انت لي .... قصة جميلة .. منقول ( 1) كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Loli.
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 5513



    • أيـــام .. كانت أيام :(


      تليغرامي للإقتباسات
      اضغط هنا


      .

      شيخة قلبه سابقا

    رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

    "وفر جهودك... لقد فات الأوان... أنا لا يهمني أي شيء... لا الحياة ولا الموت"
    فرد وليد:
    "لم يفت الأوان... سأعمل على إخراجك من البلد ومن كل بد"
    ثم تغيرت نبرته إلى الرجاء وقال:
    "ابق مكانك... أرجوك أنا مرهق... لا طاقة لي بالمزيد"
    ثم اقترب صوته... صار عند الباب مباشرة... خاطبني أنا قائلا:
    "رغد افتحي الباب"
    وبقيت لثوان مترددة... وسألت:
    "هل أفتح؟؟"
    فأجاب:
    "نعم افتحي"
    بحذر أدرت المفتاح في ثقبه... ثم رأيت قبضة الباب تدور... والباب ينفتح ويظهر منه وليد... بمظهر فظيع ومرعب...
    تحرك وليد بسرعة إلى الخارج وصد محاولة سامر للحاق به وأغلق الباب وأقفله فورا...
    أخذ سامر يضرب على الباب بيديه ورجليه وهو يصرخ طالبا منا فتحه ووليد واقف على الناحية الأخرى يقول:
    "لن أفتحه يا سامر... أرجوك لا تعقد علي الأمر... انتظر حتى أؤمن فرارك... أرجوك ثق بي"
    صرخ سامر:
    "جبان... ستدفع ثمن هذا..."
    ولم يجب وليد...
    رأيته يطأطئ رأسه... ثم يمسح براحته على وجهه ثم يرفه رأسه متأوها ويمسد على ذراعه... ثم يستدير إلي...
    هل أصف لكم كيف كان؟؟
    يفوق الوصف...
    الملابس... ممزقة... ملطخة بالدماء... العنق... مخطط بالخدوش الدامية... الشعر مبعثر في كل الاتجاهات... كعش هجره عصفوره قبل أن يكمله... الوجه متورم شديد الاحمرار... متغير الملامح... يحملق الناظر فيه بضع دقائق... ليعرف صاحبه... وشارعان متوازيان من الرواسب المالحة... يمتدان من المقلتين شاقين الوجنتين... ينتهي أحدهما إلى غابة من الشعر الأسود... والاخر يصب كنهر ناضب في بركة من الدماء الغزيرة...تنبع من أنفه...
    وليد... قلبي!!!
    مد وليد يده باتجاهي... ومن فرط ذهولي بفظاعة منظره... لم أفهم ما يعني...
    هل... هل يريد أن... أشد على يده وأربت عليه؟؟
    أم... يريد أن... أنظف جراحه وأضمدها؟؟
    أم... يريد أن يستند إلي... نعم... فهو في حالة فظيعة... وربما لا يستطيع السير بمفرده...
    لما أحس وليد ضياعي, قال:
    "الهاتف"
    هنا ضرب سامر الباب وصرخ:
    "افتحوا الباب... دعوني أخرج من هنا"
    تناول وليد الهاتف من يدي, ثم نزع المفتاح من ثقبه, ونظر إلي وقال:
    "إياك يا رغد... أن تفتحي له... إياك"
    وربما لاحظ تيهي... وعدم استيعابي لشيء... فقال مؤكدا ومحذرا:
    "حياته بين أيدينا... إياك وفتح الباب مهما حصل... أتفهمين؟؟"
    أفهم؟؟ أفهم ماذا يا وليد؟؟
    هززت رأسي كيفما اتفق... وحاولت أن أنطق بسؤال, غير أن وليد كان قد باشر بالاتصال الهاتفي... وابتعد عني... واختفى...
    بعد ذلك بأربعين دقيقة وفيما كنت أجلس في غرفتي في حيرتي وهلعي أتاني وظاهر عليه أنه استحم ونظف جروحه وبدل ملابسه وأخبرني بأنه سيخرج في مشاوير مهمة وسيعيد الخادمة إلى مكتب التخديم... وسألني إن كنت قد جهزت حقيبة السفر وانزعج عندما أجبته بالنفي...
    "لا وقت أمامنا يا رغد... اجمعي أهم أشياءك واستعدي للسفر الطارئ خلال يومين أو ثلاثة"
    تفاقم القلق على وجهي وسألت:
    "ألن توضح لي ما يحصل؟؟"
    فأجاب إجابة مقتضبة وهو يستدير ويغادر:
    "تورط في عمليات شغب خطيرة... السلطات ستقبض عليه... أريد أن أفر به من البلد وبعدها نوضح الأمور"
    توقف وليد واستدار إلي ونظر إلي نظرة جد وتحذير:
    "لا تفتحي الباب يا رغد... إياك"
    أطال النظرة إلي, ثم غادر... تاركا إياي في ذهول ما بعده ذهول...
    بعد ذلك بفترة قصيرة... خرجت من غرفتي وتسللت بحذر نحو غرفة المجلس... اقتربت من الباب, وألصقت أذني به مسترقة السمع لأي حركة أو صوت يصدران من الداخل... كان الهدوء التام يغمر الغرفة بحيث لا تصدق أنها كانت تعج بالصراخ كالبركان قبل فترة...
    همست بصوت خفيف:
    "سامر"
    ولم أجد جوابا, فطرقت الباب طرقا خفيفا وأنا أنادي:
    "سامر... هل تسمعني؟؟"
    جاء صوت سامر يجيب:
    "رغد"
    ثم أحسست بحركة... سمعت سامر بعدها يقول وقد اقترب صوته من الباب:
    "أين وليد يا رغد؟؟"
    أجبت:
    "خرج من المنزل"
    فسأل:
    "إلى أين ذهب؟؟"
    قلت:
    "قال أن لديه مشاوير ضرورية ليقطعها"
    صمت سامر... فقلت:
    "كيف إصاباتك؟؟"
    فأنا لا أستبعد أن يكون عظم منه قد كسر... بعد العراك الوحشي مع وليد. لم يجب سامر فالتزمت الصمت قليلا ثم سألت:
    "ماذا يحدث يا سامر؟؟ أخبرني"
    ولكنه لم يجب. فواصلت:
    "أرجوك قل لي... ما الذي فعلته ويعرض حياتك للخطر؟؟ ولماذا؟؟ أنا لا أصدق..."
    قال سامر فجأة:
    "رغد افتحي الباب"
    ابتعدت عن الباب, وكأنني أخشى أن أنصاع للأمر بمجرد قربي منه... ولم أعقب... فقال سامر بنبرة رجاء شديد:
    "أرجوك يا رغد... افتحي الباب... هناك من ينتظرني... الأمر مهم جدا"
    فتشجعت وسألت:
    "أي أمر؟؟"
    فسكت سامر برهة ثم أجاب:
    "لا أستطيع أخبارك... افتحي الباب ودعيني أخرج قبل عودة وليد... إنه لا يعرف شيئا ولا يفهم الحقيقة"
    أعدت ذات السؤال:
    "أي حقيقة؟؟"
    فقال بنفاذ صبر:
    "لا أستطيع أن أشرح لك الان... يجب أن أخرج وإلا فإن كارثة ستحل بأصدقائي... أرجوك يا رغد... افتحيه ودعيني ألحق بالأوان قبل فواته"
    تراجعت للوراء خطوة وأنا أهز رأسي رفضا... وكأنني أحذر نفسي وأنذرها من مغبة الانصياع...
    سمعت سامر يطرق على الباب وهو يقول:
    "أين أنت يا رغد... أرجوك... افتحيه"
    فقلت:
    "لا أستطيع"
    قال:
    "لماذا؟؟"
    فأجبت:
    "وليد..."
    وقبل أن أتم الجملة قاطعني قائلا بحنق:
    "وليد لا يعرف الحقيقة... إنه سيندم كثيرا حينما يكتشفها... لا وقت لأوضح لك يا رغد... أرجوك افتحيه وخلصيني"
    قلت:
    "انتظر حتى يأتي وليد وبين له الحقيقة... ثم... ثم إن المفتاح معه هو"
    فقال:
    "ستجدين مجموعة المفاتيح الاحتياطية في درج مكتبه كما يتركها عادة... هاتي المجموعة وفتشي عن المفتاح المناسب. بسرعة يا رغد... أرجوك"
    قلت وأنا أبعد يدي خلف ظهري:
    "لا أستطيع يا سامر... وليد حذرني"
    فإذا به يقول فجأة:
    "طبعا ستطيعينه هو"
    فوجئت من كلامه, وسحبت يدي نحو صدري ثم قلت مبررة:
    "لأنه... قال... إن هذا خطر على حياتك"
    فرد سامر بعصبية:
    "غير صحيح... إنه مخطئ... بقائي هنا خطر على حياتي وحياة أصدقائي"
    ثم أضاف:
    "أنت تشاركين في تعريض حياتنا للخطر... هل هذا يرضيك؟؟"
    قلت:
    "لا"
    فقال:
    "إذن افتحي الباب... وأنا أضمن لك بأننا سنكون بخير وممتنين لك على إنقاذنا"
    "أحقا؟؟"
    "أجل يا رغد... هيا الان افتحيه... وأنا سأتصل بوليد وأشرح له كل شيء... عجلي أرجوك"
    احترت في أمري... فسامر يبدو صادقا جدا فيما يقول... وكان يقنعني بأنني أعرض حياته للخطر بإبقائه حبيسا... لكن نظرات وليد المهددة... وهو يخاطبني قبل خروجه مباشرة تجعلني أتردد... وأبتعد عن الباب...
    "رغد... الان"
    قال سامر... غير أنني أجبت حاسمة الأمر:
    "لا أستطيع يا سامر... سامحني"
    وسمعت على أثرها ضربة قوية تصدع الباب لها...
    عدت إلى غرفتي وبدأت أحاول جمع أهم حاجياتي في حقيبة صغيرة... وبعد نصف ساعة سمعت ضربا على باب غرفة المجلس, وصوت سامر يناديني...
    توجهت إليه مسرعة وقلت:
    "نعم سامر أنا هنا"
    فقال:
    "رغد هل لي ببعض الماء من فضلك؟؟"
    ولما لاحظ صمتي قال بنبرة رجاء:
    "أكاد أموت عطشا... اجلبي لي قارورة كبيرة رجاء"
    قلت بتردد:
    "لكن..."
    فقال بنبرة أشد رجاء... تذوب لها الصخور الصلبة:
    "لكن ماذا يا رغد؟؟ سألتك بالله... حلقي تجرح من شدة الجفاف... تكاد دمائي تتخثر في عروقها... أرجوك ولو كأسا واحدا"
    انفطر قلبي لكلامه... لم أتحمل... ألقيت بثقل جسدي على الباب وقلت بنبرة توشك على البكاء:
    "لا تخدعني يا سامر... أرجوك"
    فقال:
    "أخدعك؟؟ أقول لك إنني أكاد أموت عطشا... تبخرت سوائل جسمي في العراك مع ابن عمك... ألا ترحمين بحالي؟؟"
    وللألم المرير الذي أحسسته, عزمت على أن أقدم له الماء... ولكنني ما كدت أبتعد بضع خطوات حتى سمعت صوت جرس المنزل يقرع...
    كان قرعا متواصلا مربكا... شعرت بالخوف, وعدت أدراجي إلى الباب أخاطب سامر:

    تعليق

    • Loli.
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 5513



      • أيـــام .. كانت أيام :(


        تليغرامي للإقتباسات
        اضغط هنا


        .

        شيخة قلبه سابقا

      رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

      "جرس الباب يقرع"
      قال:
      "أسمعه"
      قلت:
      "من يكون؟؟ ولماذا يقرع بهذا الشكل؟؟"
      فقال سامر:
      "تجاهليه... إياك وأن تجيبيه"
      وزادت الجملة فزعي... فقلت:
      "من هذا؟؟ لا أشعر بالطمأنينة... أنا خائفة"
      فقال:
      "اسمعي يا رغد... اتصلي بوليد وأخبريه عن هذا وقولي له أن يتوخى الحذر"
      فقلت وقلقي يتفاقم:
      "هل تعرف من يكون؟؟"
      فأجاب:
      "لا ولكن الحذر واجب"
      توقف القرع وأنا أتصل بوليد...
      أخبرته فحذرني من الإجابة على أي طارق وأمرني بأن أبقى ساكنة لحين عودته.
      سألني عن سامر فأخبرته بأنه يشعر بالعطش ويطلب الماء فنهاني عن تصديقه وأكد علي بألا أقترب من الباب نهائيا, وأخبرني بأنه سيعود بعد قليل...
      وهذا القليل استمر قرابة الساعة... ولم تكن كأي ساعة...
      جلست قرب عتبات متصلة بالممر المؤدي إلى غرفة المجلس... في منتصف المسافة ما بين باب المدخل الرئيسي للمنزل وباب المجلس... وألصقت أذنا على كلا البابين...
      الأذن اليمنى كانت تسمع سامر وهو يسأل بمرارة:
      "أين الماء يا رغد؟؟"
      والأذن اليسرى تترقب عودة وليد... وأخيرا التقطت هذه الأذن صوت باب المدخل يفتح...
      هببت واقفة ويممت أنظاري شطر المدخل... متلهفة لرؤية وليد يدخل... فيسكن قلبي...
      إن مجرد الإحساس بوجوده فيما حولي... يشعرني بالطمأنينة والأمان... "لم تقفين هنا؟؟"
      سألني بقلق وهو ربما يلحظ التعبيرات المتلهفة على وجهي, قلت:
      "تأخرت"
      فقال:
      "توخيت المزيد من الحذر..."
      فقلت بشيء من الاندفاع:
      "سامر عطشان... عجل إليه بالماء أرجوك"
      ورأيت عضلات فكه تنقبض ثم عقب:
      "لعن الله الظالمين"
      وسار مباشرة إلى المطبخ, وحمل قارورة ماء وكأسا فارغا واتجه بهما إلى غرفة المجلس...
      "سامر... جلبت لك الماء"
      قال وليد بعد أن طرق الباب واستخرج المفتاح من جيبه... ثم أضاف:
      "أرجوك... لنتصرف كراشدين"
      وبعد تردد قصير, فتح الباب ودخل...

