انت لي .... قصة جميلة .. منقول ( 1) كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Loli.
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 5514



    • أيـــام .. كانت أيام :(


      تليغرامي للإقتباسات
      اضغط هنا


      .

      شيخة قلبه سابقا

    رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

    قطعت المسافة في زمن قياسي، و حين وصلت أخيرا إلى الشقة، قرعت الباب بشكل متواصل إلى أن فتحه أخي أخيرا...

    من النظرة الأولى إلى وجهه أدركت أن الموضوع أخطر مما تصورت.. كانت عيناه حمراوان و جفونه وارمة ، و وجهه شديد الكابة... و السواد أيضا...
    منظره أوقع قلبي تحت قدمي في الحال...

    و قبل أي كلمة أخرى هتفت مفزوعا :

    " أين رغد ؟؟ "

    و ركضت إلى الداخل مسرعا و أنا أنادي :

    " رغد ... رغد ... "

    و حين بلغت غرفتها طرقت الباب بقوة... و أنا أهتف بفزع...

    " رغد... أأنت هنا ؟ "

    فتح الباب و ظهرت رغد .. و ما أن وقعت أعيننا على بعضها البعض حتى كدت أخر صريعا..

    " رغد ! "

    " وليد ... "

    " أنت بخير صغيرتي ؟؟ أنت بخير ؟؟ "


    انفجرت رغد باكية بقوة ، التفت إلى الوراء فإذا بسامر يقف خلفي ، هتفت :

    " ماذا حصل ؟ "

    رغد ازداد بكاؤها ..

    قلت منفعلا :

    " أخبراني ماذا حدث ؟؟ "

    و نظرت إلى سامر في انتظار ما سيقول ...
    سامر حرك شفتاه و قال أخيرا :

    " أصيب والدانا في الغارة على الحدود"

    صعقت ، شهقت :

    " ماذا ؟؟ "

    طأطأ سامر رأسه للأسفل ، فقلت بسرعة :

    " سامر ؟؟ "

    لم يرفع عينيه في البداية، إلا أنه حين رفعهما كانتا غارقتين في الدموع، و قال أخيرا :

    " قتلوهما.."







    شهر كامل قد مضى، و أنا مقيم مع أخي و رغد في هذه الشقة... نسبح في بحر الدموع و الألم...

    لا يقوى أحدنا حتى على النهوض من المقعد الذي يجلس عليه... أسوأ اللحظات.. كانت تلك اللحظات التي رأيت فيه رغد تلطم وجهها و تصرخ و تنوح و تصيح...

    " لماذا كتب علي أن أيتم مرتين؟؟ من بقي لي بعدهما؟؟ أريد أن ألحق بهما.. أمي .. أبي .. أنا مدللتكما العزيزة.. كيف تفعلان هذا بي ؟؟ كيف تتركاني يتيمة من جديد؟ و أنا في أمس الحاجة إليكما.. ليتني مت منذ صغري..ليتني احترقت مع المنزل و لم أعش هذا اليوم... وا حسرتاه"

    كانت تجول في الشقة و تصرخ و تنادي كالمجنونة.. و تصفع رأسها بأي شيء تصادفه في طريقها..

    و كنت أمشي خلفها، محاولا تهدئتها و مواساتها ، بينما أنا الأكثر حاجة للمواساة..

    أبعد حرماني منهما لثمان سنين.. ثمان سنين كان من الممكن أن أقضيها تحت رعايتهما و حبهما.. اللذين مهما كبرت سأبقى بحاجة إليهما، أفقدهما بهذا الشكل؟؟

    حينما أتذكر يوم وداعهما...

    اه يا أمي.. و يا أبي..

    لو كنت أعرف أنه اللقاء الأخير.. ما كنت تركتكما تخرجان...

    أتذكر وصايا أمي... (اعتني بشقيقتيك جيدا لحين عودتنا).. أماه.. هاأنا قد اعتنيت بهما و إن قصرت.. فأين عودتك ؟؟

    لو كنت أعلم أنه اخر العهد لي بكما... ما فارقتكما لحظة واحدة حتى أموت دونكما أو معكما..

    لكنه قضاء الله.. و مشيئة الله..

    يا رب.. فكما جاءاك ملبيين طائفين حول بيتك المشرف، يا رب فأكرمهما بنعيم الجنة التي وعدت بها عبادك المؤمنين...

    و لا حول و لا قوة إلا بالله...




    شهر كامل قد انقضى و لم تتحسن أحوالنا النفسية شيئا يذكر..
    و هل يمكن أن يندمل جرح كهذا؟؟
    لقد كانا في حافلة مع مجموعة من الحجيج عائدين إلى البلد، بعدما نفذ صبر الجميع و دفعهم الحنين لأهلهم للإقدام على السفر برا...و كانت مجازفة أودت بحياتهم جميعا ...
    نحن.. و يا من كنا غارقين في بحر الحزن و الماسي.. و يا من تشردنا..و تشتتنا..و تفرقنا و انتكست أحوالنا و تنافرت قلوبنا..و كنا ننتظر عودة والدينا لعل الله يصلح الحال.. يأتينا نبأ مصرعهما المفاجئ المفجع.. و ينسف ما بقي لنا من قوة أيما نسف...

    السلطات اتصلت بأخي سامر و أبلغته الخبر المفجع، ليذهب لاستلام الجثتين من إحدى المستشفيات، التي نقل إليها جميع راكبي الحافلة، و الذين قتلوا جميعا دون استثناء..

    كنت أريد الذهب..فقط لألقي نظرة..فقط لأقبل أي شيء منهما.. رأسيهما.. جبنيهما.. أيديهما..إقدامهما..أو حتى ملابسهما..أي شيء منهما و لهما.. لكني بقيت رغما عني ملازما رغد في المستشفى.. متوقعا أن أفقدها هي الأخرى.. بين لحظة و أخرى..

    كانت أفظع أيام حياتي..

    كانت نائمة معظم الوقت، و كلنا أفاقت سألتني :

    " أين أبي؟؟ أين أمي ؟؟ ألا أزال حية ؟؟ متى سأموت؟؟"

    و لا أجد شيئا أواسيها به غير اهات تنطلق من صدري ، و شلالات تتدفق من عيني.. ونيران تحرق جسدي و ترديني فتاتا.. رمادا..غبارا..

    عندما عاد أخي.. كنت أنظر إلى عينيه بتمعن..أحدق بهما بجنون..عل صورة والدي قد انطبعت عليهما.. علني أرى طيف ما رأتاه..

    أخذت أضمه، و أشمه و أقبله.. فقد كان معهما.. و ربما علق به شيء منهما..أي شيء... أي شيء...

    و حين سألني عن رغد.. قلت باكيا :

    " ستموت! إنني أراها تموت بين يدي.. ماذا أستطيع أن أفعل؟ ليتني مت قبل هذا "

    و حين تحدث معها ، سألته بلهفة :

    " أين هما؟؟ هل عادا معك؟؟ هل عادا للمنزل؟ أعدني إليهما..فأنا أريد أن يشهدا عرسي..ليس مثل دانة !"


    أي عرس يا رغد..أي فرح..أي لقاء تتحدثين عنه ؟؟

    لقد انتهى كل شيء.. و الحبيبان اللذان كانا يدللانك و يحيطاننا جميعا بالحب و الرعاية.. ذهبا في رعاية من لا يحمد على مكروه قضى به سواه...

    اللهم لا اعتراض على قضائك...

    و إنا لله .. و إنا إليه راجعون....








    اليوم، و كما قررت أخيرا، سأذهب إلى المزرعة.. فلا بد لي من مواصلة العمل، و الدراسة في ذلك المعهد.. و العودة إلى أهلي بعدما حصل.. أصبحت ضربا من المحال..

    فمن يريد العودة إلى جحيم الذكريات... ؟؟

    سامر..كان قد أهداني سيارة قبل أيام، جاءت منقذة لي في وقت الحاجة الحقيقية.. شكرته كثيرا.. و أذكر أنه يومها ابتسم ابتسامة واهية و قال :

    " و لم كل هذا الشكر ! إنها مجرد سيارة.. بلا روح و لا مشاعر !"

    استغربت من رده، إلا أنه غير الحديث مباشرة...

    زرت المزرعة مرتين اثنتين فقط مذ قدمت إلى هنا.. فقد كان بقائي قرب رغد هو مركز اهتمامي و بؤرته... أما أحوال العائلة هناك كانت مستقرة..

    أجمع أشيائي في حقيبة أضعها على السرير، باب الغرفة مفتوح، يطل منه أخي سامر... و يتحدث ...

    " أحقا سترحل وليد؟؟ "

    استدير إليه و أقول :

    " كما ترى "

    مشيرا إلى الحقيبة.. و أضيف :

    " سأعود إلى عملي، و دراستي"

    يظل واقفا عند الباب ، ثم يخطو خطوتين إلى الداخل و يقول بصوت خافت :

    " أنا أيضا سأعود إلى عملي... انتهت إجازاتي الممددة "

    التفت إليه و أنا أدرك ما يعني، بل هو أكثر ما يشغل تفكيري على الإطلاق، لكنني أقول :

    " و إذا ؟؟ "

    يقول :

    " رغد... "

    نعم ، لا زلنا و منذ زمن..نقف عند هذه النقطة.. رغد...

    قال :

    " لا يمكن تركها وحيدة..، خذها معك "

    و فاجأني هذا الطلب، فهو اخر ما كنت أتوقع أن يطلبه أخي مني...

    لقد كنت أنا من سيطرح الفكرة، و خشيت أن أعقد الأمور أكثر في وقت نحن فيه في غنى تام عن أي تشويش يزيدنا ألما فوق ألم...

    قلت :

    " معي أنا ؟؟ "

    " نعم يا وليد.. فهناك حيث تقيم، لديك عائلة يمكن لرغد أن تظل تحت رعايتهم أثناء غيابك.. لكن هنا في هذه الشقة..."

    لم يتم كلامه..

    لقد كان هذا الموضوع هو شغلي الشاغل منذ قررت العودة للمزرعة، ألا أنني لم أكن أعرف الطريق لفتحه أمام سامر، خطيب رغد...

    قلت :

    " ما كنت فاعلا لو أنكما تزوجتما إذن؟ "

    قال :

    " ربما ..أتركها في بيتنا مع والدي "

    و الكلمة قرصت قلبينا... و عصرت شعورنا...

    تابع :

    " ألا أنه .. لا والدين لنا الان .. و لا بيت.."

    " يكفي أرجوك.."

    قلت ذلك محاولا إبعاد غيمة الهم عني، فقد اكتفيت من كل ذلك.. اكتفيت من الهموم التي حملتها على صدري مذ ارتكبت جريمتي و حتى هذا اليوم...

    بددت أشباح الذكرى المؤلمة بعيدا عن رأسي.. و قلت :

    " أتظنها ترحب بذلك ؟؟ "

    ابتسم ابتسامة مائلة للسخرية و قال :

    " جرب سؤالها بنفسك..."

    و رمقني بنظرة حادة، ثم غادر الغرفة...

    بعدما انتهيت من جمع أشيائي، ذهبت إلى غرفة رغد...

    طوال الأيام الماضية لم تكن تغادرها .. حتى القليل من الطعام الذي كانت تعيش عليه، تتناوله على سريرها.. حالتها كانت سيئة جدا ولازمت المستشفى وقتا طويلا، و كنا نتناوب أنا و سامر على رعايتها...إلا أنها تحسنت في الاونة الأخيرة.. و أحضرناها إلى هنا.. و الحمد لله

    فلو أصابها شيء..هي الأخرى، فسوف أموت فورا لا محالة...لن يقوى قلبي على تحمل صدمة أخرى.. و خصوصا للحبيبة رغد..لا قدر الله ..

    طرقت الباب و ذكرت اسمي، ثوان، ثم أذنت لي بالدخول...

    دخلت، فرأيتها جالسة على السرير، كالعادة، إلا أنها ترسم شيئا ما في كراستها...

    اقتربت لألقي نظرة على ما ترسم، كانت صورتين وهميتين لوالدي رحمهما الله.. مرسومتين بالقلم الرصاصي، و بمعالم غامضة مبهمة...

    " كيف أنت صغيرتي؟ "

    لم ترفع عينيها عن الرسمة، قالت :

    " كما أنا "

    و هو جواب يقتلني...إن كنتم لا تعلمون...

    قلت :

    " أنت بخير، الحمد لله .."

    قالت :

    " نعم ، بخير.. يتيمة مرتين، وحيدة و بلا أهل.. و لا من يتولى رعايتي .. عالة على ابن عمي ... "

    مزقتني كلماتها هذه، قلت :

    " عالة على خطيبك !؟ "

    قالت مصححة :

    " ابن عمي.. فأنا لن أتزوجه.. ما لم يحضر والداي و يباركا زواجنا.."

    كادت الدمعة تقفز من عيني... اقتربت منها أكثر.. و قلت محاولا المواساة :

    " حتى لو لم تتزوجيه، يبقى ابن عمك و مسؤولا عنك.. فلا تأتي بذكر كلمة عالة هذه مرة أخرى "

    الان، قامت بالخربشة على الصورتين بخطوط عشوائية حادة، ثم .. نزعت الورقة من الكراسة، ثم مزقتها..

    أخيرا نظرت إلي :

    " لم لا ترسلاني إلى دار لرعاية الأيتام ؟ "

    " رغد بالله عليك.. لم تقولين ذلك ؟؟ "

    " نعم فهو المكان الأنسب لي، سامر يريد العودة للعمل و أنا أعيقه "

    قلت بألم :

    " و أنا ؟ "

    رمقتني بنظرة مبهمة ، ثم قالت :

    " و أنت ستعود إلى عملك، و فتاتك..، و دانة تزوجت و استقرت مع زوجها في الخارج..، بلا بيت و لا والدين .. و لا أهل.. إما أن ترسلاني لبيت خالتي، أو لدار الأيتام "

    اغتظت، و قلت بعصبية :

    " كفي عن ذلك يا رغد، بالله عليك... أتظنين أنني سأتخلى عنك بهذه السهولة ! "

    رغد حدقت بي، متشككة مرتابة...

