شيء أمامها، أن تفرغ كل هذه الشحنات و الشتائم تتوافد على لسانها، أنا الغبية التي خططت للزهر الذي سيعانق احلامنا ولم أرى الأحلام بعد، أنا الغبية التي فكرت بالحدائق ونسيت البذور! أنا الغبية التي رأيتك حياة ثانية وجئت موت أثبت لي بأن هناك موت في الحياة لم نلحظه بعد.

          ،

          أقتربت من النافذة بخطى مرتبكة عين تراقب ضي الملتوية حول نفسها وعين أخرى تحاول أن تتلصص لما خلف الستار، خشيت أن ترى شيئا مروعا، وقفت عند النافذة كثيرا ولا تملك الجرأة أن تبعد الستارة قليلا حتى تنظر وتتأكد، قرأت كل الأذكار التي تحفظها وكل الايات التي أتت على بالها، قطع كل شيء رنين الجرس الحاد الذي أشعل في قلبها خوف ما بعده خوف،
          ضي برجفتها تقطع أظافرها بأسنانها: يمكن اللي جايبهم عبدالرحمن!
          رتيل ألتفتت عليها وهي تضيع بالكلمات حتى تلحفت بالصمت، شدت على بلوزتها الصوفية الواسعة وشعرها الداكن المموج يصطف خلف ظهرها، أتى صوته الرجولي الصاخب : يا أم سعود!!!
          ضي شعرت بأن راحة الكون هبطت على قلبها لدقائق، رتيل تنهدت لتقف خلف الباب : أيوا
          : أنا نايف أكيد قالكم بوسعود .. على العموم راح أكون برا إذا أحتجتوا أي شي.
          رتيل : طيب يعطيك العافية . .
          أختفى صوته لتخطو بسرعة نحو الشباك وتفرج جهة بسيطة حتى ترى بوضوح : إثنين مو واحد
          ضي : الحمدلله ..
          أتجهت نحوها : للحين يوجعك بطنك ؟
          ضي : تقلصات تجي وتروح
          رتيل بعفوية : هم اللي يحملون كذا ولا ممكن شي خطير!
          ضي وتشاركها جهلها بهذه المعلومات : لا أتوقع طبيعي .. إن شاء الله طبيعي لأن من فترة وهي تجيني
          رتيل : طيب بسوي لك شي تاكلينه . . . تقدمت نحو المطبخ المكشوف على الصالة، أبتسمت وهي تنظر للأغراض التي أشتراها عبدالعزيز : وش ودك فيه ؟
          ضي بخمول تستلقي: أي شي
          رتيل : طيب لا تنامين . . . أفرغت الأكياس لتلملمها بكفوفها حتى ترميها، أتجهت نحو الرفوف لتستكشف الأغراض والأواني، أخرجت كوبين وطبقين لتغسلهما جيدا، بدأت تبحث بأسرع شيء تصنعه، قلبت كيس المعكرونة بين يديها لتبحث عن إناء تضعه بها، أستغرقت دقائقها الطويلة وهي تبحث بكل درج، حتى وجدته غسلته جيدا لتبدأ طبختها السريعة، أسندت ظهرها بجانب الفرن بإنتظارها أن تنضج، لتغرق عينيها بالطعام المعلب والأكياس الصغيرة، أنتبهت للصلصة، تقدمت إليها لترفع عينها لضي : ضيوو لا تنامين ..
          ضي بصوت ناعس : صاحية . .
          رتيل تفتح الصلصة لتردف : الكولا مضرة للحامل ولا ؟
          ضي : لا ما أتوقع يعني عادي
          رتيل : تشربين عصير مع مكرونة ؟
          ضي : وش جوك رتيل !!
          رتيل أبتسمت محاولة تجاهل كل هذه الظروف : فيه ناس يشربون عصير والله! عشان نتطمن أكثر ..
          ضي وهي تمسح على وجهها : طيب .. خلصي هالشي اللي مو راضي يخلص
          رتيل عادت للفرن لتغلقه، وزعت المعكرونة على الطبقين لتضع فوقهما الصلصة، أخذته لتجلس بمقابل ضي : طيب نقدر نطلع مع هاللي إسمه نايف! على الأقل نرجع بس نجيب ملابسنا
          رتيل : لا مستحيل! خلينا هنا أخاف يصير شي هناك! . . نكلمهم نخليهم يروحون يجيبون لنا .. يعني واحد يجلس معنا والثاني يروح يجيب!
          ضي : لا فشلة!
          رتيل : أجل كيف نطلع؟ . . طيب أطلع أنا وتجلسين أنت مع واحد فيهم؟
          ضي : أخاف عبدالرحمن يعصب!! أو يصير شي لا سمح الله
          رتيل : لا ماني راجعة لباريس نشوف شي قريب من هنا! . . بطاقتي معي
          ضي : بس يتصل أبوك نقوله

          تعليق

          • *مزون شمر*
            عضو مؤسس
            • Nov 2006
            • 18994

            رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

            ،

            سمعت صوته وهو يقترب من الباب، وعقلها يخيط حيلة للهروب، أستلقت على الأريكة وهي تمثل النوم مغمضة العينين، فتح الباب ليطل عليها، نظر لهدوئها وغرقها بالنوم، تقدم إليها ليجلس على ركبتيه فوق السجاد بمقابلها، فرصة تأملها وهي هادئة مغرية جدا لعينيه، وضع يده على جبينها ليسحبها لفوق حتى يزيل حجابها، لأول مرة يرى شعرها بطبيعته بعينيه وليست بعين الصور، وإن حسبت عمري فإن ميلاده بين خصلات شعرك ونضجه عندما أبصرك، وإن عددت كم من موت عشته؟ فهي كل اللحظات التي قضيتها وحيدا وأنا منذ أحببتك جربت لأول مرة كيف يكون العيش، كيف أتنفس بصورة منتظمة وأنا أستشعر بالهواء الذي يدخل إلى رئتي، كانت حالة الحب ومازالت ذنب الحياة الذي لم أطلب غفرانه يوما ولم أطلب نسيانه، أتلذذ بهذا العذاب القهري وعيناك مغفرة، أتلذذ بقساوة أهدابك التي تشبه الحدائق الغناء، على الداوم تغريني للرسم، تغريني للكتابة، أنت الملهمة في كل شيء وفوق كل شيء. هل أبتسم لأنك زوجتي وهذا الحلم أصبح واقع أم أحزن لأنك ليست زوجتي بالمعنى الصحيح! ولكن لي الحق أن ألمس شعرك الذي أحب، لي الحق دون أن يغضب الله منا بأن أتحسس ملامحك.
            شعرت بقلبها يرتبك مع لمساته، وشعرها الذي بدأ يتخلخله الهواء، أندفعت الحمرة من صدرها لتسحب من أسفل جسدها العصا الخشبية التي كسرتها من الكرسي حتى ضربته بها، أنحنى ليضع يده على رأسه، في جهة أخرى هرولت سريعا كانت ستسحب حجابها ولكن لم تستطع، تركته لتخرج من الغرفة، نظرت للمساحة الواسعة من الشقة التي شعرت لوهلة أنها بيت، تقدمت نحو الباب الخارجي لتفتحه لتشعر بأن الحظ يبتسم لها وهي تنظر للدرج الخاص بالعمارة خاليا، نزلت سريعا لتقف بالمنتصف وهي تسمع الأصوات التي بالأسفل، أقشعر جسدها من الحرس الذين لمحتهم، لم تفكر كثيرا وهي تشعر باليد التي تلف ذراعها، دون أن ينطق شيئا سحبها للأعلى، أدخلها الغرفة ليغلقها وبغضب بعد أن تجرح رأسه ونزف بدماءه : المنطقة كلها رجال أبوي! يعني وين مارحتي راح يشوفونك!!! أفهمي هالشي!
            عبير بضيق : أبغى أطلع
            فارس بعصبية أنفجر : يالله أطلعي وريني كيف بتطلعين
            عبير أختنقت محاجرها : لا تصارخ علي!
            فارس تنهد : ليه مو راضية تفهمين؟ قلت ماراح أضرك بشي! والله يا بنت الحلال ماراح أقرب لك . .
            جلست على طرف السرير السكري ذو النقوشات السوداء، أخفظت رأسها لينساب شعرها عليها، تفقد الأمل في كل لحظة تمر، تفقد الأمل في الخروج من هذه الدوامات، أنا التي بقيت لأيام أواجه أرق حبك كيف تأت بهذه السهولة؟ كيف بهذه البساطة يحدث كل هذا دون ان أفكر، متى أتطهر من هذا الذنب؟ كيف أكفر عنه؟ . . ويبقى حبك مشيئة وأنا التابعية له.
            فارس بهدوء : عبير
            عبير : ماأبغى أتكلم معاك، ممكن ؟
            فارس بضيق يسحب الكرسي ليجلس وبين يديه حجابها : وأنا ماراح أتحرك من هنا
            عبير غطت ملامحها بكفيها لتدخل بغيبوبة بكاءها الصامت.
            يتأملها بخفوت، ينظر لتلاعب خصلات شعرها وتبادلها الأدوار لتغطية وجهها، لو كان لهذه الخصلات صوت؟ أكانت ستصرخ بعراكها على ملامحها، لو أنني فقط أستطيع أن أتقدم خطوة إليك دون أن تضجري لما ترددت.
            أطالت ببكائها وفوق ما يتصور تؤثر به، تغزي قلبه بحنية السماء والأرض معا، أنحنت لتنزع حذاءها دون أن تنظر إليها بينما هو كان لا يرمش من مراقبة تفاصيلها الدقيقة، أخذت خصلة من شعرها لتعقد بها بقية خصلاتها كذيل حصان، مسحت دموعها وهي تتجاهل وجوده، مدت أكمامها لتدفىء كفوفها وعينيها الباكية مثبتة على الطاولة.
            لم يستطع أن يقاوم هذا الجمود وهذا الصمت وهي أمامه، وقف متجها إليه لترفع عينيها والإعتراضات تتضح من نظراتها. : بردانة ؟
            عبير بقيت صامتة وعينيها بعينيه، هذا الأسمر هو الذي كان يواصل غزو قلبي طيلة الشهور الماضية، هذه العينين " الولعانة " هي التي كانت تستشف حالتي وتواسيني، يا سلطة الجمال إذا نضجت عند الرجال! يا قوة هذه السلطة. كيف أفلت منها؟
            شعر بأنها تسرح به، ليعيد سؤاله : عبير بردانة ؟
            أخذت نفس عميق وشفتيها ترتجف : لا . .
            فارس : محتاجة شي؟
            عبير بربكة كلماتها : أبغى أكلم أبوي
            فارس صمت لثواني طويلة حتى أردف : مقدر
            عبير شدت على شفتها السفلية تصارع قواها الداخلية التي تنهار، لم تعتاد أبدا أن تمر أياما دون أن تسمع صوت أبيها، تشعر بإشتياق فظيع إليه، إشتياق الخوف من الفقد. تجمعت دموعها في محاجرها حتى تضببت رؤيتها، لم ينزل على خدها شيئا بقيت معلقة هناك لتضيء عينيها.
            فارس حن عليها وعينيها كيف تحبس الدمع لوحدها بالنسبة له مصيبة عاطفية : ترسلين له مسج ؟
            عبير بنبرة باكية : أبي أسمع صوته
            فارس : مقدر! والله مقدر . .
            عبير مدت يدها لتسحب الحجاب من بين يديه ولكن ثبت يديها به، أرتجفت أطرافها لتحاول أن تسحب يدها ولكن كانت قبضته أقوى، رغما عنها وقفت وهي تتقيد بين أصابعه، تلامست أقدامها المغطاة بالجوارب السكرية بأقدامه، أختلطت أنفاسها البيضاء بأنفاسه، تثبتت نظراتها بعينيه وصدرها يضطرب بقربه، يعتلي بشهيق ويهبط بزفير موبوء، تمر الثواني بضياع مرغوب، كيف أعتاد على إسمك؟ هذا الإسم الذي بين يوم وليلة أصبح يتعارك مع لساني بضراوة؟ كيف لأربعة حروف أن تحدث كل هذا الضجيج بي ؟ كيف لكوبليه إسمك أن يمر كقصيدة حادة تقف بثبات دون أن يكسرها شطر ولا بيت، ماذا أفعل؟ أنا واثقة من شيء واحد أن عيناك إجرام محقق وأن سمرة ملامحك لن يذهب ضحيتها إلا أنا. كنت أجد الصعوبة في نسيانك وأنا فقط سمعت صوتك! كنت لا أعرف كيف أنساك وأنت تخترقني بكلماتك، والان؟ مالحل؟ مالحل أمام كل هذا؟ إن كان نسيان صوتك صعب فما بال نسيان عينيك و ملامحك وكل هذه الفتنة؟ و يا حزني حين ظننتك ماء وأتيت لي بكل إحتراق، يا خيبة الظنون ويا شر نارك يا فارس.
            أخذت نفس عميق وهي تأخذ شهيقها من أنفاسه القريبة، سحبت يدها بعد أن أرخى أصابعه، غطت كفيها المشتعلة بحرارتها والحمرة بأطراف كمها، شتت أنظارها وهي تبتعد عدة خطوات للخلف.
            فارس يسحب شال الصوف الرقيق ليغطيها به ويسكن رجفتها، بخفوت : بكون برا إذا أحتجت شي . . وخرج.
            لا تعرف كيف تهذب رجفتها بمرور صوته الأسمر.
            خرج لينظر لوالده الذي يفتح باب الغرفة التي وضع بها عبدالعزيز، تبعه ليسمع سخرية والده : ماشاء الله فارس مو مقصر معقم جروحك بعد!
            فارس يغلق الباب خلفه وهو يأخذ نفس عميق.
            رائد يضع قدما على قدم وهو يجلس بمقابل عبدالعزيز الصامت الهادىء، يستفزه بصمته وعيناه التي تنظر إليه ببرود.
            رائد بإبتسامة : بما أني رحوم وقلبي ما يقوى أشوفك بهالحالة! بجرب أسألك وش ودك فيه قبل لا تندفن؟
            عبدالعزيز بمثل إبتسامته : صلي علي
            رائد وشعر بأن براكينه تثار، لم يخفي فارس إبتسامته من جواب عبدالعزيز المستفز بصورة رهيبة.
            رائد يخفي الغضب بهدوءه : يعجبني فيك أنك تحاول تكذب على حالك! . . وقف متقدما إليه وبيده المشرط المعتاد : أضيع خرايط وجهك؟
            عبدالعزيز : إذا أنت عاجز تضيع هالخرايط على قولتك وأنا واقف قدامك بدون كل هالتقييد! فغيرها بجلوسي لأنك ماتقدر تسوي شي الا وأنا منحني!
            فارس بخطوات سريعة تقدم نحو السلاح المثبت خشية من نفاذه نحوهما.
            رائد بغضب كبير مرر المشرط الحاد نحو خده ليدميه كما أدمى رقبته، ركل الكرسي ليسقط بقوة على الأرضية الرخام وهو مازال مقيد لا يستطيع الإنفلات.
            تحركت أقدامه ليحرك فارس السلاح بإتجاه النافذة حتى نفذت الرصاصة وتناثر الزجاج.
            بعصبية بالغة يضع قدمه على بطن عبدالعزيز : لا تحاول تتحداني بشي أنت ما تقدر عليه! مفهوم؟
            عبدالعزيز يشعر بغليان رأسه والدماء التي تثور هناك، غشى على عينيه الضباب وهو الذي لم يدخل بطنه شيئا يمده بالطاقة، نظر لرائد بهيئة مقلوبة ولشفتيه التي تصوب الكلمات الخشنة.
            رائد : ماهو من صالحك أبد! هذاني نبهتك . . أبعد قدمه ليغرزها بقوة في بطنه الخاوي حتى يتقيأ دماء لثته التي جرحت دون أن يصدر صوتا وهو يحاول أن لا يصرخ ويتحمل كل هذا.
            خرج رائد ليتركه عاقد الحاجبين من طعم الدماء السيئة في فمه، تقدم إليه فارس بحنق وهو يمسح وجهه من الدماء وملامح عبدالعزيز تذبل بشحوبها، رفعه من ظهره ليستقيم على الكرسي، مسح شعره الذي ألتصق ببعض نثرات الأرض، فارس : يوجعك شي؟
            هز رأسه بالرفض وهو يشتم كل شيء في داخله، تأت خيالاتهم على باله بصورة مفجعة، ليتني ذهبت معكم ولم أشهد كل هذا، ليتني رحلت.
            فارس يجلس على ركبتيه ليفكك الحبال الملتفة حول قدمه ليشد على عقدة الزناد فتنطلق رصاصة أخرى وقبل أن تأت سحبه فارس ليرتطم خده الغائر بجرحه على الأرض.
            : اسف يا عبدالعزيز ما توقعت أنه فيه رصاص . . وقف متجها نحو السلاح ليفك الحبل منه ويعود إليه ليرفعه وهو يشعر بأنه يموت فعليا ولا طاقة له بالكلام.
            فارس : كذا تمام ؟
            عبدالعزيز بصوت يضيق : إيه
            فارس سحب كرسي اخر ليجلس أمامه وهو يمسح على وجهه بعناء شديد ويشعر بألم عبدالعزيز فوق ما يتخيل.
            رفع عينه إليه : أحد أتصل ؟
            فارس يخرج جوال رتيل من جيبه : لا جوالك ما جاه ولا إتصال.
            عبدالعزيز أخذ نفس عميق خشية من أن أمرا حدث لهما، لا يستطيع أن يوصي فارس أن يذهب ليطمئن بعينيه ورائد يراقب خطواته.
            فارس : إن شاء الله مو صاير لهم شي .. أبوي اصلا حاط في راسه أنت وعبير! . . . أنتبه لدماءه تأت من رأسه . . أنتظر لحظة.
            أتجه نحو المكتب ليخرج من الدرج حبات قطن، مسح رأس عبدالعزيز المتوجع بصداع الدماء المغلية في دماغه.
            دخل رائد بصورة مفاجئة : أطلع!
            فارس تنهد ليمسك الهاتف الذي في حضنه ويمسك عين رائد معه التي تدقق بكل شيء : هذا جوال مين ؟
            فارس بهدوء : جوالي
            رائد يقترب منه : عطني إياه
            رفع عبدالعزيز عينه بغضب كبير دون أن يلفظ شيئا.
            فارس : الحين رضيت تسوي فيني كل شيء لكن بعد جوالي!
            يسحبه بقوة وهو يعرف ماذا يخطط له هذان الإثنان، فتح اخر المكالمات ليجد – جنتي ، عبدالعزيز ، عبدالعزيز ، جنتي ، ضي –
            نظر لفارس بحدة : وش جايب جواله معك؟
            فارس أخذ نفس عميق دون أن يجيبه بكلمة.
            بغضب يتصفح الرسائل ليجدها أحاديث بضمير أنثوي، فتح الصور لتتسع إبتسامته بخبث، مد الهاتف بوجه عبدالعزيز وكانت صورة رتيل العفوية وهي ترفع عينها ولسانها خارجا وشعرها المموج ينعكس على ملامحها البروزنية، وبنبرة مستفزة : هذي الحلوة حرم سيادتك!
            عبدالعزيز أشتعل بغضب لا يوازيه غضب وهو يصرخ : و رب البيت لا أذوقك كل هذا في دقيقة
            ضحك رائد بسخرية : متى بتذوقني إياه إن شاء الله؟ في القبر؟ . . أنا شكلي بغير رايي وبطلعها من تحت الأرض، على الأقل تسلينا
            عبدالعزيز يشد على شفتيه ويشعر بحرقة الغبن في صدره، رفع عينيه المحمرة بالعصبية : والله العظيم يا رائد لو لمست منها شعرة لا أجننك بمعاملاتك الجاية والله ما يهمني شي لو تذبحني ولا يهمني لو تهددني بغيري .. لا أخلي سنينك هذي كلها تطلع من عيونك قدام شركائك!
            رائد بإبتسامة هادئة : يعني تبي تساوم على عبير؟
            عبدالعزيز بثقة : ما أساومك عليها! ولا راح أساومك على أحد! بساومك على تجارتك
            رائد بحدة : والله وطلع لك لسان وتبي تساوم بعد
            عبدالعزيز بغضب : أترك الجوال!!
            رائد بإستفزاز يتجه لصور أخرى ولم تكن هي صاحبتها حتى وجد صورة أخرى بفستان زواج ريان، قدم الصورة المغرية له ليثير كل الحمم البركانية في داخله، أهتز كثيرا محاولا الحركة وفك القيد حتى سحب فارس الهاتف من بين يدي والده بشدة ورماه على الجدار ليتفكك قطعة قطعة.
            رائد ألتفت عليه بغضب وهو يمسكه من ياقة قميصه : ناوي تبيعني عشان هالكلب!!!!
            فارس بعصبية : لأن هالأسلوب ما أرضاه على نفسي!
            رائد يصفعه بقوة دون أن يقاومه فارس، رغم كل شيء لا يستطيع أن يدافع عن جسده أمام والده ولو أستطاع لقدر أن يتوازى معه بالقوة الجسدية. دفعه على الجدار ليصطدم رأسه فوق إصطدام العصا الأولى، بحدة : صدقني محد بيضيع نفسه غيرك! للمرة المليون أحذرك لا تحاول تلعب من وراي معاه ولا والله ما تلوم الا نفسك! لأخليك تحلم بشوفة عبير فاهم! . . . وخرج.
            فارس عدل ياقته التي أنشدت بحركات غاضبة و عبدالعزيز لا تهدأ النار بداخله، يشعر بالغيرة تأكل أطرافه كدودة لا تفك عن تقطيع جلده وصورتها تأت كجحيم لاذع، عيناها المكحلة بزفاف يجهله تثير في داخله ألف علامة غضب وغضب.