      **********
      رأيت شقيقي جالسا على أحد المقاعد... مبعثر الشعر والملابس, وعليه إمارات الإعياء... وتصبغ ألوان الطيف وجهه المجروح... اقتربت منه وأنا أحمل القارورة الماء وكأسا... ملأته بالماء ثم قربته إليه وقلت:
      "تفضل"
      رمقني أخي بنظرة حادة... وبدا كأنه متردد... ثم حرك يده باتجاه الكأس.
      تناول الكأس مني, وألقى علي نظرة, ثم... إذا به يسكب محتواه فجأة نحو وجهي...
      وقف بسرعة وألقى بالكأس وهرول نحو الباب. وضعت القارورة جانبا وركضت خلفه مسرعا وأمسكت به وجررته إلى الداخل, ثم دفعت به بقوة نحو المقعد وجريت نحو الباب وخرجت وأقفلته على الفور.
      سمعت صوت أخي يصرخ:
      "افتح يا وليد... أنا لست حيوانا لتحبسني هكذا"
      فرددت بانفعال:
      "ستبقى حبيسا هنا يا سامر إلى حين موعد السفر. لن أسمح لأي مخلوق بأن يصل إليك. أتسمعني؟؟ سأخرجك من البلد بعد الغد"
      فصرخ سامر:
      "ومن قال لك أنني أريد أن أخرج؟؟"
      فقلت بعصبية:
      "ستخرج يا سامر. ستفعل ما أطلبه منك حرفيا.. أفهمت؟؟ أنا دبرت كل شيء... لا فكرة لديك عما فعلته وما بذلته لأجل ترحيلك... مهما صرخت ومهما قاومت ومهما تعاركت.. ستفعل ما أريده أنا... شئت أم أبيت ستنفذ خطتي"
      هاج سامر من جديد, وأخذ يضرب الباب حتى خشيت أن ينجح في اقتلاعه... التفت إلى رغد فرأيتها تنظر إلي نظرات ذعر واتهام...
      لا أنقصك الان يا رغد... أرجوك...
      ابتعدت عن الممر وقلبي يعتصر لحالة شقيقي... ذهبت إلى مكتبي لأخذ بعض الأشياء ثم صعدت إلى الطابق العلوي لأعد حقيبة سفري...
      كانت الأشياء مبعثرة في غرفة نومي... فقد قلبها أخي رأسا على عقب وهو يفتش عن السلاح...
      استخرجت حقيبة سفر صغيرة وبدأت أجمع فيها أهم الحاجيات... وفي ذات الوقت أحاول إعادة النظام إلى الغرفة ولو قليلا...
      فجأة... رأيت شيئا لم أكن أتمنى أن أراه انذاك... شيئا أسطواني الشكل... مرميا مع مجموعة من الأشياء المبعثرة على الأرض...
      صندوق أماني رغد!
      وصدقوني... لم أنتبه ليدي وهي تضعه في الحقيبة خطأ... كنت شاردا... ولم أكتشف ذلك إلا لاحقا...
      بعد أن انتهيت من إعداد تلك الحقيبة, أقفلت باب غرفتي ثم ذهبت لتفقد غرفة سامر... وأخذت منها هاتفه وحقيبته اليدوية والتي كانت تحتوي وثائق مهمة, وأشياء أخرى... ثم أقفلتها وبقية الغرف, وحملت الحقيبتين إلى الطابق السفلي, ثم ذهبت إلى رغد واستلمت منها حقيبتها, ونقلت الحقائب الثلاث إلى السيارة المركونة في المراب... عندما عدت للداخل وجدت رغد تقف في انتظاري, وطبعا ألف علامة استفهام تدور حولها... لكنها لم تسألني عن شيء... ربما من هول الموقف... ألقت علي نظرة... وعادت أدراجها إلى غرفتها.
      يدرك كلانا أن المأزق خطير وأنه ليس بالوقت المناسب للكلام...
      اقتربت من باب غرفة المجلس, تحسسته... وداهمني ألم فظيع في معدتي... فانسحبت إلى غرفة المعيشة وابتلعت قرصين من دوائي لم يأتيا بمفعول يذكر وبقيت أتلوى على المقعد لوقت طويل...
      الساعة الرابعة فجرا يرن منبه هاتفي المحمول, يوقظني لتأدية الصلاة...
      أنهيت صلاتي وتلاوتي لايات الذكر الحكيم ودعائي للرب الرحيم... ثم ذهبت إلى المطبخ ولا شيء يشغل تفكيري غير أخي...
      وضعت بعض الطعام والماء على صينية, وتوجهت بها إلى غرفة المجلس...
      كان نائما بكل هدوء على الأرض, وقد توسد إحدى الوسائد التابعة للمقعد... وتلحف بأخرى... رق قلبي له... أردت أن أربت عليه بحنان... لكني ربت بقوة أشد قليلا لأوقظه للصلاة...
      استيقظ سامر وأخذ ينظر إلى ما حوله بهلع... يبدو أن تربيتي كان أقوى مما تصورت... قلت مطمئنا إياه:
      "بسم الله... لا تفزع... إنه وقت الصلاة"
      نظر إلي أخي ولم يكلمني... ثم نهض وجعل يمدد أطرافه بإعياء... وتوجه إلى دورة المياه التابعة للغرفة. أسرعت وجلبت سجادتي وفرشتها على الأرض... خرج أخي بعد قليل وقال:
      "أريد أن أستحم"
      ترددت قليلا... ثم خرجت وأقفلت الباب وعدت مجددا أحمل إليه ملابس نظيفة... وبقيت في الغرفة إلى أن أنهى حمامه وأدى صلاته... وعيني ترقبه من كل الزوايا...
      قلت:
      "تقبل الله"
      فأجاب دون أن ينظر إلي:
      "منا ومنكم"
      ثم رأيته يضطجع على المقعد... قلت:
      "جلبت لك بعض الطعام... أرجوك تناول شيئا"
      ولم يلتفت أخي إلي...
      قلت:
      "سننطلق قبل طلوع فجر الغد... أخبرني إن كنت تحتاج شيئا لنأخذه معنا"
      ولم يرد...
      اقتربت منه وتحدثت إليه بكل عطف... بقلب يحمل كل الحب والقلق... إذ قلت:
      "أخي... يا نور عيني... أنا لن أسألك لماذا فعلت هذا... ولا يهمني أن أعرف أي تفاصيل... إنني أريد فقط أن تنجو بحياتك وتبتعد عن الخطر بأسرع ما يمكن"
      وتابعت:
      "إنني عشت تجربة السجن... وقد كان معي في زنزانتي مجرمو سياسة وأمن بلد... ورأيت كيف عاملتهم السلطات وكيف عذبتهم أشد التعذيب وقتلتهم أمام ناظري"
      قال أخي أخيرا:
      "نحن لسنا مجرمين"
      تفحصت رده ثم قلت:
      "السلطات تعتبركم مجرمين. تصف كل من يعارضها علنا ويثير الشغب والفوضى بأي شكل من الأشكال تحت اسم مجرمي أمن"
      التفت إلي أخي وكأنه يبدي إلي شيئا من الاهتمام لكلامي أخيرا... فتابعت:
      "كانوا يعذبوننا أشد التعذيب... حتى أنا ورغم أنني لا أنتمي لتلك المجموعة, نلت نصيبي من الضرب المبرح المتوحش... لحبسي في الزنزانة الخطأ"
      وأضفت وأنا أكشف عن صدري وظهري:
      "انظر... كل هذا... وأكثر..."
      مشيرا إلى الندب التي خلفتها يد التعذيب على جسدي... ثم أشرت إلى أنفي وتابعت:
      "حتى أنفي كسروه كما ترى..."
      وتابعت:
      "وصديقي... والد أروى... عذبوه شر تعذيب حتى قضى نحبه وهو على ذراعي..."
      وتخيلت صورة نديم... في اخر لقطة له قبل أن يسلم الروح... وانتفض جسدي وامتقع وجهي وعصرت عيني لأمحو الصورة الفظيعة...
      قلت:
      "بعد كل هذا... كيف تظن بأنني سأسمح لهم بأن يقبضوا عليك؟؟ أبدا... أبدا"
      هنا جلس أخي ورد منفعلا:
      "أنا لا يهمني الموت ولا التعذيب..."
      ارتعدت من رده... وسألت:
      "ما الذي يهمك إذن؟؟"
      فقال:
      "لا شيء... لاشيء يهمني في هذه الدنيا التعيسة... لا شيء"
      وصمت قليلا ثم أضاف:
      "لا شيء... بعد كل من فقدت... انتهى كل معنى للحياة في نظري... فأهلا بالموت..."
      وجذب نفسا ثم تابع:
      "لكنني لن أموت قبل أن أنتقم منهم"
      تضاعف هلعي وسألت:
      "ممن؟؟"

      تعليق

      • Loli.
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 5513



        • أيـــام .. كانت أيام :(


          تليغرامي للإقتباسات
          اضغط هنا


          .

          شيخة قلبه سابقا

        رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

        فأجاب بعصبية:
        "من الأوغاد الخونة الغدارين... الذين قتلوا والدي..."
        فحملقت به مندهشا, فإذا به يقول:
        "هل تظن أنهما قتلا برصاص العدو؟؟"
        تفاقم تحديقي به, وأضاف:
        "بل هي السلطات الخائنة... التي لم تبذل جهدا لتحمي مواطنيها... وسمحت للمعركة أن تنشب عند الحدود وبالتحديد عند الشارع الذي كانت تعبره حوافل المدنيين الأبرياء العزل..."
        ووقف أخي من شدة انفعاله وهتف وهو يضغط على قبضته:
        "جعلوا من الحجيج الامنين مسرحا لجرائمهم النكراء... لن أسامحهم أبدا وسأجعلهم يدفعون الثمن"
        ثم رأيته يحني رأسه ويخفي عينيه خلف يده... ويصمت برهة... ثم يبكي...
        "سامر"
        ناديته بنبرة ضعيفة حانية... فأزاح يده عن عينيه وقال يخاطبني وسط الدموع:
        "أنت لم تر كيف كان جسداهما... لم تر شيئا... الجبين الذي كنت أعكف عليه تقبيلا وإجلال... مثقوب برصاصة اخترقت رأس أبي... والصدر الذي لطالما احتضننا... وفيه تربينا ومنه تغذينا... صدر أمي... منبع العواطف والمحبة والأمان... ممزق إلى أشلاء... حتى قلبها كان يتدلى خارجا منه... اه.... كيف لي أن أنسى هذا اه"
        وجثا أخي على الأرض وهوى بجبينه عليها وراح يبكي بصوت عال منفلت متألم... ويضرب الأرض بقبضته منهارا...
        لم أقو على تحمل ما سمعت... أطلقت اهة ألم من صدري وسالت دموعي أنا الاخر...
        كان سامر يضرب الأرض وهو يهتف:
        "يا أبي... يا أمي"
        ومع هتافه يتشقق قلبي وينطحن...
        كنت ألاحظ منذ وفاتهما رحمهما الله, أن سامر كان أطولنا حزنا... وأكثرنا تذكرا لهما وتألما على الذكرى... لقد كانا أقرب إليه مني وكان أقرب إليهما مني... بحكم الفترة الزمنية الطويلة التي قضيتها في السجن بعيدا عنهما ومحروما منهما...
        مددت يدي إلى كتفي أخي وشددت عليهما... إلى أن توقف عن البكاء والتفت إلي... ثم بدأ الشرر يتطاير من عينيه وقال:
        "أو تظن أنني سأهرب... دون أن أنتقم؟؟"
        قلت:
        "تنتقم ممن؟؟"
        قال:
        "من أي شيء يتعلق بالسلطات... إنهم هم المسؤولون عن مقتل والدي... وبهذه الطريقة البشعة"
        وهب واقفا فشددت عليه أكثر فقال:
        "دعني أطفئ النار المتأججة في صدري"
        فقلت:
        "وهل سيعيدهما للحياة... أن ترتكب أي عمل جنوني؟؟"
        فقال:
        "لكن غليلي سيشفى قليلا"
        فقلت:
        "وتدفع حياتك أو حريتك ثمنا؟؟ سامر إنهم لن يعتقوك"
        فقال:
        "لا أهاب الموت.. لا يهمني... وليس في حياتي ما يستحق العيش من أجله"
        شعرت بالمرارة من جملته... فقلت مستدرا عطفه:
        "كيف تقول هذا؟؟ سامر أنت لا تزال شابا صغيرا... لديك شبابك وصحتك... وعملك ومستقبلك... وعائلتك... كيف تضحي بكل هذا؟؟"
        فأجاب وهو يرمقني بنظرة حادة...
        "أي عائلة؟؟ الوالدان... قتلا... الشقيقة... رحلت بعيدا... الخطيبة... هجرتني... والشقيق..."
        وأمال زاوية فمه بسخرية وأضاف:
        "منافق.. متبلد.. لا يشعر.. لا يفهم... ولا يكترث..."
        وأضاف:
        "من بعد؟"
        جرحني ما قاله عني... أبعدت يدي عنه ونظرت إلى الأرض برهة... ثم أعدت بصري إليه وقلت:
        "بل أنا أحس يا سامر... أنت أخي... دماؤك هي دمائي... أكترث لك كثيرا... وإلا لما حبستك هنا وفعلت المستحيل من أجل سفرك"
        قال سامر:
        "ثم ماذا؟؟"
        فقلت:
        "ثم ماذا؟؟؟"
        وأجبت على السؤال:
        "ثم تبدأ حياتك من جديد في الخارج... المهم أن تخرج من الخطر الان... وبعدها سأفعل من أجلك أي شيء"
        فنظر إلي نظرة تشكك... ثم إذا به يسأل:
        "هل ستعيد إلي والدي؟؟"
        وانتظر ردة فعلي التي لم تكن أكثر من النظرات الحائرة... ثم تابع:
        "أم... هل ستعيد إلي خطيبتي؟؟"
        هنا تصلب جسمي... وتجمدت نظراتي وفقدت القدرة على تحريكها...
        ظل أخي يحملق بي وكأنه ينتظر الجواب... وطال الانتظار...
        ابتسم أخي ابتسامة ساخرة واهية بالكاد لامست طرف شفتيه... ثم أولاني ظهره وجلس على المقعد معلنا نهاية الحوار...
        انسحبت من الغرفة وأقفلت الباب... واستندت عليه وأغمضت عيني بمرارة...
        فهمت.. أن موضوع عارف المنذر... هو الشرارة التي فجرت برميل الوقود...
        هي رغد...
        هل هذا هو الثمن الذي تطلبه لقاء حياتك يا سامر...؟؟
        أتريد أن تخطف قلبي مني من جديد؟؟
        أتريد أن أتنازل لك عن... أول وأكبر وأهم وأعظم حلم في حياتي؟؟
        المخلوقة التي هي جزء لا يتجزأ مني... التي هي أنا... بروحي بقلبي بتفكيري بمشاعري بكياني بماضي بحاضري بكل معاني الأنا في...
        إنها ذاتي... كيف أكون... بدون ذات؟؟!!
        اه... يا رب...
        عندما فتحت عيني... خيل إلي أنني رأيت شبح رغد يقف في نهاية الممر... هل الإضاءة ليست كافية... أم أن غشاوة علت عيني من هول ما أنا فيه؟؟ أم... أم أنها خرجت من شريط أحلامي وظهرت أمامي كالطيف العابر..؟؟
        أغمضت عيني مجددا... محاولا ابتلاع جرعة الشبح القوية هذه... التي ظهرت لي في أتعس لحظات حياتي... وعندما فتحت عيني من جديد... لم أر شيئا...
        الحادية عشرة صباحا... استيقظت على رنين هاتفي المحمول الموضوع على المنضدة إلى جانبي... في غرفة المعيشة...
        مددت يدي والتقطت الهاتف وأجبت مباشرة:
        "نعم؟"
        فسمعت صوت الطرف الاخر... والذي لم يكن سوى أبي حسام, والذي كنت على اتصال به أولا بأول أبلغه ويبلغني بكل جديد... وكنت قد أبلغته عن عودة أخي وحبسي له في المنزل...
        "مرحبا وليد... اسمعني جيدا..."
        وبدا من نبرة صوته أهمية وخطورة ما سيقوله, وسرعان ما أفصح:
        "الشرطة في طريقها لتفتيش منزلكم... تصرف بسرعة"
        نهضت فجأة... فتبعثرت قصاصات صورة رغد التي كانت نائمة على صدري منذ الفجر.. سألت وقد اجتاحني الفزع والقلق فجأة:
        "ماذا؟؟"
        فكرر أبو حسام:
        "الان يا وليد... أنا أراهم أمامي في الطريق المؤدي إلى منزلكم. اخف الأمانة بسرعة داخل المنزل... في الحال... في الحال"
        قفزت بسرعة من مقعدي وركضت نحو غرفة المجلس... فتحت الباب وولجتها باندفاع وأنا أهتف:
        "سامر بسرعة... الشرطة قادمة"
        كان أخي نائما ولكنه سرعان ما انتبه على صوتي... أمسكت بذراعه وأنا أشده وأقول:
        "تعال... يجب أن تختبئ في مكان اخر"
        سامر سحب ذراعه من بين يدي وهو يقول:
        "حل عني"
        فهتفت بعصبية:
        "أقول لك الشرطة قادمة... ألا تفهم؟؟"
        فأجاب ببرود:
        "لا يهمني ذلك. سأسلم نفسي وننتهي من هذه المهزلة"
        قلت صارخا:
        "يبدو أنك لا تريد أن تفهم"
        ثم أطبقت على ذراعه وجررته معي إلى خارج الغرفة أسير متخبطا لا أعرف أين أخبئه... ظهرت رغد في الصورة أمام باب المطبخ ورأت المنظر فهلعت وسألت:
        "ماذا هناك؟؟"
        فقلت وأنا أجر أخي رغما عنه نحو المطبخ:
        "الشرطة... يجب أن نخبئه... لن أسمح لهم بأخذه ولو اضطررت لقتلهم جميعا"
        سرت على غير هدى... مرسلا نظراتي لكل ما حولي... مفتشا عن مخبأ...
        خرجت من الباب الخلفي للمطبخ... وسحبت أخي رغم مقاومته إلى الحديقة الخلفية المهجورة...
        نظرت يمنة ويسرة... ولم أجد أمامي سوى قطع من الأثاث القديم الذي أخرجناه للفناء عندما أتينا للعيش في المنزل, أنا ورغد وأروى والخالة, رحمها الله...
        وهناك... على مقربة من أدوات الشواء القديمة... التي أحرقت أخي ذات مرة... كانت مجموعة من قطع السجاد الملفوفة والمكومة على بعضها... كنا قد سحبناها إلى هذا المكان في ذلك الوقت...
        لم تخطر إي فكرة في بالي... أصلا كان دماغي مشلولا عن التفكير... أريد فقط أن أخفي هذا الشقيق عن أعين الشرطة إلى أن أسفره للخارج...
        دفعته حتى وقع أرضا... وجلست عليه حتى لأعيقه عن الحركة ومددت يدي إلى إحدى قطع السجاد الملفوفة ودفعتها لتنفتح...
        سحبت أخي إلى طرف السجادة وجعلت ألفه بها كما تلف الحشوة بالورق... وهو يصرخ:
        "ما الذي تفعله يا مجنون؟؟"
        إلى أن أخفيته تماما في جوف اللفافة. سحبتها بعد ذلك بكل طاقات عضلات جسمي... وركنتها إلى جانب كومة اللفائف الأخرى... ثم أهلت عليها التراب لتبدو وكأنها مركونة هنا منذ سنين...
        "إياك أن تصدر أي صوت يا سامر... لا تضع جهودي هباء... وإذا حاولت شيئا فسأستخدم سلاحك وأقتلهم جميعا... هل تسمع؟؟ لن أسمح لهم بأن يصلوا إليك أبدا"
        وعمدت إلى الرمال أخفي أثار أقدامنا عنهم... ثم قربت وجهي من فتحة اللفافة وقلت:
        "تحمل قليلا... سأخرجك فور ذهابهم... أرجوك اصمد وأنا سأحقق كل ما تتمناه... دعنا نسافر وافعل بعدها ما تريد... أرجوك يا سامر... أنا أرجوك"
        وقمت مهرولا إلى الداخل...
        كانت رغد واقفة عند باب المطبخ الخارجي تراقبنا مفزوعة, وكان جرس المنزل يقرع قرعا متواصلا.
        سحبت الفتاة إلى الداخل وأقفلت باب المطبخ وقلت:
        "إياك وفعل أي شيء يكشفنا يا رغد... أرجوك... حياة أخي رهن تصرفنا"
        أسرعت إلى غرفة مكتبي... والتقطت سلاح أخي الذي كنت أخبئه هناك, وأخفيته في ملابسي...
        جذبت نفسا عميقا ثم توجهت إلى باب المنزل الرئيسي ثم إلى الفناء الخارجي ثم إلى البوابة الرئيسية وفتحتها...

