رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي/ كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • *مزون شمر*
    عضو مؤسس
    • Nov 2006
    • 18994

    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


    رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طيش !
    الجزء (76)



    رتيل تجمدت أقدامها من كلماته التي تشبه تماما ما قاله في تلك الليلة التي أتى بها كخيال محرض، تراجعت للخلف والرجفة تسكن أطرافها، أقترب منها ليشدها بقوة ناحيته وبوعيد : تحملي أخطاءك!! . . دفعها على السرير لتتسع نظراتها بالدهشة والدمع يصعد مجرى الكلمات إلى عينها، حاولت أن تقف ولكن ثبتها بكتفيها لتصرخ بوجهه : أتركنننني . .
    هذه الصرخة التي من شأنها أن تستثير غضبا فوق غضبه، و حزنا يغص بما يحصل بحياته.
    كيف للقسوة أن تتراكم بعينيك وأنا أستدل بها؟ كيف لها أن تقمعني بهذه الهيئة وأنا أرى نفسي كلما نظرت إليك!
    تضببت رؤيتها من البكاء الضيق في زوايا محاجرها، كتم أنفاسها بكفه وهو يحفر أصابعها بملامحها، شعرت بأن فكيها يتكسران، تذوب بقبضة يده وهو يحاول أن لا يسمع صوتها، هذا الصوت الذي يرتد صداه بقلبه ولا يندثر.
    نزلت دمعتها من نبرتها التي تختنق بداخلها ولا تخرج، أخذت شهيق ومات الزفير بقلبها، نظرت إليه بنظرات قتلت كل جزء فيه، نظراتها التي أتت أقسى من التجاوز و اللامبالاة، زادت ضغط أصابع كفيها المتمسكتين بصدره حتى تقاومه، كانت تقاومه بكفيها ونظراتها، هذه النظرات التي تأت بأحيان كثيرة أقوى من الأفعال.
    كان هائلا، شاهقا، أشعر بأن العالم بأكمله فوقي ولست وحدك يا عزيز، أشعر وكأن الدنيا بمصائبها تتواطىء معك لتحرق قلبي! لو كانت عينيك أقل قسوة ، لو كانت خطاك أقل بعثرة لو كانت ملامحك أقل سمرة، لتجاوزتك! ولكنك كنت ما لا أشاء وما لا يحتمله قلبي، كيف تفعل هذا بإمرأة ظفرت قوانين هذه الدنيا ووضعتها خلف ظهرها من أجلك؟ كيف تفعل هذا بإمرأة تجاوزت أفعالك بالشتائم التي كانت تعني " أحبك " بهيئة مبطنة، كيف تفعل هذا بإمرأة منعها خجلها في كل مرة من المصارحة، كل شيء يتعلق بنا كان حجة، حجة لقول الحب وفعل الحب وكل الحب، قاس أكثر مما أظن، أنا التي أثق بعينيك أكثر من كل شيء، أثق بقدرتك على خيانتي بكل ماهو بمتناول قلبك ولكن عينيك لا تخون! عينيك لا تفعل بي هذا! أتركني بسلام! كان واضحا أننا سننتهي بطريقين منفصلين، ولكن لا تفعل كل هذا حتى أكرهك! لا تفعل يا عزيز من أجل بريق الحب الذي لمع في عينيك ذات مرة، لا تفعل من أجل " أحبك " التي لم نتجرأ أن نقولها لبعضنا بطريقة ناعمة.
    أرخى قبضته على شفتيها، نظر لعينيها التي تتوهج بالدمع، ويدها التي تلامس صدره حتى تبعده، ذبلت كفاها حتى سقطت بمستوى مواز لجسدها، أبعدت ملامحها للجهة الأخرى، أبعدت نظراتها عنه حتى لا تراه، ببحة نزف بها بكاءها : أتركني . . . اتركني
    مالذي يمنعني عنك؟ كنت قريبا جدا من أن أهينك بأكثر الأشياء ذلا لإمرأة مدللة مثلك! أنا أتوقف عن إهانتك في كل مرة أنوي بها أن أروضك ذلا، كيف تكونين بهذه الثقة المؤذية، كيف يأت صوتك واثقا في كلماتك المهتزة " أنا وقلبك نمنعك يا عبدالعزيز "، وكيف يخيب صوتي في كل مرة أقول " ما عاد لقلبي قرار! "، ضعنا هذا ما أنا واثق منه، في كل مرة يا رتيل أحاول أن أنسلخ من مبادئي أجدني في عرض هذه المبادئ تحديدا في عينيك التي تهذب كل أمر أنويه، لو أنك لا تنظرين لي بهذه النظرات لأستطعت أن أفعل بك كل ما نويته، ولكنك تملكين عينين تجسد الأفعال بصورة حادة.
    أبتعد عنها بعقدة حاجبيه ليقف بثبات دون أن يلتفت إليها، دفنت وجهها في الوسادة لتجهش ببكاءها وهي تحضن نفسها بذراعيها الناعمتين و اثار قبضته مازالت على ملامحها الباكية.
    صوت بكاءها يرن صداه في جسده الذي مازال يقمع محاولات قلبه بالإلتفات عليها، نظر لقميصه المبهذل إثر مقاومتها له، أغلق أزاريره ليلفظ : تعرفين وش اللي يحز في خاطري؟ إني أهين نفسي معاك
    شعرت بأن حديد يصهر في أذنها من كلماته، في كل ثانية تمر كانت تشد على عناقها لنفسها وهي تتكور حول جسدها كظل يأس من صاحبه، بالحقيقة أنا يأست من أشياء كثيرة أهمها أنني يأست من هذا الحب، قنطت من رحمة هذا الحب بي! أنا في أشد لحظات حياتي يأسا، في أكثر فترات عمري حزنا، ماذا فعلت يا عزيز حتى تجعلني بهذه الصورة؟ أنا التي لم أتمنى الموت إلا قبالتك، وأنا التي لم أحبس الكلمات وأتلحف الصمت الا معك، وأنا التي أحببتك كثيرا وأحزنت نفسي كثيرا، يليق بنا أن نفترق، يليق بنا دائما أن ينفر كلانا من بعضه، أنا وأنت! هذا ما تقتضيه الحياة لنا، هذا ما تمليه علينا.
    إلتفت عليها، أطال النظر إلى ملامحها المخبئة في الوسادة، ويده اليمنى التي تجاور جنبه تشتد حتى ظهرت عروقه المنتشية على ظاهر كفه، بحدة : أفكر غيري وش كان ممكن يسوي فيك؟
    رتيل دون أن تلتفت إليه وضعت يديها على أذنيها : ماأبي أسمعك! ماأأبي . . . أنفجرت بالبكاء لتصرخ : اطلع! . . . أطلع من حياتي!! ما أبي قربك ولا أبي أشوفك . . عمري ما كرهت شي قد ما كرهت حبي لك!!
    عبدالعزيز يقترب منها ليسحبها من ذراعها رغم محاولاتها بالتشبث بالسرير، أوقفها ليدفعها بقوة على ظهرها للجدار، سحب السلاح الراقد في خصره، وجهه لصدرها المرتجف، تجمدت عروقها وأنفاسها الثائرة دون زفير يسعف الموقف : شايفة شعورك الحين؟ هذا الشعور كنت أحسه كل يوم وكل دقيقة وكل ثانية! . . تخافين يغويني الشيطان وتنصابين؟ أو ممكن تموتين؟ . . انا ماكنت أخاف من الشيطان! كنت أخاف من الواقع اللي محد قادر يقوله لي!
    أعتلت نبرته ليجلد روحها بغضبه : كنت اخاف من أبوك ومن فكرة أنه مخبي عني شي! كنت برضى لو مخبي عني معلومة تكون بنظر الكل تافهة! كنت برضى لو كان مخبي عني أي شي! لكن كيف أرضى أنه يخبي عني شخص من لحمي ودمي؟ أنا بالضبط وش سويت عشان أستحق كل هذا؟ . . ممكن ضايقت أبوك! ضايقته كثير . . بس ما أذيته مثل ما اذاني! . .
    يحفر فوهة السلاح بنحرها وعينيه تتسلط بحدتها/قسوتها بعينيها : على فكرة! فيه أشياء كثير تخليني أتصرف بطريقة تليق فيكم!! لكن أبوي يمنعني! أبوي اللي مامات بداخلي!!
    نست أمر السلاح الموجه إليها، نست كل شيء تماما وصدى جملته الأخيرة ترتد في جسدها ك رنين لا ينتهي، تسيل دمعتها بيأس عميق/ بحب مندثر، كنت أؤمن بشدة ومازلت نحن النساء لا نتملك عاطفة واحدة حتى يكون أمر الحب محض التجاهل والنسيان بسهولة مثلما يفعل الرجال، هم يملكون عاطفة واحدة من الممكن أن تنسى، ولكن كيف نتجاهل عواطفنا الفطرية والمكتسبة؟ عواطفنا التي تحتل عقولنا أيضا؟ في حين أن عاطفتهم لا تشكل سوى 1٪ من أجسادهم.
    عبدالعزيز بيأس اتضح بنبرته : تفكرين كيف ممكن أتناقض بالدقيقة الوحدة مليون مرة؟ وكيف هالتناقض يلعب فيك؟
    أخفضت رأسها، لا تريد أن تراه وتزداد زاوية إنكسارها ببكاء أكبر.
    يكمل بمثل حدته التي تأت كسبب مقنع لبكاءها : لأنه عمري ما كنت لنفسي! أنا لأهلي . . لأبوي وأمي و هديل وغادة . . أنا كلهم يا رتيل! . . . . أهلي اللي أبوك بدم بارد ما فكر فيهم! كيف تبيني أفكر فيك؟ . . بتفق معك إني ممكن أكون أسوأ شخص تقابلينه في حياتك! لكن راح أكون الأسوأ فعليا لأني مقدر أدعي الفضيلة وأقول معليه يا عبدالعزيز قابل السيئة بالحسنة! فيه ناس أقوى مني ممكن يقابلون سيائتكم بحسنة صبرهم وتجاوزهم لكن أنا . . ماني بهالقوة!
    دون أن ترفع رأسها لنظراته التي تأت كنار تلهبها : وأنا مقدر أدعي الفضيلة وأقول الحق حق يا رتيل وأبوك غلطان! أنا ماني بهالقوة يا عزيز عشان أقهر نفسي بأبوي!
    عبدالعزيز إبتسم بإزرداء : تربية أبوك ماراح أستغرب! . . تعاملون الناس باللي ماترضونه على نفسكم!!
    رتيل رفعت عينيها إليه لتردف وهي تحاول أن تتجاوز بكاءها وتتزن : إذا قصدك من كل هذا إنك توجع أبوي فيني، عادي! ماعاد تفرق معي نفسي، يهمني أنه ابوي ما يضيق علي لأني ببساطة منك تعلمت الصبر، إذا أنت تفكر لو غيرك وش كان يسوي فيني أنا افكر لو كانت غيري كيف بتقدر تتحمل كل هالمصايب؟ قلت لك كثير ببكيك يا عزيز لين تنتهي مني!
    عبدالعزيز بعقدة حاجبيه يتأمل ملامحها التي تبكي من بين كلماتها التي لا تتراجع عنها أبدا، لن يرى أبدا بكاء يشبه بكاءها، ولا عينا تشبه عينها ولا نبرة تحطمه كنبرتها، ينزل السلاح ليضعه في مكانه السابق، بتهديد مبطن : حزني ما يخصني بروحي! يخصك أنت بعد!
    رتيل التي تفهمه جيدا لفظت : تهددني حتى بالأشياء اللي تسيطر عليها نفسي!
    عبدالعزيز : بالنهاية راح يجي يوم وبتكونين بين أهلك وناسك! راح تعرفين وش يعني ضميرك يموت! و كيف تعيشين الحياة كأداء واجب لا أكثر
    رتيل بضيق: أداء واجب؟؟
    عبدالعزيز : أنك تتنفسين لا أكثر! بدون أي هدف يخليك تعيشين هالحياة! و بتنتظرين الموت اللي يغيبك فعليا! . . راح يجي يوم وتعيشين كل هذا
    رتيل بحدة : ما أشبهك! لا تربط مصيري بمصيرك بهالطريقة!!
    عبدالعزيز بتهديد صريح حاد/قاسي : بس حزني مصيرك! قلت لك أنه ما يخصني بروحي . . . تراجع عنها بعد أن تقابل جسده بجسدها للحظات تقسم روحها نصفين، تركها ثابتة تحت تأثير الصدمة، خرج من الغرفة لترتفع عينيه نحو سقف هذه الشقة.
    في حين انسحب ظهرها بذبول من التوكأ على الجدار لتجلس على الأرض، إنك تقتلني ببطء، تمارس أشنع الأفعال لقتلي، ليتك تحد سكينك وتنهي هذه الماساة ولكنك تستلذ بتعذيبي، " اللعنة " على الحب.
    خرج من الشقة ليقفل الباب جيدا، نزل ليتسلل إليه ليل باريس الهادىء في مثل هذا اليوم، أدخل يديه بجيوب معطفه ليسير على الرصيف الضيق، خرج من على المحل الجانبي شخصا ليرتطم به على عجل، رفع عينه اللامبالية ليأت صوت وليد الشرقي : عبدالعزيز ؟
    عبدالعزيز سار خطوتين ليلتفت عليه برفعة حاجبه : عفوا ؟
    وليد : أنت عبدالعزيز العيد صح ؟
    عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليردف : مين معاي ؟
    وليد الذي ارتكب الصدفة وتعمدها : من يومين كنت عند ناصر و كنا ندور عليك
    عبدالعزيز بملامحه المتجمدة وبرد باريس يزيده تجمدا : ناصر!! وينه؟
    وليد : بالسجن! ماتعرف إيش صار؟ . . على العموم زين شفتك عشان تروح له، على حسب علمي هو صديقك
    عبدالعزيز صمت طويلا حتى يقطع هذا الصمت بصوته الضيق : معه أحد ؟
    وليد فهم قصده ليردف : لا ناصر لوحده . . ليه فيه شخص ثاني؟ ماعندي علم إذا فيه شخص كان معاه! اللي اعرفه أنه كان بروحه
    عبدالعزيز : وش علاقتك فيه؟ مين تكون ؟
    وليد : تعرفت عليه من فترة بسيطة لما كان هنا
    عبدالعزيز بمزاج لا يجعله حتى يبتسم لإبتسامة وليد : طيب! . . شكرا لك . . أعطاه ظهره ليكمل طريقه.
    وليد تنهد من مزاجيته السيئة التي كانت واضحة عليه، لا أعلم كيف فعلت كل هذا! بدأت أجن فعليا حد أنني أوقع بينهم من أجل أن احتفظ بغادة، هذا الحب امرضني، لست مثاليا حتى أرضى بأن غيري يحتفظ بك وينام على شعرك، أنا اسف لأنني لم أرضى بقدري وحاربته بأشد الأفعال سوء، لا أدري كيف أتجاوز خيبة اخرى؟ فشلت بحب تقليدي وفشلت أيضا بحب اخترته، لا حظ لي بهذه العاطفة التي تسمى " حب "، ولكنني أريد ولو لأسبوع فقط! أن أعيشه بسلام يقتضيه الحب فقط، أدرك تماما فداحة أفعالي! ولكن هذه الحياة لا تترك لي خيارا اخر، اسف جدا لأنني طبيبا سيئا عجز عن مداواة نفسه، أنا الذي أوصيت كل من اتني أن تكن الأخلاق الحسنة منهجهم حتى يصلح حالهم، أنا الذي أوجه الناس بشيء لا أقدر على فعله، أنا مريض جدا بك يا غادة.


    ،


    لا أعني ما أقول، أنا التي تتبعها ضلالة الحب كظلها وحين تهتدي! تكن الهداية من عينيك، نحن نجسد الماساة بيننا لأننا لا نجرؤ على النهايات، كل شيء يجبرني أن أتخذ قرارا دون أن يشاركني قلبي به! هذه المرة أنا أقول " نعم " دون مشورة قلبي، ولكنني احترق! أشعر بأن النار تقوم في صدري، لم نتعلم العفو كما ينبغي حتى نتجاوز أمور كثيرة في حياتنا، المحبط يا سلطان أنني أحبك بالخفاء ولا اعرف شعورك تحديدا، سيقتلني شكي الذي يتحول ليقين في كل مرة أسمع بها صوتك، شكي/يقيني الذي يقول أنك تريدني، لا تقلها، أتركني اتعثر بك بالمكابرة.
    سلطان يتصاعد غضبه في كل حرف ينطقه : أنت طالق!
    ارتجفت شفتيها، شعرت بموجة صقيع تضرب جسدها، هذا الشعور الذي يقتضي العزلة تماما، أغمضت عينيها لتستوعب ما يحدث، تختنق ببكاءها، أظن أنني أسوأ مما أظن بنفسي، هذه الكلمة تأت ك; جرح. لا يمكنني أن أشفى منها، لم أكن متناقضة بهذه الصورة اللاذعة إلا معك، أنا لا أفهمني أبدا ولا أفهمك! إلهي كيف أتى صوته ثابتا دون أن تهزه الكلمة؟ إلهي كيف استطعت أن تقتلني دون أن تقول لي قولا ناعما يتمسك بي، كيف ننتهي هكذا وأنا لم أقل لك يوما أن عيناك جميلة وأني أحب النظر لنفسي عبرها، كيف يا سلطان تنهي الحياة بعيني حتى لو طلبتها منك! لم أكن أعنيها والله! تستفز صبري! تستفزني تماما حتى تخرج أسوأ مافيني لتجعلني أسقط في قاع الندم، هذه النهاية لا يحتملها قلبي، أنت المحرض الأساسي للألم و الوجع، للقهر والحزن، نطقتها دون أن يتحشرج صوتك بها؟ دون أن تنطق ب تنهيدة تنقذ الموقف! قلتها بإنسيابية تامة و قتلتني!
    سلطان يشعر بأن نارا تندلع في حنجرته من مرور هذه الكلمة على لسانه، أغلق هاتفه ليقف وهو يفتح أول أزارير ثوبه، وصل لأقصى حالات الإختناق، ليس جسدي وحده الذي يمرض، روحي أيضا.
    تحملني هذه الحياة فوق طاقتي، والمحبط في الأمر أن تكونين سببا يزيد من تحملي، أنا الذي حاولت ان أرتد عن مبادئي السابقة، وأنا الذي ضللت أستخير الله في كل ليلة حتى توقفت عن ذلك قبل شهر تقريبا، لم ييسر لي الله إنفصالي منك أبدا، وهذا ما كان يجعلني دائما في حرب لاذعة بين إيماني بحكمة الله وإيماني بأنني لا أقدر على تجاوز الأمر، توقفت عن الإستخارة في الوقت الذي خفت به تماما أن يسهل الله أمر طلاقك! كنت أود بشراهة أن لا تأت نقطة تنهي ذكرك في فمي! في نبرة صوتي تحديدا، تعبرني تفاصيلك بحدة، هذا الأمر الذي لا أملك السيطرة عليه.
    " إبتسامتك الخجلى، ضياع عينيك في خوفك/فرحك، رجفة صوتك، تصاعد أنفاسك، بعثرة خطاك، دندنتك الناعمة التي يستذكرها عقلي دائما ( روح لي قلبي يا ميمه ) ، رفعة شعرك، فرقعة أصابعك المتوترة، قدمك التي تضرب الأرض بخفوت كلما أشتد غضبك، أصبع يدك اليمنى الذي يعبث خلف أذنك في تفكيرك، تلاعب يديك بياقتك إن لم تجدي جوابا ينقذك من الأسئلة المتراكمة بداخلك، أسنانك العلوية التي تقبض على شفتك السفلية في كل مرة تبكين فيها، أحفظك تماما، أحفظ أبسط الأشياء المتعلقة فيك، لنا نحن العوض من الله، لنا أنا وقلبي رحمة من الله ".
    إلتفت للباب الذي يفتح، بلع ركام الكلمات المبعثرة بداخله ليأت صوته متزنا بظاهر لا يعكس باطنه، اعتاد أن يموت ببطء دون أن يظهر من إحتضاره شيئا للناس، اعتاد دائما أن يحبس هذه الأمور بداخله ولا يظهرها لأحد : حصل شي جديد؟
    أحمد بإبتسامة متسعة : إيه . . فيه شخص إسمه فواز عندنا ملفه هنا
    سلطان يتجه نحو الطاولة الجانبية ليمد يده نحو كأس الماء ويبلل ريقه المحترق بالجوهرة : إيه وش الجديد؟
    أحمد : الجديد أنه سلطان العيد الله يرحمه ويغفر له . . كتب وثيقة موقعة منه عنه
    إلتفت إليه ليضع الكأس بصخب : وش وثيقته؟
    أحمد : وثيقة تفيد تحقيقه ال . .
    سلطان بلع ريقه بصعوبة ليقاطعه : أحمد! . . كيف وصلت لهالمعلومات؟ كيف تعرف أننا نحقق بهالموضوع ومحد يعرف غيري أنا و بوسعود و بو منصور!!!!
    أحمد اختفت إبتسامته ليردف : الكل هنا يعرف أنكم تحققون بموضوع سليمان
    سلطان مسح على وجهه بصدمة أخرى لا يمكن لعقله أن يستوعبها : كلكم!!!!
    أحمد : لكن أكيد محد بحث بالموضوع بدون إذن منك الله يطول لنا بعمرك
    سلطان بسخرية : أثلجت صدري بصراحة!
    أحمد : أعتذر منك إذا كان تصرفي غلط، كل ما في الأمر إني وصلت لها وأنا أحدث السيرفر التابع لنا
    سلطان يجلس على مقعده، كل شيء يحدث اليوم يجلب له البؤس : وش كان مكتوب فيها؟
    أحمد : أنه إخفاء المعلومات المتعلقة بفواز هي جزء مما يتطلبه التحقيق
    سلطان: غيره؟
    أحمد : سلطان العيد الله يرحمه كان موافق على فعل عبدالمجيد، يعني الملف المتعلق بفواز هو مجرد حيلة من سلطان و عبدالمجيد لسليمان، عشان يتيقن سليمان بأنه الشكوك مبتعدة عنه ومتجهة لشخص يدعى فواز . .لكن مافيه شخص خلف هذا الإسم والإسم ماهو مزور! الإسم ماله صاحب من الأساس عشان يتزور!!
    سلطان إبتسم من سخرية أحداث حياته به، ود لو يقتل نفسه الان ولا يسمع أنه أخطأ التقدير مرة أخرى
    أحمد أرتعب من إبتسامته هذه التي تأت في غير حينها أي يعني أن غضبا سيأت بحينه : و . . و وبس
    سلطان وقف ليحك رقبته بضيقه الشديد : وهذا الإكتشاف مين يعرف فيه غيرك؟
    أحمد : محد، أنت أول شخص الله يسلمك أقول له
    سلطان : وأتمنى إني أكون اخر شخص
    أحمد بلع ريقه : أكيد أبشر
    سلطان : فيه شي ثاني؟
    أحمد: لا سلامتك . . .