    قلت :

    " أبدا يا رغد ! لا تظني .. أنه بوفاة والدي رحمه الله.. لم يعد لك ولي مسؤول.. إنك من الان فصاعدا، لا .. بل من يوم وفاته فصاعدا... بل و من يوم وفاة والديك الحقيقيين فصاعدا.. تحت مسؤوليتي أنا.."

    لا تزال تحملق بي بريبة..

    قلت :

    " و من هذه اللحظة، اعتبريني أمك و أباك و أخاك و كل شيء.. "

    شيء من التصديق ظهر على وجهها.. أرادت التحدث إلا أنها منعت نفسها .. قلت مؤكدا :

    " نعم صغيرتي، و لتكوني واثقة مائة بالمائة.. من أنك ستبقين ملازمة لي كعيني هاتين.. و لسوف أفقأهما قبل أن أبعدك عني مترا واحدا ! "


    الان رغد راحت تنظر إلى المسافة التي تفصل بيننا، بضع خطوات تتجاوز المتر.. ثم تنظر إلي...

    نظرت أنا إلى حيث نظرت، ثم خطوت خطوتين للأمام، و قلت :

    " متر ! أليس كذلك ؟؟ "

    هنا .. انطلقت ضحكة غير متوقعة من حنجرة رغد.. ضحكة صغيرة كصغر حجمها و حجم حنجرتها.. و قصيرة كقصر المسافة التي بيننا هذه اللحظة... و مبهجة كبهجة العيد !

    لم أستطع منع نفسي من الابتسام.. و هل هناك أجمل من ابتسامة أو ضحكة عفوية تشق طريقها بين الدموع و الهموم؟؟

    لما رأيت منها هذا التجاوب، فرحت كثيرا.. فضحكة رغد ليست بالأمر السهل..إنها أعجوبة حصلت في زمن المرض و الماسي...

    قلت :

    " بما أن سامر سيبدأ العمل و سينشغل ثمان ساعات من النهار خارج الشقة، و أنا لابد لي من العودة لعملي، فأنا ساخذك معي.. فهل تقبلين ؟؟ "

    قالت :

    " و سامر؟ يبقى وحيدا ؟ "

    تعليق

    • Loli.
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 5514



      • أيـــام .. كانت أيام :(


        تليغرامي للإقتباسات
        اضغط هنا


        .

        شيخة قلبه سابقا

      رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,


      قلت :

      " سنأتي أسبوعيا لزيارته أو يأتينا هو.. ربما تتغير ظروفنا فيما بعد.. و نستقر جميعا في مكان واحد.. ما رأيك ؟ "

      نظرت إلى الأرض، ثم قالت :

      " حسنا "

      أثلج صدري، ارتخت عضلاتي و ارتاح قلبي من توتره.. قلت :

      " إذن اجمعي أشياءك الان، سنذهب عصرا "

      وقفت رغد مباشرة، و بدأت بجمع قصاصات الورقة التي مزقتها قبل قليل..

      أخذت تنظر إليها، و شردت...

      قلت مداعبا :

      " اطمئني يا رغد.. سترين..أي نوع من الاباء و الأمهات سأكون ! "

      ابتسمت رغد، و ألقت القصاصات في سلة المهملات...





      ~ ~ ~ ~ ~





      لم يكن لدي الكثير من الأشياء، لذا لم احتج أكثر من حقيبة صغيرة جمعت حاجياتي فيها، و وضعتها قرب الباب..

      وليد ذهب إلى الحلاق، و حينما يعود .. سنغادر..

      سوف لن أتحدث عن فاجعة موت والدي لأنني لا أريد لدموعي و دموعكم أن تنهمر.. فقد اكتفيت..تشبعت للحد الذي لم تعد فيه الدموع تحمل أي معنى...

      لقد كنت أنا من أصر عليهما للحضور بأية وسيلة.. فقد كنت في حالة سيئة كما تعلمون.. و ربما هذا ما دفعهما لسلك الطريق البري الخطر..

      أنا الان فتاة يتيمة مرتين.. بلا ولي و لا أهل، غير خطيب لن أتزوجه يوما.. و ابن عم لن يتزوجني يوما.. لكنه لن يتخلى عني..

      أجهل طبيعة الحياة التي سأعيشها من الان فصاعدا.. إلا أنني لا أملك من الأمر شيئا

      و إذا ما كتبت لي العودة إلى المدينة الصناعية ذات يوم، فلسوف استقر في بيت خالتي..

      حتى يومنا هذا، و الحظر الشديد مستمر على المدينة الصناعية و مجموعة من المدن التي تعرضت أو لا تزال تتعرض للقصف و التدمير من قبل العدو...

      أما هذه المدنية، و كذلك المدينة الزراعية، فهما بعيدتان عن دائرة الحرب...

      ارتديت عباءتي، مستعدة للخروج .. و لمحت سامر يقبل نحوي..

      وقفت أنظر إليه و هو ينظر إلي.. و كانت النظرات أبلغ من الكلمات..

      قال :

      " سأفتقدك"

      قلت :

      " و أنا كذلك.. سنأتي لزيارتك كل أسبوع"

      ابتسم ابتسامة واهنة و من ثم قال :

      " هل ستكونين على ما يرام هناك ؟؟"

      لم أرد.. فأنا لا أعلم ما الذي ينتظرني..

      " أينما كنت يا رغد..أتمنى لك السعادة و الراحة "

      نظرت إليه نظرة امتنان..

      أمسك يدي بحنان و قال :

      " سأكون هنا.. متى ما احتجتني.. دائما في انتظارك و رهن إشارتك.."

      لم أملك إلا أن طوقته بيدي الأخرى.. و قلت :

      " يا عزيزي..."

      و تعانقنا عناقا هادئا صامتا.. طويلا..

      بعد مدة ، عاد وليد..

      ودعنا سامر.. و ركبنا السيارة، وليد في المقدمة و أنا خلفه.. وانطلقنا...

      لكي يقطع الوقت و يقتل الملل، أدار المذياع.. فأخذت أصغي إلى كل شيء و أي شيء.. كما كنت أراقب الطريق... و رغم الصمت الذي كان رفيق لسانينا، إلا أنني شعرت به يكلمني...

      أكاد أسمع صوته، و أحس بأنفاسه.. و الحرارة المنبعثة من جسده الضخم... كان هو مركزا على الطريق.. بينما أنا أغلب الأحيان مركزة عليه هو...

      الان، و بعد كل الأحداث التي مررت بها..أعترف بأنني لا أزال أحبه..


      وصلنا إلى نقطة تفتيش.. ما أن لمحتها حتى أصبت بالهلع.. فبعد الذي عشته تلك الفترة.. صرت أرتجف خوفا من مثل هذه الأمور...

      الشرطي طلب من وليد البطاقة و رخصة القيادة..

      ثم سأله عني..

      " ابنة عمي "

      " أين بطاقتها ؟ "

      " إنها لا تحمل بطاقة خاصة، فهي صغيرة "

      " إذن بطاقة والدها "

      " والدها متوف، ووالدي الكافل كذلك، توفي مؤخرا..إلا أنها مضافة إلى بطاقة شقيقي، خطيبها حاليا "

      قال الشرطي متشككا :

      " هل هذا صحيح ؟؟ "

      قال وليد :

      " طبعا ! "

      الشرطي التفت إلي أنا و قال :

      " هل هذا ابن عمك ؟ "

      قلت بوجل :

      " أجل "

      " أهو خطيبك ؟ "

      " لا ! شقيق خطيبي.."

      " و أين خطيبك أو ولي أمرك ؟ "

      " لم يأت معنا، لكنه على علم بسفرنا "

      " صحيح ؟ "



      وليد قال بعصبية وضيق :

      " و هل تظنني اختطفتها مثلا ؟ بربك إنها مثل ابنتي "

      ابتعد الشرطي مترددا ثم سمح لنا بالعبور...

      أنا كنت أنظر إلى وليد عبر المراة.. مندهشة و مستنكرة جملته الأخيرة !

      ابنته !؟ أنا مثل ابنته ؟؟

      فارق السن بيننا لا يتجاوز التسع سنين !

      وليد أبي !

      بابا وليد !

      و شعرت برغبة مفاجئة في الضحك !

      لكن هذه الرغبة تحولت إلى حرج شديد جدا..عندما أصدرت معدتي نداء الجوع !

      مباشرة نظر وليد عبر المراة فالتقت أنظارنا.. و أبعدت عيني بسرعة في خجل شديد...

      تكلم وليد قائلا :

      " لم تأكلي شيئا منذ الصباح..أليس كذلك؟ "

      تحرجت من الرد عليه..و علتني حمرة الخجل.. لم أكن في الاونة الأخيرة أتناول أكثر من وجبة واحدة في اليوم.. و كنت أجبر نفسي على أكلها فقط لأبقى حية..

      أتذكر الان.. الطبخات اللذيذة التي كانت أمي، و دانة تعدانها..
      اه أماه..
      إنني مشتاقة لأي شيء من يديك.. حتى و لو كان السمك المشوي الذي تعدينه، و اهرب أنا من المائدة كرها له...
      كنت سأدخل متاهة الذكرى المؤلمة، لكن صوت وليد أغلق أبواب المتاهة حين سمعته يقول :

      " ساخذك إلى مطعم جيد في المدينة الشمالية الزراعية .. سيعجبك طعامه "

      المشوار كان طويلا.. و الهدوء جعل النعاس يطغى علي.. فمنت لبعض الوقت..

      صحوت من النوم على صوت وليد يهمس باسمي...

      " رغد.. رغد صغيرتي.."

      فتحت عيني.. فوجدته ملتفتا إلى الوراء يناديني.. و تلفت من حولي فرأيت السيارة واقفة ..

      قال وليد:

      " وصلنا "

      قلت :

      " المزرعة ؟ "

      و أنا أطالع ما حولي.. باستغراب..

      قال :

      " المطعم "

      قلت :

      " ماذا ؟ "

      " المطعم صغيرتي.. نتناول عشاءنا ثم نذهب إلى المزرعة "

      و تذكرت أنني كنت جائعة ! كانت الوقت لا يزال باكرا..

      وليد فتح بابه و خرج من السيارة، ثم فتح الباب لي..

      هبطت و صافحتني أنسام الهواء الباردة.. فضممت ذراعي إلى بعضهما البعض..

      " أتشعرين بالبرد؟ "

      " قليلا"

      " المكان دافئ في الداخل.. هيا بنا "

      سرنا جنبا إلى جنب، أنا بقامتي الصغيرة و رأسي المنحني للأسفل، و هو بجسده العملاق.. و رأسه العالي فوق هامته الطويلة ! ثنائي عجيب متناقض ! دخلنا المطعم .. كان تصميم مدخله جميل.. و الكبائن متباعدة و متقنة الهندسة..

      اختار وليد كبينة بعيدة، و جلسنا متقابلين، لكن ليس وجها لوجه!

      شغلنا نفسينا بتقليب صفحات الكتيب الصغير، الحاوي لقوائم الأطعمة و المشروبات...

      قال وليد :

      " ماذا تودين ؟ "

      في هذه اللحظة ، و أنا في توتري الشديد هذا، و الإحساس بقرب وليد يشويني.. قلت :

      " دورة المياه "

      " عفوا ! ؟ "

      تركت الكتيب من يدي، قام وليد و قال :

      " تفضلي.."

      كانت دورة المياه النسائية في الطرف الاخر..على مقربة من الباب توقف وليد.. و تركني أمشي وحدي..

      التفت إليه.. قال :

      " سأنتظر هنا "

      لم أشعر بالطمأنينة.. تراجعت .. قلت:

      " لنعد "

      قال :

      " هيا رغد ! سأبقى واقفا في مكاني.. "

      " لا.."

      وليد نظر إلى ما حولنا ثم قال :

      " حسنا، سأقترب أكثر"

      و مشى معي حتى بلغنا الباب...

      نظرت إليه بشيء من التردد، إلا أنه قال :

      " لا تتأخري رجاء "

      و أنا أفتح الباب قلت :

      " إياك أن تبتعد ! "

      قال مطمئنا :

      " لا تقلقي.. "

      و عندما خرجت وجدته واقفا بالضبط عند نفس النقطة !

      عدنا إلى تلك الكابينة و طلب لي وليد وجبة كبيرة، مليئة بالبطاطا المقلية !

      لا أعرف أي شهية تلك التي تفجرت في جوفي، و التهمتها تقريبا كاملة..!

      و لو كان طلب طبقا اخر بعد ، لربما التهمته أيضا عن اخره.. يكفي أن يكون وليد قريبا مني، حتى أشعر برغبة في التهام الدنيا كلها...

      بعد العشاء.. قام وليد بجولة في المنطقة، بين المزارع.. و أراني بعض معالم المدينة، و كذلك المعهد الذي يدرس فيه، و السوق الذي تباع فيه الخضراوات...

      منذ زمن.. و أنا حبيسة الشقة و المستشفى، لا أرى الشمس و لا أتنفس الهواء النقي.. لذلك فإن الجولة السريعة هذه روحت عن نفسي كثيرا...

      كان كلما تحدث عن أو أشار إلى شيء، أصغيت له باهتمام.. ودققت بتمعن، و كأنه درس علي حفظه قبل الامتحان!

      قبيل وصولنا إلى المزرعة، سألني :

      " أتودين بعض البوضا..؟"

      و كان ينظر إلي عبر المراة ...

      قلت منفعلة مباشرة :

      " ماذا !؟ البوضا مجددا ! كلا أرجوك ! أنا يتيمة بلا مأوى الان !؟؟ "

      و ليد، حدق بي برهة ، ثم انفجر ضاحكا !

      أنا كذلك، لم أقو على كبت الضحكة في صدري، فأطلقتها بعفوية...

      نعم ! فلن تغريني البوضا مرة أخرى و لن أنخدع بها!





      عندما وصلنا إلى المزرعة كانت الساعة تقريبا التاسعة مساءا...

      مباشرة توجهنا إلى المنزل، و قرع وليد الجرس، ففتح العجوز الباب...

      تهلل وجهه لدى رؤية وليد و صافحه و عانقه، ثم رحب بي ترحيبا كريما...