        ************
        كنت في المطبخ أتناول فطوري بهدوء... إلى أن سمعت صوت باب يفتح ووقع خطوات تجري بارتباك على الأرض... قفز إلى ذهني الظن بأن

        تعليق

        • Loli.
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 5513



          • أيـــام .. كانت أيام :(


            تليغرامي للإقتباسات
            اضغط هنا


            .

            شيخة قلبه سابقا

          رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

          سامر قد خرج من الغرفة بطريقة ما ويحاول الفرار... وسمعت صوت وليد بعدها يهتف:
          "سامر بسرعة... الشرطة قادمة"
          انتفضت ذعرا ووقف متكئة كليا على عكازي كعجوز طاعنة في السن... ثم جررت رجلي جرا نحو الباب... ورأيت وليد يقبل باتجاهي وهو يجر سامر قسرا... فسألت بفزع:
          "ماذا هناك؟؟"
          فرد باضطراب شديد:
          "الشرطة... يجب أن نخبئه... لن أسمح لهم بأخذه ولو اضطررت لقتلهم جميعا"
          أخرج وليد سامر إلى الفناء الخلفي ودفنه في جوف قطعة سجاد ملفوفة... مغمورة بالرمال والغبار...
          إنه سيختنق إن بقي هكذا لبضع دقائق... بدون أدنى شك...
          كانت عيناي معلقتين على لفافة السجاد وفوهي مفغور من الخوف والفزع... ولم أشعر إلا ويد وليد تسحبني إلى داخل المطبخ... ثم إذا به يختفي... لبضع ثوان... ثم يعود ومعه رفقة...
          رأيت وليد يقبل نحو فتحة باب المطبخ ويطرقه بيده ويتحدث إلي بينما عيناه تراقبان شخصا اخر:
          "بعد إذنك يا ابنة عمي... لدينا زوار"
          ثم يدخل إلى المطبخ ويتبعه شرطي يرتدي الزي العسكري... شعرت بالقشعريرة تهز بدني ورأيت نظرة خاطفة أرسلها وليد إلي مليئة بالتحذير...
          عبر الشرطي في المطبخ وهو يدوس بحذائه على الأرضية... وسار نحو المخزن وتفقده... ثم اتجه نحو الباب الخارجي وأمسك بقبضته وأدارها...
          كنت حينها أتصبب عرقا وأكتم أنفاسي... وأقف مختبئة خلف وليد...
          سمعت الشرطي يسأل:
          "أين المفتاح؟؟"
          فأجاب وليد:
          "مفقود منذ زمن"
          فسأل الشرطي:
          "ماذا يوجد خلف الباب؟"
          فأجاب وليد:
          "الفناء الخلفي للمنزل"
          فسار الشرطي متراجعا نحو باب المطبخ الداخلي... وغادره...
          استدار وليد إلي ولم ينبس ببنت شفة... وبقينا نركز سمعنا على حركة رجال الشرطة وهم يفتشون في أرجاء المنزل...
          أقبل أحدهم بعد ذلك إلينا وسأل:
          "الغرف في الطابق العلوي مقفلة... أين المفاتيح؟؟"
          فرد وليد:
          "أجل... إننا لا نستخدم معظمها لذلك نبقيها مقفلة"
          فكرر الشرطي:
          "أين المفاتيح؟؟"
          فقال وليد:
          "سأجلبها لكم"
          ثم التفت إلي وقال:
          "تعالي معي"
          وسرنا جنبا إلى جنب إلى غرفة مكتب وليد... حيث استخرج المفاتيح وسلمها للشرطي فقال الأخير:
          "رافقنا للأعلى"
          فقال وليد:
          "الفتاة مصابة كما ترى..."
          مشيرا إلى عكازي. فسلم الشرطي المفاتيح لرفقائه وأمرهم بتفتيش جميع الغرف... وبقي هو واثنان من أتباعه معنا في المكتب...
          قال الشرطي:
          "إذن... هل تقيمان بمفردكما هنا؟؟"
          فأجاب وليد:
          "تقيم معنا خادمة بشكل متقطع. وزوجتي مسافرة للحداد على والدتها المتوفاة مؤخرا"
          سأل الشرطي:
          "لمن ملكية هذا المنزل؟؟"
          فقال وليد:
          "ملكية مشتركة بيني وبين أخوتي وابنة عمي"
          فقال الشرطي:
          "والسيد سامر ال شاكر... ألا يقيم هنا؟؟"
          فأجاب وليد:
          "كلا.. إنه يقطن الشمال منذ سنين"
          واستمر الشرطي بطرح عدة أسئلة, أجاب عنها وليد بتماسك مصطنع... إلى أن أقبل رجال الشرطة وقالوا:
          "لا أحد في الطابق العلوي"
          فقال الشرطي القائد:
          "فتشوا الفناء"
          وهنا أحسست بيد وليد تنتفض... ولو لم يكن الشرطي ينظر نحو أتباعه لحظتها للاحظ ما لاحظت... واكتشف سرنا...
          أخذت أبتهل إلى الله في أعماقي أن يعمي أبصارهم عن مكان سامر... دعوته بكل جوارحي وأنا متأكدة من أن وليد يلهج بالدعاء مثلي...
          يا رب إننا لا نملك إلا قلوبنا لتتضرع إليك... لا تخيب رجائنا المتعلق بوجهك الكريم...
          غادر الشرطي القائد المكتب لاحقا بأتباعه... التفت إلى وليد والذعر يملأ وجهي فنظر إلي نظرة حمراء مرعبة... وقد تحول بياض عينيه إلى بحر من الدماء المغلية... ثم رأيت يده تتحرك نحو أحد جيوبه... ويخرج منه... مسدسا!!!
          شهقت فزعا فوضع وليد يده الأخرى على فمي يكتم شهقتي... وقال:
          "سأقتلهم إن لمسوه يا رغد"
          حاولت أن أتنفس ولم أستطع... احتقنت الدماء في وجهي واحتبس الهواء في صدري... كدت أقع مغشية من الذهول والفزع... سمعنا وقع أقدام تقترب... فخبأ وليد المسدس خلف ظهره واقترب من باب المكتب... ووقف على أهبة الاستعداد لأن يصوب المسدس نحو رجال الشرطة...
          أقبل الشرطي القائد وخلفه بعض من أتباعه, ووقف إزاء وليد ثم قال:
          "إذا جاء إلى هنا أو عرفتم له طريقا فمن الخير له ولكم أن تبلغونا. إنه مجرد مشتبه به وليس متهم. سنطلق سراحه بعد استجواب دقيق وينتهي كل شيء"
          ثم أشار إلى جنوده بالانصراف, وغادروا الجميع المنزل...

          ********
          التفت إلى رغد غير مصدق بأن الشرطة قد غادرت بالفعل... دون أخي... كنت أريد أن أسمع منها تأكيدا للأمر حتى أصدقه... غير أني رأيتها فجأة تنحني على المقعد وتتنفس بقوة وتئن...
          أعدت المسدس إلى جيبي وأسرعت إليها وانحنيت إلى جانبها بقلق شديد وقلت:
          "رغد أأنت بخير؟؟"
          فقال وهي تلتهم الهواء التهاما:
          "سأختنق... أكاد أختنق"
          وكان جسدها يرتعش من الذعر ووجها يسبح في بحيرة من العرق...
          شددت على يديها وأنا أقول:
          "أرجوك تشجعي... بسم الله عليك... تماسكي صغيرتي"
          وإذا بيديها تطبقان على ذراعي ووجها يندفن في ثنايا كم قميصي وهي تصيح منهارة:
          "أنا لا أتحمل هذا... سأموت من الخوف..."
          حاولت أن أهدئها قليلا ثم نهضت واقفا وابتعدت فصرخت:
          "إلى أين تذهب؟؟"
          فأجبت:
          "إلى سامر"
          وهرولت مسرعا تتبعني نداءاتها:
          "لا تتركني وحدي...!"
          من بين كومة السجاد... حركت اللفافة التي تغلف شقيقي... فتحتها بسرعة واستخرجت أخي من جوفها... أمسكت بكتفيه... ثم جعلت أنفض التراب عن وجهه وشعره وأنا أخاطبه:
          "نجونا يا عزيزي... لقد رحلوا"
          نظر إلي سامر نظرة حزينة موجعة... فقلت:
          "سامحني يا عزيزي... لم أكن أريد أن أفعل بك هذا... سامحني"
          ثم طوقته بذراعي وجذبته إلى صدري وعانقته عناقا حميما...
          بعد ذلك أخذته إلى داخل المطبخ وقدمت إليه الماء فشرب كمية كبيرة... لا تقل عن الكمية التي أفرغتها في جوفي بسرعة...
          قلت بعدها:
          "لم يعد البيت امنا لك... ساخذك إلى مكان اخر حتى يحين موعد الرحيل"
          جلس أخي على أحد المقاعد الموزعة على الطاولة, ووضع رأسه على الطاولة باستسلام وتأوه...
          قلت وأنا أتحرك نحو الباب الداخلي للمطبخ:
          "سأرى كيف يمكنني إخراجك الان وإلى أين اخذك"
          وقبل أن أخرج من المطبخ سمعته ينادي:
          "وليد"
          التفت إليه فرأيته ينظر إلي وقد علت قسمات وجهه شتى التعبيرات...
          "لماذا... تفعل هذا لي؟؟"
          سألني وعيناه تكاد تنزفان دمعا من فرط ما هو فيه... فقلت:
          "كيف تسأل يا سامر؟؟ إنك أخي الوحيد... أنا ليس لي في الدنيا شقيق وقريب غيرك..."
          فقال سامر:
          "لكنني..."
          ولم تسعفه الكلمات... فقلت:
          "أنا... لن أرى شقيقي الوحيد... ما تبقى لي من أبوي... ومن الدنيا... يتعرض للخطر وأقف متفرجا... مهما كان حجم ما اقترفته... أنا لن أسمح لمخلوق بإيذائك يا سامر... أرجوك... دعني أنفذ خطتي... ثق بي..."
          وذهبت مسرعا إلى غرفة المعيشة, حيث كنت قد تركت هاتفي المحمول...
          اتصلت بأبي حسام, فأخبرني بأنه كان لا يزال يحوم على مقربة من المنزل, وأن الشرطة قد غادرت ولا شيء يثير الشبهات حول المنزل... فطلبت منه المجيء وفور وصوله أدخلته إلى المنزل فسألني:
          "أين سامر؟؟"
          فأخذته إلى المطبخ, حيث كان سامر يجلس, وكذلك كانت رغد...
          الدهشة علت وجهي سامر ورغد لدى رؤية أبي حسام... والأخير توجه مباشرة نحو سامر وشد على كتفه وهو يقول:
          "الحمد لله... انك لا تزال بخير"
          سامر نظر إلي بحيرة وقلق, فقلت:
          "إنه يعرف كل شيء... وهو هنا لمساعدتنا"
          وأبو حسام للعلم يعمل في إحدى الدوائر العسكرية, عملا مكتبيا.
          التفت إليه وقلت:
          "ساخذ سامر إلى مكان اخر... أرجوك أبق مع رغد حتى أعود... ولا تفتح الباب لأي طارق... سأعود بأقصى سرعة"
          "ماذا؟؟"
          كان هذا صوت رغد تهتف بفزع وهي تهب واقفة وأمارات الخوف جاثمة على وجهها, ثم تقول:
          "لن تتركني وحدي هنا"
          فقلت:
          "أبو حسام سيكون معك"
          فهتفت:
          "لن تتركني وحدي في هذا المكان... لا يمكنني البقاء هنا أكاد أموت ذعرا... أرجوك وليد خذني معك"
          قلت محاولا طمأنتها وتهدئتها قدر الإمكان:
          "يا رغد... المشوار الذي سنقطعه أكثر خطورة... أنت هنا بأمان أكثر... قد يداهمنا رجال الشرطة أو قد يحصل أي شيء في طريقنا, كيف تريدين مني أن أصطحبك؟"
          تحدث أبو حسام موجها الخطاب لرغد:

          تعليق

          • Loli.
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 5513



            • أيـــام .. كانت أيام :(


              تليغرامي للإقتباسات
              اضغط هنا


              .

