انت لي .... قصة جميلة .. منقول ( 1) كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Loli.
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 5514



    • أيـــام .. كانت أيام :(


      تليغرامي للإقتباسات
      اضغط هنا


      .

      شيخة قلبه سابقا

    رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

    بقيت واقفة عند الباب في انتظار عودة وليد أو سامر.. ومرت بضع دقائق ولم يظهر أي منهما..
    انتابني الذعر.. وعدت إلى المقعد واستخرجت هاتفي من حقيبتي واتصلت بوليد فلم يجبني.. واتصلت بسامر فوجدت الخط مشغولا..
    انتظرت دقيقة ثم أعدت الاتصال بسامر فرد علي وأخبرني بأنه في صالون الحلاقة أسفل المبنى وسيصعد بعد عشر دقائق...
    "لكنني وحدي في الشقة... ذهب وليد وتركني أرجوك تعال الان".
    قال سامر:
    "لم يذهب. أخبرته أن يبقى وينتظرني. سيأتيك الان".
    وأنهيت المكالمة ونظرت نحو الباب في انتظار عودة وليد... ولكنه لم يعد. أخذ القلق والخوف يتفاقمان في صدري... وإن هي إلا دقائق حتى عاودت الاتصال بسامر وأخبرته بأن وليد لم يعد ورجوته أن يوافيني في الحال.
    فقال إنه قادم... وأقبلت نحو الباب في انتظاره... وعندما اقتربت نمه خيل إلي أنني سمعت صوتا من خلفه ففزعت... أصغيت بسكون... فتكرر الصوت وأجفل قلبي...
    "سامر؟؟"
    ناديت بحنجرة مخنوقة... ولم أسمع ردا... لكنني أحسست بحركة ما... وكأن أحدهم يقف خلف الباب مباشرة أو يستند إليه... سألت:
    "وليد؟"
    فسمعت صوته يرد:
    "نعم هنا".
    لقد كان وليد قلبي يقف خلف الباب... مستندا إليه...
    عندما سمعت صوته حلت الطمأنينة في قلبي... فألقيت بثقل جسمي على الباب... وخيل إلي... أنني أحسست بالحرارة تتخلله منبعثة من جسم وليد...
    يفصل بيني وبينه باب خشبي... وعشرات المشاكل ومئات الشحنات... والمشاعر المتضاربة والمواقف الملاطمة... والكلمات القاسية... والمعاملة الجافة... التي أثخن قلبي وجسدي بخدوشها قبل قليل...
    تلمست كتفي... فألفيت الألم قد انقشع... وتلمست الباب فوجدته دافئا وحنونا... وألصقت أذني به... فتوهمت أنني أسمع نبضات قلب وليد... تناديني...
    أفقت من أوهامي على صوت خشن زاجر... أصدره وليد...
    "أقول لك انتظرني ها هنا فتذهب إلى الحلاق؟؟"
    ثم أتى رد بصوت سامر:
    "لم أتوقع أن تنهيا الحوار بهذه السرعة كما وأنني لم أشأ الوقوف هكذا كالبواب".
    فقال وليد متضايقا:
    "قلت لك إنني لن أطيل الكلام وكما ترى فالوقت ليل ولا يزال أمامك مشوار إعادتها... تعرف أن التجول محظور اخر الليل هناك.."
    ثم سمعت صوت المفتاح يدخل في ثقبه فابتعدت بسرعة...
    كان سامر هو من فتح الباب فدخل ولم أر أحدا من خلفه... استدار للوراء ثم التفت إلي وأغلق الباب من بعده وسألني:
    "هل أنت بخير؟؟"
    أجبته:
    "نعم".
    فاقترب وهو يحملق في عيني ويرى أثر الدموع ثم سأل:
    "ماذا قال لك؟؟"
    فطأطأت برأسي ولم أجبه. فألح علي بالسؤال غير أنني اعتذرت عن الإجابة....
    قال:
    "إذن الموضوع سري بينكما؟"
    ألقيت نظرت سريعة عليه ثم نظرت إلى الأرض لأبعد عيني عن عينيه... خشية أن يكتشف شيئا...
    سأل برجاء:
    "ألن تخبريني؟"
    فلم أرد...
    كيف أخبرك وبم؟؟! سيضرب هذا على وترك الحساس المؤلم... أأقول إن حسام عرض على وليد الزواج مني...؟؟
    احترم سامر موقفي وقال متراجعا:
    "كما تشائين. إنما أردت المؤلزرة. فإذا ما أساء إليك أخي بأي شكل فأخبريني حتى أوقفه عند حده".
    فشددت على قبضتي ولم أتفوه بشيء...
    بعد ذلك... أعادني سامر إلى منزل خالتي... ولأن المسافة بين المدينتين التجارية والصناعية طويلة نسبيا, فقد وصلنا في ساعة متأخرة من الليل...
    أما وليد فكان قد اختفى فور ظهور سامر عند باب الشقة... ولا أعرف إن كان قد عاد إلى مزرعة الشقراء أم أنه بات في شقة أخيه تلك الليلة...
    وجدت خالتي ونهلة في انتظاري وعيونهما ملأى بالتساؤلات... أخبرتهما بأنه لا شيء يستحق القلق وذهبت إلى غرفتي فتبعتنب نهلة... والتي سهرت في انتظار عودتي على نار هادئة لتعرف ما حصل...
    "لا شيء".
    تعجبت من قولي وسألت:
    "لا شيء؟؟ كل هذا الوقت وتقولين لا شيء؟؟"
    أجبت:
    "تعرفين... الوقت ضاع في قطع المسافة من هنا إلى شقة سامر... ذهابا وإيابا".
    سألتني بصبر نافذ:
    "المهم ماذا حدث وفيم تكلمتما؟ وهل تصالح معك..؟؟"
    أجبت بإعياء:
    "أسكتي يا نهلة أنا متعبة ولا طاقة لي بالحديث".
    وألقيت بثقل جسمي على السرير... ومددت أطرافي... لكن نهلة لم تعتقني:
    "أرجوك يا رغد أخبريني بما حصل الفضول يخنقني؟؟"
    قلت أخيرا وأنا أنظر إلى السقف وأتنفس الصعداء باسترخاء بعد كل ذلك التوتر...:
    "تشاجر معي.. فجر صواريخ فتاكة في وجهي.. وهددني بأن.."
    قالت نهلة بلهفة:
    "بأن ماذا...؟ أكملي!؟"
    فوجهت بصري نحوها وقلت:
    "بأن يهشم عظام حسام إن عاود طرح موضوع الزواج ثانية..."
    حملقت بي نهلة بدهشة... ثم قالت مستنتجة:
    "هكذا إذن.."
    ثم أضافت:
    "تهديد صريح اخر..."
    حينها قلت بجدية وصراحة:
    "إنه ينوي شرا.. أخبري حسام بأن يبتعد عني وأن يلغي الفكرة نهائيا من رأسه لينجو بنفسه..."
    غضبت نهلة من كلامي الصريح الجارح.. وقالت وهي تستدير مغادرة:
    "أخبريه أنت بذلك.. أنا لن أجرح أخي بهذه القسوة.. أنت عديمة الإحساس".

    *************************
    رفض كل من أخي ورغد إطلاعي على موضوع الحوار الذي دار بينهما... لكني لم أسكت على الدموع التي رأيت اثارها في وجه رغد ليلتها...
    "حسنا... أنا لن أطلب منك إخباري بتفاصيل الموضوع وسأنسى أنني من جلبها وأعادها في قلب الليل وأن الحديث دار في شقتي أنا... لكنني لن أتغلضى عن جرحك لها وجعلها تبكي يا وليد".
    نفثت كلامي بانفعال أمام أخي, الجالس بصمت يشرب الماء البارد... ويبتلع قطع الجليد الصغيرة السابحة في الكأس.
    تجاهل أخي كلامي فغضبت وقلت:
    "أكلمك يا وليد ألا تسمع؟"
    نظر أخي إلي من خلال زجاج الكأس الشفاف الذي يحمله في يده وأجاب:
    "اسمع".
    فقلت:
    "إذن أخبرني.. لماذا جعلتها تبكي؟ لماذا تعاملها بخشونة؟"
    أجاب أخي:
    "ليس من شأنك يا سامر وأرجوك... أنا متعب كفاية... دعني أسترخي".
    فقلت مستنكرا:
    "ليس شأني؟؟ كيف تقول هذا؟ إنها ليست ابنة عمك وحدك..."
    وكأن الجملة أثارت أخي فقال بحدة:
    "الأمر لا يعنيك يا سامر فرجاء لا تتدخل".
    فقلت غاضبا:
    "بل يعنيني... أنا لا أتحمل رؤية رغد تبكي أو تتألم... ولا أسمح لك بأن تسبب لها هذا".
    وقف أخي فجأة... وألقى بالكأس بعنف نحو الأرض فتكسر...
    ثم صرخ غاضبا:
    "أما زلت تفكر بها؟؟...سامر ... أيها الأحمق... إنها لا تكترث بك".
    جفلت ولم أستطع التعقيب.
    اقترب أخي مني حتى صار أمام وجهي مباشرة وإذا به يسألني:
    "ألا زلت تحبها؟؟"
    ففارت الدماء في وجهي... لم أكن أتوقع منه هذا السؤال وهكذا مباشرة... أخي أمسك بذراعي بقوة وقال:
    "لقد رأيت ما تخفيه في خزانتك... يا لك من بائس... تخلص منها تماما... إنها لا تفكر بك.. ولن تعود إليك... لا تتعب نفسك... انسها نهائيا".
    وطعن كلام أخي على جرح قلبي مباشرة... فأبعدت يده عني فعاد وأمسك بي وأعاقني عن الحركة وقال:
    "أخرجها من رأسك نهائيا يا سامر... ولا تدافع عنها فهي خائنة وتستحق العقاب".
    عند هذا لم أتمالك نفسي ودفعت بأخي بقوة حتى ارتطم بالجدلر.
    وأوليته ظهري قاصدا الخروج من المكان غير أنه أمسك بي فجأة وجذبني في اتجاهه ولوى ذراعي...
    وهو يقول:
    "أجب على سؤالي أولا".
    حاولت الفكاك منه ولكنه كان يطبق علي ويعيق حركتي كلما أردت التملص.
    هتفت:
    "اتركني وليد".
    رفست بطنه بركبتي حتى أبعده عني. وبصراحة رفستي لم تكن قوية... لكن أخي أطلق صرخة ألم واندفع مبتعدا عني... وأمسك ببطنه وراح يتلوى. ثم إذا به يجثو على الأرض بالضبط فوق شظايا الكأس المكسور دون أن ينتبه لها... ويحني رأسه إلى الأرض ويتقيأ الماء الذي شربه قبل قليل... ممزوجا بالدم...
    هلعت لمنظر أخي... وأقبلت إليه قلقا ومددت يدي نحوه, غير أنه أبعدها بفظاظة وأخذ يتلوى... وأخيرا نهض وسار نحو الباب.
    "إلى أين؟؟"
    فالوقت كان قد تجاوز الواحدة ليلا... ويفترض به المبيت عندي... ووضعه لا يسمح بالمغادرة...
    تبعته وحاولت استيقافه إلا أنه صدني وغادر الشقة...
    وقبل غروب الشمس التالية اتصل بي وأخبرني بأنه في طريقه إلى المطار...
    مسافرا إلى الجنوب.
    سافر أخي إلى المدينة الساحلية... وغاب عنا بضعة أسابيع...
    جاء سفره مفاجئا ودون سابق تخطيط وتهيئة... وتوقعت أن أواجه موقفا صعبا مع رغد لدى إبلاغها عن هذا... فكتمت النبأ عمدا في البداية...
    وفي الاونة الأخيرة لاحظت أن رغد لحد ما قد هدأت... أعني أنها لم تعد تثور وتغضب بسرعة... بل بدت مستسلمة لما نقوله لها بدون جدال... صحيح أن حالتها هذه لم ترضني لكنها على الأقل أفضل من التهيج الشديد الذي سبقها, وكذلك أبدت تجاوبا جيدا مع برنامج العلاج في المستشفى وحضرت المواعيد التالية بلا اعتراض...
    والأهم...أنها توقفت عن الاتصال بهاتف وليد وعن السؤال عنه... اعتقدت أن مادرا بينهما تلك الليلة قد أراحها بشكل ما... وأن اعتقادها أن وليد في الجوار هدأ نفسيتها...
    وخشيت إن أنا كشفت لها حقيقة سفره الان أن تتقلب بها الأحوال, فواصلت كتم النبأ إلى أن حل هذا اليوم... والذي قرر فيه الطبيب أخيرا نزع جبيرة يدها...
    بعد أن نزعت الجبيرة... وحركت رغد يدها... رأيت ابتسامة تشع على وجهها ولأول مرة مذ قدمت إلى المدينة الصناعية.. وبمجرد أن غادرنا عيادة الطبيب قالت لي:
    "سأتصل بوليد وأخبره بأنني أستطيع تحريك يدي كالسابق, لا بد وأنه سيفرح للخبر!"
    واستخرجت هاتفها واتصلت به ولم يرد, فحمدت الله في داخلي... لكنها سرعان ما فكرت بالاتصال بالمزرعة والسؤال عنه... حينها لم أجد مناصا من إطلاعها على الحقيقة...
    ساعتها تجهم وجه رغد واختفت تماما اثار الابتسامة التي عبرت على وجهها قبل قليل... أحسست بالندم على تسببي بقتل بهجتها القصيرة... ولكي أشجعها ادعيت أن وليد قد أعرب لي عن عزمه اصطحابنا معه في المرة المقبلة... ولم يكن هناك جدوى من ادعائي.
    ومضت الأيام والأسابيع وهي على حالها من الكابة وفقدان الاهتمام بأي شيء.. حتى أنها نحلت أكثر مما هي نحيلة وانطوت على نفسها أكثر مما هي منطوية وما عدت أطيق رؤيتها بهذه الحال...
    الشيء الوحيد على الأقل.. الذي صرفت إليه بعض الاهتمام... كان الرسم, ولكي أشجعها على الانشغال به وطرح الأحزان جانبا جلبت لها عدة الرسم كاملة, ووعدتها كذلك بشراء حاسوب محمول مع ملحقاته وكتبه... عما قريب...
    أما وليد فكما فاجأني بسفره فاجأني بعودته ذلك اليوم...

