غافلت العرافة و خلطت أعقاب الفنجان بسبابتي ..
و ظللت أراقب عينيها الضيقتين و هما تحاولان سبر أغوار الغد الذي رجوتها أن ترسمه لي ..
فجأة ابتسمت و قالت لي بنبرة فيها شيء من الهزيمة : " لا أرى في غدك ما يبكي .. بل إن ضحكتك ستكون ظلا لفمك يمشي وراء كلماتك و يعدل من جلسة الشكوى كي لا يفشيها صوتك إلا في هيئة بهيجة .. "
بعد أن ادعيت الفرح بما سمعت, غادرتها وأنا أحث قروشي الملقاة على الأريكة بأن تجد طريقها إلى جيبي من جديد
أحيانا أتساءل : " كيف تحافظ أفواهنا على مكانها الطبيعي في وجوهنا؟ " ..
فهي التي تمرر الجزء المسموع من البكاء , صراخنا, ضحكنا على اختلاف أنواعه, الصمت , الصدى , الكذب , الصدق , الأدعية بمختلف درجاتها المستجابة و غير المستجابة , النداء , الغناء ... "
هي أكثر موضع فينا نستغله للشكوى دون أن نسمع شكواه منا .. !
هي أداتنا للسخرية من العالم دون أن نلقي بالا لسخريتها الصامتة منا ..
هي الالة الموسيقية التي - و لأنها لا تصدأ ولا تنكسر - نستنفد كل ما لديها حتى نعزف و نغني بها دون أن ندرك بأنها في الخفاء تدعونا للصمت بحجة أن أصواتنا في الأصل نشاز !
هي الكهف الذي نزج فيه بأسرارنا , و حين نفشي تلك الأسرار هي الطرف الوحيد الملام !
هي التي نطبقها في التوقيت الخاطىء للصمت و نفتحها حين يودي بنا الكلام ..
و في كلتا الحالتين هي الضمير المبتور الذي يظل يتقلب على وثير غبائنا ...
تعليق