              شيخة قلبه سابقا

            رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

            "لا وقت لنضيعه في الكلام, يجب أن نخرج سامر من هنا فورا"
            ثم التفت إلي وقال:
            "هيا يا وليد... عجل..."
            تبادلت النظرات مع أخي وأبي حسام ثم عدت إلى رغد... وحال منظرها الفظيع دون نطقي بأي تعليق. فقال أبو حسام مستعجلا:
            "الان يا وليد"
            مسحت قطيرات العرق المتجمعة على وجهي وعنقي ثم قلت موجها خطابي إلى رغد:
            "ابقي لحين عودتي... لن أتأخر"
            أغمضت رغد عينيها ذعرا... لكنني لم أستطع غير المضي قدما...
            التفت إلى شقيقي الجالس على المقعد وقلت:
            "هيا بنا... توكلنا على الله"
            لم يتحرك سامر بادئ ذي بدء... ظهر هادئا مستسلما يائسا... وكأن الأمر لا يعنيه أو أنه فاقد الأمل في النجاة...
            نظر أبو حسام إلى سامر وقال محثا إياه على النهوض:
            "هيا يا بني"
            وهو يشد على كتفيه. وقف سامر وعيناه تدوران فيما بيننا وأعيننا معلقة عليه... ثم نطق أخيرا:
            "إلى أين؟؟"
            يسأل عن المخبأ الذي خططت لنقله إليه, فأجبت:
            "مصنع والدي"
            حملق الجميع بي لبرهة... تعلوهم الدهشة.
            مصنع والدي, دمر أثناء غزو العدو على المدينة قبل سنوات... وهو الان مهجور وخرب ولا تتنازل حتى وحوش البرية للإقامة فيه. يقع المصنع عند أطراف المدينة في مكان ناء... يستغرق الوصول إليها زمنا... خصوصا وأن الشوارع بقيت على حالها مدمرة ومتقطعة...
            أخيرا التفت أبو حسام إلى سامر وقال:
            "توكلا على الله"
            وسار أخي وهو يقترب مني... حيث كنت الأقرب إلى الباب. وعندما صار أمامي... مددت يدي إلى ذراعه وقلت:
            "سامر... ثق بي... اعتمد علي... أعدك بأن تغادر البلد سالما بإذن الله... لقد رتبت لكل شيء... النقود تسهل كل صعب..."
            نظر إلي أخي والهم يعشش على عينيه... نظرة هزتني من الأعماق... فشددت على ذرعه بقوة وقلت:
            "أرجوك... تشجع... وعدني بأنك لن تضيع جهودي عبثا... عدني بأن تلتزم بما أقوله لك... ولا تحاول شيئا اخر... أرجوك عدني"
            أحس أخي الرجاء الشديد في نبرة صوتي, وأخيرا نطق:
            "أعدك... وليد"
            فابتسمت مشجعا... وشددت على ذراعه أكثر... ثم استخرجت من أحد جيوبي السلاح الذي كنت أخفيه...
            قدمته نحو أخي, وهو ينظر إلي مندهشا... فقلت:
            "استخدمه إذا اضطررت..."
            أخذ سامر مسدسه من يدي... وهو يحملق بي غير مصدق... ثم خبأه في أحد جيوبه, ثم عانقني عناقا أخويا حميما...
            حملنا معنا هاتفي وهاتف سامر, والذي كنت قد احتفظت به عندي, وقبل المغادرة التفت إلى رغد... والعم أبي حسام, وقلت:
            "أمانتك لحين عودتي..."
            وأشحت بوجهي قبل أن يحدث منظر رغد في قلبي ثقبا جديدا...
            أخيرا دخلنا أحد المباني... المبنى الذي كان يحوي مقصفا للعمال وغرفة استراحة... كان المبنى الأقل تضررا والذي لا يزال سقفه يقف على جدرانه.
            المكان كان موحشا جدا... لا يثير في النفس إلا الذعر...
            لم تكن هناك أي إنارة عدا بصيص بسيط يتسلل عبر نافذة صغيرة قرب السقف...
            "سيكون هذا جيدا"
            قلت ذلك وأنا أنفض الغبار والأتربة عن أريكة مجاورة وأدعو أخي للجلوس, فرد:
            "ما هو الجيد؟؟"
            وقد غمره الاستياء والنفور الشديدين من المكان... بقي أخي واقفا ينظر إلى ما حوله بازدراء... جلت ببصري في الغرفة ولم أستطع إقناع نفسي بغير شعور أخي... الازدراء...
            قلت مشجعا:
            "لبضع ساعات... تحتمل"
            وأشرت إليه أن يجلس, لكنه لم يفعل...
            أخي منذ صغره, اعتاد العيش في النعيم. منزلنا الكبير في الجنوب... ومنزلنا الراقي في الشمال... وشقته الفاخرة... أذكر أنه عندما زارني في المزرعة ورأى الغرفة المتواضعة التي كنت أقيم فيها والمنزل البسيط, شعر بالنفور والازدراء...
            قلت:
            "هذا لا شيء... مقارنة بالزنزانة"
            وأنا أتذكر الزنزانة الفظيعة التي أضعت بين جدرانها القذرة ثمان سنوات من عمري...
            نظر سامر إلي باستسلام, ثم جلس على الأريكة كارها. لو لم يكن لدي ما أنجزه للضرورة القصوى, لكنت بقيت برفقته... كيف لي أن أترك أخي في مكان مهجور ومرعب وقذر كهذا؟؟
            قلت وأنا أستعد للمغادرة:
            "سأنهي ما لدي وأعود إليك..."
            وأضفت:
            "كن حذرا... ابق عينيك وأذنيك يقظتين و هاتفني إن حصل شيء على الفور"
            أرسل أخي إلي نظرة قرأت فيها توسلا... بألا أغيب عنه... فرددت على رسالته بنظرة تقول: (انتظرني...)
            وهكذا, غادرت مصنع أبي المهجور... تاركا في قلبه شقيقي الوحيد... وحيدا...
            اتصلت بعد ذلك بالمنزل أطمئن على رغد وأبي حسام وأطمئنها علينا... وتوجهت بعدها لاستلام الوثائق الضرورية التي تلزمنا للسفر... وأنجزت مهاما أخرى...
            لن تصدقوا ما اضطررت لفعله من أجل إنقاذ أخي... لم أكن لأتصور نفسي سألجأ إلى هذا... يوما من الأيام...
            عدت بعد ذلك إلى المنزل... بمجرد دخولي للداخل, وقع بصري على رغد...
            كانت تجلس في الممر... على الأرضية الرخامية... مستندة إلى الجدار... ومادة رجليها إلى الأمام... وعكازها مرمي إلى جانبها الأيسر وهاتفها إلى جانبها الأيمن... ووجها مغمور في سحابة داكنة من الهلع والاضطراب... حينما رأتني مدت يدها نحوي ونادتني بلهفة:
            "و... ليد"
            كان صوتها ضعيفا واهنا... سلبه الخوف والفزع المقدرة على التماسك... تقدمت نحوها وجلست إلى جانبها... أسندت رأسي إلى الجدار... ومددت رجلي إلى الأمام... مثل وضعها... وأغمضت عيني...
            كنت أريد أن ألتقط بعض الأنفاس... أحسست بيدها تتشبث بذراعي... التفت إليها... وغاصت عيناي في بحر خوفها...
            قلت:
            "قبل بزوغ الفجر...تبدأ رحلتنا يا رغد"
            رغد تحدت ببقايا صوتها قائلة:
            "إلى... أين؟؟"
            فأجبت:
            "برا إلى البلدة المجاورة... ثم جوا إلى الخارج... إلى دانة"
            وشعرت بيدها ترتجف... فقلت:
            "فقط... لنعبر الحدود بسلام... ادعي يا رغد..."
            أغمضت رغد عينيها وكأنها تلح بدعواتها القلبية... إلى الله... فأعدت رأسي إلى الجدار وأغمضت عيني ولهج قلبي بالدعاء...
            بعد قليل تحدثت رغد قائلة:
            "لا أكاد أصدق شيئا يا وليد... لا أستطيع أن أستوعب ما يجري... أهو كابوس..؟؟ أرجوك قل لي بأنه كابوس"
            فتحت عيني... والتفت إليها... ثم قلت:
            "أتمنى لو أنه كان كابوسا يا رغد... ليته كان كابوسا... اه"
            سألت وهي غير مصدقة:
            "لماذا...؟؟ سامر!! أنا لا أصدق... إنه لا يمكن أن يفعل شيئا... إنه هادئ ومسالم جدا... ماذا فعل؟؟ ولماذا؟؟"
            حملقت في رغد... وتأوهت بمرارة... وكان صدري على وشك أن ينفث أدخنة كثيفة من الاهات المتألمة... لا بداية لها ولا نهاية, غير أن أبا حسام أقبل نحونا قادما من مجلس الضيوف... ثم سألني:
            "كيف سارت الأمور؟؟"
            فالتفت إليه وأجبته:
            "كما ينبغي حتى الان... المهم الحدود.."
            سمعت رغد تقول بقلق:
            "ماذا إن أمسكت بنا الشرطة؟؟ ماذا سيفعلون بنا؟؟"
            عضضت على أسناني توترا... ونظرت إليها وأنا لا أجد جوابا... إلا أن أقول:
            "لا سمح الله... سنكون في مأزق كبير جدا..."
            وجوابي زاد من ارتجاف يدها حتى انتقلت خلجاتها إلى ذراعي وهزتني...
            تقدم أبو حسام, وجلس على عتبات السلم المجاورة لنا... ثم قال:
            "هل يجب أن... تأخذها معكما؟؟"
            فجأة انفلتت أصابع رغد وانفتحت قبضتها عن ذراعي... وما كدت ألتفت إليها حتى انطلقت قائلة بانفعال:
            "طبعا سأذهب معكما"
            وكأنها تخشى أنني سأقول غير ذلك.
            أبو حسام قال:
            "تعرف يا وليد أن في الأمر مخاطرة... أخرجه أولا... ثم عد وخذها أو أفعل ما تشاء"
            كنت لا أزال أحدق في رغد... والتي ما كاد أبو حسام ينهي جملته حتى هتفت وعينها تكادان تقفزان من محجريها من شدة تحديقها بي:
            "سأذهب معكما"
            فقلت مطمئنا وأنا أرى الهلع يجتاح وجه الفتاة:
            "لا تقلقي. فأنا لا أفكر في تركك والسفر إلى خارج البلد"
            وسمعت أبا حسام يقول:
            "ولكن يا وليد... أليس من الامن لها أن تبقى عند خالتها؟؟ فقط اضمن خروج سامر بالسلامة واطمئن على نجاته ثم تعال وفكر فيما ستفعله"
            قلت:
            "لا أستطيع السفر وترك صغيرتي هنا. لن يرتاح لي بال... لا ينقصني هم اخر..."
            والتفت إلى رغد.. فإذا ببعض الارتياح يمحو اثار الهلع الأخيرة... لكنه كان ارتياحا قصيرا سرعان ما أربكه كما أربكني رنين هاتفي...
            حبست أنفاسي ونظرت إلى شاشة الهاتف بهلع... متوقعا أن يكون هذا سامر... أو أحد الأشخاص الذين أتعامل معهم لتهريبه... أو حتى الشرطة... وعندما رأيت اسم (المزرعة) يظهر على الشاشة أطلقت نفسي المحبوس بقوة...
            "نعم مرحبا"
            "مرحبا يا وليد يا بني... كيف حالك؟"
            لقد كان عمي إلياس. أجبت بعجل دون أن ألقي بالا عليه:
            "بخير"
            فسألني عن أحوال ابنة عمي وأحوال العمل وحتى أحوال الطقس, فرددت مقتضبا:
            "بخير, أهناك شيء؟؟"
            وأحس عمي من ردي ونبرتي أن لدي مشكلة. فسألني:
            "ما الأمر يا بني؟؟"
            فأجبت بضيق:
            "اسف. أنا مشغول الان"
            فقال:
            "حسنا. هلا اتصلت بي بعدها؟؟"
            فجذبت نفسا ورددت:
            "أنا مشغول جدا يا عم"
            امتزج القلق بنبرة عمي وهو يسأل:
            "أأنت على ما يرام؟؟"
            فأجبت:
            "أجل ولكن لدي مشاكل حرجة"
            فقال:
            "إذن... لن تأتي اليوم أيضا؟؟"
            لقد كان يوم الخميس.. وكان يفترض بي السفر للمزرعة لحل مشكلتي مع أروى الأسبوع الماضي, وأجلت السفر بسبب سفر أخي المفاجئ, واضطراري للبقاء مع رغد... والان أرجئه إلى أجل غير مسمى بسبب الورطة الحرجة التي نمر بها...
            قلت:
            "لا يمكن..."
            وأضفت:
            "عمي... سأغيب لفترة غير محددة"
            صمت عمي برهة,لا بد وانه تضايق من ردي... في حين أنه ما فتئ يتصل بي ويطلب حضوري من أجل أروى...
            سمعته بعد البرهة يقول:
            "ولكن أروى..."
            ولم أسمع ما قاله بعدها... إذ أن هاتفي قد استقبل اتصال اخر... وفور إلقائي بنظرة سريعة على الشاشة أجبت المكالمة الثانية بلهفة:
            "نعم سامر هل أنت بخير؟؟"
            وقلبي ينزلق من صدري كما تنزلق قطرات العرق من جبيني...
            رد سامر قائلا:
            "نعم وليد... ألن تأتي؟ المكان موحش هنا جدا"
            ازدردت ريقي ثم قلت:
            "هل سمعت شيئا؟؟ هل حدث شيء؟؟"
            فقال:
            "رأيت أفعى من حولي... الشمس توشك على المغيب ولن أستطيع رؤية حتى يدي بعد قليل... اجلب لي مصباحا"
            علقت:
            "تقول أفعى؟؟"
            فقال:
            "نعم. ومن يدري؟ ربما يوجد عقارب أو ما شابه... والجو حار وخانق"
            قلت:
            "إذن الزم الطابق العلوي. ولو فوق السطح... أنا قادم إليك الان"
            فرد:
            "نعم أرجوك"
            قلت:
            "توخ الحذر... يحفظك الله"
            وأنهيت المكالمة وهببت واقفا فهبت رغد مستندة إلى عكازها ووقف أبو حسام تباعا... قلت:
            "سأعود إليه"
            فهتفت رغد:
            "لا تتركني مجددا أرجوك"
            فقلت مخاطبا إياها:
            "ساخذ إليه بعض الطعام والماء ومصباحا يدويا... وأبقى لمؤانسته بعض الوقت فالمكان هناك شديد الوحشة"
            قالت رغد:
            "وأنا؟؟"
            نقلت بصري بين رغد وأبي حسام وكدت أنطق بجملتي التالية إلا أن أبا حسام سبقني قائلا:
            "دعني أذهب أنا هذه المرة... وابق أنت مع ابنة عمك"
            وركزت نظري عليه يعلوني التردد... فقال:
            "هات ما يحتاجه... سأبقى برفقته حتى تأتيان فجرا"
            فقلت:
            "و... لكن... يا عم..."
            ولم أكن أعرف ما أريد قوله... وتولى أبو حسام دفة الكلام وقال:
            "قضاء ليلة كاملة وحيدا في مكان مهجور ومنقطع عن العالم فيما الشرطة تبحث عنك هو ليس بالأمر المتحمل... لا يجب أن نتركه بلا رفيق. سأبقى معه في انتظار مجيئكما صباحا"
            وهكذا اتفقنا على أن يذهب أبو حسام حاملا الحاجيات إلى سامر ويبقى برفقته تلك الليلة...
            كنت أعرف حتى الان... أنها لن تكون مجرد ليلة عادية... بل ستكون... ليلة رعب وقلق وأرق متواصل... وأنني وإن كنت سأقضيها في منزلي جسديا, فسأقضيها مع سامر روحيا وقلبيا... وأنني لن أعرف للنوم طعما ولا للبال راحة وسأبقى أترقب ساعة بعد ساعة... أذان الفجر... الذي ستعقبه رحلة الفرار...
            هكذا كنت أتوقع لتلك الليلة أن تكون... من أسوأ ليالي عمري... لكنني, ورغم كل توقعاتي وتوجساتي... وجدتها قد اجتاحت كل الحدود... وأتت أشد وأقسى من أن تخطر لي على بال... على الإطلاق...
            ليلة الرعب الأعظم في حياتي تلك... الأفظع والأبشع والأشنع على الإطلاق... قضيتها... مع... وفقط مع... صغيرتي البريئة... شريكة المواقف الفظيعة... والحوادث المريعة...فتاتي الحبيبة رغد...

            تعليق

            • Loli.
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 5513



              • أيـــام .. كانت أيام :(


                تليغرامي للإقتباسات
                اضغط هنا


                .

