إن الانتظار يثبت الإحساسات على وضعية واحدة , و يستبيح إذعانها فيحنطها , و يميت بذلك قدرتها على التمييز بين الصبر و الضجر أو بين اليأس و الأمل .
حتى أن الإنتظار يتحول إلى عادة يومية لا تسوغها بالضرورة اللهفة لأوبة غائب أو لتلقف شيء ما سيبعث يوما ما , بل إن هذه الوقفة نفسها و المدعمة بنظرات شاردة فارغة تلحس الأفق لا تعدو أن تكون حركة الية أو حاجة لا يستدر منها نفع
لا توجد ضرورة مصيرية لمعرفة أي شيء طالما أن الندم هو المادة الأساسية التي بها تتماسك أمزجة الإدراك .. و ما أكثر ما ندمنا لأننا قفزنا من ضفة " الجهل الظليل " إلى ضفاف الحقيقة التي تعلوها البراكين كأنها بثور منتفخة تتقيح حمما !
إن دعاة التفاؤل تضجرهم مبادؤهم أحيانا فيعتكفون في العتمة و يطلقون من صدورهم أنات لا يدركون هم أنفسهم أسبابها , و لكنهم مع ذلك يتلذذون بها و يلتهمون صداها الغليظ التهاما , حتى إذا طلع الصباح هيئوا للمباهج التي ينادون بها سحنة باسمة منتعشة , و أيد تتناول الورد من سلالها و تلقيه على العابرين , و أصواتا تبايع " الحياة " و تدين اليأس و اليائسين !
كنت اثنين أكثر من مرة , و هذين الإثنين تنافسا على تحطيمي بخيرهما و شرهما ..
قيداني بخيط يترجح بين جنة و جحيم , فما عدت أدرك من أنا , و أي الخطايا هي خطاياي و أي الحسنات قارفتها طمعا في ثوابها ...
احتمال أن نفاجأ بما للطيبة من ضراوة تستطير و بما للبراءة من خبث خبيء حالما نتلقن درسا في الجوانب الافتراضية من كل شيء و في حقيقة أن الأسود و الأبيض يقتديان خفية باللون الرمادي
ذلك هو شكل ابتسامتي , و أنا لافتتاني بفكرة أن للبؤساء حظ من الفرح لا يدركونه أغلب الوقت , فإنه قد شق علي أن أعيد تسمية هذه " الإبتسامة " بكاء , و إن كان في ذلك شهامة من يسمي الأشياء بأسمائها .
أرتضي جبن التوهم و سذاجة التمني , بل و أمضي إلى ما هو أبعد من ذلك فأؤثر الكذب على نفسي و قلب مراتي على قفاها لأرى الصورة المتخيلة عن وجهي فتطفو على شفاهي ما يمكن أن يكون ابتسامة " مبتدىء " في مجال " الرضى عن النفس " .
ما أدراهم بي ؟
هم ليسوا " القاموس " الذي تنطوي أحد أبوابه على تعريف مفصل و شامل لي .
فلم تستنجد بهم كلما عجزت عن استنباط ما يندرج ضمني من معان و أفكار و ميولات ؟
محال أن تكفي حياة شاركوني إياها لأن تسبر سنينها الطوال أغواري ,
فما هي ضحكات أو أنات يطلقها صدري أمامهم ؟ و ما هي كل الأشياء التي أفضي بها إليهم عندما تحيط بي أسئلتهم ؟ ... إنها لا شيء , إنها جزء من قشرة لا يكشف إلا عن أتفه جوانب اللب . أما الحقيقة فهم لا يدركونها , بل لعلني أنا نفسي لا أدركها
لا تأت حسب الموعد , بل تأخر قليلا لأشتاق أكثر , لأغلي أكثر , لأهيء من كلماتي لكمات مسعورة أسددها لك و أنا أتساءل " لم جعلتني أنتظر ؟ " ..
أتعرف أنني أدمن تعذيب نفسي بك , و أنك حين ترتقي لرتبة " وجع " تجعلني أكتشف ألذ اهاتي ما إن يتقيحها صدر أضجره صدى البسمات الراضية عنك ؟
تعليق