رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي
المدخل ل عبدالرزاق عبد الواحد.
أشعلت حبك في دمائي
وسكنت في زرعي ومائي
وملأت كل مواسمي
وملكت حتى كبريائي
إن كنت بعضا من رجاك
فأنت لي كل الرجاء
أنا ما خلعتك من دمي
أنا ما دفعتك من سمائي
وفعلت أنت فبعتني
يا ليت بيع الأوفياء!
ياني.. وحسبك إن أقل
ياني، يغالبني بكائي!
ويعود بي هذا النداء
لعز أيام النداء
أيام كان الزهو يملؤني
بأن لك انتمائي
وبأن قلبك لا يثير
رفيفه إلا لقائي
وبأن عينك، عين ميدوزا
سناها من سنائي
وبأنني الغالي لديك
وأنت أغلى من غلائي
وثقي بأنك رغم ما
سفحت نصالك من دمائي
وبقدر ما للتافهين
كشفت ياني من غطائي
ما زلت ياني أجمل ال
لحظات حتى في شقائي!
ما زلت كل رفيف أجنحتي
وكل مدى فضائي
ما زلت نبض دمي، وأعظم
ما يحقق لي بقائي
ما زلت أنت مجرتي
وغدي المشعشع بالضياء
لا تطفئيها مرة
أخرى.. فناؤك في فنائي!
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طيش !
الجزء ( 60 )
ألتفتت عليه بغضب لا تكاد تصدق بأن والدها يوافقه ويصادق على أفعاله بكل أريحية دون أن يلقي لموقفي منه أي إهتمام، عبدالعزيز أهانني بإرادة والدي ودون هذه الإرادة لما ذلني أبدا. : طبعا لا
عبدالعزيز أدخل يديه في جيوبه ليبتسم : صدقتي؟ أصلا مستحيل نروح .. أثير هناك ..
رتيل أخذت نفس عميق: عبدالعزيز يكفي تضايقني أكثر!!
عبدالعزيز : وأنا ماأبغى أضايقك .. تذكري الهدنة اللي قلنا عنها !!
رتيل بضيق : وأنت خليت فيها هدنة! تقهرني وتضايقني بعدها تقول هدنة
عبدالعزيز تنهد : طيب خلينا نمشي .... وأتجها لحي أقل صخبا، دخلا في إحدى المقاهي المنزوية بهدوءها.
وضعت هاتفها على الطاولة وهي تأخذ الهواء بطريقة توحي بأنها تختنق، رفع عينه لها : أنا تعبت من هالموضوع! خلينا نقرر من هاللحظة
رتيل : يعوضني الله
عبدالعزيز أمال فمه بمثل حركتها الدائمة التي ترتبط معه بها ولم يلحظها بعد، أطال صمته ليقطعه بجمود : يعني ؟
رتيل شتت أنظارها دون أن تجيبه. وبدأت تسرق الغطرسة والسادية من جوف عزيز، بدأت تستنسخ قساوته كما يليق بالحزن الذي تسبب به في قلبها.
عبدالعزيز : وش تقصدين يا رتيل!
رتيل : اللي فهمته
عبدالعزيز : وهذا قرارك ؟
رتيل أرادت أن تلسعه بعذاب الضمير لتردف بقسوة أحتدت بنبرتها : لا! القرار لك ولأبوي .. من متى كان لي قرار ؟ مثل ما طبختوها .. طلعوا لكم مخرج منها
عبدالعزيز يشتت أنظاره للمقهى الخاوي من كل شيء عدا العجوز الذي يجلس خلف الطاولة التي بجانب الباب، عاد عينه إليها : نطلع لنا مخرج!! أنت شايفة انه موضوع تافه عشان ..
تقاطعه : بالنسبة لي تافه
عبدالعزيز بغضب : لا تستفزين أعصابي يا رتيل!!
رتيل ألتزمت صمتها وهي تتشابك بأصابعها مع مفرش الطاولة.
عبدالعزيز : صدقيني محد بيخسر غيرك! أحكمي عقلك وأعرفي كيف تفكرين وتقررين
رتيل بإستفزاز صريح : قلت يعوضني الله عن خسارتك
عبدالعزيز أخذ نفس عميق : ما عندك غير هالحكي ؟
رتيل بإنفعال لم تستطيع أن تسيطر على كلماته الفاترة في حضرة غيرتها المنتشية : ماهو على كيفك ولا هو على مزاجك متى ماتبي تجي ومتى ما روقت مع أثير نسيتني
عبدالعزيز : متى نسيتك ؟
رتيل : أسأل نفسك ...
عبدالعزيز رفع حاجبه : مشكلتك ماهي معي على فكرة .. مشكلتك مع قلبك اللي يناقضك
رتيل : أجل أترك لي مشاكلي بروحي! أنا أحلها مع نفسي
عبدالعزيز بدأت قدمه اليمنى بالإهتزاز والضرب على الأرض : تفكرين بمستقبلك كيف يكون ؟
رتيل : أحلامي مالك فيها مكان
عبدالعزيز شد على شفتيه : يعني أفهم أنه قرارك أخير!