            يتبع

            تعليق

            • *مزون شمر*
              عضو مؤسس
              • Nov 2006
              • 18994

              رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

              ،

              يسجد على سجاد المسجد الخمري بعد إنتهاء صلاة العشاء، لتخرج دمعة القهر من عينيه التي ذاقت كل أنواع القهر ولم تبكي، ولكن هذه المرة الأمر يتعلق ب - قطعة من روحه - ، كيف يتحمل قلبي لذاعة الأمر و روحي تختطف! كيف أقف بثبات و إبنتي بصورة لم أتوقعها يوما تتزوج هكذا! لم أفرح بأي منهما، لم استطع أن أسعد ليوم واحد! يالله أنت تعرف قيمة الأشياء بقلبي، أن هذا العالم لا يعنيني والله لا يعنيني ولكن " بناتي " لا ترني بهن مكروه، لا تذيقني حزن واحدة منهن، أنا والله أحترق من بعدهما ومن المجهول الذي ينتظرهما، يارب القضاء والقدر إن قلبي معذب بهما فلا تزيد من نيرانه، أني أسألك بأضعاف القهر والغبن الذي بقلبي أن تريح صدر بناتي، أن تلطف بهما وأنت عزيز رحيم، يارب السعادة أهطل بفرحك عليهما، يارب أنهن جزء مني فلا تزدني حرقة عليهما أكثر، يارب يا سميع الدعاء.
              رفع رأسه ليلفظ التشهد ويسلم، سحب المنديل الذي أمامه ليغزي عينيه المحمرة، من يشعر بحرقة الرجال؟ من يقدر حزنهم؟ أكان يجب أن نستعيذ في كل مرة من حزنهم الذي لا يرحم.
              خرج من المسجد لينحني ويخرج حذاءه ومعها أخرج هاتفه، أتصل على هاتف ضي وأقدامه تسير بإتجاه السيارة، أطالت حتى أجابت بصوت ناعس : ألو
              عبدالرحمن : السلام عليكم
              ضي بلهفة أستعدلت حتى تجلس : وعليكم السلام والرحمة . . .
              عبدالرحمن بصوته المخنوق : كنت نايمة؟
              ضي بربكة ضاعت كلماتها : إيه . . لا يعني مو مرة .. المهم بشرني عنك
              عبدالرحمن : أنا بخير ، أنتم اللي بشروني عنكم ؟
              ضي : تمام .. جو اليوم اللي أرسلتهم
              عبدالرحمن : الحمدلله . . ما جاكم إتصال من أحد غريب ؟
              ضي : لا كل شي تمام . . .
              أستغرقوا بصمتهما حتى تقطعها نبرة ضي الباكية : وحشتني
              عبدالرحمن وعاطفته ليست بخير، قلبه لا يحتمل أكثر ليبلع ريقه الجاف : وأنا أكثر
              ضي غرقت ملامحها بدمعها وهي تسمعه لأول مرة يصارحها بكلماته دون أن يلفظ برسمية – تشتاق لك الجنة - ، دون أن يقولها بصيغة الجمع المستفزة.
              عبدالرحمن : ضي لا تعورين قلبي ببكيك .. اللي فيني يكفي!
              ضي وتشد على شفتيها حتى تتمالك نفسها : طيب متى تجي؟
              عبدالرحمن : قلت للسكرتير يدبر لي حجز، إن شاء الله قريب
              ضي وهي تنظر لرتيل الجالسة تتأملهما بهدوء لتعاود دموعها السقوط : أنتبه لنفسك حبيبي وأهتم لصحتك ..
              عبدالرحمن : إن شاء الله .. بطاقاتكم معاكم؟
              ضي : إيه
              عبدالرحمن : كويس لأن حولت لكم فلوس خفت أتأخر عليكم وما ألقى حجز ... إذا أحتجتوا أي شي كلموا نايف
              ضي : إن شاء الله . .
              عاودا الصمت دون أن ينهي المكالمة أحد منهما، يا مشقة الوداع و الكلمة الأخيرة بعد هذه الكلمات المخبئة لعاطفة عميقة، لم أتوقع يوما أن تكون " مع السلامة " شاقة حزينة قاسية لا يمكن لفظها بسهولة.
              ركن عبدالرحمن سيارته بجانب المستشفى لينظر بعينيه الضائعة ويديه مازالت تثبت الهاتف ويستمع لأنفاسها التي تحزنه فوق حزنه، لو كنت أملك عصا سحرية لما جعلتك تحزنين لخبئتك وخبئتهم جميعا في، لو أنني أستطيع فقط.
              ضي ببكاءها أنهارت : مقدر عبدالرحمن .. والله محد يقدر فينا يتحمل
              رتيل أشاحت أنظارها بعيدا وهي تحتبس الدمع في داخلها، لتلفظ ضي بخفوت صوتها المرتبك بحزنه : مدري كيف كنت أصبر بالأشهر بدون لا اشوفك! أنا هاليومين ما أعرف كيف أعيشهم والله! مافيني حيل أصبر أكثر
              عبدالرحمن تنهد بإختناق فعلي : قوي نفسك وأنتبهي لصلواتك والله معك ويحفظك .. لا تنامين وأنت تبكين، أنا محتاجك تكونين أقوى
              ضي تلتزم صمتها، لا قدرة لها أكثر لتحمل فوضوية هذه الأحداث بحياتها.
              عبدالرحمن : أتفقنا؟
              ضي : إن شاء الله
              عبدالرحمن بنبرة حاول أن تصل إليها مبتسمة : تبشرين بالجنة وفردوسها . . مع السلامة
              ضي : بحفظ الرحمن.
              نزل من السيارة متجها نحو الباب الرئيسي للمستشفى ودخوله صادف خروج سكرتير سلطان،
              : كنت راح أتصل عليك! بوبدر واصلة معه عقب ما عرف بموضوع عبدالعزيز!
              عبدالرحمن أخذ نفس عميق : طيب . . . تركه ليخطو نحو غرفة سلطان، دخل دون أن ينطق كلمة ليهاجمه سلطان بكلماته اللاذعة : ليه ما قلت لي عن عبدالعزيز؟ ليه خبيت عني!
              عبدالرحمن بهدوء : الموضوع ما صار له يومين!
              سلطان بغضب عارم : كان لازم أعرف من أول دقيقة أنه بنتك عنده وعبدالعزيز معاه! أنا وش وظيفتي عشان تخبون علي
              عبدالرحمن : طيب حالتك ما تسمح!
              سلطان بصراخ : يخي مالكم دخل مريض ولا غيره! ماني جدار عشان أكون اخر واحد يعرف
              عبدالرحمن بعصبية: صوتك لا يعلى علي! ماني أصغر عيالك
              سلطان يبعد نظره عنه وهو يشتعل بقهره، ألتزم صمته وقلبه ينبض بثرثرة لا تنقطع.
              عبدالرحمن يسحب الكرسي ليجلس بمقابله : وش كان بيصير لو عرفت بوقتها؟ بتتعب زيادة فوق هالتعب!
              سلطان بهدوء غاضب : ولو! كان مفروض أعرف
              عبدالرحمن : طيب هذا أنت عرفت خلنا نسكر هالموضوع .. فيني اللي مكفيني يا سلطان كل واحد ضايع بطريق لا أدري وش صاير فيهم ولا وش جالسين يسوون معهم
              سلطان صمت قليلا حتى أردف : راقبت السجلات ؟
              عبدالرحمن : إيه بو منصور للحين بعد في مكتبي يرتبهم بس أطلع منك راح أرجع له
              سلطان : مسكتوا كل قضية!
              عبدالرحمن : كل شي من الصبح إلى الان وإحنا نراجع كل إسم حتى موظفينا الجدد قمت أراجعهم معه .. بومنصور شاك بزياد وأنا شاك معه! بس بنتظر لين بكرا وبناديه
              سلطان : زياد ما غيره؟ اللي منظم أمن الحي ؟
              عبدالرحمن صمت حتى يستوعب : حسبي الله! . . الثغرات اللي كانت تصير من الحرس ونقول قضاء وقدر أثاريه يلعبها علينا . . . مسك هاتفه ليقف متصلا على عبدالله اليوسف :. . عبدالله زياد عندك؟
              عبدالله : توه طلع من عندي!
              عبدالرحمن : أمسكه لا يروح!
              عبدالله يقف من على كومة الأوراق التي تفتحت : صار شي؟
              عبدالرحمن : أمسكه بالأول قبل لا يهرب! وأرجع أتصل فيني . .
              عبدالله : طيب . . . أغلقه ليخرج ويبلغ أمن البوابات أن لا يخرجوه في جهة كان يركب سيارته متجها للخروج من مبنى العمل حتى توقفت سيارته عند البوابة وأجتاحه الإستغراب من عدم إستجابة الأمن إليه، فتح الشباك حتى يبادلونه بفتح الباب ويخرجونه.
              زياد : وش قصتكم؟
              : أسأل بومنصور .. مالنا علاقة . . قيدوا يديه ودخلوا به متجهين لمكتب عبدالرحمن بن خالد.
              في المستشفى كانت الأفكار مرمية بينهما، بتنهيدة : ولا عليك أمر عطني الورقة
              مدها له عبدالرحمن ليكتب سلطان ويشرح على هذه الورقة البيضاء : جاء زياد بعدها صار الإختراق لشبكتنا قبل شهور ! و قدرت جماعة عمار تدخل بيتك رغم أن الحي مراقب! ودخلوا بيتي بعد جماعة . . . مو رائد! مو رائد اللي صوب علي! لأن ما تكلم ولا بين أنه مسؤول عن شي! و دام الحرس مقدروا يلحقونه هذا معناته أنه متعاون مع الحرس!
              عبدالرحمن : فيه حرس من رائد صايرين مع حرسنا والبركة بزياد!
              سلطان : اللي في بيتي أنا متأكد منهم من أول ماجيت أشوفهم! لكن اللي معهم ما عندي خلفية عنهم!
              عبدالرحمن : طيب مسكنا خيط! هو زياد لكن مين اللي وراه؟ مستحيل رائد لأن لو رائد كان عرف بموضوع عبدالعزيز من البداية !
              سلطان : الطرف الثالث مافي غيره! بس لو أعرف مين والله لأطلع حرة سنة كاملة فيه
              عبدالرحمن يحك عوارضه وهو يتعمق بتفكيره : بس ليه دايم الملفات اللي نفقدها تتعلق بسليمان و صالح بس؟
              سلطان : ومقرن! يقول أنه طالب أسماء ناس عشان يراقبهم! وكل هالأسماء تتبع رائد .. فيه خونة من الطرفين
              عبدالرحمن : واللي يقدر يساعدنا هو مقرن! أنا متأكد من هالشي لكنه أختفى مدري ليه يختفي بهالوقت!
              سلطان : يمكن مثل ما قال بومنصور أنه تحت التهديد!!!
              عبدالرحمن تنهد وهو يمسح على وجهه : بس لو يخلينا نكلمه كان حليناها بسهولة!
              دخل الدكتور مقاطعا : السلام عليكم
              : وعليكم السلام
              الدكتور : شلونك يا بو بدر ؟
              سلطان : تمام
              الدكتور يأخذ ملفه المعلق بنهاية السرير : لا فحوصاتك تمام الحمدلله .. إن شاء الله بكرا راح نكتب لك إذن بالخروج
              سلطان : ما ينفع اليوم؟
              الدكتور بإبتسامة : الصبح لو تبي عشان نسوي لك الفحوصات الأخيرة لكن خلك اليوم
              سلطان : طيب
              عبدالرحمن : أنا رايح .. تامر على شي
              سلطان : سلامتك وبلغني بس يصير شي
              عبدالرحمن : إن شاء الله .. بحفظ الرحمن .. وخرج.