    تعليق

    • *مزون شمر*
      عضو مؤسس
      • Nov 2006
      • 18994

      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

      خرج بهدوء ليمسك سلطان الكأس ويرميه على جداره حتى تناثرت قطع الزجاج على الأرض، كوارث حقيقة أندلعت في جسده، للمرة الثانية نبحث عن شخص لا وجود له، للمرة الثانية أفشل! ولكن هذه المرة أشد لذاعة مما قبل، هذه المرة تأت بمرارة شديدة تتوافق مع فشلي بحياتي الزوجية، تنهد ليسحب ما يستطيع من الهواء حتى يخمد لهيبه، قطع شفتيه بأسنانه التي تحتد هي الأخرى بغضب، جلس مرة أخرى على مقعده لتضرب قدمه الأرض وفي داخله أسئلة كثيرة وأجوبة قليلة! وهذا ما يؤرق فكره.
      لم يا سلطان العيد تفعل بنا كل هذا! بماذا كنت تفكر حينها؟ كيف طاوعتك نفسك بأن تخفي علينا، لوهلة أشعر أنك تنتقم لعبدالعزيز منا، تقتص بطريقة ظالمة! لم نستطع أن نبرر فيها عن أسبابنا، لم نكن مخيرين! لم نكن ندري عن المصائب التي حدثت بعد الحادث. كنت صاخبا بحضورك ومازلت حتى في موتك تصخب بنا، لو أنني أعرف معلومة واحدة تتعلق بما حدث بعد الحادث لأنحلت كل أمورنا.
      تأت إبتسامة سلطان العيد كنسمة باردة تمر في باله، قبل سنوات عديدة في مثل هذا المكتب.
      " سلطان بن بدر بإنفعال : وأنا وش يفيدني؟ أضيع وقتي ليه ؟
      سلطان العيد بهدوء : إنفعالك هذا ماراح يفيدني! تعلم تتحكم بأعصابك
      سلطان بن بدر : متعلم وعارف كيف اتحكم بأعصابي!!
      سلطان العيد يقف متجها إليه وبإستفزاز : ورني كيف متحكم بأعصابك؟
      سلطان بن بدر يقف صامتا حتى لا ينفعل اكثر، ليردف سلطان العيد : أنت في موضع يجبرك تكون حليم غصبا عنك! شخصيتك ماهو بإيدك، شخصيتك تحت حكم وظيفتك
      سلطان بن بدر ابتسم : من كثر ما تردد علي هالحكي بصير عصبي!!
      سلطان العيد بضحكة : لأنك صغير توك ما نضجت
      سلطان بن بدر : لا تحاول تستفزني بالعمر!
      سلطان العيد بتلذذ وهو يثير غضب سلطان الذي يشترك معه بكيمياء إستثنائية : هالشهر بتكمل ثلاثين سنة صح؟
      سلطان بن بدر تنهد : هنيني بعد؟
      سلطان العيد : أفا عليك! إذا ما حفظت يوم ميلادك أحفظ ميلاد مين؟
      سلطان بن بدر تمتم : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
      سلطان العيد : شفت هذي العصيبة كيف خلت الشيب يجيك وأنت توك بشبابك
      سلطان بن بدر يمسح على عوارضة الخفيفة التي تظهر بعض الشعيرات البيضاء التي أتته من هذا العمل : بطل تعاملني كأن عمري 20 سنة!!
      سلطان العيد يعود لمقعده بإبتسامته المميزة التي لم تفارقه أبدا : تدري سلطان لو الله يفكك من هالدم الحار وهالمزاجية كان أنت بخير! . . لزوم نخلصك من إضراب الزواج يمكن تتسنع شوي
      سلطان بن بدر بإبتسامة : تعذبني في التدريب! تخليني اداوم قبل لا تطلع الشمس! تهلكني لين الفجر! تصبحني بصراخ وتمسيني ب سب وتبيني أكون قدامك بارد وحليم ومزاجي رايق؟
      سلطان العيد غرق بضحكته ليردف : لازم تتعود كم مرة اقولك! أنت منت مواطن عادي، لازم تكون متعود على هالمعاملة عشان إذا شفتها بالشارع ما تاخذ سلاحك وتثور باللي قدامك! لازم تكون بارد إتجاه كل هذي التصرفات عشان مستقبلا ما تغلط . . فاهم علي ؟
      سلطان بن بدر : والله العظيم أدري! الحين ممكن تخليني أمسك هالقضية ؟
      سلطان العيد بإبتسامة فسيحة مستفزة : لا
      عاد لواقعه، طرق بأصابعه على الطاولة، تعاظمت حاجته لمن يحمل إسمه ورحل.
      أحتاج أن تقرأ علي بصوتك الذي يبث السكينة، أن توجهني لفعل صحيح لا أتوه به، أن تصرخ علي وتغضب حتى أعيد قراءة نفسي، أحتاج لك يا موجهي في هذه الحياة، لو أنك هنا اليوم! لتدرك حاجتي الشديدة والملحة لك.

      ،

      باريس / ليلة الأمس.
      ارتعش جسدها من هذه العتمة التي تحجب عن عينيها الرؤية، تبلع ريقها بخوف وهي تكابر بإخفاء رهبتها، وضعت كلتا يديها على بطنها لتغرز أصابعها بجسدها حتى تخفف حدة التوتر والخوف الذي يصيبها، هذه العتمة تستثير معدتها للغثيان.
      تشعر أنه يبتعد عنها ولا صوت يجيء به، في وقت إتجه فارس إلى مفاتيح الضوء ليعرف سر العطل المفاجئ، اقترب من الباب ليسقط الكرت البلاستيكي الممغنط الخاص بفتح الغرفة، تنهد ليبحث عنه بهذه الكومة من الظلام، أتى صوتها المرتبك مقاطعا : فارس
      وقف ليعود بخطى بطيئة نحوها حتى لا يصطدم بشيء: أنا هنا . .
      تنهدت بجزء من الراحة، لدقيقتين استغرق بتفكيره ليدرك تماما أن هذا العطل متعمد، بلع ريقه ليردف بإتزان وهو لا يراها بوضوح، كان يحاول أن يستعجل بالكلمات حتى يكسب الوقت : عبير . . ماني بهالصورة اللي في بالك! كلنا نغلط محد معصوم عن الغلط . . وأنا غلطت كثير بس صححت أغلاطي . . عبير ما أبي الا إنك تصدقيني!!
      عبير بضيق لا تعرف كيف تفكر وتحدد شعورها، كل شيء يتشوش عليها : أبي أصدقك! أبي أعيش معاك! أبي أكون لك بس مافيه شي يساعدنا! حتى أنت يا فارس!!! بيننا شك لأنه من الأساس مافيه أي ثقة . . كيف أثق فيك؟
      فارس : أنا اثق فيك! أثق بقلبك، أحتاج تثقين بثقتي فيك!
      عبير تنازلت دموعها عن دور اللاجئة في عينيها لتندثر على ملامحها، بنبرة مبللة بالبكاء : وإذا وثقت فيك كيف أثق بأهلك؟
      فارس : أنت لي مو لأهلي . . لا تصعبينها علي!
      عبير مسكت رأسها بثقل تام : ما أعرف وش الصح عشان أسويه! . . اقترب منها ليمد يده نحوها ويلامس كتفها، طوق جسدها بذراعيه : قولي إنك تثقين فيك وبوعدك أترك كل شي ورى ظهري وأكون معك!
      وضعت يديها فوق يديه وهي تحاول أن تقاوم كل هذا الضغط العاطفي حتى تقرر بشكل عقلاني : ما ينفع . . أنا ما أعرف أتأقلم بسهولة مع هالوضع
      فارس سحب يده من تحت يديها ليطوق وجهها ويرفعه نحوها : اللي يقتلني وأنا حي إني أخسرك بإختياري! اللي يقتلني إني أشاركك الأرض وما أشاركك السقف! اللي يقتلني إنه الشخص اللي انتظرته ماراح أقضي سنينه معه! اللي يقتلني إني أفترق عنك في ذروة حبي لك! . . . وأنا كيف أتأقلم مع الموت؟
      عبير أخفضت رأسها ببكاء عميق لا ينضب، لامس جبينها صدره القريب منها، وبنبرة موجعة : ليه تقولها كأنك بتموت اليوم؟
      فارس : لأني ما أضمن عمري! بس أبي أضمن عيونك
      عبير : تصعبها علي كثير يا فارس
      فارس : قوليها بس
      عبير وتسكنها الرجفة التي تجعل من أمر القرار صعب جدا، أكمل بصخب صوته الرجولي : ماراح يسعدك رضا عقلك! ولا راح يسعدني إني ابتعد عنك! خلينا لمرة وحدة نمسح بهالمبادىء والقناعات البلاط ونعيش مثل ما نبي مو مثل مايبي غيرنا!
      عبير بضيق بحتها : الحب مو كل شي! كيف بتقدر تعيش بدون إستقرار وأمان؟
      فارس برجاء صوته الذي يأت سريعا خشية من الوقت الذي يقطعه : بدونك ما اعرف الإستقرار والأمان!
      عبير بإستسلام تام أنهارت ببكاءها، تشبثت أصابعها بأزارير معطفه في وقت كانت ذراعه تحيطها من خلف ظهرها : ما أبي أودعك!
      فارس بتعب : خلي النهاية تجينا مو إحنا اللي نركض لها!
      عبير ببكاء : اسفة لأني ما أعرف أكون بالصورة اللي في بالك!
      فارس تجمد العالم بعينه التي تتحشرج بالكلمات المختنقة، بوداع خافت : الله يهديك وياخذك لي

      يتبع

      تعليق

      • *مزون شمر*
        عضو مؤسس
        • Nov 2006
        • 18994

        رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

        ،


        صرخ عليه وساقه المصابة ترقد على الأرض : تعال قومني بسرعة!!
        عمر بتوتر : ماراح يجيك هنا! لا تطلع صوت وماراح يدري بروح ألحق على سليمان
        أسامة بغضب : بيدخل يا ******* تعال بسرعة . .
        عمر تنهد بضيق ليهرول إليه سريعا، حاول أن يوقفه ليسمع صوت خطى الأقدام في الأسفل، ترك أسامة حين تصاعدت الخطى ليغلق الباب خلفه ويتجه للطابق الثالث.
        أسامة شعر بأن ساقه تنفصل عنه تماما، الألم يتغلغل فيه ويضيق عليه، زحف للخلف بمحاولة حقيقة أن يبحث عن مكان يختبأ به، في جهة أخرى لمح رائد جسد عمر المار ليسحبه بحده، دفعه على الجدار بقوة حتى شعر بأن أنفه سقط من وجهه، تذوق لسانه الدم مرغما إثر نزيف أنفه، لم يستطع أن يلتفت عليه وأصابع رائد تلوي ذراعه دون رحمة : مين ذبح فارس؟ أي كلب فيكم؟ والله ورحمة الله لا أطلع فعلتكم من عيونكم!
        عمر فقد تماما الإحساس من الضربة التي انسفت كل خلية صالحة للتفكير، لفه عليه ليدفعه على الجدار مرة أخرى وتنجرح مؤخرة رأسه وتغطيها الدماء، أقترب منه ليضع ذراعه على رقبته ويشد عليه حتى اختنق : حسابكم ما خلص! من صغيركم لكبيركم!
        وضع رائد قدمه خلف قدم عمر ليشدها بقوة جعلت عمر يسقط على ظهره ورأسه يرتطم بأول عتبة من الدرج، تركه ليصعد للأعلى وهو يجهز نفسه لمقابلة سليمان، ينسلخ تماما بكل ما يمت للإنسانية بصلة، يود أن يقتلهم بأشنع الطرق واحدا تلو الاخر، رفس الباب الذي أمامه ليتوسط الجناح الواسع، بحث بعينيه عنه ليراه جالسا ببرود يستثير غضبه : أووه! رائد عندنا!!! كان قلت لنا قمنا بواجب الضيافة
        يمسح رائد على عوارضه من خده حتى عنقه، بخدعة لا تكلفه من التفكير الكثير، أدخل يده بجيب معطفه الداخلي وكأنه سيخرج شيئا لتنطق الرصاصة بإتجاه ساقه، تصلب جسد سليمان بصدمة.
        اقترب رائد ليسحبه من ياقته ويوقفه، دفعه حتى الصق ظهره بالجدار : ماهو انا اللي تلعب معاي!! راح أعلمك مين رائد . .
        لكمه سليمان على عينه ليستثير غضب رائد، أعاد رائد اللكمة إليه ليلفه ويدفعه على الطاولة الزجاجية، تناثر الزجاج حول جسده وساقه مازالت الدماء تغطيها بعمق.
        رائد : هذي المرة رجلك والمرة الثانية راسك! . .
        بغضب صرخ عليه : وين جثة فارس؟
        سليمان : دورها بنفسك
        رائد تتجمع الدماء المثارة في ملامحه المحمرة بحقدها، بقوة رفع قدمه ليسقطها في وسط بطنه : أقسم بالله ما ترتاح ليلة طول ما أنا حي!!!
        سليمان يتحامل على ألمه : أنت اللي بديتها وتحمل!
        رائد بكوارث تتشكل في ملامحه الغاضبة، إلتفت لرجاله المصابين برهبة من رائد الذي لم يغضب كغضبه هذا منذ وقت طويل : شيلوه! . . أعاد نظره لسليمان بنظرة وعيد . . . بعلمك كيف نحرق الجثث!!
        سليمان انتشرت نظراته بغضب من رجاله الذين هربوا، حاول أن يقف لتأت الطلقة دون رحمة على قدمه الأخرى : ورني الحمار اللي ذبح ولدي! ولا قسما بالله ما تنام الليلة الا في قبرك!
        سليمان صرخ من ألمه : عمر
        رائد أخرج هاتفه ليبتعد بخطاه للأسفل ويترك بقية المهمة لرجاله، بعد لحظات طويلة نطق : ممكن تحولني لسلطان بن بدر!
        أحمد وهو يشرب من كأس الماء : من أقوله ؟
        رائد : رائد الجوهي
        أحمد بردة فعل لم يسيطر عليها تناثر الماء من فمه : نعععععععم!!
        رائد : إذا مو موجود عبدالرحمن ال متعب
        أحمد بلع ريقه : دقيقة وحدة . . . وقف لينظر إليه متعب بإستغراب : وش فيك؟ ترى بنصلي على مقرن بعد صلاة العصر اليوم
        أحمد بدهشة : تعرف من اتصل؟
        متعب عقد حاجبيه : مين ؟
        أحمد : رائد . . . وش صاير في الدنيا! وداق على مكتبه بعد ويقول إسمه بكل فخر!!
        متعب بصدمة : من جدك؟ يمكن شخص يستهبل
        أحمد بإنفعال : فيه مجنون يتصل علينا ويستهبل!! نوديه بداهية . . . . هرول سريعا نحو مكتب سلطان ليطرقه ثلاثا ويفتحه : طال عمرك
        سلطان المنشغل بالأوراق لا يجيبه، يقرأ بتمعن أوراقا لا صاحب لها، يقرأ خيبته و فشله.
        أحمد بلع ريقه : فيه إتصال مهم لك
        سلطان : عبدالرحمن؟
        أحمد : لا ر ..
        سلطان يقاطعه : ما أبي أحد يزعجني لا تحول لي أي مكالمات
        أحمد : بس . .
        سلطان رفع عينه الحادة : قلت لا تحول لي أي مكالمات
        أحمد برجاء صوته : طال عمرك اللي متصل . . .
        سلطان بغضب لا يحتمل المناقشة : ما أبي اكرر كلامي مليون مرة عشان تستوعبه!!! . . أطلع برا وسكر الباب
        أحمد بخيبة عاد للخلف وأغلق الباب، أندفع إليه متعب بحماسة : وش صار؟
        أحمد : واصلة معه! مقدرت أقوله كلمة وحدة الا أكلني
        متعب : لازم تقوله! . . لحظة مافيه غير بو منصور هو اللي يعطيك الجو المضبوط!! . . . . أخرج هاتفه ليتصل عليه، مرت لحظات طويلة أمام ترقب أحمد المتوتر : السلام عليكم
        عبدالله : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        متعب : شلونك يا بو منصور ؟
        أحمد يشير له بيديه أن يستعجل ويختصر بالكلمات.
        عبدالله : بخير لله الفضل والمنة . . صوتك يقول فيه شي؟ عساه خير؟
        متعب : هو خير إن شاء الله . . . بس الله يسلمك بو بدر اليوم ماهو قابل النقاش بأي شي لكن حصل أمر ضروري ولازم يعرف فيه وقلنا مافيه حل غيرك خصوصا أنه بو سعود ماهو موجود بعد
        عبدالله وقف ليخرج من مجلسه، عقد حاجبيه : وش اللي حصل؟
        متعب بلع ريقه ليلفظ بخفوت : رائد الجوهي اتصل ويطلب تحويل مكالمته لبو بدر
        عبدالله تصلبت سيقانه بدهشة ليردف : أتصل على مكتبه؟
        متعب: إيه على مكتبه . .
        عبدالله : أنا جاي الحين وبتصل على جوال سلطان بس أهم شي لا ينقطع الإتصال . . .
        متعب : أوكي إحنا ننتظرك
        عبدالله : فمان الله . . أغلقه ليعود لمجلسه، أخذ مفاتيحه وخرج.
        متعب : يقول أنه جاي الحين وبيتصل على بوبدر
        أحمد : تهقى صاير شي؟ خوفك صاير مكروه ببوسعود ولا أهله!!
        متعب : فال الله ولا فالك إن شاء الله مو صاير كل خير . . . الله يطمننا عليهم ويريح بالهم


