انت لي .... قصة جميلة .. منقول ( 1) كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Loli.
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 5514



    • أيـــام .. كانت أيام :(


      تليغرامي للإقتباسات
      اضغط هنا


      .

      شيخة قلبه سابقا

    رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

    "و... رغد؟؟"
    فهمت منها إنها قلقة بشأن من سيعتني بالصغيرة وهي مصابة هكذا.. فقلت:
    "لدينا خادمة لتساعدها".
    أم حسام قالت فجأة وبانفعال مهول:
    "أتريد القول.. إنك.. ستسافر مع الفتاة.. بمفردكما؟"
    ألجم السؤال لساني.. وفي ذات اللحظة رأيت أم حسام تهب واقفة وقد تناثر الشرر من حولها وتقول بصوت حاد:
    "هل جننت يا وليد؟؟ تريد أن تأخذ الفتاة بمفردها إلى الجنوب؟"
    وقفت تباعا وقد أصابني الذهول من أمر الخالة وأردت أن أتحدث غير أن كلامها اخترق المسافة الفاصلة بيننا بسرعة البرق وزلزلة الرعد...
    "كنت أظن أن خطيبتك ووالدتها سترافقانكما كما في السابق..."
    تدخلت بسرعة:
    "ستلحقان بنا عما قريب.. وكذلك سامر.. لا يمكنني ترك العمل أكثر من هذا".
    ردت أم حسام:
    "وتريد مني أن أترك ابنتي تسافر وتعيش هناك لوحدها معك؟؟ هل فقدت صوابك يا وليد؟؟"
    ارتبكت واضطربت كل ذرات كياني.. تحول لوني إلى الأحمر وتفجرت قطرات العرق على جسمي كله.. حاولت النطق:
    "خالتي".
    غير أنها قاطعتني بحدة وقالت صارخة في وجهي:
    "كفى.. هذا ما كان ينقصني... لم يبقى إلا أن نترك ابنتنا تقيم بمفردها مع رجل غريب.. من تظن نفسك يا وليد؟؟ كيف تجرؤ؟"
    تسمرت على وضعي مذهولا.. مكتوم النفس طائر الفؤاد محملق العينين... لا أكاد أفهم ما أسمع..
    "خال... ما.. ماذا... رجل غريب؟؟ أنا؟"
    صاحت أم حسام بوجهي:
    "نعم رجل غريب.. أتظن أن الوصاية على الفتاة تجعلك أباها حقا؟؟ أفق يا هذا... أم لأنها فتاة يتيمة وحيدة تظن أنه بإمكانك التصرف بشأنها كما يحلو لك وأن أحدا لن يوقفك عند حدودك؟؟ اصح يا وليد... يا محترم".
    تلقيت الكلام كصفعة قوية نارية على وجهي... النار كانت تشتعل في عيني أم حسام وفي صدرها النافث بالصراخ.. حملقت بها مذهولا.. غير مصدق لما أسمع.. ما الذي تقوله هذه المرأة؟؟
    كان صدري لا يزال يحبس النفس الأخير الذي التقطته وسط النار.. أطلقت نفسي باندفاع وقوة وهتفت:
    "ما الذي تقولينه يا خالة؟"
    الغضب كان يتطاير من عينيها ومن عيني أنا تفجر بركان ثائر مدمر...
    "ما الذي تظنينه بي؟؟ إنني أنا وليد.. ابن شاكر وندى... ولست إنتاج وتربية شوارع.. أنا تقولين لي هذا الكلام؟؟ لقد تربيت بين أبناءك وتحت ناظريك.. وكأنك لا تعرفين من أكون؟؟ أم لأنني دخلت السجن بضع سنين تظنين أنني خرجت منه فاسقا قذرا لا يعرف حدوده ويتجرأ على حرمات الغير...؟؟ إنها ابنة عمي.. دمي وحرمتي أنا.. والأمانة العظمى التي في عنقي.. كيف تجرئين على الظن بي هكذا؟؟ لن أغفر لك هذه الإهانة.. أبدا".
    وسرت مبتعدا عنها متجها إلى الباب... وفي طريقي اصطدمت بطارلة فما كان مني إلا أن رفعتها وقلبتها رأسا على عقب ورميت بها بقوة بعيدا...
    فتحت الباب بقوة وصفعته بالجدار حتى كدت أكسرهما سوية.. ثم خرجت بسرعة مغادر المنزل... صادفت حسام عند البوابة... فدفعته بعيدا عن طريقي.. ثم ركبت سيارتي وانطلقت بأقصى سرعة.. نحو المطار..

    ************************

    تعليق

    • Loli.
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 5514



      • أيـــام .. كانت أيام :(


        تليغرامي للإقتباسات
        اضغط هنا


        .

        شيخة قلبه سابقا

      رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

      تتمه
      ******************

      ونحن نسير نحو غرفة المجلس سمعنا صوت انغلاق باب قوي.. اقشعرت له الجدران والثريات!
      ابنتا عمي كانتا تتعاونان في حمل حقيبة سفري وأنا أسير بعكازي حاملة حقيبة يدي على كتفي إلى أن وصلنا إلى الباب.. الاثنتان عانقتاني وودعتاني وابتعدتا..
      طرقت الباب الداخلي لغرفة المجلس بهدوء ثم فتحته وأطللت بعيني في شوق لرؤية وليد قلبي..
      مسحت الغرفة بعيني وطولا وعرضا وارتفاعا.. ولم أعثر على وليد!
      لكني رأيت إحدى الطاولات مقلوبة والتحف الزجاجية مكسورة على الأرض!
      ورأيت خالتي تقف عند الباب الخارجي للمجلس, ثم رأيت حسام يدخل وهو يسأل:
      "ماذا حدث؟؟"
      وسمعت خالتي تسأله:
      "هل خرج؟"
      قال حسام:
      "ضربني بيده وخرج! ماذا حل بهذا الرجل بحق السماء؟"
      قالت خالتي وهي تغلق الباب وتقفله بعد دخول حسام:
      "لا أعرف ممن ورث هذا المتعجرف غلظته! لا ياسر ولا شاكر رحمهما الله ولا سامر يحفظه الله فيهم شيء من الفظاظة.. بل هم في منتهى التهذيب واللطف والهدوء.. أما هذا.. أعوذ بالله! متوحش وأخرق... انظر ماذا فعل؟"
      وهي تشير إلى الأرض...
      فتحت أنا الباب وتقدمت إلى الداخل في قلق وتساؤل... وأخذت أحدق في خالتي وأسأل:
      "ماذا حدث؟"
      وكان وجه خالتي يتقد احمرارا فرمقتني بنظرة صامتة ثم انحنت إلى الأرض ترفع قطع الزهرية المكسورة.
      عدت وسألت:
      "أين وليد؟"
      أجابت وهي لا تنظر إلي:
      "غادر".
      ماذا؟؟ غادر؟؟ ماذا تعنين بغادر؟؟
      سألتها:
      "غادر؟؟"
      قالت بغضب:
      "نعم غادر.. عسى ألا يعود".
      هتفت بقوة:
      "أعوذ بالله... لماذا ياخالتي؟؟.. ماذا حصل؟؟"
      قالت وهي ترفع نظرها إلي وتتكلم بعصبية:
      "إنه مجنون... لا يعرف حدود نفسه.. يظننا سنتركه يتصرف كيفما يريد.. متسلط فظ وعنيف.. من أين أتى بكل هذه العجرفة والوحشية؟"
      حسام عقب مباشرة:
      "من السجن قطعا".
      اشتططت غضبا وانفجرت بشدة:
      "لا تتحدثا عن وليد هكذا... لا أسمح لكما.."
      ثم تقدمت نحوهما وقلت:
      "أخبراني ماذا حصل؟؟"
      قال حسام:
      "ألا ترين؟"
      مشيرا للطاولة المقلوبة على الأرض.. والزجاج المتناثر حولها...
      قلت:
      "وليد فعل هذا؟"
      ووجهت خطابي لخالتي التي لا تزال جاثية على الأرض تلملم ما تبعثر..
      "لكن لماذا؟؟ ماذا حدث؟؟ هل تشاجرت معه؟"
      خالتي وضعت ما بيدها جانبا ووقفت وقالت:
      "نعم تشاجرت معه.. وغضب وصرخ في وجهي وقلب الدنيا رأسا على عقب وخرج ثائرا كالبركان".
      قلت بسرعة:
      "ماذا قلت له؟ هل أهنته ثانية؟؟ خالتي..!! إلى أين ذهب الان؟"
      ردت بحدة:
      "إلى حيثما ذهب... بلا رجعة".
      هتفت منفعلة:
      "بعد ألف شر... خالتي لا تقولي هذا ثانية يكفي أرجوك".
      وعمدت إلى حقيبة يدي واستخرجت هاتفي واتصلت بهاتف وليد..
      كان الهلع ينخر رأسي بشراسة وما إن رن الهاتف حتى كان قد أتى على قواي الذهنية كاملة...
      الهاتف رن مرة ثم مرة أخرى ثم انقطع الاتصال.. عاودت الاتصال فوجدت الهاتف مغلقا.. كررت الاتصال عدة مرات.. الهاتف ظل مغلقا..
      قلت أخاطب خالتي:
      "أغلق هاتفه".
      ثم سرت نحو هاتف المنزل الموضوع على منضدة في الجوار واتصلت برقم وليد مرات أخرى.. دون جدوى..
      قلت بعصبية:
      "الهاتف مغلق يا خالتي ماذا قلت له؟"
      خالتي تنهدت ثم قالت:
      "اعترضت على سفرك معه".
      صدمت.. حملقت فيها مندهشة وسألت:
      "ماذا؟؟ لكن لماذا؟؟ تعرفين أنه ات لأخذي فماذا تغير؟"
      قالت خالتي وقد عاد الانفعال على وجهها:
      "لن أسمح له بأخذك معه يا رغد... ستبقين معي وتحت عيني.. سأضع حدا لجنون هذا المتسلط".
      تركتني خالتي في إعصار الحيرة والهلع واشتغلت بتنظيف وترتيب الطاولة وما حولها متجاهلة تساؤلاتي... مما زادني يقينا فوق يقين بأن ما حصل كان أمرا خطيرا...
      "خالتي أرجوك أفهميني ماحدث؟؟ ماذا فعل؟ ماذا قلت له؟؟ بالله عليك أخبريني".
      وهذه المرة حسام ساندني وقال:
      "أخبرينا بما حدث يا أمي؟"
      خالتي قالت أخيرا:
      "تصورا.. كان يريد أخذ رغد بمفردها إلى بيته! دون خطيبته ولا والدتها..! يظن أن الوصاية كافية لتجعله مثل أبيها.. يقيم معها بمفرده أينما يريد".
      هتف حسام مستنكرا:
      "ماذا ماذا؟؟ يقيم معها بمفرده هكذا بكل بساطة؟؟ يا سلام! من يظن ذلك المعتوه نفسه ؟؟"
      خالتي قالت:
      "وبكل جرأة يخبرني بأن خطيبته لن تسافر معه.. بلا حياء ولا لياقة.. ولما اعترضت ثارت ثائرته وزلزل المنزل.. وقلب الطاولة بالتحف... المجنون!"
      تسمرت في مكاني مصعوقة بما أسمع.. ثم قلت:
      "لكن.. لكن.. إنه.. إنه الوصي علي".
      قالت خالتي بغضب:
      "الوصي عليك شيء وأن يقيم معك بمفردكما في بيته شيء اخر..."
      قلت مذهولة:
      "خالتي!! إنه ابن عمي".
      ردت مقاطعة:
      "وحتى لو كان ابني... مجنونة أنا كي أدعك تقيمين بمفردك مع رجل غريب؟ حتى لو كان حسام أو أبا حسام.. هذا ما كان ينقصنا.
      قلت وأنا في ذهولي:
      "ألا... تثقين به؟"
      ردت:
      "أثق بمن؟؟ بهذا؟؟"
      وهي تشير إلى موضع الطاولة... ثم أضافت:
      "المتوحش المتعجرف خريج السجون؟؟"
      عندها صرخت من أعماق قلبي:
      "يكفي... يكفي... لا تتحدثي عنه هكذا... لا أسمح لكم بإهانته... لا أقبل أن تصفوه بهذا... أنتم لا تعرفون شيئا..."
      والتقطت السماعة واتصلت من حديد وللأسف كان هاتف وليد مغلقا... أعدت الاتصال مرة ومرتين ومئة.. والهاتف لا يزال مغلقا...
      ياإلهي.. وليد قلبي غاضب ولا يريد التحدث معي؟؟
      نظرت إلى الساعة.. الوقت يمر ومن المفترض أن نكون في الطريق إلى المطار...
      اتصلت بهاتف سامر ولما رد علي قلت باضطراب:
      "هل وليد معك أو اتصل بك؟؟"
      استغرب سامر السؤال فسألني:
      "لا! غادر منذ الظهيرة... أليس في المزرعة؟؟"
      قلت بتوتر:
      "كان هنا في بيت خالتي ليصطحبني إلى المطار, لكنه غادر من دوني.. أتصل به ولكنه مغلق هاتفه.. أرجوك حاول التصال به وبالمزرعة واطلب منه مهاتفتي فورا..."
      سألني وقد تجلى القلق في نبرته:
      "هل حدث شيء يا رغد؟؟"
      نظرت نحو خالتي وأجبت:
      "تشاجر مع خالتي.. لكن أرجوك قل له أن يتصل للضرورة".
      صمت سامر لحظة ثم قال:
      "حسنا".
      وأنهيت المكالمة وبقيت جالسة على الجمر المتقد أنتظر اتصال سامر, وهاتف المنزل وهاتفي المحمول كلاهما في حظني... فيما عيناي محملقتان في ساعة يدي...
      مرت الدقائق تلحق بعضها بعضا... والهاتفان لا يرنان...
      لم أطق صبرا حاولت الاتصال بوليد دون جدوى واتصلت بسامر فقال إنه لم يجده في المزرعة وأن هاتفه المحمول مغلق طوال الوقت...
      في هذه اللحظة حضر زوج خالتي وعلم بما حصل وبدوره صار يحاول الاتصال بوليد عبر هاتفه بلا فائدة...
      مضى الوقت.. ولا من خبر من أو عن وليد..
      نبضات قلبي اخذة في التباطؤ.. أطرافي ترتجف خوفا وقلقا..
      أنظاري متمركزة على الهاتفين وعلى الساعة.. والان لم تعدعيناي بقادرتين على الرؤية... الضباب كثيف.. لا بل هي قطرات الندى.. لا بل الدموع... تريد الانطلاق من محجري...
      وبعد ما يفوق الساعة... رن هاتفي المحمول... نظرت إلى الشاشة فرأيت اسم سامر...
      أجبت بسرعة:
      "نعم سامر هل كلمته؟؟"
      قال:
      "كلا.. إنني الان عند باب المنزل".
      "المنزل؟"
      "أعني منزل خالتك... هل حسام هناك؟"
      وطلبت من حسام الذهاب لاستقبال سامر... غادرت خالتي المجلس وعاد حسام مع سامر... والأخير بدأ التحية والسؤال عن الأحوال ثم سألني مباشرة:
      "ماذا حدث؟؟"
      قلت بشكل غير مرتب:
      "خرج غاضبا... إنها خالتي... إنه موعد إقلاع الطائرة... هل سافر بدوني؟؟"
      راى سامر اضطرابي فحاول تهدئتي ثم قال:
      "لن يفعل ذلك... لكن أخبريني ما الذي حدث بالضبط؟"
      قلت منفعلة:
      "خالتي تشاجرت معه... إنها يقسون عليه ولا يحترمونه ولا يثقون به".
      أبو حسام قال مدافعا:
      "ليس الأمر كذلك لا سمح الله.. أنه ابننا مثل حسام ومثلك يا سامر ولكن أم حسام جن جنونها مذ رأت الفتاة بالعكاز والجبيرة... تعرف كم تحب ابنة أختها وتقلق عليها ولا تريدها أن تبتعد عنها".
      قلت بغضب:
      "لكن لا ذنب لوليد فيما حصل لي... لماذا تنظرون إليه هكذا؟؟ إنه يعتني بي جيدا ويعاملني بكل احترام وحنان وأدب... وأنا لا أسمح...لا أسمح.."
      وأخذت شهيقا باكيا ثم زفرت نفسي مع دموعي:
      "لا أسمح لأحد بأن يهينه... ولا أقبل بأن ينعته أحد بالمجرم... أنتم كلكم قساة... كلكم بلا مشاعر... كلكم ظالمون".
      انخرطت في بكاء لم أبك مثله أمام أحد مسبقا... غير نهلة...
      الثلاثة... سامر وحسام وأبوه التزموا الصمت للدقائق الأولى... ثم تحدث سامر مخاطبا الاخرين:
      "بعد إذنكما... هل لي بحديث خاص مع ابنة عمي؟"
      وشعرت بهما يغادران... ثم شعرت بسامر يقترب مني وسمعته يناديني...
      مسحت دموعي ونظرت إيه فقال:
      "أفهميني يا رغد... ما الذي يدور ها هنا؟؟"
      قلت مقاطعة:
      هل تعتقد أنه سافر؟"
      سامر قال:
      "لا. كيف سيسافر ويتركك؟"
      قلت:
      "إذن لماذا أقفل هاتفه؟؟ انظر إلى الساعة.. لا شك أن الطائرة قد أقلعت منذ فترة..."
      ولمعت في رأسي فكرة فقلت:
      "اتصل بالمطار وأسأل عنه".
      وأنا أراقب سامر وهو مشغول بطلب الرقم تلو الاخر... سمعته أخيرا يتحدث إلى الطرف الاخر باهتمام, ثم شكره وأغلق الهاتف...
      نظر إلي وعيناي متعلقتان به بلهفة... ثم قال:
      "يبدو... أنه سافر بالفعل يا رغد".
      "سافر؟!"
      قال سامر:
      "الموظف أكد لي أن اسم وليد شاكر جليل... أدرج مع قائمة أسماء المسافرين الذين ركبوا الطائرة المتجهة إلى الجنوب".
      نظرت إليه بتشتت... بضياع بعدم تركيز.. بعدم تصديق.. بانهيار..
      "لا!"
      سامر كان ينظر إلي بقلق وخوف...
      قلت:
      "وأنا؟؟"
      لا زال سامر ينظر إلي.. والتعاطف ينبثق من نظراته...
      كررت:
      "وأنا؟؟ ماذا عني أنا؟"
      سامر قال:
      "وليد لن يفعل شيئا كهذا لسبب تافه... أخبريني ماذا حصل بالتفصيل يا رغد".
      قلت وأنا أنهار:
      "لا أعرف.. أخبروني بأنه وصل.. فأتيت إلى هنا ولم أجده.. رحل فجأة.. تشاجر مع خالتي في دقائق معدودة.. وغادر غاضبا.. خالتي أهانته.. لا أعرف ما قالت بالضبط لكنها عارضت سفري معه بدون الشقراء.. لا بد أنها رمته بألفظ قاسية.. إنها تكرهه ولا تثق به.. تعيره بالمجرم.. وتنعته بالمتوحش وخريج سجون.. وكلمات جارحة ومهينة... اه يا إلهي.. وليد لا يستحق هذا.."
      وأخفيت وجهي خلف يدي اليسرى من مرارة الموقف.. وعصرت عيني دموعا شجية...
      أحسست بشيء يلامس يدي ففتحت عيني ورأيت منديلا تمده يد سامر نحوي..
      "هوني عليك يا رغد".
      قال سامر مواسيا..
      أخذت المنديل ومسحت دموعي ثم قلت:
      "ماذا أفعل الان؟"
      قال سامر مطمئنا:
      "عندما يصل إلى المنزل سنهاتفه... لا بد أنه كان غاضبا... لكنه سيهدأ".
      قلت بلهفة:
      "هل تظن أنه سيعود؟"
      قال:
      "بل أنا على يقين من ذلك.. اطمئني.."
      ثم أطرق برأسه إلى الأرض وشرد قليلا... ثم قال:
      "لم أكن أعلم بأنهم يسيئون إلى أخي..."
      نظرت إليه فإذا بالاستياء البالغ يعشش على قسمات وجهه وإذا بكفيه ينقبضان بشدة غضبا...
      نظر إلي وألقى علي سؤالا:
      "أأنت من أخبرهم عن سجنه؟؟"
      أطرقت برأسي... وأومأت نفيا... وكانت نظرات الاتهام تشع في عينيه... وقبل أن أتكلم سمعنا صوت خالتي تلقي بالتحية وهي تطل علينا عند الباب... التفتنا إليها فإذا بها تقبل يتبعها حسام يحمل صينية أكواب الشاي...
      وبعد حوار سريع وسطحي سألت:
      "هل رد عليكم؟"
      قال سامر:

