موسوعة عبير الثقافية ..(مفهرسة),,

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نوران العلي
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 3156

    مقاييس نقد النثر (القصه) 6\7

    سادسا: المكان:
    المكان هو الميدان الذي تقوم عليه أحداث القصة
    ويجب على القاص حسن اختيار المكان وإجادة استثمار محتوياته ومكوناته.
    وتنبع أهمية المكان في استخدامه عنصرا كاشفا لمشاعر الشخصية القصصية وأحاسيسها.
    ويفصح الكاتب عن مكان القصة وزمانها بشكل مباشر وقد يترك ذلك للأحداث.
    \\\\
    سابعا: الحوار:
    يؤدي الحوار دورا أساسيا في تنمية أحداث القصة وتصعيدها
    فمن خلال الحوار ينشأ الحدث القصصي أو جميلة الأحداث كما أننا من خلاله نعرف سمات
    الشخصيات وخصائصها التي تتميز بها وتتميز اللغة القصصية بالسهولة والبساطة لأنها تحاول أن
    تقترب كثيرا من واقع الأحداث ومن واقع القارئ أيضا.

    واقعية الحوار:
    لا خلاف بين كتاب القصة في استخدام اللغة العربية الفصحى في السرد والوصف والتحليل داخل
    القصة أما الحوار فإن عددا من أولئك الكتاب يرى أنه من الممكن أن يكون بعض منه بالعامية.

    لكن التجربة أكدت أن اللغة العربية في مستواها المتوسط البعيد عن الغرابة والغموض قادرة على
    التعبير الواقعي المناسب دون حاجة إلى اللهجة العامية.

    كما يجب على القاص أن يضفي على واقعية الحوار السمات الواقعية الدالة عليه مثل الغضب والرضا والحزن والسعادة ورفع الصوت وتخفيضه وهكذا.

    تعليق

    • نوران العلي
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 3156

      ظاهرة السرآب ,,

      السراب


      هو عبارة عن ظاهرة طبيعية تحدث بسبب الاختلاف في كثافة طبقات الهواء القريبة من سطح
      الارض وحدوث الانعكاس الكلي الداخلي في إحداها عندما تزيد زاوية سقوط الاشعة فيها عن
      الزاوية الحرجة.

      وتفسيرا لما يشاهده المسافر في الصحراء وفي المناطق القطبية أثناء النهار من صور مقلوبة
      للأشياء كالاشجار والحيوانات فإن ذلك مرده الى وجود ظاهرة السراب .


      والسراب نوعين هما:



      السراب الصحراوي :
      والذي يحدث عندما تكون الشمس ساطعة ترتفع درجة حرارة سطح الارض
      فتسخن طبقة الهواء التي فوقها فتكون درجة حرارة الهواء في الطبقة التي تليها أقل سخونة .


      وهكذا تنتقل الاشعة الصادرة عن الاجسام على سطح الارض من منطقة هواء بارد نسبيا الى
      أخرى أسخن فتنكسر الاشعة عند السطح الفاصل بينهما مبتعدة عن العمود المقام على السطح
      الفاصل من نقطة السقوط وتستمر كذلك الى أن تصل زاوية السقوط الى زاوية أكبر من الزاوية
      الحرجة فتنعكس انعكاس كلي داخلى ونتيجة لذلك يسير الضوء الى عين الناظر عبر المسار المبين
      في الشكل المجاور على أنه خيال مقلوب .


      و السراب القطبي :
      الذي يحدث نتيجة اختلاف كثافة طبقات الهواء القريبة من الارض حيث تكون
      الطبقات القريب من الارض عاليه البرودة والاعلى منها تتميز أنها اقل برودة.


      في هذه الحالة تنتقل الأشعة الصادرة عن الاجسام على سطح الارض من منطقه هواء بارد جدا الى
      منطقه هواء اقل برودة فتنكسر الأشعة عند السطح الفاصل مبتعدة عن العمود المقام عليه وتستمر
      كذلك الى ان تصل الى زاوية سقوط اكبر من الزاوية الحرجة وعندها يرى الناظر امتداد الاشعه
      المنعكسة ليشاهد خيالا مقلوبا .



      وقد ورد ذكر السراب في القران الكريم في سورة النور في قوله تعالى

      (( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة(1) يحسبه الظمان ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئا
      وجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب)) .
      بقيعة: المكان الخالي الفسيح

      هنا المثل الأول للكفار الذين يحسبون علي شيء وهم ليس علي شيء فالمثل الأن عن السراب
      الذي يري في القيعان من الأرض عن بعد كأنه بحر طام والقيعه هي جمع قاع وهي الأرض
      المستوية المتسعة المنبسطة وفيها يكون السراب وانما يكون ذلك بعد نصف النهار فيري كأنه ماء
      فأذا قصده ليشرب لم يجده شيئا


      تعليق

      • نوران العلي
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 3156

        [ خالد بن الوليد ,,, وصهيل المعارك ]

        نبذة عن حياة القائد خالد بن الوليد

        ولد القائد المسلم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي في مكة، لأب شديد الثراء ورفيع النسب والمكانة
        هو الوليد بن المغيرة الذي قال فيه وأمه هي لبابة بنت الحارث الهلالية، ويمتد نسب خالد بن الوليد
        إلى الجد السابع للنبي محمدصلى الله عليه وسلم . ويرجع علماء الانساب نسب قبيلة بني خالد المعروفة حاليا إليه.
        كان له ستة إخوة وأختان، نشأ معهم نشأة مترفة، وتعلم الفروسية منذ صغره مبديا فيها براعة مميزة، جعلته يصبح أحد قادة فرسان قريش.