              ،

              دخل بعد أن تلقى أقسى صفعة بحياته، لم يتوقع من ناصر أن يفعل به كل هذا، حقده سيطر عليه حتى أفتعل عليه هذه المصائب ولو أنني أدرك بأن خلف هذه المصيبة رجال سليمان وليس ناصر وناصر مجرد إسم ليمرر به، كيف أحل هذه الديون الان التي أبتليت بها؟ نظر لوالدته ليتحامل ويبتسم لها : مساء الخير
              : مساء النور
              تقدم نحوها ليقبل رأسها وينزل للأسفل قليلا ويقبل جبينها العطر، جلس عند أقدامها وهو يضع يديه على ركبتيها : شلونك اليوم؟
              والدته بإبتسامة : بخير الحمدلله .. تعشيت؟
              فيصل : إيه الحمدلله . . وين ريف؟
              والدته : طلعتها معي للسوق ورجعت دايخة ... زواجك ما بقى عليه شي وللحين ما سويت شي؟
              فيصل : بتسكن هنا ماراح نطلع! .. كم بقى على العيد ؟
              والدته : الأسبوع الجاي يا روحي
              فيصل تنهد لتردف والدته : مفروض تكون أسعد إنسان هالأيام
              فيصل بإبتسامة : ومين قال أني ماني سعيد؟ بس لأن عندي أشغال فقمت أحاتيها
              والدته : طيب وش رايك تاخذ بريك من كل هالأشغال وتسافر مع هيفاء تشم هوا جديد وبعيد عن كل هالمشاكل
              فيصل : ليتني أقدر! بس عندي شغل مقدر أهمله
              والدته بضيق : يعني يوم بغيت أفرح فيك تشغل نفسك بهالشغل اللي ما يخلص!
              فيصل تنهد : وش أسوي! بعدين تتراكم علي وانا ماثق في أي أحد
              والدته : طيب أهم شي أشوفك بالبشت وأفرح فيك
              فيصل بإبتسامة تسرق من تفاصيل والده الكثير : بتفرحين فيني إن شاء الله وبتفرحين بعيالي بعد
              والدته وتعيش الحلم بلهفة : يالله يا فيصل بروحي أحسبها يوم يوم والحين بحسب بعد متى يجون عيالك
              فيصل ضحك ليردف : الله يرزقنا الذرية الصالحة
              ،

              بإبتسامة حانية وقفت بعد أن وضعت الطعام على الطاولة : يالله يا عمري شدي على نفسك وأكلي ..
              مهرة بحرج : إن شاء الله .. تعبتك معي ما تقصرين
              ريانة : هالرسمية مفروض ما تكون بين الأم وبنتها
              مهرة أبتسمت بشحوب ملامحها : الله يحفظك ويخليك لنا
              ريانة : امين .. يالله تصبحون على خير . .
              يوسف يقبل رأسها : وأنت من أهل الخير . . خرج مع والدته لتلتفت إليه . . أنتبه لها يا يمه
              يوسف : إن شاء الله لا توصين حريص
              والدته : وخلها تاكل مو زين تهمل صحتها وهي تعبانة
              يوسف : إن شاء الله
              والدته وهي تشعر بحزن إبنها ولمعة الوجع في عينيه : الله يعوضك بالذرية الصالحة
              يوسف : امين . . . راقبها حتى دخلت لغرفتها ليعود لمهرة التي جلست حتى تأكل.
              جلس بمقابلها : ما خبرتي أمك؟
              مهرة : لا . . رفعت عينيها . . متى ما رحت حايل قلت لها! .. بتوديني صح ؟
              يوسف بضيق : طيب
              مهرة أنتبهت لنبرته : إذا مشغول هالأسبوع عادي بعد العيد
              يوسف ويمرر يده على رقبته التي تضيق عليه : لا عادي
              مهرة تركت الملعقة وهي تستشف أمرا بعينيه : صاير شي؟
              يوسف بهدوء : لا .. كملي أكلك لا يبرد
              مهرة تنظر إليه بريبة : إلا صاير شي
              يوسف : مو صاير شي بس ما نمت ومزاجي مش ولا بد
              مهرة : طيب خلاص نام أنا بنزل الصحون تحت
              يوسف : لا بنتظرك
              مهرة بهدوء أردفت : ماتبيني أروح حايل؟
              يوسف صمت لثواني طويلة حتى يردف : أهلك ماراح أمنعك منهم!
              مهرة : فيه أحد من خوالي مكلمك؟
              يوسف بإبتسامة : ملاحظة أنك تسألين اليوم كثير!
              مهرة : مدري أنت شككتني!!
              يوسف : أنا بس ما ودي تروحين لهم وأنت تعبانة! يعني أنتظري لين ترجع لك صحتك زي أول وأحسن وبعدها روحي لهم! لأن ما أظن الجو هناك جو صحي وأنت عندك مشاكل مع زوجات خوالك وبناتهم
              مهرة عقدت حاجبيها : بس ودي أشوف أمي.
              يوسف : طيب مثل ما تبين ..


              تعليق

              • *مزون شمر*
                عضو مؤسس
                • Nov 2006
                • 18994

                رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                ،

                في مكتبه لم يستطع أن يسيطر على أعصابه المشدودة ليصفعه بقوة حتى أدمى شفتيه، لم يفكر عبدالله أن يوقفه تركه يفرغ قهره على عائلته به. ليشده من ياقته التي أحمرت : كلمة وحدة ماراح أعيدها مين اللي أرسلك؟ لا تقولي رائد عشان ما أنهي لك حياتك!!
                زياد لا يجيبه، لا ينطق بكلمة وهو مرمي على الكرسي ينتظر الموت ولا ينتظر أن تكشف الحقيقة، بغضب عارم : واحد . . إثنين . . . ثلاث . . أربع . . . خمسة . . ستة . . . يخرج من جيبه السلاح ليوجهه لزياد . . . سبعة . . ثمانية . . . تس
                بصوت ضيق : أسامة
                عبدالرحمن : اسامة مين ؟
                زياد : أسامة محسن
                عبدالرحمن بنبرته الجادة المائلة للحدة : و إيش سويت؟ . . يتجه نحو درجه بمراقبة عبدالله الصامت، أخرج الة التسجيل ليشغلها . . : يالله أنا أبغاك تقولي وش سويت من الألف إلى الياء
                زياد بهدوء : ما أعرف شي .. اللي فوق أسامة ما عندي خبر عنه
                عبدالرحمن يسحب كرسي ليجلس عليه : معليه بتعرفه إن شاء الله . .
                عبدالله بسخرية : نذكرك فيه
                زياد : طلبت من أمين الأرشيف ياخذ إجازته السنوية وإلا بنلبسه سرقة أوراق سرية وبنورطه
                عبدالرحمن : و نائبه ؟
                زياد : ماعنده علم بشي لأنه يثق فيني ويخليني ادخل
                عبدالرحمن يلوي شفته : وش علاقتك بمقرن؟
                زياد : مالي علاقة فيه
                عبدالرحمن : كمل الكذب عشان أكمل عليك بعد
                زياد بربكة : والله مالي علاقة فيه
                عبدالرحمن ينظر لعينيه بحدة أربكته جدا : وش علاقتك بمقرن؟
                زياد : مالي علاقة فيه
                عبدالرحمن : أغير صيغة السؤال وش تعرف عن مقرن؟
                زياد : ولا شي
                عبدالرحمن بحدة : وش تعرف عن مقرن؟
                زياد : ما أعرف شي
                عبدالرحمن يكرر بطريقة مستفزة : وش تعرف عن مقرن؟
                زياد بعصبية : ما أعرف شي
                عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن ؟
                زياد : ما أعرف .. ماأأأأعرررررررررررف
                عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن يا زياد!
                زياد يعود لنبرته الهادئة بعد إشتعال الغضب بها : ما أعرف شي عنه
                عبدالله : نغير الصيغة مرة ثالثة ونقولك يا زياد! مين اللي يهدد مقرن ؟
                زياد بتوتر : ما أعرف .. ما أعرف شي عن مقرن
                عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن ؟
                زياد بصراخ : ما أعرف شي
                عبدالرحمن بهدوء : وش تعرف عن مقرن ؟
                زياد أخذ نفسا عميقا وهو يغمض عينيه : ما أعرف شي
                عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن ؟
                زياد بصراخه العالي : ما أعرف . . مدري عن شي
                عبدالرحمن : وش اللي ما تدري عنه ؟
                زياد : مدري . . مدررري
                عبدالرحمن : وش اللي تبي تعرفه عن مقرن؟ . . كذا السؤال تمام؟
                زياد يشعر بأن الذي يجري بخلاياه عبارة عن دماء مغلية : ما أبغى اعرف شي
                عبدالرحمن : مين اللي هدد مقرن ؟ . . عسى دخل مخك هالسؤال!
                زياد بوجع يود لو يضرب رأسه بالجدار، هذا الإستفزاز لا يتحمله وهو رجل هادىء الأعصاب لا يستطيع أحد بسهولة أن يستفزه، كان يعرف أن الوقوع بقبضة عبدالرحمن أمر أشبه بالعذاب النفسي الذي لا ينتهي.
                عبدالرحمن : مين اللي هدده؟
                زياد : ما أعرف
                عبدالرحمن صفعه بقوة : كذبة ثانية وماراح يصير لك طيب! راح نشهر فيك عشان تكون عضة وعبرة لغيرك! . . أستوعب الموضوع مخك ولا للحين ؟
                زياد تنهد : ما أعرف
                عبدالرحمن : واحد . . إثنين . . ثلاث . . أربع . . خمس . . ست . .
                زياد يصرخ بقهر : سليمان
                عبدالله ضحك بشدة حتى أتضحت أسنانه ليردف : برافو يعني تذكرت الحين!
                عبدالرحمن أبتسم بهدوء : سليمان الفهد، طيب يا عيال اللي مانيب قايل! . . وقف ليلتفت لعبدالله . . يا فرحة سلطان . . أخرج هاتفه : طبعا يا زياد الحين اللي بيتولاك سلطان مالي علاقة فيك
                نظر إليه بربكة وهو يعرف أن الجحيم الاخر إسمه – سلطان بن بدر –
                عبدالرحمن : ألو
                سلطان : هلا
                عبدالرحمن : لك عندي بشارة!
                سلطان بلهفة : وشو؟ .. عرفتوا مين ؟
                عبدالرحمن : سليمان الفهد ورى كل هذا ! ومهدد مقرن زي ما توقعنا
                سلطان شعر بأن كل شيء يبتسم له بدقيقة واحدة : وش ينطرني لبكرا! أبي أجيكم
                عبدالرحمن ضحك ليردف : موعدنا بكرا إن شاء الله .. بدت تمشي أمورنا
                سلطان : اللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه
                عبدالرحمن بإنتصار حقيقي ولذة هذه الإنتصار تسري بأوردته المقهورة : الحمدلله .. نام زين عشان تصحصح بكرا
                سلطان أبتسم : وين يجيني النوم! أبي أشوف بس زياد أطلع حرتي فيه بعدها يصير خير
                عبدالرحمن : لا أفا عليك ما قصرت فيه
                سلطان : كفو والله . .
                عبدالرحمن : يالله تصبح على خير .. بشوف هالبلوة اللي قدامي!
                سلطان : وأنت من أهله ، مع السلامة . .
                عبدالرحمن ينظر إليه : تدري وش جرايمك! أولا إحتيال ثانيا إفساد ثالثا زرع الفتنة . . عاد الله أعلم القاضي كم بيصكك سنة! وأدعي ما يكون فيها تشهير بعد!
                زياد برهبة : أنا بس . .
                عبدالرحمن بقهر : أنت بس إيش؟ هذي بلدك! مفروض تخاف عليها أكثر من نفسك! وش أستفدت؟ شوية فلوس طيب تعال لنا نوظفك وكل سنة تستلم زيادة وعلاوات! قولي وش اللذة بأنك تخون بلدك! فيه أحد يخون نفسه؟ فيه أحد يخون الأرض اللي رفعته؟ . . لا تبرر ما فيه أي تبرير يخليني أقول حرام مسكين! أنا بناتي الحين ما أدري وش صاير فيهم والبركة في مين؟ فيك! تعرف ليش؟ لأنك سكت ولأنك ساعدت! واللي يسكت عن شي فهو مجرم! فما بالك باللي فعل؟ . . صدقني أقسى العقوبات راح تكون على ظهرك وبتعرف ضريبة الخيانة زين! أنك تخون أشخاص ممكن نقول نعفو ونسامح! لكن أنك تخون وطن لا والله لا تذوق حر الخيانة بعيونك!

                ،

                بإبتسامة صافية أستلقت ليتناثر شعرها في حجر حصة، خلخلت أصابعها بخصلاتها الطويلة، حصة : تعرفين فيه أغنية كنا نغنيها دايم .. على هالجو يبي لنا نسمعها .. بس ترى الكلمات مضروبة لأن ماهي لأحد يعني إحنا أخترعناها
                الجوهرة وهي تنظر للفراغ الذي أمامها : وشو .. سمعيني
                حصة بصوت خافت عذب تلاعب شعرها : هذا الأسمر يا ميمه روح لي قلبي . .
                الجوهرة بضحكة تقاطعها : أعرفها أعرفها هي عراقية أذكر يوم طحنا في اللهجة العراقية كانوا يغنونها البنات بالمدرسة . .
                وبصوت هادىء مبحوح تكمل الجوهرة : هذا الأسمر يا ميمه روح لي قلبي ، ضليت أعد له الجية وهو كاتلني بعينه
                حصة بإبتسامة شاسعة : يا ميمه عيونه كتالة . .
                الجوهرة ويأت على بالها سلطان بسمرته الواضحة و عيناه – القتالة – فعليا، تغني حصة وتدخل هي في دوامته، أتلاحظ أني أشتقتك؟ وأن يوما كاملا دونك لا يجب أن يدرج في أوراق التقويم! تبا لوسامتك يا سلطان كيف أتجاهلك؟
                : وأنا لعيونه هذا الأسمر يا ميمه أروح له فدوة . .
                الجوهرة ألتفتت عليها لتقف وشعرها متناثر لتندفع بعاطفتها : بروح أكلم سلطان . . .
                حصة بضحكة : مين اللي قال ماراح أكلمه خل يحس على دمه!
                الجوهرة : أنا كذابة وشكرا لأنك تذكريني بهالشي
                حصة أبتسمت : يارب يارب يارب يا الجوهرة يا بنت عبدالمحسن أسمعك اليوم قبل بكرا تبشريني بالبيبي
                الجوهرة تجمدت أصابعها على الهاتف لتلتفت إليها والحمرة تهرول بجسدها : وشو!!
                حصة : أدعي لك ..
                الجوهرة أرتبكت بتوتر شديد : طيب . . رفعت السماعة . . تهقين نايم ؟
                حصة : دقي بس مهو نايم
                الجوهرة : إذا رد وصوته مليان نوم بخليك تكلمينه
                حصة : طيب ولا يهمك الحين دقي
                الجوهرة بهدوء تضغط على أرقامه لتطيل الثواني الشاهقة ولم تسمع صوته : شكله نايم
                حصة : لا أنتظري مستحيل ينام بهالوقت!
                رفع الهاتف سلطان وصمت بهدوء وسكينة الجدران التي حوله وهو يسمع أحاديثهما، غرقت الجوهرة بنبرة حصة ونست الهاتف عند أذنها تنتظر إجابته.
                حصة : وش دعوى ينام الحين! هو ما ينام الا بعد صلاة الفجر
                الجوهرة : يمكن نام بدري اليوم أو تعبان!
                حصة : بسم الله عليه مو تقولين صار أحسن وعمك قال بعد
                الجوهرة : إيه بس أخاف يخبون علينا ....
                حصة بهدوء : لا تخليني أوسوس الحين
                الجوهرة بضحكة : هذي من أغنيتك ما يجي منها خير
                حصة بإبتسامة : حافظتها أكثر مني يالخير
                الجوهرة بمثل إبتسامتها تدندن بمجاراة لها : هذا الأسمر يا ميمه عيونه كتلتني
                حصة بخبث : هذا سلطان لو سمحت
                الجوهرة : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههه
                : والله الضحكة قتلتني
                الجوهرة بربكة عارمة عادت للوراء ليسقط الهاتف وتدفع المزهرية التي تتوسط الطاولة حتى تناثر زجاجها حولها.
                حصة كادت تموت من ضحكاتها الصاخبة، مجرد صوته فعل بها كل هذا، رفعت الهاتف لتجيب سلطان : هلا بالغالي
                سلطان بإبتسامة : هلابك . . وينها؟
                حصة : ذابت
                سلطان بضحكة أردف : وش تغنون ؟ خربتيها
                حصة : ما خربتها والله! أصلا مهي أغنية يعني كذا قصيدة مغناة . .
                سلطان : طيب عطيني إياها
                حصة : أول قول لنا وش أخبارك؟
                سلطان : عال العال
                حصة : عسى دوم .. طيب فرحنا معك
                سلطان : متى يصير مزاجي عال العال ؟
                حصة : إذا مشى شغلك . . طيب خذها خربت لنا الصالة . .
                الجوهرة ووجهها يصخب بالحمرة والحرارة، تنحنحت وهي تهمس : مدري كيف ما حسيت فيه . . ألو
                سلطان أطال بثواني صامتة حتى أردف : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                شعرت بأنه يستهزأ بها لتردف بهدوء : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                سلطان بخفوت : مين اللي عيونه قتلتك ؟
                الجوهرة أبتسمت وهي تلاحظ نظرات حصة التي تبث بها شغف الخبث : أسأل عمتك وش يعرفني فيه
                سلطان : طيب غنيها خليني أسمعها كاملة
                الجوهرة : ماني حافظتها
                سلطان : يا كذبك!
                الجوهرة بتضييع للموضوع : كيف حالك اليوم ؟
                سلطان : بكرا إن شاء الله بطلع
                الجوهرة : الحمدلله .. مو قالوا اسبوع؟
                سلطان : لا الفحوصات تمام
                الجوهرة : بتنور بيتك
                حصة همست : بيطلع ؟
                الجوهرة هزت رأسها بالإيجاب لتردف : طيب ما أعطلك .. تامر على شي
                سلطان : غنيها لي يا بخيلة
                الجوهرة : صوت عمتك أحلى
                سلطان : أبي أسمع بصوتك!!
                الجوهرة بإستلعان رتلت بصوتها الخافت : إذ يغشيكم النعاس امنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام.
                سلطان : تصبحين على خير
                الجوهرة : هههههههههههههههههههههههههههههههههه وأنت من أهله
                سلطان : تعرفين تحجرين للواحد
                الجوهرة : أتعلم منك
                سلطان بوعيد خافت : لاحقين لاحقين .. أنتظريني بكرا
                الجوهرة بتوتر : طيب تبغى شي ثاني
                سلطان أنهاها بضحكته التي لا تسمعها كثيرا ليغلقه دون أن ينطق شيئا، الجوهرة : سكره بوجهي
                حصة : هههههههههههههههههههههههههههههههه تصير بأحسن العوائل

                ،

                في أطراف الليل كانت تستلقي عند المدفئة الجدارية وهي تتأمل بالنار التي تحرق الحطب، وتشعر أنها تصعد بها حتى تحرقها، تتناثر دموعها وقد أعتادت الدمع في الأيام الأخيرة، مددت أكمامها لكفيها الباردة وهي تبصر اللاشيء، كل الأشياء تتوافد من خيالها المبحوح بحزنه، كل الأشياء تقف عند قلب عزيز و نبرته مازالت تتردد في عقلها " أنتبهي لي " ، كيف تتطمئن عليه؟ كيف تعرف أخباره؟ كيف تشعر به بعمق أكثر! عادت ذاكرتها للأيام التي غادرت بها أثير باريس لتخرج معه بهدوء دون إستفزاز، كانت الريح تهب من كل جانب حتى وضع ذراعه على كتفيها. أبسط الأشياء منك تكون حميمية بصورة كارثية لقلب بكر حين جرب الحب كنت أول تجاربه ويبدو أنك اخرها . . . تلك الحديقة موبوءة بك . .

                ،

                ثبت كتفيها لتصرخ باه مقتولة، تحاول أن تقاومه و الدموع لا تنفك من تشتيت بصرها، شعرت بأن يديها تنكسران وهما تحاولان دفعه، ضاقت أنفاسها لتهمس بوجع : لا

                ،

                تبحث بكل زاوية عن أوراق توصلها لشيء، و عن أرقام تكشف لها أي شيء، كانت تفتش أوراقه بلهفة لمعرفة ما يحدث بحياتها وتجهله، سمعت صرخته لتتجمد أصابعها على الطاولة الخشبية . .
                غرز السكين حتى شعر بأن الروح تصعد . . .

                ،


                أنتهى البارت

                تعليق

                • *مزون شمر*
                  عضو مؤسس
                  • Nov 2006
                  • 18994

                  رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                  إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()



                  رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طيش !
                  الجزء ( 66 )


                  المدخل ل سعد علوش .