                شيخة قلبه سابقا

              رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

              الجزء الخمسون
              الفرار
              طلبت من رغد أن تأوي على الفراش باكرا... لأننا سنرحل باكرا بعيد صلاة الفجر مباشرة. كانت رغد مصرة على البقاء ساهرة على جانبي في غرفة المعيشة... مترقبة معي أي جديد... لكنني ألححت عليها بالذهاب على غرفتها ونيل حصتها من النوم... فما ينتظرنا في الصباح شاق وطويل...
              كنت أشعر بالأسى لحال الصغيرة... فهي وجدت نفسها فجأة مضطرة للسفر ومعرضة للخطر والإرباك... وهي مجرد فتاة صغيرة لا ذنب لها فيما يحصل ولا طاقة لها بتحمله...
              للحظة استسغت فكرة أبي حسام في أن يصطحبها معه إلى الشمال... حيت تجد الاستقرار والأمان في بيت خالتها ومع أقاربها... لكنني خشيت أن يحصل معي ومع سامر أي شيء... يمنع عودتي إليها ويقطع اتصالي بها... كنت بين ألسنة النيران تحيط بي من كل جانب... ولم يكن لدي متسع من الوقت لإعادة التفكير وتغيير مجرى الخطة...المهم الان أن أضمن سلامة سامر, وبعده... سأعيد النظر في كل شيء...
              كنت جالسا على أحد المقاعد في غرفة المعيشة... أعيد إلى محفظتي القصاصات التي بعثرتها صباح اليوم... قصاصات صورة رغد... وأرتب النقود وخلافها في حقيبة اليد الصغيرة وأنا شارد التفكير... فيما أنا كذلك, قرع جرس المنزل...
              هببت واقفا فجأة... متوجسا خيفة...
              قرع الجرس مجددا... قرعا فوضويا... قرع قلبي معه... أسرعت إلى الهاتف الداخلي وسألت عن الطارق.
              "المباحث. لدينا أمر بتفتيش المنزل. افتح الباب"
              تلاحقت أنفاسي هلعا... الشرطة من جديد؟؟
              لم أكن أريد أن أفتح الباب... لكن... كان لابد لي من ذلك... فتحت القفل الالي للبوابة الخارجية وسرت نحو الباب الداخلي وما كدت أفتحه إلا وفوجئت بحشد كبير من العساكر يندفعون بقوة نحو الداخل... مصوبين فوهات أسلحتهم نحوي وفي كل اتجاه...
              كانوا يرتدون زيا مختلفا عما رأيت مسبقا... مما حدا بي إلى الاستنتاج أنهم ليسوا عساكر مدنيين...
              أخذني الفزع ولم أجسر على أي تصرف... وإذا بقائدهم يحدق بي ثم يشير إلى العساكر امرا:
              "ليس الهدف, انتشروا"
              أخذ الجنود يتدفقون إلى الداخل... فهتفت وأنا أراهم ينفذون الأمر دون اعتبار لي:
              "انتظروا... أنتم... كيف تقتحمون علينا المنزل... ما هذا؟؟"
              والحشد يستمر بالتوغل غير ابه بكلامي.
              التفت إلى القائد فإذا به يقول:
              "لا تعترضنا. لدينا أوامر رسمية بتفتيش المنزل واعتقال المشبوهين"
              فالتفت إلى العساكر ورأيت بعضهم يندفعون عبر الردهة إلى الممر الأيمن...فلحقت بهم بسرعة وركضت أسبقهم نحو غرفة رغد ووقفت عند بابها...
              توزع العساكر فرقا في كل الاتجاهات... إلى اليمين في اتجاه المطبخ وغرفة المائدة... إلى الشمال في اتجاه المجلس وغرف الضيوف... إلى الدرج... إلى الطابق العلوي... انتشروا انتشار الجراد على الحقول... يدوسون بأحذيتهم العسكرية على أرضية وسجاد المنزل النظيف مخلفين اثارا قذرة كقذارة تصرفاتهم...
              اقتربت فرقة منهم مني يريدون اقتحام الغرفة خلفي...
              صرخت بهم:
              "ما هذه الهمجية؟؟ ألا تراعون أن للبيوت حرمات؟؟"
              رد أحدهم بوقاحة:
              "لا تكثر الكلام. دعنا ننجز مهمتنا"
              فقلت بغضب:
              "هل تقبل بأن يقتحم أحد عليك بيتك بهذا الشكل؟؟"
              حينها أقبل قائدهم ووقف أمامي واستخرج من جيبه ثلاث صور لثلاثة أشخاص... لمحت أخي من بينهم... وكانت الصورة قديمة له قبل إجراء عملية التجميل لعينه اليمنى..., ثم قال:
              "نحن نبحث عن هؤلاء... أتعرفهم؟؟"
              أجبت:
              "لا يوجد في هذا المنزل من تريدون... لقد فتشتم أرجاءه كاملة هذا الصباح فماذا تريدون بعد؟؟"
              وعوضا عن الشعور بالخجل من همجية عساكره, قال قائدهم:
              "فتشوا الغرفة"
              يقصد غرفة رغد التي أقف أنا عند بابها حائلا دون تقدمهم.
              صرخت وأنا أنشر ذراعي سادا المعبر:
              "إياكم والاقتراب... هذه غرفة فتاة ولا أسمح لكم بدخولها"
              فقال القائد مصرا:
              "فتشوها"
              اقترب أحد العساكر مني فدفعته بيدي وأنا أهتف:
              "قلت لكم لن تدخلوها... أليس لديكم أي اعتبار للحرمات؟؟ ابتعدوا"
              فجأة... إذا بجميع العساكر من حولي يشهرون أسلحتهم في وجهي... وإذا بقائدهم يأمرهم:
              "ابتعدوا"
              ولم أر إلا سواعد غليظة قاسية تنقض علي محاولة جري بعيدا عن الباب...
              حاولت أن أقاومهم... ضربت... ركلت... صرخت:
              "رغد"
              ثلاثة منهم أطبقوا على أطرافي وجروني إلى الأمام... واخر تسلل من خلفي وأطبق على مقبض الباب وفتحه...
              صرخت بكل حنجرتي:
              "رغد... رغد"
              وحررت إحدى يدي وأطبقت على الجندي الذي فتح الباب وسحبته من قميصه إلى الوراء بقوة... نظرت إلى الداخل فرأيت رغد تهب جالسة على سريرها وتنظر نحو الباب وتنطلق صرخاتها المفزوعة فورا...
              هتفت:
              "رغد"
              ثم جررت بقية أطرافي بكل ما أوتيت من قوة من بين قبضات الثلاثة الاخرين وركضت مسرعا إليها...
              كانت رغد تطلق الصرخة تلو الصرخة من فرط الفزع... قدمت إليها بسرعة وأحطتها بلحافها وطوقتها بذراعي وجذبتها إلي وأنا أهتف:
              "أنا هنا يا رغد... هنا معك... أنا معك"
              وهي مستمرة في نوبة الصراخ المفزوعة لا تكاد من شدة فزعها أن تسمعني...
              الغرفة كانت خافتة الأضواء... تستمد نورها من مصباح النوم المجاور للسرير...
              اقتحمها جنود الأمن... بل جنود الرعب والفزع... وأخذوا يجوبون في أرجائها ويفتشون الدواليب... والستائر...
              صرخت فيهم بأعلى صوتي:
              "أيها الأوغاد... أيها الحقيرون... أيها الهمجيون الأراذل"
              لكن صراخي لم يكن يهز في مشاعرهم المتبلدة أي شيء...
              اقترب أحدهم منا... قاصدا تفتيش أسفل السرير فانفلتت أعصابي أشدها... ونظرت من حولي فرأيت الهاتف الثابت موضوعا على المنضدة المجاورة... أطبقت عليه ثم رفعته ورميت به بقوة باتجاه الجندي فأصبته...
              التفتت أعين بقية العساكر إلي... ولم أر إلا حشدا غوغائيا متوحشا يهرع باتجاهي كي يهاجموني...
              تركت رغد من بين يدي وهببت نحوهم أحول دون تقدمهم وأنتقم لانتهاك حرمة منزلي...
              ضربت... ركلت... ولكمت... بثورة... بشراسة... بكل ما أوتيت من قوة... أو ما تبقى في جسدي من قوة بعد كل ما ألم به مؤخرا...
              عددهم كان عشرة أو أكثر... كانوا مسلحين... أجسادهم ضخمة وقوية... تدربت على القتال العنيف... الفتاك...
              أذاقوني فنونا لم أذقها أيام سجني... انقضوا علي انقضاض قطيع من الذئاب الجائعة على فريسة واحدة... قبل أن تنتهي الضربة تلقفني ضربة أخرى... وقبل أن أشعر بالألم في موضع, يصاب موضع اخر... وقبل أن أحرك أي جزء من جسمي, تجثوا علي أجسادهم الثقيلة فتشلني تماما...
              أظنهم كسروا جمجمتي... ربما سحقوا دماغي... لأنني لا أستطيع أن أتذكر ما حصل... لم أعد أستطيع التذكر... لم أعد أستطيع الرؤية... لم أعد أستطيع التنفس... ولم أعد أستطيع سماع... صراخ رغد...

              **********
              أما أنا... فقد كنت أسمع صوت الضرب... وصوت وليد يصرخ متألما... وكنت أصرخ... وأصرخ... وأصرخ...
              حسبت أنني مع صرختي الأخيرة... خرجت روحي مفارقة جسدي...
              أبعدت اللحاف عن وجهي... هل لي بنظرة أخيرة على وليد؟؟ أين وليد؟؟ أين وليد؟؟ كان هناك... تحت كومة ضخمة من الأجساد البشرية... الوحشية... غارقا في الدماء...
              لقد رأيته... يمد يده نحوي... يحاول أن يزحف باتجاهي... لم يكن ينظر إلي... كانت الدماء تغرق عينيه...لكنه يعرف أنني هنا... أنا هنا وليد... تعال إلي... وليد أسرع إلي... ابتعدوا عنه... أيها الأوغاد ابتعدوا عن وليد...
              أمسكت بعكازي... ووقفت... لا أعرف كيف... وسرت خطوتين... فوليد لم يكن بأبعد من ذلك...
              رفعت عكازي... وهويت به على رأس أحد الأشرار... هل أصبته؟؟ أم أخطأته؟؟ لا أدري... لكن العكاز لم يعد في يدي... لم أعد أستطيع أن أقف... كنت سأقع على حافة السرير, لكن شيئا ما قد ضربني وأوقعني أرضا...
              صرخت...
              "اه..."
              وسمعت صوت وليد يرد على صرختي:
              "رغد"
              صوته جاء أشبه بصدى مرتد عن بئر عميق...
              اقترب الوحش الذي ضربته مني... ورفع قدمه ورفسني بقوة... رفسة ربما كسرت العظم الذي ما كاد ينجبر في يدي اليمنى... وأنا أطلق الصرخات... فزعا وألما...
              "وليد... وليد...وليد"
              تحركت يد وليد من تحت كومة الوحوش... ثم ظهر جسده وهو يستل من بين قيودهم بصعوبة... يقاوم هذا ويدفع هذا ويضرب ذاك... وهو يصرخ:
              "ابتعدوا عنها أيها القذرون"
              ويزحف على ركبتيه... حتى وصل إلى الوحش الذي ضربني وأطبق على ساقه وجذبها وأوقعه أرضا... وأسرع إلي...
              تشبثت به بقوة... وأنا أرتجف كالزلزال من الذعر... أبحث عن نقطة أمان بين يديه... كانت يداه تحاول أن تحتوياني... يقربني ويبعدني وهو يهتف باسمي مكررا:
              "رغد... رغد..."
              فجأة... رأيت عصا تحلق في الأعلى... ثم تحط بقوة على رأس وليد...
              صرخت... وصرخ وليد... وأفلت من بين يديه... ورأيت رأسه يهوي أرضا... ثم إذا به يبتعد عني... كانوا يسحبونه بعيدا...
              صرخت... ومددت يدي نحوه وأمسكت بيده وأنا أناديه بفزع ما ضاهاه فزع... ورأيت يده تتحرك وتمسك بيدي... ثم تنفلت منها... وليد لم يكن ينظر نحوي... لم يكن يراني... لأنهم كانوا يقلبونه صدرا على ظهر... ويمينا على شمال... كانوا يمسكون برأسه... ويوشكون على كسر عنقه... كانوا يريدون أن يقطعوا نحره بحافة ذقنه... كانوا يحاولون خلع مفاصله وفصل أطرافه عن جسمه... رأيتهم... يدوسون على ذراعه الممدودة نحوي... ويركلون رأسه كما تركل كرة القدم...
              وعصيهم كانت تنهال على ظهره وصدره بالضرب... وكأنهم يفتتون صخرة صلبة... تسد عليهم الطريق...
              أولئك... لم يكونوا مخلوقات من هذا الكوكب... لم يكونوا يدركون... من هذا الذي يهمون بقتله... لا يعرفون أن هذا... هذا هو... وليد... وليد قلبي... كل حياتي...
              أردت أن أنهض وأهب للذود عنه... لأفعل أي شيء... لأصد عنه ضرباتهم... بحثت عن عكازي... الذي طالما تحمل ثقلي طيلة الشهور الماضية وصار كجزء مني... أتعرفون أين وجدته؟؟؟

              تعليق

              • Loli.
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 5513



                • أيـــام .. كانت أيام :(


                  تليغرامي للإقتباسات
                  اضغط هنا


                  .