        ،


        يجلس بمقابل الدكتور في المستشفى الذي احتضن جثثهم في العام الماضي، بنبرة هادئة ( يتحدث بالإنجليزية ) : ولكن مصادرنا تثبت الرشوة، هذا أمر لا يحتمل الشك! الذي نسأل عنه هو من سلم هذه الرشوة!
        الدكتور : أعتذر منك ولكنك تتهمنا دون دليل، نحن في هذا المستشفى تهمنا كل روح تأت إلينا فما بالك بأربعة أشخاص نتهم بأننا أخفينا جثثهم!
        عبدالرحمن : الأم و الإبنة الصغرى نحن واثقون من أمر جثثهم ولكن الإبنة الكبرى حية ترزق هذا يعني أن هناك جثة وشهادة وفاة استخرجت من طرف نجهله! وهذا ما نبحث عنه
        الدكتور : استخرجت من إبنه !
        عبدالرحمن : إبنه لم يكن لديه علم بوجود شقيقته! دفنهم جميعا موقنا بأنهم أموات
        الدكتور بإبتسامة : لا معلومة أملكها تفيدك
        عبدالرحمن : ستجبرني أن أدخل السلطات بالتحقيق وتتجه المسألة إلى أكبر من ذلك
        الدكتور اختفت إبتسامته : أعلمتك مسبقا بما أملكه، أتت جثثهم جميعا وتم استخراجهم أيضا جميعهم بتوقيع من الإبن
        عبدالرحمن بحدة يستدرجه : و الإبنة الكبرى لم تمت! كيف تستخرج جثتها؟
        الدكتور : هذا مالا علم لنا به، نحن فعلنا كل ما بوسعنا لإنقاذهم ولكن الأم و الإبنة اصغرى توفوا هنا بينما البقية أتاهم الموت قبل وصولهم للمستشفى
        عبدالرحمن : هذا الأمر تخبره لأي رجل بالشارع وسيصدقك ولكن أمامك شخص استجوب الكثير في حياته وبإمكانه أن يفرق بين الصدق والكذب . . أحذرك للمرة الثانية من التلاعب بالكلام فأنا لا أرضى على وقتي بأن يضيع بمثل هذه التفاهات! من أتى للمستشفى وقدم الرشاوي لتزوير التقارير الطبية المتعلقة بأفراد العائلة! أظن أن السؤال واضح
        الدكتور : لا أعلم، هناك ألاف الأشخاص يأتون المستشفى في اليوم الواحد
        عبدالرحمن : ومن الألف هناك واحد يزعزع تحقيقات قد تؤثر بمنطقة كاملة! هل تدرك ما أعنيه؟
        الدكتور : يسعدني أن أساعدك ولكن تطلب مني شيئا اجهله
        عبدالرحمن بغضب : من قدم الرشاوي لتزوير التقارير الطبية المتعلقة بهم؟ لن أكرر السؤال كثيرا وإن كررته فلا تحلم بأن تجد مهنتك في اليوم التالي
        الدكتور : تهديدك هذا يجعلني أطلب أجهزة الأمن، أرجوك لننهي هذه المحادثة فأنا لا علم لدي بما تقول
        عبدالرحمن : سأشتكي كمواطن عادي بمراكز الأمن هنا وسأشتكي أيضا بتدخل السلطات كمسؤول! وأنت تدرك تماما خطر ما تخفيه
        الدكتور وقف : شكرا لزيارتك
        عبدالرحمن وقف هو الاخر : تذكر جيدا أن صمتك هذا يكلفك الكثير!!! . . . خرج متنهدا من هذا الدكتور الذي يخبىء بعينيه الكثير من الأحاديث، أخرج هاتفه ليتصل على سلطان ويأت الرد : مغلق.
        كان سيعيد الإتصال لولا إسم " نايف " الذي أنار الشاشة، أجاب : هلا نايف
        نايف بحماس : تذكر يوم قلت أنه فيه رسالة وصلتني من رقم غريب لكن ما وصلتني كاملة وكانت رموز ماهي مفهومة! اليوم وصلتني رسالة ثانية بوجود بنتك
        عبدالرحمن بدهشة : بنتي! . . الرسالة من مين؟
        نايف : ماعندي علم . . أنا الحين رايح المكان قريب من غرب باريس
        عبدالرحمن : أنا جاي الحين . . . .


        ،

        ينتظره بالمقعد الخشبي في المكان المخصص لمقابلة المساجين، بدأت قدمه بالإهتزاز في كل دورة ينهيها عقرب الساعة، تتصاعد أنفاسه لدقيقة لتخفت لدقائق طويلة، هدوء الأنفاس لا يعني أننا حتما بخير، أحيانا يكن إحتضار.
        أخفض رأسه لتتجه أنظاره نحو قدمه، كان أكثر ما لا أريد مواجهته بالحياة، أن أواجه ناصر كطرف اخر منفصل عني بعد أن كان جزء مني، ناصر الذي قاسمني الحياة وبكى معي في الوقت الذي كنت لا أريد مواساة من أحد، لا أريد يدا تمسح دمعي، كنت أريد أحدا يبكي معي ويشاركني ماساتي. لم فعلت هذا يا ناصر بي؟ لم كنت مثلهم وأنت مني؟ احرقوا قلبي وأنت بدل أن تطفىء ناري زدتها لهبا/إشتعالا، كيف هان عليك؟ يا عزائي! يا فجيعتي! يا حزني الكبير فيك يا من أخضع من أجله كل شيء حتى لا تسقط بحزنك أبدا، ولكنك أسقطتني! أسقطتني وأنا الذي توقعت أن يداك لا تدفعني للحزن، يداك ترفعني للفرح. " ليه ؟ " هذا السؤال الذي ابحث عن إجابته، لم أستغرب أن يؤذيني أحد! أنا أدركت تماما مهما بلغت قوتي ومهما بلغ عمري إلا أن العائلة إن فقدتها، تفقد ذاتك، وإذا فقدت ذاتك ضعفت، وإذا ضعفت تمرض بالحياة، وإذا مرضت بالحياة تسلط العالم بأكمله حتى لا يشفيك، حتى يراك تموت ببطء دون أن يسقط دمعة واحدة عزاء عليك، لذا لم أستغرب! كنت أشعر دائما بأن هناك أذى مخبأ لي، ولكن أذى الروح كيف نصطبر عليه؟ كيف نداويه؟ ولكنني الان أستغرب كيف روحا تؤذي جسدها؟ كيف تؤذيني بهذه الصورة يا ناصر؟
        رفع عينه لخطاه التي توقفت بمجرد أن راه، فتح الحارس القيد الذي يقيد يده ليلفظ : دون لمس ولا مصافحة!
        وقف عبدالعزيز لينظر إليه بغصة تحكيها عينيه، ثبت عيناه بإتجاهه والكلام فقير، بلع الشهيق الذي احتبس بفمه ليلفظ بسخرية على حاله وهو يحترق بمرارة الكلمات : هلا بأخوي . . هلا برفيقي . . هلا بزوج أختي . . هلا باللي مقدرت أبكي الا قدامه ومقدرت أشكي الا له . . هلا باللي أوجعني وما قصر بوجيعته
        ناصر شتت نظراته بحرقة لا تقل عن حرقة روحه أبدا، بنبرة خافتة : عبدالعزيز
        عبدالعزيز بإنفعال : وش أعذارك؟ مو انا الحين لازم أسمع أعذار الكل وأقول معليش يا نفسي مالك حق تزعلين وتضيقين! هم لهم أعذارهم وأنت يا نفسي وش عذرك؟ . . أبد ما صار شي! عادي جدا اللي يصير، أنا بخير، أحس ضلوعي تتكسر بس أنا بخير . . وقلبي يوجعني بس بخير . . كل هذا عادي أصلا! وش صار؟ بس صار أنه أختي . .
        تحشرج صوته بالكلمة وهو يختنق بها : حية! هذا بس كل اللي صار! . . . ليه ؟
        ناصر نظر إليه لتضيق حنجرته به : اسف
        عبدالعزيز احمرت عيناه من " غادة " و روح " غادة " و حب " غادة " : قلت ما يوقف ضدي! لو كل هالناس يوقفون ضدي بس هو ما يوقف! . . مستحيل يوقف ضد جزء منه! كيف أصلا يصير ضد نفسه؟ . . بس صرت يا ناصر! ليه بس قولي سبب واحد!!
        ناصر : كنت بقولك! والله العظيم ماكنت أبي يوصلك الخبر من غيري لكن جوالك مفصول من شهر وأكثر
        عبدالعزيز : وهذا عذر؟ . . تدري وش قلت في نفسي وأنا جاي هنا؟ قلت راح أذبحك بإيدي وأشفي هالقهر اللي فيني منك! بس كالعادة! أنا عاجز عن كل شي! . . عاجز عن الحياة،

        تعليق

        • *مزون شمر*
          عضو مؤسس
          • Nov 2006
          • 18994

          رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

          جلس على مقعده بإختناق ليخفض رأسه حتى لا يرى دمعته : أتمنى الله يرحمني وياخذ روحي! روحي اللي محد فكر يسوي لها حساب . . على الأقل لو قلتوا خلنا نخاف الله ومانفجعه! لكن متخذيني شخص ما يحمل أي إحساس! نضرب مشاعره في البلاط بس أهم شي نفسنا! أنا إذا عشت بكون خراب لكل شخص بواجهه في حياتي! حتى أنت يا ناصر! . . بقهر أرتفع صوته : أختي! . . . أختي يا ناس ماهي وحدة من الشارع عشان تبعدوني عنها! . . لمين أشكي؟ قولي بس لمين؟ أنا صرت حتى أخاف على نفسي! أخاف من الأفكار الزفت اللي تجي في بالي! . .
          رفع عينه إليه بوجع يسقط أثقالا فوق ظهره : على فكرة ما أطلب منكم الحين أنكم تتذكروني مستقبلا! ماأبيكم تتذكروني بموتي بس أنا راح أذكركم يوم القصاص . . .
          بقسوة عينيه التي تحبس دمعها يكمل : أوجعتوني لدرجة ماني راضي إني أقتص منكم بالدنيا وبس! . . . ما تخيلت وش قد الوجع يوم قلت ماهو لازم يعرف الحين! ما تخيلت وش ممكن يصير فيني! . . . ( بعصبية ) يخي حتى لو إني رجال قايم بنفسي ومخلي عواطفي على جمب هذا ماهو معناته أنه عادي تجرمون فيني! . . . . . . .
          ناصر الذي لا يطيق إنكسار عبدالعزيز، الذي يكسره هذا الإنكسار : عبدالعزيز يكفي! . .
          عبدالعزيز وقف ليقترب منه : بقولك عن شي يعلمك كثر يأسي اللي وصلت له، أنا رجعت سكنت بشقتنا! بأكثر مكان مكشوف لشخص يبي يهرب من ناس تدور عليه! . . أنتظر موتي، وتأكد اني بموت وأنا قلبي ما يسكنه بعد الله الا أهلي، بترك لكم الحياة اللي تحكمتوا فيها وأنا أكثر شخص وثق فيكم! . . و أنت مت في عيني من زمان! . . أطلب من الله أنه يغفر لك حزني! . . . . . اتجه إلى الطاولة ليأخذ معطفه ومفتاحه، وقف ناصر أمامه : جيت تقتلني بحكيك وتروح! أنت تدري أنه مستحيل أسوي أي شي يضرك ويضيق عليك
          عبدالعزيز بقسوة : ما أنتظر منك تبرير! ما عدت تعني لي شي يا ناصر . . . . أبتعد ليقف ناصر مرة أخرى برجاء : أرجوك! . . بس أسمعني وأقولك السالفة من أولها
          دون سيطرة على نفسه لكمه بالقرب من شفتيه، تدخل الحارس ليقف بينهما، نزفت شفته ليردف عبدالعزيز : اعتبر هذا اخر ما بيني وبينك . . . . خرج بخطى يبعثرها الغضب، لا يهدأ هذا الحزن في داخلي.
          يالله! يالله! يالله! ارحم عبدا شهد لك بالوحدانية والعبودية، إرحم قلبا لا تخمد ناره، إرحم حزنا لا يتركني بسلام، يارب إحسن خاتمتي واقبض روحي، اقبضها يالله و اجمعني بعائلتي، وأجعل اخر قولي أشهد أن لا إله الا الله و اخر وجه اراه غادة، يارب يا كريم الطف بي وبها.



          ،


          تغلق حقيبتها وهي تحمل في داخلها كلمات تتدافع للخروج ولكن حنجرتها تضيق بها ولا تفلت أي كلمة، تنهدت بعمق لتنزل للأسفل بخطى خافتة لا تعبر أبدا عن الحزن الذي يصخب بها، نظرت إليه بنظرة يتيمة لتلتفت لوالدتها : خالي رجع؟
          والدتها : لا
          أم منصور : تعوذوا من الشيطان توكم جايين والطريق طويل . . ناموا الليلة وبكرا تسهلوا
          أم مهرة بمزاجية غير مفهومة : لا ما نقدر
          يوسف وقف : ممكن شوي أبيك بموضوع
          ام مهرة تحرجه : قول ما به غريب أمك ومرتك
          يوسف بجمود : دقيقتين ماراح اخذ من وقتك أكثر
          أم مهرة تنهدت لتضع يدا فوق يد على بطنها : مابيني وبينك شي . . يالله مهرة روحي البسي عباتتس! هالحين خالتس بيوصل!!
          أم منصور بتوتر من هذه الأجواء المشحونة : أمشي مهرة . . . تركوا يوسف لوحده معها ليردف بحدة : لا تحاولين تملينها ضدي!!
          أم مهرة : هذا اللي ناقص! بنتي وتحاسبنن!
          يوسف بغضب : عمري ما شفت أمك تفكر بهالطريقة! تبين تخربين حتى علاقتها معي!
          أم مهرة : والله لو أنت محافظ(ن) عليها محدن بيخرب علاقتها معك
          يوسف يجاري تفكيرها : طيب أنت لا تصيرين علينا بعد! مفروض توقفين مع بنتك
          أم مهرة ببرود : هاتس! . . انا أشوف مصلحة بنتي ماهي عندك، وفضها من سيرة حتى يوم حملت مالله كمل حملها! وواضح انك تبيها من الله!! ماني مجنونة أخلي بنيتي عندكم!
          يوسف تنهد : لو أنك تلينين راسك شوي وتقولين لنا اللي تعرفينه كان أمور كثيرة أنحلت!!!
          أم مهرة بصوت عالي : يالله يا مهرة .. أستعجلي
          يوسف بحدة : هي يومين وبعدها راح أجي واخذها
          أم مهرة : ارسل ورانا ورقة طلاقها والوجه من الوجه أبيض
          يوسف : صبرك يا رب! . . محد يجبرني أطلق حطي هالمعلومة في بالك
          أم مهرة بإستفزاز : بس فيه أحد يجبرك تتزوج!
          يوسف ود لو يقتلها من غضبه الذي بدأ يتراكم في داخله، شتت نظراته ليهدأ من عصبيته : لا تخليني أحلف ما تطلع من هالبيت!!!
          أم مهرة وقفت : بيتن ما وراه بركة وش مجلسني بوه!! .. .. من خلفه : يوسف
          إلتفت عليها ليميل شفته : الخميس الجاي راح اكون موجود بحايل وراح ترجعين معي
          أم مهرة : لا حجن البقر!
          بلعت مهرة ريقها من أسلوب والدتها المحرج بالنسبة لها، لملمت طرحتها بين كفيها بتوتر وهي تنظر إليه : إن شاء الله
          أم مهرة بعصبية : وشهو اللي إن شاء الله! مالتس رجعة لهنيا أبد! بيرسل ورقة طلاقتس والله يخلي عيال خوالتس يجيتس منهم اللي يحفظتس ويصونتس
          استفزت كل خلية بجسد يوسف من ذكر أبناء خوالها وهي التي أفشت له ذات مرة بحبها في المراهقة لإبن خالها المتزوج : والله ماني محترمك لكبر سنك! محترمك عشان مهرة ولا غيره كان عرفت كيف أرد عليك
          أم مهرة : وش ودك تسوي! لا يكون بتمد إيدك جعلهن الكسر
          مهرة : يممه
          أم مهرة : ووجعا قولي امين . . مقطعتن قلبتس عليه وهو ما يستاهل ظفر منتس!!
          مهرة برجاء : يمه خلاص . .
          أم مهرة تنفض عباءتها : الله لا يبلانا بس . . نستر هالعالم وبعدها بشين وقواة عين يجون يتهمونك! . . يارب إننا نعيذك من بلاءهم وفضيحتهم!
          مهرة تقدمت إليها لتمسك كفها بتوسل كبير : خلاص
          أم مهرة تسحب يدها : أتركيني وراه ما ترضين عليه؟ لا أنا بعلمه أنه وراتس أهل ماهو يسرح ويمرح ويحسب أنه ماوراتس سند ولا ظهر!!
          يوسف : وش جانب لجاب!! استغفر الله العظيم وأتوب إليه
          أم مهرة : إيه طلع اللي في قلبك! قل إنك انجبرت وللحين تجامل أخوك ويوم لقيت الحجة طرت لبنيتي وقلت كلمي أميمتتس عشان تنظف الساحة لأخوك وتقول يالله يا مهرة ما عاد بيننا شي . . مير بنيتي معززة ومكرمة ماهو أنت اللي تجي وتطردها
          يوسف بغضب يصرخ عليها دون سيطرة على أعصابه التالفة : لا تألفين من مخك!! .. نعنبا ذا المخ بس!!!
          مهرة بلوم : يوسف!!!
          أم مهرة بنبرة تستعطف ابنتها : شايفة! هذا وأنا كبر أمه يمد لسانه علي!!!
          مهرة بضيق : خلاص أجلسي . . وخليني اتصل على خالي
          أم مهرة : مانيب جالسة في بيتهم . . أمشي طلعينن انتظره بالشارع ولا أنتظره هنيا
          مهرة تنهدت : يمه وين توقفين بالشارع! خلاص بس أجلسي هالدقيقتين
          يوسف تمتم : لا حول ولا قوة الا بالله . . بعرف وش مشكلتك؟ . . إلتفت لمهرة . . قولي لها إذا أنا مقصر عليك بشي
          مهرة أجلست والدتها لتتشوش بينهما، اقتربت ليوسف : خلاص يا يوسف لا تزيدها بعد
          يوسف بهمس : على أساس أنه أمك ماهي مزودتها وخالصة
          أم مهرة : وش تساسر بنيتي فيه؟ مهرة تعالي ابعدي عن هالوجه الودر
          يوسف عقد حاجبيه ليقترب منها وهو يخلخل أصابعه بكفها : بجيك الخميس، أتفقنا؟
          مهرة بإبتسامة تحاول أن تلطف بها الجو الذي يزداد توترا : إن شاء الله على خير
          أم مهرة : أنا وش أقول من ساعة! ماعاد نبي نشوفك الا و ورقة الطلاق معك
          يوسف : إذا مهرة تبي الطلاق أبشري بس إذا أمها اللي تبي والله أنا ماني متزوج أمها
          أم مهرة بحدة : ومهرة اللي تبي؟ . . صح يا مهرة؟
          مهرة بربكة شفتيها : يممه
          ام مهرة : يا ملا العردز إيه والله لو قلتي ماتبين الطلاق
          مهرة كانت ستتكلم لولا يد يوسف التي شدت عليها حتى تمنعها من المجادلة ليأت صوته الحاد : تدعين عليها عشان تنفذ أوامرك؟
          أم مهرة بغضب كبير : أقول أبعد عن وجهي وأنت امشي معي خنطلع لا أفجر فيتس أنت وياه
          يوسف تنهد : عصيبتك ذي تخليني أقتنع أنه فيه شي مخبيته علينا
          أم مهرة : يا عسى ضلوعك الكسر قل امين يوم أنك تتهمنن أنت وأهلك على باطل!
          يوسف : استغفر الله! أنا ماأتهمتك بس قلت تساعدينا بأمور تهمهم!!!
          أم مهرة : إيه كثر من هالحتسي المأخوذ خيره . . أقول أمشي بس
          مهرة سأمت من هذا الجدال الذي لا ينتهي ليتجمع بكاءها في عينيها، لفت طرحتها وبكفها يتوسط النقاب، همست : عشان خاطري لا تجادلها
          يوسف عقد حاجبيه : طيب . .