      قال وليد :

      " ابنة عمي .. تحت وصايتي الان.. و إن لم يكن في ذلك أي إزعاج.. فهي ستبقى معي هنا حتى نجد حلا اخر.."

      شعرت أنا بالحرج، لكن ترحيب العجوز خفف علي ذلك، قال :

      " عظم الله أجرك يا بنيتي، على الرحب و السعة، و إن لم تتسع المزرعة لكما نحملكما على رؤوسنا.."

      ابتسمت للعجوز و شكرته..

      قال العجوز مخاطبا وليد، الذي كان يجول ببصره فيما حوله :

      " في المطبخ.. تفضلا "

      لم يتغير في ذلك المنزل أي شيء... سرت تابعة لوليد الذي تقدم نحو إحدى الغرف، و التي يبدو أنها المطبخ... و العجوز خلفنا

      هناك.. وجدنا أروى و أمها تجلسان على الأرض حول سفرة العشاء... و بادرتا بالنهوض بمجرد رؤيتنا...

      و حانت اللحظة التي كنت أخشى حينها... ما أن وقع نظري على أروى... حتى شعرت بشيء ما يتفجر في صدري... شيء حارق موجع..

      تعليق

      • Loli.
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 5514



        • أيـــام .. كانت أيام :(


          تليغرامي للإقتباسات
          اضغط هنا


          .

          شيخة قلبه سابقا

        رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

        تتمه

        كانت تجلس ببساطة على الأرض، مرتدية بنطالا ضيقا و بلوزة قصيرة الكمين واسعة الجيب، و شعرها الذهبي الأملس الطويل مربوط بخصلة منه، و ينساب على كتفيها و ظهرها كذيل الفرس !

        رحبت الاثنتان بنا ، ثم توجهت أروى نحو المغسل، و غسلت يدها و نشفتها ، ثم أقبلت نحو وليد و مدت يدها لتصافحه !

        وليد ببساطة مد يده و صافحها !

        " حمدا لله على سلامتكما ! كيف حالكما ؟ "

        قالت ذلك و هي تشد على يد وليد، و وليد يبتسم و يطمئنها، و أنا أسلط أنظاري على يديهما ، ثم عينيهما ، ثم أعود إلى يديهما، ثم أعض على شفتي السفلى بغيظ...

        إلى متى ستظل هذه ممسكة بيد ابن عمي؟؟ هيا ابتعدي !

        " مرحبا بك يا رغد، عظم الله أجرك "

        رفعت بصري عن يديهما و نظرت إليها ببغض، و مددت يدي لأصافحها.. أعني لأجبرها على ترك يد وليد...

        " أجرنا و أجركم، غفر الله لنا و لكم "

        قالت :

        " كيف صحتك الان ؟ "

        " بخير و لله الحمد "

        عادت تنظر إلى وليد ، و تخاطبه :

        " هل كانت رحلتكما متعبة ؟ "

        قال :

        " لا ، كانت ممتعة "

        نظرت إلى وليد فرأيته ينظر إلي و يبتسم...

        قالت أروى :

        " تفضلا.. شاركانا العشاء "

        و كررت أمها الجملة ذاتها

        قال وليد :

        " بالهناء و العافية، تناولنا عشاءنا في أحد المطاعم.. أتموا أنتم طعامكم و نحن سنجلس في المجلس "

        و على هذا ذهبنا إلى المجلس، وبقي الثلاثة حول السفرة.. و يبدو أن وليد صار يتحرك في المنزل بحرية كيفما يشاء...

        جلس على أحد المقعدين الكبيرين المتقابلين الموجودين في المجلس، فجلست أنا إلى جواره.. و سكنا عن أي كلام أو حركة لبضع دقائق... ثم قال وليد :

        " رغد"

        نظرت إليه.. فرأيت ملامح الجدية و القلق على وجهه... قال :

        " أنا اسف و لكنني في الوقت الحالي لا أستطيع توفير سكن اخر.. كما و أن الظروف لن تمكننا من العيش في شقة مستقلة، لأن عملي هنا و أقضي كل ساعات النهار هنا.. "

        لم أعلق ، فقال :

        " هل هذا يروق لك ؟ "

        قلت :

        " أخشى أن يسبب وجودي الضيق لهم .."

        قال :

        " لا ، إنهم أناس طيبون جدا.. و كرماء لأقصى حد..، لن يزعجهم وجودك، أريد أن أعرف .. هل يزعجك أنت ذلك؟؟ "

        قلت :

        " سأبقى حيث ما تبقى أنت..، ألست المسؤول عني الان؟ "

        بدا الضيق جليا على وليد، مال بجدعه للأمام و قال :

        " رغد يا صغيرتي.. الأمر ليس متروكا لظروفي بل هو حسب رغبتك أنت.. إذا رغبت بأي شيء اخر فأبلغيني و سأنفذه حتما "

        قلت :

        " حقا وليد ؟؟ "

        قال :

        " طبعا، بدون شك.. تعرفين أنني من أجلك أفعل أي شيء..."

        شعرت بالصدق ينبع من عينيه.. و اه من عينيه ..

        لو تعرف يا وليد.. أنا لا أريد من هذه الدنيا غيرك أنت.. لقد فقدت كل شيء.. والداي ماتا. .و تيتمت مرتين.. و أختي رحلت.. و سامر تركته جريحا متألما.. و خالتي و عائلتها ظلوا بعيدين عني.. لم يبق لي إلا أنت..

        أنت الدنيا في عيني..

        أنا أريد أن أبقى معك، قريبة منك و تحت رعايتك و حبك ما حييت.. أينما كنت.. هنا أو في أي مكان في المجرة.. فقط أبقني قربك.. و أشعرني باهتمامك و حبك..

        " وليد .."

        همست بصوت أجش... وليد أجابني مسرعا :

        " نعم صغيرتي ؟ "

        قلت :

        " أنا.. أنا..."

        و لم أتم، إذ أن أروى أقبلت الان، تحمل أقداح الشاي...

        " تفضلا.."

        لم تكن لدي أدنى رغبة في احتساء الشاي لكنني فعلت من باب المجاملة..

        أروى جلست على المقعد المجاور، قرب وليد...

        تبادلا حديثا قصيرا، ثم قالت مخاطبة إياي :

        " يمكنك استخدام غرفتي، و أنا سأنام مع أمي لحين ترتيب غرفة خاصة بك "

        نظرت إلى وليد و قلت :

        " و أنت ؟ "

        قال :

        " في غرفتي ذاتها "

        هززت رأسي اعتراضا..

        وليد قال :

        " لا تخشي شيئا يا رغد.. المكان امن هنا و موثوق كبيتنا تماما "

        " لا ! لن أبقى وحدي هنا "

        قال :

        " يمكن لأروى البقاء معك في الغرفة.. "

        قلت :

        " إذن خذني لمكان اخر "

        تبادل وليد و أروى النظرات، ثم نظر إلى المقعد الذي نجلس عليه، ثم قال :

        " حسنا.. سأبات أنا على هذا.. داخل المنزل"

        لم تعجبني الفكرة أيضا.. فنظرت إليه باعتراض و عدم اقتناع..

        قال :

        " هذه الليلة على الأقل.. ثم نجد حلا اخر"

        فاستسلمت للأمر...

        ذهبت أروى بعد ذلك لإعداد فراش لي في غرفتها... عندها قلت لوليد :

        " وليد.. لا تبتعد عني أرجوك "

        وليد نظر إلي بعطف و قال :

        " لا تخشي شيئا صغيرتي.. أتظنين أنه، لو كان مكانا غير امن، كنت تركتك تباتين فيه ؟ "

        قلت :

        " لكني أخاف.. أخاف كثيرا.. المكان غريب و الناس كذلك.. لا تبتعد عني "

        كنت أقول ذلك و أنا متوترة.. و لما لحظ وليد حركة أصابعي المضطربة..

        قال :

        " اطمئني رغد.. و لسوف أبقي الباب مفتوحا "

        ذهبنا أنا و وليد و أروى للتعرف على أرجاء المنزل و انتهينا إلى غرفة أروى..

        غرفة بسيطة كسائر المنزل، لا تحوي شيئا مميزا ...

        كان الفراش دافئا.. و جسدي متعبا لكن القلق لم يسمح لي بالنوم..

        أروى نامت بسرعة.. أما أنا فتلاعبت بي الهواجس حتى بدأت أوصالي ترتعد خوفا..

        ارتديت عباءتي.. و خرجت من الغرفة بحذر.. شققت طريقي بهدوء تام نحو المجلس.. كان الباب شبه مغلق، و وليد كان نائما على المقعد الكبير.. و بصيص خفيف من الضوء يتسلل إلى الغرفة عبر فتحة الباب.. و عبرها تسللت أنا أيضا إلى الداخل...و أوصدت الباب من بعدي !

        لأنه طويل جدا، فإن قدميه الكبيرتين كانتا تبرزان من فوق ذراع المقعد.. أما ذراعاه فقد كانتا مرفوعتين فوق رأسه، إذ أن مساحة المقعد لا تكفي لضمهما على جانبيه !
        مسكين وليد! لابد أن جسده غير مرتاح في نومته هذه البتة !

        و مع ذلك كان يغط في نوم عميق... !

        جلست أنا على المعقد الكبير الاخر... لبضع دقائق.. شاعرة بالأمان و الطمأنينة، و الدفء أيضا.. فبقرب وليد يطيب لقلبي البقاء و لعضلاتي الاسترخاء و لعيني الإغماض..
        استلقيت على المعقد.. و سمحت للنوم بالسيطرة علي.. بكل سهولة !






        ~ ~ ~ ~ ~




        وضعت المنبه على المنضدة قرب المقعد، و نمت بعد أرق، لأنني كنت قلقا على رغد.. أفكر..هل ستتقبل الحياة هنا..؟ هل ستألف الأوضاع و ترضى بها؟ هل سيسرها العيش في منزل متواضع، و حال متوسطة، و هي ابنة العز و الدلال و الغنى ..؟؟
        إن علي أن أجد أكثر من أجل تحسين وضعي المالي و العام..فرغد لم تعتد حياة الفقر و الحاجة... و لا تستحق حياة كهذه...

        استيقظت بسرعة على رنين المنبه المزعج...

        كنت قد ضبطته لإيقاظي وقت الفجر لأصلي...

        حينما جلست، لمحت شيئا يتحرك على المقعد الكبير الاخر و الموازي للمقعد الذي نمت عليه ..! و ذلك الشيء جلس أيضا

        دققت النظر فيه ..أظنه خيال رغد! أو ربما هوسي بها جعلني أتهيأ خيالها في كل مكان !؟ في اليقظة و المنام !

        قلت متسائلا :

        " رغد ؟"

        ذلك الشيء تكلم مصدرا صوتا ناعسا ، يشبه صوت رغد !

        " نعم "

        قلت :

        " رغد صغيرتي ! أهذه أنت ؟؟ "

        " نعم، أريد أن أنام "

        و استلقت على المقعد مجددا !

        نهضت أنا عن مقعدي و وقفت أمدد أطرافي.. شاعرا بالإعياء ... إن هذا المقعد صغير و لا يتسع لجسد رجل مثلي !
        تقدمت نحوها

        " رغد ! ما الذي تفعلينه هنا ؟ "

        قالت و هي شبه نائمة :

        " كنت خائفة "

        " مم ؟ "

        " من الأشباح "

        ماذا !؟ أهي نائمة أم تهذي ؟؟

        " أي أشباح ؟؟ "

        جلست رغد فجأة و نظرت من حولها يمينا و شمالا... و هي تقول :

        " أشباح؟؟ أين ؟ أين ؟ "

        و يبدو أنها استفاقت أخيرا .. ثم نظرت إلي .. ثم قالت :

        " وليد .. "

        قلت :

        " نعم.. "

        قالت :

        " نحن في منزل أروى أليس كذلك ؟ "

        " نعم صغيرتي، هل كنت تحلمين ؟ "

        أخذت تفرك عينيها...

        قلت :

        " لم أنت هنا ؟ "

        قالت :

        " لم أشعر بالطمأنينة هناك.. "

        " لم صغيرتي؟ "

        قالت و هي تنظر إلي برجاء :

        " أريد أن أبقى معك .. المكان غريب علي.."

        " ستعتادينه.. لا تقلقي "

        " لكن يا وليد... "

        هنا طرق الباب و سمعت صوت العم يناديني...

        " وليد .. انهض بني ..الصلاة "

        و كاد يفتح الباب، إلا أنه كان موصدا ! إنها رغد !

        صغيرتي المجنونة !

        أجبت :

        " نعم عمي أنا مستيقظ "

        قال :

        " هيا إذن "

        قالت رغد :

        " إلى أين ؟ "

        " إلى المسجد "

        قالت معترضة :

        " و تتركني وحدي ؟؟ ساتي معك "

        كنت أعرف أنها ستقول ذلك !

        ذهبت إلى الباب مسرعا و فتحته فرأيت العم إلياس يسير نحو المخرج... و كنا قد اعتدنا الذهاب للصلاة في المسجد المجاور سيرا على الأقدام...

        قلت :

        " عمي .. اذهب أنت سأصلي هنا "

        تعجب العم و قال :

        " لم يا ولدي ؟ "

        " أخبرك لا حقا.. تقبل الله منكم "

        جعلت الباب شبه مغلق

        و عدت إلى رغد التي بادرتني بالسؤال :

        " الحمام قرب الغرفة أليس كذلك ؟ "

        " بلى "

        و همت بالخروج قاصدة إياه ...

        " انتظري رغد "

        نظرت إلي باستغراب...

        قلت :

        " حتى يخرج العم ... "

        تعليق

        • Loli.
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 5514



          • أيـــام .. كانت أيام :(


            تليغرامي للإقتباسات
            اضغط هنا


            .

            شيخة قلبه سابقا

          رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

          و عدت أنظر من فتحة الباب حتى إذا ما غادر العم خارجا، فتحته و استدرت إلى رغد قائلا :

          " تفضلي ... "

          رغد سارت ببطء و هي تنظر إلى الأرض بخجل.. تنحيت أنا جانبا .. و لما صارت قربي .. رفعت رأسها إلي و قالت :

          " أنا اسفة " ...

