رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي
،
أخذت نفس عميق وهي تضع يدها على بطنها، وبرجفة هدب سقطت دمعة يتيمة/وحيدة.
ضي بعقدة حاجبيها جلست : وعدني! وما وفى!!
عبير تقضم أظافرها من التوتر وهي تجيء شمالا وجنوبا : و رتيل تأخرت! . . وش اللي يصير بالضبط!!!! ليه محد يتكلم ويقولنا شي!
غادة تتأمل إرتباكهم وخوفهم بجمود يصاحب عيناها التي لا يرتجف بها هدب، بلعت ريقها بصعوبة لتخفض رأسها وهي تجمع كفيها لتضعها بحجرها.
يارب أنزل سكينتك على قلبي، أشعر بنار تلتهب بصدري كلما فكرت بما يحصل الان، ضائعة تماما! لا أدل إلاك يا الله.
صمت حديث روحها بعد فكرة " الضياع " التي نطقتها لتنساب نحو ضياع اخر.
الساعة السادسة صباحا / خريف 2011، على مشارف نهر السين جالسان.
ناصر بصوت ناعس نظراته ترتفع للقوارب التي تطلق أشرعتها : الحمدلله
غادة إلتفتت عليه بإبتسامة ناعمة : الحمدلله على الإسلام والأمن والأمان و الأهل والأصدقاء والحب والحياة وأنت.
ناصر بإبتسامة شاسعة تعاكس الشمس في شروقها، أخذ كفها، حرك أصبعه ببطىء ليكتب على باطن كفها ويترك لها حرية الشعور والإدراك والتخمين.
غادة : وش كتبت؟
ناصر : خمني؟
غادة بضحكة تقطع سكون المكان والبحر : لمح لي ؟
ناصر يكتب لها من جديد بأصابعه والإبتسامة تتكىء على شفتيه : كذا واضح؟
غادة تقلد صوته : كذا أحبك؟
ناصر صخب بضحكته الرجولية : حبيني مثل ما تبين
غادة تأخذ يده لتكتب على باطنها، رفعت عينها بعد ثوان طويلة : خمن!
ناصر : كتبتي مطلع قصيدة أحبها
غادة : قصيدة أنت كتبتها
ناصر : يا غايبة عني رديني وياك، لك في نبرة الصدر موال حزين
غادة : هذي أول قصيدة سمعتها منك، ينفع أقول الحمدلله على الشعر لأنه كسر صلابتك؟
ناصر إبتسم ليميل برأسه قليلا حتى يقترب بشفتيه من أذنها، همس : لولا عيونك ما كتبنا الشعر . . .
نظرت لعيني عبير التي تمد لها كأس الماء : سمي بالرحمن
غادة وضعت يدها على ملامحها لتستشف تعرقها، نظرت بإستغراب لضي وعبير لتفهم جيدا أنها بدأت تخرج عن نطاق السيطرة، صعدت يدها ناحية عينيها لتلاحظ بكاءها اللاإرادي، تنهدت بضيق وهي تأخذ كأس الماء برجفة، شربت القليل لتنزل عينيها بإرتباك، همست : ما نقدر نتصل على أحد ؟
عبير : محد يرد أصلا . .
ضي جلست بجانبها وهي تنظر إليها بشفقة الحزن : تطمني!
غادة رفعت عيناها إليها : يمكن صار لرتيل شي لا سمح الله! ليه ما تكلمون الحرس اللي تحت؟
عبير: مستحيل أطلع! قد طلعت وصارت مصيبة . . بننتظر أحد يجي ويبلغنا
،
تأملت السقف كثيرا وهي تقطع شفتيها بأسنانها، إلتفتت للمكان الخالي تماما من هواء يحمل أنفاس غيرها، وحدها تحاول النوم في ساعات الفجر الأولى ولا النوم يجيء لجفنها.
أرق يستحل عقلي سببه أنت، أشد الرحال لغير صدرك ويردني صوتك لمداه، ماذا أفعل يا سلطان؟ تسيء لقلبي وتهينه ولكني أحبك! تستفز جنوني ولكني أصمت لأن عيناك تهذبني بصورة قمعية، لو أن لا وجود لأي أسس بهذه الحياة تجعلنا نفترق! لا وجود للمبادىء والنظريات! كانت حياتنا ستكون أجمل ولكن هناك ما يبعدني عنك، لو تعلم أني أشتقت ل " بسم الله عليك " من بين شفتيك، لا أعرف سر هذه الجملة! ولكني أعرف تماما ما تحدثه في قلبي منذ أول ليلة رأتك عيني، يالله! كيف لحب هذا الرجل أن يتسرب ويجري بين دماءي؟ أعترف بحبه سرا وأخشاه علانية.
أنفتح الباب لتنجذب عيناها، دخلت أفنان : صاحية؟ توقعتك نايمة . .