    تعليق

    • *مزون شمر*
      عضو مؤسس
      • Nov 2006
      • 18994

      رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

      الله يعطيك العافيه

      تعليق

      • Loli.
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 5514



        • أيـــام .. كانت أيام :(


          تليغرامي للإقتباسات
          اضغط هنا


          .

          شيخة قلبه سابقا

        رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

        يعافيك ربي غلاتي
        منوره

        تعليق

        • Loli.
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 5514



          • أيـــام .. كانت أيام :(


            تليغرامي للإقتباسات
            اضغط هنا


            .

            شيخة قلبه سابقا

          رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

          صدمت للوهلة الأولى عندما دخلت شقتي ورأيته جالسا يشاهد التلفاز... وقد كان وجهه شاحبا هزيلا ملتحيا, وقد خسر جسمه عدة أرطال.
          ولا لم يبد أنه قد حلق شعره أو ذقنه منذ لقائي الأخير به قبل أربع أسابيع...
          وقف ليحييني ويصافحني, فحييته وسألته:
          "ماذا حل بجسدك؟؟!"
          فابتسم ورد:
          "القرحة حرمتنا من الطعام..."
          فسألت:
          "هل تراجع طبيبا؟"
          فأجاب:
          "لا وقت لذلك, العمل مضغوطا جدا وبالكاد نتنفس".
          وتبادلنا حديثا قصيرا عرفت فيه أنه عائد من أجل شؤون عمل تتطلب توقيع زوجته شخصيا على بعض الوثائق الهامة...
          "ولكن.. ألست موكلا للتصرف بكل شيء... توكيلا شاملا ورسميا".
          فأجاب:
          "بلى, لكن هناك بعض الاستثناءات الضرورية".
          أطرقت برأسي برهة, وراودني سؤال طارىء لم يسبق لي أن طرحته على أخي:
          "متى ستتزوجان؟"
          ألقى علي أخي نظرة لا مبالاة, ثم أدار وجهه بعيدا عني... واستخرج من أحد جيوبه قرصا دوائيا وضعه في فمه. ثم جذب نفسا عميقا ثم قال:
          "إنني أريد على الأقل.. أن تسير أمور المصنع كما يجب. أروى لا تفكر في حجم الخسائر التي ستلم بثروتها إن هي بقيت عالقة في الشمال وأملاكها مزروعة في الجنوب.
          لولا السيد أسامة المنذر بعد الله لفاتها الكثير.. ليس جميع موظفي المصنع والشركة بأمانة المنذر... يجب أن يبقي صاحب الأملاك عينه مفتوحة على ثرواته... يجب أن تعود إلى الجنوب".
          فهمت حرص أخي على أموال زوجته, وتفانيه في العمل لأجلها, وقلت:
          "البركة فيك يا أخي".
          فنظر إلي وأوشك أن يقول شيئا لكنه تراجع والتزم بالصمت.
          ثم عاد وقال:
          "أنا لا أريد العيش وحيدا هناك... أريد عائلتي من حولي... المنزل كبير وكئيب..."
          فانتهزت الفرصة وسألت:
          "ماذا عن عودتنا أنا ورغد؟"
          وكأن السؤال أوجعه أو صب خل الليمون الحامض على معدته فإذا بي أرى وجهه يتألم ويده ترتفع إلى موضع معدته وفمه يطلق اهة مريرة...
          قلت قلقا:
          "أأنت بخير؟"
          وما كان من وليد إلا أن وقف واستدار باتجاه الباب... قال أخيرا وهو ينصرف:
          "ليس بعد... دعهم ينزعون جبيرة رجلها أولا... أراك لاحقا".
          عندما وصل إلى الباب توقف واستدار إلي وقال:
          "لا تخبرها عن حضوري".

          *****************************

          تعليق

          • Loli.
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 5514



            • أيـــام .. كانت أيام :(


              تليغرامي للإقتباسات
              اضغط هنا


              .