          توترت، و لم يتجرأ لساني على النطق بشيء... فأخفيت نظري تحت الأرض.. منتظرا منها الخروج...

          إلا أنها بقيت واقفة قربي هكذا لوهلة... و أنا شديد الحرج، ثم قالت :

          " لكنك..أصبحت أبي الان ! أليس كذلك ! "

          رفعت نظري إليها بسرعة مندهشا، و ارتفع حاجباي تعجبا !

          كانت تنظر إلي، و الان.. ابتسامة مرسومة على شفتيها أستطيع أن أرى عذوبتها رغم الظلام...

          قالت :

          " بابا وليد ! "

          و أسرعت خارجة من الغرفة ... تاركة إياي في ذهول و جنون !

          إذا كانت ..هذه الفتاة.. اليتيمة المدللة.. الحبيبة الغالية.. ستعيش معي و تحت رعايتي أنا في بيت واحد.. فإنني و بدون أدنى شك.. سأفقد عقلي و أتحول خلال أيام، بل خلال ساعات.. إلى مجنون لم يخلق الله مثل جنونه جنونا...
          و أنتم الشاهدون !

          تعليق

          • Loli.
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 5514



            • أيـــام .. كانت أيام :(


              تليغرامي للإقتباسات
              اضغط هنا


              .

              شيخة قلبه سابقا

            رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

            الحلقةالواحدةوالثلاثون
            *********




            رغم أنني كنت نعسى في البداية، إلا أن النوم خاصمني ذلك الصباح..
            وليد جلس في الصالة يقرأ القران، و جلست أنا على مقربة أنصت إليه..
            إلى أن عاد الرجل العجوز بعد طلوع الشمس.. فختم وليد قراءته و راح يتحدث معه..

            كانا يتحدثان بشأن المزرعة و ما سيفعلانه هذا اليوم.. و كنت أستمع إليهما ببلاهة ! فأنا لا أفقه كثيرا مما يذكرون !

            وليد التفت إلي الان و قال :

            " سوف أخرج للمزرعة الان، أتأتين معي ؟؟ "

            وقفت من فوري و تقدمت ناحيته.. قال متما عبارته السابقة ببطء :

            " أم.. تفضلين العودة للنوم ؟ "

            " ساتي معك.."

            و خرجت معه إلى المزرعة..

            الهواء كان باردا و كنت أرتدي العباءة فوق ملابس النوم، لذا شعرت بالبرودة تخترق عظامي

            قال وليد :

            " سنبدأ بجولة تفقدية "

            حذائي كان عالي الكعب و لا يصلح للسير على الرمال، لذلك طلب مني وليد ارتداء أحد الأحذية المطاطية الموجودة عند مدخل المنزل...

            سرنا في اتجاه شروق الشمس.. و كم كان منظرا جميلا لم أر مثله منذ زمن...
            الرياح كانت في مواجهتنا، تغزو أنفي رغما عني ، و تزيد من شعوري بالبرد..

            أخذت أفرك يدي بتكرار.. أما وليد فكان يسير بثبات في وجه الريح ، و لا يبدو على جسمه أنه يتأثر بها !

            كالجبل تماما !

            قال لي:

            " الجو بارد.. أتفضلين العودة للمنزل ؟ "

            " ماذا عنك ؟ "

            قال :

            " سأبدأ حرث منطقة معينة هنا، سنقوم بزرع بذور حولية جديدة فيها.. "

            و أشار إلى المنطقة المقصودة...

            قلت :

            " أنت تحرثها ؟؟ "

            و يبدو أن سؤالي هذا ضايقه أو أحرجه.. نظر إلي برهة صامتا ثم قال و هو يحدق في تلك المنطقة :

            " نعم أنا يا رغد.. فهذا هو عملي هنا.. و من هذا العمل أعيش و أعيل نفسي.. و صغيرتي .."

            ثم التفت إلي و قال :

            " فهل يصيبك هذا بخيبة أمل أو .. اشمئزاز ؟ "

            قلت بسرعة :

            " لا ! لم أقصد ذلك.. "

            " إذن ؟ "

            " تعرف يا وليد.. فخلال التسع سنين الماضية كنت أعتقد أنك... "

            و بترت جملتي.. فقد أحسست أن هذا يؤلمه.. و إذا تألم وليد قلبي فأنا أموت ..

            قلت :

            " لكن ، ألا يمكنك مواصلة الدراسة الان ؟؟ "

            قال :

            " إنني أدرس الان في معهد محلي، و إن تخرجت منه بشهادة معتبرة فستكون لدي فرص أفضل للعمل ، لكن إلى ذلك الوقت سأظل مزارعا "

            لم يعجبني ذلك، فأنا لا أريد لوليد أن يغمر يديه في التراب ..، بل أن يعلو السحاب، لكني لم أشأ إحراجه، فقلت :

            " أتمنى لك التوفيق "

            ابتسم وليد ابتسامة رضا، و تابعنا الطريق...

            بقيت أراقبه و هو يعمل، تارة شاعره بإعجاب به ، و تارة شاعرة بشفقة عليه ، و تارة بغضب من الأقدار التي أوصلت ابن عمي إلى هذا المستوى..

            ليتني أستطيع منحه ثمان سنين من عمري، تعويضا عما خسر.. بل ليتني أهديه عمري كله.. و كل ما أملك..

            الحماس الذي تملكني أثناء مراقبة وليد ، و الحرارة التي تنبعث من جسده و هو يعمل بجهد، و من صدره و هو يتنفس بعمق، و من عينيه و هو ينظر إلي ، كل هذه تجمعت معا متحدة مع أشعة الشمس التي ترتفع في السماء، و أكسبتني دفئا و حيوية لا نظير لهما !...

            بعد فترة ، أقبلت أروى..

            و الان، لست فقط أشعر بالدفء ، بل و بالاشتعال ، و الاحتراق أيضا ...

            " صباح الخير رغد ! نهضت باكرة ! "

            باكرة جدا ! كم تبدين حيوية و نشطة بعد نوم هانىء ! أنا لم أنم كما ينبغي ..

            قلت :

            " صباح الخير"

            وليد كان موليا ظهره إلينا هذه اللحظة ، رفعت أروى صوتها ، و كذلك يدها و هتفت و هي تلوح :

            " صباح الخير يا وليد "

            وليد استدار و نظر إليها و رد التحية...

            هتفت :

            " تعال ، فقد أعددنا الفطور "

            قال :

            " حسنا ، أمهليني دقيقتين اثنتين "

            و أتم ما كان يقوم به ...

            أروى التفت إلي و قالت :

            " أعددت فطورا مميزا من أجلك ! امل أن يعجبك طهو يدي ! الجميع يصفني بالطاهية الماهرة ، و وليد يعشق أطباقي ! "

            وليد ماذا ؟

            يعشق أطباقها ؟؟ يا للمغرورة !

            قلت :

            " وليد يعشق أطباق والدتي فهي لا تقارن بشيء ! "

            أروى قالت :

            " رحمها الله "

            و تذكرت أنه لم يعد لدي والدة ! و لم يعد بإمكان وليد تذوق تلك الطبخات اللذيذة التي يلتهمها عن اخرها...

            ضاق صدري لهذه الذكرى.. و أحنيت رأسي إلى الأسفل بحزن..

            أورى لاحظت ذلك فقالت :

            " اسفة.. "

            لم أتجاوب معها... ، قالت :

            " كم كنت متشوقة للتعرف إليها فقد حدثني وليد عنها كثيرا.. و كان ينتظر عودتها بفارغ الصبر .. "

            رفعت نظري الان إليها، ليس الحزن هو البادي على وجهي بل الغيظ !

            لماذا تتحدث عن وليد أمامي ؟؟ و لماذا يتحدث إليها وليد عن أمي ؟ أو عن أي شيء اخر في الدنيا ؟؟ هذه الدخيلة لا تمت إلينا بصلة و لا أريد لمواضيعنا أن تذكر على مسمع منها ...

            وليد كان يمشي مقبلا نحونا.. و حين وصل ، شبكت أروى ذراعها اليمنى بذراعه اليسرى و هي تبتسم بسرور ...

            وقفت أنا أنظر إليهما بغيظ و تحذير ! ما لم تفرقا ذراعيكما عن بعض فسأقطعهما !

            لم يفهما تحذيري، بل سارا جنبا إلى جنب على هذا الوضع.. سرت أنا إلى الجانب الأيمن من وليد... و سرنا و نحن ندوس على ظلالنا.. و التي يظهر فيها جليا تشابك ذراعيهما ..

            حسنا ! من تظن هذه نفسها ؟ وليد ابن عمي أنا و ولي أمري أنا!

            و بدون تفكير، رفعت أنا ذراعي و أمسكت بذراع وليد اليمني بنفس الطريقة ، و بكل تحدي !

            وليد نظر إلي بسرعة و بنفس السرعة أضاع أنظاره في الرمال التي نسير فوقها... و بدا وجهه محمرا ! لكنه لم يسحب ذراعه مني ..

            تابعنا السير و أنا أراقب الظل أمامي... و لم أترك يده حتى فعلت هي ذلك... !

            صحيح أن الفطور كان شهيا إلا أنني أصبت بعسر هضم من مشاهدة العلاقة الحميمة بين وليد و أروى.. كانا يجلسان متقابلين، و تجلس أم أروى على رأس المائدة، و أنا إلى جانب وليد، أما العجوز فلم يكن معنا بطبيعة الحال...

            لا أريد منهما أن يجلسا متقابلين، و لا متجاورين، و لا في نفس المنزل، و لا حتى على نفس الكوكب..

            فيما بعد، عاد وليد للعمل في المزرعة و أروى تشاركه ، و أنا أتفرج عليهما بغضب.. و أحاول الإنصات جيدا لكل ما يقولان..

            أراد وليد بعد ذلك الذهاب إلى مكان ما لإحضار بعض الأشياء، و سألني إن كنت أرغب في مرافقته، أجبت بسرعة :

            " طبعا سأذهب معك ! هل ستتركني وحدي ؟؟"

            أتذكرون سيارة الحوض الزرقاء التي ركبتها ذات يوم، للذهاب إلى المستوصف ؟
            إنها هي.. نفس السيارة التي يحتاجها وليد في مشواره. فيما كنا نقترب منها أقبلت أروى مرتدية عباءتها و وشاحها الملون، قائلة :

            " أوصلني للسوق سأشتري بعض الحاجيات "

            و اقتربت من الباب و فتحته، فسار وليد نحو باب المقود.. و قبل أن ترفع أروى رجلها إلى العتبة، أسرعت أنا و ركبت السيارة لأجلس فاصلا بينهما! هذا ابن عمي أنا.. و أنا الأقرب إليه من كل بنات حواء ، و أبناء ادم أيضا ... أليس كذلك ؟؟

            و من السوق اشتريت أنا أيضا بعض الأشياء، من ضمنها عدة للرسم ، فالمزرعة و مناظرها البديعة أعجبتني كثيرا .. و لسوف أقضي صباح الغد في رسم مناظر خلابة منها ، عوضا عن مراقبة وليد و هو يعمل...

            عندما عدنا ، وجدنا ترتيب أثاث الصالة قد تغير، لقد قام العجوز و أخته بنقل المقاعد من المجلس إلى الصالة، و نقل سرير وليد من الغرفة الخارجية إلى المجلس !

            استغرب.. أي قوة يملك هذا العجوز ليحرك هذه الأثقال !

            ما شاء الله !

            قالت أم أروى :

            " ها قد أصبحت لديك غرفة داخلية يا وليد.. هل تحس بالاطمئنان على ابنة عمك الان ؟؟ "

            وليد ابتسم، و وجهه متورد .. و شكر الاثنين .. ثم التفت إلي و قال :

            " أيريحك هذا أكثر ؟ "

            كنت أقف إلى جواره .. رفعت رأسي و همست في أذنه :

            " لكن ابق الباب مفتوحا "

            وليد ابتسم، و قال :

            " حاضر "

            همست :

            " و اطلب منهم إعادة أحد المقعدين الكبيرين للداخل، أو قم أنت بذلك "

            وليد تعجب و قال :

            " لم ؟ "

            قلت :

            " احتياط ! ربما تظهر الأشباح ثانية "

            ضحك وليد، و البقية أخذوا ينظرون إليه باستغراب !

            قال :

            " حاضر ! "

            قلت هامسة :

            " قبل الليل "

            قال :

            " حاضر سيدتي ! كما تأمرين .."

            و حين يقول وليد قلبي ذلك.. فأنا أشعر بدغدغة ناعمة تسري في جسدي ابتداء من باطن قدمي و حتى رموش عيني !

            و من أطراف تلك الرموش ألقيت بنظرة حادة على أروى و أنا أخاطبها في رأسي :

            " أرأيت ؟ ستعرفين من تكون رغد بالنسبة لوليد.. و لن أكون رغد ما لم أزيحك عن طريقي ! "






            ~ ~ ~ ~ ~ ~






            مضت الأيام هادئة و مستقرة ، و انشغالي بالعمل جعلني أتناسى وفاة والدي و الحزن الذي خلفه...

            بصعوبة تمكنت من إقناع رغد بالبقاء في المزرعة أثناء غيابي كل يوم في فترة الدراسة.. و لأنها كانت فترة صباحية، و لخمسة أيام في الأسبوع، فإننا لم نعد نلتقي إلا عند الظهيرة...

            و أثناء عملي في الحقل، تقوم هي بمراقبتي أو برسم بعض اللوحات.. بينما أروى تساعدني أو تساعد أمها في شؤون المنزل..

            أنا كنت أقوم بعمل مضاعف و بأقصى ما أمكنني ، و لساعات أطول.. و رسمت بعض الخطط لتطوير المزرعة و الاستعانة ببعض العمال الثابتين..

            رغد بدأت تتأقلم مع العائلة و تشعر بالانتماء إليها بعد فترة من الزمن.. و صارت تساهم في بعض أعمال المنزل البسيطة، و التي لم أكن أنا أريد تحميلها عبئها، لولا أن الظروف قضت بذلك..

            تعذر علينا زيارة سامر نهاية الأسبوع الأول، إلا أننا زرناه في الأسبوع التالي، و في الواقع.. خرجت من تلك الزيارة متضايقا لما أثارته في قلبي من الذكرى الأليمة .. ذكرى والدي ..