                  شيخة قلبه سابقا

                رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                يطير في الهواء... ثم ينقض على ظهر وليد... يفصم فقراته...
                صرخ وليد...
                صرخت... وصرخت... وصرخت... وليد سمع صراخي فرفع رأسه يبحث عن الاتجاه... لم تعد أذناه تميزان اتجاه الأصوات... لقد زحف في الاتجاه الخاطئ... فزحفت نحوه أجر رجلي المجبرة جرا...
                أخيرا أمسكت بيده... فشد علي... ورفع ذراعه وحاول أن يطوقني... المجرمون كانوا مستمرين في ضربه بالعصي... كانوا يرفسونه بأحذيتهم... ويدوسون عليه... لوحت بيدي وأنا أحاول إبعادهم عنه وأنا أهتف:
                "كفى... أرجوكم كفى... كفى..."
                لكن أحدهم... ركل بطن وليد بشراسة... وليد تأوه بشدة... وخرجت نافورة من الدم من فمه... ثم رفع رأسه وناداني... وأخيرا هوى بصدره نحو الأرض...
                أحد الوحوش... أشهر مسدسه وصوب فوهته مباشرة إلى رأس وليد...
                فزعت... ذهلت... انتفضت... صرخت بقوة:
                "لا... لا... لا"
                أطبقت على رأس وليد وضممته بين ذراعي...
                نظرت إلى صاحب المسدس وصرخت:
                "أرجوك لا... أرجوك لا... أرجوك لا"
                وهو يهدد:
                "ابتعدي"
                فوضعت رأسي على رأس وليد... ولففته بذراعي أحول دون أن يفجروه...
                "أرجوك لا... أرجوك لا... لا تقتله... لا...لا...لا..."
                سمعت صوت أحدهم يقول:
                "يكفي هنا. لم نؤمر بالقتل.انصراف"
                أبعد صاحب المسدس مسدسه عن وليد... وسدد الرفسة الأخيرة إلى ظهره... فأطلق وليد أنة ضعيفة شبه ميتة... وفي ثوان... اختفى أنينه... واختفى صوت الجنود وصوت عصيهم... ولم أعد أسمع في المكان غير أنفاسي...
                كنت انذاك متصلبة على وضعي... وأنا أمسك برأس وليد وأدرعه بذراعي... وأضع رأسي عليه... وأغمض عيني بقوة... لأضمن عدم مشاهدة ما سيفعله الأوغاد به...
                مر بعض الوقت... والهدوء مستمر من حولي... فيما الأعاصير القوية مستمرة في صدري... وفيما ذراعاي متيبستان حول رأس وليد... حتى فقدت القدرة على تحريكهما...
                وبعد أن طال الهدوء... تشجعت وفتحت عيني بحذر... وجلت ببصري فيما حولي... ولم أر للوحوش أثرا... رفعت رأسي ومسحت بأنظاري كل أرجاء الغرفة... ولم أجد معي فيها غير وليد...
                لقد انصرفوا...
                كان وليد قربي مباشرة... مكبا على وجهه... وقد نزع قميصه ومزقت ملابسه... وتزاحمت الجروح والكدمات على جسمه... وكأنها تتنافس فيما بينها للنيل منه... وقد أغرقت الدماء ثيابه وما حوله...
                كان رأسه لا يزال بين يدي... كاملا... متماسكا... لم يفجر... لكنه كان مبللا بمزيج من العرق والدم... وأشعر بالبلل يتخلل أصابعي مقطرا من شعره...
                أدرته يمينا فيسارا... لأتأكد من أن ثقبا لا يخترقه أو أن رصاصة لا تنغرس فيه... فإذا بي أرى عينيه تسبحان في شلال من الدماء المتدفقة من جرح غائر في ناصيته...
                وكان شلال اخر أشد غزارة يتدفق باندفاع من أنفه... وكأنه يفر هاربا من وحش الكهف الأسطوري... هذا... عدا النافورة العنيفة... التي تفجرت من فمه قبل قليل...
                لم أكن أرى وجه وليد... حقيقة... لم أكن أرى غير طوفان من الدم الجارف يتدفق من كل مكان... ويصب في كل مكان...
                صرخت:
                "وليد... وليد..."
                رأيته يحرك رأسه ويحاول فتح عينيه... غير أن الدماء كانت تغمرهما... سحبت لحافي المفروش على سريري بسرعة... وجعلت أمسح الدماء عن عينيه... وأنا أصرخ وأبكي بذعر:
                "افتح عينيك... وليد أرجوك... انظر إلي"
                فتح وليد عينيه ونظر إلي ونطق بأول حروف اسمي... ثم رفع ذراعه اليمنى وألقاها حول ظهري...
                كان... لا يزال حيا...
                بعد ذلك حاول أن يستند على يده الأخرى لينهض... لكنه ما إن رفع رأسه عن الأرض بضع بوصات حتى أطلق صرخة ألم وخر أرضا من جديد...
                أظن... أن ذراعه اليسرى قد انفصلت عن جسده... فهو لم يستطع الارتكاز عليها... لا بد وأنهم خلعوا كتفه أو كسروا عظام يده... كان يتألم بشدة... بشدة... وليد قلبي يصرخ متألما... اه... وليد... وليد...
                اقتربت من رأسه وأحطته بذراعي مجددا وصرخت:
                "أنت حي...؟؟ وليد... كلمني أرجوك..."
                وشعرت به يتحرك... يحاول النهوض... ويعجز من فرط إعيائه... ثم حرك رأسه ونظر باتجاه الباب وتكلم...
                "رغد... الباب"
                وفهمت منه أنه كان يريد أن ينهض ليقفل الباب... فتشبثت به أكثر وقلت بفزع:
                "لا تتركني"
                حرك وليد يده اليمنى وأمسك بيدي وقال:
                "الباب... اقفليه... رغد... بسرعة"
                وشعرت به يشد على يدي بضعف... فأبعدت رأسي عن رأسه وسمحت لعينيه بالنظر إلى عيني... وما إن راني حتى قال:
                "الباب... بسرعة... لا أقوى على النهوض"
                لم أكن أملك من الشجاعة ما يكفي لأن أبتعد عنه شبرا واحدا... وليس بي من قوة تعينني على الحراك حتى لو رغبت... وعوضا عن ذلك... شددت عليه أكثر وقلت:
                "لا أقدر... خائفة"
                فحرك وليد يده ومسح على رأسي وقال:
                "أرجوك... أسرعي"
                نظرت إليه فرأيته ينظر نحو الباب...
                تلفت من حولي... بحثا عن عكازي... كان ملقى في الطرف الاخر من الغرفة أبعد علي من الباب... حررت رأس وليد وأومأت إليه بنعم, ثم... زحفت على يدي وأنا أجر رجلي المجبرة... شبرا شبرا... إلى أن وصلت إلى الباب فأغلقته ومددت يدي للأعلى وما إن أمسكت بالمفتاح حتى أقفلته وخررت على الأرض ألتقط أنفاسي...
                كانت أنفاسي تخرج من صدري مصحوبة بأنين قوي... كنت أرتجف من الذعر وجسمي ينتفض بشدة... ويتعرق بغزارة... وكأنني قمت بمجهود كبير...
                سمعت صوت وليد يناديني:
                "رغد"
                التفت إليه فوجدته وقد انقلب على ظهره ورفع رأسه وأسنده على قاعدة السرير...
                ومد يمناه نحوي... ثم قال:
                "تعالي"
                لملمت فتات الطاقة المتبقية في أرجاء جسدي المشلول من الفزع... وزحفت عائدة إلى وليد... كان مشوارا طويلا... امتد بين المشرق والمغرب... استهلك مني كل عضلاتي وكل قوتي... وما زلت أزحف وأزحف... إلى أن صرت قربه... رميت برأسي في حضنه وغرست أظافري فيه...
                لقد كنت أريد أن أفتح قفصه الصدري وأحتمي خلف ضلوعه... أظنني اخترقت ضلوعه فعلا... لا بد أنني داخل قلبي الان... لأنني أسمعه ينبض بقوة... بسرعة... بثورة...
                وكأنني أشعر بدمائه تبللني... وكأنني أشعر بأنفاسه تعصف بي... وكأنني أشعر بذراعيه تغلفانني...
                دعوني أسترد أنفاسي... وأستجمع قواي... دعوني أسترخي وأغيب عن الوعي... دعوني أستعيد الأمان والسكون... داخل صدر وليد...
                بعد فترة... أحسست بشيء يحاول إبعادي عن وليد... فتشبثت به بقوة أكبر... وصحت:
                "لا"
                وسمعت وليد يناديني... فقلت:
                "أرجوك... دعني"
                وبكيت بحرارة... وأنا أغوص بين ضلوعه... أعمق وأعمق...
                وشيئا فشيئا... بدأت خفقات قلب وليد تتباطأ... وبدأت أنفاسه تهدأ... وبدأت ذراعه ترتخي من حولي... فتحت عيني... ورفعت رأسي قليلا ونظرت إليه... كان يغمض عينيه ويتنفس بانتظام... وصوت الهواء يصفر عند عبوره في أنفه المحتقن بالدماء... كانت الدماء المتخثرة ترسم على وجهه العريض خريطة متداخلة معقدة الملامح...
                جلست ونطقت باسمه:
                "وليد"
                ولم يرد... لقد نام من شدة الإعياء... أو ربما فقد وعيه... لكنني عندما ربت على وجنته انعقد حاجباه لثوان ثم استرخيا...
                كان رأسه لا يزال مسندا إلى قاعدة السرير في وضع مؤلم... مددت يدي وسحبت إحدى وسائدي ووضعتها على الأرض... وحركت رأس وليد بحذر وأسندته إليها... ثم سحبت البطانية وغطيته بها...
                وبقيت جالسة بجواره... أراقب أنفاسه وأي حركة تصدر عنه... وأنا أدقق السمع حتى خيل لي أنني سمعت صوتا ما من خارج الغرفة... فنظرت إلى الباب بفزع... ثم انحنيت قرب وليد وأمسكت بيده وشددتها إلي... طالبة الأمان...

                ************
                تنبهت على صوت شيء مزعج... صوت يتكرر بانتظام... مرة بعد أخرى... كان صوت منبه...
                أغمضت عيني بقوة... فأنا أسعر بحاجة ملحة لمتابعة السيارة... أشعر بأنني أستيقظ من أعماق أعماق نومي... ولا أريد أن أنهض...
                لكن الرنين المتكرر المزعج أجبرني على فتح عيني والانتباه لما حولي...
                اكتشفت... أنني كنت أنام على الأرض... في غرفة رغد... فتذكرت هجوم العساكر وانتقل دماغي فجأة من أعماق النوم إلى قمة اليقظة...
                حاولت أن أهب جالسا فشعرت بشيء ما يربط يدي ويعيقني هن النهوض وداهمتني الام حادة في جسدي كله... أعادتني إلى وضع الاضطجاع مرغما... التفت ببصري إلى اليسار... فوجدت رغد نائمة وهي في وضع الجلوس... ملاصقة لي... وقد استندت إلى سريرها وضمت يدي اليسرى بين يديها...
                كان المنبه يتوقف عن الرنين قليلا ثم يعاود... ولكن رغد لم تنتبه عليه... ومع هذا... فإنني ما إن سحبت يدي حتى استيقظت ورفعت رأسها مفزوعة...
                التقت نظراتنا... أنا الممدد على الأرض...بخور قوى... وهي الجالسة بقربي بفزع...
                "وليد"
                كانت هي أول من تكلم... بلهفة وقلق وهي تنحني نحوي وتحملق بعيني...
                استخدمت يدي الاثنتين لأنهض عن وضعي المضطجع... بكل ضعف... كعجوز طاعن في السن... مدقوق العظام مترهل البنية... واهن العضلات... كانت الالام تقرص كل أجزاء جسمي قرصا... وكان أنفي شبه مسدود... بقطع الدم المتخثر في جوفه... وكان عنقي يؤلمني بشدة... وأنا عاجز عن تحريكه في أي اتجاه...
                أخيرا أحسست بيد رغد تمسك بي... فأرغمت عنقي على الالتفات إليها ومددت يدي أشد على يدها وقلت:
                "هل أنت بخير؟؟ هل تأذيت صغيرتي؟؟"
                ورأيت الدموع تتجمع في عينيها بمرارة... فانهرت أكثر مما أنا منهار وأطلقت صوتي كالنحيب قائلا:
                "اسف... سامحيني..."
                فأي خزي وأي عار...أشد من أن يعتدى على حرماتك بشكل أو باخر... وأنت ترى وتعجز عن الدفاع؟؟
                طأطأت بصري عنها خجلا... لكنها اندفعت إلي كالسهم المصوب... إلى القلب...
                رن المنبه من جديد... وكان إلى الجانب الاخر من السرير... فقامت رغد وزحفت على سريرها إليه وأوقفته.
                قلت:
                "كم الساعة؟؟"
                فأجابت:

                تعليق

                • Loli.
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 5513



                  • أيـــام .. كانت أيام :(


                    تليغرامي للإقتباسات
                    اضغط هنا


                    .

                    شيخة قلبه سابقا

                  رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                  "الثالثة وأربعون دقيقة"
                  فاضطربت دقات قلبي قلقا... وأنا أتخيل سامر...
                  وقفت وأنا أستند إلى السرير... ولكنني سرعان ما أحسست بالكون يظلم من حولي فجلست عليه وهويت منكبا برأسي فوقه...
                  رغد هتفت بفزع وهي تنحني نحوي:
                  "وليد..."
                  فأجبت:
                  "دوار... انتظري قليلا"
                  وقد كانت الغرفة تدور من حولي... وقلبي يخفق بقوة... والهواء لا يكفي لملء صدري... أما يداي فقد كانتا ترتعشان... وما كنت قادرا على التحكم بهما...
                  استمر هذا الشعور بضع دقائق... ثم زال تدريجيا... ولكنه عاودني بصورة أخف عندما رفعت رأسي من جديد...
                  أظن... أنني نزفت دما كثيرا... ولهذا أشعر بالدوار والاختناق...
                  سمعت رغد تقول:
                  "أرجوك ابق مضطجعا"
                  فالتفت إليها بإعياء وقلت:
                  "يجب أن ننهض... سامر ينتظرنا"
                  رغد قالت منفعلة:
                  "أنت جريح... لديك إصابات كثيرة... لا يمكنك التحرك"
                  فقلت:
                  "سامر..."
                  والتفت ناحية الهاتف الثابت ورأيته مرميا على الأرض... ثم التفت إلى رغد وقلت:
                  "هاتفك"
                  وكان هاتفها المحمول موضوعا إلى جانب المنبه. ناولتني إياه فاتصلت بشقيقي ملهوفا للاطمئنان عليه...
                  "نعم رغد"
                  رد أخي... فقلت بصوت هامس:
                  "هذا أنا وليد... هل أنت والعم بخير؟؟"
                  "نعم. ننتظركما"
                  واطمأن قلبي على أخي فأنهيت المكالمة بسرعة ووضعت الهاتف على السرير... ووقفت ببطء وحذر... محاولا الاعتماد على رجلي... اللتين كانتا تستصرخان من الألم... وعندما خطوت خطوة واحدة... تفاقم الألم في ظهري وشعرت بأن فقراته تكاد تتفكك وتتبعثر...
                  أطلقت أنة ألم من أعماق حنجرتي... وتصلبت في مكاني لا أقوى إلا على جذب الأنفاس...
                  رغد وقفت على رجليها... السليمة والمجبرة... وأمسكت بيدي وطلبت مني أن أجلس.
                  "يجب أن نذهب يا رغد... لا وقت لدينا"
                  قلت, فردت معترضة:
                  "كيف وأنت بهذه الحال؟ لماذا لا تخبره بما حصل؟"
                  فهتفت بسرعة:
                  "كلا... لا"
                  قالت:
                  "ولكن..."
                  فقلت مؤكدا:
                  "إن علم سامر بما حصل فسوف يأتي... أنا متأكد أنهم يراقبون المنزل الان..."
                  شهقت رغد خوفا... ثم سألت:
                  "إذن... كيف سنخرج؟؟"
                  فقلت:
                  "سأتفقد الأمر"
                  تلفتت رغد من حولها بحثا عن عكازها... وعندما رأته... ذهبت سائرة على جبيرتها وتناولته... ثم قدمت إلي وسارت ملاصقة لي... نسير ببطء وحذر... إلى أن فتحنا الباب وخرجنا من الغرفة...
                  كان البيت يخيم عليه السكون... استنتجنا أنه لا أحد في داخله على الأقل... توجهت إلى باب المدخل وأوصدته... وعدت إلى رغد وقلت:
                  "لا احد هنا. سيرفع الأذان الان... سنخرج بعد الصلاة مباشرة... سأصعد للأعلى وأنظر من الشرفة"
                  قالت رغد بسرعة:
                  "ماذا؟؟ كيف ستصعد الدرجات وليد؟؟ أنت مصاب... ولا أريد أن أبقى وحدي هنا أرجوك"
                  قلت:
                  "تعالي... سأرافقك إلى غرفتك. ألزميها حتى اتيك"
                  كانت رغد تهز رأسها معترضة, متوسلة ألا أتركها وحدها... لكنني كنت أريد تفقد الشارع من الشرفة لأتأكد من أن الشرطة ليست في الجوار...
                  وعلى هذا أعتدها كارهة إلى غرفتها وأقفلت عليها الباب وحملت المفتاح معي, وتركتها لتستبدل ملابسها وتصلي... وصعدت الدرج خطوة خطوة... أكابد المشقة والألم... إلى الطابق العلوي...
                  لقد كنت أسير مستندا على كل شيء... السياج... الجدران... الأثاث... كنت مرهقا جدا... والام جسمي تكاد تقتلني...
                  ذهبت إلى الشرفة ألقيت بنظرة على الخارج... فرأيت الضباب يغمر الأجواء... ويحول دون رؤية شيء...
                  توجهت بعدها إلى غرفتي... والتي ترك رجال الشرطة بابها مفتوحا على مصراعيه, كما فعلوا ببقية أبواب غرف المنزل لدى تفتيشهم لها يوم الأمس...
                  كنت أريد أن أستحم وألبس ملابس نظيفة وأؤدي الصلاة... وكم هالني المنظر الفظيع المزري لوجهي حين رأيته في المراة...
                  أنهيت استحمامي وضمدت ما أمكن من جروحي على عجل, واضطررت لارتداء قبعة لإخفاء جرح ناصيتي... وبعد الصلاة ذهبت لألقي نظرة مرة أخرى من الشرفة... كان الضباب كثيفا... لكنني سمعت أو ربما توهمت سماع صوت صفارة سيارة شرطة يشتد ويقترب...
                  أصبت بالهلع... فهرولت مسرعا نحو الدرج وأنا أهتف:
                  "رغد"
                  هبطت السلالم بأسرع ما أمكنني... أتعثر بخطواتي... غير ابه بأوجاع رجلي... شبه متزحلق على قدمي... وتوجهت نحو غرفة المعيشة... ومنها أخذت الحقيبة اليدوية الحاوية للنقود والحاجيات الأخرى... وكذلك هاتفي وهرولت إلى غرفة رغد...
                  لم أطرق الباب... بل هتفت باسمها وأنا أدخل المفتاح في ثقبه وأقبض على المقبض ثم أديره وأدفع بالباب بسرعة وأندفع إلى الداخل...
                  كانت رغد تلبس رداء الصلاة... وتجلس على الكرسي في اتجاه القبلة... وفي يدها مسبحة... فهي بطبيعة الحال لم تكن تستطيع السجود على الأرض بسبب الجبيرة...
                  "رغد... هيا بسرعة... أظنهم عائدون"
                  قلت هذا وأنا أندفع نحوها بسرعة... وأمسك بيدها وأحثها على النهوض...
                  وقفت رغد على رجليها والهلع يجتاحها... وقالت بفزع:
                  "ماذا؟؟"
                  قلت:
                  "الشرطة قادمة... لنخرج بسرعة"