        كان خالد بن الوليد مترددا في النظر للاسلام، وحارب المسلمين في غزوتي أحد و الأحزاب ولم يحارب
        في بدر لأنه كان في بلاد الشام وقت وقوع الغزوة الأولى بين المسلمين و مشركي قريش ، غير أنه بدأ
        يميل إلى الإسلام وأسلم بعد صلح الحديبية، رغم أنه كان صاحب دور رئيسي في هزيمة المسلمين في
        غزوة أحد في الغزوة بعد ان قتل من بقي من الرماة المسلمين على جبل احد و التف حول جيش
        المسلمين و طوقهم من الخلف و قام بهجوم ادى إلى ارتباك صفوف جيش المسلمين.

        إسلامه
        أسلم خالد في صفر للسنة الثامنة الهجرية، قبل فتح مكة بستة أشهر، وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين،
        وذهب ليعلن إسلامه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم برفقة صاحبه عمرو بن العاص، وبدأ منذ
        ذلك الحين جهده و عمله الحثيث الكبير في نصرة الإسلام و المسلمين و نشر دين الله في الارض.

        شارك خالد في أول غزواته في غزوة مؤته ضد الغساسنة و الروم وظهر نبوغه العسكري في هذه
        الغزوة و انقذ جيش المسلمين و قام بخداع جيش الروم و انسحب بجيش المسلمين في أروع خطة
        انسحاب في التاريخ و عاد بهم إلى المدينة المنورة وفي هذه الغزوة سماه الرسول صلى الله عليه وسلم سيف الله.
        ولقد أمره الرسول صلى الله عليه و سلم على أحد الكتائب الاسلامية التي تحركت لفتح مكة واستعمله
        الرسول أيضا في سرية للقبض على اكيدر ملك دومة الجندل أثناء غزوة تبوك.

        دوره في حروب الردة
        قام خالد بن الوليد بدور كبير جدا في حروب الردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم و واجه بجيشه
        أقوى جيوش المرتدين واجه المرأة سجاح مدعية النبوة و مالك بن نويرة الذي ساعدها و رد أموال
        الزكاة لمن دفعها بعد أن كان جمعها لتوريدها لبيت مال المسلمين و قد أقرت سجاح وأتباعها في ما
        فعلوه في من ثبت من أهل قبائلهم على الإسلام و نال مالك بن نويرة جزاء ما فعل و نفذ خالد بن الوليد
        ما أمره به الخليفة ابو بكر الصديق حيث قتل كل من قتل مسلما أو ساهم في قتل مسلم.

        ثم قام بمواجهة مسيلمة الكذاب مدعي النبوة الذي امتلك أكبر جيوش المرتدين وهزمه في معركة اليمامة
        وهي من اكبر المعارك التى خاضها المسلمون مع المرتدين.

        دوره في فتح بلاد فارس و العراق
        قام خالد بن الوليد بدور جليل في تدمير امبراطورية فارس الكبرى و تدمير جيوشها و خاض بجيشه من
        خيرة الصحابة و عددهم ما يقرب من 18 الف مقاتل مسلم حق معارك طاحنه مع جيوش الفرس نذكر
        منها معركة كاظمه و الابله و المزار و اليس و الولجه و الانبار و عين التمر و قد ظهر من عبقرية خالد
        العسكرية الكثير في هذه المعارك الكبيرة و استخدم من اساليب القتال و تكتيكات فن الحرب الكثير و نفذ
        استراتيجيات و خطط عسكرية عظيمة جدا تدرس حتى الان في الكليات و المعاهد العسكرية.

        دوره في فتح بلاد الروم و الشام
        ارسله الخليفة ابو بكر الصديق لنجدة جيوش المسلمين في الشام بعد ان ثبت خالد بن الوليد اقدامه في
        العراق و دمر معظم جيوش الفرس ، تحرك خالد بن الوليد و قطع صحراء السماوة و معه دليله رافع و
        جيشه جيش الزحف و وصل في وقت قليل لنجدة المسلمين في بلاد الشام و شارك في معارك طاحنه
        حاسمة في بلاد الشام منها معركة فتح دمشق و اجنادين و فحل و معركة السوق و اليرموك الكبرى و
        اظهر نبوغ في التخطيط عسكري و شجاعه و اقدام منقطع النظير.

        كانت رايته تسمى راية العقاب، من اكبر ضباطه و مساعدين كان ضرار بن الازور (الفارس العاري الصدر)
        و لضرار الكثير من المواقف المشرفة البطولية في المعارك و هو فارس مقدام لا يشق له غبار.

        كان خالد بن الوليد هو والزبير بن العوام الوحيدان اللذان كانا يقاتلا بسيفين في وقت واحد وكانا يوجهان فرسهما بأرجلهم.