الجوهرة : مين جابك؟
أفنان : جيت مع ريان! قالي أبوي إنه تركك نايمة وخفت تصحين وماتلقين أحد وقلت أجيك . . أصلا يالله دخلوني! كل شي ممنوع في هالمستشفى! يالله هانت بس تطلع الشمس بترجعين معنا
الجوهرة شعرت بأنها ستنفجر من هذا الشعور المحبوس في داخلها : زين تسوين، لأني مليت
أفنان بضحكة تخرج هاتفها لتدخل تطبيق " تويتر " : خلني أقولك وش سوى نواف اليوم!
الجوهرة إبتسمت : وش سوى سمو الأمير؟
أفنان بإبتسامة : تراني أمزح لا تصدقين، عبيت مخه كذب وطلعت متزوجة في عينه يعني مستحيل حتى أمر في باله بعد ما رجع بس من الفراغ اللي فيني صرت أبحث عنه
الجوهرة تنهدت : صدقتك!! أفتخري يا روحي والنعم والله
أفنان : بنبدأ محاضرات؟ يعني هو كان السعودي اللي قدام وجهي طبيعي بالغربة بجلس أسولف معه من الطفش . . وبعدين كان بيننا حدود وإحترام
الجوهرة بسخرية : من زود الحدود قلتي له إنك متزوجة!
أفنان : في نيتي ماكنت أبي أكذب! بس كذا طلعت فجأة وقلت خطيبي
الجوهرة ضحكت : كذابة! لا تحاولين تقنعيني!!! أعترفي إنك سويتي شي غلط وخليك سنعة
أفنان بتنهيدة : طيب يا الجوهرة أنا غلطت . . أرتحتي كذا؟
الجوهرة بجدية : ماكان مفروض تسافرين!! شفتي وش سوى السفر بدون محرم؟
أفنان : وش سوى؟ لايكون رجعت لك مغتصبة ولا زانية؟
الجوهرة شحبت ملامحها لتبلع ريقها : ماكان قصدي كذا!
أفنان : وش قصدك؟ أكره هالنظرية المتخلفة! يعني عشان رحت أشوف حياتي صرت ماني محترمة! لا نزعت حجابي ولا تبرجت ولا رحت مراقص!!
الجوهرة بضيق يخفت صوتها، تحاول حبس الدمع الذي يتلألأ بمحاجرها : قصدي الحب!
أفنان تجمدت في مكانها لتخفض نظرها وهي تلوم لسانها الذي أندفع بالكلمات الحادة.
الجوهرة دون أن تنظر إليها أردفت : بتفكرين فيه كثير وماراح تنامين لأنه شاغل تفكيرك! من رجعتي ولازم تجيبين سيرة نواف حتى لو بمزح! تحاولين تبينين إنه كل هذا مزح لكن هو حاضر في كل شي!! وممكن ما تلتقين فيه بعد؟ عرفتي وش أقصد!!! الله ما حرم شي الا لحكمة . . مو لازم الضرر يكون جسدي ومادي عشان نقول والله هذا شي غلط! احيانا الوجع المعنوي أقسى بكثير من كل هذا!! مسألة إنك تسافرين وتبقين لحالك! بتخليك تشبعين فراغك بأشياء ممكن تشوفينها تافهة بس لما ترجعين لأهلك بتحسين وش كثر هالأشياء اللي بنظرك تافهة سوت فيك!! عمري ماراح أشكك في أدبك وأخلاقك!! اللي يمسك يمسني واللي يضرك يضرني
أفنان بضيق تتأمل ربكة الدمع في عيني الجوهرة : اسفة
الجوهرة عضت شفتها السفلية لتنساب دمعة يتيمة على خدها، إلتفتت لأفنان : أحيانا ما نفهم ليه هالشي غلط وليه هالشي حرام! لكن لما نتوجع منه نفهم كيف الله رحمنا منه!
أفنان : جوج واللي يخليك لا تبكين! أنا حمارة والله بس تعرفيني أحيانا أقول حكي ماأحسب حسابه
الجوهرة إبتسمت بخفوت : ما أبكي عشانك! بس أفكر وش كثر الله يرحمنا ويستر أخطاءنا!!! لو سمع أبوي ولا ريان بنواف؟ وش ممكن يصير؟ بتقدرين تفسرين لهم مثل ما تفسرين لي؟ فكري شوي بمنطق يا أفنان! مشكلتك إنك تتوقعين أنه الأشياء اللي نقولها مجرد عادات وتقاليد وأنك أنت إنسانة ماتعترفين بهالعادات واللي يهمك دينك!!
أفنان : صح أنا إنسانة ما تحكمني العادات والتقاليد! يحكمني ديني ودام ماهو حرام في ديني بسوي هالشي
الجوهرة : السفر بدون محرم حلال بالدين؟ فيه مذهب من مذاهب السنة حلله؟ الشافعي ولا الحنبلي ولا الحنفي ولا المالكي؟ فيه أحد أختلف فيهم على السفر؟ هذا الشي ماهو عادات وتقاليد! هذا الشي إسمه دين
أفنان بضيق : ليه تعصبين علي الحين؟ شي راح وأنتهى وهذاني رجعت
الجوهرة بضيق أكبر : لأني أخاف عليك
أفنان تنهدت :عارفة إنه هالشي مضاره أكثر من منافعه لكن كنت متحمسة أسوي شي بدراستي وفخورة فيه
الجوهرة : مو مهم إنك تعرفين، المهم إنك تقتنعين يا أفنان!