              شيخة قلبه سابقا

            رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,


            تتمه
            ذات نهار... وفيما أنا حبيسة في غرفتي لا أفعل شيئا غير محاولة تذكر ملامح وجوه أحبابي البعيدين... ورسمها على الورق... أمي... أبي... دانة... ووليد... وليد قلبي الحبيب الغائب... طرق الباب...
            "رغد هل أنت مستيقضة؟"
            وكان صوت حسام. أجبته بنعم, فأخبرني بأن لديه ما يعطيني إياه...
            طبعا كنا أنا وهو نتحاشى الجلوس أو التحدث معا قدر الإمكان... بعد الذي حصل...
            أغلقت كراستي وقمت وارتديت حجابي وقتحت الباب فرأيته يحمل صندوقا ورقيا كبيرا وثقيلا على ما بدا...
            سأل:
            "أين أضعه؟؟"
            قلت مستغربة:
            "ما هذا؟"
            فأجاب مستغربا:
            "أليست أغراضك داخل الصندوق؟"
            سألت متعجبة:
            "أغراضي أنا؟"
            فقال:
            "بعث به ابن عمك..."
            وتذكرت الحاسوب المحمول الذي وعد سامر بشرائه لي بعد نزع جبيرة يدي...
            واستنتجت أن يكون هذا هو...
            قال حسام:
            "أين أضعه؟ فهو ثقيل ولن تستطيعي تحريكه".
            قلت وأنا أشير إلى الطاولة الصغيرة عند الزواية:
            "هناك من فضلك".
            وسرت خلفه وأنا أقول:
            "لا بد أنه الحاسوب المحمول..."
            وضع حسام الصندوق على مكتبه وهو يسأل:
            "حاسوب؟ عظيم!من أي شركة؟"
            وأخذ يطالع جوانب الصندوق بحثا عن أي معلوملت ولم نجد شيئا قلت:
            "افتح لنرى".
            وبادر حسام بفتح الصندوق, ودهشنا حين وجدنا محتواه مجموعة من الكتب والمجلات الكراسية... وأدوات الرسم...!
            استخرجت الكتب وإذا بها نسخا عن بعض كتبي الدراسية!!
            أخذت أقلبها متعجبة وقلت:
            "هذه... كتبي الدراسية!!"
            وعدت أتأمل المجموعة وأستخرجها واحدا بعد الاخر... وأسترجع ذكريات الدراسة... وأنا أقول:
            "أنا لم أطلب هذا من سامر! كيف عرف بأسمائها؟؟"
            وسمعت حسام يجيب:
            "وليد من بعث بها".
            التفت إليه غير مستوعبة:
            وليد!؟... وليد؟؟
            اسم عادي.. أسمعه عشرات المرات في اليوم.. بيني وبين نفسي.. أو بين وجهي وصورته في المراة... أو بين قلمي وكراستي ورسماتي... أو حتى من لسان أي شخص من حولي... وليد... هو الاسم الذي يلفظه قلبي مع كل نبضة ويزفره صدري مع كل نفس.. اسم معتادة حواسي على استقباله كل حين... لكن العجب كل العجب... أن يقشعر جسدي فجأة.. حالما لفظ هذه المرة..
            فجأة... إذا بي أحس بطوفان هائل من الدماء يصعد إلى وجهي ويجتاح قسماته... ويوشك على تدمير ملامحه وطمس معالمه...
            تقول وليد؟؟!! وليد؟؟؟
            سألت... وأنا بين تصديق وتكذيب أذني... فهي لكثرة ما تاقت للسماع عنه أو منه, صارت تتوهمه صحوة أو غفوة:
            "وليد!!"
            حسام قال... وهو يتأمل التحولات التي طرأت على تعبيراتي:
            "نعم.."
            قلت متلعثمة... وأنا أشير إلى الصندوق:
            "ت... تعني... أن... إن هذا من عند... وليد؟؟"
            رد:
            "أجل..."
            وأعدت التحديق في محتويات الصندوق... واستخراجها وتلمسها... وكأنني أبحث عن بقايا بصمات وليد عليها...
            اه يا وليد... تبعث إلي بكتبي الدراسية وأدوات رسمي... لا زلت تهتم بي... نعم أنت كذلك... أنت كذلك...
            ولو لم يكن حسام إلى جانبي ساعتها لأكببت على الصندوق وما حوى مصافحة ومعانقة...
            التفت إلى حسام وسألته:
            "ولكن... كيف بعثها؟؟ بالبريد؟"
            فنظر حسام إلي نظرة هادفة ثم قال:
            "أحضرها بنفسه".
            عفوا؟؟
            ماذا تقول؟؟!
            حملقت في حسام مطالبة بأن يعيد الجواب... فأنا اليوم صماء ولا أسمع...
            "أحضرها... بماذا؟؟ بال... بالبريد؟؟"
            ونظرت إليه منتظرة أن يقول نعم, لأنني لن أصدق غير ذلك, لكنه قال:
            "بنفسه".
            ملأت الدهشة عيني ورددت:
            "بنفسه؟؟"
            فأومأ نعم... فسألت بسرعة:
            "ماذا تعني؟؟ وليد... وليد جاء... إلى هنا؟؟"
            فأومأ بنعم... شهقت ورفعت يدي إلى صدري تلقائيا... ربما لأهدىء من الاضطراب المفاجىء الذي اعتراه...
            "لكن... اه... كيف؟؟ وليد مسافر... إنه... إنه..."
            فقال حسام:
            "إنه من جلبها وقد استلمتها من يده مباشرة".
            هتفت وأنا مذهولة:
            "متى؟؟!!"
            أجاب:
            "الان".
            قلت وعيناي ينفتحان أوسعهما:
            "الان!!"
            قال وهو يرى انفعالي:
            "نعم. اتصل بوالدي قبل قليل وقال إنه سيمر لإيصال شيء لك".
            انتفض جسمي.. وقلت مرتبكة:
            "هل.. تعني.. أنه.. كان هنا؟؟ كان هنا؟؟"
            حسام نظر إلي نظرة حادة ثم أجاب:
            "تركته واقفا مع أبي في الفناء.. وأتيت أسلمك الصندوق".
            ارتج دماغي إثر ذلك.. ترنحت في وقفتي كما لو كنت أقف على كرة متدحرجة...
            وليد هنا؟؟ هنا؟؟
            حسام رأى التعبيرات القوية على وجهي.. وراني وأنا أندفع فجأة مهرولة نحو الباب... وأسير بسرعة... بسرعة... بكل ما أوتيت على ضعفي من قوة... بسرعة... قبل أن يرحل وليد...
            سمعت حسام يلحق بي ويناديني.. لكنني تجاهلته وسرت عرجاء واطئة على رجلي المصابة ورافعة ثقلها مرة... ومستندة إلى عكازي مرة أخرى.. متجاهلة الألم الذي اشتعل في رجلي كصعقة الكهرباء... فقط لأدرك وليد قبل أن يرحل...
            وأخيرا وصلت إلى الباب الرئيسي للمنزل.. وما إن فتحته حتى رأيت عمي أبا حسام مقبلا نحوه...
            قلت بلهفة:
            "أين وليد؟؟"
            استدار للوراء ينظر إلى من كان يقف بجواره قبل قليل... نظرت إلى بوابة السور الخارجي فرأيت وليد يفتح البوابة الخارجية على وشك الخروج...
            هتفت بأعلى صوتي:
            "وليد..."
            خشيت أن يكون صوتي قد خرج هزيلا بالكاد لامس الهواء قرب فمي.. لكنه وصل إليه.. رأيته يتوقف ويستدير...
            خرجت عبر الباب وهبطت العتبات بسرعة متجاهلة ألم رجلي... وهرولت وأنا أعرج حافية.. أدوس على الرمل والحصى... وبقايا أوراق وأغصان الأشجار العالقة في الممر... قاطعة المسافة الطويلة بين البوابتين... حتى صرت قريبة منه... للحد الذي... لو تخطيته... لانصهرت من وهج حرارته...
            كان الوقت ظهرا.. والشمس حارة.. وقوية السطوع.. تعشي العين عن الرؤية.. وحاربتها حتى أرسل نظراتي إلى وليد...
            نعم... إنه وليد... بدمه وجسمه... بطوله وعرضه... بكيانه وهيئته... والهالة من اللهب الأحمر المتوهج... التي تحيط به...
            كان يضع نظارة شمسية تخفي عن شوقي أي نظرة انتظرت أن أصافحها في عينيه.. بعد فراق طويل قاس...
            وكان شعره طويلا بعض الشيء ومبعثر... لاعبه النسيم الصيفي الحار لحظة هبوبه...
            وليد بقي واقفا في مكانه.. لم يتحرك.. ولم يظهر أي حركة تشير إلى أنه يكترث لظهوري...
            وقفت أسترد أنفاسي التي نهبت مذ علمت بوجوده.. وأحاول خرق نظارت السوداء ورؤية ما تخفيه عدستاها خلفهما...
            لم أر شيئا..
            اقتربت منه أكثر.. صرت أمامه.. تفصلني عنه بضعة أمتار...
            وقفت صامتة لا أعرف ماذا أقول.. من أين أبدأ وأين أنتهي؟؟دعوني... فقط أتأمل وليد... وأملأ قلبي من الإحساس الجميل الذي ينتابني بقربه...
            ماذا حل به؟ لماذا لا أستطيع التحدث؟؟ هيا يا لساني انطلق.. أما اكتفيت حرمانا؟؟ أرجوك... قل شيئا...!
            "وليد.."
            نطقت باسمه وعيناي توشكان على التهامه.. وأذناي على أهبة الاستعداد لخطف أي كلمة تصدر من لسانه قبل مغادرة فمه...
            "وليد... أأأ.. لم أعلم أنك هنا".
            لم يرد..
            قلت:
            "كنت.. أعتقد أنك... مسافر".
            لم يرد..
            قلت:
            "متى عدت؟"
            أجاب أخيرا:
            "قبل أيام".
            قبل أيام؟؟ أنت هنا منذ أيام... وأنا لا أعرف؟؟
            قلت:
            "لم...يخبرني سامر عن عودتك...!!"
            ثم أضفت:
            "حمد لله على سلامتك".
            رد مقتضبا:
            "سلمك الله".
            انتظرت منه أن يخبرني عن أي مبرر لعدم إحاطتي علما بعودته... أو بمجيئه إلى منزل خالتي الان... ولما لم أر منه المبادرة لشيء سألت:
            "و... كيف هي أحوالك؟"
            فنطق مجيبا ببرود:
            "بخير".
            ولم يسألني عن حالي أنا...
            سمعت صوت باب المنزل فالتفت إليه ورأيت حسام وأباه يقفان هناك... يراقبانني عن بعد..
            وعندما عدت بنظري إلى وليد رأيته وقد مد يده إلى قبضة البوابة يوشك على فتحها.
            قلت:
            "هل أنت مستعجل؟ هل ستذهب الان؟؟"
            قال:
            "مررت لجلب الكتب قبل سفري".
            توقف قلبي عن النبض وانحشرت أنفاسي في صدري...
            قلت مذهولة:
            "ستسافر؟؟"
            قال:
            "نعم".
            قلت:
            "متى؟"
            أجاب:
            "غدا".


            تعليق

            • Loli.
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 5514



              • أيـــام .. كانت أيام :(


                تليغرامي للإقتباسات
                اضغط هنا


                .

                شيخة قلبه سابقا

              رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

              صعقني الخبر... ستسافر يا وليد؟؟ هكذا.. دون أي اعتبار لي؟؟ دون أن تخبرني لا عن حضورك ولا عن سفرك.. دون أن تفكر بالمرور علي ولو لإلقاء تحية عابرة؟؟
              نفضت يدي من الرمال التي علقت بهما, ثم مددتها إلى السور المحيط بالأشجار والمجاور لي واستندت عليه محاولة الوقوف لكن قواي المنهارة بسبب وليد لم تسعفني..
              اقترب وليد مني أكثر.. ورأيته ينحني ويمد يد العون لي..
              نظرت إليه بتدقيق.. لم تمكنني النظارة من رؤيتة ما كنت أبحث عنه...
              مددت إليه يدي اليمنى... والتي كانت مجبرة فيما مضى... وطليقة الان...
              وأحسست به يتردد قبل أن يقرب يده يريد الأمساك بها ليساعدني على النهوض.. غير أنني تجاوزت يده ومددت يدي أكثر نحو وجهه.. وانتزعت نظارته...
              الان.. يمكنني أن أسبح في بحر عينيه.. الان.. أستطيع أن أغوص في أعماقه وأبحث عن نبضاته.. عن الحنان الذي يغلفني به.. عن الرعاية التي يحيطني بها.. عن العطف الذي يغمرني به..
              لكن.. للذهول.. لم أقرأ شيئا من هذا في عينيه..
              كانتا باردتين برود الرياح المثلجة في القطب الجنوبي.. جامدتين جمود الجبال الجليدية... خاليتين من أي دفء.. أي شوق.. أي اهتمام.. وأي معنى..
              ارتجف فكي الأسفل من برودة وليد... التي أوشكت أن تصير صيف ذلك النهار شتاء قاسيا... اهتز قلبي... وارتعدت يدي فأوقعت النظارة أرضا..
              كان حسام قد وصل يتبعه أبوه.. يسألاني إن كنت بخير..
              وليد سحب يده التي كانت ممدودة إلي.. ومدها إلى النظارة يريد التقاطها...
              فحركت يدي وأمسكت بيده أريد أن أشعر بأي ذرة دافئة فيه..
              وليد أراد أن يسحب يده فأحسست به يستل خنجرا كان قد طعنه في صدري..
              لم أقو على ذلك.. فاضت الدموع في عيني وهتفت وأنا أجذب يده وأنهض معتمدة عليها وأقول منهارة أمامه:
              "لا تفعل هذا بي يا وليد... أنا لا أتحمل.."
              وزفرت زفرات باكية بألم وأنا متشبثة بذراعه وهو واقف كشجرة جامدة... لم يحرك ساكنا...
              سلطت النظر على عينيه... والان.. أرى فيهما الكثير.. الكثير..
              إنهما عينا وليد قلبي اللتان ما فتئتا تحيطاني بالرعاية منذ طفولتي...
              ورأيت الحمرة تعلوه وزخات من العرق تسيل على صدغيه.. أهذا بسبب الشمس الحارقة؟؟ أم بسبب النار المضرمة في صدري أنا..؟؟
              قلت وأنا متعلقة بذراعه:
              "خذني معك..."
              علت الدهشة وجه وليد فقلت:
              "أريد العودة معك.. إلى بيتنا".
              وليد نظر إلي من خلفي ثم عاد إلي وأراد تخليص ذراعه من يدي..
              فما كان مني إلا أن شددت الضغط عليها أكثر وقلت:
              "خذني معك أرجوك".
              وليد قال:
              "إلى أين؟"
              قلت مندفعة:
              "لا يهم. سأذهب معك إلى أي مكان".
              وليد أزاح يدي عن ذراعه.. ورأيت عينيه تلقيان نظرة عليها وشعرت بيده تشد بلطف عليها... ثم تركها ورجع خطوة للوراء.. وقال:
              "يجب أن أذهب الان.. زوجتي تنتظرني".
              واستدار موليا ظهره إلي وببساطة اختفى عن ناظري.. مثل السراب...
              زوجتي تنتظرني... زوجتي تنتظرني... زوجتي تنتظرني...
              لفت الجملة برأسي حتى أصبت بالدوار وترنحت وجثوت فجأة على الأرض...
              رأيت حسام يظهر أمامي منجنيا على الأرض وهو يقول:
              "هل أنت بخير؟؟"
              أغمضت عيني فأنا لم أقو على تحمل سطوع الشمس المعشية... وحالما فتحتهما لم أجد غير حسام قريبا مني...
              بحثت يمنة ويسرة...
              هل كنت أحلم؟؟
              هل كان وليد هنا؟؟
              لا لم يكن..
              كان وهما.. خيالا.. تهيؤا رسمه قلبي الشغوف به وعيني الملتهفة للقائه..
              نظرت إلى البوابة... إلى الحيز الذي توهمت أن وليد كان يشغله قبل قليل... تمنيت لو أن طيفه بقي عالقا هناك... أردت أن أنهض وأعانق جزيئات الهواء التي لامست جسده... لكنني عجزت عن الانهيار بجذعي على السرور...
              سمعت صوت حسام يناديني... وأحسست بيديه تمسكان بي... نظرت إليه فإذا بي أراه يحملق بي وعطف... ويقول:
              "لا بأس عليك... هلمي بنا إلى الداخل".
              وساعدني على النهوض... وفيما أنا أنهض لمحت نظارة شمسية سوداء ملقاة على الأرض بالقرب مني...
              التفت إلى حسام وسألت بضياع:
              "هل كان وليد هنا؟؟"
              ولم يقل حسام شيئا... فانحنيت والتقطت النظارة وتأملتها وهتفت:
              "لقد كان وليد هنا... لقد تركني ورحل... رحل مع الشقراء... لماذا فعل هذا بي؟؟ لماذا تركني؟؟"
              حسام جذب النظارة من يدي وألقى بها على العشب وقال:
              "تخلصي من هذا يا رغد... إنه لا يستحق".
              أطلقت صيحة من أعماق قلبي وهتفت:
              "كلا... كلا... وليد لن يرحل بدوني... لن يرحل بدوني... لن يرحل بدوني..."
              *******************************************