                  اطغي اطغي .. خلي الغابات تتسلف خضارك ..
                  بس تترك اصفرارك..
                  ل ابتسامات المجامل ولوقارك
                  واتركي لعشاقك الموتى حمارك
                  او بالاحرى... احمرارك

                  لاتلومينا مجانينك نحبك
                  لا طغيتي .. لازعلتي .. لاحكيتي .. لامشيتي
                  انتي مسكينه ومظلومه ومعذوره ليامنك نسيتي
                  لانك انتي اللي فقط...
                  ماشفتي نفسك لاحكيتي
                  لانك انتي اللي فقط
                  ماشفتي نفسك لا مشيتي

                  يادمارك
                  ياوقوف العالم الثالث على شرفة زرارك

                  انتي مثل الظلم والاجحاف بس انتي لئيمه
                  هم طبيعتهم عدائيين بس انتي رحيمه
                  مابدر منك جريمة
                  انتي بالفطرة بدون سلاح ومقاتل جريمة
                  وانا بالفطره احبك ياعظيمه ...
                  بذبولك وازدهارك...وانصهارك


                  تلك الحديقة موبوءة بك، بصدري يتغنج الحب ويثمل، بصدري يموت الحب ويحمل على نعشه، إني أحبك على الرغم من كل شيء، كيف أصبر؟ علمني أن أصبر على عينيك و نظرة عينيك ولمعة الحب في عينيك، أعترف بشناعة حقدي عليك من تلك الأنثى التي كنت أراها بك، ولكنني أعرف أنك تحبني، لن أنكر أنك لم تحبني يا عزيز، مهما حاولت أن تقول لن تستطيع أن تظلل عيناك وهي تراقبني في كل لحظة أشرد بها، لن تستطيع أن تخفي إبتسامتك الضيقة وأنت تنظر لي بعين معجبة، لن تستطيع أبدا أن تخفي أمر يديك وهي ترتعش بكفي وتسكن، لن تستطيع يا عزيز أن تخفي الدم الذي يجري بعروقك مني، أنا التي لم أفعل شيئا بحياتي يستحق الذكر سوى أنني أعطيتك من دمي و أحببتك بكل جوارحي، أنا واقعة بك، واقعة جدا يا عبدالعزيز.
                  يكفيني من هذه الدنيا أن تضل بجواري، يالله! على الندم المهرول بي، يالله على كل اللحظات التي ضاعت بيننا!، مرة أخرى أنا أحبك بكل شتائم هذا الكون التي تبادلناها، بكل كلمة سيئة نابية خرجت مني، " أحبك كثيرا يا أسوأ شخص نمارس معه الحياة ويا أجملهم بالحب " أحبك بطريقة عشوائية خالية من التهذيب، أحبك بفوضوية لن أفكر يوما بأن أرتبها، تبا لوسامتك لن تترك لي فرصة بأن أتخلى عنك، هذا الهواء الذي يعبرني، هذا البرد الذي ترتعش معه أطرافي يغمض عيناي لأتخيلك، أتخيل تفاصيلك وأنسى وحدتي، أنسى الفراغات التي توزعني بقوالبها دون أن تعطف على قلبي، كلماتك تستعيد نبرتها في صدري، ضحكاتك تتمثل أمامي و " وين تبين تروحين ؟ - جهنم. كويس بطريقي " و الشوكلاته والمقهى الذي لن أنساه أبدا وإبتسامتك التي أسقطتني بفخها ولم أستطع أن أغضب! قلتها بكل هدوء ولم تعلم أنك سلبت قلبي " فيه شي هنا *تشير لأنفك* " يالله يا عزيز كم كانت الأيام بيننا تضج بالعفوية والضحكات المستفزة، كنت على الأقل " لا أحبك بهذه الصورة المسرفة ".
                  غطت جسدها بالشال الصوف لينام عليها بخمول الدفء الذي تسرب بين الجدران، ألقت نظرة أخيرة من بعيد على ضي الساكنة بهدوء، التعب واضح على ملامحها والشوق لوالدها واضح جدا، من قال أن الحب يتقيد بعمر؟

                  ،

                  فتح الباب ليتجه نحوها بخطوات سريعة مهرولة، صدرها يرتفع بعلو شديد و أنفاسها تضطرب ببكاء مصعوق كغيمتين تكهربتا بالبرق، ثبت كتفيها لتصرخ باه مقتولة، تحاول أن تقاومه و الدموع لا تنفك من تشتيت بصرها، شعرت بأن يديها تنكسران وهما تحاولان دفعه، ضاقت أنفاسها لتهمس بوجع : لا
                  شعر بحتمية الحزن وهو يحاول أن يوقظها من كوابيسها الرمادية، تمنى لو يحفظ اية يرتلها على جبينها، كم من السكينة تفوتني وأنا لا أحفظ شيئا من القران المنزل؟ كم من حياة ضائعة وأنا لا أحفظ شيئا أرتله على جبين روحي. لو اية فقط تشهد لي يوم لا ظل إلا ظله ؟ لا أعرف على من أحزن بالتحديد؟ على نفسي أم على حبي أم على حظي أم على والدي أم على . . عبير ؟
                  فارس بضيق يبلل يده ليمسح على وجهها، تلفظ كلمات متداخلة لم يفهم منها سوى " يبه "، وأشعر بك! صدقيني أشعر بالحزن الذي تتفوه به شفتيك و بكلمة – يبه – التي تتشبث بلسانك، أشعر بالوجع الذي يجعلك تشعرين بالوحدة الشاهقة، أنا الذي لم أعرف معنى ل - أب – ولا – أم - ، ولم أعرف شيئا إلا أنني فهمت كيف أحب، في اللحظة التي تخلصت بها من وحدتي عرفت أنني وقعت بك وبحبك، عرفت لحظتها معنى للعالم، للورد الأبيض، للعطور الناعمة و الليالي الباردة، عرفت كيف للدفء أن يأت من عيني أنثى! و عرفت كيف للحياة أن تأت – عبيرا -.
                  من يعيد لي أبي؟ من يعيدني إليه؟ أنا التي لم أعرف الإنسلاخ منه منذ أن عرفت ميلادي، نضجت على يديه وعرفته أبي وأمي وأخي وصديقي و حبيبي وحياتي وكل حياتي، كيف أنام بهناء و " عين – أبوي – ماهي هنا؟ ".
                  لم تستغرق بنومها كثيرا، هي ساعة وأقل حتى أستيقظت بشعور ميت يرثي نفسه بالدمع، نظرت لفارس بعد أن أستيقظت تماما بعينيها اللامعتين، و إن برعت بشيء هذه الأنثى! ستكون براعتها في عينيها والله العظيم، هذه اللؤلؤتان مصيبة والشواهد إن أعددتهن كثر.
                  بقهر لم تعرف كيف تسيطر على عقلها الذي بدا يعيش أرق الغياب عن عائلتها، لم يعد لها قدرة أن تتحمل كل هذا وأن تبقي هذه الأعصاب المشدودة بحال أفضل من هذا، ضربته على صدرها بيديها وهي تصرخ : أبعد عننني ما أبغى أشووووفك
                  أبعدت كفيها بعد أن شعرت بأنها تضرب حديدا وليس جسد، لتشد بقبضة يديها على الفراش وهي تحاول أن تمتص حزنها، أن تمتص كل هذه الشحنات وتعيش ببرود فقط، أن تنعم ببعض البرود واللامبالاة، أنحنى رأسها وشعرها الطويل من كل ناحية يواسيها.
                  فارس الذي يجلس على طرف السرير بقربها ألتزم صمته وأكتفى بمراقبتها، بمراقبة قطرات الندى بين هدبيها.
                  رفعت عيناها المشتعلة بالغضب، وبنبرة مختلطة بالبكاء : ممكن تطلع؟
                  فارس : لا
                  أتسعت محاجرها المحمرة بدهشة و لا يفصل بينهما سوى سنتيمترات قليلة، أبعدت وجهها للجهة الأخرى وهي تردف : الله لا يسامحك
                  فارس لوى شفته السفلية بأسنانه ليردف : الله يسامحك على قلبك الحين!
                  عبير وضعت يديها على رأسها وهي تحاول أن تضغط عليه من كلا الجانبين حتى تخف حدة الحزن الذي يتوسطها، تشعر بحاجة تقطيع شعرها، تكره هذا الشعر الأسود في هذه اللحظة وهذا الجسد بأكمله، تكره نفسها التي تحبه : كرهتني بنفسي بكل اللي حولي خليتني أحس بالنقص من الكل وأخاف من الكل حتى من ظلي .. وعقب كل هذا تستغلني بس عشان إسمي ماهو عشاني عبير! . . أنا أكرهك .. منقرفة منك .. ومنقرفة من حالي . . وماني طايقة أشوفك ولا طايقة أسمع صوتك . . أبيك تبعد عني وعن حياتي!
                  فارس : تصدقين الكذبة اللي أنت مخترعتها! وقلت لك للمرة المليون لو ما كنت جبتك راح يجيبك أبوي! بكلا الحالتين كان راح يكون مكانك هنا لكن أنا . . . ولا ما يهمك تعرفين وش أبي ؟
                  عبير بحدة : ما يهمني
                  فارس يقف وهو يشير إليها بالسبابة : تعرفين والله تعرفين أنك قاعدة تكذبين وتحاولين تصدقين أي شي عشان تقهرين فيه نفسك قبل لا تقهريني!
                  عبير تنظر إليه ولنبرته الغاضبة، لصوته الثقيل عليها وثقيل على قلبها، بنبرة خافتة عنيفة : مهما خليتوني هنا ومهما صار! في الوقت اللي أشوف فيه ابوي صدقني ماراح يكون مالك وجود في حياتي هذا إن كان لك وجود من الأساس!
                  فارس بإستفزاز لقلبها : طبيعي ماراح يكون لك حياة ثانية عشان يكون لي وجود فيها ! بتكونين مشغولة في حياتنا *نطق كلمته الأخيرة ببطء شديد*.
                  عبير : أطلع برا . . أطلع . . *علت نبرتها بصرخها* أطللللللللع
                  فارس بثبات يقف ويريد أن يروضها الان : تفهمين شي واحد أنه هذا الشي مو بإرادتي!
                  عبير ببكاء تردد : أطلع . . أطلع . . ماأبغى أشوفك
                  فارس بتجاهل لكل توسلاتها : ما أستاهل منك كل هذا يا عبير! تذكري هالشي . . . . سحب المفتاح على السرير ليشد خطواته نحو الباب، وقف دون أن يلتفت إليها، أطال بلحظاته حتى فتح الباب وخرج.
                  أنفجرت ببكائها، لا تحتمل أن تراه بعد كل هذه الفترة التي كانت تترقب بها فقط حرف من إسمه، يأت الان بكل ضراوة وعنف لقلب بكى عليه ومنه لأشهر لا تنسى بسهولة.