            سامر لم يبد أنه خرج من الأزمة بعد.. بل كان غارقا في الحزن.. و حتى زيارتنا له لم تحرز تقدما معه..

            تعليق

            • Loli.
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 5514



              • أيـــام .. كانت أيام :(


                تليغرامي للإقتباسات
                اضغط هنا


                .

                شيخة قلبه سابقا

              رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

              أما دانة ، فاتصلت بها مرات ثلاث خلال الأسبوعين، و أعطتني الانطباع بأنها امتصت الصدمة و في طور النقاهة.. عدا عن ذلك ، فهي سعيدة و مرتاحة مع زوجها و عائلته في تلك البلد..

              أوضاع بلادنا لم تتحسن، بل بقيت بين كر و فر..مد و جزر.. أمدا طويلا..

              الشيء الذي بدأ يقلقني هو الملاحظة التي أبدتها لي أروى إذ قالت :

              " يبدو أن رغد تعاني اضطرابا نفسيا يا وليد.. إنها لا تنام بسهولة.. بل تبقى لما لا يقل عن الساعة تتقلب في الفراش، و أحيانا تجلس.. و تنهض.. و تذرع الغرفة جيئة و ذهابا في توتر.. و في أحيان أخرى، أسمعها تتحدث أثناء النوم.. أو تصحو و تبكي و تنادي أمها ! أعتقد أن وفاة والدتها قد أثرت عليها كثيرا .. "

              سألتها يومها :

              " هل يتكرر ذلك كثيرا ؟؟ "

              " تقريبا كل ليلة ! كما و أنها تصر على إبقاء مصباح النوم مضاء بينما أنزعج أنا من النوم مع وجود النور ! "

              هذه الأمور لاحظتها أروى التي تشارك رغد في الغرفة، و التي يبدو أنها تعاني منها منذ فترة دون أن يلحظها أحد...

              و هذه الأمور جعلتني أقلق بشأنها.. و أفكر في طريقة تجعلها تنام بطمأنينة و نوما هادئا.. و هداني الله إلى هذه الفكرة...

              عندما كانت صغيرة ، رغد كانت تعشق سماع القصص.. و تطالبني بها كل ليلة حتى تنام بهدوء و قرة عين..

              و لأنها كبرت الان، فلم يعد هناك مجال لتك القصص! و لكن.. لدينا كتاب هو أجل و أعظم من أي كتاب، و بذكر ما فيه تطمئن القلوب.. إنه القران.

              في كل ليلة، قبيل نومهما أبقى مع رغد و أروى في غرفتهما و أتلو ما تيسر من ايات الذكر الحكيم .. و تظل رغد منصتة إلي، إلى أن يغلبها النعاس فتنام بهدوء و سكينة..

              في إحدى الليالي، و بعدما نامت رغد، خرجنا أنا و أروى من الغرفة ..

              لم نكن نشعر بالنعاس وقتها، فطلبت مني أروى القيام بجولة قصيرة معها في المزرعة ..

              " لكن.. رغد تمانع خروجي و هي بالداخل، أو دخولي و هي بالخارج.. "

              " لكنها نائمة الان "

              " نعم و لكن .. "

              " هيا يا وليد ! إننا لم نتحدث مع بعضنا منذ حضورها ! لم تفارقك ساعة واحدة إلا للنوم ! "

              استأت من كلام أروى و قلت :

              " أرجو ألا يكون وجودها قد أزعجك بشيء ؟ "

              " لا لا ، لا تسىء فهمي، أقصد أنني أريد التحدث معك حديثا خاصا بنا أنا و أنت ! كأي خطيبين.. "

              و أمسكت بيدي و حثتني على السير معها إلى الخارج...

              حديثنا كان في بعض شؤوننا الخاصة.. و كانت أروى تتكلم بسرور .. بل كانت في قمة السعادة.. و أخذنا الحديث لساعة من الزمن..

              فجأة ، سمعت صوت رغد يناديني ...

              " وليد "

              سحبت يدي من يد أروى و ركضت مسرعا نحو المنزل ...

              رغد كانت تقف في الساحة الأمامية تتلفت يمنة و يسرة..

              " أنا هنا رغد "

              و لوحت بيدي، و أنا راكض باتجاهها...

              لما رأتني رغد... وضعت يدها على صدرها و تنهدت بقوة...

              و حين صرت أمامها مباشرة، أمكنني رؤية علامات الفزع على وجهها و الذعر المنطلق من عينيها...

              " صغيرتي ماذا حصل ؟؟ "

              " إلى أين ذهبت ؟؟ "

              " هنا في المزرعة، أتمشى قليلا "

              و ظهرت الان أروى فألقت عليها رغد نظرة .. ثم نظرت إلي .. و بدأت تعبيرات وجهها تتغير حتى صارت إلى الحزن و البكاء ..

              " صغيرتي ما بك ؟ "

              قالت رغد فجأة :

              " إذن هذا ما تفعله ؟ تتركني أنام وحدي و تخرج للتنزه مع خطيبتك ؟؟ "

              فوجئت بقولها ، أردت أن أوضح لها أنها المرة الأولى التي نخرج فيها .. لم تعطني المجال، بل قال و هي مجهشة بكاء:

              " إذا لم تكن متفرغا لرعايتي فارسلني إلى خالتي.. إذا كنت عبئا يعوق دون تنزهك مع خطيبتك فخذني لبيت خالتي و تخلص مني "

              و انفجرت بكاء ...

              لم استوعب كلامها أول الأمر..

              قلت مذهولا :

              " رغد ! ما الذي تقولينه !؟ "

              قالت :

              " كنت أعرف أنها نهايتي.. ضعت بعد والدي .. لماذا ذهبا و تركاني؟ لمن تركتماني يا أمي و يا أبي ؟ يا لهواني على الناس أجمعين .. خذني يا رب إليهما.. خذني يا رب إليهما "

              لم أتحمل سماعها تدعو على نفسها هكذا .. صرخت :

              " كفى يا رغد أرجوك.. ماذا حصل لكل هذا ؟؟ "

              " و تسأل ؟؟ "

              " فقط لأنني خرجت من المنزل و أنت بداخله ؟ "

              قالت أروى :

              " أنا من طلب منه ذلك، لم أكن أتوقع أن يضايقك الأمر لهذا الحد "

              رغد نظرت إلى أروى نظرة غضب و صرخت :

              " اسكتي أنت "

              قالت أروى :

              " أنا اسفة "

              لكن رغد عادت تصرخ :

              " قلت اسكتي أنت.. ألا تسمعين ؟؟ "

              أروى شعرت بالحرج، فغادرت الساحة عائدة إلى المنزل...

              لم يكن تصرفا لائقا.. و أعرف أنه ليس بالوقت المناسب لأعاتب رغد عليه.. لكنني قلت :

              " إنها قلقة بشأنك "

              و يبدو أنها لم تكن الجملة المناسبة, لأن وجه رغد ازداد غضبا ، و قالت بحدة :

              " هل تخشى على مشاعرها لهذا الحد ؟ إذن هيا اذهب و طيب خاطرها .. و دعني أنا أناجي الميتين، فلربما سمعاني و أحسا بهواني و ضياعي بعدهما ، و خرجا من قبريهما و أتيا إلي.. و أخذاني معهما .. و أرحتك مني "

              و مرة أخرى تدعو على نفسها بالموت أمامي .. قلت بحدة :

              " كفى يا رغد كفى.. "

              رغد صرخت :

              " لا تصرخ بوجهي "

              " أنت تثيرين جنوني.. كيف تدعين على نفسك و أمامي ؟؟ "

              و عوضا عن التراجع ، رفعت بصرها و يديها إلى السماء و راحت تهتف بصوت عال :

              " يا رب خذني إليهما.. يا رب خذني إليهما .. يا رب خذني إليهما "

              ثم جثت على الأرض و صارت تبكي بقوة و مرارة... مخفية وجهها خلف يديها

              لم أعرف لم كل ذلك.. إلا أنني لم أحتمل.. هويت إلى جانبها، و ناديتها بلطف ، و لم تجبني...

              أبعدت يديها عن وجهها و قلت بعطف :

              " كفى أرجوك.. "

              نظرت إلي نظرة لم أفهم طلاسمها... مددت يدي و مسحت على رأسها من فوق الحجاب، و قلت :

              " أنا اسف يا صغيرتي.. أعدك بألا أخرج من المنزل ما دمت فيه دون علمك و رضاك.. "

              لم يتوقف سيل الدموع..

              قلت :

              " أرجوك رغد.. لا تجعلي المزيد من اللاليء تضيع هباء .. اسف و لن أكررها ثانية .. "

              تحدثت أخيرا و قالت :

              " و إن طلبت منك الشقراء ذلك ؟ "

              قلت :

              " لا تهتمي.. "

              قالت :

              " وليد .. أنا أرى كوابيس مفزعة.. أمي.. أبي.. الحرب.. النار .. الحريق.. الجمر.. عمار.. كلهم يعبثون بأحلامي.. لا أحد ليشعرني بالأمان.. سأموت من الخوف ذات ليلة.. سيتوقف قلبي و أموت فزعا.. و لا أحد قربي.. "

              جذبتها إلي بسرعة، و أمسكتها بقوة.. كحصن منيع يعوق أي نسمة عابرة من أذيتها...

              " أعوذ بالله.. بعد ألف شر و شر يا عزيزتي.. لا تذكري الموت ثانية أرجوك يا رغد.. رأيت منه ما يكفي.. حاشاك أيتها الغالية "

              نعم، رأيت من الموت ما يكفي.. ابتداء بعمار.. و مرورا بنديم و رفقاء السجن.. و عبورا على المدينة المدمرة .. و انتهاء بوالدي الحبيبين...

              أبعدتها و قلت :

              " أنا اسف، سامحيني هذه المرة .."

              رغد مسحت بقايا الدموع .. و قالت :

              " لقد قلت مترا ، ألم تقل ذلك ؟ "

              نظرت إليها بتعجب.. و عدم فهم !

              " أي متر ؟ "

              قالت :

              " هذا الذي ستفقأ عينيك إذا ما ازداد طوله فيما بيننا"

              و تذكرت حينها الجملة التي قلتها قبل أسابيع ، في اخر يوم لنا في شقة سامر قبل الرحيل !

              و الان ماذا ؟؟

              رغد تمد يدها اليمنى ، و قد أبرزت إصبعيها السبابة و الوسطى ، و ثنت الأصابع الأخرى، و تحركها بسرعة نحو وجهي و توقفها أمام عيني مباشرة ، و تقول :

              " أ أفقأهما لك الان ؟؟ "


              قلت لكم.. ستصيبني هذه الفتاة.. بالجنون !






              ~ ~ ~ ~ ~






              هذه كانت البداية، أول شحنة متوترة بيني و بين الدخيلة الشقراء...

              لكن الأمور بدأت تضطرب شيئا فشيئا.. و دائرة المشاحنات فيما بيننا اخذة بالتوسع... حتى استرعت اهتمام الجميع...

              لم أكن أسمح لهما بالبقاء بمفرديهما إلا نادرا و لأوقات قصيرة.. فأنا جزء تابع من وليد و أذهب معه حيثما يذهب.. و خصوصا إذا كانت الشقراء معه..

              وليد هو ابن عمي أنا... نعم أنا...

              في أحد الأيام، و كان يوم أربعاء، و كنا في الحقل، وليد و أروى يعملان، و أنا أراقبهما، و الوقت كان المغرب.. إذا بي أسمع من يناديني من خلفي، و ألتفت فإذا به سامر !

              كنا نزور سامر مرة كل أسبوع أو أسبوعين، و كان يفترض أن نذهب إليه غدا إلا أنه فاجأني بحضوره !

              " سامر ! "

              سامر فتح ذراعيه و هو يبتسم.. فابتسمت أنا و عانقته عناقا خفيفا...قصيرا باردا من ناحيتي..

              " إنها مفاجأة ! كيف حالك ؟ "

              " بخير.. هكذا أكون عندما أراك "

              تجاهلت عبارته هذه ، و قلت :

              " لم تعلمنا بقدومك ! كنا سنوافيك غدا "

              " أحببت أن أزور المكان الذي فيه تعيشين و أرى أحوالك هنا "

              ابتسمت و قلت :

              " الحمد لله بخير "

              قال و قد علاه الجد و القلق :

              " هل أنت مرتاحة هنا ؟ "

              قلت :

              " نعم .. طبعا "

              و لا أدري إن كان ردي هذا أراحه أم أزعجه ، لأن التعبيرات التي كست وجهه كانت غريبة و غامضة ...

              سمعنا الان صوت ضحكات قادمة من ناحية وليد و أروى، و اللذين كانا وسط الحقل، فالتفتنا إليهما..

              شعرت أنا بالغيظ، و لا شعوريا قلت :

              " تبا "

              ثم انتبهت إلى أن سامر يقف قربي...

              خجلت من نفسي، و لأبدد الخجل رحت أنادي :

              " وليد، تعال... حضر سامر "

              التفت وليد إلينا، و لما رأى سامر تهلل وجهه و ترك المعول من يده و جاء مسرعا ، و صافحه و عانقه ...

              أروى أيضا جاءت ، و هي تضبط وشاحها الملون حول رأسها ... لم تكن أروى تخرج من المنزل إلا محجبة.. حتى أثناء العمل الشاق في المزرعة ! لكنها في الداخل، تتصرف بحرية و ترتدي ما تشاء و تتزين كيفما تشاء.. و يزداد حنقي كلما رأيتها تفعل ذلك، فيما أنا ملفوفة بالسواد من رأسي إلى قدمي كإصبع بسكويت مغطى بالشيكولا !

              حالما صارت قربنا ألقت التحية على سامر، ثم ذهبنا نحن الأربعة إلى المقاعد الموجودة حول طاولة على مقربة ، و جلسنا سوية نتبادل الأحاديث...

              أنا عملت هذه الساعة كبرج مراقبة ، أراقب الجميع ابتداء من أروى الحسناء، و انتهاء بسامر المشوه ! كل حركة، كل كلمة ، أو حتى كحة تصدر من أي من الثلاثة ألتقطها بعيني و أذني و قلبي أيضا... و أستطيع أن أخبركم، بأن أروى كانت مسرورة، و وليد فرح جدا، و سامر.. حزين و مكتئب ، رغم كل الضحكات و الابتسامات التي يتبادلونها...