      تعليق

      • Loli.
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 5514



        • أيـــام .. كانت أيام :(


          تليغرامي للإقتباسات
          اضغط هنا


          .

          شيخة قلبه سابقا

        رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

        "ليس بعد فهو في الطائرة الان".
        قالت:
        "إذن فقد سافر".
        ثم أضافت:
        "رافقته السلامة".
        لم أحتمل ذلك.. هببت واقفة هامة بالانصراف... فإذا بسامر يهب واقفا هو الاخر ويستأذن للمغادرة...
        ناداه حسام:
        "والشاي؟؟"
        فرد مقتضبا:
        "في مناسبة أفضل".
        وغادر المكان...
        في الردهة... رأيت حقيبة سفري لا تزال واقفة قرب الباب.. تنتظرني.. أشحت بوجهي بعيدا عنها فاستقبلتني أعين ابنتي خالتي اللتين تقفان على بعد تراقبانني...
        وبعد عناق الأعين جاء دور عناق الأذرع والأحضان...
        وليد قلبي... سافر ليس فقط من دوني.. بل ودون وداعي.. ودون أن يكلمني.. ودون أن تقع عيناي عليه ولو لنظرة أخيرة..

        ***************************
        تسع ساعات وأنا أحاول الاتصال بشقيقي من حين لحين وبجميع الأرقام التي لدي دون نتيجة..أخذ القلق يتفاقم في صدري, خصوصا وأن رغد تتصل بي مرارا وتهول الأمر.. حتى أنها أقترحت علي مهاتفة صديقه سيف غير أنني عارضت الفكرة وطلبت منها الانتظار حتى صباح اليوم التالي.
        وفي الصباح اتصلت بهاتفه فوجدته لا يزال مغلقا, وبالمنزل فلم يجبني أحد, ثم بهواتفه المباشرة في مكتبه في مقر عمله, فأخبرت وبأنه قد اتصل بهم قبل فترة وأبلغهم عن عودته من السفر...
        على الأقل أعرف الان أنه وصل إلى المدينة الساحلية بسلام..
        اتصلت برغد وأخبرتها بالجديد وكنت أظن أنها سترتاح للخبر غير أنها انزعجت وحزنت كثيرا...
        كان أخي قد قضى في شقتي عدة أيام وقد كانت أياما جميلة أنعشت في صدري الذكريات الماضية التي لن تعود.. الجميلة والمؤلمة معا.. وكان أشدها إيلاما هي ذكريات والدينا رحمهما الله...
        لم تمض سنة بعد على مصرعهما.. والنار لا تزال تتأجج في صدري.. ولن تخمد أبدا..
        وهو السبب الأول الذي كان يمنعني من العودة إلى المدينة الساحلية والعيش في بيتنا القديم المليء بالذكريات.. مع شقيقي الذي ما فتىء يطلب مني هذا..
        أما الثاني فهو بلا شك رغد...
        وفي هذه المرة ألح علي شقيقي للسفر معه وأبلغني بأن خطيبته لن ترافقه وبأنه لا يستطيع ترك رغد في بيت خالتها فهي بحاجة لمتابعة العلاج وكذلك الدراسة..
        وقد خططت جديا للحاق به عما قريب.. خصوصا وأنا أرى أنه من الأفضل لي الابتعاد عن هذه المدينة لبعض الوقت..
        أثناء وجودي في مقر عملي في المدينة التجارية عاودت الاتصال بهاتف شقيقي وللمفاجأة كان مفتوحا.
        رن عدة مرات قبل أن يجيب وليد أخيرا:
        "السلام عليكم".
        "مرحبا سامر... وعليكم السلام ورحمة الله".
        وكان صوته منهكا:
        "كيف حالك؟ وحمدا لله على سلامة الوصول".
        "سلمك الله".
        يرد بجمل قصيرة وعلى عجل.
        سألته:
        "ما هذا يا وليد! ألف مرة أتصل بك وهاتفك مغلق؟"
        "نعم. لقد تركته مغلقا منذ الأمس".
        سألت:
        "أقلقتنا.. ماذا حصل؟ هل أنت بخير؟"
        "نعم.. نعم".
        قلت:
        "تبدو مشغولا".
        أجاب:
        "أجل.."
        قلت:
        "حسنا.. سأتصل لاحقا.. أرجوك لا تغلق الهاتف.."
        "حسنا".
        وانهينا المكالمة ومباشرة هاتفت رغد وأخبرتها فأبلغتني بأنها ستتصل فورا.
        بعد قليل اتصلت بي وأخبرتني بأن وليد لا يجيب. أبلغتها بأنه مشغول واقترحت عليها الاتصال بعد ساعة أة أكثر.. واتصلت بي بعد ساعة ثم بعد ساعة أخرى تخبرني بأنها كلما اتصلت بهاتف وليد وجدته مفتوحا ولكنه لا يجيب.
        على هذا النحو مر ذلك النهار وفي الليل اتصلت به ودار بيننا حديث قصير امتنع فيه وليد عن ذكر ما حصل يوم أمس. أظهر لامبالاة غريبة عندما حدثته عن رغد.
        باختصار.. شقيقي كان غاضبا جدا من عائلة الخالة أم حسام بما فيهم رغد ولا يرغب في الإتيان بذكر أي منهم.. على الاطلاق..
        كان هذا غريبا لكن الأغرب.. أنه وبعد يومين بعث إلي بظرف عبر البريد الجوي الموثق... يحوي وثائق هامة... طلب مني الاحتفاظ بها... وأخبرني بأنه مسافر إلى خارج البلاد للاستجمام.
        الظرف كان يحوي تقريرا طبيا مفصلا عن إصابة رغد.. وصورا لبطاقته العائلية الشاملة لاسم رغد.. وشيكا مصرفيا بمبلغ كبير.. وتوكيلا مؤقتا باسمي لأتولى الوصاية على رغد..خلال الفترة التي سيقضيها في الخارج...
        هكذا سافر وليد قبل أن يترك لنا المجال للاستيعاب...
        ويمكنكم تصور وقع نبأ كهذا على الفتاة التي كانت تحترق رمادا من أجل مهاتفته.. والتي تتلوى شوقا لعودته.. وتتصل بي عشرات المرات من السؤال عنه..
        عندما رأيت ما حل بها.. تقلبت في مخيلتي ذكريات قديمة أخرى.. كانت مركونة بإهمال في إحدى نتوءات دماغي.
        حدث ذلك قبل تسع سنين عندما كنا في المدينة الساحلة في بيتنا القديم.
        بعد أن غادر وليد المنزل, أصيبت رغد بحالة افتقاد مرضية إله.. في تلك الفترة رفضت الذهاب إلى المدرسة وصارت تلازم والدتي كالظل حتى في النوم وتراودها الكوابيس المفزعة وتصحو من النوم مفزوعة وتصرخ (أريد وليد.. أريد وليد)
        كانت أشبه بالمذعورة وقد أدخلناها للمستشفى بسبب رفضها للطعام وزاد الأمر سوءا الحرب والتدمير الذي تعرضت له مدينتنا وجعل الناس جميعا يعيشون حالة ذعر هستيري.
        ومن سيء إلى أسوأ تدهورت حالتها حتى قرر والدي رحمه الله الهجرة إلى الشمال الذي كان ينعم بأمان حتى العام الماضي..
        ومن سيء إلى أسوأ تدهورت نفسية رغد بعد سفر وليد المفاجىء هذا ووجدت نفسي أعاصر إحدى أسوأ الفترات العصبية التي عاشتها من جديد...