رتيل ودت لو يقول شيئا يعاندها به، لو يرفض وينكر القرار، والله لأتحجج بكل شيء في يدي وأرضخ لك، لو كلمة! فقط كلمة تبلل جبين القلب المتعارك بحزنه، فقط كلمة وأعف عنك، لكنك أقسى من أن تتنازل عن كبريائك أمام أنثى مثلي، أقسى بكثير من أن تشعر بأن الحياة ضئيلة ولا تستحق أن نعيشها بهذه الصورة، أقىسى بكثير يا عزيز من أن تعتذر لي ولو إعتذار مبطن.
عبدالعزيز : كنت متوقع شي ثاني! لو أدري أنه كلامك بيكون كذا .... ما كان جيت .. ما كان خليتك تسمعيني إياه
رتيل بضيق تقاوم رعشات عينيها : وش كنت متوقع؟ أقولك راضية أنه أثير تشاركني فيك! ولا أقول أنه إهاناتك ما عادت تعني شي .. وش بالضبط منتظر مني ؟
عبدالعزيز يثبت نظراته في عينيها المتلألأة بالدمع : شي واحد ما أفهمه فيك! .... شي واحد يا رتيل ماني قادر أفهمه ... كيف تتلذذين بتعذيب نفسك!
تجمدت ملامحها، ستكره نفسها لو تبكي أمامه، بلعت غصتها وهي تقاوم الحشود الذائبة في عينيها : أعذب نفسي!! غلطان .. لو يصير اللي يصير ما يهمني وأظن كل شي يثبت لك هالحقيقة ما يحتاج أقولك وأزيد عليك .. حتى عقب الحادث لو لا سمح الله صار فيك شي كنت بحزن عليك لمجرد شخص عادي.. ممكن أحزن على أي شخص في الشارع! لكن مستحيل أندم على وقت راح بدون لا أكون معك .. لأنك ببساطة ما تعني لي شي، أشك حتى أنه أثير تعني لي أكثر منك!!
يطيل النظر بها، لعينيها التي تصدق وتهينه كثيرا، للكلمات الحادة التي تنصف القلب وتسقطه، تبادله الإهانة ذاتها ولكن يخشى أن نبرة الصدق هذه واقع وليس من أوهامه، أردف بإبتسامة تخفي قهره : تحاولين تبنين كلامك على أشياء ماهي موجودة! تكذبين الكذبة وتصدقينها
رتيل بغضب ترفع عينها المحمرة بالرعشة وصدرها الذي يعتلي بالنبض : ما أبني كلامي! أنا فعلا ما عندي غير هالكلام .. لا تجرب تستخف فيني بحكيك أو حتى تفكر تضايقني بأثير! وهالمرة أنا اللي بصارح أبوي عشان يعرف قدر اللي معطيه هالثقة
عبدالعزيز : خلصتي كلامك ؟
تكاثرت الدموع في محاجرها، كيف للغيرة أن تتسرب إلى عيني، كيف لكلماته أن تشطرني نصفين؟ كيف لإسمها البسيط أن يقف كالغصة في صوتي؟ كيف لكل هذا يجتمع في رجل! قاس يا عبدالعزيز ويعز على قلبي أن تكون هكذا، يا حزني المتواصل منك، يا حزني الذي لم يجف بعد! لم يتضائل بعد، مازال في قوته، في تماسكه، وأنت وحدك من تبدده وأنت وحدك من تستلذ بتماسكه على قلبي.
يهمس : مين يوجع الثاني يا رتيل؟ أنت اللي توجعين نفسك
أتى صوتها الباكي، تعرت من مكابرتها لتنهمر دموعها بقساوة الغيرة المترسبة في محجر عينها : أنت تضايقني! تهيني كثير يا عبدالعزيز هذا وأنا ما أجرمت في حقك أبد، كل هذا عشان أدافع عن نفسي في وقت الكل بما فيهم أبوي أرخصني .. وش سويت لك بالضبط عشان تقهرني بكل شي يجي في بالك؟ قولي بس وش سويت وأنا مستعدة أعتذر لك الحين وننهي كل هذا ..
أنهارت لتغرق كلماتها في البكاء، بكلمات متقاطعة يعلو بها بكائها : أنت اللي بديت! وانت اللي ضايقتني! في كل شيء .. في كل شيء والله تقهرني .... ما أطلب منك شي.. بس أحترم قلبي ...
بإنكسار أردفت : أحترمه لو شوية
وقف ليتجه للكرسي الذي بجانبها ويجلس عليه : وأنت؟ يا كثر ما توجعيني يا رتيل وتقولين ما أجرمتي في حقي!
ببحة الوجع : اللي سويته ولا شي! بس أنت ما قصرت في أكثر شي يوجع البنت سويته! رحت وتزوجت
عبدالعزيز : قضيتك ماهي أثير .. انا متأكد من هالشي
رتيل: قضيتي بأنه فيه شخص ثاني موجود في حياتك!! تقبل تهين أثير ؟ .... جاوب على سؤالي تقبل ؟
عبدالعزيز بهدوء : مستحيل أقبل أحد يهينها
أرتفع صدرها بشهيقها المتأني دون زفير، ليكمل : إن كان في بالك أني أستغل أثير فأنت غلطانة وأني جايبها لمجرد أني أهينك فأنت في مصيبة .. لأن أنا قادر أهينك بدون ما أستخدم أحد، لكن أنا .. أبغى أثير يا رتيل
لا يدرك بالوجع أبدا، لا يدرك بحزني ولن يدرك، لم حظي بهذا السوء؟ لم الحزن يتربص لي في كل محاولة أبتسم بها! في كل مرة لا أرى شيئا يستحق الحياة، يجدر بي أن أهنئك يا عزيز فأنت كسبت وأفقدتني المتعة في الحياة.