        واصل خالد تألقه وأعماله البطولية عندما كان من القلة القليلة التي استبسلت في الدفاع عن رسول الله في معركة حنين،
        قبل أن يجمع جيش المسلمين المذعور ويعيد ترتيبه بعد الهرج والمرج الذي ساده، ليقوده لاحقا إلى
        فوز ساحق على قبيلة هوازن في معركة طاحنة. ولم تتوقف إنجازاته على فترة حياة محمد صلى الله
        عليه وسلم، بل واصل القائد البطل خدمته للدين الحنيف عندما أخمد أكبر حركة كادت تودي بحياة الأمة
        بهزيمته لأبرز المرتدين ومدعي النبوة: طليحة بن خويلد وسجاح ومسيلمة الكذاب، قبل أن يتجه لمساندة
        باقي الجيوش المسلمة التي حاربت المرتدين الذين انقلبوا على أعقابهم بعد وفاة النبي ولم يهدأ
        لسيف الله بال قبل أن يكمل المشوار الذي بدأه ويقود جيوش المسلمين لفتح العراق وبلاد فارس
        ومساندته للجيوش التي قصدت بلاد الشام لنشر الدين الحنيف في تلك الأراضي،
        قبل أن يقول كلمته الشهيرة وهو على فراش الموت في مدينة حمص:
        ما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو
        رمية بسهم، أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء

        يتبع خالد بن الوليد

        تعليق

        • نوران العلي
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 3156

          خالد بن الوليد - لا ينام ولا يترك أحدا ينام

          خالد بن الوليد - لا ينام ولا يترك أحدا ينام



          ان أمره لعجيب..!!

          هذا الفاتك بالمسلمين يوم أحد والفاتك بأعداء الاسلام بقية الأيام..!!

          ألا فلنأت على قصته من البداية..

          ولكن أية بداية..؟؟

          انه هو نفسه، لا يكاد يعرف لحياته بدءا الا ذلك اليوم الذي صافح فيه الرسول مبايعا..
          ولو استطاع لنحى عمره وحياته، كل ماسبق ذلك اليوم من سنين، وأيام..

          فلنبدأ معه اذن من حيث يحب.. من تلك اللحظة الباهرة التي خشع فيها قلبه لله، وتلقت روحه فيها لمسة
          من يمين الرحمن، وكلتا يديه يمي، فنفجرت شوقا الى دينه، والى رسوله، والى استشهاد عظيم في
          سبيل الحق، ينضو عن كاهله أوزار مناصرته الباطل في أيامه الخاليات..


          لقد خلا يوما الى نفسه، وأدار خواطره الرشيدة على الدين الجديد الذي تزداد راياته كل يوما تألقا وارتفاعا،
          وتمنى على الله علام الغيوب أن يمد اليه من الهدى بسبب.. والتمعت في فؤاده الذكي بشائر اليقين، فقال:

          والله لقد استقام المنسم....

          وان الرجل لرسول..

          فحتى متى..؟؟

          أذهب والله، فأسلم..

          ولنصغ اليه رضي الله عنه وهو يحدثنا عن مسيره المبارك الى رسول الله عليه الصلاة والسلام،
          وعن رحلته من مكة الى المدينة ليأخذ مكانه في قافلة المؤمنين:

          .. وددت لو أجد من أصاحب، فلقيت عثمان بن طلحة، فذكرت له الذي أريد فأسرع الاجابة، وخرجنا
          جميعا فأدلجنا سحرا.. فلما كنا بالسهل اذا عمرو بن العاص، فقال مرحبا يا قوم،

          قلنا: وبك..

          قال: أين مسيركم؟ فأخبرناه، وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم.

          فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان..فلما اطلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
          سلمت عليه بالنبوة فرد على السلام بوجه طلق، فأسلمت وشهدت شهادة الحق..

          فقال الرسول: قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك الا الى خير..

          وبايعت رسول الله وقلت: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صد عن سبيل الله..

          فقال: ان الاسلام يجب ما كان قبله..

          قلت: يا رسول الله على ذلك..

          فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك..

          وتقدم عمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، فأسلما وبايعا رسول الله...


          أرأيتم قوله للرسول: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صد عن سبيل الله..؟؟

          ان الذي يضع هذه العبارة بصره، وبصيرته، سيهتدي الى فهم صحيح لسلك المواقف التي تشبه الألغاز في حياة سيف الله وبطل الاسلام..

          وعندما نبلغ تلك المواقف في قصة حياته ستكون هذه العبارة دليلنا لفهمها وتفسيرها-..

          أما الان، فمع خالد الذي أسلم لتوه لنرى فارس قريش وصاحب أعنة الخيل فيها، لنرى داهية العرب كافة في دنيا الكر والفر،
          يعطي لالهة أبائه وأمجاد قومه ظهره، ويستقبل مع الرسول والمسلمين عالما جديدا، كتب الله له أن ينهض تحت راية محمد وكلمة التوحيد..

          مع خالد اذن وقد أسلم، لنرى من أمره عجبا..!!!!

          أتذكرون أنباء الثلاثة شهداء أبطال معركة مؤتة..؟؟
          لقد كانوا زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة..
          لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام.. تلك الغزوة التي حشد لها الروم مائتي ألف مقاتل، والتي أبلى المسلمون فيها بلاء منقطع النظير..