        ******************************
        منذ ذلك اليوم المشؤوم... الذي رحل فيه وليد بعد شجاره معي... ووالدتي طريحة الفراش في المستشفى والأطباء قرروا إجراء عملية جراحية لقلبها المريض.. أخيرا...
        كان خالي يواضب على الاتصال بوليد الذي لم يكن يجيب... حتى رد اليوم وأبلغ خالي بأنه مسافر إلى خارج البلدة لبضعة أسابيع.
        تدهورت صحة والدتي لما علمت بالخبر من خالي.. وها نحن نجلس إلى جانبيها في غرفة العناية القلبية المركزة.. والطبيب يبقي كمامة الأوكسجين على وجهها ويمنعها عن بذل أي مجهود يتعب قلبها.
        أنا أمسكبيدها أضمها إلى صدري وأقبلها وأدعو الله أن يشفيها عاجلا...
        التفت والدتي إلي وسألتني:
        "ألم تتصلي بزوجك؟"
        فأجبتها:
        "كلا".
        فقالت:
        "هل يعلم بأنني في المستشفى؟"
        فقلت:
        "نعم. فقد أخبره خالي بذلك".
        ونظرت إلى خالي الذي حرك رأسه مؤيدا. فقالت أمي:
        "إذن لماذا لا يحضر لزيارتي؟ ليس من عادته التخلف في موقف كهذا".
        أجاب خالي:
        "لأنه مسافر حاليا".
        فنظرت إلي وشدت على يدي وقالت:
        "يا ابنتي.. هل تخفين عني شيئا؟"
        فقلت:
        "كلا".
        ولكنها بدت متشككة واستدرت إلى خالي وسألت:
        "هل تخفون عني شيئا يا أخي؟"
        فقال أخي:
        "ربما حصل شيء.. بعد ذلك الشجار... ربما وليد نفذ ما طلبته أروى... لا أريد أن أرحل وأنا غير مطمئنة على ابنتي".
        قربت رأسي من رأس أمي وأخذت أحضنها وأقبلها وأقول:
        "لا تقولي هذا يا أمي أرجوك".
        وهي تتابع:
        "الأعمار بيد الله.. نسأله حسن الخاتمة".
        فلم أتمالك نفسي وفاضت الدموع في عيني.. وقلت:
        "أرجوك يا أمي لا تتحدثي هكذا.. شفاك الله ومد في عمرك.. أنا من لي غيرك في هذه الدنيا؟"
        وأحسست بيدها تمتد وتلامس يدي ثم سمعتها تقول:
        "لا زوجك.. وخالك.. يرعاكم الله".
        ثم التفتت إلى خالي وقالت:
        "أخي يا قرة عيني.. أحضر وليد وصالحهما أصلح الله لك اخرتك.. الشاب جيد ومن خيرة الرجال وأنا ما كدت أصدق أنني وجدت من أستأمنه على ابنتي مهجة قلبي".
        خالي مسح على رأس أمي وقال:
        "لا تشغلي بالك بهذه الأمور يا أم أروى هداك الله.. إنه شجار عابر يحصل بين أي زوجين وينتهي".
        لكن أمي أبدت عدم التصديق مخاطبة خالي:
        "لا تدعه يذهب يا إلياس.. ما كان نديم ليطلب من شخص عادي أن يهتم بعائلته".
        ثم التفتت إلي وقالت:
        "لو لم يكن رجلا بمعنى الكلمة.. لما تمسك بالمسؤولية عن ابنة عمه اليتيمة بهذا القدر".
        وشددت على يدي وقالت:
        "تمسكي به يا أروى.. لا تفرطي به.. يهديك الله".

        ******************************

        تعليق

        • Loli.
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 5514



          • أيـــام .. كانت أيام :(


            تليغرامي للإقتباسات
            اضغط هنا


            .

            شيخة قلبه سابقا

          رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

          تتمه
          *************


          حصلت على أقرب موعد ممكن مع أحد أطباء العظام في إحدى المستشفيات الكبيرة في المدينة الصناعية واليوم ساخذ رغد من أجل المعاينة ومتابعة العلاج.
          استخرجت الظرف الذي أرسله لي شقيقي قبل سفره وقلبت الأوراق لاستخراج التقرير الطبي.
          وأثناء ذلك اطلعت على مجمل الأوراق وبشكل أخص على ورقة التوكيل.
          كانت ورقة رسمية وموثقة من قبل مكتب المحامي يونس المنذر وهو شخص سبق لوليد وأن أخبرني بأنه يعمل معه في المصنع.
          ذكر في هذا التوكيل أمورا كثيرة يفوضني لتوليها وفي الأسفل ذكرت جملة الاستثناءات.. وفي الواقع لم يكن هناك غير استثناءين اثنين...
          الزواج والسفر!
          ويحك يا وليد!
          وهل تظن مثلا بأنني سأستخدم هذا التوكيل وأعيد رغد إلى ذمتي وأهرب بها بعيدا؟؟
          ليتني أستطيع ذلك..
          أخذت أوراق التقرير الطبي وذهبت إلى بيت أبي حسام.
          تمنيت أن أقابل رغد بحالة أفضل ولكنها كانت بحالة يرثى لها..
          "لا أريد أن أذهب إلى أي مكان... ومن فضلك يا سامر لا تضغط علي..."
          هذا ما استقبلتني به فقلت:
          "بربك رغد! لا بد من معاينة إصابتك ومتابعة علاجك. بل إنني أخشى أن نكون قد تأخرنا ويصيب قدمك أو يدك شيء لا قدر الله".
          قالت بلا مبالاة:
          "لا فرق عندي".
          لن أبذل الجهد في محاولة تشجيعها فنبرتها أشد كابة من أن تتغلب كلماتي عليها...
          لكنني قلت برجاء:
          "يا رغد.. يجب أن نزور الطبيب حتى تتخلصي من هذا العكاز وهذه الجبيرة.. هل يعجبك أن تظلي معاقة عن الحركة الطبيعية وحتاجة لمساعدة الاخرين في أبسط الأشياء؟"
          وكانت الانسة نهلة تجلس معنا وسترافقنا إلى المستشفى, فقالت مشجعة رغد:
          "على العكس. أنها تريد التخلص من هذين بسرعة. أليس كذلك؟ اشتاقت إلى الرسم ونتوق لفنها الرائع! هيا بنا عزيزتي".
          لكن ردة فعل رغد جاءت عنيفة!
          انفجرت صارخة:
          "قلت لكما اتركاني وشأني... لا أريد الذهاب إلى أي مكان... إلا إذا شئتما حملي إلى المقبرة ودفني تحت الأرض... لأرتاح وأريحكم جميعا..."
          قالت الانسة نهلة بعد الدهشة:
          "بعد ألف شر! لا تتكلمي هكذا يا رغد".
          فردت رغد بانفعال:
          "ما لم يعجبكم كلامي فحلوا عني... لماذا تضغطون علي؟؟ أتركوني وشأني... أتركوني وشأني.."
          وهمت بمغادرة المجلس حيث كنا هي وأنا والانسة نهلة جالسين... في ذات الوقت دخلت الخالة أم حسام الغرفة وهي تنظر نحو رغد ويظهر أنها سمعت صوتها الصارخ وكلامها الزاجر...
          لما رأت رغد خالتها تصرفت بعصبية أكبر وغيرت اتجاه سيرها واستدارت نحو الباب الخارجي للمجلس وخرجت إلى الفناء...
          أم حسام لحقتها بسؤال:
          "إلى أين يا رغد؟"
          والأخيرة ردت بحدة:
          "إلى حيث ألقت".
          وهذه إجابة وبأسلوب لم أعهده على رغد. فهي لطالما كانت تحب خالتها وتعاملها بكل احترام ومودة كما وأن رغد فتاة مهذبة وهادئة الطباع وراقية الأسلوب.
          هذا تحول غريب في شخصيتها صبغها به حزنها وغضبها بسبب سفر وليد.
          وبعد أن انصرفت رغد خاطبتني الخالة متسائلة:
          "هل وافقت؟"
          فأجبت إجابة مخيبة:
          أبدا. لم تعرني أذنا صاغية. جل ما أخشاه هو أن تتطور إصابتها للأسوأ لا قدر الله".
          فقالت الخالة اسفة:
          "إنها لا تستمع إلي وترمقني بنظرات الاتهام وتشعرني بأنني ارتكبت جريمة عظمى في حقها. أيرضيك أن ندعها تسافر مع وليد بمفردهما؟؟ هل هذا يليق؟؟"
          ولم أشأ فتح المجال لها لإدارة موضوع هكذا الان, وفي خاطري نقمة على المعاملة السيئة التي عومل بها شقيقي من قبلها واثرت أن أصرف الاهتمام إلى إصابة رغد فقلت:
          "سألحق بها وأحاول إقناعها... على الأقل ولو بزيارة واحدة للطبيب الان".
          ونهضت واستأذنت وخرجت إلى الفناء أتعقب رغد.
          فوجدتها تسير ببطء بعكازها متغلغلة في الحديقة حتى وقفت عند إحدى الأشجار الباسقة فاستندت إليها وأطلقت بصرها نحو الأعلى.
          توقفت على بعد مترين أو أكثر منها ثم سألتها:
          "أيمكننا التحدث؟"
          ردت بضيق:
          "أرجوك لا تتعب نفسك وتتعبني... لن أذهب إلى المستشفى ولا يهمني ما يحل برجلي ولا بيدي... لن أخسر شيئا إن فقدتهما أيضا إزاء كل ما فقدت".
          الحزن بلغ بها لهذا الحد... وحزنها يعصرني... قلت بلطف مشجعا:
          "أنت لم تخسري شيئا يا رغد..."
          فرمتني بنظرة قوية وقالت:
          "ما حجم الخسارة التي تريدون مني فقدها حتى يمكنكم رؤيتها؟؟"
          رددت:
          "لا أحد يريد لك خسارة شيء... رغد لا تنظري للأمر هكذا".
          وضغطت على أعصابي وأضفت:
          "إنه سافر مؤقتا ولم يرحل عن الدنيا لا سمح الله".
          وأخذت تعبيرات وجهها تنهار شيئا فشيئا... وتابعت:
          "وسيعود حتما بإذن الله."
          أطرقت برأسها وقالت نافية:
          "لن يعود... لقد تخلى عني... أخلف بوعده... إنه دائما يخلف بوعوده.... لطالما كان يتركني ويسافر بعيدا... يظن أنني سأبقى حية لحين عودته ذات يوم... لا يعرف أنني سأموت عاجلا بسببه".
          عضضت على أسناني بمرارة وتحملت الألم وقلت:
          "بعد ألف شر وشر... لا تكوني متشائمة هكذا... لقد أخبرني بأنه سيقضي بضعة أسابيع للاستجمام هناك ثم سيعود".
          قالت مصرة:
          "لن يعود إلي... ألم ينقل كفالتي إليك؟ تبرأ من مسؤوليتي... انتهينا".
          وكم ألمت لألمها وتجرعت مرارتها. عقبت:
          "الوصاية التي أسندها إلي جزئية ومؤقتة. لا تخشي... ستعودين إلى كنفه ورعايته فور مجيئه".
          ولكن رغد أومأت برأسها عدم التصديق وبأسى قفلت:
          "بلى... ولكن... هل أنا سيء لهذا الحد؟؟"
          هنا حملقت بي وكأنها للتو تدرك أنني سامر خطيبها السابق والذي يحبها كثيرا...
          تبدلت سحنة وجهها وقالت بصوت كئيب:
          "أنت... أعز إنسان على قلبي... سامحني..."
          وكانت تقول بمرارة وندم... وقد تكون اللحظة الأولى التي تكتشف فيها رغد كم قست علي وجرحتني وإلى أي عمق طعنت قلبي...
          تابعت رغد:
          "ليته لم يظهر في حياتي من جديد... ليتني لم أقترب منه... كم أنا حمقاء... حمقاء وغبية وواهمة... أتعلق بالأوهام... والخيالات المستحيلة... وواقعي... فتاة يتيمة وحيدة بائسة معدمة..."
          وضربت بعكازها جذع الشجرة وتابعت:
          "ومعاقة وعاجزة وعالة على الاخرين".
          قلت معترضا:
          كفى يا رغد... لا تصفي نفسك بهذا وأنت العزيزة الغالية وكلنا رهن إشارتك".
          لكنها واصلت بكابة:
          "ما الذي كنت أتوقعه لنفسي؟؟ البلهاء... ما الذي كان سيجعله يختارني؟؟ ما الذي لدي ويستحق العودة من أجله؟؟ ماذا أملك أنا ليعجبه؟؟ أنا لم أثر لديه إلا الإزعاج والقلق والمشاكل..."
          وأضافت:
          "وبعد كل هذا... تأتي خالتي وعائلتها ويهينونه في بيتهم وعلى مرأى ومسمع مني... كيف أنتظر منه أن يعود من أجلي؟؟ يا لي من حمقاء... غبية".
          قلت:
          "هوني عليك أرجوك... لم كل هذا؟؟ بالله عليك... إن هي إلا فترة مؤقتة ويعود ونصلح الشروخ الحاصلة بين الجميع.. ليس شقيقي من النوع الذي يهرب من المسؤوليات والشدائد بل هو أهل لها".
          فقالت منفعلة:
          "إذن لماذا لا يرد على اتصالاتي؟؟ لماذا قاطعني؟؟"
          أجبت محاولا تحسين الموقف وتبريره:
          "تعرفين... إنه غاضب ولا يحسن المرء التصرف في ثورة الغضب. عندما يهدأ سيتصل بك".
          فقالت:
          "ما ذنبي أنا؟؟... لماذا يشملني في غضبه ومقاطعته؟"
          قلت:
          "أعذريه يا رغد... ربما كانت خالتك بالغة القسوة عليه".
          قالت:
          "كلهم قساة... وليد أشرف وأرقى منهم جميعا... سوف لن أغفر لهم إهانتهم له... وإذا لم يعد ويأخذني معه فسوف لن أبقى في هذا المنزل... وسأعود إلى بيتي المحروق وأدفن نفسي تحت أنقابه".
          يتضح لكم مدى الاكتئاب الذي ألم برغد جراء سفر وليد... لم أفلح يومها في إقناعها بالذهاب إلى المستشفى وحالما عدت إلى شقتي هاتفت شقيقي وأبلغته عن هذا فوبخني وألقى بالمسؤولية علي وقال لي بالحرف الواحد:
          "أنت المسؤول عنها الان ويجب أن تتصرف ولا تدع عنادها يتغلب عليك. أرحني من همها بضعة أسابيع لا أكثر فأنا قرحتي تكاد تمزق أحشائي".
          وفهمت من كلامه بأن وضعه الصحي متدهو وقلقت كثيرا... وربما يكون الطبيب هو من نصحه بالسفر والاستجمام بعيدا عن المشاكل والمسؤوليات من أجل صحته...
          خصوصا وأنني لاحظت إكثاره من تناول الأدوية خلال فترة مكوثه في شقتي...
          واهذا تحاشيت في المكالمات التالية وقدر الإمكان إبلاغه بالتفاصيل المزعجة عن وضع رغد وادعيت بأنها في تحسن بينما هي عكس ذلك...
          إلى أن حل يوم احتد الجدال فيه بين رغد وخالتها واتصلت بي هي بنفسها وطلبت مني أخذها إلى المستشفى.
          لم يكن هدفها هو المستشفى بل الابتعاد عن خالتها...
          زرنا الطبيب وعاينها واطلع على تقاريرها وأجرى لها بعض الفحوصات ثم أخبرنا بأنه لا يزال أمامها أسابيع أخرى قبل أن يمكنها الاستغناء عن الجبيرة والعكاز...
          وهذا خبر لم يزد رغد إلا كابة ما كان أغناها عنها... فانزوت على نفسها في غرفتها بقية اليوم.
          اتصلت بشقيقي مساء وأعلمته بأننا زرنا الطبيب أخيرا وأخبرته بما قال, كما أوصاني مني مسبقا.. ولكنني أخفيت عنه مسألة الإحباط الشديد الذي ألم برغد وطمأنته على صحتها... وأذكر أنه يومها سألني بتشكك:
          "لأا تخفي عني شيئا؟؟ هل حقا تقبلت النبأ؟"
          فقلت له:
          "أسألها بنفسك لتتأكد!"
          قال:
          "سأفعل, في الوقت المناسب".
          والله الأعلم متى يحين الوقت المناسب حسب معادلة وليد...!
          ومرت أيام أخرى... والحال كما هي.
          وليد غائب ويتابع أخبار رغد عن بعد ويرفض التحدث معها أو أقاربها أو عن شجاره معهم... وهي في كابة مستمرة لا تعرف حتى البسمة السطحية إلى وجهها طريقا... إلى أن طلبت مني الخالة أن أزورهم ذات مرة...
          "لا أفعل هذا إلا من أجل رغد... الفتاة تذبل يوما بعد يوم وأخشى أن تموت بين يدي... معاملتها ونظراتها لي كلها اتهام ونفور شديدين... وأنا لا أقوى على مواجهتها خشية أن يزداد الموقف حدة ولا أستطيع تحمل وضعها هذا... قلبي منفطر عليها ويكاد الشعور بالذنب يمزقني... أريد أن نتصالح مع وليد لأجلها وأن أفهمه أنني لم أقصد إهانته شخصيا بل توضيح حدود علاقته برغد... قل له أن يعود وإلا أنها ستموت أن بقيت على هذه الحال..."
          قلت وأنا أعلم كم يرفض وبشدة الحديث عن أو مع عائلة الخالة:
          "سأخبره عن رغبتك في محادثته حينما أتصل به".
          فقالت:
          "اتصل به الان يا سامر رجاء ودعني أكلمه".
          أحرجني الطلب فأذعنت له كارها واتصلت بشقيقي وبعد تبادل التحيات أخبرته بأنني في منزل أبي حسام وأن الخالة أم حسام ترغب وبشدة في التحدث معه, وبدوره أيضا وليد أحرجني جدا حيث قال:
          "لا أرغب في التحدث مع أحد يا سامر.. البتة.. أرجوك أنه المكالمة".
          قلت ووجهي يحمر حرجا:
          "ولكن.."
          فقال:
          "اسف يا سامر سأغلق الهاتف رجاء لا تكرر هذا ثانية. اعذرني ومع السلامة".
          وقطع الاتصال.
          أبعدت الهاتف عن أذني وعيناي تطئان الأرض خجلا وأم حسام تراقبني ثم قالت:
          "لم يشأ التحدث معي أليس كذلك؟"
          قلت محرجا:
          "إنه.. أعني.."
          وطبعا أم حسام فهمت الأمر. قالت مستنكرة:
          "ولكن ما هذا الطبع في أخيك؟ يجب أن يكون أرحب صدرا وأوسع بالا وأرقى ذوقا من هذا".
          في ذات اللحظة أقبلت رغد تدخل الغرفة سائرة بعكازها وعلى وجهها أمارات القلق والفضول...
          لا بد أنها كانت تنتظر المكالمة بصبر نافذ... وبعد تحيتي سألت عما إذا كنا قد أفلحنا في الاتصال بوليد... فأطرقنا برأسينا... وفهمت رغد ما جرى... فطأطأت رأسها حزنا... وتراجعت للوراء...
          أم حسام حاولت أن تطيب خاطر رغد فقالت:
          "ربما لا يزال ناقما علي... سيبلغه سامر اعتذاري ويطلب الصفح بالنيابة عني... لا أظنه سيرفض اعتذاري هذه المرة".
          ولم تعر رغد الكلام أهمية واستدارت لتغادر يائسة... فقالت أم حسام مخاطبة إياي:
          "أعد الاتصال به وأخبره بأن رغد هي من يرغب بالحديث معه".
          والتفت إلى رغد... موقفي صار غاية في الحرج... واتصلت فلم يرد.
          وبقيت أنظار رغد وأم حسام تراقبان وتترقبان بأمل يائس... وضعت الهاتف أخيرا في جيبي وقلت:
          "ربما انشغل".
          وهو مبرر ندرك زيفه ثلاثتنا... أم حسام قالت:
          "بل ربما ينوي قطع الصلة بيننا نهائيا".
          فالتفتت رغد إليها وتكلمت منزعجة:
          "يقطع صلته بنا؟ ماذا تعنين؟؟ كيف يقطع صلته بي أنا؟؟ إنني ابنة عمه... ومكفولته... لا يجوز له.."
          قالت أم حسام:
          "كما ترين, لا يريد أن يعطينا فرصة للتصالح معه بتاتا... فبماذا تفسرين هذا؟"
          قالت رغد وقد علا صوتها واشتد احمرار وجهها واشتعل الغضب في عينيها:
          "أنت السبب ياخالتي.. أنت السبب".
          ولم تعقب الخالة فاستمرت رغد في الاتهام:
          "دفعته لأان يتركني ويرحل.. ماذا سيحل بي الان؟"