              تعليق

              • Loli.
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 5514



                • أيـــام .. كانت أيام :(


                  تليغرامي للإقتباسات
                  اضغط هنا


                  .

                  شيخة قلبه سابقا

                رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                الحلقة السابعة والأربعون
                تحت جناحك مهما يكن
                في طريق عودتنا من مكتب الشؤون المدنية القابع في المدينة الصناعية حيث استخرجنا بعض الوثائق اللازمة للعمل, مررنا على منزل خالة رغد وقال وليد إنه سيوصل إليها بعض الحاجيات. وبعدما إلى المزرعة لاحظت شرود وانشغال باله.
                ولكي أكون دقيقة أكثر أقول إنني لاحظت ذلك منذ أن غلدر وليد منزل خالة رغد.
                كان وليد قد عاد قبل يومين من المدينة الساحلة جالبا معه حقيبة عمله من الأوراق والوثائق المهمة التي يريد مني الاطلاع عليها وقبولها ورفضها.
                حسابات... عقود... فواتير... مشاريع... وأشياء مزعجة اعتاد وليد على أن يقحمني فيها حينما كنا في المدينة الساحلية.
                شؤون العمل هي كل ما دار نقاشنا حوله خلال الأيام القليلة التي قضاها هنا... ولم نتحدث عن أي شيء اخر... وكأننا لسنا خطيبين... فرقت بينهما عدة أسابيع والتقيا أخيرا...
                وها هو الان يستعد للمغادرة ويأخذ حقيبته من فوق المكتب ويخطو وسط الغرفة... باتجاه الباب.
                كان يريد الذهاب إلى أخيه ليقضي الليلة معه وليصطحبه إلى المطار غدا.
                كنت أراقبه بصمت وتأمل... ولاحظ هو تحديقي به فتوقف وسأل:
                "أهناك شيء؟"
                هناك أشياء كثيرة ولكن لا مجال لطرحها الان.
                أجبته بعد تردد:
                "لا...لاشيء... فقط... لم لا تقضي الليلة هنا؟؟"
                فنظر إلي نظرة ذات مغزى... فقلت:
                "سأعد لك عشاء معتبرا...لا يبدو أنك تأكل شيئا منذ أسابيع".
                وخشيت أن يستسخف الفكرة لكنه لم يشأ إحراجي فقال:
                "لا بأس... لكن يجب أن يكون عشاء مبكرا... إذ سيتعين علي الخروج باكرا صباحا".
                فابتسمت بسرور وانصرفت من فوري إلى المطبخ وعملت بنشاط...
                وفيما أنا منشغلة مع طهوي أقبل خالي إلى المطبخ..
                "هل تكلمتما؟"
                مشيرا إلى موضوع زواجنا المعلق. فمنذ يوم طلبت منه أن ننفصل وحتى يومنا هذا وليد لم يفتح الموضوع ولم يخبرني عن قراراته ولا ما يجول بخاطره... ولم يجمع بيننا لقاء خاص أو حوار خاص... أو حتى سفرة طعام... وفاة والدتي رحمها الله شغلتنا عن التفكير بأنفسنا.
                علاقتنا باردة كالثلج.. وهو وجد في العنل مهربا من التصادم معي... ولكن إلى متى؟؟
                أجبت أخيرا على سؤال خالي:
                "ليس بعد".
                فحزن ونهد. كان قلقا علي. قلت له:
                "إنه لم يقم هنا غير ثلاثة أيام... كان مشغولا مع الوثائق والأوراق... لم تسنح الفرصة".
                فقال خالي:
                "الشاب ينتظر منك أنت فتح الموضوع يا بنيتي فهو لن يجرؤ على هذا في ظل ظروفنا الحالية".
                قلت بصراحة:
                "لا أعرف من أين أبدأ ولا كيف... أنا مشوشة جدا يا خالي وفقد والدتي أربك حياتي".
                وسكت برهة ثم واصلت:
                "استطعت دعوته للبقاء هنا الليلة... وتناول العشاء معي... سأحاول أن ألمح للموضوع أثناء ذلك... وأرى إن... كان على استعداد للتطرق إليه الان..."
                شد خالي على يدي وقال:
                "أصلح الله أمركما وبارك فيكما... تشجعي بنيتي..."
                ثم غادر...
                تركت الطعام ينضج على النار... وذهبت إلى حيث وليد... كان جالسا في غرفة المعيشة يطالع الصحيفة باهتمام... وقد ترك حقيبة سفره على المقعد بجانبه.. هممت بأن أقترب منه وأبعد الحقيبة وأجلس بجواره... ولكن خانتني شجاعتي... لما انتبه وليد لحضوري قال معلقا على خبر قرأ في الصحيفة:
                "سيحظرون الرحلات الجوية من جديد... لا نعلم لكم من الزمن... سيزداد الأمر سوءا ومشقة".
                وقطب حاجبيه استياء... وتابع القراءة...
                أردت التفوه بأي تعليق غير أن هاتفه سبقني بالرنين فأجابه وليد, وسمعته يتحدث باهتمام إلى الطرف الاخر والذي أدركت من مضمون الكلام أنه شقيقه يسأله عن موعد حضوره ثم يطلب منه أمرا ملحا...
                هتف وليد وهو يقف ملحا:
                "رغد؟؟"
                فأصغيت لحديثه باهتمام... وكانت اخر جملة قالها:
                "حسنا أنا قادم".
                وأنهى المكالمة. سألته بفضول:
                "خيرا؟؟"
                فنظر إلي نظرة سريعة ثم قال:
                "يجب أن أغادر الان... أنا أسف".
                أصبت بخيبة كبيرة... وقلت معترضة:
                "والعشاء؟؟"
                فقال معتذرا:
                "تناولاه بالصحة والعافية... لن أستطيع مشاركتكما".
                غضبت وقلت:
                "لقد أعددته من أجلك أنت يا وليد... ألا تقدر هذا؟؟"
                أطرق وليد برأسه ثم قال نعتذرا:
                "بلى يا أروى طبعا أقدر... لكن..."
                فقاطعته منفعلة:
                "لكن حبيبة القلب أولى بكل التقدير".
                نظر إلي وليد والدماء أخذة في الصعود إلى وجنتيه. ولم يجرؤ على التفوه بكلمة. أما أنا فقد اختل ميزاني لحظتها وأطلقت لساني قائلة:
                "لم سكت؟ قل شيئا... ألست ذاهبا إليها؟"
                زفر وليد زفرة ضيق من صدره ثم قال:
                "سأذهب إلى شقيقي... يطلب حضور حلا والأمر مقلق".
                فقلت:
                "لكنه أمر متعلق برغد... أليس كذلك؟؟"
                ولم يجب فقلت:
                "لن يمكنك الإنكار".
                هنا قال:
                "لا أعرف ماذا هناك يا أروى... سامر لم يوضح لكنه أقلقني... ربما حدث شيء لا قدر الله".
                فقلت:
                "أو ربما الصغيرة الغالية تتدلل على وصيها الحنون النبيل!"
                نظر وليد إلي بانزعاج فقلت:
                "إنها بالمرصاد لأي شيء يسعدني... ألا تلاحظ هذا؟؟"
                زفر وليد الكلمات بضيق:
                "هذا ليس وقته... أرجوك..."
                وأولاني ظهره وتناول حقيبته هاما بالمغادرة...
                لم أتمالك نفسي حينها وشعرت بالإهانة والخذلان والغيظ, فهتفت مجنونة:
                "وليد... إذا خرجت الان فلا تعد إلى هنا ثانية".
                توقف وليد واستدار إلي... ورأيت في عينه دهشة ثم مرارة كبيرة... لكنني لم أستطع السيطرة على شعوري... في أحوج الأوقات إليه تركني وسافر... والان مع أول خطوة للتصالح بيننا وفيما أنا أشغل تفكيري وجهدي فيه ولأجله... يتركني وينصرف إليها...
                أشاح وليد وجهه دون تعليق وسار نحو الباب. فهتفت مجددا:
                "قلت... إذا خرجت فلا تعد ثانية... أبدا... هل سمعت؟"
                ولم يكترث بكلامي, فصرخت في غيظ:
                "هل سمعتني يا وليد؟؟"
                استدار انذاك بعصبية ونظر إلي وهتف بغضب:
                "نعم سمعت".
                ثم أضاف:
                "كم يؤسفني هذا منك... أولا أنا قلت سأذهب إلى شقيقي... يعني إلى المدينة التجارية وليست الصناعية والطريقان مختلفان ومتباعدان... وثانيا ليس بالوقت المناسب لتقليب المواجع... دعينا نفترق بسلام الان".
                كنت أشعر بأن جزءا من قلبي قد نزع بعنف قلت منهارة:
                "لن يكون هناك مرة قادمة... إذا خرجت الان فلا تعد... أنا لم أعد أحتمل... هذا كثير... أي نوع من الأزواج أنت؟؟"
                وهرولت منصرفة عن غرفة المعيشة وعائدة إلى المطبخ وأسندت جبيني إلى الثلاجة وأخذت أبكي...
                بعد قليل سمعت صوت وليد يناديني ولم أجبه... أحسست به يقف عند الباب ثم يقترب مني... ثم سمعته يقول لي:
                "أروى.. أرجوك... لاتزيديني هما على هم".
                واستمررت في ذرف عبرات الخذلان والأسف... إن الهم الأكبر هو هم امرأة تحب زوجها وتعرف أن قلبه مشغول بحب امرأة غيرها... هذا هو الهم الأدهى والأمر...
                قلت:
                "إذا كنت متعلقا بها لهذا الحد ولا تستطيع الاستغناء عنها فاذهب إليها... أنا لن أجبرك على البقاء معي ولا على حبي... ما حاجتي إلى رجل مشغول القلب بغيري...؟؟... اذهب... ولا تعد إلي ثانية".