              أروى، حسابي معها سأصفيه لاحقا، الان .. سأصب جل اهتمامي على سامر إذ أن حدسي ينبئني بأنه يخفي شيئا.. شيئا يجعل صدره متكدرا كما هو واضح أمام عيني ...

              وجود سامر اعتبر مناسبة تستحق الاحتفال ! و لذا ، صنعت أروى و أمها أطعمة خاصة من أجله على العشاء، و لأنني لا أجيد الطهو، و لا أجيد أعمال المزرعة، كما لا أجيد أعمال المنزل، و واقعا لا أجيد شيئا غير الرسم، فقد ساعدت فقط في الأكل، و تنظيف بعض الصحون !

              ألحت العائلة على سامر لقضاء الليلة معنا، رغم اعتراضه إلا أن إصرارنا أحرجه فقبل أخيرا...

              و تعرفون أين سينام !

              طبعا في الغرفة الخارجية تلك !

              بعد العشاء، اقترحت أروى أن نذهب جميعا للتنزه عند الكورنيش ... بالنسبة لي كانت فكرة جميلة، فأيدتها، إلا أنني ندمت على ذلك حينما وجدتها أروى فرصة ذهبية للاختلاء بوليد بعيدا عني، ذهبا يسيران معا، و تركاني و سامر وحدنا...

              الأمر في أعين الجميع يبدو طبيعيا.. إذ أنهما خطيبان، و نحن خطيبان، إلا أنني اشتططت غضبا و صرت أراقبهما بعين ملؤها الشرر ...

              سامر كان يتحدث معي، لكنني لم أكن مركزة معه، بل على ذينك اللئيمين..
              و سوف ترى أروى ما سأفعل انتقاما لهذه اللحظات...

              " هل تسمعينني ؟؟ "

              التفت إلى سامر.. فوجدته يحدق بي بحزن .. لم أكن قد انتبهت لاخر جملة قالها قلت :

              " عفوا.. ماذا قلت سامر ؟ "

              سامر رمقني بنظرة ذات معنى ، شديدة الكابة ثم قال :

              " لا، لا شيء"

              " أرجوك سامر..أعد ما قلت فقد كنت..."

              أتم هو الجملة :

              تعليق

              • Loli.
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 5514



                • أيـــام .. كانت أيام :(


                  تليغرامي للإقتباسات
                  اضغط هنا


                  .

                  شيخة قلبه سابقا

                رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                " كنت تراقبينهما بشغف "

                خجلت من نفسي، و نظرت إلى البساط الذي كنا نجلس فوقه..

                سامر قال :

                " ألا زلت تفكرين به ؟ "

                تسارعت ضربات قلبي و توترت، و لم أجرؤ على رفع بصري إليه كما لم أقدر على التفوه بأي كلمة...

                قال سامر :

                " تؤذين نفسك يا رغد، و تهذرين مشاعرك... ألا ترين أنه رجل مرتبط و لديه زوجة.. و زوجة حسناء تغنيه عن التفكير بأي امرأة أخرى "

                بانفعال و بدون تفكير قلت بسرعة :

                " و هل يجب أن تكون المرأة بكل هذا القدر من الجمال حتى يلتفت إليها ؟ أنا لست أقل منها جمالا لهذا الحد.. فهل يجب أن أصبغ شعري و أضع عدسات زرقاء، و ألون وجهي حتى أنال إعجابه ؟؟ "

                و انتبهت لخطورة ما قلت ، بعد فوات الأوان ...

                سامر أخذ ينظر إلي بألم.. نعم بألم.. إن بسبب تجاهلي له و اهتمامي بوليد ، أو بسبب المرارة التي يراها منبعثة من صدري و أنا أراقبهما في حسرة...

                لكن عطفه علي غلب عطفه على نفسه، فقال مواسيا :

                " ليس الأمر كذلك، لا أظن وليد خطبها من أجل جمالها.. بل ربما لأنه يعمل هنا و أراد توثيق علاقته بأصحاب المزرعة... "

                التفت إليهما، و نظرت و أنا أضيق فتحة عيني و أعض على أسناني :

                " أو ربما... "

                و تابعت :

                " لأنه يحبها "

                و هذه الفكرة تجعلني أصاب بالجنون، و أتحول إلى لبؤة تريد الانقضاض على القطط الجميلة الملونة.. الناعمة الشقراء.. و نتف وبرها شعرة شعرة، و تمزيق أعضائها بمخالبها و أسنانها الحادة، قطعة قطعة...

                سامر قال :

                " أ تريدين أن أتحدث معه ؟ "

                التفت إليه بسرعة و أنا مندهشة ، و قلت :

                " ماذا ؟؟ "

                نظر إلي نظرة تأكيد... فقلت مسرعة :

                " لا ! كلا ، كلا "

                فلم يكن ينقصني إلا أن يتدخل سامر ليلفت انتباه وليد إلي !

                قال :

                " ما الجدوى إذن.. في صرف مشاعرك عليه.. إن كان سيتزوج من أخرى ؟ "

                قلت بحدة :

                " لن يتزوج منها "

                سامر شعر بالقلق ، و نظر إلي بحيرة و خوف ، و قال :

                " كيف ؟ "

                قلت بتحد :

                " لن أسمح لأي امرأة بالزواج من وليد.. أبدا "

                سامر قال :

                " رغد ! "

                " مهما كانت "

                " الأمر ليس متروكا لسماحك من عدمه ! ليس حسبما ترغبين أنت ! "

                وقفت بعصبية ، و قلت بحدة و انفعال :

                " بل حسبما أريد أنا.. فوليد ابن عمي أنا.. و هو لي أنا.. و سوف لن يتخلى عني.. و إن حاولت أي امرأة سرقته مني فسوف أشوه وجهها.. و إن حاول هو التخلص مني فسوف أفقأ عينيه ! "

                اعتقد أنني بالغت في التعبير عن مشاعري المكبوتة، خصوصا أمام سامر الذي أدرك تماما أنه يعشقني بهوس...

                التفت إليه شاعرة بالندم على تهوري ، فرأيت اثار الصدمة المؤلمة مرسومة على وجهه.. تزيده كابة فوق كابة..

                ما كان علي التفوه بما تفوهت به على مسمع منه... لكن.. لمن أعبر عن مشاعري؟؟

                لم يعد لدي شخص مقرب صديق أتحدث معه... فدانة رحلت، و نهلة بعيدة ، و أمي... في عالم الأموات...

                لمن أبث همومي و أعبر عما يختلج صدري من مشاعر ثائرة ، و أنا أرى وليد قلبي يلهو مع تلك الحسناء الدخيلة.. و أعيش علاقتهما لحظة بعد أخرى ..؟؟

                قلت ، محاولة تبديد أثر تهديدي الجنوني ذاك :

                " دعنا نمشي بمحاذاة البحر نحن أيضا "

                و مشينا سوية، في الاتجاه الاخر مبتعدين عن الثنائي المزعج !

                سمحت لنفسي بالهدوء، و أجلت انفعالي لما بعد، فهي لحظات جميلة لا تستحق الإهمال.. الجو لطيف، يداعب الوجوه ، و أمواج البحر رائعة .. تدغدغ الأقدام.. و صوت البحر عذب، يطرب الاذان.. فترقص القلوب مبتهجة و فرحة ..
                وقفت أتأمل جمال الكون.. و طبيعته الخلابة، و بديع صنع الله ، متحاشية قدر الإمكان النظر في أي شيء يعكر صفو هذه اللحظة، خصوصا وجوه البشر، و بالأخص من النوع ذوي الأنوف المعقوفة، أو العيون الزرقاء !


                أمضينا وقتا، سأعترف بأنه كان ممتعا ، مع الكثير من الشوائب ! و كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة و النصف ليلا حين قررنا العودة إلى المزرعة.. وليد يقود سيارته و سامر إلى جانبه، و أنا خلفه ، و الحسناء إلى جانبي.. أكاد أعصب عينيها بعصابة سوداء داكنة سميكة جدا، لأمنعها من النظر إلى وليد عبر المراة !.

                تعليق

                • Loli.
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 5514



                  • أيـــام .. كانت أيام :(


                    تليغرامي للإقتباسات
                    اضغط هنا


                    .

                    شيخة قلبه سابقا

                  رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                  تتمه

                  في اليوم التالي، لم يعمل وليد في المزرعة إلا لوقت قصير، و قضى بقية النهار معنا ..

                  و في العصر، قبيل مغادرة سامر، خرجنا جميعا إلى المزرعة نتجول مثنى مثنى !

                  و ليد و الحسناء في المقدمة، نتبعهما أنا و سامر على بعد عدة أمتار، يتبعنا العجوز و أم أروى على مبعدة... و سيري خلفهما جعلني أعود لممارسة جولات عيني الاستطلاعية بل التدقيقية التفتيشية على أقل حركة تصدر من أي منهما...

                  عادت البغيضة لتشبيك ذراعيهما ببعضهما البعض !

                  يا إلهي ! هل أركض نحوهما و أقف جدارا بينهما؟

                  قلت مخاطبة سامر :

                  " دعنا نسرع "

                  قال متعجبا :

                  " لم ؟ "

                  اخترعت أي سبب ، و لا سبب !

                  " أريد أن أعطي شيئا لأروى "

                  " أي شيء ؟؟ "

                  نظرت من حولي، فوجدت مجموعة من الزهور الجميلة الملونة، أسرعت باقتطاف بعضها و قلت :

                  " هذه ، فهي ملونة مثلها و تصلح طوقا على شعرها الذهبي ! "

                  و ناديتها مباشرة !

                  التفت كل من وليد و أروى استجابة لندائي، فحثثت السير إليهما حتى إذا ما بلغتهما قلت و أنا أرسم ابتسامة مفتعلة على شفتي :

                  " انظري يا أروى ! هذه الورود تشبهك ! "

                  أروى بدت مستغربة من مقولتي، ثم ابتسمت و شكرتني بعفوية !

                  قلت :

                  " اصنعي منها تاجا لشعرك ! ستبدين لوحة مذهلة ! "

                  أورى ابتسمت ثانية، و كررت شكرها و إن علاها بعض الشك !

                  التفت إلى وليد و قلت :

                  " أليس كذلك يا وليد ؟؟ "

                  وليد قال :

                  " بلى ، بالتأكيد "

                  بالتأكيد ؟؟ بالتأكيد يا وليد ؟؟

                  أنا بالتأكيد سأفقأ عينيك !

                  أخذت أورى بعض الورود، و تركت في يدي البعض الاخر...ثم استدارا ليتابعا طريقهما...

                  وقفت أنا على الجمر المتقد.. ازداد اشتعالا و احتراقا.. و أرمقهما بنظرات حادة خطره و هما يبتعدان... و ربما ذبلت الورود التي في يدي من شدة حرارتي !

                  شعرت بشيء يلمس كتفي فاستدرت بسرعة ، كان سامر...

                  سامر أوقف يده معلقة في الهواء.. لا أعرف لماذا ؟ ربما لأنها احترقت من ملامستي ؟؟

                  لكني لمحت عينيه تركزان في الساعة...

                  قال :

                  " يجب أن أذهب الان.."

                  أعدت النظر إليهما ، ثم إليه.. ثم إلى الثنائي الأخير الذي يقترب منا، العجوز و أخته...ثم عدت أنظر إلى سامر :

                  " الان ؟ "

                  " نعم ، قبل حلول الظلام "

                  نظرت بيأس نحو الورود التي بين يدي.. و لأنها أصبحت تمثل أروى في نظري، كدت أرميها و أدوسها من الغيظ.. إلا أن سامر أخذها من بين أصابعي و قال :

                  " هذه تصلح لك أنت .. أنت فقط "

                  رفعت بصري إليه و أبديت استيائي من جملته، و لما رأى هو ذلك قال :

                  " أو ربما لي أنا ! لمعادلة قبح وجهي ! سأحتفظ بها ذكرى "

                  ابتسمت.. لطالما كان سامر خفيف الظل ، لكنه في الفترة الأخيرة، بعد كل الذي حصل معنا، تغير كثيرا !

                  قلت :

                  " أنت لست قبيحا يا سامر! هذه الندبة لا تؤثر عليك مطلقا! إنها أجمل من هذه الورود "

                  ابتسم سامر بامتنان:

                  " شكرا ! "

                  عدت أنا فألقيت نظرة على الثنائي المزعج اللئيم، ثم نظرت إلى سامر...

                  سامر كان يشعر بتوتري، و يلحظ انجراف أنظاري نحو وليد و أروى.. و هو شيء لا أملك منع نفسي من الانقياد له !

                  سامر الان نظر إلي نظرة جدية كئيبة، أخفت أي أثر وهمي للابتسامة التي كانت على وجهه قبل برهة، و قال :

                  " رغد .. "

                  من نبرته، شعرت بأنه سيقول شيئا مهما.. أصغيت أذني.. و ركزت معه..

                  قال :

                  " ابتداء من اليوم.. اعتبري نفسك حرة طليقة.."

                  دهشت.. أوقفت أنفاسي.. و حملقت به بعيني المفتوحتين لحد الحاجبين !

                  قال :

                  " بدأت إجراءات انفصالنا.. و تستطيعين الارتباط بمن تريدين متى شئت "

                  مأخوذة بهول المفاجأة و غير مصدقة لما تسمع أذناي.. سامر حررني من رباطنا؟؟

                  أحقا فعل ذلك؟؟

                  قلت لا شعوريا :

                  " طلقتني ؟ "

                  سامر ابتسم بسخرية و قال :

                  " و هل تزوجتك حتى أطلقك ؟؟ "

                  و نظر إلى الزهور التي في يده ، ثم قال :

                  " سيتعين على وليد مراجعة الشؤون المدنية لنقل اسمك إلى بطاقته ، باعتباره ولي أمرك الجديد "

                  و سكت برهة ، ثم قرب الزهور من أنفه و شمها، و تنهد ، ثم نظر إلي و قال :

                  " أتمنى لك حياة سعيدة ، مليئة بالزهور الجميلة .. الرائعة مثلك "

                  لم أتمالك نفسي، و كادت الدمعة تقفز من عيني لكنني كبتها بصعوبة..