          تعليق

          • Loli.
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 5514



            • أيـــام .. كانت أيام :(


              تليغرامي للإقتباسات
              اضغط هنا


              .

              شيخة قلبه سابقا

            رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

            قالت أم حسام بلطف محاولة تهدئة رغد:
            "ستسير حياتك طبيعية بيننا والله يغنينا عنه وعن وصايته... سريع الغضب عنيف الرد..."
            وفي الواقع لم يكن يجدر بها قول هذا على مسامعنا وفيما رغد على أهبة الانفجار...
            اشتطت رغد غضبا وانتفخ وريد جبينها وهتفت بعنف:
            "قلت لك لا تتحدثي عن وليد هكذا.. إذا لم يكن يعني لكم أنتم شيئا فأنا لا أستغني عنه.. ولا أريد وصيا غيره.. وسألحق به أينما ذهب.. ولا أحد له الحق في توجيه حياتي غيره هو.. وليس لأنني يتيمة الأبوين ستعبثون بي كما تريدون.. وإذا تخلى عني كليا فسوف لن أبقى معكم.. سوف لن أسامحكم أبدا لأنكم أنتم السبب.. وما لم تعيدوه إلي فسأخرج بنفسي للبحث عنه.. عسى ألا أعود حية بعد خروجي".
            وسارت نحو الباب وغادرت ثائرة...
            خين الصمت بيننا أنا والخالة لبعض الوقت ثم إذا بها تقول:
            "جن جنونها!!"
            وبقيت صامتا.. فواصلت:
            "لم أكن أتوقع أنها.. لا تزال مولعة به لهذا الحد.. حتى بعد كل تلك السنين"ز
            أثارت الجملة جل اهتمامي وركزت النظر إلى عيني الخالة يعلوني التساؤل..
            فقالت هي:
            "عندما كانت صغيرة كانت مهوسة به للغاية, حسبناه تعلق طفولي لطفلة يتيمة تبحث عن الحنان.. وكان شقيقك يدللها كثيرا معه أينما ذهب.. والتك رحمها الله كانت قلقة بهذا الشأن.. وكانت تعتقد أنهما حين يكبران قد تتطور علاقتهما...
            مع فلرق السن... لكن عندما غاب تلك السنين توقعنا أن تكون قد نسيته وانتهى كل شيء".
            ثم أضافت:
            "لكن يبدو أن الحنين إلى الماضي قد اجتاح كل عواطفها ولا أعرف... إن كان الان يعني لها وليد السابق أم أن الأمر قد تخطى ذلك بكثير..."
            هنا وقفت شاعرا بالحرج والجرح معا... لم يكن ليخطر ببالي أن لهذا علاقة بالماضي البعيد... وقد أذهلني كلام الخالة وأرسلني إلى غياهب الأفكار...
            لكن... ماذا عني أنا؟؟ لا يبدو أن أحدا يكترث لمشاعري أو يقيم لها اعتبارا...
            يتحدثون معي عن رغد وكأنها لم تكن خطيبتي لسنين ولم أكن على وشك الزواج منها حين فقدتها فجأة...
            "أستأذنك للانصراف الان".
            ذهبت إلى شقتي كئيبا مكسور الخاطر... مشوش الأفكار...
            لم يكن كلام خالتي يفارقني... ولم أستطع لا تصديقه ولا تكذيبه... كانت رغد طفلة صغيرة فكيف يمكن أن تكون قد أحبت وليد هذا النوع من الحب في ذلك الزمان؟؟
            و... ماذا عن وليد؟؟ هل يعقل أن شيئا ما... كان بينهما حقا؟؟ هل يمكن أن يكون وليد... هل يمكن أن يكون هو أيضا...؟؟؟
            يا للسخف...
            تحاشيت التفكير قدر الإمكان إلى أن اتصلت بأخي لا حقا... في البداية عاتبته على إحراجي مع أم حسام فلم يكترث..
            ثم نقلت إليه تحيات رغد وأشواقها الشديدة إليه وأنا أدوس على قلبي وأتصرف كالرجل الالي تماما... ودققت في كلامه وردوده جيدا باحثا عن أي دليل يؤدي إلى تأكيد أفكاري أو نفيها... غير أن أخي كان يتحدث ببلادة شديدة.. لم تكشف لي أي شيء...
            وأخيرا... داهمتني رغبة ملحة في توجيه سؤال مباشر إليه... غير أنه قال فجأة إنه يتلقى اتصالا اخر وأنهى المكالمة عاجلا...
            قررت بعد ذلك مواجهته في الاتصال التالي لتتضح حقائق الأمور...
            ولكن... وفي اليوم التالي مباشرة وفيما كنت أجلس في شقتي بكسل في عطلتي الأسبوعية رن جرس الباب وإذا بي أفاجأ بأخي يقف خلفه!!!
            اهتز قلبي واصفر لوني وسألت وأنا بالكاد أخرج الحروف صحيحة من فمي:
            :وليد!!!... م... ماذا حصل؟؟"
            فمد وليد يده وربت على كتفي وقال والخشوع والحزن يكسوان وجهه العريض:
            "البقاء لله.. توفيت خالتي أم أروى بالأمس.. إنا لله وأنا إليه راجعون".

            *************

            تعليق

            • Loli.
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 5514



              • أيـــام .. كانت أيام :(


                تليغرامي للإقتباسات
                اضغط هنا


                .

                شيخة قلبه سابقا

              رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

              الحلقة السادسة والأربعون
              عد إلي
              انقضت فترة العزاء وقد شاركت في التعزية مع بقية أفراد عائلة خالتي, وعندما جاء دوري ووقفت أمام الشقراء لأواسيها لم أستطع مصافحتها بسبب يدي المصابة واكتفيت بعبارة مخنوقة خرجت من فمي ببطء.
              والشقراء بدورها ردت بشكل عابر دون أن ترفع نظرها إلي.. لكن الحزن جليا على وجهها.
              السيدة ليندا كانت طيبة وقد أحسنت معاملتي وسهرت إلى جانبي في المستشفى ورعتني بكل مودة ولطف... رحمها الله... وغفر خطاياها...
              متى سيحين أجلي أنا أيضا؟؟...
              أنتظر الموت.. ليأخذني كما أخذ أحبابي... ويخرجني من شقايا الدنايا وما فيها...
              كنت أعرف أن وليد موجود في القسم الاخر من قاعة التعازي.. وكنت أعرف أنه أبعد ما يكون عن التفكير بي في هذه الفترة.. لكنني كنت في شوق منجرف لرؤيته ولو لدقيقة واحدة... ولو لنظرة بعيدة عاجلة... أعانق فيها عينيه ولو لاخر مرة في حياتي...
              ولخيبة الأمل وتحالف الأقدار ضدي, عدنا إلى المنزل دون أن ألتقي به ولا حتى صدفة..
              ومرت الأيام... ونخر الشوق عظامي.. وأتلف الحنين ذهني...
              ولم أعد بقادرة على الانتظار يوما اخر.. كيف... وأنا أعرف أن ما يفصلني عنه هي أميال قليلة لا أكثر...؟؟ وأن هو لم يأت إلي... فسأذهب أنا إليه... فقط لألقي نظرة...
              "هل أنت مجنونة!؟"
              قالت نهلة معترضة على فكرتي وليدة اللحظة.. فقلت:
              "نعم مجنونة.. لكني أريد أن أراه بأي شكل يا نهلة..أكاد أختنق.. لا أحد يحس بي هنا".
              قالت:
              "تخيلي كم سيكون وضعك حرجا ومدعاة للسخرية عندما تذهبين فجأة إلى المزرعة الان... هيا رغد.. تخلي عن هذه الفكرة السخيفة... توفيت أم زوجته قبل أيام وأنت تفكرين في هذا؟؟"
              قلت:
              "سألقي عليه التحية وأعتذر منه وأعود... حتى لو لم يرد علي... المهم أن تكتحل عيناي برؤيته... ويبرد صدري بتقديم الاعتذار..."
              فقالت:
              "ماذا سيقول عنك يا رغد؟؟ هو في محنة عظيمة وأنت تذهبين لتقديم الاعتذار! سيستحقر موقفك... ليس هذه وقته.. انتظري أسبوعين على الأقل".
              هتفت:
              "لا أقوى على الانتظار... ألا تفهمين؟؟ أنت لا تشعرين بالنار المضرمة في صدري..."
              أشاحت نهلة بوجهها عني وقالت:
              "لقد حذرتك... افعلي ما تشائين".
              وغادرت المكان...
              خرجت بعد ذلك إلى الحديقة...طلبا لبعض الهواء النقي... والتقيت بحسام صدفة وهو مقبل نحو المنزل... فلمعت الفكرة في بالي كمصباح قوي أعشى عيني عن رؤية ما هو أعمق من ذلك...
              "مرحبا حسام".
              حييته فرد مبتسما:
              "مرحبا رغد.. ماذا تفعلين هنا؟؟ تدربين رجلك على المشي؟؟"
              قلت وامالي تتعلق به:
              "حسام.. هلا أسديت إلي معروفا؟"
              قال وعلى وجهه الاستغراب:
              "بكل سرور!"
              فقلت بلهفة:
              "أريدك أن.. أن تصطحبني في مشوار.."
              فسأل:
              "إلى أين؟"
              ازدردت ريقي وقلت:
              "إلى... مزرعة أروى".
              سأل متعجبا:
              "مزرعة أروى؟؟"
              "نعم.. أرجوك".
              ففكر قليلا ثم سأل:
              "لماذا؟؟"
              ترددت في الإجابة.. عرفت أنني لو قلت من أجل مقابلة وليد فإنه لن يوافق.. فقلت:
              "سأتفقد أحوالهم.. وألقي التحية".
              وبدا مبررا معقولا بعد عدة أيام على وفاة السيدة ليندا.. وسألني إن كنت قد أعلمت خالتي بهذا فأقنعته بأن الأمر لا يستدعي... وبعد تردد قصير وافق على اصطحابي, وخرجنا مباشرة...
              حين بلغنا المزرعة لم يكن وليد موجودا وأخبرنا العجوز والذي كان يجلس كعادته قرب باب المنزل بأن وليد قد ذهب في مشوار وسيعود قريبا.. ودعانا للدخول لكننا اثرنا البقاء في الخارج وانتظاره.. وذهب العجوز لاستدعاء الشقراء فعلاني التوتر.. أنا لم ات من أجلها كما أنها لا تنتظر مني زيارتها.. لكني وضعت نفسي في هذا الموقف وعلي التصرف الان..
              أبدى حسام إعجابه بالمزرعة وراح يتحدث عن انبهاره بما يرى غير أنني لم أكن مركزة السمع معه.. بل في انتظار لحظة ظهور الشقراء..
              وأخيرا ظهرت...
              ملفوفة في السواد الحزين, كما هي حالي.. وكأن عدوى اليتم والبؤس قد انتقلت مني إليها...
              وقد اعتدت في الماضي رؤيتها ملونة بشتى ألوان قوس قزح.. مثل سرب من الفراشات أو إكليل من الزهور...
              عندما اقتربت زممت شفتي ترددا ثم ألقيت عليها التحية وسألتها عن أحوالها.. وأنا متأكدة من أنها تدرك أنني لم أكن لأقلق على أحوالها أو أترث لها.. ولا بد أنها تدرك أن سبب حضوري هو... وليد...
              ساعد وجود حسام في تلطيف الجو.. وتشتيت الكابة وصرف أذهاننا إلى الحديث عن المزرعة وشؤونها..
              ذهبت الشقراء لإعداد القهوة فوجدتها فرصة للاسترخاء من عناء الموقف المصطنع.. وبقي حسام والعجوز يتحدثان أحاديث عادية... أما أنا فعيناي ظلتا ترقبان البوابة إلى أن رأيت أخيرا سيارة تقف عندها ومنها يخرج مجموعة من الرجال... يقودهم الرجل الطويل العريض.. بهي الطلعة قوي القسمات ثاقب النظرات.. مضرم ناري وحارق جفوني وسالب عقلي وشاغل تفكيري.. حبيبي الجافي.. وليد قلبي..
              الأرض لم تكن أرضا والسماء لم تكن سماء... حين عانقت عيناي عينيه.. والتحمت نظراتي بنظراته..
              اه.. كيف لي أن أصف لكم؟؟
              لحظتها خلا الكون من كل الخلائق... سوانا... لا وجود للأرض ولا السماء... ولا النور ولا الهواء... ولا الجماد ولا الأحياء... فقط... أنا وهو... وعيون أربعة متشابكة متلاحمة... ذائبة في بحور بعضها البعض... أيما ذوبان...