          و العبارة الجليلة الاسية التي نعى بها الرسول صلى الله عليه وسلم قادة المعركة الثلاثة حين قال:

          أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.
          ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى قتل شهيدا.
          ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.
          ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، ففتح الله علي يديه.

          فمن كان هذا البطل..؟؟
          لقد كان خالد بن الوليد.. الذي سارع الى غزوة مؤتة جنديا عاديا تحت قيادة القواد الثلاثة الذين جعلهم الرسول على الجيش:
          زيد، وجعفر وعبدالله ابن رواحة، والذين اساشهدوا بنفس الترتيب على ارض المعركة الضارية..

          وبعد سقوط اخر القواد شهيدا، سارع الى اللواء ثابت بن أقوم فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط الجيش المسلم حتى لا بعثر الفوضى صفوفه..

          ولم يكد ثابت يحمل الراية حتى توجه بها مسرعا الى خالد بن الوليد، قائلا له:

          خذ اللواء يا أبا سليمان...

          ولم يجد خالد من حقه وهو حديث العهد بالاسلام أن يقود قوما فيهم الأنصار والمهاجرون الذين سبقوه بالاسلام..

          أدب وتواضع وعرفان ومزايا هو لها اهل وبها جدير!!

          هنالك قال مجيبا ثابت بن أقرم:

          لا اخذ اللواء، أنت أحق به.. لك سن وقد شهدت بدرا..

          وأجابه ثابت: خذه، فأنت أدرى بالقتال مني، والله ما أخذته الا لك.

          ثم نادى في المسلمين: اترضون امرة خالد..؟

          قالوا: نعم..

          واعتلى العبقري جواده. ودفع الراية بيمينه الى الأمام كأنما يقرع أبوابها مغلقة ان لها أن تفتح على طريق طويل لاحب سيقطعه البطل وثبا..

          في حياة الرسول وبعد مماته، حتى تبلغ المقادير بعبقريته الخارقة أمرا كان مقدورا...

          ولي خالد امارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد. فضحايا المسلمين كثيرون، وجناهم مهيض.. وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح، ظافر مدمدم..

          ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من المصير شيئا، فتجعل المغلوب غالبا، والغالب مغلوبا..

          وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه، هو وقف الخسائر في جيش الاسلام، والخروج ببقيته سالما،
          أي الانسحاب الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض المعركة.

          بيد أن انسحابا كهذا كان من الاستحالة بمكان..

          ولكن، اذا كان صحيحا أنه لا مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع قلبا من خالد، ومن أروع عبقرية وأنفذ بصيرة..؟؟!


          هنالك تقدم سيف الله يرمق أرض القتال الواسعة بعينين كعيني الصقر، ويدير الخطط في بديهته بسرعة الضوء.. ويقسم جيشه،
          والقتال دائر، الى مجموعات، ثم يكل الى كل مجموعة بمهامها.. وراح يستعمل فنه المعجز ودهاءه البليغ حتى فتح في صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة،
          خرج منها جيش المسلمين كله سليما معافى. بعد أن نجا بسبب من عبقرية بطل الاسلام من كارثة ماحقة ما كان لها من زوال...!!

          وفي هذه المعركة أنعم الرسول على خالد بهذا اللقب العظيم..



          يتبع خالد بن الوليد

          تعليق

          • نوران العلي
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 3156

            وتنكث قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتحرك المسلمون تحت قيادته لفتح مكة..
            وعلى الجناح الأيمن من الجيش، يجعل الرسول خالدا أميرا..
            ويدخل خالد مكة، واحدا من قادة الجيش المسلم، والأمة المسلمة بعد أن شهدته سهولها وجبالها.
            قائدا من قواد جيش الوثنية والشرك زمنا طويلا..
            وتخطر له ذكريات الطفولة، حيث مراتعها الحلوة.. وذكريات الشباب، حيث ملاهيه الصاخبة..
            ثم تجيشه ذكريات الأيام الطويلة التي ضاع فيها عمره قربانا خاسرا لأصنام عاجزة كاسدة..
            وقبل أن يعض الندم فؤاده ينتفض تحت تحت روعة المشهد وجلاله..
            مشهد المستضعفين الذين لا تزال جسومهم تحمل اثار التعذيب والهول، يعودون الى البلد الذي أخرجوا منه بغيا وعدوا،
            يعودون اليه على صهوات جسادهم الصاهلة، وتحت رايات الاسلام الخافقة.. وقد تحول همسهم الذي كانوا يتناجون به في دار الأرقم بالأمس،
            الى تكبيرات صادعة رائعة ترج مكة رجا، وتهليلات باهرة ظافرة، يبدو الكون معها، وكأنه كله في عيد...!!
            كيف تمت المعجزة..؟
            أي تفسير لهذا الذي حدث؟
            لا شيء الا هذه الاية التي يرددها الزاحفون الظافرون وسط تهليلاتهم وتكبيراتهم حتى ينظر بعضهم الى بعض فرحين قائلين:
            (وعد الله.. لا يخلف الله وعده)..!!
            ويرفع خالد رأسه الى أعلى. ويرمق في اجلال وغبطة وحبور رايات الاسلام تملأ الأفق.. فيقول لنفسه:
            أجل انه وعد الله ولا يخلف الله وعده..!!
            ثم يحني رأسه شاكرا نعمة ربه الذي هداه للاسلام وجعله في يوم الفتح العظيم هذا، واحدا من الذين
            يحملون راية الاسلام الى مكة.. وليس من الذين سيحملهم الفتح على الاسلام..
            ويظل خالد الى جانب رسول الله، واضعا كفاياته المتفوقة في خدمة الدين الذي امن به من كل يقينه، ونذر له كل حياته.