                ********************************
                "أجل سفرك".
                نظر شقيقي إلي باستغراب ثم سأل:
                "عفوا؟؟ ماذا؟"
                فكررت مؤكدا والجد يملأ عيني:
                "أجل سفرك يا وليد ودعنا نسوي الأمور ونحل المشاكل أولا".
                قال بانزعاج:
                "أتجلبني من المزرعة إلى هنا مفزوعا على وجه السرعة... مسببا ما سببت هناك... لتقول لي أجل سفرك؟ يا سامر وضح ماذا لديك؟ وما بها رغد؟"
                أجبت بكل جدية:
                "أم تقل إنك لا تريد إخطارها عن حضورك؟ ألم أقل لك إن هذا سيحزنها؟؟ إذن لماذا ذهبت إلى بيت خالتها اليوم وقابلتها؟ وبطريقة جافة؟ ألا تعرف كم من الحزن سببت لها معاملتك هذه؟ إذا كنت قد ضقت ذرعا بها ولا تريد تحمل أعباء مسؤوليتها بعد الان ولا تطيقها بسبب خلافك مع أهلها فانقل الوصاية الكاملة إلي أنا ونهائيا".
                دوهم أخي وحملق في... وأنا أركز في عينيه بحدة وشدة...
                ثم سألني:
                "ماذا تعني؟؟"
                فأجبت منفعلا:
                "أعني أن تتنازل عن الوصاية عليها لي أنا... وأخلصك من هذا العناء تماما".
                وإذا بالحمرة تلون وجه وليد وإذا به يقول مهددا:
                "كيف تجرؤ؟؟"
                فأجبت بحدة:
                "على الأقل... أنا سأعاملها معاملة حسنة تليق بها كابنة عم وحيدة ويتيمة الأبوين".
                وقف وليد فجأة وهتف بغضب:
                "أتعني أنني لا أحسن معاملتها يا سامر؟"
                فوقفت تباعا ورددت بصوت قوي:
                "هل تسمي هذه القسوة والصرامة والخشونة... معاملة حسنة؟؟ وليد... لقد كنت أزورها قبل اتصالي بك... اتصلت بي الخالة وطلبت مني أن أذهب إليها... أخبرتني بأنك ذهبت إليهم ظهرا وقابلت رغد والله الأعلم ماذا قلت لها... وجعلتها تحبس نفسها في غرفتها منذ ذلك الحين ولا تفتح الباب لأحد... حاولت أن أكلمها لكنها طلبت مني الانصراف... أنا لا أعرف ما الذي قلته لها وجعلتها تحزن لهذا الحد... ثم تريد السفر بلامبالاة... وتتركني أنا أواجه الأمر وأرمم ما تهدمه أنت... أتسمي هذه معاملة حسنة؟؟"
                وليد نظر إلى ساعة يده... وبدا متوترا... ثم قال:
                "اتصل بها".
                ولم أتحرك... فقال وليد:
                "الان".
                فقلت:
                "أقول لك إنني قدمت من عندها قبل ساعتين وهي منزية على نفسها... وهاتفها مغلق منذ النهار".
                قال:
                "إذن اتصل بهاتف المنزل واسأل عنها ودعني أكلمها".
                بقيت واقفا في موضعي... أنظر إلى أخي بتشكك... ثم سألته:
                "أخبرني أولا... ما الذي قلته لها؟؟ لماذا ذهبت إليها؟؟"
                فأجاب مندفعا:
                "أنا لم أذهب لزيارتها بل مررت لسبب اخر... ولم أقل شيئا".
                فقلت:
                "إذن لماذا هي محطمة هكذا؟ لا بد أنك قلت أو فعلت شيئا جارحا حتى لو لم تدركه".
                وهذه الجملة استفزت أخي فهتف بغضب:
                "وهل تراني وحشا ذا مخالب وأنياب؟؟"
                قلت غاضبا:
                "لا أراك تقدر شيئا أو تفهم شيئا... ألا تعرف ما تعني لها وما يعني رضاك أو غضبك؟؟ إما أن تكون أعمى أو بلا إحساس... وفي كلتا الحالتين لا تصلح لرعاية رغد... فدعني أتولى أمرها بنفسي من الان فصاعدا".
                سكت وليد مبهوتا وتبعثرت نظراته ثم استجمعها واسترد رباطة جأشه وقال:
                "اتصل الان".
                ألقيت عليه نظرة مستهجنة ثم توجهت نحو الهاتف واتصلت بمنزل الخالة فأجابتني هي وعلمت منها أن رغد لا تزال حبيسة غرفتها وطلبت منها استدعاءها للتحدث معي فلم تستجب, وقلت لخالتي بأن تخبرها بأن وليد يريد التحدث معها ولكنها أيضا لم تستجب...
                حين وضعت السماعة على الهاتف رأيت أخي ينظر إلى ساعة يده ثم يقول:
                "إذن دعنا نذهب".
                انطلقنا من فورنا بسيارتي إلى المدينة الصناعية. عندما وصلنا إلى منزل أبي حسام لم يخرج وليد من السيارة بل قال:
                "تعال بها".
                التفت إليه وقلت:
                "لم لا تأتي معي ونسوي المشكلة مع العائلة الان؟"
                فرد:
                "ليس هذا وقته".
                وتركته في انتظاري في السيارة ودخلت إلى المنزل, لم تفتح رغد الباب إلا بعد أن أقسمت لها مرارا وتكرارا أن وليد قد حضر معي ويريد مقابلتها... وعندما فتحته ذهلنا للسواد الذي لون وجهها الكئيب حتى غدا مضاهيا لسواد وشاحها. نقلت بصرها بيننا ثم سألت:
                "أين هو؟"
                فأجبت:
                "ينتظرنا في السيارة".
                وبدا عليها عدم التصديق ونظرت إلى خالتها تبحث عن تأكيد فقالت أم حسام:
                "لقد أحضره سامر ولكنه لا يريد دخول منزلنا كما تعرفين".
                فأطرقت رغد برأسها وقالت:
                "أنتم تكذبون علي".
                وتراجعت خطوة بعكازها إلى الخلف فقلت بسرعة:
                "ولماذا سنكذب عليك يا رغد تعالي وتأكدي بنفسك".
                بعثرت رغد علينا نظرات التشكك ثم قالت:
                "إذا اكتشفت أنكم تخدعونني..."
                فقاطعتها الخالة:

                تعليق

                • Loli.
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 5514



                  • أيـــام .. كانت أيام :(


                    تليغرامي للإقتباسات
                    اضغط هنا


                    .