ألتفتت عليه بكامل جسدها لتلتصق به، تأمل دمعها بعينيه التائهتين، كيف يجب أن نخبر هذه السمراء بأن لاتبكي؟ كيف نخبرها بأن البكاء منها يعني : إنقلاب وكارثة، بأن ملامح الجميلات يحرم عليهن الدمع، أنا أعترف أنني قادر على فعل كل شيء، وأن أقاوم رغباتي بكل ماهو سيء ولكن أمام دموعك أنا جدا سيء يا رتيل وأعني بجدا سيء أنني مستعد أن أنقض العهود كما ينقضها اليهود! أنقضها بكل عنف دون أن أسأل عما سبق وعما سيأت، ما بيننا أكبر من هدنة، ما بيننا عمر لا يقبل أبدا أن يتعطل بهدنة.
رتيل بألم : تبغاها ؟ يعني كنت تبغى تتزوجني بس عشان تضايق أبوي .. وتضايقني .. تعرف وش اللي موجعني؟ كنت أظن أنك لي وهي الدخيلة بيننا .. بس طلعت أنا اللي مالي مكان بينكم .. كيف تقدر يا عبدالعزيز تسويها فيني؟
بدأت تفقد شعورها بعقلها وبإتزان تفكيرها، أنهارت تماما وهي تعاتبه بألم يقذف نفسه بجسدها : علمني كيف تقدر توجعني كذا ؟ يخي أنا وش سويت في حياتي عشان تسوي فيني كذا !! ليه ما تفهم .. حرام عليك .. تدري بشعوري .. تدري بأنه قلبي معك وتوجعني! ....
يجلس بجانبها جامدا سوى من عينيه المحاصرة لعينيها المرتعشتين، بلاوعي ضربت يدها التي تغطيها الجبيرة في الطاولة وهي تعلن جنونها الان على حبها وإنهيارها عليها، سحب يدها حتى لا تكسرها أكثر لتعتلي نبرتها ولا يفصل بينهما سوى هواء عابر : أنا الغبية اللي أتحراك وأنت أصلا قلبك معاها
عبدالعزيز بنبرة حانية : رتيل ..... خلاص ..
تخفض رأسها : ذليتني، كرهتني بنفسي، قهرتني بكل شيء حتى بأبوي، سويت كل شي ممكن يسيء لي .. وش بقى أكثر ؟
عبدالعزيز يسحب كرسيها أكثر حتى يلتصق تماما وما عاد الهواء العابر يمر بهما، أصبحت الأنفاس هي من تمر وتطوف حولهما : كانت ردة فعل لكلامك .. ما كان هدفي أني أضايقك .. والله ماكان هدفي أني أجرحك وأوجعك
رتيل : هذا وما هو هدفك .. كيف لو كان هدفك وش كنت بتسوي فيني!!
عبدالعزيز أبتسم بضيق : اهدي ولا تبكين عشان أقدر أتناقش معك
رفعت عينيها الباكية : أنا أبكي على حظي .. على حياتي الضايعة ...
يقاطع لذاعة كلماتها ليسحبها لحضنه، شدها حتى ود لو أنها تدخل فيه : ما تضيع حياتك وأنا جمبك .....
يهمس بدفء أنفاسه في أذنها : رتيل ... خلينا ننسى كل اللي صار .. أمحيه من بالك
رتيل بصوت مخنوق : وأثير ؟
عبدالعزيز : تجاهلي وجودها في حياتي
رتيل ببكاء الغيرة : كيف أعتبرها مهي موجودة وهي تعيش معك !!
يبعدها بهدوء ليمسح دمعاتها بأصابعه لتكمل بوجع : كيف تحب لك شخصين ؟
عبدالعزيز يطيل الصمت والضياع في عينيها التي يكرهها بقدر ما يحبها، هذه العينين التي دائما ما تجرد قلبه من كل الكلمات، حتى أصبح لا أعرف كيف أواسي قلبك ولا أعرف كيف أواسي نفسي!
يمسك كفها الأيسر ليضغط عليه بكفه الأيمن، تنظر له بضياع تام، لا أعتب عليك وعينيك خماري، وأني والله يا حبيبي أخاف العري وأخاف من نظرات المارة وأغار!.. أغار من العابرين والطرق التي تراك ولا تراني فكيف بالإناث؟ كيف أقبل أن تأت أنثى وتسكن معك؟ أن تراها وهي تستيقظ أمامك؟ أن تبصرها وهي تنام بجانبك؟ كيف أقبل بأن تشاركها طعامها، أن تشاركها أمورها الحياتية الصغيرة والكبيرة، كيف أقبل بكل هذا دون أن يخدش قلبي؟ دون أن يضيق بي ويحزنني؟ كيف أقبل بأن ترى عيناك غيري؟
: ما توفي يا عزيز .. ما توفي لا لي ولا لأثير ...