              وليد قلبي... اه... كم اشتقت إليك... لو لا إعاقتي... لربما... ركضت إليه بجنون وغطست في حضنه الواسع...
              اقترب وليد يتقدم بقية الرجال فوقفنا جميعا... ورأيت الدهشة تنبثق في وجهه وهو يحط ببصره الهابط من العلا علي وعلى حسام..
              بادر حسام بإلقاء التحية فرد وليد دون أن يحاول إخفاء عجبه.. ودوى صوته في كهف أذني فتطايرت خفافيش حسي تلتقط وتحتضن ذبذبات صوته وتخبئها في أعماق الكهف... ككنز من الذهب...
              بعد التحيات السريعة استأذن وليد وسار مع الرجال إلى قلب المزرعة ولحق العجوز بهم... ولحقت بهم عيناي ركضا... وهوتا متعثرتين لهفة عند مفترق الطرق...
              وبعد قليل عاد وليد فتسابقتا لاحتضانه بسرعة... تكاد الواحدة تفقأ الاخرى... لتنفرد بالحبيب الغائب... وتذوب في أعماق صدره...
              وليد كان وجهه محمرا ويعلوه الاستياء فوق التعجب.. انغمست في ترجمة تعبيرات وجهه وطلاسم عينيه... فتهت... وظللت طريقي... وفقدت أي قدرة لي على النطق والتعبير.. وقفت أشبه بشجيرة ظئيلة لا جذع لها تمد أغصانها محاولة تسلق الشجرة الضخمة الواقفة أمامها.. بكل شموخ...
              لاحظ حسام صمتي وتوتري فتولى الكلام:
              "جئنا نلقي التحية نسأل عن الأخبار".
              ولم يتحدث وليد.. فقال حسام متظاهرا بالمرح:
              "ألن تدعونا للجلوس؟"
              فتكلم وليد أخيرا قائلا:
              "أنتما بمفردكما؟"
              فأجاب حسام بعفوية:
              "نعم".
              وازداد الاستياء على وجه وليد... ثم قال:
              "منذ متى وأنتم هنا؟"
              فرد حسام مستغربا:
              "منذ دقائق.. ولكن.. هل يزعجكم حضورنا؟"
              قال وليد:
              "أنا اسف ولكن لدي ما أقوم به الان.. إنهم في انتظاري".
              مشيرا إلى قلب المزرعة..
              كل هذا وعيناي ملتحمتين بوجهه منذ أن وقعتا عليه أول وصوله... لكن..
              ماذا يا وليد؟ ألن تتحدث معي.. وتسأل عن أحوالي..؟؟ إنك حتى لا تنظر إلي.. أنا هنا وليد هل تراني؟؟ هل تميزني؟؟ لماذا كل هذا الجفاء؟؟ أرجوك.. التفت إلي لحظة.. دع عيني تخبرانك كم اشتقت إليك.. دعهما تعاتبانك على جفاك.. أو تعتذران لأرضائك.. وليد..إنك حتى.. لم تتحسن الترحيب بنا كأي ضيوف..
              انتبهت على صوت حسام يقول:
              "لا بأس.. نعتذر على الزيارة المفاجئة.. كانت فكرة رغد"
              ولذكر اسمي.. اخيرا تكرم على وليد بنظرة.. لكنها لم تكن أي نظره.. كانت حادة وساخنة جدا لسعتني وكادت تفقدني البصر..
              حاولت التحدث فلم تسعفني شجاعتي المنهارة بمراى الحبيب.. تأتأت ببعض الحروف التي لم أسمعها أنا..
              التفت إلى حسام وقال:
              "هل نذهب؟"
              نذهب..؟؟ وهل أتينا؟؟ هكذا بهذه السرعة؟؟أنا لم أكد أراه.. انتظر.. أنا لدي عشرات بل الالاف المشاعر لأعبر عنها.. دعني استرد أنفاسي.. دع لساني يسترجع قدرته على النطق.. دعني واقفة قرب وليد أستمد دعمه وأستشعر حنلنه!
              قال وليد وهو يشيح بوجهه حنانه!
              قال وليد وهو يشيح بوجهه عني:
              "سأرافقكما"
              فقال حسام معتقدا وليد يقصد مرافقتنا إلى السيارة المركونة في الخارج:
              "لا تكلف نفسك.. نعرف الطرق.. شكرا"
              فازداد احمرار وجه وليد وقال:
              "أعني إلى المنزل"
              فضربنا الاستغراب.. ونظرنا أنا وحسام إلى بعضنا البعض!! لماذا يريد وليد مرافقتنا إلى المنزل؟؟ هل هذا يعني.. سيأتي معنا؟؟ هل حقا سيأتي معنا؟؟
              "هيا فأنا لا أريد التأخر على ضيوفي"
              قال هذا وسار يسبقنا نحو سيارة حسام.. وسرنا خلفه كتلميذين مطيعين.. أبلهين.. حتى ركبنا السيارة والتي بالكاد حشر وليد جسده فيها.. وانطلقنا عائدين إلى منزل خالتي..
              كنت أجلس خلف حسام,إذ إن وليد كان قد دفع بمقعده إلى الوراء لأقصى حد ليمد رجليه.. فسيارة حسام صغيرة جدا..
              الصمت خيم علينا طوال الطريق.. الذي انقضى وأنا أحاول تهدئة نبضات قلبي وإعادتها إلى معدل سرعتها الطبيعي... ولم يقطع الصمت غير جمل قصيرة عابرة من طرف حسام.. وجملة(خفف السرعة) من لسان وليد.. فقاد حسام السيارة بسرعة عادية على عكس عادته...وطال المشوار.. خصزصا وأننا اضطررنا للتوقف مرتين عند مركزي تفتيش بوليسي...
              وفي كلا المرتين يطلب رجال الشرطة رخصة القيادة والبطاقات الشخصية.. ولحسن الحظ أو ربما لحسن العادة كان وليد يحمل صورة بطاقته العائلية والتي تشمل هويتي...
              لذلك قال وليد بعدما قادرنا نقطة التفتيش الثانية مخاطبا حسام:
              "ماذا لو لم أرافقكما؟"
              فقال حسام:
              "لم نواجه أي نقاط في طريق الحضور".
              عندما وصلنا إلى المنزل هبط وليد من السيارة أولا وتبعناه...
              قال حسام:
              "تفضل".
              داعيا إياه للدخول إلى المنزل من باب اللياقة... غير أن وليد قال:
              "شكرا, لدي ضيوف كما تعلم سأعود إليهم".
              فقال حسام:
              "هل.. أوصلك؟"
              فأجاب وليد:
              "سأتدبر أمري".
              ثم فجأة أدار وجهه نحوي وقال:
              "في المرة القادمة إذا أردت الذهاب إلى أي مكان فاطلبي ذلك من سامر فقط.. مفهوم؟"
              هل هو يخاطبيني؟؟
              هل يعنيني أنا؟؟
              هل ينظر إلي أنا؟؟
              كان حسام يوشك على فتح بوابة المنزل ولما سمع هذا استدار ونظر إلى وليد وقال مستاء:
              "وهل ستظن أنني سأختطفها مثلا؟ إنها ابنة خالتي كما هي ابنة عمك".
              وبدا أن الجملة قد استفزت وليد فقال غاضبا:
              "أنا لم أتحدث معك.. هذا أولا.., أما ثانيا فلا تقارن نفسك بي.. إنني الوصي هنا ومن يقرر مع من أسمح أو لا أسمح لابنة عمي بركوب السيارة".
              شعر حسام بالإهانة فقال حانقا:
              "هكذا..؟؟.. من تظن نفسك؟"
              فرد وليد:
              "لا أظن نفسي بل أنا على يقين ممن أكون... وإذا سمحت.. افتح الباب ودع الفتاة تدخل عوضا عن الوقوف في الشارع هكذا".
              هنا... اجتاحتني شجاعة مفاجئة فتدخلت ناطقة أخيرا:
              "وليد أنا..."
              وقاطعني وليد فجأة قائلا بفظاظة:
              "ادخلي".
              نظرت إليه شاعرة بالانكسار... وليد... كيف تخاطبني هكذا؟؟ وليد هل نسيت من أكون؟؟ لماذا تغيرت إلى هذه الدرجة؟؟ دعني أتحدث..
              وأصررت على النطق... أريد أن أفهم وليد لماذا ذهبنا إلى المزرعة وما مقدار لهفتي إليه... وحاجتي للتحدث معه...
              "وليد..."
              نطقت باسمه فإذا به يقاطعني مكررا بفظاظة أشد وهو يعض على أسنانه ويبث الشرر من عينيه:
              "قلت إلى الداخل... هيا".
              انكمشت على نفسي... تقلصت حتى أوشكت على الاختفاء... من رد وليد...
              حسام فتح الباب وقال بصوت خافت:
              "ادخلي يا رغد".
              فدخلت خطوة, وتوقفت عند فتحة الباب وانقلبت على عقبي ورأيت وليد يولي ظهره إلينا ويسير مبتعدا...
              اقترب حسام ووقف أمامي مباشرة حائلا دون رؤية وليد... فتراجعت للوراء ودخلنا إلى الداخل... وأغلق هو البوابة وسار مبتعدا وبقيت عيناي معلقتين على بوابة السور أحملق فيها... نظرت إليه فرأى تعبيرات الأسى المريرة على وجهي.. فأقبل نحوي وأظهر التعاطف قال:
              "إنه... لا يكترث بك يا رغد".
              نظرت إليه والعبرة تكاد تختفي... فقال:
              "لا أعرف ما الذي يعجبك في رجل كهذا؟ إنك تضيعين مشاعرك هباء".
              صعقت.. وأخذتني الدهشة من كلام حسام.. الذي واصل وهو يرى سحنتي تتغير:
              "أتظنين أنني لا أعرف أنك تحبينه؟ أنا أعرف يا رغد".
              وتضاعف ذهولي وحملقت به غير مصدقة لما أسمع...
              قال حسام:
              "سارة لفتت انتباهي لهذا ذات مرة.. والان تصرفاتك كلها فاضحة.."
              مازلت أحملق فيه بذهول... عاجزة عن التعليق...
              تابع هو:

              تعليق

              • Loli.
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 5514



                • أيـــام .. كانت أيام :(


                  تليغرامي للإقتباسات
                  اضغط هنا


                  .

                  شيخة قلبه سابقا

                رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                "لكنني لن أقف مكتوف اليدين يا رغد.. سبق وأن وافقت على الزواج مني.. وهي الان مسألة وقت.. إياك والتلاعب معي... إياك..."
                وأشار إلي بسبابته مهددا... ثم استدار وواصل طريقه داخلا إلى المنزل...