                    شيخة قلبه سابقا

                  رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                  "يهديك الله يا رغد... انظري إلى حالك وحالنا معك... اذهبي معه وارحمي نفسك وارحمينا".
                  ورافقتني رغد يدفعها الأمل خطوة ويوقفها الشك أخرى حتى صرنا أمام السيارة ورأت وليد بأم عينيها... نظرت إلي غير مصدقة فقلت مؤكدا:
                  "هل صدقتني الان؟"
                  ثم فتحت لها الباب الخلفي فجلست خلف مقعدي ورأيت أخي يلتفت إليها وسمعته يلقي التحية.
                  جلست على مقعدي والتفت إلى أخي وسألت:
                  "إلى أين؟"
                  فأجاب:
                  "جولة قصيرة".
                  وسرنا يرافقنا الصمت الشديد.... وربما كانت أفئدتنا تتخاطب وأفكارنا تتصافح دون أن نشعر بها.
                  بمحاذاة الكورنيش طلب مني أخي أن أوقف السيارة وأشار بيده نحو المقاعد الإسمنتية العامة قائلا:
                  "دعونا نجلس هنا قليلا".
                  وسبقنا بالخروج من السيارة والتوجه نحو المقاعد. التفت إلى رغد فرأيتها قابعة في مكانها والتوتر جلي على وجهها ويدها ممسكة بطرف وشاحها بانفعال.
                  سألتها:
                  "ألن تنزلي؟"
                  فأجابت بصوت وجل:
                  "ماذا... يريد؟؟"
                  فقلت مطمئنا:
                  "مم أنت خائفة؟ ألست تريدين التحدث معه؟؟ هو هنا لن يسمعك.."
                  وإن كنت غير واثق مما سيقوله... وإذ بدا على رغد التردد, شجعتها قائلا:
                  "فرصتنا لنقول كل ما نريد ونضع الحروف على النقط... طلبت منه أن يؤجل سفره حتى نحل المشاكل العالقة أولا..."
                  وأخيرا خرجنا من السيارة وذهبنا نحو وليد... ترددت رغد في الجلوس فأخرجت منديلا ومسحت المقعد لأنظفه وقلت:
                  "تفضلي".
                  وعندما جلسنا جوارها ثم التفت إلى وليد وقلت:
                  "ندخل في الموضوع مباشرة... يجب أن تؤجل رحلة الغد وتعيد الحسابات".
                  قال وليد:
                  "لا مجال... سفري ضروري للغاية".
                  ثم التفت نحو رغد وقال:
                  "لا يمكنني أن اخذك معي الان يا رغد".
                  وما كاد ينهي الجملة حتى انهارت رغد فجأة... وكأن جملة وليد كانت الدبوس الذي فجر البالون...
                  قالت وهي شديدة التهيج وتكاد تمزق طرف وشاحها المشدود بين يديها:
                  "أنا لست متواطئة مع خالتي... ولست راضية عما قالت... ولن أحدث أي مشاكل مع أروى بعد الان... سأهتم بدراستي فقط... لن أسبب لك أي إزعاج... وأي شيء سأحتاجه سأطلبه من سامر... سأبقى منعزلة في غرفتي أدرس وأرسم... وسأنفذ كل ما تطلبه مني... لكن أرجوك... دعني أعود إلى بيتي وجامعتي... فأنا ليس لي غيرهما ولا أريد أن أتشرد ويضيع مستقبلي أكثر من هذا أرجوك..."
                  وانخرطت رغد في بكاء قوي مؤثر... كأنها كانت تربطه عنوة على طرف حنجرتها وأفلت منها بغتة دفعة واحدة... كان منظرها مؤلما جدا...
                  وقفت كما وقف أخي وسرنا مقتربين منها... وصرنا أمامها مباشرة...
                  قال وليد:
                  "ما الذي تقولينه؟!"
                  فقالت رغد بنفس الانفعال:
                  "سأفعل ما تطلبه مني لكن لا تتركني هنا أرجوك... أعدني إلى بيتي وجامعتي... سأطلب من أقاربي أن يعتذروا منك... الان إذا شئت... وسأتصالح مع الشقراء وأنسى أنها من تسبب بإصابتي... قل لها أنني لن أزعجها أبدا ولن تشعر بوجودي في المنزل... أرجوك لا تذهب بدوني... أرجوك..."
                  كدت أبكي مع رغد... أخرجت مناديل وقدمتها لها تمسح دموعها وأنا أقول:
                  "كلا يا رغد أرجوك... تماسكي".
                  ونظرت إلى شقيقي فرأيته يحملق فيها مندهشا من سوء حالتها... ثم يجلس على المقعد بجوارها ويسند مرفقيه إلى ركبتيه وجبينه إلى كفيه ويجذب عدة أنفاس قوية ثم يلتفت إليها ويقول:
                  "رغد... أروى لن تأتي معي هذه المرة ولذلك لا أستطيع أخذك".
                  فالتفتت أيه رغد ومسحت دموعها...
                  تابع وليد:
                  "عندما تتحسن الأوضاع سنعود جميعا... لكن الان... صعب".
                  فقالت رغد:
                  "لماذا؟"
                  فأجاب أخي:
                  "قلت لك.. لأن أروى لن ترافقنا وهي ما تزال غارقة في الحزن على فقد والدتها رحمها الله... لا نستطيع الذهاب أنا وأنت وسامر... لن يكون هذا مقبولا لن توافق خالتك".
                  فقالت رغد بسرعة:
                  "لا تأبه بكلام خالتي".
                  فرد وليد:
                  "ليست خالتك فحسب... إن كان هذا تفكيرها هي فكيف بتفكير الاخرين؟"
                  فردت رغد:
                  "أنا لا ابه بتفكير أحد... أنت في مقام أبي.. وسامر أخي.. أنتما عائلتي الحقيقية وليس لي ملجأ غيركما".
                  وليد نظر إلي ليرى وقع الكلام على نفسي... فأرسلت نظري بعيدا عنه... ثم سمعته يقول:
                  "حسنا يا رغد عندما اتي في المرة المقبلة..."
                  ولم يتم كلامه لأن رغد قاطعته منفعلة:
                  "كلا.. لن يكون هناك مرة مقبلة... سأذهب معك الان... أرجوك لا تتركني".
                  فقال وليد:
                  "سأسافر باكرا يا رغد... لم نرتب لسفرك وسامر".
                  فقلت:
                  "أجل سفرك يوما أو يومين على الأكثر وسيكون كل شيئا مرتبا".
                  فالتفت أخي إلي وقال:
                  "لا يمكن. لدي اجتماع مهم للغاية صباحا.. أمر معد له بصعوبة منذ أسابيع".
                  فقالت رغد مصرة:
                  "ساتي معك".
                  فنظر وليد إليها وقد علاه الانزعاج وقال:
                  "يستحيل ذلك الان. سنناقش الأمر في المرة التالية".
                  فقالت رغد وهي تنهار مجددا وتفقد تماسكها:
                  "أنت تكذب علي... لا تريد أخذي معك... تماطل إلى أن أمل وأكف عن ملاحقتك... قلها صراحة يا وليد إنك لم تعد تريد كفالتي... تريد أن تتخلص مني حتى تكسب خطيبتك ويصفو لها الجو معك وحدك".
                  أصابتنا الدهشة من كلام رغد... ووقف وليد غاضبا وهتف بخشونة:
                  "ما هذا الكلام المجنون يا رغد؟"
                  فهتفت رغد:
                  "هذه هي الحقيقة.. لقد اخترتها هي وتنازلت عني..."
                  هنا أطلق وليد زجرة قوية:
                  "رغد يكفي".
                  بصوت عال وفظ جدا لدرجة أن رغد انتفضت فزعا ثم بلعت صوتها وكتمت أنفاسها, ثم سار مبتعدا متجها إلى السيارة... ثم توقف واستدار نحونا وقال:
                  "هل هذا ظنك بي يا رغد؟ فيم ستختلفين عن أقاربك؟ كلكم تبخسونني قدري وتسيئون إلي".
                  وأولانا ظهره واقترب أكثر من السيارة حتى مد يد ليفتح الباب ووجده مقفلا... فركل السيارة برجله وهتف:
                  "تعال وافتحها".
                  وقفت رغد ونادت:
                  "وليد".
                  ثم التفتت إلي وأمسكت بذراعي وقالت متوسلة:
                  "لا تدعه يذهب أرجوك".
                  عضضت أسناني وقلت:
                  "لا تقلقي".
                  ثم خاطبت أخي:
                  "سأتصل بشركة الطيران وأرى ما إذا كان لديهم مقاعد شاغرة على رحلة الغد".
                  والتفت إلى رغد قائلا:
                  "فهي رحلات يومية ولا بد أن مقعدين على الأقل لا يزالان شاغرين".
                  وهذه فكرة طرأت على بالي للتو... أنتجها قلقي على رغد وتخوفي من ما قد يعتريها بعد هذا...
                  حثثتها على السير إلى أن صرنا عند وليد فخاطبته سائلا:
                  "ما قولك؟؟"
                  فلم يرد... فقلت:
                  "دعنا نمر الان بمكتب الطيران ونرى ما يمكن فعله".
                  فقال:
                  "الوقت متأخر على فكرة كهذه".
                  فقلت:
                  "إما هذه... أو امنحني تصريحا بالسفر مع رغد وسنلحق بك عاجلا".
                  فزفر بضيق وقال:
                  "افتح الأبواب".
                  وركبنا السيارة وسرنا في الطريق وعندما اقتربنا من مفترق طرق أردت الانعطاف بالسيارة لأسلك الشارع المؤدي إلى مكتب الطيران فقال:
                  "اسلك اليمين".
                  وهو الطريق المؤدي إلى بيت أبي حسام,فقلت:

                  تعليق

                  • Loli.
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 5514



                    • أيـــام .. كانت أيام :(


                      تليغرامي للإقتباسات
                      اضغط هنا


                      .

                      شيخة قلبه سابقا

                    رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                    "دعنا نمر بالمكتب أولا".
                    فرد:
                    "إلى المنزل يا سامر وكفى".
                    هنا هتفت رغد:
                    "كلا... لا أريد العودة إلى منزل خالتي... لا أريد".
                    فالتفت وليد إليها وقال:
                    "افهمي يا رغد هذا صعب جدا الان".
                    ولكنها ألحت:
                    "لا أريد العودة... لا تسافرعني... لا تفعل هذا بي".
                    أما أنا فقد انعطفت يسارا وانطلقت بأقصى سرعة ممكنة في الطريق إلى مكتب الطيران.
                    أثناء هذا وردتني مكالمة من أم حسام تطمئن فيها على رغد فطمأنتها وأخبرتها بأننا سنعود بعد قليل.
                    توقفت عند مكتب شركة الطيران وفتحت الباب وقلت:
                    "سأتحقق وأعود".
                    وحالفني الحظ واشتريت تذكرتين وعدت أزف البشرى إلى رغد.. غير ابه برأي وليد... فأنا لم أعد أقوى على تحمل كابتها...
                    تهلل وجهها حينما أخبرتها ومع ذلك أخذت تنظر نحو وليد والذي كان ينظر عبر النافذة إلى الخارج وعلى وجهها القلق وكأنها تسأله عن رأيه وتطلب موافقته... لم يعلق أخي فاعتبرنا صمته بمثابة الضوء الأخضر... وتابعنا المسير...
                    أظنه خاف على رغد وأدرك إلى أي حد وصلت بها نفسيتها...
                    عدنا أدراجنا إلى منزل أبي حسام ولما فتحت الباب لها ترددت في الخروج...
                    وإذا بها تخاطب وليد قائلة:
                    "لا تفعلها وتسافر عنا".
                    فأجاب:
                    "وهل سأقود الطيارة وأسافر مثلا؟"
                    فقالت:
                    "لكن... إذا تعرقل سفري لأي سبب... فسوف... فسوف..."
                    فالتفت وليد إليها:
                    "فسوف ماذا؟"
                    ولم تكمل رغد وخرجت من السيارة ورافقتها إلى داخل المنزل وأخبرت العائلة بأننا اشترينا التذكرتين وسنسافر مع وليد.
                    فور أن أنهيت إعلام الخبر رأيت رغد تنظر إلى خالتها وتقول مهددة:
                    "لا تحاولي منعي يا خالتي وإلا فأنني سأحبس نفسي في الغرفة إلى أن أموت وألحق بأمي".
                    فلم تقل أم حسام شيئا... ورن هاتفي فإذا به أخي يستعجل خروجي ويوصيني:
                    "قل لرغد ألا تنام دون عشاء... وأن تتناول فطورا جيدا قبل المغادرة صباحا. أكد عليها هذه مرارا".
                    ونقلت وصيته إليها فردت والسرور يتجلى على وجهها:
                    "حاضر".
                    وعدت إلى السيارة ونظرة إلى أخي فرأيته شاردا... يفكر بعمق. قلت:
                    "صدقني وليد... هذا أفضل حل... وإلا فأن نفسية رغد ستتدهور".
                    التفت إلي أخي وتنهد وقال:
                    "لقد أحدثت مشكلة كبيرة لي مع أروى يا سامر..."
                    سألته بقلق:
                    "أي مشكلة؟"
                    قال:
                    "تصرفت وكأن الأمر يعني رغد فقط... وحين تعرف أروى بأن رغد عائدة معي فستقلب الدنيا رأسا على عقب".
                    فكرت قليلا... بعدها قلت:
                    "إذن قل لها أن رغد عائدة معي أنا وليس معك".
                    فرمقني أخي بنظرة غامضة وأوشك على قول شيء, لكنه حبس لسانه ولاذ بالصمت....