عبدالعزيز وهو يتلاعب بأصابعه على باطن كفها، عقد حاجبيه بوجع أكبر : ما كنت متخيل ولو للحظة حتى بأكثر لحظاتي تشاؤم أنه حياتي بتكون كذا ! اني بتزوج بهالطريقة .. أنه بيكون على ذمتي ثنتين مو وحدة! .. كنت أحلم مثل الكل .. كنت أحلم بالبيت اللي بيجمعنا وبالأطفال اللي بيحملون إسمي .. كنت أحلم .. كنت أحلم فيك .. بس أنا ما حققت ولا أي شي من أحلامي ..... أنا ماني متضايق من أبوك .. بالعكس أعتبره بمقام أبوي، أنا متضايق لأني أفلست من هالدنيا .. لأن ماعاد أنتظر أحد ولا أحد ينتظرني ، متضايق لأن أبوي ماهو معاي.. لأن أمي ماهي جمبي .. متضايق من أشياء كثيرة فقدتها وفقدت نفسي فيها، بس قولي لي تقدرين تعيشين بدون أبوك؟ .....
تخفض رأسها لتسقط دمعتها الحارة على كفه التي تتغلغل بكفها،
عبدالعزيز يتعرى بجروحه تماما، لم يعد يفيد الإسرار بشيء : ما تقدرين وأنا مقدر يا رتيل، إذا غبتي ساعة بتفقدك أختك وبيفقدك أبوك وبيفقدك مقرن وبيفقدونك أعمامك .. وبنات عمك والكل .. طيب أنا ؟ مين بيفقدني ؟ محد .. أفهميني بس ..
يشتت أنظاره بضياع : أفهمي أنه القصد أبد ماهو أني ماني قادر أوفي لأثير أو لك ..
،
رفع فيصل عينيه ليلتقط حضورها، تجمدت ملامحه بأنها بعيدة وجدا عن وصف والدته، لم تصدق بشيء سوى شعرها الطويل ماعدا ذلك خرافات من أمي التي ترى شيء لا أراه، أخذ نفسا عميقا وهو لا يرمش أبدا، يوسف القريب منها يهمس بإبتسامة ساخرة : تبين تقهوينه ؟
هيفاء تهدده بنظراتها العنيفة وتشعر بالإختناق وهي لم ترى سوى أقدامه، بلعت ريقها لتتوسل إليه بنظرات ثرثارة، يوسف وقف لم يعد يعرف ماذا تريد منه بالضبط ؟ ود لو يتركها لوحدها حتى تتورط ولكن لم تتم الملكة بعد ولا يجوز أن تختلي به لوحدها، جلست لتلتصق بيوسف.
يوسف يحاول بكل ما أعطاه الله من قوة أن لا يضحك بموقف يجب عليه أن يكون الأكثر إتزانا، طال صمتهم وطال ملله منهما.
فيصل تنحنح ليردف : شلونك يا هيفا ؟
هيفاء بصوت متقطع : ب.. بخير
يوسف أشفق عليهم ليحاول هو الاخر بفتح موضوع : طيب يا فصيل تقدر تقولنا الصفات اللي تبيها في هيفا
فيصل هدده بعينه ليشد على أسنانه : فصيل بعينك!!
يوسف أتسعت إبتسامته حتى بانت اسنانه : يالله يا بو عبدالله لا تبطي علينا عندك 10 دقايق بس
فيصل ينظر لهيفاء التي تكاد تذوب في خجلها، بشرتها البرونزية مغرية حد التأمل، عينيها شديدة الشبه بيوسف يشعر بالضياع أمامها : ما عندي صفات محددة
يوسف غرق بضحكته الطويلة وهو يشير له بيده دون أن تنتبه هيفاء بأنه " تخرفن "
فيصل مسح على وجهه حتى لا يضحك ويضيع " البرستيج "
يوسف : طيب فيه شي ثاني ودك تقوله ؟
فيصل : وأنت مخليني أتكلم
يوسف : يالله قول وش عندك ؟
فيصل بإبتسامة متزنة : أنا مستعجل ، عندي شغل وأبي زواجنا يكون بأقرب وقت
يوسف لم يستطيع أن يمسك نفسه ليضحك بخفوت وبنبرة ساخرة : عندك شغل!
فيصل بإندفاع : والله محدد هالشي من زمان ومنصور عنده خبر
يوسف يلتفت على هيفاء بإستلعان : موافقة يا هيفا ؟ طبعا إذا ما وافقت بتضطر تنتظرها
فيصل يراقب حركة شفتيها المرتجفة.
يوسف : وش قلتي ؟
هيفاء بحركة عفوية تغرز أصابعها في ذراع يوسف معبرة عن شدة الحرج التي تشعر بها.
يوسف : نعتبرها موافقة وصلى الله وبارك
فيصل أتسعت إبتسامته : أجل ألف مبرووك
يوسف وقف ليتجه مع فيصل للخارج حيث مجلسهم الذي أجتمع فيه الجميع، أطالوا وقوفهم أمام الباب وأصواتهم تخفت قبل أن يدخلا للمجلس.
خرجت هيفاء دون أن تنتبه أنهما مازالا واقفين ، رددت وهي تهف على نفسها بيدها بعد أن أعتلت حرارة جسدها والخجل مازال يسيطر عليها لتنادي على والدتها بنبرة توشك على البكاء : يممممممه ... يممه وش ذا ..
يوسف تنحنح حتى تنتبه لهما بينما فيصل تمتد إبتسامته لاخر مداها.
شهقت وهي تتراجع للخلف وتشتم نفسها ويوسف وفيصل وكل عائلتها في ثواني قليلة، ودت لو الأرض تنشق وتبلعها حالا .. حالا.