          يتبع

          تعليق

          • *مزون شمر*
            عضو مؤسس
            • Nov 2006
            • 18994

            رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

            ،


            منذ ساعات وهي مستيقظة ولم تتحرك من السرير، في كل مرة تتذكر ما حصل بالأمس تعود لبكاءها، تشعر بأن ما يحدث حلم! بأنه محض خيال وسينتهي قريبا.
            اشتعلت بالحقد المبرر، مسحت ملامحها الباكية لتقف وهي ترفع شعرها المموج للأعلى، إتجهت نحو الحمام لتغتسل، وفي كل حركة تتحركها تسقط دمعة تذكرها بأن أمر نسيانه مكلف جدا، خرجت لتبحث بعينيها عن ظل أحدهما ولا وجود لهما، نظرت لأسفل الباب، تحديدا إلى الظرف الأبيض، اقتربت لتخرج ورقة تابعة لمستشفى تفيد تحليل يحمل إسمها البغيض، خبأتها في جيبها لتعود بهدوء نحو الغرفة، اقترب من الهاتف الثابت وفي بالها تلمع فكرة لا تعلم أي غيرة تجعلها تتصرف بهذا السوء، بإنكليزية لا تتقن غيرها : كيف أستطيع مساعدتك؟
            رتيل : أريد أن أستفسر عن نتيجة تحليل عملته صباح الأمس
            : حسنا، إذا سمحت إسمك وكنيتك؟
            رتيل : أثير رواف
            : لحظات قليلة . . . النتيجة سليمة
            رتيل : المعذرة . . هذا التحليل يخص ماذا ؟
            : أشتبهت بمرض يخص قلبك . . صحيح؟
            رتيل بتوتر : اها . .. كيف أعرف أن النتيجة سليمة؟ الورقة أمامي ولكن لم أفهمها
            : تجدين حرف n هذا يعني أنها سليمة في حال كانت الفحوصات سلبية وتفيد فعلا أنها مريضة ستجدين i
            رتيل : شكرا لك . . . أغلقته لتنظر إلى الركام في المكتب الصغير، ربما تنتمي هذه الغرفة لشقيقته التي بالجامعة، اقتربت لتنظر للطابعة، أخرجتها ليتناثر غبارها حتى سطعت من هذه التربة، وضعتها لتبحث عن الألوان، فتحتها بهدوء لتجرب طباعة إحدى الأوراق ولا فائدة، أدخلتها من الجهة الأخرى بحجة أنها أدخلتها بالمكان الخطأ، جربت تطبع هذا التقرير لتخرج نسخة جيدة، سحبت ورقة بشدة بياض التقرير، قصصت جزء منه لتكتب القلم الأسود " i " وضعته فوق الخانة المكتوب بها n ثبتتها جيدها لتضغط على زر التصوير، ثواني بسيطة حتى خرجت نسخة بوضوح تام، ما يدور في بالها أنها تثير رعبها لا أكثر، تريدها أن تشعر بإحساسها ليلة الأمس، لتعلم جيدا أنني كنت أعنيها عندما قلت أنها لن تهنأ للحظة معه.
            قطعت التقرير الأصلي ومعه الورقة الأخرى لتضع النسخة التي طبعتها في الظرف وتعيده لمكانه أسفل الباب، سمعت صوت خطى قريبة من الباب، هرولت سريعا لتستلقي على السرير وتغطي ملامحها بالفراش، حاولت أن تخفض حدة أنفاسها المتصاعدة حتى لا يكشف أمرها، هذه الخطوات أعرفها جيدا، أعرف أن صاحبها شخص واحد.
            دخل عبدالعزيز لتسقط عيناه على الظرف، بلا مبالاة أخذه ووضعه على الطاولة، أغلق الباب ليتجه نحو غرفته، بحث بعينيه عنها وأدرك أنها خرجت كالعادة لعملها الذي كان عمله سابقا، بدأ الصداع يفتفت خلاياه خلية خلية، اتجه لغرفتها ليفتح الباب بهدوء ويطل عليها، أطال وقوفه ليطيل توتر قلبها من أنه خلفها الان، تجمدت في مكانها لم تتحرك ولم تثير أي ضوضاء حولها، عبدالعزيز أدرك أنها مستيقظة ليقترب نحو النافذة، فتح الستائر لتتسلل شمس باريس نحوها، إتجه إلى السرير تحديدا إلى موضع الوسادة : قومي لا تموتين من قل الأكل والنوم!
            رجفة صدرها واضحة من خلف الفراش، أنحنى ليبعده عنها، أبعدت وجهها الناحية الأخرى : مو مشتهية شي
            عبدالعزيز بسخرية : يا عمري أزعلي وضيقي بس صحتك تهمك أنت ماتهم أحد غيرك عشان تعاقبين نفسك!!
            رتيل أستعدلت لتجلس، نظرت إليه كثيرا حتى قطع نظراتها برفعة حاجبه : مستوعبة اللي أقوله ؟
            رتيل تنهدت بضيق وهي تشتت نظراتها وتسحب الفراش حتى وصل لبطنها : حتى صوتي صار يزعجني وبديت أكرهه منك!
            عبدالعزيز ابتسم بشحوب وملامحه تحكي ماسي وكوارث، في كل مرة يروض حزنه بإبتسامة وكأنه يتحدى ثوران هذا البكاء، يحاول أن يتجاهل حزنه لدقيقتين ولكن عينيه مازالت تهذي : قومي! ولا الحركة صارت تزعجك بعد؟
            رتيل : ودي أعرف بس كيف تفكر!!!
            عبدالعزيز بتنهيدة مد يده إليها : قومي ما أبي أكسب ذنبك بعد وتموتين علي!!!
            رتيل بسخرية لاذعة : على أساس أنك كاسب من وراي أجر!!
            عبدالعزيز سحبها بقوة ليوقفها ، ارتبكت من إرتطام جسدها به، رفعت عينها إليه برجفة محمرة وهي تحاول أن لاتقع من هذه القبضة التي من الممكن أن تصبح سببا للإغماء.
            إلهي! يا عزيز كيف لك كل هذه القدرة بتشكيلي؟ كيف لك كل هذه القدرة بتجاهل ما يحدث لك بطريقة ما! تشعرني بالخيبة في كل مرة أنوي بها تجاهلك ونسيان امرك، أستيقظ بنية النسيان لأنام وأنا أجهل كيف أنساك؟ أنا التي حلفت على تجاهلك، أنسى حلفي وأستذكر أنه لا قدرة لي على تجاهلك، مازلت تسيطر على عقلي، وتشغل بالي.
            سحبت نفسها منه ويدها اليسرى تلامس عنقها، تشعر بأن حرارتها تندلع من قربه للحظات قليلة، من خلفها : إلبسي عشان نطلع . .
            رتيل بجدية : جد ماني مشتهية، ولا أبي أطلع مكان
            عبدالعزيز اقترب منها : أنا ما اخذ رايك! أنا أأمرك
            رتيل بإنفعال : بتطلعني غصب؟
            عبدالعزيز وهو يسير للخارج : أنتظرك . . .
            رتيل لوت شفتها بغضب، دائما ما يستثير غضبها في كل مرة تراه، لن يمر يوما وأراه بسلام دون ان يحزنني بكلمة أو بفعل، تنهدت لتستغرق دقائق طويلة تعمدت أن تستطيل بها حتى خرجت له.
            لم يلتفت إليها، خرج من الشقة لينزل للأسفل ويسير بجانبها على الرصيف، منذ وقت طويل لم تخرج! شعرت بأنها أفتقدت تماما " الناس وأصواتهم "، سارا بصمت لمسافة طويلة أتعبت أقدامها ولكنها لم تحاول أن توقفه، ابتعدا، مسك يدها دون أن يترك لها فرصة للإختيار، عبر بها للشارع الاخر ليتجه نحو مطعم يطل على حديقة شاهقة، لمطعم ريفي بحث بمقاعده المصنوعة من الخشب، جلست والجو البارد يتغلغل بها، نظر إليها : إذا بردانة ندخل داخل!
            رتيل : لا عادي
            أتى الجارسون ليستقبله بالتحية : بونسواغ . .
            عبدالعزيز : بونسواغ . . نظر إليها . . وش تطلبين؟
            رتيل بإصرار : قلت لك ماني مشتهية أطلب لحالك
            عبدالعزيز بإصرار اخر يفرض عليها حتى أبسط الأشياء التي من حقها أن ترفضها : راح أطلب لك نفس طلبي
            رتيل تأفأفت لتثير الريبة بعيني الجارسون المنتظر، أعطاها عبدالعزيز نظرة حادة من شأنها أن تلزمها الصمت وتشتت نظراتها.
            أنتهى من الطلب ليعودا لصمتهما، بدأت أصابعه تضرب الطاولة بخفة منبهة عن تفكيره المشوش.
            علقت نظراتها بأصابعه المتحركة بموسيقية على الطاولة، غرقت هي الأخرى بالتفكير، فداحة ما نرتكبه يعني تماما أننا نعيش تحت وطأة الحب.
            رفع عينه إليها لتشتتها من لقاء نظراتهما : اشتقت لأبوك؟
            رتيل تخلت عن الجواب لأنها تدري ماذا يقصد من سؤاله.
            عبدالعزيز بهدوء : على فكرة ماراح يذبحك الجواب!!
            رتيل تنهدت : تسأل سؤال أنت عارف إجابته بس عشان ترد عليه برد يستفزني
            عبدالعزيز : يمكن لأن المصايب جت ورى بعض فما عدت استوعب صح! أنا أصلا بركة من الله أنني للحين بعقلي ما انهبلت
            رتيل بسخرية : لأنك عبدالعزيز!!!
            عبدالعزيز بذات النبرة الساخرة : ومين عبدالعزيز؟
            رتيل نظرت إلى عينيه الداكنتين اللامعتين : دايم كنت أقول ما يهزك شي! ما يهزك إني أبكي ولا يهزك إني أصرخ! ولا يهزك أي ظرف حولك لأنك قدرت تعيش، بس هالفترة بديت تنفجر على أدنى سبب! بديت تفرغ كبتك في كل اللي حولك لكن بالطريقة الغلط
            عبدالعزيز بجدية صوته : إحنا كذا نصبر لين الصبر يملنا وننفجر . .
            رتيل : ليه ما انفجرت من البداية ولا خليت هالشي يتراكم عليك! أنت يا عزيز اللي ذبحت نفسك بنفسك! أنت اللي خسرت الحياة من بين كفوفك
            عبدالعزيز : ما كان عندي طموح أصلا إني أكسب الحياة عشان أخسرها!! وش كنت منتظرة من شخص طالع من فجيعة ويحاول ينساها! من شخص حطوه بين 4 جدران وقالوا له لا تسأل ولا تتكلم! بس نفذ! . . طبيعي كنت بصبر وبكتم بنفسي لين أنفجر!!!
            رتيل تنهدت : هالموضوع يوترني لأنك تقهرني فيه
            عبدالعزيز : أنت واثقة فيني يا رتيل! والدليل أنك جالسة قدامي رغم كل اللي حصل . .
            رتيل بضيق : لأني عارفة أنك مستحيل تأذيني جسديا . . بس تأذي روحي كثير
            عبدالعزيز أسند ظهره على الكرسي والجارسون يوزع الأطباق على الطاولة، وضع عصير البرتقال أمامها و عصير الليمون أمامه، إلتفت رتيل للخلف بعد ان أنتبهت خلو المطعم من الناس : ليه مافيه أحد؟
            عبدالعزيز : وقت دواماتهم محد يفطر الحين!
            رتيل أخذت كأس الماء لتشرب نصفه، وضعته لتتمتم : لا إله الا الله
            عبدالعزيز بصيغة الأمر : إكلي
            رتيل إبتسمت إبتسامتها التي تجبر عبدالعزيز على أن يبادلها ذات الإبتسامة : غريب أمرك!!!
            عبدالعزيز : الشكوى لله! ناقص تقولين إني ماني سوي . . قوليها لا تكتمينها في داخلك
            ضحكت لتردف : تبكيني وتضحكني وتخليني أبتسم وتخليني أضيق! مين أيش مخلوق عزيز؟
            عبدالعزيز : الله يرحمنا برحمته يمكن شياطيني ما تطلع الا بوقت معين
            رتيل بسخرية : إيه شياطينك اللي تقهرني فيها دايم
            عبدالعزيز فهم قصدها ليغرق بضحكته، منذ أيام لم يضحك حتى شعر بأن نسي تماما صوت ضحكته وشعوره بين ضحكاته : لا تحورين الكلام كذا!
            رتيل بإبتسامة تتلذذ بالتشفي منها بكلمات مبطنة : ما حورته، الله يكفينا شر شياطينك
            عبدالعزيز : طيب إكلي لا يبرد صحنك
            رتيل أخذت قطعة الخبز المربعة المحشوة بالجبن لتأكل جزء منها حتى أعادتها للصحن، نظرت لملامحه التي لا تتجه نحو إتجاه معين، واضح جدا الحزن بعينيه في حين أن إبتسامته تشعرني بأنه بخير. ثمة أمر غريب في هذا الإنسان، أمر إستثنائي وغير عادي.
            عبدالعزيز أخذ نفس عميق لينظر إليها : يكفي تحليلات لعقلك! . . جد رتيل واصلة معي هنا يشير لرأس أنفه* فما ودي بعد توصل معي منك . . عشان كذا حاولي تكونين لطيفة معي لنص ساعة
            رتيل أبعدت ملامحها للجهة الأخرى وهي تمسك ضحكتها، ايقنت تماما أنه يغضب من هذا العالم باكمله ليأت إلي حتى وإن كان بيننا زعل/غضب/خناق، هذا الشيء يشبع كبريائي الأنثوي.
            عبدالعزيز أخذ قطعة الخبز التي تركتها ليأكل من مثل جهتها، لا يدري سبب فعله فقط أراد أن يتذوقها على الرغم من أنها توجد قطع أخرى على طبقه، هناك أفعال لا ندري لم نفعلها، هي مجرد أفعال بسيطة ولكنها عظيمة بدواخلنا.
            نظرت إلى شفتيه التي تأكل من جهتها، ضلت تراقبه لفترة طويلة حتى نطقت : عبدالعزيز . . كلم أبوي! أسمعه يمكن عنده أسباب تقنعك
            عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليردف : كونك تكونين لطيفة معي هذا مايعني أنك تناقشيني بموضوع مابي مشورة أحد فيه
            رتيل بنرفزة : شكرا على ذوقك . . .
            عبدالعزيز : العفو


            ،


            صعدت الدرج بخطى مرتبكة بعد أن قرأت الرسالة التي تخبرها عن وجوده هنا، هذه الشقة التي قضت بها طفولتها وشبابها، طرقت الباب بخفوت وفي كل ثانية تمر يزيد إرتباكها وتوترها، يزيدها هذا الحنين رجفة، تشعر بأن شيئا بروحها يكبر كفقاعة عملاقة تزيد من ربكة صدرها وتخنق صوتها، طرقت كثيرا وتخاف أن تيأس، أن لا يجيب مثل المرة الفائتة، تريد أن تصدق الرسالة ومن كتبها، مرت الدقائق ولا رد يأتها، من خلفها : مثل المرة اللي طافت يا غادة!!
            غادة : لا أكيد رجع
            وليد بضيق : طيب ننتظر
            غادة بدأ الدمع يضيق عليها بحزن من فكرة أن لا تراه : مستحيل يكون اللي كتب الرسالة كذاب! انا عندي إحساس أنه صدق!! عندي إحساس أنه موجود . . . إلتفتت عليه وهي تلصق ظهرها بالباب . . . مشتاقة له كثييير
            وليد : وأكيد هو مشتاق لك . .
            غادة : طيب ليه محد يفتح لنا الشقة؟ . . خلنا نروح نكلم الحارس
            وليد : مستحيل يقدر يعطينا! مافيه أي إثبات يخليه يعطينا مفتاح الشقة الإحتياطي!!
            غادة : طيب أخاف أنه نايم ومايسمع أو أنه موجود لكنه طالع
            وليد : لو كان موجود كان رد عليك
            غادة بأمل يموت بداخلها تدريجيا : ان شاء الله بيكون موجود . . لو نروح لناصر ا
            يقاطعها : غادة! . . واللي يرحم والديك لا تفكرين من زاوية وحدة! فكري أنه روحتك أساسا غلط وأصلا ممنوع بعد! الأهم أنك ترجعين لأخوك
            غادة بضيق : ياربي يا عبدالعزيز . . . ليتني ألمحه بس!!!


            ،

            بكت كثيرا، شعرت بأن روحها تزهق بهذا البكاء، لا تستطيع أن تتجاوز صوته وهو يقول " أنت طالق " مازال يرن في ذاكرتها وجسدها، لم تأكل شيء منذ الصباح ولم تتحرك أيضا، هذه الحقيقة الحادة تفقدني شهيتي بالحياة، ليتك يا سلطان لم تقلها، ليتني لم أتحدث معك ولم تتصل، أشعر بأنني أموت! أموت فعليا من فكرة هذا الطلاق، نحن انتهينا! انتهينا تماما! ولكني أحبك! والله أحبك. لم أشعر بالأمان إلا من عينيك ولم يهدأ روع هذه الحياة بقلبي إلا بك، ولكننا ماساة وقلبك ماساة أيضا، جميعهم يتحدثون بكوارث تحل فوق رأس هذا العالم وأبقى أنا مع كارثة قلبي بلا صوت، بلا حنجرة تربت علينا، أنا أنسلخ عنك تماما يا سلطان وهذا ما يؤلمني تحديدا.
            دخلت والدتها لتنظر إليها : يمه يالجوهرة وش فيك حابسة نفسك اليوم بالغرفة! لانزلتي تتغدين ولا تتعشين! . . وش فيك؟
            الجوهرة رفعت ظهرها لتجلس، بمجرد أن جلست والدتها رمت جسدها عليه لتعانقها بشدة وهي تنخرط ببكاء شديد، والدتها : بسم الله عليك! . . يا قلبي هدي . . وش فيك؟
            الجوهرة بإندلاع الحرقة في جوفها : أحبه يمه . . أحس روحي بتطلع
            والدتها : يا روحي هدي تكفين لا تبكيني عليك!!
            الجوهرة وتبلل صدر والدتها بملح دمعها : طلقني! . . أنا الغبية اللي طلبت منه . . . ماكنت أنتظر أنه يطلقني كنت أقول بيقول أي كلمة ثانية! ماتوقعته يسويها! . . يممه أحس بموت . . كيف بقدر أعيش بدون لا أشوفه؟ مقدر . . والله مقدر
            والدتها تمسح على ظهرها : لاحول ولا قوة الا بالله . . . قلت لك اقصري الشر وأبعدي هالأفكار عن بالك وماسمعتي كلامي! . . توجعين نفسك بنفسك! . . .
            الجوهرة : كنت أنتظره يقول أي شي! والله كنت أنتظره يقول أي كلمة ثانية غير الطلاق . . بس طلقني . . أوجعني
            والدتها بعقدة حاجبيها وملامحها تبكي من بكاء إبنتها : قولي لا إله الا الله . . قطعتي نفسك بالبكي
            الجوهرة : لا إله الا الله . . . . . . . . عمري ما نجحت بأي شي في حياتي! طول عمري أتصرف غلط!!!
            والدتها : لكل شي حكمة وتقدير
            الجوهرة ببكاءها الذي يجعل ريان القريب من الغرفة يقف متجمدا من هذا الأنين المؤذي لروحه : أقري علي يممه
            والدتها ضاق صوتها بالبكاء : الجوهرة لا تسوين كذا في نفسك
            الجوهرة برجاء وجسدها يرتجف بصورة غير طبيعية : أقري علي . . . أحس قلبي يرتجف معي
            والدتها بصوتها الباكي : الذين قالوا لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم، إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين . . . . . الجوهرة. .
            الجوهرة تغمض عينيها بسكينة جوارحها الباكية وهي تهذي به، وصلت لمرحلة تفقد بها الوعي تدريجيا وأنفها ينزف بمشاركة تامة مع بكاءها : ما غلطت! هو مقدر يساعد نفسه صح! . . . ليه أحمل ذنب ماهو ذنبي؟ ليه أعيش وأنا مالي أي ذنب في اللي صار؟ مو أنا اللي قلت يا . .
            والدتها تقاطعها بهمس : أششششش! خلاص نامي يا عمري
            الجوهرة بصوت متقطع : هو يدري إني أبيه وأحبه . . . هو يدري أني ما أعرف كيف أعيش بدونه! بس هو اللي يخليني أكابر يا يمه . . والله هو اللي يخليني كذا
            والدتها : الجوهرة يا عيني يكفي! . . كل الناس تتزوج وتتطلق وترجع تتزوج! ماهي مشكلة أهم شي أنت وراحتك
            الجوهرة دون أن تفتح عينيها تشعر بالدماء التي تسيل من أنفها ولكن تتركها حتى تثير العزاء على ملامحها : يمه
            والدتها : يا عيونها
            الجوهرة : ماأبي أفقده
            والدتها تسيل دمعتها الحارقة لوجنتيها من صوت إبنتها الذي يضيق شيئا فشيئا، لا تحتمل أن ترى الجوهرة بهذا الوضع الحزين الباكي، هذا الوضع الذي لم تشهده منذ سنة، منذ زواجها من سلطان.
            كان يقاسمني نفسي، كان يحل محل روحي، وفقدته يالله! وفقدت معه نفسي، تعبت من هذا الكبت الذي يجعلني أغص بالكلمات دون أن أقولها لأحد، تعبت من قول " أنا بخير " وأنا والله لست بخير، قلبي يرتجف وعيناي تؤلمانني! لست بخير أبدا أشعر وكأني أمر بإحتضار ما، ومعدتي أم طفلي هو من يثير الغثيان بداخلي؟ كل شيء يبكي معي حتى وظائفي الطبيعية في جسدي تفقد مرونتها، أمر في أسوأ مرحلة من حياتي، حتى تركي لم يفعل بي كل هذا الوجع، ولكنه السبب! أكرهك، أكرهك بصورة تجعلني أشمئز من إسمك إن مرني، أريد أن أفرح يالله، أريد أن تردني إليك لأفرح بقربك وأكتفي بك. ردني يالله إليك ردا جميلا.
            في جهة أخرى تراجع ريان ليدخل لجناحه وعقله مشوش ببكاء الجوهرة وكلماتها المهتزة وغير المفهومة، يخشى أن أمرا حدث بسلطان ولكن لو حدث شيئا لعلم أبي أولا، هناك أمر ما تخبئه خلف بكاءها، كنت أدرك أن ثمة أمر يجري منذ أن بكت أمامي عندما سالتها.
            ريم : رجعت؟؟؟
            ريان تنهد : إيه كنسلت الروحة
            ريم عقدت حاجبيها : ليه؟
            ريان : كذا غيرت رايي
            ريم تجلس بجانبه : عيونك تقول شي ثاني
            ريان بضيق : ريم!! قلت غيرت رايي
            ريم : طيب خلاص لا تعصب!!!!