                  امتدت يده الان إلى يدي ، فأمسك بي بلطف .. و قال بصوت أجش :

                  " حبيبتي... "

                  و سكت، ثم تابع :

                  " أتسمحين بأن .. أعانقك للمرة الأخيرة ؟؟ "

                  حملقت بعينيه، فرأيت الرجاء الشديد ينبع من بؤبؤيهما... لم أحتمل، انطلقت العبرة المكبوتة من عيني فجأة و هتفت :

                  " سامر ! "

                  و ارتميت في حضنه و أحطته بذراعي .. في عناق حميم.. حقيقي.. طويل.. مليء بالمشاعر و الدموع... و متوج .. بالورود التي امتزج عبيرها الأخاذ بأنفاس صدرينا الملتهبة.. و محفوف بأنسام الهواء العليلة و أوراق الشجر المتطايرة من حولنا.. و التي حضرت لتشهد اخر لحظات وجودي في قفص سامر.. قبل أن أنطلق في الهواء حرة .. و أحلق في السماء مرفرفة بجناحي .. ميممة وجهي شطر الشجرة الضخمة الطويلة.. التي امتدت جذورها في قلبي منذ الطفولة.. و التي عليها سأعشش و أقيم لاخر العمر، طاردة بعيدا أي فراشة ملونة دخيلة تحاول الاقتراب من بيتي، ليبقى وليد.. وليد قلبي.. لي وحدي أنا.. و أنا فقط..

                  تعليق

                  • Loli.
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 5514



                    • أيـــام .. كانت أيام :(


                      تليغرامي للإقتباسات
                      اضغط هنا


                      .

                      شيخة قلبه سابقا

                    رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,


                    الحلقةالثانيةوالثلاثون
                    ********

                    لأن الظروف لم تسمح لنا قبل الان بشراء خاتمي الخطوبة، و أقصد بذلك ظروف وليد ، فإنني فتحت الموضوع معه مؤخرا، بعدما مضت فترة على وفاة والديه، رحمهما الله.

                    قررنا أن نذهب لشراء الخاتمين و الشبكة غدا.. لن نقيم أي احتفال، إنما عشاء خاص بي معه...

                    وليد، هو رجل رائع بكل المقاييس.. ربما كان التعويض الذي أرسله الله لي عوضا عما فقدت.

                    في مظهره، وسم، جذاب ! طويل القامة، عريض المنكبين، ممتلىء الجسم و الوجه!
                    في أخلاقه، كريم.. لطيف..نبيل.. متفان، مقدام !
                    في عمله، مخلص، صادق.. أمين.. مجتهد، نشيط جدا!

                    في أول مرة التقينا، كان ذلك قبل عدة أشهر، حين دخل رجل غريب إلى المنزل و هو يستنجد!

                    عندما أتذكر ذلك اليوم ، و رغم المرارة التي كانت فيه، أضحك !

                    لقد خرجت من المنزل راكضة .. بملابسي المجردة !

                    حينما عرض علي الزواج ، فرحت كثيرا.. أمي و خالي كانا يمدحانه أمامي باستمرار، و أنا كنت ألحظ إعجابهما بخلقه و طبعه، و أعجبت به مثلهما ...

                    علاقتي بوليد كانت بالكاد قد بدأت تتطور، ألا أن تطورها أخذ منحى اخر حين حضرت رغد للعيش معنا...

                    و هذه الرغد فتاة غريبة الأطوار !

                    أول الأمر كانت غارقة في الحزن، ثم بدأت تتفتح للحياة، و الان بفرض وجودها في ساحة وليد !

                    إنه يهتم بها كثيرا جدا، و يعاملها و كأنها ملكة ! تصدر الأوامر و هو ينفذ .. حتى أنه يفكر جديا في شراء طقم غرفة النوم الباهظ الذي أشارت إليه اليوم .. !

                    و يريد تحويل إحدى غرف المنزل إلى غرفة خاصة بها، بعدما طلبت هي مؤخرا أن تنام في غرفة مستقلة !

                    أنها فتاة مدللة جدا، و وجودها أبعد وليد عني ، و جعله يصرف جل الاهتمام لها هي .. و يهملني ...

                    اليوم ذهبنا إلى الأسواق تنفيذا لرغبتها، حيث اختارت طقم غرفة النوم ذاك، و اشترت العديد من الأشياء .. بمبالغ كبيرة !

                    أنا أخشى أن أتحدث معها أو مع وليد حول هذه النقطة، حتى لا أسبب مشكلة و يتهمني أحد بشيء، لكن...

                    نحن في وضع مالي متواضع ! و هي، كانت من عائلة ثرية معتادة على نيل ما تريد بسهولة...و لا أعلم، متى سيمكنها أن تدرك تماما أن والديها قد توفيا... و أنها لم تعد تتربى في عزهما و دلالهما!

                    و رغم ما أنفقته رغد هذا اليوم، فأنا لم أتنازل عن رغبتي في شراء خاتمي الخطوبة و طقم الشبكة، فهي من حقي، و قد وعدني وليد بالذهاب لأسواق المجوهرات و شرائها...





                    ~ ~ ~ ~ ~ ~




                    العلاقة بين رغد و أروى تزداد اضطرابا مرة بعد أخرى، و هذا يقلقني كثيرا...

                    رغد، في أحيان ليست بالقليلة تتصرف بغرابة، لا أعرف وصفا دقيقا أذكره لكم، لكن.. إنها .. تتدلل كثيرا !

                    و لأنها معتادة على الدلال، و تنفيذ جميع رغباتها دون استثناء، و لأنني الشخص الوحيد المتبقي أمامها من العائلة، فإنها .. باختصار تتدلل علي !

                    نعم حينما كانت صغيرة كنت أعشق تدليلها و أقبل على ذلك بشغف، ألا أن الأمر تغير الان..إنها لم تعد طفلة كما أنني... إنني...
                    ماذا أقول ؟؟
                    لست أباها، أو أخاها، أو زوجها أو حتى ابنها لأستطيع مجاراتها ببساطة في كل تصرفاتها... أنا حائر.. حائر جدا!

                    البارحة، و بعدما عدنا من السوق، و قد اشترت هي العديد من الأشياء، فوجئت بها قادمة نحوي، و قد تغير لون عينيها إلى الأزرق ! و إذا بها تسألني :

                    " كيف أبدو ؟ "

                    كنت أجلس و أروى في الصالة، نتحدث عن الخاتمين اللذين تصر أروى على شرائهما، و أظن هذا من حقها فهي تود وضع خاتم للخطوبة مثل أي فتاة !
                    اعتقد أن الفتيات يهتممن بأمور تبدو في نظر الرجال، أو لنقل في نظري أنا كواحد من معشر الرجال ... لا تغضبن ! سخيفة أحيانا !

                    نظرت إلى أروى ثم إلى رغد مندهشا.. و كانت لا تزال تنتظر رأيي في لون عينيها الجديد ! شعرت بالحرج الشديد .. فقلت :

                    " هل صبغتيهما بالفرشاة ؟! "

                    قاصدا أن تبدو دعابة خفيفة تلطف الجو، ألا أن رغد نظرت إلى أروى و قالت :

                    " و هل أنت صبغت عينيك بالفرشاة ؟ "

                    قالت أروى :

                    " لا ، صبغهما الله لي هكذا ، لذا فهما تناسباني تماما "

                    الجملة أزعجت رغد ، فقالت بغيظ :

                    " تعنين أن لون عيني الان لا يناسبني ؟ "

                    صمتت أروى، و نظرت إلي، تقصد تحويل السؤال إلي .. ، و لذا نظرت رغد نحوي و أنا أرى الغضب يتطاير من عينيها هاتين.. و لم أجد جوابا مناسبا ألا أنني لم أشأ إحراجها فقلت :

                    " و إن ناسباك ، فالأصل هو الأنسب دائما "

                    و إجابتي الغبية هذه لم تزد الطين إلا بللا !

                    قالت غاضبة :

                    " نعم الأصل هو الأنسب دائما، هذا ما يجب أن تدركه أنت ! "

                    و لم أفهم ما ترمي إليه ! ثم أضافت :

                    " لو كان سامر هنا، لصفر إعجابا "

                    ثم استدارت و غادرت الصالة...

                    تضايقت أنا من هذا الموقف.. و التزمت الصمت مدة ، ألا أن أروى قطعت الحديث قائلة :

                    " ألم أقل لك !؟ إنها تغار مني "

                    التفت إليها و قلت :

                    " لا ، ليس الأمر كذلك ! لكنك لا تعرفين كم كانت مدللة تفعل ما تشاء في بيت أبي... كان رحمه الله يدللها كثيرا "

                    قالت أروى :

                    " و ها أنت ورثته ! "

                    التفت إلى أروى، فأشاحت بوجهها عني.. و كأنها غاضبة مني ..

                    قلت :

                    " ما بك أروى ؟ ماذا يزعجك ؟ "

                    التفتت إلي و أجابت :

                    " ألست تدللها أنت أيضا ؟ "

                    قلت :

                    " أ لأنني سمحت لها بشراء كل ما أرادت ؟ تعلمين أن أغراضنا احترقت في بيتنا و هي بحاجة لأشياء عدة ! "

                    " أشياء عدة كالملابس الباهظة التي اشترتها و الحلي أيضا ؟؟ بربك ما هي فاعلة بها و هي باقية في هذا البيت بالحجاب و العباءة ! "

                    سكتت قليلا و قالت :

                    " لم لا ترسلها إلى خطيبها لبعض الوقت ؟ أظنها في حنين إليه "

                    وقفت منزعجا و رميت أروى بنظرة ثاقبة ، جعلتها تعتذر

                    " لم أقصد شيئا يا وليد إنما ..."

                    قلت مقاطعا :

                    " يجب أن تعرفي يا أروى.. أن رغد هي جزء من مسؤولياتي أنا، الجزء الأكبر.. و متى ما شعرت بالضيق من وجودها فأعلميني، و في الحال ساخذها و نرحل "

                    ظهر الذهول على ملامح أروى ، فوقفت و قالت :

                    " وليد ! "

                    قلت :

                    " نعم ، نرحل سوية.. لأنه لا يوجد سبب في هذا العالم يجعلني أتخلى عن ابنة عمي ساعة واحدة، مهما كان "

                    و كان هذا بمثابة التحذير ...

                    قالت أروى :

                    " و .. حين نتزوج ؟ "

                    صمت فترة ، ثم قلت :

                    " لن يكون زواجنا قبل زواجها هي ، بحال من الأحوال "

                    " و .. متى ستتزوج هي و أخوك ؟ "

                    قلت بسرعة و بغضب :

                    " ليس الان، لا أعرف ، ربما بعد عام أو عشرة .. أو حتى مئة ، لكن ما أعرفه هو أنني لن أتزوج قبلها مطلقا "

                    و تركت أورى، و انصرفت قاصدا رغد...
                    نعم رغد، فهي من يشغل تفكيري هذه الساعة، و كل ساعة..


                    كنت أعرف أنني سأراها باكية.. و هكذا رأيتها بالفعل.. و قد نزعت العدستين الزرقاوين، و تحول بياض عينيها إلى احمرار شديد...

                    " صغيرتي.. يكفي ! "

                    طالعتني بنظرة غاضبة ، و قالت :

                    " كنتما تسخران مني ، أليس كذلك ؟ "

                    " لا أبدا ! لا يا رغد ! "

                    قالت بانفعال :

                    " لو كان سامر هنا ، لقال قولا لطيفا و لو من باب المجاملة.. "

                    و ذكر اسم سامر يجعلني أتكهرب !

                    قلت بدون تفكير :

                    " أنت رائعة إن بهما أو بدونهما يا رغد "

                    و ابتلعت لساني بسرعة !

                    رغد تأملت عيني، و ربما سرها ما قلت.. فمسحت الدمعتين الجاريتين على خديها ، و قالت :

                    " حقا ؟ هل بدوت رائعة ؟ "

                    اضطربت، حرت في أمري.. بم أجيب ..؟؟

                    يا رغد أنت تثيرين جنوني.. ماذا تتوقعين مني ؟ أنا.. و للأسف، و بكل أسف.. لست زوجك حتى يحل لي أعجب بك و أبدي إعجابي لك.. كيف لي أن أصرح أمامك : أنت رائعة، و أنت لست ملكي..؟ أنى لي أن أتأملك و أنت لست زوجتي أنا ؟؟
                    يا رغد.. أنت لست امرأتي و أنا لا أستطيع تخطي الحدود التي يجب أن تبقى بيننا..
                    و إن لم أر روعتك، و لم أتأملها و لم أعلق عليها، فلتعلمي بأنك في قلبي أروع مخلوقة أوجدها الله في حياتي.. مهما كان مظهرك ..

                    لا تزال تنظر إلي منتظرة الإجابة.. كطفلة صغيرة بحاجة إلى كلمة طيبة من أحد.. قلت :

                    " بالطبع ! أنت دائما رائعة منذ صغرك ! "

                    رغد ابتسمت، أظن بفرح.. ثم قامت و اتجهت إلى أحد الأكياس التي تحوي ما اشترته من السوق، و أخرجت بعض الأشياء لتريني إياها !

                    أرتني أحد الفساتين، و هي تقول :

                    " هذا سيدهشك ! انظر .. ما رأيك ؟؟ "

                    الفستان كان أنيقا، و في الواقع أنا لست خبيرا بمثل هذه الأمور ، لكني أظن أنه من النوع الذي يعجب النساء !

                    قالت :

                    " سيغدو أجمل حين أرتديه ! "

                    و قربته من جسمها و ذهبت لتشاهد ذلك أمام المراة..

                    كانت تبدو سعيدة ..

                    قالت تخاطب المراة :

                    " متأكدة سيبهر دانة حين تراه ! و ستشعر بالغيظ ! "

                    ثم اكفهر وجهها فجأة .. و شردت برهة ، و استدارت إلي .. و رمت بالفستان على السرير..