                    ***************************
                    من الصباح الباكر... اتصلت بسامر لأتأكد من أن كل شيء يسير بخير... وتناولت فطوري وبقيت جالسة في الحديقة مع أقاربي وحقائبي... في انتظار مجيء ابني عني.
                    وعندما أتى سامر... عمد إلى الحقائب يحملها... وخرج عمي أبو حسام لملاقاة وليد... الذي لم يدخل المنزل.
                    عانقتني نهلة بحرارة... أما خالتي قفد ذرفت الدموع وهي تضمني إلى صدرها... وأبقتني في حظنها طويلا... إلى أن سمعت صوت سامر يقول:
                    "هيا بنا".
                    ابتعدت عن خالتي... فمسحت على رأسي وقالت:
                    "انتبهي لنفسك جيدا يا رغد..."
                    أومأت بنعم.. فالتفتت نحو سامر وقالت:
                    "اعتني بها وصنها كعينك يا بني... ولا تدع أخاك يقسو عليها".
                    فقال سامر:
                    "توصينني أنا يا خالتي؟؟"
                    فقالت:
                    "أذكر... عل الذكرى تنفع المؤمنين".
                    فأكد لها:
                    "اطمئني... رغد بعنقي".
                    ثم التفت إلي وقال:
                    "هيا وإلا تأخرنا".
                    جلت بنظري لألقي نظرة الوداع على أقاربي... وافتقدت حسام الذي كان نائما ولم ينهض لوداعي...
                    وأخيرا... غادرت المنزل... ورحلت عائدة إلى منزلي الحقيقي... في الجنوب...
                    وصلنا إلى المنزل الكبير ضحى...
                    وليد أسرع بالاستحمام ثم غادر المنزل على عجل وهو يقول:
                    "اهتم بكل شيء... سأعود عصرا... اتصل بي عند الحاجة".
                    واختفى بسرعة... أما سامر ففي البداية أخذ يتجول في أنحاء المنزل مستعيدا الذكريات الماضية... وشاعرا بالألم لتذكر والدي... ولأنني لا أستطيع صعود الدرج فلم أرافقه عندما واصل جولته في الطابق العلوي... إنما ذهبت إلى غرفتي اسفلية واستلقيت على سريري باسترخاء وأغمضت عيني...
                    اه... أخيرا أنا هنا من جديد...
                    كأن ما حصل... حلم طويل... لقد مضت عدة أسابيع منذ غادرت هذه الغرفة... على أمل العودة بعد أيام... وبدون الشقراء...
                    يا للأيام... يا للأحلام...
                    ولم أشعر بنفسي وأنا أستسلم لنوم عميق... عميق جدا... عوضت فيه سهر الليالي المؤرقة التي قضيتها بعيدا عن وليد قلبي...

                    *****************************
                    عدت من عملي قبيل المغرب فوجدت شقيقي متمددا على الكنبة في غرفة المعيشة الرئيسية, غارقا في النوم, والتلفاز مشغلا والمصابيح مطفأة... وعلى الطاولة جواره علبة فواكه مشكلة فارغة وقارورة ماء... ما إن هتفت باسمه مرتين حتى استيقظ وراح ينظر إلى ما حوله ثم يتثاءب ويمدد ذراعيه ثم يقول:
                    "عدت أخيرا؟!... تأخرت".
                    فقلت:
                    "أخبرتك أنني سأعود متأخرا. كان أمامي الكثير لأنجزه اليوم".
                    ثم أضفت:
                    "وعلى فكرة يمكنك استلام وظيفتك رسميا ابتداءا من الغد.. وقد خصصت سيارة تابعة للمصنع لتستخدمها إلى أن نجلب سيارتك من الشمال".
                    قال:
                    "عظيم... ممتاز... وأين ستعينني؟"
                    قلت:
                    "معي يا سامر... نائب عني ومساعدي الأول".
                    وأضفت:
                    "مثل السيد أسامة.. وأريدك أن تتقن الوظيفة بسرعة لتحمل العبء معي.. خصوصا وأن المنذر يطالب بإجازة منذ زمن وأنا أرفضها".
                    سألني أخي:
                    "هل أسامة المنذر هذا موضع ثقة؟"
                    فأجبت:
                    "نعم.. وهو من كان يدير المصنع ويرعى ثروة أروى وأملاكها إلى أن تسلمتها.. إنه رجل أمينن.. وجدي الثقة".
                    سأل:
                    "وماذا عن بقية الموظفين؟ الإداريين بالذات؟؟"
                    فقلت:
                    "لا أولي الثقة المطلقة في حياتي إلا خمسة رجال.. سيف وأبيه.. وعمي إلياس.. والسيد أسامة.. وأنت".
                    ثم مددت يدي وربت على كتف شقيقي وقلت:
                    "وأنت أولهم يا شقيقي... سأعتمد عليك كثيرا..."
                    ابتسم سامر وقال:
                    "بكل تأكيد.."
                    ثم أضاف مازحا:
                    "المهم أن تسبغ علي الرواتب والعطايا الكريمة! دعني أتذوق طعم الثراء من جديد".
                    وضحكنا بابتهاج...
                    ثم سألته:
                    "ماذا عن رغد؟"
                    فحك شعر رأسه وقال:
                    "ربما نائمة... لم أرها منذ ساعات".
                    استنكرت هذا وقلت جادا:
                    "منذ ساعات!"
                    قال:
                    "نعم فهي قد دخلت غرفتها المجاورة بعد انصرافك ولم تجب عندما ناديتها قبل أن أنام..."
                    أثارت الجملة قلقي فقلت:
                    "تعني أنك ام ترها منذ الصباح؟؟ وأنا من اعتمدت عليك؟"
                    وخرجت من غرفة المعيشة وذهبت إلى غرفة رغد وتبعني أخي.
                    طرقت الباب وناديتها بضع مرات فلم تجب. قال أخي:
                    "أظنها نائمة... قفد كانت متعبة من عناء السفر كما أنها لم تنم البارحة".
                    قلت:
                    "يجب أن نتأكد".
                    وطرقت الباب بقوة أكبر وهتفت مناديا إياها بصوت عال... ولم تجب... فما كان مني إلا أن أمسكت بقبضة الباب وفتحته... وأخي يهتف:
                    " ماذا تفعل!!؟"
                    لم أدخل الغرفة بل ناديت رغد بصوت يعلو مرة بعد مرة إلى أن سمعت صوتها أخيرا يرد...
                    "نعم؟؟"
                    "هذا أنا... هل أدخل؟؟"
                    "نعم... ماذا هناك؟؟"
                    أطللت برأسي داخل الغرفة فوجدتها جالسة على سريرها مادة رجليها وهي لا تزال ترتدي عباءتها... ويبدو عليها النعاس الشديد... تراجعت للوراء وقلت:
                    "أنا اسف ولكننا طرقنا الباب وناديناك مرارا فلم تردي".
                    ولم أسمع لها ردا... فقلت:
                    "هل كنت نائمة؟"
                    فلم نرد... فعدت وأطللت برأسي نحو الداخل ورأيتها تتثاءب وهي شبه واعية فسألت:
                    "هل شربت منوما أم ماذا؟؟"
                    ولم ترد... قلقت وسألت:
                    "هل أنت بخير؟"
                    فأجابت أخيرا وهي تفرك عينيها:
                    "أجل... أنا نعسى".
                    وأمالت رأسها إلى الوسادة وأغمضت عينيها... انسحبت من الغرفة وأغلقت الباب وأنا أكرر اعتذاري...
                    لاقاني أخي بنظرات استهجان فشرحت له:
                    "داهمها الإغماء من قبل وشارفت على الموت... لم يبدو نومها طبيعيا مع كل ذلك الطرق والنداء".
                    واتجهت إلى المطبخ وجلست على أحد المقعد أرخي أعصابي وعندما لحق بي أخي قلت:
                    "ستكون الخادمة هنا غدا... وسأعمل على توظيف طاهية أيضا".
                    قال سامر متجاوبا:
                    "على ذكر الطعام أنا أتضور جوعا".
                    واتصلنا بأحد المطاعم وطلبنا وجبة غنية تناولنا نصيبنا أنا وأخي منها فور وصولها.
                    "أين سأنام؟"
                    سأل خي ونحن على مائدة الطعام, فأجبت:
                    "في أي غرفة تشاء... لكن الغرف بحاجة إلى تنظيف أولا وغرفتك السابقة ظلت مقفلة... استخدم غرفتي الليلة".
                    قال:
                    "وأنت؟"
                    قلت:
                    "أنام في غرفة المعيشة على مقربة من رغد.. فهي تخشى المبيت بمفردها في الطابق الأرضي".
                    وفوجئت بأخي يرد:
                    "إذن لا بأس. سأنام في غرفة المعيشة وابق أنت في غرفتك".
                    وكتمت في صدري شيئا لم أشأ إخراجه ساعتها...
                    ومع مرور الأيام بدأت تصرفات أخي تزعجني... فهو نصب نفسه مسؤولا أولا عن رغد وحل مكاني في رعايتها... كنا نتناوب في الذهاب للعمل والبقاء في المنزل مع رغد... وكنت أسهر كل ليلة لمتابعة العمل أولا بأول... ومع مطلع الأسبوع المقبل ستعود رغد إلى جامعتها وسيتولى هو إقلالها ذهابا وعودة... أما أنا فسأضطر للذهاب إلى المزرعة نهاية ها الأسبوع لأعالج مشاكلي مع أروى... والتي ترفض الحديث معي منذ ليلة العشاء الذي أفسدته قبل سفري...

                    ***************************

                    تعليق

                    • Loli.
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 5514



                      • أيـــام .. كانت أيام :(


                        تليغرامي للإقتباسات
                        اضغط هنا


                        .