            ،
            يتبع

            تعليق

            • *مزون شمر*
              عضو مؤسس
              • Nov 2006
              • 18994

              رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

              ،


              تدندن بصوتها الناعم وهي تقضم أظافر كفها من الإنتظار، في كل لحظة يتأخر بها يزداد توترها وهي التي جهزت العشاء من أجله، وتخشى من جو الرياض الذي يبدو أنه سيخرب السفرة التي صنعتها ووضعتها في الحديقة، من خلفها أمتدت باقة الورد البيضاء لتحجب عنها الرؤية تماما سوى من النظر إلى هذا الورد : اسفين على التأخير
              هيفاء إلتفتت عليه بإبتسامة وهي تتأمل الباقة، أخذتها من بين كفيه : نطرتني! بس معليش
              فيصل يتأملها من فوق لتحت بنظرات تزيد من حمرة جسدها الذي ينبض بالربكة : . . عشان ما يبرد الأكل أكثر خلنا نجلس
              فيصل بعفوية كلماته المندفعة بشغف : يسلم لي قلبك وش هالأكل اللي يفتح النفس
              هيفاء : الله يسلمك . . جعله عافية
              فيصل بإبتسامة : بديت أحب حديقتنا وأحس إني عايش برا الرياض
              هيفاء بمثل إبتسامته : أصلا حديقتكم حلوة وجو الرياض هاليومين حلو بعد . .
              فيصل : لأنك فيه
              هيفاء شتت نظراتها لتأخذ نفس عميق يستوعب هذا الغزل الصريح، بلعت ريقها لتشرب من كأس العصير البارد الذي يأت بوقته، كل ما فيها ينبض بالحرارة.
              فيصل : إيه وش سويتي اليوم ؟
              هيفاء : أبد جلست مع خالتي وريف وبعدها حضرت العشا
              فيصل : بس؟
              هيفاء بضحكة : ولا قرأت كتب ولا شي
              فيصل : أصلا كان واضح من عيونك أنك مو يم القراءة
              هيفاء : بس والله إني أحاول! يعني انتظر علي شوي وبقرأ رواية البؤساء حقتك اللي من ٨٠٠ صفحة
              فيصل بإبتسامة : لا تجربين نفسك على شي ماتحبينه
              هيفاء : يعني هو ماهو موهبة عشان أجبر نفسي عليها! بالنهاية القراءة أساس ومنهج حياة لازم كلنا نقرأ
              فيصل ضحك ليردف : الله! يخي عندك حكم بس مافيه تطبيق
              هيفاء بخجل : قلت لك أنتظر علي شوي وبيجيك التطبيق . .
              فيصل : خلاص أنا بإنتظار هالتطبيق
              رن جرس البيت في وقت يثير الإستغراب، هيفاء إلتفتت : مين جاي هالوقت؟
              فيصل وقف : أنا رايح أشوف . . . إتجه للداخل ليخرج من جهة مجلس الرجال، فتح الباب وقبل أن يكمل فتح الباب أنغرز السكين ببطنه، حاول أن يرفع عينه ليرى من الذي طرق الباب ولكن لا قدرة له، سقط على ركبتيه وهو يضع يده فوق مكان الجرح، شعر بأن روحه تغص في حلقه، يشعر بطعم الدماء تجري على لسانه، تبلل بأكمله بالدماء المتوهجة، لم تخرج " اه " واحدة يستدل بها أحدا عليه، صدمته جعلت صوته يقف متجمدا هو الاخر، حاول أن ينادي أحدا ولكن لا مجال أبدا، الألم يتمكن منه والحمرة تصعد لعيناه، تصعد لمجرى أنفاسه، سقط على رأسه بقوة حين فقد إتزانه على جسده الذي يفقد دماء بكثرة، حاول أن يهمس بالشهادة ولم يكملها : أشهد أن لا إله إلا الله و . . . .


              ،


              إتجهت إليه مهرولة بسرعة لتعانقه بشدة وهي تستنشق رائحته بحنين كبير، لو تدري كيف يفعل غيابك في؟ كيف أقف بلا هوية بمجرد أن تغيب عني يا أبي! أشعر تماما باني أنصهر في كل لحظة لا تأت عيناك بها، أشتقت إليك! أشتقت بصورة مروعة تخيفني والله، وكل حياة لا تأت بك لا أريدها، كل أرض من بعدك منفى، أود لو أنني لا أنفك عن عناقك أبدا، يالله لو تعلم أنني نادمة على كل لحظة أزعجتك بها على أمر تافه، نادمة على كل لحظة فاتت مني دون أن أرى إبتسامتك، يا أغلى ما أملك في هذه الدنيا.
              عبدالرحمن يقبل رأسها كثيرا وهو يكرر حمده بصوت واضح مبتهل : الحمدلله ياربي لك الحمد
              عبير همست بصوتها المبحوح بالبكاء : اشتقت لك كثييير واشتقت لرتيل وضي
              عبدالرحمن : كلنا اشتقنا لك . . أبعدها قليلا لينظر لملامحها الشاحبة، مسح دموعها بكفيه ليبتسم إبتسامة فقدها منذ مدة : أحس إني ملكت هالدنيا بشوفتك
              عبير نزلت دمعتها الناعمة لتعانقه مرة أخرى بشدة، رفعها عن مستوى الأرض بضحكة : نزل وزنك كثير
              عبير أغرقته بقبلاتها، قبلت رأسه وجبينه كثيرا لتردف بفرحة : يا عساني ما أبكيك
              عبدالرحمن : ولا أبكيك يا بعد عيني، تلقين ضي تنتظرنا الحين . . . غلغل أصابعها بكفه ليسير متجها نحو البيت الخشبي، فتح الباب لتلتفت ضي الواقفة بتوتر، أتسعت إبتسامتها برؤية عبير، تقدمت إليها لتعانقها بشدة توازي شدة الشوق إليها ولوجودها بينهم.
              عبدالرحمن أخذ نفس عميق من الراحة، بإبتسامة إلتفتت : وين رتيل؟
              عبدالرحمن بهدوء : مع عبدالعزيز! بتشوفينه قريب إن شاء الله . . اهم شي الحين ترتاحين يا أبوي أنت . . أنا عندي شغل ضروري وماراح أتأخر


              ،

              جلس بدهشة وهو يسمع صوته الذي يأت بشكل لطيف أكثر مما يجب : والله؟
              رائد : إذا تقدر هالأسبوع
              سلطان بضحكة مستفزة : طلبك مرفوض
              رائد بهدوء : أظن التفاهم بيفيدك أكثر من أنه بيفيدني!!!
              سلطان : غلطان!! لأن الحين أنتم كلكم مكشوفين ومسألة نهايتكم مسألة وقتية لا أكثر! يعني التفاهم ماراح يفيدني شي
              رائد بإستفزاز : أجل شكلي بحول على عبدالرحمن
              سلطان : واضح أنه المفاهيم مختلطة عندك! اللي ارفضه انا يعني عبدالرحمن رافضه! كلنا واحد
              رائد : أجل أنت الخسران يا سلطان! وأنت فاهم قصدي زين
              سلطان بضحكة تثير الغضب في نفس رائد : يا سلام! تهددني بطريقة واضحة بعد!!
              رائد : قبل كان عندي شخص أخاف أخسره لكن الحين ماعاد عندي شي أخاف أخسره لذلك تحمل وش بيجيك
              سلطان توقف عندما نظر لورقة الفاكس التي تجيء إليه بطريقة جذبت عينيه، قرأ بدهشة/صدمة/رهبة/إستغراب
              رائد بنبرة متوعدة : أظن المصلحة صارت متبادلة! ولا انا مستعد أحرق كل اللي وراي وقدامي وأحرقكم معي!!!
              سلطان يقف وعيناه تكاد تسقط من النظر بطريقة تغرز الصدمة فيه : لا تقولي إنك . . . . .



              ،


              يسير على الرصيف بجانب رتيل متجها لشقته في وقت كانت غادة واقفة أمام الباب تنتظره : خلنا ننزل شكله ماهو موجود!!
              في كل خطوة تخطوها للأسفل كانت هناك خطوة أخرى يخطوها عبدالعزيز للعمارة المنزوية . . .





              .
              .


              أنتهى البارت

              تعليق

              • *مزون شمر*
                عضو مؤسس
                • Nov 2006
                • 18994

                رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


                رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طيش !
                ( الجزء 77)



                " اللهم أصلح أحوالنا و احفظنا من الفتن "

                المدخل ل عمر أبو ريشة :""



                قفي ، لا تخجلي مني فما أشقاك أشقاني

                كلانا مر بالنعمى مرور المتعب الواني

                وغادرها .. كومض الشوق في أحداق سكران

                قفي ، لن تسمعي مني عتاب المدنف العاني

                فبعد اليوم ، لن أسأل عن كأسي وندماني

                خذي ما سطرت كفاك من وجد وأشجان

                صحائف ... طالما هزت بوحي منك ألحاني

                خلعت بها على قدميك حلم العالم الفاني!

                لنطو الأمس ، ولنسدل عليه ذيل نسيان

                فإن أبصرتني ابتسمي وحييني بتحنان

                وسيري ، سير حالمة وقولي ....

                " كان يهواني "




                رائد : قبل كان عندي شخص أخاف أخسره لكن الحين ماعاد عندي شي أخاف أخسره لذلك تحمل وش بيجيك
                سلطان توقف عندما نظر لورقة الفاكس التي تجيء إليه بطريقة جذبت عينيه، قرأ بدهشة/صدمة/رهبة/إستغراب
                رائد بنبرة متوعدة : أظن المصلحة صارت متبادلة! ولا انا مستعد أحرق كل اللي وراي وقدامي وأحرقكم معي!!!
                سلطان يقف وعيناه تكاد تسقط من النظر بطريقة تغرز الصدمة فيه : لا تقولي إنك تدري وتتصرف بغباء عشان سليمان !!!
                رائد بتنهيدة مستفزة : شي يقهر صح؟ واحد من أعظم الأشخاص اللي غيروا المجال الأمني للأحسن يشتغل بعيد عن عيونكم؟ وأكون انا داري!!
                سلطان بلع ريقه، يفقد كل خياراته بهذه الحياة، مصدوم! وهذه الكلمة وحدها من تشرح نظراته في هذه اللحظات.
                رائد : اخر قرار لك يا سلطان؟
                سلطان بنبرة متزنة ترتفع للغضب : تعاون لو مرة! مو عشاني عشان أرضك!!!
                رائد : قرارك؟
                سلطان بحدة : رائد! عشان ولدك . . أنت عارف إني مهما عطيتك الفرصة راح ألاحقك! والله طول ما أنا حي ماراح أخليك ترتاح بشغلك وخرابيطك!!
                رائد بإستفزاز : أبي أسمع قرارك؟ . . الليلة راح أقلب دنيتكم كلها وقلت لك ماعندي شي أخسره!
                تنهد بضيق : عطني مهلة وأرد عليك
                رائد بإبتسامة تتسع لإنتصاره الذي يأت مدويا : بإنتظارك . . . أغلقه
                سلطان يضرب الطاولة بقدمه، تشتد عروقه الغاضبة من فكرة أن شخصا بمثابة الوالد لهم جميعا يعمل دون علمهم.
                هذا الشخص الذي علمنا التعاون غادر ليتصرف مثل ما يريد، هذا الشخص الذي كنا أكثر الناس حزانى على تقاعده لم يقدر وجودنا! أي خيبة أستقبلها الان؟ أي حزنا يصل لمسامعي وأقرأه؟ أقسى ما تعلمت في حياتي كان بعهد راقبني به، وأقسى ما صفعتني به الحياة تأت منه الان، كيف يفعل بنا كل هذا؟ كيف يشتتنا طيلة الفترة الماضية التي أمتدت لسنة وأكثر ب وهم؟ في وقت كان يملك به الحقيقة، يالله كن معي! يالله هذا الهم يهدني!!!
                خرج من مكتبه بخطى تجذب الأنظار إليه بتوجس، دخل لمكتب أحمد الذي وقف سريعا : حول لي على مكتب باريس بسرعة!
                أحمد بربكة يضغط على الأرقام ليتصل عليهم، أجاب محمد الذي يرافق عبدالرحمن بعمله هناك : ألو
                أحمد يمد السماعة لسلطان : عبدالرحمن عندك؟
                محمد : لا بس على وصول . .
                سلطان بكلمات تندفع من صدره الذي يضطرب بأنفاس متسارعة : عبدالعزيز وينه؟ عرفتوا مكانه!!!
                محمد : إيه بشقته لكن مقدرت أقول لبوسعود عشان ا
                يقاطعه سلطان : تسمعني زين! عبدالعزيز ما أبيه يكون الليلة في شقته و شوف لي غادة أخته وينها بالضبط! ماأبي أي أحد منهم يكون موجود في باريس! و بس يوصل بوسعود تخليه يتصل علي ضروري . .
                محمد : إن شاء الله
                سلطان نظر لعبدالله الذي يصل وتتضح على خطواته العجل، مد السماعة لأحمد ليقترب منه.
                عبدالله : وش صار ؟
                سلطان إبتسم بسخرية : أنت أكتشف المصيبة بنفسك . .
                عبدالله : تكلم سلطان لا توترني!
                سلطان تنهد ليسير متجها ناحية مكتبه ومن خلفه عبدالله، أخذ الورقة ليمدها لبومنصور، وقف لتتجمد عيناه عند الإسم المذكور، نظر بعدم إستيعاب ليرفع عينه ناحية سلطان : وش ذا ؟
                سلطان بغضب : أنت اللي فهمني! هالشغل بوجهي أنا! بكرا لو أخطيت خطأ واحد ماراح يقولون فلان ولا فلان بيقولون سلطان! . . ودي أعرف بس ليه يسوي فينا كذا! ليه يخلينا نضيع وقتنا على شي أوهمنا فيه!!!!
                عبدالله : طيب أجلس وأهدأ
                سلطان بصراخ : ماني هادي! لا تقولي أهدأ وتجنني! لو كنت مكاني ترضى شخص يشتغل بملفات مفروض إحنا أعلم منه فيه ؟ والحين رائد ببساطة صرت جدار قدامه ويهددني بدون لا يحسب أي حساب لكلامه!
                عبدالله بهدوء : سلطان
                سلطان يجلس وهو يزفر غضبه ليردف : يتصل بكل قواة عين ويجبرني أتصرف مثل ما يشتهي! عشان فيه ناس ما تفكر تعلمنا معلومة بسيطة ممكن تحل لنا كل هالمشاكل!
                عبدالله : أكيد ما تصرف بكل هذا الا لسبب
                سلطان بسخرية : طبيعي بتدافع عنه!
                عبدالله الذي يفهم ما يرمي عليه : أتمنى بس إنك ما تقصد شي بكلامك!
                سلطان : الا أقصد! أنتم الأربعة كنتم تحاولون تبعدوني! والحين . .
                يقاطعه عبدالله بحدة : كنت داري إنك مستحيل تنسى أشياء صارت وأنتهت لأني أفهمك يا سلطان! وأفهم كيف تشيل بقلبك!! بس لعلمك مهما كنا ضدك مستحيل نسوي شي على حساب الشغل!!
                سلطان أخذ نفس عميق ليردف : أنت تشوف انه اللي صار عادي؟
                عبدالله : قلت لك! أكيد فيه سبب مقنع يخليه يتصرف بهالطريقة، هذا التصرف مو بس بوجهك! بوجه عبدالرحمن بعد
                سلطان : مهما كان السبب مفروض ندري
                عبدالله يقترب منه : ما تلاحظ أنه قاعد يمشي عليك مبدأ كما تدين تدان
                سلطان إبتسم من شدة قهره ليردف : بالمناسبة أنا أدفع عمري كله ولا يصير بعبدالعزيز و غادة شي!! يوم تصرفت بموضوعهم بهالطريقة ما كان عندي خبر! كنت مصدوم مثلي مثل غيري! جاني مقرن الله يرحمه وقالي عبدالعزيز ما يدري عن غادة! وش كان مفروض أتصرف بوقتها؟ تبيني أروح لعبدالعزيز وأقوله والله أختك بالمستشفى روح لها وأخلي الكلاب يدرون ويخلصون عليهم! . . . لا تحملني فوق طاقتي وتتهمني!! لو عبدالعزيز كان مع أخته وكملوا حياتهم بباريس الله أعلم وش بيصير فيهم! أنا تصرفت بالطريقة اللي تناسب الوضع والكل وقتها كان يجمع على قراري! ماتصرفت من مخي وقلت والله عز ما يشوف أخته!!!
                عبدالله : أنت أعصابك تعبانة يا سلطان و . .
                يقاطعه سلطان : هذا أنتم اذا ما لقيتوا شي قلتوا والله أنت تعبان يا سلطان و أنت مو في وعيك و أنت وأنت وأنت . . . يخي فكوني شوي! . . .
                عبدالله ينظر إليه بدهشة من إنفعالاته الصاخبة : بس ترجع لعقلك أتصل علي . . . وخرج ليترك سلطان بضمير يؤنبه على إنفعاله بوجهه، أخفض رأسه وعيناه على أقدامه، يغرق بالتفكير المشتت، مئة موضوع يتداخل بعقله، لا يدري بأي إتجاه يذهب، بأي طريق يتوجه.
                سمع طرق الباب لينطق : تفضل
                دخل أحمد ليمد الهاتف إليه : ألو
                عبدالرحمن : يا هلا . . . وش صار؟ ما فهمت من محمد شي
                سلطان : كلمني رائد
                عبدالرحمن بصدمة : نعم؟؟؟؟؟
                سلطان : و هددني
                عبدالرحمن : هددك بأيش؟
                سلطان : بمين يا عبدالرحمن؟ أكيد بعبدالعزيز . . قلت لمحمد يخفيهم عن باريس! . . عبدالعزيز بروحه صح؟ مع غادة؟
                عبدالرحمن بضيق : لا معاه بنتي
                سلطان تنهد بقهر ليضرب بكفه على الطاولة : ليه يا عبدالرحمن! ليه تركتها
                عبدالرحمن بعصبية : كأن الموضوع بإيدي، أنت شايف على كم شخص جالس أتعامل! أقطع روحي ولا وش أسوي؟
                سلطان صمت لثواني ليردف : طيب بما أنه الصور جت لمكانكم عند عبدالعزيز هذا يعني أنهم يعرفون المكان، عبدالرحمن لازم تطلع منه بسرعة . . أنا إنسان مقدر أتفاهم مع رائد بأسلوب تهديده، أبي أتطمن عليكم عشان أتصرف معاه
                عبدالرحمن : وش طلب ؟
                سلطان : أنت وش تتوقع؟ . . لحظة لحظة خلني أقولك المصيبة الثانية
                عبدالرحمن : الله يثبت العقل فيني هذا كل اللي أقوله
                سلطان يقرأ بقهر/بضيق/بحسرة/بحزن : اللي ورى كل هذا . . . .