                  ،

                  تبحث بكل زاوية عن أوراق توصلها لشيء، و عن أرقام تكشف لها أي شيء، كانت تفتش أوراقه بلهفة لمعرفة ما يحدث بحياتها وتجهله، سمعت صرخة تجهل من أي حنجرة خرجت، هذه الصرخة التي لا توحي إلا بأنها تنتمي إليه، لتتجمد أصابعها على الطاولة الخشبية التي وضعت بها صورها معه، صور لا تعلم بأي شعور كانت تحمل، وبأي قلب كانت تنبض.
                  غرز السكين حتى شعر أن الروح تصعد لعنقه، سقط على بطنه حتى تناثرت الدماء حوله، سارت بخطوات بطيئة متوجسة لتقف عند باب الغرفة بقدمين ثقيلة تيبست على أرض لا تتزن بهذه اللحظات وهي تنظر للجسد الملقى، بلعت غصتها لترتبك أسنانها المتعاركة فيما بينها، تنظر بعين تتسع بالدهشة، بالخوف، وهي تهمس بدمعة هزيلة : ناصر!
                  نظر للدماء باللاشعور! قتل شخصا هذا ما يأت في باله الان، قتل نفسا، روحا، عينين و حواس اخر، قتلها بيديه، هل يسامحني الله بحجة الدفاع عن نفسي؟ هل هذا صحيح؟ هل ما أفعله الان صحيح!
                  تعدت أقدامه جسده ليسير بخطوات سريعة بإتجاه غادة : راح نطلع الحين .. بسرعة ألبسي
                  غادة بصدمة : قتلته ؟
                  ناصر يلتفت إليها بعينين محمرة وأطرافه ترتعش من كلمة "قتل " : مافيه وقت .. بسرعة
                  غادة تتراجع بخطواتها لتنظر إليه كيف يخرج الشنطة الصغيرة ويضع بها بعض القطع ويخرج الجوازين، بإستغراب : هذا جوازي؟ كيف طلعت لي جواز؟
                  يتجاهل أسئلتها ليغلق حقيبته دون أن يرتب شيئا بها بعد أن وضع ملابسها أيضا، رفع عينه لها ليسحب معطفا ويمده نحوها : ثلث ساعة قدامنا عشان نوصل للمترو . .
                  غادة تضيء عينيها بالدمع وهي لا تعرف أي مجهول ينتظرها، كيف تتكهن بمستقبل إن لم يوجد لها حاضر من الأساس.
                  أرتدت معطفها لتنظر له وهو يضع بجيب حقيبته صورهم و الأقراص التي حبست أصواتهم و صورهم، نزلت دمعتها وهو يعطيها ظهرها ليدخل في جيب جاكيته – ورقة – كان خطها يتوزع بها.
                  ألتفت عليها ليطوقها من يدها ويخرج معها تاركا الشقة و باريس و الحياة التي كان من اللازم أن يعيشها هنا، مثل ما تريدين يا هذه الأرض، تركتني أعيش على حزني أياما ولم تغتسلي بعد من وعثاء ذنبي، مثل ما تريدين أنا راحل ولن أختارك مرة أخرى! لن تكوني في جدول عمري مرة أخرى وأنا الذي ظننت أسفل غطاءك قبر حبيبتي وأنا الذي ظننت أني كتبت على سماءك في ليلة البكاء تلك " بحفظ الرحمن يا غادة يا قصيدتي الأبدية، فالشعر من بعدك رثاء لا يتزن شطره "، أنا الذي لم أنضج شعرا إلا عندما كتبت لها ومنذ رحيلها لم أكتب شيئا يستحق معنى " قصيدة " ، والان؟ أي رثاء ينتظرني؟ هل أرثي نفسي بعدما أستلمت الصفعات تباعا من يد باردة.
                  أوقفه التاكسي عند محطة القطار، ليدخلان وهو يراقب أي قطار سيأت الان، وقف أمام شاشة الرحلات، بعد ساعة ستأت رحلة لندن، ألتفت عليها : أجلسي هنا بس أحجز وأرجع لك . . . تراقب ملامح الراحلين و المارة المسافرين، يا مدينتنا القديمة أنت يا باريس، هي المرات التي غادرتك بها قليلة، منذ أن فتحت بها عيني لم أجد سوى برد باريس الذي كان يغطينا في هرولتنا الدائمة على شوارعها بين المدرسة و شقتنا، لم أكن أعرف شيئا عاطفيا ويستنزف قلبي سوى عد الأيام لمجيء أبي إلينا، كنت أرتفع إليه في كل مرة أراه بها، كنا نحسب الإجازات السنوية من أجل أبي، كنا نعيش في الرياض بأرواحنا من أجل أبي، كنا نقرأ أخبار الرياض لنروي عطشنا لأبي، كنا نسير في شان دو مارس لنقول " نفتقد جسدا اخرا " كنا ننتظر أبي، أدخلنا المدارس الفرنسية ليجلب لنا معلما يعلمنا العربية التي أصبحت ركيكة على لساننا، في كل مرة تضيء باريس في عين أبي كان يعلمنا الفصاحة و إدارة أعمالنا، هذه باريس التي لا تعني شيئا لأحد هي تعني لي الحياة والعمر الذي مضى في كنف أبي، في خبزها المنتفخ و الماكرون الملون، في جدائل الزهر على طريقها و أغنيات الليل بها، كنا نلتقي كثيرا مع أبي في دعاء الصباح.
                  أتى إليها ليجلس بجانبها : راح ننتظر ساعة
                  غادة أخذت نفسا عميقا : مين هذا ؟
                  ناصر : شخص تهجم علي
                  غادة : دام تهجم عليك ليه خفت؟ ليه هربت!
                  ناصر : غادة ممكن ما تسأليني ولا سؤال! تعبان وماني متحمل ولا كلمة
                  غادة تلتفت إليه لتتجمد عينيها أمام قطرات الدم التي تسير من إذنه، بمنديلها التي مسحت به دمعها وضعته على دمه، لا تعرف أي عاطفة جرت نحوه في هذه اللحظات، لم يلتفت إليها بقي ينظر للمارة أمامه.
                  بهمس : تنزف!
                  وضع يده على مكان جرحه بجانب أصابعها بعد أن خدشه بالباب، سحب المنديل من أصابعها ليضغط به على مكان نزيفه، دقائق حتى توقف النزيف بضغطه، ألتفت عليها : بردانة ؟
                  هزت رأسها بالنفي لتردف بضيق : وين بنضيع هالمرة ؟
                  ناصر : لندن
                  غادة : ممكن أطلب طلب؟
                  ناصر ألتفت عليها بكامل جسده وهو يعكف ساق واحدة أسفل فخذه، نظر إليها بعينين تنتظر طلبها.
                  غادة : ليه ما تفكر ببكرا؟ وش ممكن يصير! . . يعني حياتنا!
                  ناصر بهدوء موجع : لما فكرت ببكرا جتني فجيعتي بك، لما فكرت بأيش يصير جت خيبتي من هالدنيا فظيعة! لما قلت بعيش كنت أقول بموت بس بصيغة ثانية . . عشان كذا لا تطلبين مني أني أفكر بأشياء بعيدة لأني جربتها والمؤمن لا يلدغ من جحره مرتين!
                  غادة تنزل دمعة حارة على خدها لتردف بخفوت : طيب وأنا؟ كيف تخليني كذا بدون مستقبل بدون شي! كيف أعيش!
                  ناصر : لا تسأليني! . . كنت أبيك عمر يا غادة ما طلبتك موت!
                  غادة : و انا ما أسألك كيف تبي تموت! أنا جدية بكلامي وبحياتي معك! أنا ماأقولك أتركني وما أبغى أشوفك! أنا مالي غيرك الحين بس أبغى أعرف عن الحياة اللي تنتظرني
                  ناصر يشد على شفتيه بعد أن تورط بقتل إحدى رجالات عمر : ماني متشائم كثير لكن لا تنتظرين شي . . وأسند ظهره على الكرسي ليراقب من جديد اللاشيء الذي أمامه.
                  غادة : ولا أنتظرك؟
                  ناصر بضيق يشعر بأن روحه تلتهب بحرقتها : تنتظريني؟ بدري حيل
                  غادة تمسح دموعها التي أنسابت على خدها بطرف أصبعها : يعني ما أنتظرك تجي على بالي مثل ما أنت متصور؟
                  ناصر بتبلد إتجاه الموت : في الوقت اللي راح تحسين فيه أنك تذكرتيني بيكون الوقت اللي تشبعت فيه من إحساسي بخيانتك لي!
                  غادة بضيق يتحشرج بصوتها : ما خنتك! مو أنا اللي دعيت الله عشان أفقد ذكرياتي معك! أنا خايفة منك ومن هالصور اللي في جيبك . . أنا أحس أني ما أعرفك .. ليه ما تحس بوجعي من هالشي؟ ماني مبسوطة أبد بحالتي هذي عشان تقولي أني أخونك
                  ناصر يزفر بأنفاسه المشتعلة وعينه تثبت في الشاشة التي أمامه : يرحم الله أوجاعي يوم لأجلك عشت في كنفها
                  غادة ببكاء لم تحتمل كلماته التي تجلد قلبها بقسوتها : تظلمني
                  ناصر : الله يسامحني
                  غادة أسندت ظهرها على الكرسي لتبعد أنظارها عنه وهي تغتسل بدمعها بصمت أجبرت عليه، تكتفت وشفتيها تنشد حتى لا يخرج صوت أنينها.

                  ،

                  يقف بكل هيبة أمامهم، و الثقة تزرع في قلبه بطريقة مستفزة لكل من حوله، ينظر للأوراق التي بين يديه، للتطورات التي حصلت بالفترة الأخيرة ليردف ببرود : و بنته الثانية ؟
                  أسامة : مختفية هي و مرت أبوها
                  سليمان صمت قليلا لتهدأ عينيه على الأسطر التي يقرأها، بخفوت يحك ذقنه : وفارس؟ وش نيته؟
                  أسامة : ما راح يأذي أبوه هذا اللي أنا متأكد منه وماراح يأذي عبدالعزيز
                  سليمان تنهد وهو يميل فمه : طيب! . . شف لك صرفة معه
                  أسامة رفع حاجبه : يعني ؟
                  سليمان : تفكك رجال رائد اللي حوله ماراح يتم وفارس موجود! دام ماراح نقدر نستغله ضد أبوه، لازم يبعد .. عاد كيف يبعد أنت حلها
                  أسامة برهبة : بس فارس . .
                  سليمان بحدة : فارس وغير فارس! قلت أبعده
                  أسامة بلع ريقه : عارف لكن فيه طريقة ثانية نقدر نبعده فيه بدون لا نأذيه . . أقصد بدون لا نأذيه جسديا
                  سليمان يجلس ليرقد قدما على قدم : أتكلم هندي؟
                  أسامة بخضوع : مثل ما تامر
                  سليمان ينظر لعمر الغارق بتفاصيل الحسابات ليردف : أتصلت على مقرن؟
                  عمر دون أن يرفع عينه : مثل ما طلبت! بعيد عنهم
                  يدخل الأبيض المنمش بخطوات سريعة وبين شفتيه خبر معلق : امسكوا زياد!
                  رفع عينه عمر بدهشة تسبق دهشة أعين سليمان التي توجهت نحوه.
                  أخذ نفسا عميقا بعد أن أستنزف طاقته: و أعترف من أبوسعود و عبدالله اليوسف! ماني متأكد من هالشي لكن جواله صادروه
                  سليمان : قلت لي عبدالله اليوسف؟ رجع لهم؟
                  يهز كتفيه بعدم المعرفة ليردف سليمان : حتى عبدالله يبي له قرصة إذن!!!!!
                  عمر : وصلهم خبر ناصر؟
                  أسامة : لا .. اخر مكالمة مع زياد قالي أنه ما يدرون عن شي
                  سليمان بإبتسامة : حلو .. أنا أعرف كيف أحرق قلوبهم . . . الحين عبدالعزيز مع بنته كيف لو عرف بموضوع غادة ؟ شكله مافهم الرسالة كويس ويبي لنا نعيدها له بطريقة ثانية! . . .
                  عمر : وزياد ؟
                  سليمان بضحكة إستهتار : السجن للرجال!

                  تعليق

                  • *مزون شمر*
                    عضو مؤسس
                    • Nov 2006
                    • 18994

                    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                    ،

                    في صباح مشمس تتلاعب الريح بورقات الاشجار، بأغنيات الزهر الجاف المهمل على الطريق، تلتفت بجسدها عليه لتتأمل عينيه النائمة بهدوء و شعر وجهه المهمل بجاذبية تتكىء على أبناء نجد الذين ينتمون لجلدها الأسمر، هل أصدق حبك يا يوسف من اجل الجنين الذي ضاع منا أم أصدق حبك من اجل قلبي ولا علاقة لشيء اخر، كنت أريده يالله! كنت أريد أن أحمل بين يدي طفل من رائحة رحمي، أن ينام بيننا كل ليلة وأن يوقضنا ببكاءه كل صباح، تعبت من هذا العمر الذي لم يجلب لي سوى التعاسة، الذي لم يحفظ لي أحدا أنظر إليه بتمعن حتى يشيب! لم أرى الشيب يخط برأس أحبابي، جميعهم غادروا مبكرا وتركوني، كنت أحتاج الرجل الذي يوقف إستخفاف الحزن بي، كنت أنتظر رجلا أفرغ عاطفتي العطشانة، كنت أنتظرك يا يوسف ولكن لم تنتظرني! لم تنتظر أن تقترن بفتاة حائلية كل حياتها تمر كذكرى كل يوم، لم تنتظر أن تقدم لك الفتاة ذاتها. أشعر بإذلال في كل مرة أتذكر كيف تم زواجنا! أشعر بحزن على أمي ومن أمي ولكن لا أتجرأ أن أقوله وهي التي حملتني في بطنها 9 شهور وعانت مني في طفولتي دون أب يشاركها الرعي والإهتمام، لا أتجرأ ان ألفظ حزنا عليها ولكن لا أتحمل كل هذا، لا أتحمل أن ينظر إلي الجميع بنظرة مهينة لي، مهما حاولوا أن يخفوها أنا أراها بعين ريم و هيفاء و نجلاء و الجميع بلا إستثناء.
                    اقتربت قليلا ليفصل بطنه عن بطنها إمتداد قليل كالذي يفصل بين أصابعها، بتهور عاطفتها أقتربت أكثر لتقبل ذقنه الخشن برقة شفتيها، أعتلت حمرة قلبها لتنبض بشدة وهو يحرك رأسه قليلا لليمين و أهدابه مازالت تتشابك بنومه، همست عند اذنه : صباح الخير .....
                    أستغرق ثواني طويلة حتى يفتح عينيه بإنزعاج من ضوء الشمس المتسلل من وراء الستائر، ألتفت عليها وإبتسامتها الصافية تثير إستغرابه بعد أن أعتاد هروبها أسفل الفراش في الصباحات الأخيرة حتى تبكي وتنام من جديد.
                    : صباح النور
                    مهرة تنظر للساعة التي خلفه : تعرف أنه الساعة 10 .. راح عليك الدوام!
                    يوسف يمدد ذراعيه بخمول : ما نمت إلا متأخر .. منصور يغطي علي
                    يطيل الوقت بنظراتهم المتبادلة بصمت قلبيهما، وضع ذراعه خلف ظهرها ليشدها نحوه : بس إيش هالصباح الحلو؟
                    ضحكت بخفوت لتردف : صار لي ساعة أتأملك وأكتشفت أنه وجهك يجيب الروقان
                    أبتسم لينزل ظهرها على السرير وينحني فوقها، قبل غمازتها على جانب خدها اليمين ليهمس على وقع ضحكتها : عساني أشوفها دايم . . أبتعد ليقف وهو ينظر لهاتفه وإتصالات منصور المتكررة، تأكد أن والده لم يأت للشركة ما دام لم يتصل، فهذه الفترة مشغول بعمله السابق، تركه على الطاولة وألقى نظرة مبتسمة لمهرة ودخل الحمام.

                    ،

                    يمسح وجهه بعد أن أستنزفت قواه للتو من الكشوفات الأخيرة، رفع عينه بتثاقل : كلها بإسم ناصر!
                    : إيه . . لكن على حساب ثاني
                    فيصل بضيق : قاعد يورط نفسه ويورطني معه . . . .
                    : عندنا لنهاية الشهر الجاي لازم نسدد كل هالديون اللي أستعملها ناصر بإسمنا
                    فيصل تنهد : حاول تمدد المدة، أتصل عليهم اليوم وأطلب منهم أنك تجتمع فيهم .. واللي يرحم والديك يا مساعد حاول بأي طريقة تتمدد الفترة!
                    مساعد :أبشر راح أحاول . . تامر على شي ثاني
                    فيصل : لا
                    مساعد خرج ليتركه ب وعثاء تفكيره الذي يصب عليه ولا يريحه من حرقة نيران هذه المصائب التي تقذف عليه من كل إتجاه، تنهد ليحاول الإتصال بناصر ولكن " الهاتف مغلق " ، يالله يا ناصر ماذا تفعل بي في باريس؟ كيف تفعل كل هذا دون أن تفكر للحظة بنية قلبي الذي يعتبرك " شقيقه ".