                        شيخة قلبه سابقا

                      رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,


                      تتمه
                      ***


                      "إلى المزرعة؟!"
                      شهقت مندهشة لما أعلمنا وليد عن نيته في الذهاب إلى المزرعة غدا... ورجحت أن يكون الهدف هو جلب الشقراء.
                      لم أستطع شيئا وكتمت اعتراضي في داخلي... لا يهم إن كانت الشقراء ستأتي.. لا يهم إن كانت قد انتصرت علي.. المهم أن أبقى تحت سقف واحد مع وليد وأحظى برؤيته كل يوم... إنني رأيت الموت من دونه... وسأقبل بأي شيء لقاء أن أظل على مقربة منه ويظل طيفه يجول من حولي...
                      ومنذ أن أخبرنا بالخبر وأنا واقفة على أعصاب مشدودة في انتظار ما ستسفر عنه سفرته هذه...
                      لم يكن وليد يجالسني أو يتحدث معي إلا بكلام عابر... وكان يقضي معظم الوقت في مكتبه يعمل.
                      كنت سأجن لو أنه لم يحضرني معه... لم تكن شمس النهار التالي لتطلع علي وبي عقل... بعد مقابلته البليدة عند بوابة منزل خالتي...
                      على فكرة... نظارته الشمسية أصبحت ملكي الان!
                      اليوم ستزورني مرح وتجلب معها بعض المحاضرات الهامة لأطلع عليها... سأعود للجامعة قريبا وأشغل وقتي في الدراسة من جديد... وأبعد عن رأسي التفكير في الشقراء...
                      الساعة الان الواحدة ظهرا ونحن -أنا وسامر- نتناول طعام الغداء في المطبخ... ووليد في عمله...
                      "ما بك يا رغد؟؟ فيم أنت شاردة؟؟"
                      سألني سامر وهو يرى يدي تقلب الحساء بالملعقة طويلا... دون أن أرشف منه شيئا...
                      قلت تلقائيا:
                      "هل تظن أنه سيحضرها معه؟؟"
                      فرد سامر:
                      "أظن ذلك, وهذا شأنهما".
                      فازداد توتري... فقال سامر:
                      "من الطبيعي أن يجلب زوجته معه يا رغد".
                      تناولت رشفة من الحساء بلعتها ولم أشعر بطعمها... ثم قلت:
                      "المهم.. أن تقبل بوجودي.. لأن وليد.. فيما لو رفضت.. سيعيدني إلى خالتي".
                      فاستغرب سامر وقال:
                      "وما علاقة هذا بك؟؟"
                      قلت:
                      "إنها لا تريد أن أعيش معهما".
                      "أهكذا؟"
                      نعم. لأن الانسجام بيني وبينها مستحيل.."
                      تجلى على سامر بعض التردد ثم تجرأ وسأل:
                      "هل تدرك هي أنك..."
                      طأطأت رأسي ونظرت إلى وعاء الحساء الموضوع أمامي حرجا... ففهم سامر إجابتي... سامر يفهمني جيدا... وهو دائما معي صريح ومباشر... ليس فيه الغموض ولا ينشر الحيرة والتساؤل والذهول أينما حل... كما هو وليد...
                      قال بعد صمت قصير:
                      "إذن وليد يعرف... الان تأكدت".
                      فرفعت بصري إليه وسألت:
                      "يعرف ماذا؟؟"
                      فهوى ببصره إلى أطباق طعامه وتظاهر بالانشغال بتقطيع قطعة اللحم... وقال:
                      "أنك تحبينه".
                      شددت على يدي وفارت الدماء في وجهي وأبعدت نظري عن عيني سامر وقلت بصوت ضعيف:
                      "أأأأ... لا... ليس كذلك".
                      وأمسكت بطرف مفرش مائدة الطعام وأخذت أشد وأرخي فيه باضطراب...
                      سامر وضع قطعة اللحم في فمه وراح يمضغها ثم بلعها وقال:
                      "بل يعرف".
                      فرفعت بصري إليه باهتمام فوجدته يرفع كأس العصير ويشرب جرعة منه... متظاهرا بالبرود...
                      قلت:
                      "كيف؟"
                      قال وهو يتابع تناول طعامه:
                      "ليس بهذا الغباء".
                      وأحسست بقلبي يخفق بقوة... هل يمكن أن يكون وليد... قد اكتشف أنني أحبه.. أكثر من حب ابنة لأبيها؟؟
                      وفيما أنا شاردة في تفكيري سمعت سامر يقول بجدية:
                      "لكن ذلك لن يغير شيئا يا رغد... وليد رجل متزوج ويكبرك بعشر سنين.. ولا أظنه يعتبرك إلا ابنة أو أخت صغيرة يتيمة تكفل برعايتها".
                      فقدت شهيتي للطعام فجأة وتوجم وجهي حزنا... ولاحظ سامر التغيرات التي اعترتني فوضع شوكته جانبا وخاطبني بنبرة أكثر جدية وواقعية:
                      "يا رغد... ستستفيقين يوما وتدركين أين كنت تتخبطين... لكنني لا أريد أن تصابي بصدمة قاسية.. فكري مليا في وضعك... وقيمي الأشياء تقييما عقلانيا وليس عاطفيا... ماهي نهاية حب رجل مرتبط بفتاة أخرى لا يملك أي سبب ليتخلى عنها؟ ولا أي دافع ليفكر في غيرها".
                      أصبت بعسر هضم وتلوت معدتي... ورفعت عيني بانكسار وأبرزت يدي على المائدة وقلت:
                      "حتى لو تزوجها... سأبقى معه... تحت وصايته".
                      قال:
                      "ستكبرين يوما... ولن تحتجي وصيا... وهو سيتزوج ويكرس جهده لعائلته الجديدة.. هذا هو المسار الطبيعي للحياة".
                      قلت بشء من الاتفعال:
                      "وأنا؟؟"
                      فصمت سامر... ثم قال:
                      "أنت أيضا... ستتزوجين وتعيشين حياتك... مع من يستحقك ويقدرك".
                      وتبادلنا نظرات عميقة... ثم قال:
                      "القرار بيدك".
                      فأخذت أنظر إلى يدي... أتأمل راحتيهما... والخطوط التي تملأهما... وكأنني أفتش عن القرار بينهما... وأراهما خاليتين جوفاوين... لا تحملان شيئا...
                      مددتهما نحو سامر أريه باطنهما الأجوف وأنا أقول:
                      "يداي لا تملكان شيئا".
                      فمد سامر يده نحو يدي وقال:
                      "ما في يدي هو ملكك".
                      وكانت عيناه تحملقان بي تملؤهما المعاني العميقة...
                      شعرت بمرارة في حلقي... كأنني تجرعت دواء مركزا... وانهارت تعبيرات وجهي أمام نظرات سامر فإذا بي أقول دون تفكير:
                      "ألا زلت تحبني؟"
                      وكانت إجابته بأن شد قبضة يده وأغمض عينيه كمن يعتصر ألما...
                      نعم يحبني... أعرف ذلك... كان مهوسا بي... يغمرني بلطفه ويمطرني بهداياه ويغلفني بعواطفه...
                      لم يكن خطيبي فقط... كان أخي وصديقي المقرب... وكان يشاركني كل شيء... ولم أشعر يوما وهو معي بأنني بحاجة لأي شيء...
                      لماذا لا تزل تحبني يا سامر... بعد ما فعلته بك...؟؟
                      اه...كم يؤلمني قلبي... كم يقرصني ضميري... كم أنا أنانية... كم أنا حزينة من أجلك...
                      رفعت رأسي أريد أن أرمي به إلى الوراء لعل الأحزان تتساقط منه... فإذا بعيني تقعان فجأة على وليد...
                      جفلت وسحبت يدي نحو صدري أمسك نفسي الذي انحشر فجأة في شعيباتي الهوائية إثر ظهور وليد المباغت... و
                      أحس سامر بحركتي السريعة ففتح عينيه والتفت إلى الوراء... إلى الباب... فوجد وليد يقف هناك...
                      "أهلا وليد... كيف كان يومك؟"
                      بادر سامر بالسؤال فرد وليد:
                      "كان حافلا جدا".
                      قال سامر:
                      "قرصنا الجوع فشرعنا بالأكل قبلك".
                      رد وليد:
                      "بالهناء والعافية".
                      وتوجه نحو المغسل فغسل يديه وأقبل واتخذ مقعدا... على رأس المائدة...
                      قال:
                      "ماذا لدينا اليوم؟"
                      فأجاب سامر متظاهرا بالمرح:
                      "مشويات طلبناها من مطعم... وحساء أعدته رغد".
                      فطأطأت رأسي خجلا من الحساء المتواضع الذي أعددته...
                      وبدأ وليد يعد أطباقه وسكب لنفسه شيئا من الحساء... وأخذ يرتشفه... ولم ينطق بأي تعليق...
                      وسامر عاد يتناول طعامه ويطرح على وليد الأسئلة حول العمل... حيث إنه سيذهب بعد قليل... ويجيب وليد أجوبة مختصرة... إلى أن سمعته يقول:
                      "لم لا تأكلين؟"
                      انتبهت على سؤاله فرفعت رأسي ونظرت إليه نظرة سريعة ثم أخفضت رأسي وأجبت بصوت خافت:
                      "اكتفيت الحمدلله".
                      وأمسكت بعكازي الموضوع إلى جواري وقمت عن المائدة...
                      سامر قال:
                      "لم تأكلي شيئا رغد".
                      فقلت:
                      "الحمد لله".
                      وسرت متجهة إلى الباب... فاستوقفني صوت وليد يقول:
                      "على فكرة هل لديك استعداد لزيارة الطبيب اليوم".
                      فتذكرت صديقتي مرح وقلت وأنا لا أجرؤ على رفع بصري إليه:
                      "اليوم؟ أأأأ ستأتي مرح لزيارتي".
                      فقال:
                      "ماذا عن بعد الغد أو بعده؟"
                      فأجبت:
                      "بعد الغد..."
                      فقال:
                      "لا بأس".
                      ثم تابعت طريقي إلى غرفتي...
                      وقبل مجيء مرح ذهبت إلى المطبخ لأحضر بعض أطباق المكسرات والحلويات...
                      وشيئا من العصير... وفيما أنا أحمل الصينية بيدي اليمنى بينما تمسك يدي اليسرى بالعكاز... اختل توازن الصينية فوقعت أرضا وتحطم الكأسان الزجاجيان محدثين جلبة كبيرة... وتبعثرت الأطباق والمحتويات على مساحة كبيرة...
                      "أوه... هذا ما كان ينقصني!"
                      تذمرت بصوت غاضب... ثم جثوت على الأرض بحذر ألتقط شظايا الزجاج والطعام المبعثر...
                      "ماذا حصل؟"
                      التفت بسرعة نجو مصدر الصوت... وجدته واقفا عند الباب والقلق يخطو نتوءا على جبينه ويحفر مابين حاجبيه... ثم اقترب مني وسأل:
                      "هل انزلقت؟؟ هل أنت بخير؟"
                      سحبت نظراتي عنه وسلطتها بخنوع نحو الشظايا وأجبت هامسة:
                      "أوقعت هذا من يدي".
                      ورأيت ظله ينعكس على الأرضية الملساء... ثم رأيت يده تظهر من الفضاء وتهبط على الشظايا وتلملمها...
                      جمع قطع الزجاج الكبيرة والطعام في الصينية وانغمست أنا في التقاط الأشلاء الصغيرة وإذا به يرفع الصينية ويقول:
                      "دعيها عنك".
                      فنهضت مستندة على عكازي ورأيته يتجه نحو المكنسة الكهربائية فشعرت بالحرج وتقدمت خطوتين وأنا أقول:
                      "أنا سأنظفها".
                      فالتفت إلي وقال:
                      "لا عليك... احذري أن تدوسي عليها".
                      وقد كنت حافية القدم اليمنى, أما الاخرى فمجبرة كما تعلمون...
                      عكف وليد على تنظيف الأرضية بحذر من أي شظايا ممكنة... وعكفت عيناي على مراقبته بكل عناية... فهما قد حرمتا من رؤيته أسابيع طويلة ولم ترتويا بمراه بعد...
                      لما فرغ من مهمته استدرت بسرعة نحو الدواليب وتظاهرت بأنني أستخرج كأسين اخرين وأطباق جديدة... وسمعته يقول:
                      ""دعيني أساعدك"
                      وتولى بنفسه تحضير كل شيء ثم حمل الصينية إلى العربة ثم سأل:
                      "أين ستستقبلينها؟"
                      أجبت:
                      "في غرفة الضيوف الرئيسية".
                      فقاد العربة إلى هناك ثم عاد وسأل:
                      "شيء اخر؟؟"
                      فأخفضت رأسي وابتسمت وقلت:
                      "شكرا لك".
                      فرد:
                      "العفو... صغيرتي".

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...