                    قلت :

                    " ما الأمر ؟ "

                    قالت :

                    تعليق

                    • Loli.
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 5514



                      • أيـــام .. كانت أيام :(


                        تليغرامي للإقتباسات
                        اضغط هنا


                        .

                        شيخة قلبه سابقا

                      رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,


                      " أريد أن اردتيه "

                      قلت :

                      " إذن افعلي ! "

                      قالت و بريق من الدموع لمع في عينيها :

                      " أرتديه لأبقى حبيسة في هذه الغرفة ؟ "

                      و صمتت قليلا ثم قالت :

                      " لو كان والداي حيين.. لكنا الان هناك، في بيتنا.. أريهما أشيائي هذه، و أسمع تعليقاتهما.. "

                      " رغد .. "

                      " و لكنت ارتديت ما أشاء.. و تزينت كيفما أريد .. بكل حرية.. "

                      " رغد صغيرتي ... "

                      " و لكنت اشتريت ما يحلو لي دون حساب.. و لطلبت من والدي تجديد طقم غرفة نومي .. لم يكن ليتضايق من طلباتي.. فقد كان يحبني كثيرا.. و يدللني كثيرا.. و يحرص على مشاعري كثيرا.. أكثر من أي أب اخر في الدنيا .. "

                      و ارتمت فوق الفستان المرمي على السرير، و أخذت تبكي بحرقة...

                      تمزق قلبي أنا .. خلية خلية..لهذا الموقف الأليم المرير.. و رغما عني تمخضت مقلتي عن دمعة كبيرة...

                      اقتربت منها محاولا المواساة :

                      " أرجوك يا رغد.. كفى عزيزتي .. "

                      رغد استمرت في البكاء ، و لم تنظر إلي ، لكنها قالت وسط الاهات :

                      " لن يشعر أحد بما أشعر به.. حبيسة و مقيدة في هذا المكان..
                      ليتهما يعودان للحياة.. و يعيداني معهما إلى البيت.. و أنا سأتخلى عن كل شيء فقط لأعيش معهما ! "

                      مسحت دمعتي ، و قلت بصوت ألطف و أحن :

                      " بالله عليك يا رغد.. يكفي فقد تفطر قلبي "

                      رغد استدارت نحوي، و أخذت تنظر إلي مطولا..

                      ثم قالت :

                      " هل تحس بما أحسه يا وليد ؟؟ أتعرف معنى أن تفقد والديك، و مرتين، و بيتك و عائلتك، و مدينتك و جامعتك، و تبقى مشردا عالة متطفلا على غرباء ؟ في مكان لا يوفر لك أبسط حقوقك ؟ أن ترتدي ما تشاء ! "

                      " رغد ! ماذا بيدي ؟ أخبريني ؟ ماذا أستطيع أن أفعل ؟ و حتى لو خرجنا من هذا المنزل و سكنا منزلا اخر... لا حل للمشلكة ! "

                      " بلى ! "

                      قالت رغد ذلك بسرعة ، فقلت أنا مسرعا :

                      " ما هو ؟ "

                      رغد الان.. عقدت لسانها و هي تنظر إلي نظرات عميقة، كأنها تفكر فيما تود قوله ثم قالت للقهر :

                      " أرسلني إلى بيت خالتي "

                      ذهلت لسماع هذه الجملة ، و ترنحت قليلا ، ثم سألت :

                      " إلى بيت خالتك ؟؟ كيف ؟ و زوج خالتك ؟ و حسام ؟؟ "

                      قالت :

                      " أتزوجه "

                      هنا .. توقف قلبي عن النبض، و توقفت عيناي عن الرؤية، و أذناي عن السمع، و كل حواسي عن العمل ، بل و الساعة عن الدوران...

                      لم أسترد شيئا من حواسي المفقدوة إلا بعد فترة، و أنا في المزرعة ..
                      و كان أول شيء استعدته هو الشم، إذ غزت رائحة السيجارة أنفي و أيقظت إحساسه عنوة ...

                      قلبتني جملتها هذه رأسا على عقب... و بعد أن كنت شديد الحزن و التعاطف معها، أصبحت أرغب في خنقها..

                      حسام ؟ نعم حسام.. إنه الحبيب السري الذي يعيش في قلب رغد منذ الطفولة.. ليس في قلبها فقط، بل و في صندوق أمانيها الذي لم أنسه يوما...

                      أهذا ما تريدين يا رغد ؟؟




                      لم تمض تلك الليلة بسلام.. ظل قلبي ينزف ..من الطعنة العميقة التي سددتها رغد إلى صدري...

                      لذا فإنني عاملتها بشيء من الجفاء في اليوم التالي، و حين هممنا أنا و أروى بالذهاب إلى السوق لشراء الخاتمين و العقد، و سألتني إذا كنا نسمح بذهابها ، أجبت :

                      " أروى تريد أن نشتريهما بمفردينا "

                      " و تتركاني وحدي ؟؟ "

                      " لا ، بل مع الخالة ليندا "

                      و لم أسمح لها بإطالة الحديث، بل انصرفت مباشرة...





                      ~ ~ ~ ~ ~




                      و ليته أحضرها عوضا عن كل هذا !

                      فبدلا من تأمل المجوهرات، يتأمل الساعة بين الفينة و الأخرى.. و اتصل مرتين لسؤال أمي عنها !

                      بصراحة، وليد يبالغ في اهتمامه بها و أنا منزعجة من هذا الأمر.. و أتمنى لو يأتي خطيبها و يعتني بها لبعض الوقت، حتى نتنفس !

                      تجولنا كثيرا، بحثا عن طقم يناسبنا.. و وليد لم يكن مركزا معي جيدا، بل كان يقول عن أي كل عقد أسأله عن رأيه به :

                      " جميل، دعينا نشتريه ! "

                      اخترنا في النهاية طقما جميلا مناسبا، بالإضافة إلى خاتمي الخطوبة .. و أراد وليد أن نعود للمزرعة لكنني ألححت علي بالذهاب إلى مطعم و تناول العشاء هناك..
                      إنها فرصة ذهبية بالنسبة لي، لا وجود لرغد معنا!

                      " فيم تفكر ؟ "

                      سألته و أنا أراه شاردا، قال :

                      " أأ .. في المزرعة ، تعرفين أننا تركنا عمل اليوم غير منجز .. حالما أعود فسأنجزه "

                      قلت :

                      " أوه وليد ! أتفكر بالعمل حتى و أنت معي هنا ؟ دع عنك المزرعة و شؤونها و لنتحدث في أمور تخصنا "

                      لم تظهر عليه أمارة مشجعة ، تضايقت من شروده عني ، قلت :

                      " وليد ! أنا معك ! هل تراني ؟ "

                      الان ابتسم و قال :

                      " طبعا أروى ! أنا اسف..، فيم تودين الحديث ؟ "

                      قلت ببعض الخجل :

                      " في أمور بيتننا و خطط مستقبلنا ! "

                      قال وليد :

                      " أخبرتك بأننا لن نتزوج قبل رغد "

                      رميت بالملعقة التي كانت بين أصابعي ، أتناول بها طبق المهلبية الباردة .. و قلت بانفعال :

                      " رغد ثانية ! أوه .. رغد ، رغد ، رغد ! وليد ! هللا توقفت عن ذكرها أمامي كل ساعة ؟؟ "

                      قال وليد و هو مرتبك :

                      " أروى ! ما حل بك ؟؟ "

                      قلت :

                      " ما حل بك أنت ؟؟ ألا تشعر بأنك تهملني من أجلها ؟ إنني خطيبتك ! "

                      قال :

                      " أنا اسف يا أروى، لكنك .. لا تعلمين ما تعنيه رغد بالنسبة لي .. "

                      قلت :

                      " ماذا تعني ؟؟ "

                      وليد غير الجملة و قلب السؤال ، إلى ما يعنيه هو بالنسبة لها ، إذ قال :

                      " إنها فتاة يتيمة، و بلا بيت و لا عائلة و لا ولي غيري، إن أهملتك أنت، فباستطاعتك اللجوء إلى أمك أو خالك، أما إن قصرت مع ابنة عمي اليتيمة الوحيدة ، فإلى من ستلجأ ؟؟ "

                      أنا قلت مباشرة :

                      " إلى خطيبها "

                      و لا أدري لم انزعج وليد فجأة و قال :

                      " لنغير الحديث، ماذا كنت تودين قوله بشأن المزرعة ؟؟ "

                      قلت :

                      " أي مزرعة ؟؟ "

                      " المزرعة ! ألم تتحدثي عن المزرعة و مستقبلنا فيها ؟ "

                      اشتططت غضبا و قلت :

                      " بل عن عش الزوجية و خططنا المستقبلية فيه "

                      احمر وجه وليد ، و تمتم بجمل الاعتذار...

                      لكن ، أي اعتذار يا وليد؟ إنني أشعر بأنك لا تشعر بوجودي ... و كأنني لست خطيبتك.. و كأننا لن نتزوج ذات يوم !

                      عندما عدنا إلى المزرعة ، و لم أكن أنا سعيدة بالقدر الذي تمنيت، دخلت إلى المنزل مباشرة ، أما وليد فذهب لينجز أعمال اليوم التي اضطر لتركها من أجل مرافقتي...

                      في الصالة، وجدت رغد جالسة تقرأ أحد الكتب..

                      " تأخرتما "

                      " نعم، فقد ذهبنا إلى المطعم.. و تنزهنا لبعض الوقت "

                      و ظهر الاستياء على وجهها، و قالت :

                      " و هل اشتريتما الخاتمين ؟ "

                      " أجل "

                      " هل أستطيع رؤيتهما ؟ "

                      قلت بحنق :

                      " نعم طبعا ، لكن غدا ، بعدما نلبسهما أنا و وليد لبعضنا البعض "

                      قالت :

                      " و أين وليد ؟ "

                      " في المزرعة ، سيعمل لبعض الوقت "

                      و استأذنت و ذهبت إلى غرفتي...






                      ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~





                      تركتني في غيظي ، اشتعل نارا كجهنم.. أكاد أحرق أوراق المجلة التي بين يدي
                      و لكن لا
                      لن أفوت هذا بسهولة ! و لسوف أفسد عليهما سهرة الغد و أحرمهما من الهناء بخاتميهما !

                      نزعت الخاتم الذي ظل بنصري الأيمن محبوسا به لأربع سنين...
                      لم أكن قد نزعته قبل الليلة، كما لم أكن قد أبلغت وليد عن انفصالي الشرعي عن سامر.. رغم أن فترة قد مضت على ذلك..

                      لم أكن أريده أن يشعرني بأنه مهتم بي فقط و فقط لأنه ليس لدي من يهتم بي غيره.. كنت أود أن أشعر.. بأنه يهتم بي و يحبني و يريد بقائي معه حتى لو كان والداي على قيد الحياة ، ليس فقط حتى مع وجود خطيب لي..


                      عندما سألني :

                      " ماذا بيدي ؟ ما حل المشكلة "

                      كدت أقول :

                      " تزوجني ! "

                      و كم كنت سأبدو بلهاء غبية و أنا أعرض على ابن عمي ، و المرتبط، و الذي نعيش في بيت خطيبته أن يتزوجني !

                      أردت أن ألفت نظره إلى وجود حل اسمه الزواج ، فقلت :

                      " أتزوج حسام "

                      و انتظرت ردة فعله، انتظرت أن أرى مقدار اهتمامه بي .. و رغبته في بقائي معه..كم تمنيت لو يهتف :

                      " مستحيل ! "

                      إلا أنه التزم الصمت، ثم غادر...

                      أحيانا.. أشعر بأنه يهتم بي و يحبني كثيرا.. لكن.. مثل حبه لدانة.. و أنا أريده أن يحبني مثلما أحبه أنا.. و أن يعجب بي أنا.. و ألا ينظر إلى عيني امرأة غيري أنا !
                      و إن كان يريد رؤية عيون زرقاء، أو خضراء، أو حتى صفراء.. فأنا سأغير لون عيني و شعري و وجهي و كل شيء لإرضاء ذوقه !

                      لقد قال إنني رائعة منذ الطفولة ! كم أشعر بالسعادة كلما تذكرت هذه الجملة ! إنها كنزي الثمين الذي أفتحه و أنعش مشاعري به كلما أصابني اليأس ..

                      وليد و أروى يخططان لقضاء سهرة خاصة بهما ليلة الغد، للبس الخاتمين.. و أنا .. أخطط لأن أمرض غدا، و أقلق وليد بشأني، و أصرف تفكيره عن السهرة الخاصة، و أحرم أروى مما تصبو نفسها إليه !

                      سترين يا أروى !






                      ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~





                      لأنني لا أحب تأجيل عمل اليوم إلى الغد، و لأنني سأضطر لاختصار ساعات العمل غدا أيضا، من أجل السهرة التي تريدها أروى احتفالا بوضع الخاتمين ، فإنني قررت أن أقضي ساعات في العمل بالمزرعة الان...

                      كنت متعبا، فقد قمت بعدة أشياء منذ الصباح، و كان يوما حافلا بالمهام التي كان علي إنجازها.. عدا عن هذا ، فهناك فتاة صغيرة تلعب في دماغي منذ الأمس، و تسبب لي صداعا رهيبا !

                      انتصف الليل، و أنا لا أزال في المزرعة أبذل مجهودا بدنيا لا يتناسب و الظلام و التوقيت، ألا أنني لم أشأ المغادرة قبل إتمامه...

                      كنت سأنقل بعض الأشياء إلى السيارة الحوض، إلا أنني حين وجدتها على مبعدة ، تقاعست عن تحريكها، فاخر شيء أفكر به هو قيادة سيارة الان، اذا قمت بحمل بعض تلك الأشياء بجهد إلى الحوض، و تركت البقية لأنقلها في اليوم التالي، فقد أرهقت كثيرا جدا...

                      كنت أتصبب عرقا، و أشعر بإعياء شديد، و بحاجة ماسة و فورية للاستحمام ، و النوم مباشرة...

                      عدت إلى المنزل منهك القوى شديد التعب، متوقعا أن يكون الجميع نيام في مثل هذا الوقت ، لذا دهشت حين رأيت رغد جالسة في الصالة تقرأ كتابا !

                      " ألم تنامي بعد ؟ "

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...