            يتبع خالد بن الوليد

            تعليق

            • نوران العلي
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 3156

              وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق الأعلى، ويحمل أبو بكر مسؤولية الخلافة، وتهب أعاصير الردة غادرة ماكرة،
              مطوقة الدين الجديد بزئيرها المصم وانتفاضها المدمدم.. يضع أبو بكر عينه لأول وهلة على بطل الموقف ورجل الساعة..
              ألي سليمان، سيف الله، خالد بن الوليد..!!
              وصحيح أن أبا بكر لم يبدأ معارك المرتدين الا بجيش قاده هو بنفسه، ولكن ذلك لا يمنع أنه ادخر خالدا ليوم الفصل،
              وأن خالدا في المعركة الفاصلة التي كانت أخطر معارك الردة جميعا، كان رجلها الفذ وبطلها الملهم..
              عندما بدأت جموع المرتدين تتهيأ لانجاز مؤامرتها الضخمة، صمم الخليفة العظيم أبو بكر على أن يقود جيوش المسلمين بنفسه،
              وقف زعماء الصحابة يبذلون محاولات يائسة لصده عن هذا العزم. ولكنه ازداد تصميما..
              ولعله أراد بهذا أن يعطي القضية التي دعا الناس لخوض الحرب من أجلها أهمية وقداسة، لا يؤكدها في رأيه
              الا اشتراكه الفعلي في المعارك الضارية التي ستدور رحاها بين قوى الايمان، وبين جيوش الضلال والردة،
              والا قيادته المباشرة لبعض أو لكل القوات المسلمة..
              ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة، على الرغم من أنها بدأت وكأنها تمرد عارض..
              لقد وجد فيها جميع الموتورين من الاسلام والمتربصين به فرصتهم النادرة، سواء بين قبائل العرب، أم على الحدود،
              حيث يجثم سلطان الروم والفرس، هذا السلطان الذي بدأ يحس خطر الاسلام الأكبر عليه، فراح يدفع الفتنة في طريقه من وراء ستار..!!
              ونشبت نيران الفتننة في قبائل: أسد، وغطفان، وعبس، وطيء، وذبيان..
              ثم في قبائل: بني غامر، وهوزان، وسليم، وبني تميم..
              ولم تكد المناوشات تبدأ حتى استحالت الى جيوش جرارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين..
              واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين، وعمان، والمهرة، واجه الاسلام أخطر محنة، واشتعلت الأرض من حول المسلمين نارا.. ولكن، كان هناك أبو بكر..!!
              عبأ أبو بكر المسلمين وقادهم الى حيث كانت قبائل بني عبس، وبني مرة، وذبيان قد خرجوا في جيش لجب..
              ودار القتال، وتطاول، ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم..
              ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة. حتى ندبه الخليفة للمعركة التالية..
              يتبع خالد بن الوليد

              تعليق

              • نوران العلي
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 3156

                وكانت أنباء المرتدين وتجمعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج أبو بكر على رأس هذا الجيش الثاني،
                ولكن كبار الصحابة يفرغ صبرهم، ويجمعون على بقاء الخليفة بالمدينة، ويعترض الامام علي طريق أبا بكر
                ويأخذ بزمام راحلته التي كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له:
                الى أين يا خليفة رسول الله..؟؟
                اني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد:
                لم سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك...
                وأمام اجماع مصمم من المسلمين، رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة وقسم الجيش الى احدى عشرة مجموعة.. رسم لكل مجموعة دورها..
                وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا..
                ولما عقد الخليفة لكل أمير لواءه، اتجه صوب خالد وقال يخاطبه:
                سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبدالله. وأخو العشيرة، خالد ابن الوليد، سيف من سيوف الله. سله الله على الكفار والمنافقين..
                ومضى خالد الى سبيله ينتقل بجيشه من معركة الى معركة، ومن نصر الى نصر حتى كانت المعركة الفاصلة..
                فهناك باليمامة كان بنو حنيفة، ومن انحاز اليهم من القبائل، قد جيشوا أخطر جيوش الردو قاطبة، يقوده مسيلمة الكذاب.
                وكانت بعض القوات المسلمة قد جربت حظها مع جيوش مسيلمة، فلم تبلغ منه منالا..
                وجاء أمر الخليفة الى قائده المظفر أن سر الى بني حنيفة.. وسار خالد..
                ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد في الطريق اليه حتى أعاد تنظيم جيشه، وجعل منه خطرا حقيقيا، وخصما رهيبا..
                والتقى الجيشان:

                يتبع خالد بن الوليد

                تعليق

                • نوران العلي
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 3156

                  والتقى الجيشان:
                  وحين تطالع في كتب السيرة والتاريخ، سير تلك المعركة الهائلة، تأخذك رهبة مضنية، اذ تجد نفسك أمام معركة
                  تشبه في ضراوتها وجبروتها معارك حروبنا الحديثة، وان اختلفت في نوع السلاح وظروف القتال..
                  ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة، وأقبل مسيلمة في خيلائه وبغيه، صفوف جيشه من الكثرة كأنها لا تؤذن بانتهاء..!!
                  وسلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه، والتحم الجيشان ودار القتال الرهيب، وسقط شهداء المسلمين تباعا كزهور حديقة طوحت بها عاصفة عنيدة..!!
                  وأبصر خالد رجحان كفة الأعداء، فاعتلى بجواده ربوة قريبة وألقى على المعركة نظرة سريعة، ذكية وعميقة..
                  ومن فوره أدرك نقاط الضعف في جيشه وأحصاها..
                  رأى الشعور بالمسؤولية قد وهن تحت وقع المفاجأة التي دهمهم بها جيش مسيلمة، فقرر في نفس اللحظة أن يشد في أفئدة المسلمين جميعا الى أقصاه..
                  فمضى ينادي اليه فيالق جيشه وأجنحته، وأعاد تنسيق مواقعه على أرض المعركة، ثم صاح بصوته المنتصر:
                  امتازوا، لنرى اليوم بلاء كل حي.
                  وامتازوا جميعا..
                  مضى المهاجرون تحت راياتهم، والأنصار تحت رايتهم وكل بني أب على رايتهم.
                  وهكذا صار واضحا تماما، من أين تجيء الهزيمة حين تجيء واشتعلت الأنفس حماسة، اتقدت مضاء، وامتلأت عزما وروعة..
                  وخالد بين الحين والحين، يرسل تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقى بها امرا، فتتحول سيوف جيشه الى مقادير لا راد لأمرها، ولا معوق لغاياتها..
                  وفي دقائق معدودة تحول اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات، فالمئات فالألوف، كذباب خنقت أنفاس الحياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد..!!
                  لقد نقل خالد حماسته كالكهرباء الى جنوده، وحلت روحه في جيشه جميعا.. وتلك كانت احدى خصال عبقريته الباهرة..
                  وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبها، وقتل مسيلمة..
                  وملأت جثث رجاله وجيشه أرض القتال، وطويت تحت التراب الى الأبد راية الدعي الكذاب..
                  وفي المدينة صلى الخليفة لربه الكبير المتعال صلاة الشكر، اذ منحهم هذا النصر، وهذا البطل..
                  وكان أبو بكر قد أدرك بفطنته وبصيرته ما لقوى الشر الجاثمة وراء حدود بلاده من دور خطير في تهديد مصير الاسلام واهله.. الفرس في العراق.. والروم في بلاد الشام..
                  امبراطوريتان خرعتان، تتشبثان بخيوط واهنة من حظوظهما الغاربة وتسومان الناس في العراق وفي الشام سوء العذاب، بل وتسخرهم،
                  وأكثرهم عرب، لقتال المسلمين العرب الذين يحملون راية الدين الجديدة، يضربون بمعاوله قلاع العالم القديم كله، ويجتثون عفنه وفساده..!

                  يتبع خالد بن الوليد

                  تعليق

                  • نوران العلي
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 3156

                    هنالك أرسل الخليفة العظيم المبارك توجيهاته الى خالد أن يمضي بجيشه صوب العراق..
                    ويمضي البطل الى العراق، وليت هذه الصفحات كانت تتسع لتتبع مواكب نصره، اذن لرأينا من أمرها عجبا.
                    لقد استهل عمله في العراق بكتب أرسلها الى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه..
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    من خالد بن الوليد.. الى مرازبة فارس..
                    يلام على من اتبع الهدى
                    أما بعد، فالحمد لله الذي فض خدمكم، وسلب ملككم، وهن كيدكم
                    من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، واكل ذبيحتنا فذلكم المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا
                    اذا جاءكم كتابي فابعثوا الي بالرهن واعتقدوا مني الذمة
                    والا، فوالذي لا اله غيره لأبعثن اليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة..!!
                    وجاءته طلائعه التي بثها في كل مكان بأنباء الزخوف الكثيرة التي يعدها له قواد الفرس في العراق، فلم يضيع وقته،
                    وراح يقذف بجنوده على الباطل ليدمغه.. وطويت له الأرض طيا عجيبا.
                    في الأبلة، الى السدير، فالنجف، الى الحيرة، فالأنبار، فالكاظمية. مواكب نصر تتبعها مواكب...
                    وفي كل مكان تهل به رياحه البشريات ترتفع للاسلام راية يأوي الى فيئها الضعفاء والمستعبدون.
                    أجل، الضعفاء والمستعبدون من أهل البلد الذين كان الفرس يستعمرونهم، ويسومونهم سوء العذاب..
                    وكم كان رائعا من خالد أن بدأ زحفه بأمر أصدره الى جميع قواته:
                    لا تتعرضوا للفلاحين بسوء، دعوهم في شغلهم امنين، الا أن يخرج بعضهم لقتالكم، فانئذ قاتلوا المقاتلين.
                    وسار بجيشه الظافر كالسكين في الزبد الطري حتى وقف على تخوم الشام..
                    وهناك دوت أصوات المؤذنين، وتكبيرات الفاتحين.
                    ترى هل سمع الروم في الشام..؟
                    وهل تبينوا في هذه التكبيرات نعي أيامهم، وعالمهم..؟
                    أجل لقد سمعوا.. وفزعوا.. وقرروا أن يخوضوا في حنون معركة اليأس والضياع..!
                    كان النصر الذي أحرزه الاسلام على الفرس في العراق بشيرا بنصر مثله على الروم في الشام..
                    يتبع خالد بن الوليد