                ،


                وضعت يدها تحت خدها ويدها الأخرى تطرق بالشوكة على الصحن مصدرة رنين مزعج يعبر عن إنتظارها، نظرت للطعام الذي بدأ يبرد من برودة الأجواء ليلا في الرياض، أخذت نفس عميق لتقف وهي ترمي الشوكة بقهر على الطاولة، سارت متجهة للداخل لتبحث عنه بعينيها، خافت أن تطل و يكون واقف مع صديق له أو رجل اخر ويغضب، تأفأفت كثيرا وهي لا تسمع صوتا يصدر من الفناء الأمامي للمنزل، أغلقت الأنوار لتتجه نحو النافذة المغطاة بالستائر، سحبتها قليلا لتتجمد عيناها على قدمه، وحدها هي الظاهرة ولا ترى شيئا غيرها، مشت بخطوات سريعة للخارج لتسحب شهيقا دون زفير، لم تستطع أن تزفر أبدا وتتنفس بصورة طبيعية، نظرت للدماء التي تغرق بأقدامها ليرتجف جسدها بأكمله، لم تعرف كيف تصرخ أو حتى تنادي أحدا، اقتربت قليلا لتجلس على ركبتيها بجانبه، همست برجفة بالغة : فيصل . . . فيييييصل . . . لا ياربي . . . . وضعت يديها على يده لتغرق كفها بدماءه، وقفت مبتعدة، خافت أن تراه والدته، خافت خوفا لم تخافه بحياتها أبدا، ركضت للداخل لتمسك هاتفها وهي لا ترى بوضوح بسبب دمعها الذي يغرقها تماما، إتصلت على يوسف أول رقم سقطت عيناها عليه، تمر ثانية تلو الثانية ولا يجيب، أبتهل قلبها بالدعوات، يالله كن معي، يالله أحفظه.
                أتى صوته الهادىء : ألو
                هيفاء ببكاء مرتجف لم تستطع أن تقول جملة مفيدة . .
                فز يوسف من مكانه ليخرج بعيدا عن أنظار والدته و منصور : هدي قولي وش فيك
                هيفاء : فيصصصل
                يوسف : وش فيه؟
                هيفاء ببكاء : تعال بسرعة . . ما أعرف وش أسوي . . تكفى يوسف أخاف يموت
                يوسف ارتجف قلبه من " يموت " : جايك . . . أغلقه . . . عاد للمجلس ليات صوته المضطرب : منصور تعال
                منصور رفع حاجبه : وشو؟
                يوسف بغضب : تعال وأقولك
                منصور : تعال أضربني بعد!!!
                يوسف برجاء عينيه : طيب تعال شوي
                منصور ترك عبدالله الصغير في حضن والدته ليذهب معه، خرجا من البيت ليلتفت عليه منصور : وش فيك؟
                يوسف : مافهمت شي من هيفا بس شكل فيصل صاير له شي تقول لا يموت ومدري ايش . . . أتصل على الإسعاف على ما نوصلهم
                منصور بدهشة : اللهم اجعله خير . . . ركب السيارة ليسير يوسف بسرعة جنونية حتى يصل قبل أن يتفاقم الوضع وعينيه تدعو معه أن لا يحدث أمرا سيئا.
                منصور وهو يتحدث بهاتفه : إيه حي الأندلس . . يوسف هو أي شارع؟
                يوسف : شارع الأمير محمد
                منصور : شارع الأمير محمد . . . شكرا لك . . أغلقه
                يوسف تنهد عندما وقف للإشارة القريبة من منزل فيصل : يارب
                منصور : راح نوصل قبل الإسعاف . . . يوسف أطلع من الرصيف بتنتظر كل هذا
                يوسف بضيق كان سيتجاوز الرصيف لكن أضاءت الإشارة باللون الأخضر، في ظرف دقيقتين ركن السيارة أمام الباب المفتوح قليلا، أغلق سيارته على عجل ونزل مع منصور، دخل لتتجمد عيناه دون أن ترمش على منظر الدماء، منصور إرتجف قلبه لينطق : حسبي الله ونعم الوكيل
                يوسف بخطوات سريعة إتجه لهيفاء القريبة حتى يقف أمامها ويمنعها من النظر، سحبها إليه لتبكي على صدره وهي تبلل ثوبه بدموعها المختلطة بالكحل الأسود. يوسف : إن شاء الله مو صاير له شي . . الإسعاف بتجي الحين . . .
                هيفاء بأنينها الذي يتحشرج بصوتها : أحس قلبي بيوقف . .
                يوسف : بسم الله عليك . . . سار معها ليدخل إلى الداخل، بصمودها الذي ينهار شيئا فشيئا، كانت ستسقط على الأرض لولا ذراعي يوسف التي تحيطان بها، جلس معها على الأرض الباردة والتي تناقض حرارة الرجفة بأجسادهم : هيفاء طالعيني . . مو صاير الا كل خير إن شاء الله . . .
                هيفاء بإنهيار تام : كان زين والله كان زين . . . دق الجرس وراح وبعدها ما رجع . . ما رجع يا يوسف . . مارجججع . . . كررت كلمتها كثيرا وهي تبكي بشدة توازي شدة الخوف التي تدب في صدرها.
                يوسف يمسح دموعها بكفيه وهو ينظر إليها بحزن بالغ، يشعر بخبر سيء سيأت ولكن لا يريده أن يأت، يريد أن يكذب توقعاته، مسك كفيها ليضغط عليهما : استغفري . . كرري الإستغفار وتفرج من عنده
                هيفاء نظرت إليه نظرة قتلت يوسف تماما، يوسف شتت نظراته بعيدا عنها ليعقد حاجبيه، سحبها إليه لتضع رأسها على صدره، قبل رأسها وأطال بقبلته ليقرأ عليها بصوت تحشرج من أفكاره السيئة التي تعبث بعقله، قرأ عليها ايات السكينة التي يحفظها ويكررها عليها : و قال لهم نبيهم إن اية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم . . . . . و قال لهم نبيهم إن اية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم . . و قال لهم نبيهم إن اية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم . . . . ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . . . ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . . . . إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها . . . . إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها
                خذله صوت ليصمت على صوت الإسعاف الذي يغزو مسامعهم في هذه اللحظة، هذه المرة لم يدعو لفيصل وحده، كان قلبه يدعو أن لا يصل الصوت إلى والدة فيصل، سكنت حواس هيفاء ومازال الدمع يعبر خدها بإستسلام.
                يوسف : بيطمنا منصور إن شاء الله . . . قومي نجلس داخل . . . وقف ليشدها معه وهو يثبتها بذراعه التي تحيط كتفها من الخلف، جلس في الصالة التي تحتوي على الجلسة الشرقية الأرضية، سحب جلال الصلاة ليجعلها تستلقي وتضع رأسها على فخذه، غطاها وهو يجاهد أن يجعلها تنام حتى لا يضطرب قلبها بالإنتظار كثيرا.
                سكن صوتها ولكن قلبها لم يسكن بعد، " يالله ارزقني الصبر، لا طاقة لي بتحمل كل هذا، أشعر بأن أجزاء مني تنشطر، مازالت إبتسامته قبل ساعة تضيء عيني بالدمع، مازالت هيئته الصاخبة تحضر في عقلي، يالله على صوته الذي لا يريد أن يفارق مسامعي! للتو شعرت بأن هناك أهدافا بحياتي، للتو وضعتها بقائمة أولها فيصل ونهايتها فيصل، إلهي أرجوك! أرجوك! أرجوك . . احفظه "
                في الجزء العلوي من المنزل كانت نائمة بسكينة لم يحركها صوت الإسعاف أبدا وريف الصغيرة تنام بحضنها، منذ فترة طويلة لم تنام ريف مع والدتها، نامت هذه الليلة وذراع أمها هي من تغطي جسدها الصغير، تحركت ريف قليلا لتفتح عينيها بهدوء نظرت للسقف المظلم لتلف جسدها الناحية الثانية وتغطي وجهها بصدر أمها، غرزت أصابعها الناعمة في جسدها وهي تتمسك بوالدتها : ماما
                دون أن تفتح عينيها والدتها شدتها إليها وهي تشعر بحركاتها لتهمس : يالله ماما نامي
                ريف بركاكة الحروف التي تنطقها : بروه لفيصل
                والدتها : هم نايمين الحين غلط نزعجهم صح؟ . . يالله نامي وبكرا الصبح تشوفينه
                ريف : و هيفا ؟
                والدتها : هي نايمة بعد . . يالله ريف حبيبي نامي
                ريف بضجر : راح النوم
                والدتها تنهدت لتفتح عينيها : غمضي عيونك و فكري بأشياء حلوة ويجيك النوم
                ريف : مثل وشو ؟
                والدتها : فكري بالملاهي لما يوديك فيصل . . فكري لما تلعبين مع صديقاتك و لما تطلعين . . تذكري هالأشياء وغمضي عيونك
                ريف ابتسمت بشغف لتردف بعد ثواني قليلة من إغماضها لعينيها : أنا و أنت و بابا
                والدتها : بابا راح للسما عند الله
                ريف : إيه لأن السما أحلى من الأرض و بابا لأنه قلبه حلو لازم يروح للسما . . كذا يقول فيصل
                والدتها بإبتسامة : صح
                ريف : بعدين صار فيصل بابا . . ولما أنت ماما تروحين للسما أنا بصير ماما
                والدتها اختنقت من ذكرى هذا الزوج، ضاقت محاجرها لتغرق بالدمع، أكملت ريف بما تحفظه من كلمات فيصل : بعدين يصير لنا بيت كبيييير كبيير في . . أيش إسمها ماما؟ اللي هناك عند الله؟
                والدتها بصوت متحشرج : الجنة
                ريف : إيوا هناك إحنا عندنا بيت فيه أنا لما أكبر و أنت ماما و بابا و فيصل . . بنجيب هيفا؟ عادي؟
                والدتها لم تستطع الرد، نزلت دموعها بلا توقف، ريف : بروح لهيفا بقولها شي وأرجع على طول
                والدتها بلعت غصتها : لا ماما بكرا تقولين لها . . يالله نامي عشان تصحين بدري وتفطرين وياهم
                ريف بعد صمت لدقائق : ماما
                والدتها : هلا
                ريف : متى نروح للسما؟
                والدتها : ما أعرف يا ماما! بس إن شاء الله بنروح للجنة
                ريف : بابا بروحه؟ ما يخاف؟
                والدتها أرهقتها هذه الأسئلة التي لا تعرف لها جواب : إحنا معاه . . وش قالك فيصل؟
                ريف : قال لما أشوف عيونك ماما أشوف بابا لأن انتو الكبار . . ناسية وشو قال
                والدتها تضمها أكثر لتردف بصوت تنام به السكينة : قال لما نشتاق للناس اللي راحوا للسما نروح نشوف عيون اللي يحبونهم . . لأن اللي يحبونهم يحفظونهم بعيونهم . . وأنت يا ريف تحفظين بابا في قلبك وعيونك صح؟
                ريف رفعت رأسها : أنت تشوفيني لما تبين تشوفين بابا ؟
                والدتها : لما أبي أشوف بابا أصلي


                يتبع

                تعليق

                • *مزون شمر*
                  عضو مؤسس
                  • Nov 2006
                  • 18994

                  رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي




                  يسير على الرصيف بجانب رتيل، تبقى شارعان لتجاوزه والوصول للعمارة المنزوية في نهاية الطريق، وقفا حتى تضيء إشارة العبور وأحاديثهم البسيطة في كل ثانية ترن في صدر الاخر.
                  نظرت إليه بضيق الحياة في عينيها لتردف : أكره هالشعور! شعور الإحباط واليأس، شعور إني ماني قادرة أسوي أي شي يا عبدالعزيز
                  عبدالعزيز : لو كنت تبين تسوين شي قدرتي بدون لا تسألين عن أحد! أعرفك يا رتيل! أعرف حجم تهورك وجنونك
                  إلتفتت إليه بكامل جسدها لتبتسم بسخافة الحياة التي تصفعها : تغيرنا ما عدنا على خبرك!! لو أقدر كان ما طلعت معك الحين! لو أقدر كان سويت أشياء كثيرة! بس صرت أخافك
                  عبدالعزيز : وش اللي تغير؟
                  رتيل بحزن هذا الكون الذي يخرج من شفاهها كنصل مدمي : إني ماراح أسامحك!
                  عبدالعزيز نظر إليها بنظرة غريبة، نظرة تحمل من اليأس ما لاتتحمله روح واحدة، اقترب منها حتى تلامس حذاءه مع حذاءها، أضاءت إشارة العبور حتى سارت وتركته، تنهد ليسير خلفها ناحية الرصيف الاخر، شدت على شفتها السفلية حتى تكبت دمعا يجاهد للصعود نحو محاجرها، وقف بجانبها لاخر إشارة عبور.
                  عبدالعزيز بصراحته المؤذية لقلب أمتلئ بندبات مالحة سببها صوته : ما حاولت أأذيك بأي شيء! في الوقت اللي كنت أدور فيه عن حياة لي كنت قدامي يا رتيل! سميه قدر سميه أي شي! بس ما حاولت أأذيك! غلطت كثير لكن ما كانت نيتي أبد إني أأذيك لشخصك! ولا كان لي نية بأني أدخل قلبك! . .
                  عقد حاجبيه وهو ينظر لكل شيء عداها، أكمل : كانت نيتي الحياة! . . . إلتفت عليها وهو يدخل يديه بجيوبه : تبين تعرفين شعوري؟ مثل الشخص المريض اللي عارف وش نهايته لكن ياكل حبوبه بإنتظام! هو يأس بس مجبور ياكل! وأنا يأست بس مجبور أعيش! ما يأست من رحمة الله! يأست من خلقه، يأست من هالطريقة اللي عايش فيها! يأست من نفسي اللي مو قادرة توقف وتتجاهل! . . . . . وتقولين ماراح أسامحك! وكأني متعمد أأذيك وأغلط وكأن همي في الحياة إني أقهرك! وكأن نفسي بإختياري!! . .
                  نزلت دمعتها الناعمة وهي تشتت نظراتها بعيدا عنه، أضاءت إشارة العبور لتسير بجانبه على الرصيف الأخير الذي ينتهي بشقته، في جهة أخرى كان الإحباط يتسلل لقلبها شيئا فشيئا حتى أندفع إلى صوتها بهيئة جملة : خلنا ننزل شكله ماهو موجود!!
                  في كل خطوة تخطوها للأسفل كانت هناك خطوات بالخارج متجهة إلى العمارة، رفع أصابعه ناحية ياقة قميصه ليفتح أول أزاريره وهو يشعر بأن العالم بأكمله يحشر نفسه بحنجرته ويخنقه، وقف قليلا من اللاإتزان الذي يواجهه، شعر بالغثيان يغزو معدته ويضبب رؤيته، إلتفتت عليه بخوف : عبدالعزيز!!!
                  عبدالعزيز لثواني معدودة رفع رأسه ليغمض عينيه بشدة حتى يعيد توازنه.
                  يالله! أفقد شهيتي بالحياة تماما، أفقد قدرتي على الإتزان بها، أشعر بنار تلهب صدري، لا أريد أن أموت على يقضة هذا العالم، أود أن أموت بسلام على سريري دون أن أرى أحدا، لا أريد أي أحد من حولي، فقدت من أريد ومازلت أفقد! مازال وجعي من ناصر يتكاثر في داخلي، مازال بكاء غادة يصرخ بأذني، لم! أحتاج جواب يشفي لهيب السؤال في عيني! " يالله لو كنت هنا يا يبه " لو كنت تراني! لو كنت معي! لو كنت تشد على معصمي وتأخذني حيث الصواب، لو أنني أبكي على صدرك لشفيت والله! لو أنني أجلس عند ركبتيك لداويت حزني بكفيك، لو أنني أبصرك لمرة واحدة أشرح لك بها كيف أنك تعيش بداخلي وترهق عيني التي لا تراك!
                  فتح عينيه ليسير بخطى بطيئة تجر أثقالا من الحزن، على بعد خطوات وضعت قدمها على الطابق الأول وباب الخروج أمامها يتضح تماما، وقفت قليلا لتتنهد بضيق من أنها ستخرج دون أن تراه، شعرت بإنقباضات قلبها الضيق من فكرة غيابه المستمر عنها، في كل ثانية تمر تشطر قلبها المنفعل بحنينه، من خلفها وليد : يالله . .
                  غادة نزلت لنصف الدرج حتى تجمدت عيناها دون أن ترمش، رفع رأسه لتصطدم النيران في جوفه، ثبت في مكانه ليقمع اللاإتزان الذي يواجهه، سقطت ذراعه التي كانت تلامس رأسه لتلامس جانبه الأيمن من جسده، كان كل شيء في جسده يرتجف، ارتجفت يديه وهي تختبئ بمعطفه الأسود.
                  كل قواي تضعف أمامها، أمام العينين التي تشبهني، أهذه غادة أم أنني أتوهم؟ لا طاقة لي للتخيلات، لم أتخلص من وعثاء الواقع حتى أواجه حياة إفتراضية أخرى، يالله ساعدني! ساعد رجلا تخلت صلابته عنه في مواجهة نفسه، ساعد رجلا عبث بالحياة حتى عبثت به و شتته، يالله ساعدني! أخاف من حزني، أخاف من إندفاع الموت في جسدي، أخاف من البكاء الجاف الذي يذبل في صوتي، أرجوك يالله إن هذه الحياة تختنق بصدري، خذني إليها، ساعد أقدامي حتى تذهب إليها، يالله أرجوك أمسح على حزني بلطفك وأرحمني في هذه اللحظة، أرجوك يالله خذني إليها.
                  في الجهة التي تقابله، أندفع البكاء حتى سكنت ضوضاء الدنيا من حولهما وبقي الدمع يؤدي مهمة النزول على خدها الناعم بهدوء.
                  " عزيز! " تأت بصورة تضج الحياة لجسدي، تأت بهيئة أبي وأمي وعائلتي كلها، تأت ك نور يهذب عتمة قلبي، يجرحني الحنين في غيابك كثيرا، يعبث بقلبي ويحرقني، افترقنا وفارقتني الحياة تماما منذ ان غاب عن سمعي ذكرك وذكر من كانوا يحملون دمنا و رائحتنا، أنت يا " جنة صدري ". غابت ذاكرتي طويلا لكنني لا انسى طعم الحب الذي يغرق بفمي بمجرد ما تناديني، لا أنسى أبسط التفاصيل التي نشترك بها وأهمها " سلطان " الذي ينتهي بأسماءنا وينتهي بكلماتنا، نحن الذي عشنا في كنف إبتسامته، أشتاقك! خذني إليك كما أخذتني الحياة منك، يموت صوتي يا عبدالعزيز ولا يساعدني! أريد أن أناديك، أريد أن أستشعر مقطع إسمك المار على لساني، نادني يا عبدالعزيز، نادني!
                  أرجوك يالله لا تخذلني بصوتي، أرجوك يالله ساعدني حتى أعبر هذه الخطوات لعناقه، يارب أشتاقه! أشتاق صدره، يارب خذني إليه قبل أن أموت في مكاني، " عزيز!! قلب أختك مجروح! تعال داوي جرحها بصوتك، تعال أسكن فجيعة عيونك بصدري، . . نادني! رعى الله نهر يجيء من صوتك، لصدر أمتلىء بجفافه، رعى الله قلبك يا روح أختك.
                  بإنكسار تام تحركت ذراعه اليمنى وعينيه تشتد بحمرة الدمع المالح، لم ترمش عيناه بعد مازالت تصارع اليقضة من أجلها، أقوى مني يالله! هذا اللقاء يضعفني تماما، صوتي يؤذيني وهو يموت في داخلي! حنجرتي يترسب بها البكاء ويمنع الكلمات من العبور! وعيني يترسب بها الملح ويمنع نظري من الوضوح، وجسدي يتصلب بالحنين ويمنع أقدامي من الحركة، أنا ممنوع من كل شيء، أود أن أقول بوضوح " يا عين أبوي أشتقت لك ".
                  بثقل تقدم خطوتين وهو يتوسلها بعينيه أن تأت قبل أن تتبخر قواه وينتهي، بخطى سريعة غادة توجهت إليه لتقف على أطراف أصابعها وهي تعانقه بشده، أغمضت عينيها بذات الشدة وهي تغرق بعنقه وتستشنق رائحته التي أفتقدتها، أنهارت بالبكاء وأنينها يسمع صداه، بكت كأنها تواجه البكاء لأول مرة، شدت على معطفه من الخلف بأصابعها وهي تعانقه بكل قواها.
                  " هذه الرائحة أشتقتها! هذا العناق أشتقته يا عبدالعزيز. "
                  وقفت ثابتا وذراعيه لم يتحركا وتحيطان جسد غادة، يعيش أعلى مستويات الصدمة وكأنه للتو أستوعب أنها حية، نزلت دمعته وعينيه لا ترمش، في كل لحظة يعود صدى بكاءها كان الدمع في عينيه يتكاثر دون أن يسقط، همس بغير تصديق/ همس بهذيان لم يفهم منه سوى : غادة!!
                  غادة وهي لا تنفك عنه من بين بكاءها : أشتقت لك . . أشتقت لك والله العظيم . . .
                  هذا الصوت مازال حيا! يالله ثبت يقيني بما أراه ولا تتركيني أسقط بخيالاتي هكذا، نبرتك هذه يا غادة من خدشها؟ لا تسألي عني! أنا ما زلت واقف في الطريق الذي رحلتم به دفعة واحدة لتنتهي روحي على دفعات تستطيل بوجعي، ما زلت واقف! وكل ما مضى من بعدكم كان مجرد محاولات للحياة ولكنني لم أحيا! لم أعش كأي رجل ينتمي لعائلة، مازلتم في! تنامون على قلبي ولا تستيقظون أبدا! " يا ظماي! عطشتكم يا غادة وما روتني الحياة من بعدكم! "
                  رفع ذراعيه ليحيطانها، شدها بقوة ليغلق عينيه بذات الشدة، أمال رأسه ليقبلها بالقرب من عينيها، شد على ظهره ليرفعها قليلا عن مستوى الأرض.
                  كل شيء يغيب الوعي عن قلبي، كنت سأرضى والله لو كنت أدري أنك على قيد الحياة ولا نلتقي أبدا، كنت سأجد سببا للعيش/للحياة/للسعادة، ولكنني في كل مرة أشعر بأنه لا فائدة! لا أحدا أقاوم من أجله، لو تعلمين يا غادة كيف يكون شعور الفرد إن أستفردت به الحياة وأوجعته، لو تعلمين كيف يكون الغدر ممن رأيتهم حياة لي ذريعة للموت، لو تعلمين كيف للشوق أن يأت في منامي بشعا يحبط كل أسس طمأنينتي، تخيلتك كثيرا حتى أخطأت بقدر ما تخيلتك، أنا اسف لأنني لم أكن قويا كفاية ولا ذكيا حتى أكتشف أمرك مبكرا، وصوتي الان يخطئ الخروج! مازال مبحوح في داخلي.
                  " رائحتك هذه ترادف أمي، أمي التي بكيتها مرارا ولم أشعر بلذاعة الشوق إلا بها، كيف أشكر الله عليك الان؟ كيف أقول الحمدلله بطريقة توازي لطف الله بي! أنت هنا يا غادة! هنا وأنا أذهب لقبر أجهله أبكي عليه، أنت هنا ولم يهزني طوال حياتي شيئا بقدر ما هزني موتكم، صبرت كثيرا حتى أنهارت قواي مرة واحدة لتدفعني لفداحة لا أدري كيف أتجاوزها! أشتقتك! أشتقتك بمرارة البكاء العالق في، بوحدة الأغصان المغروسة في صحراء شاسعة، بسماء جففها الغبار ولم يسعفها مطر، بفعل صاخب كانت ردة فعله : صمت، أشتقتك كثيرا وكثيرا لست عميقة كما ينبغي لقلبك " يا روح أخوك ".
                  منذ أن راه وقبل أن يرفع عينيه عاد وليد للخلف ليصعد للطابق الثاني ويخرج من مخرج اخر، ضرب بقبضته على الجدار، كل شيء ينتمي إلى الحياة يتعمد الوقوف ضدي! كنت أحتاج وقتا بسيطا حتى تثق بي ولكن لا مجال للثقة أبدا، عادت لحياتها التي تريدها وأنا؟ مثل كل مرة تنتصب الخيبة أمامي بثبات.