                    ،

                    خرج من المستشفى متجها لعمله مباشرة دون أن يطل على الأنثى التي تنتظره في البيت، ولا الأم المتشكلة بجسد عمته، فتح المصعد في الطابق الثاني ليخرج معه عبدالرحمن و من كل جهة تتكرر على أسماعه " الحمدلله على سلامتك يا بو بدر " ، ليجيب بإقتضاب وهو الذي ينتظر للحظة التي يصل بها لمكتب عبدالرحمن ويعرف ما حدث بغيابه؟ وما لم يحدث.
                    دخل ليسلم عليه عبدالله : الحمدلله على السلامة
                    سلطان : الله يسلمك . . جلس بمقابله . .
                    عبدالله : شلونك الحين ؟
                    سلطان : تمام الحمدلله . . وين زياد ؟
                    عبدالله بإبتسامة : تبرد حرتك فيه بقوتك مو الحين ..
                    سلطان بضحكة وقف : إيدي تحكني . . أنا رايح له
                    عبدالرحمن : طيب أجلس بعد شوي روح له
                    سلطان : راجع لكم .. دقايق بس . . . وخرج متجها للطابق السفلي حيث إحتجازه على ذمة التحقيق، دخل للغرفة العازلة بزجاجها : جيب لي زياد
                    : أبشر طال عمرك . . . . ثواني قصيرة حتى جلس أمامه مقيد اليدين بنظرات مشتتة لا تتجرأ أن تقع بعينيه.
                    سلطان بهدوء يطلب من الواقف أمامه أن يسجل كل كلمة يلفظها : الساعة الحين 10 ونص . . الساعة 10 و 40 دقيقة أنت قايل كل اللي عندك . . مفهوم؟
                    زياد : قلت اللي عندي لبوسعود
                    سلطان : مفهوم؟
                    زياد بقهر : ما عندي شي غير اللي قلته لبوسعود
                    سلطان : وين سليمان الفهد ؟
                    زياد : اخذ الأوامر من أسامة
                    سلطان : و أسامة وينه؟
                    زياد : بباريس مع الجوهي
                    سلطان : و سليمان بباريس؟
                    زياد : ما أدري
                    سلطان : و أسامة من متى مع رائد ؟
                    زياد : ما أعرف
                    سلطان : مو من صالحك أعيد السؤال مرة ثانية
                    زياد : ما أعرف يخي ما أعرف
                    سلطان بحدته المهيبة : ألفاظك يا شيخ! . . إذا مرت العشر دقايق وانت ما قلت لي صدقني ماراح أدخل عليك ولا راح يدخل عليك أحد عشان يعرف منك معلومة! بيكون فات الوقت اللي تتكلم فيه .. بيتحول وقتك ساعتها للمحكمة وهي اللي تحكم في موضوعك! عشان كذا ساعدني وبساعدك
                    زياد بعد صمت لثواني طويلة : ما أعرف شي عنهم
                    سلطان : أسامة من متى عند رائد ؟
                    زياد ألتزم الصمت ولم يلفظ حرفا واحدا، ليقف سلطان متجها نحوه : كل الإختراقات الأمنية حصلت لما تعينت مسؤول عنها! ما تحس بشوية ذنب!
                    زياد ببرود : احس بنجاح
                    يصفعه بقوة متجاهلا تعبه ليسقط زياد على الأرض، شده من ياقته : نجاح في مضرة ديرتك! يا خسارة هالشارب عليك!
                    زياد بحركة متهورة بصق عليه ليجن جنونه في هذه اللحظات، السكرتير الذي كان يسجل كلمات زياد وقف بصدمة من الذي يحصل الان، وهو الذي يعرف الكوارث من نظرة سلطان، خرج متجها لمناداة عبدالرحمن بعد أن تدهور الوضع.
                    سلطان يوقفه ليلكمه على عينه دافعا بجسده نحو الجدار : أنا أعلمك حدودك زين! . . . صفعه عدة صفعات زفر بها غضبه من سوء الأحداث الأخيرة، سقط على الأرض بعد أن تبلل بدماءه النتنة الخائنة للأرض التي خلق من ترابها، سحبه من الأرض متجاهلا كل الام جسده التي تصرخ بالتعب والإجهاد، رماه على حافة المكتب ليدخل عبدالرحمن ومن خلفه عبدالله.
                    سحبه عبدالرحمن بعيدا : منت صاحي! . . وش سويت فيه!
                    سلطان يمسح وجهه بكفيه وبغضب : شين وقواة عين
                    بوسعود بهمس : وش سوى !
                    أخرجوا زياد ليجلس سلطان بإرهاق على الكرسي : قاعد يحمي أحد
                    عبدالله : كان لازم تمسك نفسك! ما يجوز نقعد نضرب بالمجرمين .. إحنا محنا بفوضى فيه قانون!!
                    سلطان : لو كان محترم نفسه ما كان مديت إيدي عليه لكن هو يستاهل!
                    عبدالله تنهد : وش قالك؟
                    سلطان يأخذ كأس الماء ليسكبه على يديه ويغسل وجهه: مافيه شي جديد! . .
                    عبدالرحمن : طيب أمش بوريك شوية كشوفات . . .
                    سلطان يخرج معه : نترك أحمد يراقب كاميرات التسجيل .. أخاف فيه شخص ثاني غير زياد
                    عبدالرحمن : راح أبلغ أحمد يراقب بنفسه ويجيب لنا الأسماء اللي يشك فيهم خصوصا اللي جاء تعيينهم بفترة رائد
                    عبدالله صمت قليلا ليردف بعقدة حاجبيه بعد أن قرأ إسم إحدى الموظفين : لحظة يزيد . . يزيد اللي دخل بقضية منصور
                    سلطان ألتفت عليه : يزيد مين ؟
                    عبدالله : كل الأشياء صارت بذيك الفترة .. بعد حادث سلطان العيد الله يرحمه . . . جت بوقت واحد لنا كلنا!
                    عبدالرحمن : كل هالأشياء وراها شخص واحد وإحنا اللي كنا نحسب ما ورانا غير رائد . . .
                    متعب بإبتسامة ينظر لسلطان : الحمدلله على سلامتك
                    سلطان يبادله الإبتسامة : الله يسلمك .. شلونك ؟
                    متعب : بخير الحمدلله دام شفناك
                    سلطان : شكرا على الكذبة
                    متعب ضحك ليردف : نص بخير
                    سلطان : طيب شكرا على المجاملة
                    متعب صخب بضحكته ليردف : ماني بخير
                    سلطان : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه . . . يجلس على الكرسي . . لا تحاول تتمصلح معي لك عقاب على إهمالك الأخير
                    متعب بإبتسامته الصافية : كل شي منك مقبول . . ينحني ليضع الأوراق أمامه . . . هذي كل الأشياء اللي راجعوها بوسعود وبومنصور
                    سلطان : يعطيك العافية يا متعب
                    متعب : الله يخليك
                    سلطان رفع حاجبه وهو يخفي ضحكته بعد أن أستنزفه الغضب عند زياد.
                    متعب بلع ريقه : معليش يضيع الحكي عندي إذا شفتكم ثلاثتكم ناقص سلطان العيد ويصير الرعب الجماعي!
                    عبدالرحمن : ههههههههههههههههههههههه مشكلتك أنك واثق بنفسك لكن ترتبك! عاد حلها
                    سلطان : هذا وأنا هادي اليوم
                    عبدالله لم يسيطر على ضحكته ليردف بسخرية : الله يتمم عليك الهدوء
                    سلطان : يعني عصبت شوي
                    متعب : طيب تبيني أطبع لك الأوراق لسكرتيرك؟
                    سلطان : لا عادي تكفيني هالنسخ
                    متعب : تامر على شي ؟
                    سلطان : شف لنا قضية ولد بومنصور! أبيك تراجع كل الأسماء وتجيبها لي
                    عبدالله : و شف الأشياء السابقة ليزيد وحاول تبحث عنه
                    متعب : أبشر . . عن إذنكم وخرج.

                    ،

                    يغسل وجهه بالماء البارد، يحاول أن يستعيد بعض من نشوة الحياة التي بدأت تذبل في دمه، ينظر للمراة، أجهلني! أجهل ماهية إختياراتي و توجهاتي، لا أعرف ماذا أخطط له؟ وما يجب أن أخطط له! لا أفهم إستدراج الحزن فيني، وإبتزاز الحياة لي، كل الحياة بما فيها أشكال السواد التي تسير على أرضها، بما فيها رائد، جميعهم يحاولون إبتزازي بأقرب الناس، لم يكفهم والدي و لم يكفهم شقيقتي ، لم يكفهم كل هذا، مازالوا يقذفون قذراتهم على جسدي المطعم برائحة الوطن، مازالوا يمارسون خياناتهم لأرضهم بي، ماذا يحصل يا رتيل؟ هل قرأتي ما كتبت أم رميته دون أن تنتبهي؟ كنت أشعر لأول مرة بمشيئة عقلك الذي يريدني، كنت أستمع لرنة قلبك في جسدي، هذا العناق الذي لا يمثل قيمة لأي أحد راه، كنت أفقد به قلبي، قلبي الذي أتكىء عليك.
                    مسح وجهه بالمناديل البيضاء ليرميها بعد أن تشبعت ملامحه باثار الجروح والندبات المالحة.
                    خرج لينظر لفارس الجالس أمامه، جلس بمقابله : وين رائد؟
                    فارس : طلع من الصبح . . طيب شلونك الحين؟ تحس بوجع؟
                    عبدالعزيز : لا
                    فارس بعقدة حاجبيه تنهد : وش ناوي الحين؟ بتنتظر لين أبوي يخلص عليك! . . ترى هالمرة ماراح يتراجع . .
                    عبدالعزيز بصوته المتعب والبرد يرعش قلبه : مدري وش بسوي! . . أنتظر الفرصة تجيني
                    فارس : أتوقع أنه ناوي يخلص أشغاله هنا بأقرب وقت عشان يتوسطون له بالجنسية الفرنسية بعدها أكيد راح يستغني عنك .. بس كيف بيستغني؟ الله أعلم
                    عبدالعزيز تنهد محاولا إبعاد كل هذه الأفكار عن رأسه : شلون عبير؟
                    فارس : تمام
                    عبدالعزيز رفع حاجبه الحاد : تمام؟ يعني كيف
                    فارس : تطمن هي بخير
                    عبدالعزيز : وش راح يصير فيها؟
                    فارس : بهالفترة مقدر أتحرك لأي مكان لأن أبوي ببساطة قادر يهددني فيك وفيها
                    عبدالعزيز ينظر للسلاح الذي على الطاولة ليمسكه وهو يتأمل تفاصيله الفاخرة
                    فارس بإبتسامة هادئة : لأبوي
                    عبدالعزيز : مشكلة أبوك دكتاتوري يرفض يعتليه أحد أو يوقفه أحد .. يحب يتحكم بحياة الناس لكن محد يتحكم بحياته
                    فارس بتضايق من وصفه لوالده بهذه الصورة : مهما كان الشخص سيء تأكد أنه له جانب طيب
                    عبدالعزيز بنبرة خافتة : يمكن جانبه الطيب فيك وبس . . . . ترك السلاح على الطاولة.

                    يتبع

                    تعليق

                    • *مزون شمر*
                      عضو مؤسس
                      • Nov 2006
                      • 18994

                      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                      ،

                      تجلس في شقته وهي تحاول البحث عن رقم يفيدها، كل محاولاتها السابقة أنتهت بالفشل، لا تعرف كيف أختفوا جميعهم فجأة، لا وجود لرتيل في فندقهم ولا وجود لوالدها ولا وجود لعبدالعزيز، يالله يا عبدالعزيز ماذا يحدث لديك! أي قلب هذا سيتصبر على غيابك! لا أعرف كيف مرت الأيام السابقة دون أن أعرف أخبارك ولا أعرف كيف ستمر الأيام الاتية، لو إتصال فقط يطمئني، تحبني بأنصاف الأشياء، جبان لا تحتمل أن تتقيد بأنثى واحدة، بأن تطمئن هذه الأنثى عليك وعلى عينيك الموجعة، كيف أصل إليك وأنا لا أعرف أي سماء تصعد إليها نظراتك، كيف أطمئن على قلبي!
                      أجابت على هاتفها الذي أهتز : ألو
                      سارة : وينك يا ستي ؟
                      أثير : في شقة عزوز
                      سارة : يالله عليك وش تسوين هناك! تعالي بس البنات مجتمعين في . .
                      تقاطعها : مالي مزاج أطلع
                      سارة : يعني بتحبسين نفسك لين يتكرم طال عمره ويتصل عليك ويعبرك !
                      أثير بسخرية : شكرا على مواساتك .. أقدرها كثير
                      سارة : يا روحي يا أثير أنا ماأستخف بضيقتك عليه لكن هو كلب راح وتركك ولا بلغك تلقينه الحين راجع الرياض ولا فكر يتصل عليك ولا تلقينه مكيف مع الكلبة الثانية
                      أثير تنهدت : مستحيل! أكيد صاير له شي .. أنا أعرف عبدالعزيز مهما صار مستحيل يتجاهل إتصالاتي كل هالمدة .. أصلا اخر أيام كانت علاقتنا ماشية تمام
                      سارة : طيب؟ يعني بتقلقين نفسك وبتشيبين عمرك عليه! خلاص مثل ماراح بيرجع لك ولا تخافين عليه
                      ينكمش قلبها بحزنها عليه : قلبي يعورني! مشتاقة له حيل ولا أعرف وينه فيه .. خايفة يكون صاير له شي ولا هو قادر يكلمني
                      سارة بضيق تسرب إليها من صوت صديقتها : يخي الرجال دايم يبكونا ودايم يضايقونا وياليتهم الكلاب يستاهلون!
                      أثير : يا رب أنه بخير
                      سارة : أنا أقول أمشي معنا تغيرين جو بدل هالكابة اللي عايشة فيها .. يازينك قبل لا يجي عبدالعزيز بس من جاء كهرب أوضاعك وخربك بكابته
                      أثير تنهدت : تخيلي دورت على كل الأرقام مالقيت ولا رقم صاحي أتصل عليه! حتى رقمه السعودي مغلق .. مستحيل يكون راح الرياض