                    تعليق

                    • نوران العلي
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 3156

                      كان النصر الذي أحرزه الاسلام على الفرس في العراق بشيرا بنصر مثله على الروم في الشام..
                      فجند الصديق أبو بكر جيوشا عديدة، واختار لامارتها نفرا من القادة المهرة، أبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، ثم معاوية بن أبي سفيان.
                      وعندما نمت أخبار هذه الجيوش الى امبراطور الروم نصح وزراءه وقواده بمصالحة المسلمين، وعدم الدخول معهم في حرب خاسرة..
                      بيد أن وزراءه وقواده أصروا على القتال وقالوا:
                      والله لنشغلن أبا بكر على أن يورد خيله الى أرضنا..
                      وأعدوا للقتال جيشا بلغ قوامه مائتي ألف مقاتل، وأ{بعين ألفا.
                      وأرسل قادة المسلمين الى الخليفة بالصورة الرهيبة للموقف فقال أبو بكر:
                      والله لأشفين وساوسهم بخالد..!!!
                      وتلقى ترياق الوساوس.. وساوس التمرد والعدوان والشرك، تلقى أمر الخليفة بالزحف الى الشام، ليكون أميرا على جيوش الاسلام التي سبقته اليها..
                      وما اسرع ما امتثل خالد وأطلع، فترك على العراق المثنى بن الحارثة وسار مع قواته التي اختارها حتى وصل مواقع المسلمين بأرض الشام،
                      وأنجز بعبقريته الباهرة تنظيم الجيش المسلم وتنسيق مواقعه في وقت وجيز، وبين يدي المعركة واللقاء،
                      وقف في المقاتلين خطيبا فقال بعد أن حمد ربه وأثنى عليه:
                      ان هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..
                      أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، وتعالوا نتعاور الامارة، فيكون أحدنا اليوم أميرا، والاخر غدا، والاخر بعد غد، حتى يتأمر كلكم...
                      هذا يوم من أيام الله..
                      ما أروعها من بداية..!!
                      لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..
                      وهذه أكثر روعة وأوفى ورعا!!
                      ولم تنقص القائد العظيم الفطنة المفعمة بالايثار، فعلى الرغم من أن الخليفة وضعه على رأس الجيش بكل أمرائه،
                      فانه لم يشا أن يكون عونا للشيطان على أنفس أصحابه، فتنازل لهم عن حقه الدائم في الامارة وجعلها دولة بينهم..
                      اليوم أمير، وغدا أمي ثان.. وبعد غد أمير اخر..وهكذا..
                      كان جيش الروم بأعداده وبعتاده، شيئا بالغ الرهبة..
                      لقد أدرك قواد الروم أن الزمن في صالح المسلمين، وأن تطاول القتال وتكاثر المعارك يهيئان لهم النصر دائما،
                      من أجل ذلك قرروا أن يحشدوا كل قواهم في معركة واحدة يجهزون خلالها على العرب حيث لا يبقى لهم بعدها وجود،
                      وما من شك أن المسلمين أحسوا يوم ذاك من الرهبة والخطر ما ملأ نفوسهم المقدامة قلقا وخوفا..
                      ولكن ايمانهم كان يخف لخدمتهم في مثل تلك الظلمات الحالكات، فاذا فجر الأمل والنصر يغمرهم بسناه..!!
                      ومهما يكن بأس الروم وجيوشهم، فقد قال أبو بكر، وهو بالرجال جد خبير:
                      خالد لها.!!
                      وقال: والله، لأشفين وساوسهم بخالد.
                      فليأت الروم بكل هولهم، فمع المسلمين الترياق..!!
                      عبأ ابن الوليد جيشه، وقسمه الى فيالق، وضع للهجوم والدفاع خطة جديدة تتناسب مع طريقة الروم
                      بعد أن خبر وسائل اخوانهم الفرس في العراق.. ورسم للمعركة كل مقاديرها..
                      ومن عجب أن المعركة دارت كما رسم خالد وتوقع، خطوة خطوة، وحركة حركة، حتى ليبدو وكأنه لو
                      تنبأ بعدد ضربات السيوف في المعركة، لما أخطأ التقدير والحساب..!!
                      كل مناورة توقعها من الروم صنعوها..
                      كا انسحاب تنبأ به فعلوه..
                      وقبل أن يخوض القتال كان يشغل باله قليلا، احتمال قيام بعض جنود جيشه بالفرار، خاصة أولئك الذين هم حديثو العهد بالاسلام،
                      بعد أن رأى ما ألقاه منظر جيش الروم من رهبة وجزع..
                      وكان خالد يتمثل عبقرية النصر في شيء واحد، هو الثبات..
                      وكان يرى أن حركة هروب يقوم بها اثنان أو ثلاثة، يمكن أن تشيع في الجيش من الهلع والتمزق ما لا يقدر عليه جيش العدو بأسره...
                      من أجل هذا، كان صارما، تجاه الذي يلقي سلاحه ويولي هاربا..
                      وفي تلك الموقعة بالذات موقعة اليرموك، وبعد أن أخذ جيشه مواقعه، دعا نساء المسلمين،
                      ولأول مرة سلمهن السيوف، وأمرهن، بالوقوف وراء صفوف المسلمين من كل جانب وقال لهن:
                      من يولي هاربا فاقتلنه..
                      وكانت لفتة بارعة أدت مهمتها على أحسن وجه..!!