المدخل ل عبدالرزاق عبد الواحد.
أشعلت حبك في دمائي
وسكنت في زرعي ومائي
وملأت كل مواسمي
وملكت حتى كبريائي
إن كنت بعضا من رجاك
فأنت لي كل الرجاء
أنا ما خلعتك من دمي
أنا ما دفعتك من سمائي
وفعلت أنت فبعتني
يا ليت بيع الأوفياء!
ياني.. وحسبك إن أقل
ياني، يغالبني بكائي!
ويعود بي هذا النداء
لعز أيام النداء
أيام كان الزهو يملؤني
بأن لك انتمائي
وبأن قلبك لا يثير
رفيفه إلا لقائي
وبأن عينك، عين ميدوزا
سناها من سنائي
وبأنني الغالي لديك
وأنت أغلى من غلائي
وثقي بأنك رغم ما
سفحت نصالك من دمائي
وبقدر ما للتافهين
كشفت ياني من غطائي
ما زلت ياني أجمل ال
لحظات حتى في شقائي!
ما زلت كل رفيف أجنحتي
وكل مدى فضائي
ما زلت نبض دمي، وأعظم
ما يحقق لي بقائي
ما زلت أنت مجرتي
وغدي المشعشع بالضياء
لا تطفئيها مرة
أخرى.. فناؤك في فنائي!
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طيش !
الجزء ( 60 )
ألتفتت عليه بغضب لا تكاد تصدق بأن والدها يوافقه ويصادق على أفعاله بكل أريحية دون أن يلقي لموقفي منه أي إهتمام، عبدالعزيز أهانني بإرادة والدي ودون هذه الإرادة لما ذلني أبدا. : طبعا لا
عبدالعزيز أدخل يديه في جيوبه ليبتسم : صدقتي؟ أصلا مستحيل نروح .. أثير هناك ..
رتيل أخذت نفس عميق: عبدالعزيز يكفي تضايقني أكثر!!
عبدالعزيز : وأنا ماأبغى أضايقك .. تذكري الهدنة اللي قلنا عنها !!
رتيل بضيق : وأنت خليت فيها هدنة! تقهرني وتضايقني بعدها تقول هدنة
عبدالعزيز تنهد : طيب خلينا نمشي .... وأتجها لحي أقل صخبا، دخلا في إحدى المقاهي المنزوية بهدوءها.
وضعت هاتفها على الطاولة وهي تأخذ الهواء بطريقة توحي بأنها تختنق، رفع عينه لها : أنا تعبت من هالموضوع! خلينا نقرر من هاللحظة
رتيل : يعوضني الله
عبدالعزيز أمال فمه بمثل حركتها الدائمة التي ترتبط معه بها ولم يلحظها بعد، أطال صمته ليقطعه بجمود : يعني ؟
رتيل شتت أنظارها دون أن تجيبه. وبدأت تسرق الغطرسة والسادية من جوف عزيز، بدأت تستنسخ قساوته كما يليق بالحزن الذي تسبب به في قلبها.
عبدالعزيز : وش تقصدين يا رتيل!
رتيل : اللي فهمته
عبدالعزيز : وهذا قرارك ؟
رتيل أرادت أن تلسعه بعذاب الضمير لتردف بقسوة أحتدت بنبرتها : لا! القرار لك ولأبوي .. من متى كان لي قرار ؟ مثل ما طبختوها .. طلعوا لكم مخرج منها
عبدالعزيز يشتت أنظاره للمقهى الخاوي من كل شيء عدا العجوز الذي يجلس خلف الطاولة التي بجانب الباب، عاد عينه إليها : نطلع لنا مخرج!! أنت شايفة انه موضوع تافه عشان ..
تقاطعه : بالنسبة لي تافه
عبدالعزيز بغضب : لا تستفزين أعصابي يا رتيل!!
رتيل ألتزمت صمتها وهي تتشابك بأصابعها مع مفرش الطاولة.
عبدالعزيز : صدقيني محد بيخسر غيرك! أحكمي عقلك وأعرفي كيف تفكرين وتقررين
رتيل بإستفزاز صريح : قلت يعوضني الله عن خسارتك
عبدالعزيز أخذ نفس عميق : ما عندك غير هالحكي ؟
رتيل بإنفعال لم تستطيع أن تسيطر على كلماته الفاترة في حضرة غيرتها المنتشية : ماهو على كيفك ولا هو على مزاجك متى ماتبي تجي ومتى ما روقت مع أثير نسيتني
عبدالعزيز : متى نسيتك ؟
رتيل : أسأل نفسك ...
عبدالعزيز رفع حاجبه : مشكلتك ماهي معي على فكرة .. مشكلتك مع قلبك اللي يناقضك
رتيل : أجل أترك لي مشاكلي بروحي! أنا أحلها مع نفسي
عبدالعزيز بدأت قدمه اليمنى بالإهتزاز والضرب على الأرض : تفكرين بمستقبلك كيف يكون ؟
رتيل : أحلامي مالك فيها مكان
عبدالعزيز شد على شفتيه : يعني أفهم أنه قرارك أخير!