                      ،

                      تشرب الماء بكمية كبيرة لتردف : أحس أني نايمة سنة كاملة! . . . تنظر للأرض والفاتورة المرمية عليها ويبدو أنها ممتلئة بالحبر، رفعتها : رتيل تعالي شوفي
                      رتيل تضع هاتف ضي الذي كانت تحاول أن تبحث به عن إتصال بالإنترنت على الطاولة لتتجه نحوها، ضي : هذا خط عبدالعزيز ؟
                      بلهفة تشد الورقة لتنظر لخطه المكتوب على عجل من أطراف الكلمات الغير مرتبة، قرأت " في حال حصل شيء يا رتيل، كل الحياة لك "
                      بقيت عيناها على الفاتورة الصغيرة، لتسقط دمعتها على " رتيل " و يذوب الحبر الداكن في زرقته، لم تتحدث بهذا الغموض؟ لم تخشى الإعتراف؟ لم أنت جبان يا عزيز؟ من أجل الله قلها، قل : أحبك. لم تشعرني دائما بأنك غير متأكد من شعورك، بأنني شيء وسيتلاشى قريبا منك، لم كل هذه الحماقة التي تتقاذف من كبريائك الذي لم ينحني ولو مرة ولن ينحني! أخبرني بثقة أنك تحبني وأن عيني جميلة وأن شعري المموج سحر، أخبرني ولو للحظة واحدة، لم كل هذا؟ لا أستحق والله أن تجلب لي حياة خاوية منك، لا أستحق أن أعيش دونك، أنا أحتاجك، والله أحتاجك ، الأسف أنك قادر بسهولة أن تستغني عني، أحتاجك كحالة أبدية لا تنتهي، أحتاج لكتف يجاورني يقلص المسافة التي تفرق خطواتنا. أحتاج لقلبك يا عزيز ولزرقة السماء المنعكسة منك.
                      ضي بصوت حاني : رتيل
                      رتيل تضغط على الورقة لتتجعد بقبضة يدها، أستسلمت للبكاء وهي ترميها على الأرض : حقيييييييير .. ليه يسوي فيني كذا !! . . . . . ضعفت أقدامها على حمل جسدها الذي أثقله الحزن، لتجلس على أرض المطبخ الباردة وهي تشعر بأن أطرافها تتاكل من حرارة الحزن المنصهرة في قلبها.
                      ضي تجلس بجانبها : ليه فهمتيه كذا يمكن قصده . .
                      رتيل تقاطعها : قصده شي واحد! أنا أعرفه مستحيل يتخلى عن غروره .. مستحيل يضحي بشي . . حتى أحبك بخل فيها علي . . . . . تغطي وجهها بكفيها الناعمتين وهي تجهش ببكاءها : ما يحس قلبه حجر . . ما كفاه كل هذا يحب يزيد علي .. يحب يقهرني ويضايقني .....
                      تسحبها لصدرها لتبلل قميصها بدمعها ، حاوطت جسد رتيل بذراعيها، هذا الإنهيار لا يشبه سوى إنهيارها ليلة العيد عندما أنفجرت بوجه عبدالرحمن : أهدي يا بعد عمري قطعتي لي قلبي
                      رتيل بصوت يختنق تدريجيا : يوجعني .. يوجعني حبه
                      ضي بصوت هامس يربت على قلبها : ما تعودتي على مزاجيته وحدة طبعه!
                      رتيل : مزاجيته بس معاي! .. كل هالجنون ما يطلع إلا علي . . قلبه ما يستقوي إلا علي .. يقهرني .. يقهرني يا ضي
                      ضي تمسح على شعرها البندقي : طيب أهدي! الحين مو لازم تتقبلين عيوبه؟
                      رتيل تختنق ببكائها : هذي مو عيوبه! هذا شي يسويه بس عشان يستفزني عشان يقولي في كل مرة أنتظره فيها أنه نهايتنا واضحة، غبي متشائم .. يتفائل بكل شي بالحياة لكن لما يجي الموضوع لرتيل يتشائم ويقول لا تنتظرين شي لاتحاولين تفرحين بأي شي . . . . . مو حرام اللي يسويه فيني ؟
                      ضي وتجهل كيف تواسيها وبأي الكلمات تربت على كتفها لتتنهد : الله يرجعه لنا بالسلامة بس
                      رتيل تجهش ببكائها بعد كلماتها : بيذبحني .. أنا عارفة وش بيصير! بيقهروني فيه ..
                      وبإستسلام تذبل كلماتها : طيب وأنا ؟ ليه ما يفكر وش بيصير فيني لا تركني! ليه دايم يحسسني أنه ماله وجود في حياتي وهو كل حياتي! . . . رفعت عينها لضي لتلفظ بصوت يبح الحزن به : يدري أني أحبه بس يحب يعذب نفسه ويعذبني معاه . .

                      ،

                      تمارس النوم قهرا، للحظة لم تعرف كيف تفرغ حزنها إلا بالنوم وبالهروب من الواقع الذي أساء إلى أحلامها التي غرستها به، ذنبها أن تربتك يا ريان لم تكن صالحة أبدا، تقلبت كثيرا حتى نامت على بطنها وهي تدفن وجهها بالوسادة تحاول أن تبعد كل الأفكار السيئة عنها، كيف أمارس التبلد والبرود إتجاهك؟ رفعت رأسها قليلا لتضربه على الوسادة، سئمت اليقظة التي لا تجلب إلا التعاسة، تأفأفت وهي تخنق ملامحها بالسرير، دخل بخطواته الهادئة ليلقي غترته على كرسي التسريحة ويثبت أنظاره نحوها، نائمة إلى الان؟
                      تقدم بخطواته وأصابعه تفكك أزارير ثوبه، ثبت في مكانه عندما راها تمسك أطراف الوسادة لتضغط بها على أذنيها، رفع حاجبه : ريم!
                      ألتفتت عليه وشعرها يغطي معظم ملامحها، أبعدت خصلاتها بأطرافها دون أن تلفظ كلمة.
                      ريان : نايمة للحين؟
                      ريم : أحاول أنام
                      ريان : ما نمتي أمس؟
                      ريم : إلا بس كذا أبغى أنام . . أستعدلت بجلستها وهي تضم الفراش بإتجاه بطنها وتسند ظهرها على السرير
                      ريان ينزع الكبك من أكمامه ليلتفت عليها مرة أخرى على وقع رنة هاتفها، أغلقته لتثير ألف علامة إستفهام بعقله : مين ؟
                      ريم دون أن تنظر إليه : صديقتي
                      ريان : وليه ما رديتي عليها ؟
                      ريم : أكلمها بعدين
                      ريان يقترب منها ليأخذ الهاتف من على " الكمودينه "، فتحه لينظر لاخر الإتصالات " رنا ، رنا ، هيفاء ، جنتي ، هيفاء ، يوسف "
                      ريم بإمتعاض شديد : تأكدت ؟
                      ريان يضعه بهدوء : قومي أنزلي معي
                      ريم : ما أبغى ... برجع أنام
                      ريان تنهد ليربكها بنظراته الممتدة نحوها : قومي
                      ريم بضيق : يعني غصب؟
                      ريان : أنا جالس أطلب منك !
                      ريم بدأت الحمرة تتسلل لعينيها التي تجمدت زاويتها ولم ترمش، أطالت بنظرها لعينيه حتى تلألأت بدمعها، قاس أن ترى أحلامها تموت أمامها، وقاس أن تشهد على خيبة أملها بالحياة، كانت تحلم كثيرا والان فجعت كثيرا، كيف أتعايش مع هذه الخيبة كأنها ولاشيء وأنا التي خططت لأشياء كثيرة أبسطها لم أستطع ان أحققها معه.
                      ريان يجلس على طرف السرير بجانبها : الحين طلبي يضايق لهالدرجة ؟
                      ريم هزت رأسها بالنفي لتمسح دمعها الشفاف، منذ تزوجتك وأنا مفرطة بالحساسية، لا أعرف كيف أمسك دموعي ولا أعرف كيف أتغلب على حزني.
                      ريان بإستفهام : طيب؟
                      ريم لوت شفتها السفلية لتحاول أن تمسك زمام قلبها الذي تتلاعب به رياح الحزن : أسبقني وراح أنزل وراك
                      ريان : أنا أسألك
                      ريم رفعت عينيها : يهمك بأيش؟ لا تحاول تمثل الإهتمام منت مضطر!
                      ريان ببرود : غريب أمرك، مهما سوينا لك ما يعجبك!!
                      ريم : لو قلت لك بنتناقش ! يصير أمري غريب بعد ؟
                      ريان : بإيش نتناقش؟
                      ريم : أنت شايف علاقتنا طبيعية ؟
                      ريان : هذا التقصير منك مو مني
                      ريم بقهر : كيف مني؟ قولي عشان أصحح نفسي
                      ريان بهدوء : تعاندين وتحاولين تفرضين رايك حتى لو كان غلط
                      ريم : أنا ما عاندتك! أنا عاندت الأسلوب اللي تعاملني فيه! ماني من الشارع عشان تشك في كل مكالمة ولا كل رسالة تجيني! . . أنا متربية وأعرف حدودي زين
                      ريان : وأنا ماشككت في تربيتك! أنت اللي أفعالك تخلي الواحد يشك
                      ريم : عشاني ما أرد أو عشاني سكرت الجوال صارت أفعالي مشكوك فيها! .. ريان أنت وش مشكلتك بالضبط؟
                      ريان تنهد ليحاول تجاهل سؤالها ويقف ولكن يدها التي تخلخلت بأصابعه أوقفته : ممكن لو مرة بس تحسسني بأهميتي!
                      ريان بجدية : أنا يا ريم مو قادر أفهمك ولا أنت تساعديني!
                      ريم : طيب خلنا نجرب بس هالفترة أنك تتجاهل كل شي يضايقك مني .. أو علمني فيه بوقته . . جرب بس أنك تمسك أعصابك

                      ،

                      مستلقي على الأريكة و عبدالله الصغير ينام على بطنه ويده اليمنى على ظهره الناعم الصغير، نظر لهيفاء : ما سألته والله بس هو زواج عائلي عشان أبوه الله يرحمه
                      هيفاء بهدوء : الله يتمم على خير
                      يوسف : فيه شي ناقصك ؟
                      هيفاء : لا
                      يوسف بإبتسامة : عاد الحين ماعندك ريم تتحلطمين عليها .. فعشان كذا رأفة بحالك تحلطمي علي
                      هيفاء وتختنق بعبراتها : هو طبيعي أني أبي كل شي يتفركش!
                      يوسف : ههههههههههههههههههههههههههههههه أعوذ بالله .. ليه ؟
                      هيفاء : الحين حسيت بشعور ريم
                      يوسف : فترة وتعدي، عاد أنتم يالحريم مفلمات . .
                      هيفاء تنزل دموعها لتجهش ببكاءها، تشعر أن قلبها الذي بحجم الكف ينكمش عليها ويتقلص بمسافاته، تشعر أن الحمرة التي تحمل أكسجينها تصفر ويشحب لونها، أهذه أعراض طبيعية؟ كيف سأعتاد عليه؟ كيف سيمر إسمه على لساني دون أن أرتعش؟ كيف سينام بجانبي؟ كيف سأعتاد على أن يشاركني الوسادة والحياة؟ كيف سيكون روتين حياتنا؟ هل يملك حنية يوسف و منصور أم يفتقرها؟ هل عيوبه ضئيلة أم ستتبعني؟ كيف أعرف شخصيته وما يحب وما يكره، كيف أفهم نظراته وحركاته البسيطة؟ هل سأحبه أم لا؟ هل سيكون بيننا علاقة – عادية – فقط لا حب فيها ؟ هل سيشعر بالإنجذاب نحوي أو انني لن أغريه!
                      يوسف : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه منت صاحية الحين تبكين عشان أيش . . . يضع عبدالله على مقعده ليقوم ويتجه نحوها، يجلس على الأرض بجانبها : هيوف هذا وأنا أقول ما تتحسسين زي ريم طلعتي ألعن منها!
                      هيفاء تمسح ملامحها بأطراف أصابعها : خايفة ما أتوافق معه!
                      يوسف بهدوء : شوفي يا ستي لو كان بينكم تعارف قبل الزواج وغيره! أول سنة زواج دايم مشاكل! كذاب ولد ستين كذاب اللي يقول أول سنة تمر عادي وما فيها مشاكل! . . أنت أخذيها كمنطق .. أنت وياه لكم حياة غير وفجأة يجيبونكم ويحطونكم في حياة مشتركة! طبيعي أنه إنتقالك من هيفاء اللي في بيت أهلك إلى هيفاء اللي في بيت زوجها ماراح يكون سهل! بس بالبداية لازم تتجاهلين كل شي ممكن يعكر هالشي .. والاشياء البسيطة اللي كنتي مستحيل تتجاهلينها عندنا عديها .. إذا بتفكرين بكل شي وبتعظمين كل غلط بتتعبين! . . وفيصل أنا واثق فيه يعني أعرفه وأعرف شخصيته
                      هيفاء بضيق : هذا ريان كنتم تعرفونه
                      يوسف : لاتقارنين نفسك بريم! ريان نعرف أهله بس كشخص أنا ما أعرفه وما أشوفه الا بالعزايم ... أما فيصل عشرة سنين وأنا قلت لك كعقل انتم مو متوافقين! هو ميوله شي وأنت ميولك شي ثاني لكن حلو الإختلاف! يعني لو إثنينتكم نفس الميول نفس الطبع أكيد بتملون من بعض . . لكن الإختلاف زين يقربكم
                      هيفاء : وإذا مقدرت؟
                      يوسف : الحين وراه متشائمة! إذا مقدرت فيصل يقدر
                      هيفاء : يوسف أحس ماراح أعجبه من الأشياء اللي أهتم فيها!
                      يوسف إبتسم : ياكل تراب هو حاصله
                      هيفاء ترفع عينها : ما تعرف تواسي على فكرة
                      يوسف بضحكة يردف : بيني وبينك يعني أنا مطمن عليك عكس ريم الحين لأني عارفها حساسة وبتضيق من الكلمة
                      دخل منصور لينظر إليهما بحاجب مرفوع، يوسف يلتفت عليه : دبرت الإجتماع بروحك؟
                      منصور : شف هي كلمة وحدة الأسبوع هذا أنا بكيف في البيت وأنت اللي بتداوم عني .. عشان أطلع سحبتك من عيونك
                      يوسف : والله راحت علي نومة لو كنت صاحي كنت بجيك
                      منصور : مو أنا اللي في الوجه! أنت بس كبر مخدتك ومنصور يضبط الشغل وراك
                      يوسف : هذا انا راعي ولدك من اليوم!
                      منصور ينظر لعبدالله النائم بهدوء في مقعده : كثر الله خيرك عساك أرضعته؟
                      يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه طيب مقبولة منك يا بوعبدالله عشان سحبتي عليك ولا قولها مرة ثانية وبقطع علاقتي فيك
                      منصور بإبتسامة ينظر لهيفاء : وش فيهم الحلوين يبكون ؟
                      يوسف : ماتقدر على فراقنا
                      هيفاء تضربه على كتفه : الشرهة على اللي يفضفض لك

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...