                *************************
                أما وليد فعندما جاء لزيارتي في شقتي... أخبرني عما حصل ووبخني بشدة وأثار معي شجارا حاميا..
                "لقد كلفتك أنت وأعني أنت... بأن تهتم بشؤونها في غيابي.. فلماذا تدعها تخرج مع حسام في سيارته مهما كان المشوار؟؟"
                قلت مستنكرا:
                "يا وليد! أنت تتكلم عن حسام وكأنه شخص غريب... إنه ابن خالتها وثل أخيها ومثلي ومثلك تماما ولطالما كان يصطحبها سابقا في المشاوير إذا اقتضى الأمر.. ليس لها ملجأ غيره وغيرنا ولذلك هي تعتمد عليه..."
                غضب أخي كثيرا وقال صارخا:
                "كان ذلك في السابق.. في عهد أبي رحمه الله.. لكن أنا لا أسمح لها بالخروج معه.. وفي عهدي أنا يجب عليها أن تلتزم بما أقوله أنا".
                قلت مستاء وساخرا:
                "لكنك لم توصيني بألا أسمح لها بالخروج معه.. ولم تذكر أسماء المسموح لهم في توكيلك السامي ذاك".
                فاشتط أخي غضبا وضرب الجدار بيده فجاءت ضربته على لوحة معلقة وأوشك أن يكسرها... وللعلم فإن لشقيقي هذا قبضة فتاكة جربتها أكثر من مرة..
                ولا تزال أمامي تجارب أخرى... كما سترون....
                أثار غضبه شيئا من الروع في نفسي وإذا به يزمجر:
                "أنا لا أمزح هنا يا سامر... أحدثك بمنتهى الجدية والمسؤولية... فلا تستفزني..."
                فقلت مدافعا:
                "وما أداني أنا أن هذا سيغضبك وإلى هذه الحد؟ لماذا لم تنبهني مسبقا؟"
                فقال:
                "هي تعرف هذا جيدا وسبق وأن حذرتها.. مرارا وتكرارا... لكنها تضرب بكلامي عرض الحائط.. قل لها... أن تتوقف عن عنادها هذا وإلا..."
                وهو يشير بسبابته نحوي مهددا... فهتفت معترضا:
                "وإلا ماذا يا وليد؟؟"
                ولم يرد وكأنه لا يجرؤ على النطق بما يدور بخلده من شدة فظاظته... فأعدت السؤال:
                "وإلا ماذا بعد؟ لماذا كل هذه القسوة والصرامة في معاملتها؟"
                رد أخي بحدة:
                "أعاملها كيفما يحلو لي".
                فاعترضت مستنكرا:
                "كلا... كلا يا أخي ليس كما يحلو لك... أنت قاس وفظ للغاية... وتصب جام غضبك على من لا ذنب لهم في الإساءة إليك... رغد كانت مستميتة لأجل لقائك أو التحدث معك والاعتذار لك على خطأ لم تقترفه هي من أجل تطييب خاطرك, وأنت عاملتها بمنتهى الغلظة والرعونة... معاملة لا يحتملها رجل شديد فكيف بفتاة رقيقة؟؟"
                هتف وليد بغضب:
                "سامر!"
                فقلت مسترسلا:
                "نعم يا وليد.. أزل الغشاوة عن عينيك... وميز مع من تتعامل... إنها فتاة حساسة ولا يليق بك أن تعاملها كهذا".
                وعوضا عن أن تثير كلماتي الندم وتأنيب الضمير في نفس شقيقي, إذا بي أراه ينظر إلي والشرر يتطاير من عينيه ويقول:
                "وهل ستعلمني كيف أعامل فتاتي؟"
                أذهلتني كلمة وليد هذه وحملقت به متفحصا... وقفزت كلمات خالتي أم حسام إلى رأسي...
                قلت:
                "فتاتك؟؟"
                ورأيت تعبيرات وجه أخي تتغير... وكأنه انتبه للتو للكلمة... فقال محاولا تغيير أو تصحيح المعنى:
                "الفتاة التي تحت وصايتي أنا".
                وأضاف ليصرف الانتباه عن الكلمة:
                "وما دامت تحت وصايتي أنا فأنا من يحدد ويقرر كل شيء يخصها... ولا أسمح لأحد بالتدخل... فهل هذا واضح؟؟"
                حيرني أمر أخي... ولم أعرف بم أفسر موقفه من رغد... أهو الحرص عليها أم التسلط عليها أم شيء اخر..؟
                قلت:
                "حسنا... إنما أريد أن ألتفت انتباهك لما قد غضبك قد أغفلك عنه... أنت لا تدرك حجم المعاناة التي تخلفها مواقفك القاسية في نفسيتها... إنها من البشر وليست قطعة من الحديد... كل تلك الفترة وهي تحاول الاتصال بك لتقدم لك كلمة اعتذار عن شيء لم تقترفه لترضيك أنت بصفتك ولي أمرها وفي مقام الأب وأكثر لديها... وأنت لاه في الخارج لا تكترث لشيء.. وبعد هذا تلومها إن هي حضرت بحثا عنك في المزرعة؟؟ على الأقل.. استمع لما تود قوله ثم افعل ما تشاء... أي قلب تملك أنت؟"
                فجأة أمسك وليد بقميصي وأخذ يهزني بقوة ويهتف:
                "أنا لا أملك قلبا.. أنتم قتلتموه.. إنكم السبب.. كلكم السبب.."
                ودفع بي إلى الجدار... ثم جعل يصرخ في مهددا:
                "إياك... ثم إياك... ثم إياك يا سامر... والسماح لهذا بالتكرر... هل فهمت؟"
                وأبعد يده عني ثم سار مغادرا الشقة... مخلفا بصمات جمله الأخيرة مطبوعة على طبلتي أذني...

                ****************************
                في اليوم التالي حضر سامر لزيارتي وأخبرني عن زيارة وليد له البارحة وعن شجاره معه بسبب خروجي مع حسام وبين لي مدى الغضب الذي اكتسحه والتهديد الذي رماه به, وطلب مني:
                "لا تكرري ذلك ثانية.. إذ أن وليد على ما يبدو ولا يولي حسام ثقة كبيرة, أو لنقل إنه مستاء منه بسبب الشجار العائلي..."
                وأنا أعرف بحقيقة الأمر وقلت تلقائيا:
                "إنه لا يطيقه منذ زمن".
                فظهر التعجب على سامر وسأل:
                "أحقا؟؟ لكن لماذا؟"
                فانتبهت إلى أنني تسرعت في جملتي السابقة... وحاولت تدارك الأمر فقلت:
                "لأنه... لأنه نعته بألفاظ سيئة... ذكرت لك ذلك.."
                وطبعا لم أكن لأشير إلى موضوع عرض حسام الزواج مني ورفض وليد له والشحنات التي نشأت بينهما منذ شهور لهذا السبب...
                شي من الغموض اكتسى وجه سامر وسألني:
                "أهناك ما لا أعرفه يا رغد؟؟"
                فقلت متظاهرة الاستغراب:
                "عن ماذا؟؟"
                فقال:
                "عن حسام... عن وليد... أو عنك؟؟"
                فقلت مستمرة في تظاهري:
                "لم أفهم قصدك!"
                فقال:
                "لأن وليد كان غاضبا بمقدار فوق المعقول... لسبب تافه".
                فقلت مؤكدة:
                "كما قلت. حسام شتم وليد زعيره بأنه خريج سجون وأهانه بقسوة ولهذا... وليد لا يطيقه".
                وأقنع كلامي هذا سامر وأثناه عن محاولة التعمق أكثر...
                قال أخيرا:
                "على أية حال يا رغد.. إذا أردت أي شيء فاطلبيه مني أنا فقط".
                فنظرت إليه وفي عيني مزيج من الامتنان والأسى, والندم... وقلت:
                "شكرا... ولا أظنني سأحتاج شيئا بعد الان.."
                وطأطأت رأسي بأسى... فبعد وليد... لا شيء يستحق الاهتمام...
                لما أحس سامر المرارة في نبرة صوتي حدثني بلطف بالغ وقال:
                "تشجعي يا رغد... توفيت والدة زوجته قبل أيام... هذا سبب أكبر من كاف لتبدل أوضاعه.."
                لا تحاول مواساتي يا سامر... ما بي أبلغ من حدة المواساة...
                "سأفعل... ما يطلبه مني... بلغه هذا... سألتزم بكل ما يريد... فقط... ليصفح عني..."
                هل... هل تحبينه... إلى هذا الحد؟؟"
                داهمني سامر بسؤاله... أومأت برأسي... نظرت إلى الفراغ... في إجابة أبلغ من الكلام...

                *********************************
                حدثت مجموعة من أعمال الشغب في المدينة واضطرب الأمن فيها.
                وهي منذ شهدت مأساة القصف في عيد الحج الماضي لم تزل عرضة لحوادث صغيرة متفرقة تفقد أهاليها الأمان للعيش فيها.
                الكثير من سكانها هجروها واتخذت جماعات من المتمردين المنازل المهجورة بؤرا لإدارة عمليات الشغب. ومؤخرا حظر التجول في الشوارع بعد منتصف الليل وتكثف دوريات الشرطة وتضاعف عدد نقاط التفتيش والمراقبة...
                كنت قد مررت أثناء سفري بإحدى مدن المنطقة... ورأيت حالة التخريب الفظيعة التي ألمت بها مؤخرا بعد أعمال شغب مصحوبة بهجوم عدائي تعرضت لها... وأوضاع البلد بشكل عام اخذة في التدهور السريع...
                والان.. أنا جالس في غرفة المعيشة في المنزل الريفي في المزرعة أتابع الأخبار على التلفاز وأشاهد مناظر بشعة لجثث قتلى من المتمردين الذين تمت مداهمتهم وإبادتهم..
                ولقطات أخرى لمجموعة من أعضاء منظمة سرية نفذت عملية اغتيال لأحد كبار المسئولين, وتم الكشف عن بعض أعضائها وهاهم يقادون بإذلال إلى مأواهم الأخير... السجن..
                مناظر تثير الرهبة في قلبي.. خصوصا بعد تجربتي المريرة خلف القضبان.. لا زال جسدي يقشعر منها وقلبي يضطرب... ومعدتي تشتعل نارا على ذكراها..
                شربت اخر رشفة من الحليب البارد الذي أدمنت على شربه في الأونة الأخيرة كلما اشتد ألم معدتي.. وابتلعت معها القرص المخفف للحموضة الذي صار عنصرا رئيسيا من عناصر وجباتي اليومية.. وتنفست باسترخاء..
                خضت مؤخرا لعلاج جديد لقرحة معدتي ولكنه لم ينجح... وأوجاعها تراودني من حين لاخر وتقض مضجعي..
                فيما أنا مغمض عيني باسترخاء.. سمعت صوتا يقترب من الباب... ففتحت عيني والتفت إلى مصدره فإذا بي أرى أروى تدخل الغرفة...
                أنا وهي لم نجتمع اجتماعا خاصا ولم نتحدث إلا أحاديث عادية خلال الأيام الماضية... التي تلت رحيل الخالة ليندا رحمها الله.
                وأجواء الكابة كانت تسيطر بشكل مريع على المزرعة وعلى المنزل وقد غابت سيدته بلا عودة ترجى...
                وكان لقائي السابق معها قبل السفر هو أبشع اللقاءات وأفضعها...قالت أروى:
                "ماذا تشاهد؟"

                تعليق

                • Loli.
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 5514



                  • أيـــام .. كانت أيام :(


                    تليغرامي للإقتباسات
                    اضغط هنا


                    .