رتيل ودت لو يقول شيئا يعاندها به، لو يرفض وينكر القرار، والله لأتحجج بكل شيء في يدي وأرضخ لك، لو كلمة! فقط كلمة تبلل جبين القلب المتعارك بحزنه، فقط كلمة وأعف عنك، لكنك أقسى من أن تتنازل عن كبريائك أمام أنثى مثلي، أقسى بكثير من أن تشعر بأن الحياة ضئيلة ولا تستحق أن نعيشها بهذه الصورة، أقىسى بكثير يا عزيز من أن تعتذر لي ولو إعتذار مبطن.
عبدالعزيز : كنت متوقع شي ثاني! لو أدري أنه كلامك بيكون كذا .... ما كان جيت .. ما كان خليتك تسمعيني إياه
رتيل بضيق تقاوم رعشات عينيها : وش كنت متوقع؟ أقولك راضية أنه أثير تشاركني فيك! ولا أقول أنه إهاناتك ما عادت تعني شي .. وش بالضبط منتظر مني ؟
عبدالعزيز يثبت نظراته في عينيها المتلألأة بالدمع : شي واحد ما أفهمه فيك! .... شي واحد يا رتيل ماني قادر أفهمه ... كيف تتلذذين بتعذيب نفسك!
تجمدت ملامحها، ستكره نفسها لو تبكي أمامه، بلعت غصتها وهي تقاوم الحشود الذائبة في عينيها : أعذب نفسي!! غلطان .. لو يصير اللي يصير ما يهمني وأظن كل شي يثبت لك هالحقيقة ما يحتاج أقولك وأزيد عليك .. حتى عقب الحادث لو لا سمح الله صار فيك شي كنت بحزن عليك لمجرد شخص عادي.. ممكن أحزن على أي شخص في الشارع! لكن مستحيل أندم على وقت راح بدون لا أكون معك .. لأنك ببساطة ما تعني لي شي، أشك حتى أنه أثير تعني لي أكثر منك!!
يطيل النظر بها، لعينيها التي تصدق وتهينه كثيرا، للكلمات الحادة التي تنصف القلب وتسقطه، تبادله الإهانة ذاتها ولكن يخشى أن نبرة الصدق هذه واقع وليس من أوهامه، أردف بإبتسامة تخفي قهره : تحاولين تبنين كلامك على أشياء ماهي موجودة! تكذبين الكذبة وتصدقينها
رتيل بغضب ترفع عينها المحمرة بالرعشة وصدرها الذي يعتلي بالنبض : ما أبني كلامي! أنا فعلا ما عندي غير هالكلام .. لا تجرب تستخف فيني بحكيك أو حتى تفكر تضايقني بأثير! وهالمرة أنا اللي بصارح أبوي عشان يعرف قدر اللي معطيه هالثقة
عبدالعزيز : خلصتي كلامك ؟
تكاثرت الدموع في محاجرها، كيف للغيرة أن تتسرب إلى عيني، كيف لكلماته أن تشطرني نصفين؟ كيف لإسمها البسيط أن يقف كالغصة في صوتي؟ كيف لكل هذا يجتمع في رجل! قاس يا عبدالعزيز ويعز على قلبي أن تكون هكذا، يا حزني المتواصل منك، يا حزني الذي لم يجف بعد! لم يتضائل بعد، مازال في قوته، في تماسكه، وأنت وحدك من تبدده وأنت وحدك من تستلذ بتماسكه على قلبي.
يهمس : مين يوجع الثاني يا رتيل؟ أنت اللي توجعين نفسك
أتى صوتها الباكي، تعرت من مكابرتها لتنهمر دموعها بقساوة الغيرة المترسبة في محجر عينها : أنت تضايقني! تهيني كثير يا عبدالعزيز هذا وأنا ما أجرمت في حقك أبد، كل هذا عشان أدافع عن نفسي في وقت الكل بما فيهم أبوي أرخصني .. وش سويت لك بالضبط عشان تقهرني بكل شي يجي في بالك؟ قولي بس وش سويت وأنا مستعدة أعتذر لك الحين وننهي كل هذا ..
أنهارت لتغرق كلماتها في البكاء، بكلمات متقاطعة يعلو بها بكائها : أنت اللي بديت! وانت اللي ضايقتني! في كل شيء .. في كل شيء والله تقهرني .... ما أطلب منك شي.. بس أحترم قلبي ...
بإنكسار أردفت : أحترمه لو شوية
وقف ليتجه للكرسي الذي بجانبها ويجلس عليه : وأنت؟ يا كثر ما توجعيني يا رتيل وتقولين ما أجرمتي في حقي!
ببحة الوجع : اللي سويته ولا شي! بس أنت ما قصرت في أكثر شي يوجع البنت سويته! رحت وتزوجت
عبدالعزيز : قضيتك ماهي أثير .. انا متأكد من هالشي
رتيل: قضيتي بأنه فيه شخص ثاني موجود في حياتك!! تقبل تهين أثير ؟ .... جاوب على سؤالي تقبل ؟
عبدالعزيز بهدوء : مستحيل أقبل أحد يهينها
أرتفع صدرها بشهيقها المتأني دون زفير، ليكمل : إن كان في بالك أني أستغل أثير فأنت غلطانة وأني جايبها لمجرد أني أهينك فأنت في مصيبة .. لأن أنا قادر أهينك بدون ما أستخدم أحد، لكن أنا .. أبغى أثير يا رتيل
لا يدرك بالوجع أبدا، لا يدرك بحزني ولن يدرك، لم حظي بهذا السوء؟ لم الحزن يتربص لي في كل محاولة أبتسم بها! في كل مرة لا أرى شيئا يستحق الحياة، يجدر بي أن أهنئك يا عزيز فأنت كسبت وأفقدتني المتعة في الحياة.