                  ،


                  خرجت والدتها من غرفتها بعد أن سكنت ونامت، لتقابل ريان بوجهها : خوفتني بسم الله
                  ريان : اسف ما كنت أقصد . . وش فيها الجوهرة ؟
                  والدتها تنهدت : ولا شي . . كانت ستتجاوزه ولكن وقف أمامها . . يممه بالي مشغول أبي أعرف
                  والدتها : ريان أختك ما تتحمل تسمع منك . .
                  يقاطعها : تطمني ماني مسوي لها شي! تراني أخوها ماني عدوها
                  والدتها : أستغفر الله . .
                  ريان : وش فيها؟ ماراح أنام لين أعرف
                  والدتها : طلقها سلطان
                  ريان ثبت عيناه بعيني والدته دون أن يرمش، صدم بما يسمع وهو الذي يظن أن حياتهما تسير كما ينبغي، شعر بأن أحدا يصفعه بكف باردة، لم يتوقع ولا 1٪ أن يصل حال الجوهرة إلى هذا الحال من أجل سلطان.
                  والدته : لا تضايقها بشي ولا تعلم أحد لين أخبر أبوك . . . تركته دون أن يخرج من بين شفتيه كلمة واحدة.
                  أنا الذي اجبرتها على الموافقة في كل مرة وأنا الذي أجبرتها على الرفض كثيرا، ليتني وقفت بوجه هذا الزواج، ليتني لم أجعلها تعيش معه هذا الألم وأنا أدرك بأن بداية الزواج كانت سيئة، وأن بناءهم لهذه الحياة كان هشا، لو أنني فقط تخليت عن إندفاعي وفكرت بعقلانية تصب في مصلحتها. يارب أرحمنا!
                  تقدم بخطواته ليفتح الباب بخفوت ويطل عليها، أطال النظر إلى ملامحها الشاحبة الباكية، أخذ نفس عميق ليتراجع ويغلق الباب.
                  عاد إلى جناحه والهم يثقله، نظر لريم التي تعبث بهاتفها لترفع رأسها إليه، بتذمر : ولا أحد من أهلي يرد علي! أكيد صاير شي
                  ريان عقد حاجبيه : لا توسوسين كثير
                  ريم : حتى تليفون البيت محد يشيله! و زوجات أخواني ولا وحدة ترد!
                  ريان أستلقى بضيق : الخبر الشين بيجيك لين مكانك! تطمني
                  ريم تركت هاتفها : الله لا يفجعنا بأحد بس . . . رحت تشوف الجوهرة؟
                  ريان : لقيتها نايمة
                  ريم : قلت لك يمكن من الحمل تعبانة وتتحسس من أي شي
                  ريان بفضفضة لم يعتادها : أحس إني مشتت مو قادر أركز بشي
                  ريم : مشتت بمين؟
                  ريان : قسيت عليها كثييير ، أجبرتها على أشياء ماتبيها
                  ريم بلعت ريقها وهي تنظر لعينيه التي تنظر للسقف بندم شديد يتضح ببريق هذه النظرات.
                  يكمل : بس والله كنت خايف عليها! كنت أحسها طايشة ما تعرف تقرر صح بحياتها، ما أبي أحس إني ظلمتها بس أحس كل شي في ذاك الوقت كان ضدها
                  ريم : وإذا كانت طايشة! من حقها تختار حياتها . . ريان أنت أجبرتها تتزوج سلطان ؟
                  ريان : لا كنت رافض! ما أطيق سلطان أصلا عشان أوافق عليه لكن أبوي هو اللي وافق وطلعني من الموضوع، بس كنت حاس أنه ماهو مناسب لها! وكنت داري أنه يحس في داخله أنه متزوجها بس كذا عشان موقف ماهو عشانها الجوهرة بنت عبدالمحسن
                  ريم بعدم فهم : طيب لا تفكر بأشياء راحت وطلعت برا سيطرتك وتلوم نفسك عليها
                  ريان : ماني فاهم الجوهرة! أحاول أتقرب منها بس ماتعطيني أي فرصة . . دايم تحسسني إني أنا وتركي أعداءها
                  ريم : تركي عمك؟
                  ريان بسخرية : إيه عمنا اللي نسانا
                  ريم : مو قال أبوك أنه سافر برا ؟
                  ريان : إيه وشكله مسوي مصيبة مع أبوي عشان كذا قطع فينا
                  ريم : أكيد فاهم الجوهرة غلط! مستحيل تحسسكم أنكم أعداءها بالعكس تلقاها تحبكم أكثر من روحها
                  ريان : ما لحقتي عليها كيف كانت تتجنب تطالعني وكيف تقطع أي موضوع إذا شاركنا تركي فيه
                  ريم بعقدة حاجبيها : ريان والله شكلك فاهم غلط! ممكن وقتها صار خلاف بينها وبين تركي وتصرفت كذا مو شرط يعني!
                  ريان : قلبي يقول فيه شي بين تركي و أبوي والجوهرة! بس مو راضيين يقولون لي وحتى أمي شكلها تعرف ومهي راضية تقولي! لأنها كانت تسأل عن تركي دايم بس الحين ما عادت تسأل عنه
                  ريم تنهدت بإبتسامة : أنت اللي لا توسوس الحين! الخبر الشي بيوصل لعندك تطمن
                  ريان رغما عنه إبتسم : خبر عن خبر يفرق
                  ريم : والله ريان أنت موسوس كثير
                  ريان إلتفت عليها بنظرة جعلتها تندفع بالكلمات : بس يعني ماشاء الله عليك يعني متزن وعاقل وكذا
                  ضحك ريان ليردف : زين الله يسلمك
                  ريم بعفوية : وش دعوى عاد! تراني أحبك ماأرضى عليك بالشينة بس يعني أنت توسوس كثير بس هذا عيبك لكن إيجابياتك كثيرة
                  ريان أستعدل بجلسته بعد أن طرقت أسماعه " أحبك "، إلتفت عليها بكامل جسده، ريم إرتبكت من قربه لتردف : قلت شي غلط؟ تراني أخاف من نظرتك ذي!!!
                  ريان بإبتسامته التي لا تظهر كثيرا وإن ظهرت تأخذ قلب ريم معها : أبد كل اللي قلتيه على عيني وعلى راسي


                  تعليق

                  • *مزون شمر*
                    عضو مؤسس
                    • Nov 2006
                    • 18994

                    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                    ،


                    أفلست من الدنيا، هذا ما أنا أيقنت منه تماما، في الثانية التي قلت فيها " أحفظي لي يا عبير ما تبقى من قلبي " تجاوزتني دقيقة الوداع، لو أنك سمحتي لي بأن أحبك فعلا وجنونا لأسبوع، فقط أسبوع أسترد به قوام حياة تهشمت أمامي، ولكنك قسيت من أجل العقل، من أجل الأشياء اللامعروفة، لم نفترق وكلانا يحب بعضنا البعض؟ لم نسير بطريقين منفصلين ونحن نعيش تحت سماء واحدة؟ لم يا رحمة الله في عيني؟ كان من المؤسف والله أن تختاري الفراق وأنا الذي رددت كثيرا لا طاقة لي بفراق ينتهي بغياب لديار أخرى تحت التراب؟ كيف وأنت ترحلين بخطاك فوق التراب؟ كيف تجرأت القسوة بعينيك وفي ماؤها جنة ؟ أخترت النهاية، أنا الذي كنت أظن كثيرا بأن النساء إن أحببن يتركن قواعد الحياة وقناعتها ويعشقن بجنون! ولكنك كنت مختلفة عنهن! أخترت السير خلف عقلك وقناعاتها والحياة، أخترت موتي. فاشل! أدرك ذلك، فشلت بالإنسلاخ عن والدي لأكون بمظهر يليق بإبنة عبدالرحمن، فشلت لأني لا أعرف أن أعيش في كنف أحد غير عينا والدي، أنا لا أعرف تماما مالذي يجب أن أفعله! ولكنني في نهاية الأمر أنا إبنه وهذا مالايتقبله والدك وأنت أيضا.
                    من خلفه : وين غرقت؟
                    فارس بضيق : أفكر
                    جلس بجانبه : بأيش ؟
                    فارس صمت قليلا ليردف : ما أعرف الصح من الغلط
                    : أسمعني يا فارس! مافيه أحد معصوم من الخطأ . . كلنا نخطي وكلنا نتصرف أحيانا بتهويل . . لكن بالنهاية إحنا محنا منزهين ولا ملائكة . . أهم شي أننا نصلح أغلاطنا
                    فارس : وصححت أغلاطي! لكن محد قبل
                    : مع الله كل شي يهون
                    فارس : أعرف وش بيصير بالنهاية! بسلم أمري لله وبتقبل إنه هالزواج اللي أصلا ما أعرف كيف بدأ، ينتهي! لكن ماراح أتقبل إنه أبوي ينتهي . . عارف أنه ممكن يكون أسوأ الأشخاص بنظركم لكنه أبوي! مقدر أقول الحق حق ولازم يتعاقب! مقدر أكون كذا . . .
                    : كل شخص يا فارس راح يدفع ثمن أخطاءه، أنت الحين تدفع ثمن أخطاءك رغم نيتك الطيبة . . وأبوك راح يدفع ثمن أخطاءه مهما كانت نيته، وكلنا ندفع ثمن أخطاءنا! مافيه شي نسويه بدون مقابل! ومقابل هالأخطاء عقاب ممكن يكفر عن أخطاءنا! ليه الله أوجد الحدود في الدنيا؟ أوجدها تكفير لنا ورحمة
                    فارس : وش بتكون عقوبة أبوي؟ القصاص؟
                    : فارس المسألة مو بكيفية العقوبة . .
                    يقاطعه : كنت عارف . . الله يصبرني على اللي بقى من عمري
                    يربت على كتفه بيده الحانية : الله يصبرنا كلنا . . .
                    فارس الجالس على الطاولة وأمامه دفتر فارغ وقلم، رفع عينه إليه : ينفع أرسم؟
                    بإبتسامة : خذ راحتك
                    أخذ الدفتر ليثبت رأس قلم الرصاص بمنتصف الورقة، إحتار عن أي شيء يرسم، يريد أن يفضفض بالرسم ويتجاوز حزنه بالرسم، خطت عيناه بكلمات أطرقت قلبه، كتب : " رعى الله عيناك حين جفت وصدت " . . .
                    وقف الاخر ليتجه نحو هاتفه ويجيب بدهشة من الصوت الذي يصل إليه : وعليكم السلام والرحمة
                    سلطان : بشرنا عن أحوالك؟
                    : بخير عساك بخير وصحة
                    سلطان بحدة : ماني بخير . . أفكر بالشخص اللي يغدر فينا
                    : سلطان
                    سلطان : أسمعك! وش أسبابك اللي بتقنعني فيها؟ سنة ونص وأنا أركض ورى شي ماله أساس من الصحة والمشكلة إنك تدري وتعرف! سنة ونص راحت وأنت أكثر شخص تعرف إنه الثانية اللي تضيع منا عن يوم كامل!!
                    : تثق فيني؟
                    سلطان بغضب : لا!
                    : يا بو بدر تعوذ من الشيطان
                    سلطان : أسألك بالله ما فكرت فينا؟ ما فكرت وش المصايب اللي بتطيح على راسنا من تصرفك؟ ما فكرت بعبدالعزيز اللي خليناه يروح للخطر بكامل إرادته عشان معلومة أنت تملكها!!!
                    : إلا فكرت وعبدالعزيز يهمني قبل كل شي! وكل اللي سويته كنت أبي أنهي فيه شغل أستمر لسنوات
                    سلطان تنهد : بس أنت كذا دمرتني! خليتني أفشل بأكثر شي كنت أبي أنجح فيه وأنتهي منه . . الغلط مو بس فيني! الغلط بيصير على إدارتي كلها! وأنت فاهم قصدي وعارف أنه أي غلط بسيط يعتبر في عيوننا عظيم كيف عاد لو كان غلط مثل هالغلط؟ . . ريحني بس وقولي عن كل اللي تعرفه . . ما عاد أتحمل أنه يضيع لي وقت ثاني!!!
                    : طيب أبشر بقولك كل شي