                    شيخة قلبه سابقا

                  رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                  فقلت:
                  "نشرة الأخبار.."
                  واسترسلت:
                  "الوضع يزداد اضطرابا في المدينة الصناعية".
                  وجلست أروى على أحد المقاعد المجاورة تتابع الأنباء معي...
                  خيم السكون علينا وأصغينا إلى النشرة باهتمام.. على الأقل بالنسبة لي... وبعد انتهائها.. تركت التلفاز مشغلا وقمت بقصد الخروج..
                  عندما اقتربت من الباب اختفى صوت التلفاز فألقيت نظرة للوراء ورأيت أروى وقد أوقفته ثم سارت باتجاهي..
                  "وليد".
                  نادتني فاستدرت إليها كليا.. شعرت بأنها ترغب في التحدث معي وبدا أن قواها تخونها..
                  الحديث عن أي شيء لن يكون لائقا الان وقبر الخالة رحمها الله لم يبرد بعد. صمت منتظرا ما ستقوله.. ولما طال ترددها قلت:
                  "خيرا إن شاء الله؟"
                  وإذا بالدموع تقفز من عينيها فتنكس رأسها وتخفيه خلف يدها..
                  شعرت بالأسى عليها ومددت يدي وربت على كتفها بحنان.. وما كان منها إلا أن أسندت رأسها إلى صدري وبكت بحرقة..
                  قلت مواسيا:
                  "تشجعي يا أروى.. كلنا للموت والبقاء لله الواحد الأحد".
                  فقالت بانهيار:
                  "لا أتخيل حياتي بدونها.. إنني السبب في موتها.. أنا السبب".
                  وكانت الخالة قد توفيت بعد عملية جراحية أجريت لها في القلب إثر تعرضها لنوبة جديدة.
                  فقلت:
                  "كيف تقولين ذلك؟"
                  فقالت:
                  "نعم.. فهي مرضت بعد أن.. أخبرتها عن قرار انفصالنا.. لو لم أخبرها بذلك.. ماتت".
                  عضضت على أسناني متأثرا بهذا الكلام.. ثم قلت:
                  "الموت بيد الله وحده.. ولكل أجله المقدر.. لندعو لها الرحمة والمغفرة".
                  قالت أروى:
                  "رحمك الله يا أمي.. كنت نعم الأمهات وخير النساء.. عشت حياة مريرة وحيدة بعد سجن أبي.. ورحيله.. شقيت في هذه الدنيا وعملت دون راحة أعمالا منهكة يعجز عنها الرجال.. وحين ابتسمت لنا الدنيا.. حين تحسنت أوضاعنا.. اه يا أمي.. أبعدتك الأقدار قبل أن تهنئي.. ما كان أسرع رحيلك يا أماه.."
                  نحيبها الشجي هيج في ذاكرتي ذكرى والدتي رحمها الله.. إنه ما من مصاب أفجع على قلب البشر من فقد الأحبة..
                  على الأقل.. أنت عشت مع والدتك ولازمتها منذ ولادتك وحتى اخر لحظة في حياتها..
                  أما أنا.. فقد حرمت من والدي الحبيبين ثمان سنين وأنا محبوس في أبشع مكان رأيته على الإطلاق.. وهما حيان يرزقان.. وما إن خرجت إليهما.. حتى داهمهما الموت وأخذهما معا.. وبأشنع طريقة..
                  لا حول ولا قوة إلا بالله..
                  وفيما نحن هكذا أقبل العم إلياس.. ألقى علينا نظرة ثم قال مخاطبا إياي:
                  "حضر الضيوف يا بني".
                  فقلت:
                  "حسنا.. أنا قادم".
                  وهم مجموعة من تجار الفواكه كنت سأعقد معهم اتفاق عمل.
                  انصرف العم إلياس.. فالتفت إلى أروى وقلت:
                  "يريدون شراء محصول العنب والليمون بالكامل.. سنتخلص من عناء بيعه في الأسواق وقد عرضوا سعرا جيدا.. ما رأيك؟"
                  نظرت أروى إلي نظرة لا مبالاة ثم قالت:
                  "افعلوا ما تشاءون".
                  قلت:
                  "سنكتب وثيقة رسمية وسنحتاج لتوقيعك بصفتك مالكة المزرعة.. سأجلب لك العقد لمراجعته وتوقيعه".
                  قالت:
                  "أرجوك.. أعفني من هذه الأمور فأنا لست في وضع يسمح بالتفكير في أي شيء".
                  وأنا أعلم بهذا ولكن..
                  "لكن.. العمل يجب أن يستمر.. إن أهملنا المحصول فسنخسره".
                  قالت:
                  "افعلوا ما ترونه مناسبا".
                  وكان هناك في خاطري شيء أود ذكره وأعاق الظرف الحالي لساني.. لكنني هذه اللحظة وجدتها فرصة ملائمة قليلا فقلت:
                  "و... كذلك بالنسبة للمصنع.. هناك أمور معلقة في انتظاري.."
                  نظرت أروى إلي نظرة جادة.. فقلت متابعا:
                  "علي العودة إلى العمل عاجلا.. لا يجب ترك المصنع أطول من هذه المدة".
                  فقالت وهي تضغط على صدغيها بيدها اليسرى:
                  "افعل ما تريد.. أنا باقية مع ذكرى أمي ورائحتها العابقة في جو المنزل.."
                  عنجما نقلت نبأ وفاة نديم رحمه الله إلى عائلته في العام الماضي.. أتذكر أن أروى أبدت صمودا غريبا في وجه الخبر المفجع.. أما الان.. فهي منهارة لوفاة والدتها..
                  لطالما كنت أظنها أكثر صلابة في مواجهة المصائب.. وأرى فيها قوة وقدرة كبيرة على التحمل.. ووضعها هذا جعلني أرجىء إلى أجل غير مسمى موضوعنا السابق.. بشأن مستقبل علاقتنا معا..
                  فلأترك عني هم أروى... وهم رغد... وأتفرغ لهم العمل فهو أرأف بي منهما...
                  وبعد لقائي بتجار الفواكه وفيما كنت واقفا في المزرعة أرتب الوثائق فوجئت بضيف غير متوقع يدخل المزرعة!
                  لقد كان حسام...
                  حياني فنظرت إلى ما حوله, لأستوثق من عدم حضور رغد برفقته... لكنه كان منفردا... فرددت التحية وكلي حيرة من سبب حضوره... ثم قدته إلى المقاعد المجاورة وجلسنا متواجهين... تفصلنا طاولة صغيرة... فأمكنه قراءة تساؤلاتي مباشرة...
                  قال موضحا:
                  "أعرف أنك لم تتوقع زيارتي.. لكنني أود التحدث معك في أمر مهم وإن لم يكن الظرف الحالي مناسبا".
                  أقلقني كلامه فسألت باهتمام:
                  "ماذا هناك؟؟"
                  فتأتأ قليلا... ثم أجاب:
                  "إنه.. ليس موضوعا جديدا.. ولكن... أود تذكيرك به وتعجيل تنفيذه".
                  وبسرعة تفتح في رأسي موضوع أظن أنه يقصده...
                  قلت:
                  "هات من الوسط ولا داع للمقدمات.. أي موضوع تعني".
                  اضطرب حسام وتغير لونه.. ثم قال:
                  "مو... موضوعي أنا ورغد".
                  تمالكت نفسي لئلا أنفجر فجأة في وجه الضيف في هذه اللحظة وهذا المكان..
                  ثم قلت متظاهرا عدم الفهم:
                  "موضوعك أنت ورغد؟؟"
                  نظر إلي حسام وقال وهو يزدرد ريقه:
                  "أعني موضوع.. زواجنا".
                  احتقنت الدماء في وجهي وتورمت عيناي غضبا.. وبالتأكيد لاحظ حسام ذلك لأن بعض الخوف اعترى تقاسيم وجهه..
                  قلت وأنا أضغطط على نفسي كي لا أثور بركانا:
                  "أي زواج؟؟"
                  تردد ثم قال:
                  "هل نسيت؟؟ لقد.. سبق وأن عرضنا الأمر عليك.. أنت تعرف أنني.. أنني أرغب في الزواج من رغد".
                  لم أستطع تمالك نفسي أكثر.. هببت واقفا باندفاع كان من القوة بحيث جعل الكرسي ينقلب من خلفي ويرتطم بالأرض..
                  وقف حسام بدوره واجلا..
                  قلت:
                  "هل فقدت صوابك؟ ألا ترى في أي ظرف نحن؟؟"
                  قال حسام معتذرا ومدافعا:
                  "لا أقصد هذا أبدا.. لسنا نريد ارتباطا شكليا علنيا.. كل ما نريده هو عقد قران شرعي حتى.."
                  صرخت غاضبا مقاطعا:
                  "حتى ماذا؟؟"
                  ألجم لسان حسام فكررت بعصبية:
                  "حتى ماذا... أكمل؟؟"
                  قال باضطراب:
                  "حتى نستقر.. أنا ورغد.. بما أنها تقيم عندنا وبما أنها موافقة على الزواج مني.."
                  ضربت على الطاولة بعصبية وقلت:
                  "ومن قال أنها موافقة على هذا؟؟"
                  أجاب:
                  "هي.. أعربت عن قبولها واستعدادها منذ زمن".
                  نفثت ما في صدري من نيران ملتهبة... وضربت الطاولة مجددا بقوة أكبر وقلت:
                  "ومن قال لك... إن الأمر متوقف على قبولها هي؟؟"
                  قال حسام متراجعا:
                  "بالطبع أعني بعد موافقتك أنت...فأنت ولي أمرها".
                  فقلت بغضب:
                  "نعم.. أنا ولي أمرها.. وأنا لا أوافق على هذا".
                  صمت حسام برهة وسأل بعدها:
                  "لماذا؟؟"
                  فزمجرت:
                  "لا تسأل لماذا... أنا الوصي وأفعل ما أريد".
                  تغيرت سحنة حسام من الرجاء إلى النقمة وقال مهاجما:
                  "لكن.. هذا لا يعطيك الحق في التحكم برغد... ما دامت موافقة".
                  استفزتني الجملة فصرخت منذرا:
                  "حسام!!"
                  وحسام أطلق العنان لثورته وقال:
                  "أي نوع من الأوصياء أنت؟؟ ولماذا هذا العناد؟"
                  صرخت مجددا:
                  "حسام... يكفي.."
                  لكنه تابع بعصبيته:
                  "أخبرني ماهي حججك؟ إذا كان بشأن الدراسة فنحن لن نتزوج الان وإنما بعد التخرج ولكنني أريد أن أرتبط بها رسميا وأريح مشاعري وقلبي".
                  انفجرت... ثرت... انقضضت على كتفيه فجأة وصرخت بقسوة:
                  "أي مشاعر وأي قلب أيها ال.."
                  حسام حاول إبعاد يدي عنه وهو يقول:
                  "إنني أحبها ولن أسمح لك بالوقوف في طريقي".
                  وبانفلات تام.. سددت لكمة إلى وجهه ثم دفعت به بعيدا... وأنا أصرخ:
                  "أرني ماذا ستفعل لإزاحتي أيها العاشق المعتوه".
                  كانت ضربتي موجعة جدا... أمسك حسام بفكه متألما وترنح قليلا... ثم صرخ:
                  "متوحش وستظل متوحش... يا خريج السجون".
                  وأوشكت أن أنفلت أكثر وأنقض عليه وأوسعه ضربا... غير أن العم إلياس ظهر فجأة ورأى الاضطراب الحاصل بيننا فتساءل:
                  "ما الأمر؟؟"
                  حسام سار إلى الخلف مبتعدا وهو يقول:
                  "لا ترحم ولا تدع الرحمة تهبط من السماء؟؟... لكنني لن أسمح لك بالتحكم بهذا وإن لزم الأمر سألجأ للقضاء وأخلصها من سطوتك نهائيا... أسمعت؟"
                  صرخت مهددا:
                  "أغرب عن وجهي هذه الساعة قبل أن تندم... انصرف فورا..."
                  قال:
                  "سأذهب.. لكن سترى ما سأفعل.. سنتزوج رغما عن أنفك وقبضتك وجبروتك.."
                  هممت بالانقضاض به فأقبل العم إلياس وحال دون إمساكي به..
                  واحتراما للرجل العجوز وللمكان الذي نحن فيه.. تركته يفلت من قبضتي لكنني هددته:
                  "ابتعد عنها نهائيا... نهائيا... ماذا وإلا.. فأقسم برب السماء.. أنني سأمحيك من على هذا الكوكب... وقبل أن تصل إلى ما تصبو إليه نفسك.. سيتعين عليك أن تدوس على قبري أولا.. ما من قوة في الأرض ستجبرني على تحقيق هدفك... مطلقا... أيها المراهق الأبله".
                  وبعد أن غادر حسام سأني العم عما حصل فاعتذرت عن الإجابة وخرجت من المزرعة غاضبا أبحث عن شيء أنفث فيه غضبي بعيدا عن الأنظار...

                  **********************************

                  تعليق

                  • Loli.
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 5514



                    • أيـــام .. كانت أيام :(


                      تليغرامي للإقتباسات
                      اضغط هنا


                      .

                      شيخة قلبه سابقا

                    رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                    تتمه

                    "ماذا تقولين!!"
                    ارتسمت الدهشة على وجهي حين
                    أخبرتني نهلة بأن حسام ذهب شخصيا إلى وليد عصرا وفتح موضوع زواجنا أمامه.. وأن وليد رفض الموضوع ولكم حسام بعنف على وجهه..
                    قالت:
                    "هذا ما أخبرني به.. وهناك كدمة مريعة على وجهه وتورم فظيع!"
                    قلت:
                    "يا إلهي! ما الذي دفعه إلى هذا الجنون؟ يذهب إليه بنفسه وبمفرده وفي هذه الفترة؟؟ هل فقد صوابه؟؟"
                    قالت نهلة:
                    "يحبك يا رغد ولا يطيق صبرا.. وأراد أغتنام فرصة تواجد ابن عمك في المنطقة... ولو لم يكن سامر خطيبك السابق لكان طلب الأمر منه... والان وصيك الرسمي يهدده بألا يعود لطرح الأمر ثانية وإلا محاه من الوجود... تهديد صريح بالقتل وأمام أحد الشهود".
                    قلت حانقة ومهاجمة:
                    "ماذا تعنين؟؟"
                    فقالت نهلة:
                    "أنت أدرى".
                    فازداد غضبي وخاطبتها بحدة:
                    "لا أسمح لك... ابن عمي ليس سفاحا... وإذا كان قد ارتكب جريمة في السابق فإنه..."
                    وانتبهت لكلامي وأخرست فمي...
                    فقالت نهلة متحدية:
                    "فإنه ماذا؟؟"
                    ولم أجرؤ على الإجابة... فنظرت إلي نهلة بجدية وقالت:
                    "فإنه قد يفعلها ثانية".
                    زمجرت:
                    "توقفي... أنت لا تعرفين شيئا... كلكم ظالمون.... اتركوا وليد وشأنه وإياكم وإهانته ثانية... لأنتم تهينونني أنا وتجرحونني أنا... ألا تحسون بذلك؟؟"
                    وتراجعت نهلة عن موقفها لما رأت عصبيتي.... وقالت:
                    "حسنا يا رغد... ولكن اهدئي".
                    فواصلت:
                    "كيف أهدأ وأنتم كلما جيء بذكر وليد نعتموه بألفاظ قاسية؟ رأفة به وبي... هذا كثير... كثير..."
                    وفيما أنا في غمرة انفعالي طرق الباب ودخلت سارة تقول مخاطبة إياي:
                    "ابن عمك هنا ويريدك".
                    قفزت واقفة وقفز قلبي معي... ودارت بي الأفكار وأرسلتني إلى البعيد... فقلت بهلع:
                    "وليد؟؟"
                    فردت سارة وهي تحرك رأسها حركة طفولية:
                    "لا! بل سامر".
                    وسرعان ما أصبت بخيبة أمل... إلى أين ذهبت أفكارك يا رغد؟؟ يا لك من مسكينة واهمة! طبعا سيكون سامر... ألا زلت تعتقدين بأن وليد سيعود إليك ذات يوم...؟؟
                    كان الوقت ليلا... وليس من عادة سامر زيارتي في الليل ودون سابق موعد... إلا لأمور طارئة أة ضرورية...
                    ارتديت حجابي وعباءتي وذهبت لملاقاته في غرفة المجلس كالعادة... وهناك من أول نظرة ألقيتها عليه لاحظت أن هناك ما يقلقه... وعرفت أن للزيارة سبب قاهرا...
                    بعد التحية والسؤال عن الأحوال... سألته:
                    "ماذا هناك؟؟"
                    وفاجأني عندما قال:
                    "وليد يريد أن ترافقيني الان إلى الشقة.. إنه هناك وينتظرنا.."
                    هل سمعتم؟؟ يقول... إن وليد يريد مقابلتي... هل هذا ما قاله؟؟ هل هذا ما يفهم من كلامه؟؟
                    تسمرت في مكاني مأخوذة بالمفاجأة ونظرت من حولي أتأكد من أنني لا أتخيل!
                    وليد يريد مقابلتي... أخيرا؟؟
                    قطع علي حبل شرودي صوت سامر وهو يقول بنبرة قلقة:
                    "لا يبدو بمزاج جيد... لا أعرف ما الطارىء الذي يشغل باله لكنه طلب أن اخذك إلى الشقة في هذا الوقت..."
                    عرفت... لقد فهمت... موضوع حسام... لا محالة...
                    لم أحرك ساكنا... من شدة القلق... إلى أن قال سامر يحثني على الاستعجال:
                    "هيا يا رغد فالوقت ليس من صالحنا..."
                    وصلنا إلى الشقة أخيرا... ومع وصولنا وصلت ضربات قلبي إلى أقصى سرعة...
                    وبدأت أحس بالنبضات في شرايين عنقي... وفيما سامر يستخرج مفتاح الشقة عند الباب حدثني بصوت خافت قائلا:
                    "أنبهك يا رغد... يبدو أن شياطين رأسه تسيطر عليه.."
                    أرعبتني جملته فبلعت ريقي وقلت:
                    "هل.. هو غاضب جدا؟؟"
                    فأجاب وهو يخفض صوته:
                    "يشتعل بركانا.. حاولت أن أعرف ما القصة فلم يخبرني ورفضت إحضارك فهددني بأنه إن ذهب بنفسه إلى منزل خالتك فسوف يحرقه بمن فيه.. لا أستبعد هذا... فوجهه ينذر بالشر..."
                    وضعت يدي اليسرى على عنقي فزعا... ورددت رأسي إلى الوراء... فقال سامر محاولا بعد كل هذا طمأنتي:
                    "سأكون معك.."
                    وفتح الباب... لملمت شظايا قوتي وذكرت اسم الله... ودخلت الشقة...
                    في الداخل وقعت عيناي مباشرة على العينين الملتهبتين.. القادحتين بالشرر... اللتين لم أحظ برؤيتهما منذ أيام... ولم أحظ برعايتهما... منذ أسابيع...
                    كان وجهه كتلة من الحمم البركانية المتوهجة... عابس التعبيرات... قاطب الحاجبين وأحمر العينين... تلك الحمرة التي تكسو وجه وليد وعينيه عندما يشتط غضبا... وكان يتنفس عبر فمه... وتكاد ألهبة من النار المتأججة تخرج مع زفيره... وكان يقف وسط الشقة وعلى أهبة الهجوم...
                    يا لطيف...!
                    أردت أن أبدأ بالتحية... غير أنه لم يكن لها مجال هنا... مع وجه مرعب يقدح شررا... وعندما أغلق سامر الباب خلفه تكلم وليد فجأة:
                    "من فضلك يا سامر ابق في الخارج قليلا".
                    تبادلت النظر مع سامر.. الذي رأى اضطرابي وقرأ توسلاتي.. فقال:
                    "هل الموضوع سري لهذا الحد؟؟"
                    فقال وليد بصبر نافذ:
                    "رجاء ابق في الخارج إلى أن أستدعيك.."
                    فنظر إلي سامر مجددا ثم قال:
                    "يمكنني دخول غرفة النوم".
                    فزمجر وليد بحدة:
                    "قلت في الخارج... لو سمحت".
                    فلم يتحرك سامر بل أصر:
                    "سأدخل إلى الغرفة يا وليد".
                    هنا هتف وليد بغضب:
                    "سامر... رجاء أخرج الان ولا تضيع الوقت..."
                    قال سامر:
                    "يبدو عليك الغضب الشديد يا وليد.. لماذا لا تسترخي قليلا ثم تتحاوران؟؟"
                    صرخ وليد:
                    "أنا لست غاضبا..."
                    واضح جدا! ماذا تريد أكثر من هذا!!؟؟
                    قال سامر:
                    "لكن يا أخي..."
                    فقاطعه وليد بفظاظة:
                    "انصرف يا سامر أرجوك ولا تغضبني بالفعل.."
                    ولم يملك سامر من الأمر شيئا... فنظر إلي نظرة عطف وإشفاق... ثم فتح باب الشقة... وقال محذرا:
                    "إياك أن تقسو عليها... أحذرك..."
                    وألقى علي نظرة أخيرة وخرج...
                    بقينا أنا والمذنب المتوهج وليد بمفردنا في الشقة...هو ينفث الأنفاس الغاضبة الحارقة.. وأنا أرتجف هلعا...
                    وبعد أن التهم عدة أنفاس... قال أخيرا:
                    "اجلسي يا رغد".
                    رفعت بصري إليه ولم أتحرك... كنت مضطربة وقلبي تركض نبضاته بسرعة...
                    ولا أقوى على السير من فرط توتري... ولما راني متصلبة في مكاني قال بصوت حاد:
                    "اجلسي يا رغد هيا".
                    فزعت وارتددت للوراء... وحين لاحظ ذلك قال:
                    "ما بك تنظرين إلي بهذا الذعر؟؟ هل أبدو كالغول المفترس؟؟ أم هل تظنين أنني سألكمك أنت أيضا؟"
                    خفت.. وأومأت رأسي ب (لا).. فأشار إلى المقعد.. فسرت مذعنة... أعرج في خطواتي... إلى أن جلست على طرف المقعد... ووضعت حقيبتي إلى جانبي...
                    وليد كان مرعبا لحد كبير.. وكنت أسمع صوت الهواء يصطدم بفمه كالإعصار.. وكلما أطلق نفسا قويا جذب نفسا أقوى.. حتى أوشك الهواء على النفاذ من الشقة...
                    فجأة اقترب خطوة مني فأرجعت ظهري إلى الوراء تلقائيا.. خشية أن تحرقني أنفاسه أو تلسعني نظراته.. توقف وليد على بعد خطوتين مني ثم قال:
                    "أظنك تعرفين لم أنت هنا".
                    رفعت رأسي وأومأت ب(لا).. فهتف بسرعة:
                    "بل تعرفين".
                    أفزعني صوته.. فغيرت موقفي وأومأت ب(نعم).. وأنا متوقعة أن يكون الموضوع هو موضوع حسام...
                    قال:
                    "تعرفين أن ابن خالتك العزيزة... قد أتى إلي خصيصا هذا اليوم ليطلب موافقتي على خطبتكما".
                    تصاعدت دفعة من الدماء إلى وجهي... وهويت بأنظاري نحو الأرض حرجا.. ولم أقل شيئا.. فتابع هو:
                    "أتى بمفرده وبكل شجاعة... بل بكل وقاحة.. بعد الإهانات الفظيعة التي رموني بها في منزلهم.. وبدون اعتبار للظروف التي نمر بها في المزرعة... بلا احترام لي ولا لعائلتي... أتى إلي مطالبا بتحويل مشروع زواجكما المزعوم إلى واقع... بكل بساطة".
                    وأيضا لم أقل شيئا... بل لم أجرؤ حتى على التنفس...
                    قال:
                    "وحجته.. أنكما متفقان.. ومستعدان للارتباط.. ومنذ زمن.. وأنه يريد أن يريح مشاعره وقلبه!".
                    فطأطأت برأسي نحو الأسفل أكثر... أكاد أكسر عنقي من حدة الطأطأة... وأفجر عروق وجهي من غزارة الدماء المتدفقة فيها...
                    فتابع وليد:
                    "وربما مشاعرك وقلبك أنت أيضا".
                    ذهلت, ورفعت بصري إليه بطرفة عين, ثم غضضته من جديد في حرج شديد...
                    ولم أرفعه ثانية إلى أن سمعت صوت اصطفاق كفي وليد ببعضهما البعض.. نظرت إليه فشاهدت حشدا من ألسنة النار تغادر عينيه مقبلة إلي...
                    قال:
                    "ماهو رأيك؟"
                    ولم أتكلم فردد السؤال بغلظة:
                    "ما هو رأيك؟ أجيبيني؟؟"
                    فأطلقت لساني بتلعثم:
                    "في ماذا؟"
                    فقال بعصبية:
                    "في هذا الأمر قطعا".
                    فلم أجبه لكنني حملقت فيه... فاقترب مني أكثر وسأل بعصبية وجفاف بالغين:
                    "لا تحملقي بي هكذا بل أخبريني ما هو رأيك الان يا رغد؟؟ تكلمي".
                    فقلت مفزوعة من صوته:
                    "لا أعرف".
                    فقال:
                    "لا تعرفين؟؟ كيف لا تعرفين؟؟ أخبريني ماهو رأيك الصريح؟"
                    أجبت في خوف:
                    "كما ترى أنت".
                    قطب حاجبيه أقصاهما وقال:
                    "كما أرى أنا؟؟"
                    فكررت:

                    تعليق

                    • Loli.
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 5514



                      • أيـــام .. كانت أيام :(


                        تليغرامي للإقتباسات
                        اضغط هنا


                        .

                        شيخة قلبه سابقا

                      رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                      "كما تريد أنت... أنت ولي أمري وما تطلبه سأنفذه".
                      وليد فجأة ضرب مسند المقعد المجاور ورأيت سحابة من الغبار تطير مفزوعة منه...
                      ثم قال:
                      "قولي يا رغد.. ما هو رأيك أنت؟؟ وهل اتفقت معه على أن يأتي لتقديم عرضه في المزرعة؟"
                      فرددت نافية:
                      "لا.. كلا لم أتفق معه.. لقد أتاك من تلقاء نفسه.. لم أعرف إلا من نهلة قبل حضوري إلى هنا مباشرة".
                      ونظر إلي بتشكك فأكدت:
                      "لم أتفق معه على أي شيء صدقني".
                      فسأل:
                      "ولا على الزواج؟"
                      فصمت.. وكرر هو سؤاله بحدة:
                      "ولا على الزواج يا رغد؟؟ هل سبق وأن اتفقتما على ذلك؟؟ أجيبي..؟؟"
                      في الواقع.. كان هذا ما حصل قبل شهور.. قبل انتقالي للعيش في المنزل الكبير.. والتحاقي بالجامعة...
                      قلت معترفة:
                      "أجل"
                      وما كدت أنطق بالكلمة إلا ويدا وليد تطبقان فجأة على كتفي وتهزاني.. وإذا به يصرخ في وجهي:
                      "كيف تجرئين على فعل ذلك؟؟ من سمح لك باتخاذ قرار في موضوع كبير كهذا دون إذني أنا؟؟ كيف تتفقين معه على الزواج دون علمي؟"
                      فقلت مدافعة ومفزوعة في ان واحد:
                      "أنت تعلم بذلك.. لقد عرضت عليك خالتي الموضوع من قبل.. تعرف كل شيء".
                      فقال وهو يهزني:
                      "وأنتتعرفين أنني رفضت الموضوع مسبقا.. وحذرتك من إعادة طرحه أو التفكير به مجددا.. ألن أحذرك يا رغد؟؟ ألم أحذرك؟؟"
                      أجبت:
                      "بلى.. لكن..."
                      فهتف:
                      "لكن ماذا؟؟ أكملي".
                      ابتلعت ريقي وأرغمني الخوف من صوته على النطق فقلت:
                      "لكنك.. أنت لم ترفض الموضوع بل رفضت توقيته.. وحسام... حسام هو الذي أعاد فتحه الان.. هو من رغب في تعجيله".
                      صرخ وليد:
                      "وأنت متفقة معه أليس كذلك؟؟"
                      قلت مدافعة:
                      "ليس كذلك.. قلت لك إنني لم أعلم عن زيارته لك إلا من نهلة قبل حضوري".
                      فضغط وليد على كتفي وقال:
                      "لكنك موافقة ألست كذلك؟؟"
                      وشعرت بالألم من قوة قبضته.. والفزع من نظراته المهددة...
                      قلت:
                      "سأفعل ما تطلبه مني أنت".
                      فزاد ضغطه على كتفي وهتف:
                      "موافقة على ذلك؟ أجيبيني؟؟ أترغبين بالزواج من ابن خالتك المخبول هذا؟؟ أجيبيني؟؟"
                      أطلقت صيحة ألم وقلت والدموع تقفز من عيني فجأة:
                      "اه.. أنت تؤلمني.."
                      وليد دفع بكتفي نحو المسند فجأة وابتعد سائرا نحو الباب..
                      أنا أخفيت وجهي خلف يدي المصابة وأخذت أذرف شحنة الدموع المخزنة في عيني.. وتأوهت من قسوة وليد.. قسوة لم أعهدها ولم أكن أنتظرها منه.. بعد كل ذلك العطف والحنان اللذين غمرني بهما طوال سنين... وبعد كل الفراق والجفاء والمقاطعة التي فرضها علي منذ أسابيع...
                      عندما أفرغت كل دموعي أزحت يدي عن عيني... وشاهدته يدور حول نفسه تارة ويسير يمينا وشمالا تارة أخرى... وهالة من اللهيب الأحمر تحيط به...
                      وحين راني أنظر إليه صرخ فجأة:
                      "ألم أحذرك من مغبة فتح هذا الموضوع يا رغد؟؟ ألم أفعل؟؟"
                      ولم يمنحني فرصة للرد بل تابع مزلزلا:
                      "لكنكم تستخفون بي.. وترونني مجرما حقيرا خريج سجون... لست أهلا لتولي الوصاية على فتاة يتيمة.. ولا أؤتمن عليها..."
                      أردت أن أنطق (كلا) لكن وليد لم يعطني المجال وواصل:
                      "سأريكم.. ما الذي يستطيع المجرمون فعله.. سترون أن كلمتي أنا.. هي النافذة.. وأنه ما من قوة في الأرض سترغمني على الموافقة على هذا الزواج مهما كانت.."
                      واقترب مني مجددا... ورمقني بنظرات التهديد الشديدة.. وقال:
                      "ستحققين أمنيتك بالزواج منه فقط بعدما أموت يا رغد.. هل تفهمين؟؟"
                      وعندما لم ير مني أي ردة فعل تصور أنني لم أفهمه أو لم أعر كلامه اهتماما...
                      فأطبق على كتفي كالصقر المنقض على فريسته... بمنتهى الخشونة وراح يصرخ:
                      "أكلمك يا رغد... أصغي إلي جيدا.. واحفظي كلامي بالحرف الواحد... أنا المسئول عنك هنا.. وأنا من يقرر كل شيء يتعلق بك... صغيرا كان أم كبيرا... شئت أم أبيت... تركك أبي تحت عهدتي أنا.. وليس تحت عهدة خالتك وعائلتها.. وإن أبقيتك هناك كل هذا الوقت فهذا لأنني أنا أريد إبقائك.. وليس لتتصرفي كما يحلو لك.. أنت وابن خالتك المراهق الأبله... ومتى ما شئت أنا...ساتي واخذك.. وخالتك.. وزوجها.. وأبناؤها.. كلهم لا يملكون الحق في تسير أمورك.. وحسام بالذات.. وبالذات حسام.. واسمعيني جيدا.. هذا الفتى بالذات.. سيكون اخر اخر اخر شخص على وجه الأرض.. سأسمح له بالاقتراب منك.. ولن يكون ذلك إلا بعد موتي.. أفهمت ذلك يا رغد؟؟ أفهمت ذلك؟؟"
                      كل هذا الصواريخ في وجهي.. والضغط العنيف على كتفي.. والأعاصير النارية المنطلقة من عينيك وتريد مني ألا أفهم؟
                      صحت بخوف وأنا أحاول استعطافه والنجاة من بطش يديه:
                      "نعم... فهمت.."
                      فضغط على كتفي بخشونة أشد وقال:
                      "فهمت جيدا؟؟ أنا لن أعيد كلامي في المرة المقبلة إن تكرر الأمر.. ولن أكتفي بلكم وجهه.. بل سأهشم عظامه كلها.. وأطحن رأسه... أوعيت هذا؟؟"
                      قلت:
                      "فهممت.. فهمت.. أرجوك... يكفي".
                      وواصل عصر كتفي بقبضتيه وهو يجبرني على النظر في عينيه ويخترقني بنظرته الثاقبة النهددة ويقول:
                      "لا تضطريني لتصرف لا تحمد عقباه يا رغد... أحذرك... أحذرك... ما أنا فيه يكفيني... التزمي بكلامي وإلا.."
                      أطلقت إجابتي مع زفرة ألم:
                      "حاضر... فهمت... سأفعل ما تأمرني به... هذا موجع... أرجوك أتركني..."
                      وانخرطت في البكاء من الألم... فأطلق سراح كتفي وابتعد...
                      جعلت أمسد كتفي الأيمن بيدي اليسرى لأخفف الألم... ولم أرفع رأسي مجددا... حل سكون مخيف بضع دقائق.. ثم سمعت صوت باب الشقة ينفتح فرفعت رأسي ونظرت إلى وليد فشاهدته يغادر...
                      وقفت بسرعة وسألت:
                      "إلى أين تذهب؟؟"
                      لكنه أغلق الباب ولم يجبني... أسرعت أسير بعكازي إلى الباب وأردت فتحه فإذا بي أسمع صوت قفله يدار..
                      ضربت الباب وهتفت بفزع:
                      "وليد إلى أين تذهب؟ افتح الباب".
                      فسمعته يقول من خلف الباب:
                      "سأرسل إليك سامر".
                      فقلت:
                      "لا تتركني وحدي.. أرجوك افتح".
                      ولكنه لم يفتح ولم أعد أسمع صوته...

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...