ألتفتت عليه بكامل جسدها لتلتصق به، تأمل دمعها بعينيه التائهتين، كيف يجب أن نخبر هذه السمراء بأن لاتبكي؟ كيف نخبرها بأن البكاء منها يعني : إنقلاب وكارثة، بأن ملامح الجميلات يحرم عليهن الدمع، أنا أعترف أنني قادر على فعل كل شيء، وأن أقاوم رغباتي بكل ماهو سيء ولكن أمام دموعك أنا جدا سيء يا رتيل وأعني بجدا سيء أنني مستعد أن أنقض العهود كما ينقضها اليهود! أنقضها بكل عنف دون أن أسأل عما سبق وعما سيأت، ما بيننا أكبر من هدنة، ما بيننا عمر لا يقبل أبدا أن يتعطل بهدنة.
رتيل بألم : تبغاها ؟ يعني كنت تبغى تتزوجني بس عشان تضايق أبوي .. وتضايقني .. تعرف وش اللي موجعني؟ كنت أظن أنك لي وهي الدخيلة بيننا .. بس طلعت أنا اللي مالي مكان بينكم .. كيف تقدر يا عبدالعزيز تسويها فيني؟
بدأت تفقد شعورها بعقلها وبإتزان تفكيرها، أنهارت تماما وهي تعاتبه بألم يقذف نفسه بجسدها : علمني كيف تقدر توجعني كذا ؟ يخي أنا وش سويت في حياتي عشان تسوي فيني كذا !! ليه ما تفهم .. حرام عليك .. تدري بشعوري .. تدري بأنه قلبي معك وتوجعني! ....
يجلس بجانبها جامدا سوى من عينيه المحاصرة لعينيها المرتعشتين، بلاوعي ضربت يدها التي تغطيها الجبيرة في الطاولة وهي تعلن جنونها الان على حبها وإنهيارها عليها، سحب يدها حتى لا تكسرها أكثر لتعتلي نبرتها ولا يفصل بينهما سوى هواء عابر : أنا الغبية اللي أتحراك وأنت أصلا قلبك معاها
عبدالعزيز بنبرة حانية : رتيل ..... خلاص ..
تخفض رأسها : ذليتني، كرهتني بنفسي، قهرتني بكل شيء حتى بأبوي، سويت كل شي ممكن يسيء لي .. وش بقى أكثر ؟
عبدالعزيز يسحب كرسيها أكثر حتى يلتصق تماما وما عاد الهواء العابر يمر بهما، أصبحت الأنفاس هي من تمر وتطوف حولهما : كانت ردة فعل لكلامك .. ما كان هدفي أني أضايقك .. والله ماكان هدفي أني أجرحك وأوجعك
رتيل : هذا وما هو هدفك .. كيف لو كان هدفك وش كنت بتسوي فيني!!
عبدالعزيز أبتسم بضيق : اهدي ولا تبكين عشان أقدر أتناقش معك
رفعت عينيها الباكية : أنا أبكي على حظي .. على حياتي الضايعة ...
يقاطع لذاعة كلماتها ليسحبها لحضنه، شدها حتى ود لو أنها تدخل فيه : ما تضيع حياتك وأنا جمبك .....
يهمس بدفء أنفاسه في أذنها : رتيل ... خلينا ننسى كل اللي صار .. أمحيه من بالك
رتيل بصوت مخنوق : وأثير ؟
عبدالعزيز : تجاهلي وجودها في حياتي
رتيل ببكاء الغيرة : كيف أعتبرها مهي موجودة وهي تعيش معك !!
يبعدها بهدوء ليمسح دمعاتها بأصابعه لتكمل بوجع : كيف تحب لك شخصين ؟
عبدالعزيز يطيل الصمت والضياع في عينيها التي يكرهها بقدر ما يحبها، هذه العينين التي دائما ما تجرد قلبه من كل الكلمات، حتى أصبح لا أعرف كيف أواسي قلبك ولا أعرف كيف أواسي نفسي!
يمسك كفها الأيسر ليضغط عليه بكفه الأيمن، تنظر له بضياع تام، لا أعتب عليك وعينيك خماري، وأني والله يا حبيبي أخاف العري وأخاف من نظرات المارة وأغار!.. أغار من العابرين والطرق التي تراك ولا تراني فكيف بالإناث؟ كيف أقبل أن تأت أنثى وتسكن معك؟ أن تراها وهي تستيقظ أمامك؟ أن تبصرها وهي تنام بجانبك؟ كيف أقبل بأن تشاركها طعامها، أن تشاركها أمورها الحياتية الصغيرة والكبيرة، كيف أقبل بكل هذا دون أن يخدش قلبي؟ دون أن يضيق بي ويحزنني؟ كيف أقبل بأن ترى عيناك غيري؟
: ما توفي يا عزيز .. ما توفي لا لي ولا لأثير ...