                    ،


                    ينظر بإستغراب تام لهما، وقف ناصر : كيف يعني ؟
                    الشخص الذي يجهل تماما من يكون : بتطلع براءة وتسأل كيف يعني؟ مفروض تنبسط
                    ناصر : بالأول أعرف مين اللي تدخل
                    : عبدالرحمن ال متعب . . أرتحت؟
                    ناصر بشك : مستحيل! أنا أعرف مين وراكم
                    : أنا سويت اللي علي وأنت براحتك إذا تبي تخيس بالسجن!!!
                    تنهد بضيق من هذه الأفكار التي تطرأ عليه : طيب . .
                    أتى الضابط ليسلمه أغراضه الشخصية التي تم ضبطها له عند دخوله للسجن، أخذها ناصر ليضعها في جيبه، أرتدى معطفه ليقيه من برد باريس في هذه الفترة من السنة التي تتجمد بها الطرق بأكملها من درجة الحرارة المتدنية، خرج معه ليلتفت عليه ناصر : سويت اللي عليك وشكرا ممكن تروح الحين
                    : بوصلك
                    ناصر : لا شكرا أنا ادل طريقي
                    : طيب مثل ما تبي . . . . . أبتعد عنه وهو يلتفت كثيرا عليه، بمجرد ما أن دخل ناصر للجهة الأخرى وعبر الطريق، تبعه الشخص على مسافة بعيدة حتى لا يلحظه.
                    إتجه ناصر بإتجاه شقته وهو يكره كل خطوة يخطوها في باريس التي أصبحت مدينة العذاب بالنسبة لقلبه، بثواني قليلة وصل ليأت صوت العجوز المسن : ناسر!!!
                    إلتفت ناصر بإبتسامة جاهد أن تخرج بإتزان : كيف حالك ؟
                    : أصبحت بخير، هل أخرجوك براءة ؟
                    ناصر هز رأسه بالإيجاب ليأت صوت المسن متهلهلا بالفرح : مبارك . . لحظة هناك رسائل كثيرة اتت إليك من عملك
                    ناصر تنهد ليمد يده ويأخذها، قلبها بين كفيه وكلها إعلانات و دعوات إنضمام لبعض الإجتماعات والحفلات، وقعت عيناه على عنوان الجامعة التي تنتمي إليها غادة في وقت سابق، ارتجفت حواسه من الرسالة التي تأت بغير وقتها، ترك بقية الرسائل ليأخذ هذه الرسالة ويصعد للأعلى، فتحها قبل أن يصل لشقته، فتح الباب ليغلقه بقدمه من الخلف، وقف بمنتصف الشقة والعالم بأكمله يدور حوله بالكلمات التي يقرأها.
                    " أكتب لك ب 2008 رسالتنا المستقبلية اللي أستهزأت فيها كثير يا ناصر وقلت بلا خرابيط وخليتك تكتب لي رسالة بعد جهد عظيم، المهم صباح أو مساء الخير على عيونك يا ناصر يا زوجي و يا حبيبي، مر الحين 5 سنوات على زواجنا، عندنا بيبي ولا بعد : $ ؟ أتوقع ب 2013 عندنا ولد يشبهك، أكثر شيء أحلم فيه وأتمناه يتحقق بالخمس سنوات الجاية، أننا نكون مستقرين بحياتنا وعندنا أطفال بالأسماء اللي نحبها وأخترناها . . تذكر لما كنا جالسين عند النهر واتفقنا على أسماء كثيرة، أتفقنا على نورة إسم أمك الله يرحمها وعلى سارة و على ضي و دانة، وأتفقنا بأسماء الشباب على سلطان و عبدالعزيز و ثامر على إسم أبوك . . كنا دايم نقول نبي نحتفظ باللي نحبهم في أطفالنا، أطفالنا اللي ما جو، تعرف شي يا ناصر، أنا ما أخاف أفقدك، أخاف من الحياة بعد فقدك كيف تنعاش! مرة قلت لي تعرفين ليه العصافير تغني عندك؟ تذكر الله عليك. تعرف إني بيومها ما نمت! ولا قدرت أنام، كنت أبي أطير وأطير من الفرحة، كنت أبي أصرخ وأقول فيه شخص مجنون قالي كلمتين ودت قلبي بداهية، لو تدري وش كثر أفتخر فيك! لما يقولي عبدالعزيز أنك إنسان جاف وحاد وثقيل بشكل ينرفز، أجلس أفكر في تعاملك معي أحس إني إنسانة مميزة وإستثنائية، أحس إني شيء عظيم بعيونك وهذا الشعور يكفيني والله، إذا وصلت لك الرسالة وكانت الظروف تمنعنا عن بعض اتصل علي، إذا كنا متهاوشين وأعاندك تراني كذابة وأبيك تراضيني، وإذا كنا منفصلين رجعني لعيونك، وإذا ما عشت لهالوقت تعال لي بالصلاة، أحب دعواتك وأحب ( الله يحفظ مكاني بقلب بنت سلطان )، الله يحفظ لي من علمني الشعر كيف يكون و الحب كيف يكون، الله يحفظك كثر ما رددت مع البدر " المحبة أرض والفرقا أراضي والزمن كله ترى لا غبت ماضي، والله إني ما أشوف إلا عيونك، إن رحلت اليوم أو طول مراضي، قالوا العذال والعذال مرضى، وش بلا حالك من الأشواق قاضي، قلت يهجرني حبيبي لين يرضى! علموا الظالم ترى المظلوم راضي، جرحوني في هواك وقلت أبشكي ماهو من جرحي ولكن ل إعتراضي، وش علي لو قطعوا لأجلك عروقي من رضى بالحب يرضيه التغاضي "
                    . . . . . . . . . . . . . . ناصر/ لك في الهوى ديرة ولك في صدري ملك.

                    أنتهت الرسالة بإسمها المزخرف على طرفها " غادة "، لم يحدث أي شيء من هذا، لم تأت نورة ولم تأت سارة، لم يأت سلطان ولم يأت ثامر، أنتظرناهما كثيرا ولكننا لم نفلح، نسيت تماما من أكون! ولكنني لم أنساك! مازلت أحفظك عن ظهر حب/غيب، مازلت أعرفك تماما مهما تلاطم موج الغياب عند أقدامك، كيف يكون منظر الأحلام حين يقرأها شخصا لم يحقق ربعها؟ كيف يكون هذا المنظر مفجعا بهذه الطريقة؟ لم نسكن الرياض ولم نعيش بإستقرار نحلم به، رحلت يا غادة مني في الوقت اللي كان صوتي يرقي قلبي ب " أحبك "، رحلت مني وأنا الذي أنتصف الأشياء معك ولم أستطع أن أنتصف قلبي لك، أنت لم تكوني النصف مني، كنت " أنا " بأكملي، وكان قلبي يسكنك كما أنه قلبك، أضعنا الطريق، وأضعنا الحياة، لو أنني أملك دقيقتين أقف بها أمامك لأودعك بما يليق، نحن لسنا منفصلين ولسنا متخاصمين، كيف أتواصل معك؟ لا أملك سوى صوتك الذي ينمو بي، لا أملك سواه.
                    امنت الان أن لا عودة، امنت أن هذه الرسالة تأت بطريقة معزية، لم نحقق شيئا طوال الخمس سنوات شيئا، ماطلنا بموعد الزفاف وقضينا وقتنا بالخطط والأحلام ولكننا حين حققنا أول حلم أغتالونا بليلة فرحنا، هل أقول " رحم الله قلبا تربى على حبك، أم أقول سامح الله الطرق الذي لم تدلك علينا ( أنا وقلبي ) ؟ أم أقول لنا الجنة، لنا الاخرة نحن الذين لم نفلح بالدنيا ؟ "
                    توقف عن التفكير إثر الإختناق الذي واجهه من كف يجهلها، حاول أن يلتفت ليرى من دخل إلى شقته ولكنه لم يفلح إثر إستنشاقه لمادة مخدرة أسقطته ومازالت الرسالة تنام على يده بين أصابعه.
                    تنهد الاخر ليتصل ويأت صوته صاخبا : بسرعة تعال شيله معاي


                    يتبع

                    تعليق

                    • *مزون شمر*
                      عضو مؤسس
                      • Nov 2006
                      • 18994

                      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


                      ،

                      لم يتحدث بشيء، كان يريد أن يسمعها فقط، ينظر إلى عينيها طويلا دون أن يمل، مازال تحت وقع اللاإستيعاب، يجاهد أن يفكر ولكن لا تفكير يطفو على سطح عقله، كل ما يفكر به الكلمات التي تتوافد من عينيها.
                      يالله هل ما أراه حلما؟ يالله لا تفجعني بهذه الأحلام، لا تفجعني بعينيها! أحتاج لأيام متواصلة حتى أصدق أن هذا الصوت حقيقيا وهذه العينين حقيقة، أشعر أني أفقد عقلي، أصاب بجنون الحقيقة، ياللسخرية! السخرية التي تجعل حتى الحقيقة محض جنون بدلا من أن يكون الخيال محض الجنون! يارب كيف لهذه العينين أن تغيب عني كل هذه المدة؟ كيف لم أنتبه لأفعالهم معي؟ عندما علمني والدي العفو هل كان يعرف أن هناك اشخاص لا يستحقون الرحمة؟ ليتك يا " يبه " تنظر للحال الذي وصل به إبنك، لو يأت منك عناق واحد والله لصلحت الحياة بعيني.
                      غادة : أبي أسمع أخبارك، ناصر كان يقولي عنك بس . . أبي أسمع منك
                      عبدالعزيز : وش كان يقول ناصر ؟
                      غادة : يطمني عليك وكان يتصل عليك كثير بس ما ترد، حتى مرة ما نام يومين وقام يهذي فيك، كان يبي يكلمك بأي طريقة بس ما كنت ترد يا عبدالعزيز
                      عبدالعزيز بضيق : تعبان؟
                      غادة : تعبان حيل، مقدرت أتذكره . . أخفضت رأسها لتعود لبكاءها . . . مقدرت! حاولت بس مقدرت . . كنت أتذكر بعض الأشياء وأحس فيه، والله يا عبدالعزيز أحس فيه وأحس إني مقدر أبعد عنه لكن ما عرفت أتذكر شي يربطني وياه
                      عبدالعزيز : ما تتذكرين أي شي بعد الحادث ؟
                      غادة : لا، صحيت بالمستشفى وقدامي الدكتور وليد وبعدها جاني ناصر
                      عبدالعزيز : أهم شي إنك بخير
                      غادة : الحمدلله . . أحس قلبي يرجف من الفرحة . . . . كنت مشتاقة لكم كثيير، فجأة قالوا لي أنهم ماتوا محد مهد لي بشي كنت محتاجة أشوفك! كنت محتاجة أحس أنه جمبي شخص يهمني وأتذكره
                      عبدالعزيز : الله يرحمهم ويغفر لهم . . .
                      غادة تلألأت عينيها بالدمع : متضايقة من شي واحد إني ماني قادرة أتذكر اخر أيامهم، ودي أتذكر أبوي كيف كان و أمي و هديل
                      عبدالعزيز : كلنا كنا فرحانين فيك وكنا ننتظر هالليلة من زمان وليتنا ما انتظرناها
                      غادة من بين بكاءها : قالي ناصر! مدري كيف أنقلبت ليلتنا من فرح لحزن! . . .
                      عبدالعزيز : ما قالك ناصر وش كثر مشتاق لك ؟
                      غادة شتت نظراتها ليندفع الدمع على خدها الناعم : كثييير يا عزيز . . . . بس تغيرت كثير! أحس وجهك متغير مرة
                      عبدالعزيز بصوت يائس : ما عاد فيه شي يغريني للحياة . . . . بيوم وليلة رحتوا يا غادة! وبيوم وليلة رجعت الرياض، كل شي صار بسرعة، وكل شي كان يقتلني ببطء! كنتوا تجوني كثير! كان يقولي أبوي لا تغلط! بس ماعرفت أنتبه لأفعالي! ماعرفت أي غلط يقصد!!! يا كثر ما ضاقت فيني ويا كثر ما قلت الموت قرب! ويا كثر ما قلت فيه أمل! ويا كثر ما أنكسر فيني هالأمل، حلمت فيك في وقت حلم فيك ناصر وخفنا! لو تشوفين كيف خفنا إنك تتعذبين بقبرك!!! لا أنا نمت ولا ناصر، جلسنا نفكر وش الشي اللي ممكن تتعذبين عشانه! ما كنا ندري إنك تشاركينا السما! . . .
                      غادة أقتربت منه لتقاطعه بعانقها : يا جعلني ما أبكيك . . يا جعلني ما أبكيك يا أخوي
                      عبدالعزيز : الله يغفر لي أخطائي اللي مخليتني أعيش هالحزن . .
                      غادة : خلنا نبعد من باريس! نروح أي مكان . . خلنا نترك كل شي هنا ونبعد مع ناصر . . بتروح لناصر صح؟ قالوا لي ما أقدر أزوره
                      عبدالعزيز : حتى ناصر!
                      غادة أبتعدت عنه لتنظر إليه بإتساع محاجرها بالدمع : كيف حتى ناصر؟ هو قبل لا يكون زوجي كان أخوك و رفيق دربك!!!
                      عبدالعزيز بحدة صوته : متضايق منهم كلهم و مقهور منهم كلهم بعد!
                      غادة : بس . . . بس هو ما سوا شي
                      عبدالعزيز : ليه ما تفهميني يا غادة؟ أقولك متشفق عليكم و هو يدري ومع ذلك ما قالي!!!!
                      غادة : بس حاول يتصل عليك والله يا عبدالعزيز حاول، قدامي كان يصارخ و يعصب كل ما طلع جوالك مغلق أو خارج منطقة التغطية . . . والله ما نام وكان يهذي فيك!
                      عبدالعزيز عاد لصمته المؤذي، لنظراته المشتتة، لحزنه العميق الذي لا ينفك عنه، وصل أقصاه من هذا الوجع.
                      غادة تأملت الشقة المتغيرة تماما عنها لتقطع الصمت الذي أمتد لدقائق طويلة : مين اللي كانت معاك ؟
                      عبدالعزيز دون ان ينظر إليها : زوجتي
                      غادة تجمدت حواسها بما في ذلك عينيها : زوجتك!!!
                      عبدالعزيز تنهد : إيه . . سالفة طويلة بعدين أقولها لك
                      غادة : وعايش معها هنا مو في الرياض؟
                      عبدالعزيز : وأثير بعد
                      غادة نظرت إليه بصدمة حقيقية : أثير؟ أثير ما غيرها؟
                      عبدالعزيز : قلت لك سالفة طويلة بعدين أقولها لك
                      غادة : تزوجت ثنتين!!!!
                      عبدالعزيز تنهد بضيق يختنق منه : إيه
                      غادة والدهشة تعبر صوتها : ليه ؟
                      عبدالعزيز إبتسم : وش اللي ليه ؟
                      غادة إبتسمت لإبتسامته لتضربه على كتفه بخفه : نذل! حارمني من هالإبتسامة!!!
                      عبدالعزيز : ما عاش والله من يحرمك من إبتسامته
                      غادة مازالت الإبتسامة تزين محياها لتردف بفرح : إيه وش أخبارك بعد؟
                      عبدالعزيز : ما صار شي مهم
                      غادة : على أساس قبل شوي تقول مافيه شي وطلعت متزوج! قولي الأشياء الغير مهمة طيب وين أثير؟ حتى هي أشتقت لها
                      عبدالعزيز : بتنام عند أهلها لو تدري عنك كان جت
                      غادة : طيب و زوجتك الثانية وش إسمها؟
                      عبدالعزيز : رتيل
                      غادة : من وين تعرفها؟
                      عبدالعزيز : بنت عبدالرحمن ال متعب .. تذكرينه؟ دايم أبوي كان يسولف عنه
                      غادة : إيه عرفته مع سلطان بن بدر صح ؟
                      عبدالعزيز : وتقولين ذاكرتي ضعيفة! متذكرة كل شي
                      غادة : أتذكر الأشياء القديمة قبل لا أنخطب لناصر، فترة الخطبة ما أذكر منها شي
                      عبدالعزيز وبفرط اللاتصديق الذي يصيبه ردد : الحمدلله الحمدلله . . خلينا نصلي أخاف يصير لنا شي
                      غادة أبتسمت لتقف وتتجه معه نحو المغسلة، توضأت بجانبه ورغم أنه على وضوء أعتاد عليه من طبع والده الذي علمه أن يبقى على وضوء دائما، توضأ مرة أخرى، ثواني قليلة حتى أنتهيا.
                      مد لها جلال الصلاة و فرش السجادة بالعرض، كبر بنبرة جعلتها تتأخر بقراءة سورة الفاتحة، بنبرة والدها تماما، النبرة التي لا تغيب عنها أبدا.
                      نزلت دمعة يتيمة وعينيها منخفضتين، تجمدت تماما من أي فعل وعقد لسانها بالحنين الذي تغص به، في جهة أخرى لم يستطع أن ينهي الفاتحة، غص بها وهو يقول " إهدنا الصراط المستقيم "، مضت دقائق كثيرة على وقوفهما حتى ركعت غادة لتسقط الدمعة على السجادة و تتشكل كبقعة، من بعدها ركع، رفعا من الركوع معا، " الحمدلله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه " سجدا وبالسجود أضطربت المشاعر، لم يكن من الغريب أن يطيلان هذا السجود الذي يربطهما بالرحمن الرحيم.
                      بقلب يبتهل " اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد والشكر، يارب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتها علي وأن أعمل عملا صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك من عبادك الصالحين، يارب ساعدني بأن أتجاوز حزني بالتقرب إليك، يا رب ساعدني بأن أنفض يدي من هذه الدنيا، وأحفظ غادة من شرور الدنيا و أهوائها، يارب أحفظها بعينيك التي لا تنام، يارب أرحمها برحمتك التي وسعت كل شيء يا رحيم يا منان، يا غفور يا كريم تجاوز عن سيئاتها وأرشدها إلى الصواب، يا رب يا كريم أحفظها ولا ترني بها مكروها، و أجعل حزننا تكفيرة لذنوبنا، يارب يا كريم أغفر لوالدي . . . . –( أختنق بدمع صوته، ليست عيناه وحدها من تتحشرج بالدمع، هناك قلب يبكي ببحة تعبر صوته، وهناك نبرة تتبلل بالبكاء ) . . أغفر لوالدي وأرحمهما، يارب انس وحشتهما وتجاوز عن سيئاتهم بالحسنات وجازهم بالحسنات إحسانا، اللهم لا تجعل اخر لقاءي بهم في الدنيا، اللهم لا تجعل اخر لقاءنا في الدنيا، اللهم أغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم أغفر لمن أشتاقت لهم نفسي، اللهم أغفر لهم وأجمعنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك "
                      رفع من السجود وعينيه محمرة، رفعت معه، ثواني قليلة حتى سجدا السجدة الثانية، تتصل أرواحهم بالدعاء، رددت بعد الحمد " اللهم أحفظ عبدالعزيز و طهر قلبه من حزن الدنيا، اللهم أحفظ عزيز ولا ترني به مكروها، اللهم يا كريم أحفظ قلبه من شر هذه الدنيا و همها، اللهم لا تجعل له هما إلا فرجته ولا غما إلا كشفته ولا ذنبا إلا غفرته، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا وأجعل الجنة دارنا، اللهم يا كريم أغفر لوالدي وأرحمهما برحمتك التي وسعت كل شيء، اللهم أرحم هديل رحمة واسعة و . . . . بكت حتى وصل بكاءها إلى قلب عبدالعزيز الذي بجانبها، شدت على السجادة حتى لا تنهار ببكاءها، أشتد دمعها.
                      أشتقت لعناق هديل و لذة إسمها بالنداء، أشتقت لإبتسامتها و لضحكتها، أشتقت يالله إليها، أشتقت لعنادها وغضبها، يارب لا ترهقني بإشتياقي ولا تحزني، يارب أرحمها . . يارب أرحمها يا كريم وأغفر لها خطاياها وتجاوز عنها.


                      ،

                      الساعة تصل للثالثة فجرا ولا يخرج أحدا من غرفة العمليات يطمئنه، يسير ذهابا وإيابا وعقله يتشوش بكل دقيقة تمضي، ولسانه يردد " يارب لا تفجعنا، يارب لا تفجعنا، يارب لا تفجعنا، يارب لا تفجعنا "
                      رن هاتفه ليجيب : ألو
                      يوسف : وش صار؟
                      منصور : إلى الان
                      يوسف بدهشة : 4 ساعات وإلى الان!
                      منصور : الله يجيبها سليمة . . أبوي الحين بمركز الشرطة يحققون وما بعد عرفوا مين!!!
                      يوسف : يارب بس
                      منصور : شلون هيفا ؟
                      يوسف : توها نامت الحمدلله
                      منصور تنهد : الله يلطف فينا ولا يفجعنا
                      يوسف : امين . . بس يصير شي أنا أول من تتصل عليه وتطمني
                      منصور : إن شاء الله
                      يوسف : بحفظ الرحمن . . . أغلقه.
                      سمع صوتها ليسرع بخطواته إليها، جلس عند رأسها : بسم الله عليك . . بسم الله عليك . . هيوف حبيبي طالعيني
                      هيفاء تصاعدت شهقاتها ببكاء يكسر أي قلب يراها، شهقت حتى أختنقت، يوسف بضيق رفعها ليجلسها، طوق وجهها الباكي بكفيها : أشششش خلاص . . . هو بخير تو كلمت منصور
                      هيفاء بفزع نبرتها : يوسف
                      يوسف : سمي
                      هيفاء بأنفاس مضطربة متصاعدة : تكفى ودني للمستشفى . . تكفى . . تكفى
                      يوسف : بوديك بس مو الحين . .
                      هيفاء برجاء تتوسله : تكفى . . تكفى يا يوسف خلني أروح
                      يوسف بتوتر : طيب بوديك بس منصور راح بسيارتي، بوديك تطمني . . .
                      هيفاء ببكاء : لو يصير فيه شي وش نسوي يا يوسف؟ وش تسوي أمه؟
                      يوسف : لا تفكرين بسلبية! خلاص أهدي وأدعي له . . ماراح يفيده البكي بيفيده الدعاء
                      هيفاء بنبرة تنخفض تدريجيا وتغرق بالبحة : يارب احفظه لنا . . يارب لا ترينا مكروه فيه . . يارب لا ترينا مكروه فيه


                      يتبع

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...