                  **********

                  أشرت إلى عكازي المرمي على الأرض وهتفت:
                  "عكازي"
                  فانحنى وليد وناولني إياه وهو يقول:
                  "بسرعة... بسرعة..."
                  ارتديت خفي المنزلي والذي كنت قد خلعته قبل الصلاة وتركته بجواري, ثم سرت خطوتين في الاتجاه المعاكس... نحو عباءتي... فسأل وليد:
                  "إلى أين؟؟"
                  قلت مشيرة إلى الشماعة:
                  "عباءتي"
                  فأسرع هو إليها وجذبها والوشاح من على الشماعة... وأقبل نحوي وناولني إياهما... أخذتهما على عجل ومن شدة ارتباكي أوقعت عكازي... وبدأت بارتدائهما فوق حجابي كيفما اتفق, وفي ذات اللحظة... سمعت صوت صفارة سيارة شرطة يزعق من خارج المنزل... هنا.. لم أشعر إلا برجلي تطير فجأة عن الأرض... وإذا بوليد يهرول نحو المخرج الخلفي للمنزل... حيث المراب... وهو يحملني... على كتفه... "عكازي!!"
                  هتفت ونحن نبتعد... لكن وليد لم يستجب... وسار منحني الظهر مترنحا يوشك على الوقوع بي, حتى وصلنا على الباب الخلفي فأقفله بسرعة وكاد ينزلق وهو يهبط العتبات...
                  أنزلني عن باب السيارة وفتحه ودفع بي إلى الداخل وأغلق الباب وجزء من ذيل عباءتي وطرف وشاحي يتدليان إلى الخارج...
                  ثم توجه بسرعة إلى الباب الاخر... وهو لا يزال محدودب الظهر مترنح الخطى... ففتحه ورمي بحقيبة كان يحملها إلى الداخل وقفز على المقعد وشغل السيارة وفتح بوابة المراب واندفع خارجا بالسيارة بسرعة...
                  كل هذا في ثوان لم تكن كافية لأن أستوعب ما يجري...
                  وفوق ما أنا فيه فوجئت بأن الجو كان مغطى بضباب كثيف جدا... لم أكن معه أستطيع رؤية شيء في الشارع...
                  استمر وليد بالقيادة بسرعة لا تتناسب والضباب الكثيف... كان ينعطف يمينا ويسارا فجأة كلما ظهر شيء في طريقنا ولولا لطف من الله لانتهى المطاف بنا إلى حادث فظيع...
                  عندما ابتعدنا عن قلب المدينة إلى الشارع البري قال لي:
                  "اتصلي بسامر"
                  فقلت:
                  "هاتفي بقي في المنزل"
                  فأشار إلى الحقيبة التي جلبها معه وقال:
                  "هاتفي هنا"
                  فتحت الحقيبة فوجدت فيها مجموعة من الأوراق...وجوازات سفر... وتذاكر رحلات جوية... ورزم من الأوراق المالية...
                  ووجدت كذلك الهاتف...
                  كان على الشاشة ثلاث اتصالات فائتة, كلها كانت من سامر.
                  اتصلت به وما إن رد حتى سحب وليد الهاتف مني وخاطب سامر قائلا:
                  "نحن في الطريق إليك... ابق مختبئا على مقربة من البوابة وسلاحك في يدك... سأتصل حين نصل"
                  ثم قال:
                  "لا أعرف فالضباب شديد ولا أستطيع أن أسرع أكثر من ذلك..."
                  وأنهى مكالمته ثم التفت إلي وسأل:
                  "هل أنت بخير؟؟"
                  كنت أحاول أن أسحب عباءتي العالقة تحت الباب دون جدوى, خفف وليد السرعة وقال:
                  "افتحي الباب"
                  وسحبتها أخيرا... ولففت وشاحي حول رأسي...
                  لم تكن الشمس قد أشرقت بعد... والطريق يخيم عليه الهدوء... ووصلنا إلى جزء وعر منه ارتجت السيارة أيما ارتجاج وهي تعبره...
                  كنت أحاول النظر إلى الخلف خشية أن تكون سيارات الشرطة في تعقبنا, لكن الرؤية كانت مستحيلة ولم أسمع أي صفارة...
                  وصلنا بعد ذلك إلى المخبأ الذي كان سامر وعمي أبو حسام يحتميان فيه. أوقف وليد السيارة وتناول الهاتف واتصل بسامر وقال:
                  "السيارة أمام البوابة... تعال فورا"
                  ومن بين الضباب رأيت سامر وأبا حسام يظهران أمامنا...
                  سامر فتح الباب الخلفي وركب السيارة بسرعة... وأبو حسام أقبل نحو النافذة إلى جانب وليد وهو يهتف:
                  "انطلقوا على بركة الله"
                  وليد قال وهو يدوس على كابح السيارة:
                  "أشكرك يا عم... لن أنسى صنيعك هذا"
                  فأشار أبو حسام وهو يهتف:
                  "اذهبوا هيا... يحفظكم الله"
                  وانطلق وليد بالسيارة وأبو حسام أخذ يلوح لنا وهو يقول:
                  "انتبهوا لأنفسكم يا أولادي... اتصلوا وطمئنوني عليكم... في أمان الله"
                  وكما ظهر وسط الضباب, اختفى وسط الضباب...

                  تعليق

                  • Loli.
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 5513



                    • أيـــام .. كانت أيام :(


                      تليغرامي للإقتباسات
                      اضغط هنا


                      .

                      شيخة قلبه سابقا

                    رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                    وليد التفت إلى سامر الجالس في الوراء وسأل:
                    "هل أنت بخير؟؟"
                    فرد سامر مندهشا:
                    "ماذا جرى لوجهك وليد؟؟"
                    فاستدار وليد إلى الأمام وركز النظر في الطريق...
                    عندها التفت أنا إلى سامر ونطقت:
                    "هاجمونا وضربوه حد الموت... العساكر الوحوش..."
                    ذهل سامر وحدق بي ثم بوليد بأوسع عينين...
                    فتابعت:
                    "ماذا كنا سنفعل لو أنهم قتلوه؟؟ ماذا كان سيحدث لي لو أنهم أطلقوا الرصاصة على رأسه كما كانوا يعزمون؟؟"
                    وسمعت صوت وليد يناديني زاجرا:
                    "رغد"
                    فالتفت إليه ورأيت في عينيه نظرة انزعاج... فقلت وأنا أمسك بطرف وشاحي في يدي وأقول:
                    "أيرضي أحد ما أنا فيه؟؟ ما الذي فعلته لأمر بكل هذا؟؟ إلى متى سأعيش هذا التشرد؟؟ أنا تعبت... تعبت"
                    وطأطأت رأسي ودفنته بين ثنايا الوشاح وجعلت أبكي بحرقة...
                    حل صمت طويل علينا... وانشغل كل منا بأفكاره الخاصة... إلى أن أحسست بسرعة السيارة تخف تدريجيا... ثم تتوقف.
                    نظرت إلى وليد فرأيته ملتفتا إلى سامر يخاطبه قائلا:
                    "تول القيادة... أنا مرهق"
                    ثم سمعت صوت الباب الخلفي ينفتح وينزل سامر... التفت وليد إلي وقال:
                    "اذهبي للخلف"
                    وخرجنا جميعا من السيارة لتبديل مقاعدنا. وقبل أن يركبا, منحاني فرصة لنزع حجاب الصلاة الأبيض وارتداء الوشاح والعباءة الأسودين... كنت ألقي بنظرة عليهما... وأرى وليد يقف محني الظهر... مستندا إلى السيارة... والتعب جلي عليه... أخذت أراقبه عبر زجاج النافذة دون أن ينتبه... وعندما ركب السيارة بادرت بسؤاله:
                    "هل أنت بخير وليد؟؟"
                    فأجاب وهو يسند رأسه إلى مسند السيارة:
                    "سأكون كذلك"
                    وسمعت سامر يقول:
                    "أنا اسف يا أخي"
                    فيرد وليد:
                    "لا عليك... انطلق بسرعة... يجب أن نصل في الموعد المحدد"
                    سار سامر بسرعة أبطأ من سرعة وليد... وعلل ذلك بعد اتضاح الرؤية أمامه... وبعد فترة بدأ الضباب ينقشع حتى زال تماما... قبل أن نصل على الحدود.
                    أظن أن وليد قد غفا لبعض الوقت من شدة إعيائه... وعندما اقتربنا من أول نقاط التفتيش عند الحدود سمعت سامر يخاطبه قائلا:
                    "وليد...وصلنا"
                    وكان صوت سامر مغلفا بالخوف والقلق... وليد تحرك من مقعده ثم أخذ يستخرج بعض الأوراق من جيوب سيارته فيما قلوبنا تخفق بشدة وأعيينا مفتوحة أوسعها متربصة بأي شخص يظهر في الصورة...
                    تناول وليد حقيبته اليدوية واستخرج الجوازات... وخاطب سامر بينما كان يوقف السيارة:
                    "أنا سأنزل لإتمام الإجراءات المطلوبة. وأنت ابق ملازما رغد. إياك والخروج لأي سبب. وإذا ما واجهت مشكلة لا قدر الله... فسأعطيك إشارة... وانطلق بالسيارة بأقصى سرعة ولا تأبه لشيء"
                    حملقنا في وليد بذعر ونحن نزدرد ريقنا متوجسين خيفة... قال سامر:
                    "ماذا؟؟"
                    فقال وليد:
                    "افعل ما قلته لك. إذا أحسست بالخطر فسأعطيك إشارة للهرب... وإن أعترضك أي شيء فاقتله... وأنا سأتكفل بالباقي"
                    ولم يترك لنا الموظف فرصة للاستيعاب, إذ به لوح بيده مشيرا إلينا... فنزل وليد من السيارة وقبل أن ينصرف قرب وجهه من النافذة وهو يقول:
                    "لا تنس ذلك"
                    وألقى علي نظرة... ثم انصرف إلى الموظف.
                    أخذت الوساوس تتلاقفني يمينا ويسارا... وأخذت أتضرع إلى الله من أعماق قلبي وبكل إلحاح... أن يسهل الأمر علينا ويخرجنا معا من دائرة الخطر سالمين...
                    رأيت سامر يمسك بشيء بين يديه وسرعان ما تبين لي أنه مسدس... فتفاقم الفزع في نفسي وكدت أخر مغشية من شدة الخوف...
                    مرة الدقائق التالية كالقرون... ونحن ننتظر عودة وليد وأعيننا محملقة عبر النوافذ في الاتجاه الذي سار فيه. وبعد هول الانتظار ظهر وليد أخيرا يتقدم نحونا يحفه اثنان من رجال الأمن, يرتدون زيا عسكريا. لدى رؤيتي لهم انفجر قلبي بقنبلة من النبضات الصارخة المدوية... كنت أشعر بها تصطدم بأسفل قدمي وربما تهز السيارة...
                    سامر بسرعة خبأ مسدسه تحت المقعد وتظاهر بأنه يستخرج أحد الأقراص المدمجة, وشغل المسجل... وأذكر أن القرص كان يبتهل ابتهالا خاشعا... كان وليد كثيرا ما يشغله أثناء مشاوير ذهابي وإيابي من الجامعة برفقة مرح.
                    وصل وليد ورجلا الأمن, وأشار أحدهما إلى سامر بأن يفتح حقيبة السيارة الخلفية... بينما طلب الاخر منه أن يفتح النافذة... وعندما فتحها ألقى بنظرة علينا ثم على جوازات السفر التي كانت في يده... وطلب من سامر أن يبرز بعض الوثائق الخاصة بالسيارة... ثم انصرف... وتبعه الرجل الاخر...
                    وليد اقترب من النافذة فتشبثت به أعيننا, قال:
                    "سأنهي الإجراءات وأعود... تسير الأمور بشكل جيد"
                    فجذبت نفسا عميقا... عل ذلك يهدئ من سرعة خفقان قلبي ولو الشيء القليل...
                    وانصرف وليد, ثم عاد بعد قليل... وركب السيارة وقال:
                    "انطلق"
                    لم نصدق اذاننا لا أنا ولا سامر... لذا... بقينا متسمرين... ولم تتحرك السيارة... فنظر وليد إلى سامر وقال:
                    "هيا"
                    فسأل سامر:
                    "انتهى كل شيء؟؟"
                    فأجاب وليد:
                    "ليس بعد... لكننا تخطينا أول العقبات..."
                    وجملته الأخيرة أجهضت بذرة الطمأنينة التي ما كادت تنبت في قلبي... وتجاوزنا عقبتين أخريين, وخرجنا من حدود بلدنا... ودخلنا حدود البلدة المجاورة... وهناك طلب منا رجال الأمن الخروج من السيارة لتفتيشها...
                    تبادل وليد وسامر نظرة وإن خفيت عن رجال الأمن فهي لم تخف عني... سامر حاول أن يستخرج المسدس متظاهرا بأنه يعدل من وضعية مقعده... غير أن يده لم تطله... ربما فهم وليد حركة سامر... وكان رجال الأمن من حولنا... فأطل وليد عبر نافذته وقال:
                    "الفتاة لا تستطيع النهوض إذ أن رجلها مجبرة"
                    في محاولة للإفلات من التفتيش, غير أن أحد رجال الأمن قال:
                    "فليساعدها أحدكما على ذلك"
                    ولم يجد وليد بدا من أن يلتفت إلي ويقول:
                    "سأساعدك"
                    وكانت عيناه مضطربتين وقطرة من العرق سالت على جبينه نصف المخبأ تحت قبعته.
                    خرج وليد من السيارة وفتح الباب المجاور لي ومد يديه... وعندما خرجت من السيارة ووقفت على رجلي... راح يتلفت يمينا وشمالا بحثا عن مقعد... ووجدنا مقاعد حجرية على بضعة أمتار فقال:
                    "سأرفعك"
                    ثم التفت إلى سامر وقال:
                    "تعال معنا"
                    ولكن وليد وبعد أن سار بي خطوتين لا غير أحس بالتعب وهتف:
                    "أخي"
                    وسرعان ما رأيت ذراعي سامر تمتد وتحملني...
                    وصلنا إلى المقاعد فأجلسني سامر على أحدها وجلس وليد قربي مباشرة... وسمعناه يتنفس بقوة...
                    سامر سأل:
                    "أأنت على ما يرام؟؟"
                    فأومأ وليد بنعم وإن كان مظهره يثبت عكس ذلك... وأرسل أنظاره إلى رجال الأمن وهم يفتشون السيارة...
                    جلس سامر إلى الجانب الاخر مني وإذا بوليد يسأل:
                    "أهو معك؟؟"
                    فيجيب سامر:
                    "في السيارة"
                    فيرد وليد:
                    "تبا! أين تركته؟؟"
                    فيجيب سامر:
                    "تحت المقعد... لن يصعب عليهم العثور عليه"
                    فيقول وليد:
                    "أحمق... لماذا لم تخبئه جيدا أو حتى ترمي به من النافذة قبل وصولنا إلى هنا"
                    فيقول سامر:
                    "ألست من طلب مني إحضاره معي؟؟ لم يتسع المجال للتخلص منه"
                    فيعقب وليد:
                    "سيورطنا هذا المشؤوم... تبا.. من أين حصلت على مصيبة كهذه؟"
                    وما كاد ينهي جملته حتى رأينا رجال الأمن يكتشفون وجود سلاح مخبأ في قلب السيارة...
                    اشرأبت أعناقنا وجحظت أعيينا وجفت حلوقنا... ونحن نرى أحد رجال الأمن يقبل نحونا قابضا على السلاح بمنديل... كان ابنا عمي جالسين إلى جانبي ولما اقترب رجل الأمن وقفا واقتربا من بعضهما وسدا المرأى من أمامي... وسمعت صوت وليد يهمس:
                    "دعني أتصرف. لا تتفوه بشيء. لازم رغد"
                    ثم سمعت صوت رجل الأمن وقد صار على مقربة يسأل:
                    "لمن هذا الشيء؟؟"
                    مرت لحظة صامتة حسبت أنني فقدت السمع من طولها... ثم إذا بي أسمع:
                    "إنه... لي"
                    أتدرون صوت من كان؟؟
                    صوت وليد...
                    أو ربما... توهمت ذلك... إذ أنني مع هوسي بوليد... وفي حالتي هذه التي لا مثيل لها... أصبحت أتوهم كل شيء...
                    عاد صوت رجل الأمن يسأل:
                    "هل لديك تصريح رسمي بحمله وإدخاله إلى هنا؟؟"
                    "لم أجلب معي التصريح"
                    هذا صوت وليد... أنا واثقة من أنه صوت وليد.. لا يمكنني أن أخطئه... وليد قلبي!
                    "تعال معي لو سمحت"
                    قال ذلك رجل الأمن, ثم رأيت وليد يبتعد عني خطوة, ثم يلتفت إلى سامر ويقول:
                    "ابق مع رغد. إياك أن تبتعد عنها لأي سبب مهما كان"
                    فيرد سامر:
                    "وليد! ما الذي..."
                    ويقاطعه وليد قائلا:
                    "لازم الصمت. فقط ضع الفتاة نصب عينيك... أتفهمني؟"
                    ومال وليد بجسده قليلا لينظر إلي... ولم أستطع لحظتها حتى أن أتأوه... ورأيته يبتعد خطوة بعد خطوة... إلى أن توارى عن أنظاري...
                    حينها فقط أطلقت صيحة مكبوتة:
                    "وليد!!"
                    ومددت يدي إلى الأمام محاولة الإمساك بظله... لكنه تلاشى...
                    مرت نحو ساعة... ونحن عند المقاعد, أنا جالسة... وسامر يجلس تارة ويقف أخرى... في توتر فظيع...
                    بعد ذلك... أقبل إلينا أحد رجال الأمن وطلب منا مرافقته.
                    سأل سامر:
                    "أين شقيقي؟؟"
                    فأجاب الرجل:

                    تعليق

                    • Loli.
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 5513



                      • أيـــام .. كانت أيام :(


                        تليغرامي للإقتباسات
                        اضغط هنا


                        .

                        شيخة قلبه سابقا

                      رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                      "سيحول إلى لجنة التحقيق"
                      فزعت وشهقت رغما عني... نظر الاثنان إلي ثم إلى بعضهما البعض... وقال سامر:
                      "تحقيق؟؟"
                      فأجاب رجل الأمن:
                      "نعم. فهو يحمل سلاحا ويعبر به الحدود دون ترخيص"
                      قال سامر:
                      "ماذا ستفعلون به؟؟"
                      أجاب:
                      "سيخضع للتحقيق... لا أعرف تحديدا. المهم... هلا رافقتماني الان؟؟"
                      سأل سامر:
                      "نرافقك إلى أين؟؟"
                      فأجاب:
                      "للتفتيش الشخصي أولا, وبعد التفتيش, سننقلكما إلى أقرب نقطة بعد الحدود ومن هناك تابعا طريقكما إلى المدينة في سيارة أجرة إذ أننا سنحتجز سيارتكم عندنا لحين انتهاء التحقيق وإجراء اللازم"
                      التفت سامر إلي... وكان وجهه مكفهرا محتقنا بالدماء... ولم يقل شيئا... أما أنا فقلت وأنا أحرك رأسي اعتراضا وتهديدا:
                      "أنا لن أبرح مكاني حتى يعود وليد"
                      فهم سامر قصدي, وخاطب رجل الأمن سائلا:
                      "أين شقيقي الان؟ أريد أن أراه"
                      فأشار الرجل بيده إلى المبنى الذي اختفى وليد خلف جدرانه, فقال سامر:
                      "خذني إليه من فضلك أولا..."
                      فقال الرجل:
                      "لا بأس, تفضل"
                      عندها مددت يدي وأمسكت بمعطف سامر... أذكره بأنني هنا...
                      التفت سامر إلي ثم إلى الرجل وسأله:
                      "هل لديكم كرسي متحرك؟ الفتاة لا تستطيع المشي"
                      فرد الرجل:
                      "لا, للأسف"
                      وعندما نظر سامر إلي أعدت أقول:
                      "أنا لن أتحرك من مكاني قبل مجيء وليد"
                      فقال:
                      "دعيني أراه أولا وأعرف ما أفعل.."
                      واستخرج هاتفه من جيبه واتصل بوليد...فسمعنا صوت رنين هاتف على مقربة وعندما التفتنا إلى الصوت رأينا وليد يظهر وبرفقته شرطي, يسيران متقدمين إلينا...
                      وقفت من شدة هلعي على رجلي... وكنت أرتدي خفا منزليا على قدمي اليمنى, بينما الأخرى مجبرة... وأحسست بحرارة الأرض تتخلل خفي وتلهب قدمي, حينما صار وليد أمامنا راح ينقل بصره بيننا ثم قال:
                      "اذهبا مع رجال الأمن. سيوصلونكما إلى أطراف المدينة. وبعد ذلك استغلا أي سيارة أجرة واتجها إلى المطار. التذاكر وكل ما تحتاجانه في حقيبتي اليدوية"
                      فقلنا معا:
                      "وأنت؟؟"
                      فقال بصوت خافت لا يتعدى بعدنا:
                      "سأسوى المسألة هنا وألحق بكما"
                      أنا قلت مندفعة:
                      "لن نذهب لأي مكان من دونك"
                      فأومأ لي وليد بنظرة من عينيه ثم قال:
                      "لا وقت لنضيعه في الكلام. الطائرة ستقلع بعد ساعتين. يجب أن تدركاها وترحلا بسلام"
                      ثم أخفت صوته وقال:
                      "أي تأخير سيبقيه في دائرة الخطر... عجلا"
                      هتفت:
                      "ولكن"
                      فقاطعني زاجرا:
                      "بدون لكن... أتفهمين؟؟"
                      وحدق بي لثوان... بنظرة زاجرة حادة...
                      ثم التفت إلى سامر وقال:
                      "انتبها لنفسيكما جيدا..."
                      ونطق سامر بنبرة حزينة توشك على البكاء:
                      "أخي..."
                      فرفع وليد يديه وحط بهما على كتفي سامر... كأنه يستند عليه, لا يسانده... ثم تنهد تنهيدة ألم مريرة... ربما لأن ذراعه شبه مخلوعة جريحة... أو ربما لشدة صعوبة المأزق الذي كنا فيه... قطب حاجبيه ثم أرخاهما وقال:
                      "اهتم برغد... إنها أمانتك أنت الان..."
                      ثم نقل بصره فيما بيننا وقال أخيرا:
                      "في أمان الله"
                      لا أذكر... تفاصيل ما حدث بعد ذلك... لا أذكر... إلا وأنا في سيارة... أنظر عبر زجاج النافذة... ووليد في الخارج... يقف بين رجال الأمن... يلوح إلي... والسيارة تبتعد... وتبتعد... وتبتعد... ويتلاشى وليد... كما يتلاشى السراب...
                      فجأة... بين عشية وضحاها... بل بين لحظة واللحظة التي تليها... تحولت حياتي إلى شيء خال من وليد!
                      يختفي من حياتي فيما أنا أراقبه... وهو يبتعد... دون أن أملك القدرة على فعل شيء...
                      ابتعدت السيارة كثيرا... وعيني لا تزال تحدق عبر النافذة... تفتش عنه!...
                      وصورته الأخيرة... هو يلوح لي بيده... مودعا... هي الصورة الأكثر إيلاما... التي اختزنتها محفورة في ذاكرتي... كأقسى لقطة وداع فرقتني عن وليد قلبي... من بين كل لحظات الفراق الأخرى في حياتي... على الإطلاق...
                      أصابتني حالة ذهول... فقدت القدرة على الكلام... القدرة على التفكير... القدرة على التصرف... وانقدت لما كان سامر يطلبه مني دون أن اعرف ما هو...
                      لم أستفق من حالة التيه... إلا عندما وجدت نفسي أهبط من الطائرة إلى مطار الوصول... وأفتش عن وليد بين المسافرين...
                      رأيت كل الناس... كل الأجناس... من كل العالم... كل البشر الذين خلقهم الله... كلهم من حولي... إلا وليد!
                      لم أر منه إلا لقطة أخيرة... وهو يلوح لي مودعا... وعيناي تشيعانه... عبر زجاج النافذة...
                      لم أشعر بنفسي إلا وأنا أصرخ في المطار كالمجنونة:
                      "أعيدوني إلى وليد"

                      ************
                      اللقاء بدانة كان حميما وملتهبا جدا... امتزجت فيه دموع الشوق بدموع الذكريات الأليمة... بدموع القلق... لكن أكثر الدموع طغيانا كانت تلك التي فجرتها رغد حزنا وخوفا على وليد. سقتني كؤوس القلق والندم جرعة على مدى الفترة المفجعة التي تلت وصولنا إلى هذه البلد. فقدنا الاتصال بوليد... حتى أننا لم نطمئنه إلى أننا وصلنا بسلام... وما فتئنا نحاول الاتصال به بكل الأرقام وفي كل الأماكن الممكنة دون جدوى. لم نعرف إن كان لا يزال في البلدة المجاورة لبلدتنا أم أنهم قد رحلوه إلى بلدنا... أم إلى مكان اخر...
                      وإن كان في قبضة الشرطة أم أنهم قد أخلو سبيله... اتصلنا حتى بالمنزل والمزرعة والمصنع.. بلا جدوى.. وتولى عمي أبو حسام مهمة تقصي أخباره في البلد واستخدم كل الطرق, دون نتيجة حتى الان.
                      أخشى ما كنا نخشاه... هو أن تكون السلطات قد زجت به في السجن أو فعلت به شيئا... وأنا لن أسامح نفسي أبد على ما قد يكون شقيقي قد تعرض إليه بسببي.
                      وليد قدم من أجلي تضحية كبيرة... ضحى بنفسه من أجل إنقاذي وفضلني على نفسه... وتحمل وزري نيابة عني...
                      أنا أيضا... مستعد الان لأن أضحي بكل شيء... من أجل ظهوره وعودته إلينا سالما.
                      أقمنا في منزل دانة وعائلتها. وهو منزل كبير مؤلف من عدة أجنحة, كان يسكنه أمير أو ما شابه قبل أن يشتريه نوار... زوج دانة... لاعب الكرة الشهير... والمليونير...
                      ولأنني عدمت خيارا اخر, فقد اضطررت للمبيت هنا مؤقتا لحين مجيء أخي أو إيجاد حل بديل.
                      نوار وعائلته رحبوا بنا وخصصوا لنا غرفتي نوم في أحد الأجنحة وضيفونا بسخاء. واعتمدت على النقود التي تركها وليد في حقيبته لشراء الضروريات.
                      اه أجل...
                      لا بد وأنكم تتساءلون عن رغد... وما حل بها بعد وليد...أول ليلة قضتها في هذا المكان كانت أفظع من الوصف. كانت في حالة ذعر متواصل واضطرت دانة للمبيت إلى جانبها في الغرفة. كانت تصف لنا كيف هاجم رجال المباحث وليد وأوشكوا على قتله... وكانت تعتقد بأنه الان في قبضتهم وأنهم سيقتلونه... كانت ستموت بهذا الاعتقاد... واضطررت لاحقا لأن أتفق مع عمي أبي حسام على أن يخبرها بأن وليد بخير ولا يزال محبوسا تحت التحقيق وأنه سيلحق بنا فور خروجه. ارتابت في كلام أبي حسام أولا ولكنها صدقته في النهاية حتى ولو من باب التعلق ببصيص الأمل...
                      صرنا لا نجرؤ على ذكر اسمه على مسمعها... خشية أن تفلت الحقيقة من ألسننا سهوا... وتعود للهستريا المرضية تلك... وبقينا نتظاهر بالاطمئنان والتفاؤل فيما أفئدتنا يمزقها القلق... والبحث ولاتصالات جارية... ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم...
                      "انظر سامر... هل هكذا زاوية أنفه؟.. ألا تبدو أقل حدة؟؟"
                      تسألني وهي واقفة أمام لوحة جديدة ترسمها لوليد... وهو يلوح بيده... وتقارنها بصورته...
                      كانت الساعة التاسعة ليلا... هكذا قضت ساعات الأمس واليوم... تكرر رسم وجوه أمي وأبي ووليد... من الصور الفوتوغرافية التي كانت بحوزة دانة... الصور التي تم التقاطها لنا ليلة زواجها... وأخرى التقطت لوالدي الراحلين... عندما ذهب العريسان لزيارتهما قبل هجرتهما إلى هذه البلدة...
                      أجبت:
                      "ألم تتعبي من الوقوف؟ أريحي رجليك قليلا... لا تزالين في فترة النقاهة"
                      وقد نزعت جبيرة رجلها اليسرى مؤخرا, فقالت وهي محملقة في اللوحة:
                      "رجلاي اعتادتا الكسل طيلة الشهور الماضية. ان الأوان لتنشيطها"
                      وأخذت تتأمل اللوحة ثم قالت:
                      "لا...! لم أتقن رسم الأنف..."
                      وإذا بها تزيل اللوحة التي قضت ساعات في رسمها وتضعها جانبا... وتضع لوحة بيضاء جديدة استعداد للرسم من جديد...
                      نزعت اللوحة من العمود ووضعتها جانبا... ونظرت إلى رغد بحزم... فنظرت إلي وهي تعبس بانزعاج...
                      قلت لها:
                      "يكفي يا رغد... إلى متى ستظلين ترسمين هكذا؟"
                      فتبدلت تعبيرات وجهها ثم قالت:
                      "إلى أن... تظهر الأصول... ولا أحتاج إلى الصور"
                      ثم رمت بالفرشاة والألوان من يدها وسارت مسرعة إلى سريرها وأكبت على وجهها فوق الوسائد وأخذت تبكي...
                      التفت إلى دانة... التي كانت تجلس على المقعد أمام المراة... تتابعنا من خلالها... وهززت رأسي أسفا وحزنا على رغد.
                      هممت بالاقتراب منها والتحدث إليها, غير أن دانة أشارت إلي بألا أفعل... فلذت بالصمت وبقيت أسمع صوت نحيبها المرير... وقامت دانة فاقتربت منها وحاولت تشجيعها ببعض الكلمات... فخرجت من الغرفة ووقفت قرب الباب بين رغبتين متعارضتين في البقاء إلى جوارها والابتعاد عنها.
                      وبعد قليل رأيت دانة تخرج من غرفة رغد وتغلق الباب من بعدها... وتنظر إلي والحزن يطلي وجهها بلون رمادي معتم.
                      فسألتها:
                      "ماذا قالت؟؟"
                      فأجابتني بحزن بليغ:
                      "سألتني عن كنت أملك أيضا...صورة لوالديها الحقيقيين... عمي وزوجته... رحمهما الله!"

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...