عبدالعزيز وهو يتلاعب بأصابعه على باطن كفها، عقد حاجبيه بوجع أكبر : ما كنت متخيل ولو للحظة حتى بأكثر لحظاتي تشاؤم أنه حياتي بتكون كذا ! اني بتزوج بهالطريقة .. أنه بيكون على ذمتي ثنتين مو وحدة! .. كنت أحلم مثل الكل .. كنت أحلم بالبيت اللي بيجمعنا وبالأطفال اللي بيحملون إسمي .. كنت أحلم .. كنت أحلم فيك .. بس أنا ما حققت ولا أي شي من أحلامي ..... أنا ماني متضايق من أبوك .. بالعكس أعتبره بمقام أبوي، أنا متضايق لأني أفلست من هالدنيا .. لأن ماعاد أنتظر أحد ولا أحد ينتظرني ، متضايق لأن أبوي ماهو معاي.. لأن أمي ماهي جمبي .. متضايق من أشياء كثيرة فقدتها وفقدت نفسي فيها، بس قولي لي تقدرين تعيشين بدون أبوك؟ .....
تخفض رأسها لتسقط دمعتها الحارة على كفه التي تتغلغل بكفها،
عبدالعزيز يتعرى بجروحه تماما، لم يعد يفيد الإسرار بشيء : ما تقدرين وأنا مقدر يا رتيل، إذا غبتي ساعة بتفقدك أختك وبيفقدك أبوك وبيفقدك مقرن وبيفقدونك أعمامك .. وبنات عمك والكل .. طيب أنا ؟ مين بيفقدني ؟ محد .. أفهميني بس ..
يشتت أنظاره بضياع : أفهمي أنه القصد أبد ماهو أني ماني قادر أوفي لأثير أو لك ..
،
رفع فيصل عينيه ليلتقط حضورها، تجمدت ملامحه بأنها بعيدة وجدا عن وصف والدته، لم تصدق بشيء سوى شعرها الطويل ماعدا ذلك خرافات من أمي التي ترى شيء لا أراه، أخذ نفسا عميقا وهو لا يرمش أبدا، يوسف القريب منها يهمس بإبتسامة ساخرة : تبين تقهوينه ؟
هيفاء تهدده بنظراتها العنيفة وتشعر بالإختناق وهي لم ترى سوى أقدامه، بلعت ريقها لتتوسل إليه بنظرات ثرثارة، يوسف وقف لم يعد يعرف ماذا تريد منه بالضبط ؟ ود لو يتركها لوحدها حتى تتورط ولكن لم تتم الملكة بعد ولا يجوز أن تختلي به لوحدها، جلست لتلتصق بيوسف.
يوسف يحاول بكل ما أعطاه الله من قوة أن لا يضحك بموقف يجب عليه أن يكون الأكثر إتزانا، طال صمتهم وطال ملله منهما.
فيصل تنحنح ليردف : شلونك يا هيفا ؟
هيفاء بصوت متقطع : ب.. بخير
يوسف أشفق عليهم ليحاول هو الاخر بفتح موضوع : طيب يا فصيل تقدر تقولنا الصفات اللي تبيها في هيفا
فيصل هدده بعينه ليشد على أسنانه : فصيل بعينك!!
يوسف أتسعت إبتسامته حتى بانت اسنانه : يالله يا بو عبدالله لا تبطي علينا عندك 10 دقايق بس
فيصل ينظر لهيفاء التي تكاد تذوب في خجلها، بشرتها البرونزية مغرية حد التأمل، عينيها شديدة الشبه بيوسف يشعر بالضياع أمامها : ما عندي صفات محددة
يوسف غرق بضحكته الطويلة وهو يشير له بيده دون أن تنتبه هيفاء بأنه " تخرفن "
فيصل مسح على وجهه حتى لا يضحك ويضيع " البرستيج "
يوسف : طيب فيه شي ثاني ودك تقوله ؟
فيصل : وأنت مخليني أتكلم
يوسف : يالله قول وش عندك ؟
فيصل بإبتسامة متزنة : أنا مستعجل ، عندي شغل وأبي زواجنا يكون بأقرب وقت
يوسف لم يستطيع أن يمسك نفسه ليضحك بخفوت وبنبرة ساخرة : عندك شغل!
فيصل بإندفاع : والله محدد هالشي من زمان ومنصور عنده خبر
يوسف يلتفت على هيفاء بإستلعان : موافقة يا هيفا ؟ طبعا إذا ما وافقت بتضطر تنتظرها
فيصل يراقب حركة شفتيها المرتجفة.
يوسف : وش قلتي ؟
هيفاء بحركة عفوية تغرز أصابعها في ذراع يوسف معبرة عن شدة الحرج التي تشعر بها.
يوسف : نعتبرها موافقة وصلى الله وبارك
فيصل أتسعت إبتسامته : أجل ألف مبرووك
يوسف وقف ليتجه مع فيصل للخارج حيث مجلسهم الذي أجتمع فيه الجميع، أطالوا وقوفهم أمام الباب وأصواتهم تخفت قبل أن يدخلا للمجلس.
خرجت هيفاء دون أن تنتبه أنهما مازالا واقفين ، رددت وهي تهف على نفسها بيدها بعد أن أعتلت حرارة جسدها والخجل مازال يسيطر عليها لتنادي على والدتها بنبرة توشك على البكاء : يممممممه ... يممه وش ذا ..
يوسف تنحنح حتى تنتبه لهما بينما فيصل تمتد إبتسامته لاخر مداها.
شهقت وهي تتراجع للخلف وتشتم نفسها ويوسف وفيصل وكل عائلتها في ثواني قليلة، ودت لو الأرض تنشق وتبلعها حالا .. حالا.
تعليق