                      وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز اليه خالد ليقول له بضع كلمات ..
                      وبرز اليه خالد، حيث تواجها فوق جواديهما في الفراغ الفاصل بين الجيشين..
                      وقال ماهان قائد الروم يخاطب خالدا
                      قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم الا الجوع والجهد..
                      فان شئتم، أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير، وكسوة، وطعاما، وترجعون الى بلادكم، وفي العام القادم أبعث اليكم بمثلها.!!
                      وضغط خالد الرجل والبطل على أسنانه، وأدرك ما في كلمات قائد الروم من سوء الأدب..
                      وقرر أن يرد عليه بجواب مناسب، فقال له:
                      انه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت، ولكننا قوم نشرب الدماء، وقد علمت أنه لا دم أشهى وأطيب من دم الروم، فجئنا لذلك..!!
                      ولوى البطل زمام جواده عائدا الى صفوف جيشه. ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال..
                      الله أكبر
                      هبي رياح الجنة..
                      كان جيشه يندفع كالقذيفة المصبوبة.
                      ودار قتال ليس لضراوته نظير..
                      وأقبل الروم في فيالق كالجبال..
                      وبان لهم من المسلمين ما لم يكونوا يحتسبون..
                      ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهم..
                      فهذا أحدهم يقترب من أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه والقتال دائر ويقول:
                      اني قد عزمت على الشهادة، فهل لك من حاجة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغها له حين ألقاه؟؟
                      فيجيب أبو عبيدة:
                      نعم قل له: يا رسول الله انا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا.
                      ويندفع الرجل كالسهم المقذوف.. يندفع وسط الهول مشتاقا الى مصرعه ومضجعه.. يضرب بسيفه، ويضرب بالاف السيوف حتى يرتفع شهيدا..!!
                      وهذا عكرمة بن أبي جهل..
                      أجل ابن أبي جهل..
                      ينادي في المسلمين حين ثقلت وطأة الروم عليهم قائلا:
                      لطالما قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهدني الله الاسلام، افأفر من أعداء الله اليوم؟؟
                      ثم يصيح: من يبايع على الموت..
                      فيبايعه على الموت كوكبة من المسلمين، ثم ينطلقون معا الى قلب المعركة لا باحثين عن النصر، بل عن الشهادة.. ويتقبل الله بيعتهم وبيعهم،
                      فيستشهدون..!!
                      وهؤلاء اخرون أصيبوا بجراح أليمة، وجيء لهم بماء يبللون به أفواههم، فلما قدم الماء الى أولهم،
                      أشار الى الساقي أن أعط أخي الذي بجواري فجرحه أخطر، وظمؤه أشد.. فلما قدم اليه الامء، اشار
                      بدوره لجاره. فلا انتقل اليه أشار بدوره لجاره..
                      وهكذا، حتى.. جادت أرواح أكثرهم ظامئة.. ولكن أنضر ما تكون تفانيا وايثارا..!!
                      أجل..
                      لقد كانت معركة اليرموك مجالا لفدائية يعز نظيرها.
                      ومن بين لوحات الفداء الباهرة التي رسمتها عزمات مقدرة، تلك اللوحة الفذة..
                      لوحة تحمل صورة خالد بن الوليد على رأس مائة لا غير من جنده، ينقضون على ميسرة الروم وعددها أربعون ألف جندي، وخالد يصيح في المائة الذين معه:
                      والذي نفسي بيده ما بقي مع الروم من الصبر والجلد الا ما رأيتم.
                      واني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم.
                      مائة يخوضون في أربعين ألف.. ثم ينتصرون..!!
                      ولكن أي عجب؟؟
                      أليس مالء قلوبهم ايمان بالله العلي الكبير..؟؟
                      وايمان برسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم؟؟
                      وايمان بقضية هي أكثر قضايا الحياة برا، وهدى ونبلا؟
                      وأليس خليفتهم الصديق رضي الله عنه، هذا الذي ترتفع راياته فوق الدنيا، بينما هو في المدينة
                      العاصمة الجديدة للعالم الجديد، يحلب بيده شياه الأيامى، ويعجن بيده خبز اليتامى..؟؟
                      وأليس قائدهم خالد بن الوليد ترياق وساوس التجبر، والصفلف، والبغي، والعدوان، وسيف الله
                      المسلول على قوى التخلف والتعفن والشرك؟؟
                      أليس ذلك، كذلك..؟
                      اذن، هبي رياح النصر...
                      هبي قوية عزيزة، ظافرة، قاهرة...
                      يتبع خالد بن الوليد

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...