أفنان وقفت لتأخذ كأس الماء، بإبتسامة : توبة أفتح موضوع نواف، إذا باخذ عليه هالمحاضرة
الجوهرة أخذت نفس عميق لتمسح ملامحها بكلتا كفيها : يارب ترحمنا
أفنان همست : امين . . . كلمك سلطان بعد ما رجعت البيت؟
الجوهرة : لا ليه؟
بإبتسامة تستثير حمرة الخجل في ملامح الجوهرة : أبد لأني دخلت ولقيتك رايقة وعطيتني محاضرة بعد يعني فيك حيل
الجوهرة رفعت حاجبيها : بالله؟ و الروقان ماله الا سبب واحد؟
أفنان : بس حطي في بالك هالكلب مفروض ما تردين عليه! الله يرزقك بواحد يعوضك وينسيك طوايف سلطان . . . قولي امين . . . نظرت إليها بإستغراب . . . لايكون متأملة فيه بس؟ أنا كرهته ما أحب هالشخصيات اللي يفرضون قوتهم على الحريم!!
الجوهرة رفعت ظهرها لتجلس : ومين وين تعرفين شخصيته؟ ووين شفتيه يفرض قوته علي؟
أفنان : لما يقولون سلطان بن بدر الجابر . . وش أول فكرة تجي في بالك؟
الجوهرة بسخرية : زوجي
أفنان جلست على طرف السرير : أقصد شخصيته، يعني حتى إسمه يبرهن!
الجوهرة بنبرة هادئة : سلطان ما يفرض قوته على الحريم! إنسان مصلي وقايم بحق الله وبحق دينه و وطنه
أفنان : وحق زوجته ؟
الجوهرة : لما ما قام بحقها طلقها لأن هذا الواجب والصح
أفنان : تحاولين تلمعين صورته قدامي! تراني أختك ماني وحدة توك متعرفة عليها
الجوهرة : ما ألمع لك صورته! أنا أقولك الصدق، وهذا ما ينفي إني شايلة بقلبي عليه
،
التاسعة صباحا / باريس.
بإرهاق فتح أول أزارير قميصه لينظر إلى محمد : طلعوا عبدالعزيز وناصر؟
محمد بتوتر : لا . . بس طال عمرك فيه شي ثاني حصل
سلطان وهو يسير على الرصيف بإتجاه السيارة : وشو ؟
محمد : بنت بوسعود في المستشفى
سلطان إلتفت ليرفع حاجبه : ليه؟
محمد : أطلقوا عليها
سلطان بغضب يقترب من جسد محمد : وأنتم وينكم؟ كيف تطلع له؟
محمد بلع ريقه : نايف كان و
سلطان يقاطعه بحدة : حسابكم بعدين . . . بالأول راح توصلني المستشفى وأتطمن بنفسي . . . قبل أن يفتح الباب رفع عينه . . . أي بنت؟ زوجة عبدالعزيز ولا . . ؟
يقاطعه محمد : زوجة عبدالعزيز
سلطان ضرب الباب بقوة ليدخل وهو يكرر : أستغفر الله العلي العظيم!
شد ظهره بتعب السفر، أخذ قارورة المياه ليبلل ريقه : رحت شفتها؟
محمد وهو يقود السيارة ولا يلتفت عليه من التوتر العميق الذي يصيبه : إيه كنت عندها طول الليل! وكان بيجيك عبدالسلام لكن قلت له إني أنا اللي بجيك.
سلطان : كلمت دكتورها ولا أي زفت!!
محمد : كانت بالعمليات وطلعت من عندها قبل الشروق وهي للحين
سلطان : طيب يا ذكي كان تركت عندها واحد ثاني!
محمد بلع ريقه : خفت أتأخر عليك
سلطان بعصبية : بضيع لو ماجيتني يا محمد! لو صار شي لرتيل بحملك أنت ونايف المسؤولية وخلي عندك علم
محمد بدهشة إلتفت عليه لثواني حتى عاد بأنظاره للطريق، أندهش من نطقه لإسمها ومعرفته بها : إن شاء الله ما يصير الا كل خير
سلطان ضغط على عينيه وهذا الإرهاق يجلب له سوء المزاج، تنهد بعمق : كلمت سعد؟
محمد : ما يرد طال عمرك، أختفى كأن الأرض أنشقت وبلعته
سلطان : بس توصلني المستشفى تروح تشوف لي سعد وين! لأنه بباريس مستحيل يطلع منها! ورني شطارتك ودوره لي!! مفهوم ؟
محمد : إن شاء الله راح أحاول . . . . دقائق طويلة حتى وصل وركن السيارة أمام الباب الرئيسي للمستشفى.
نزل سلطان وأخذ معطفه ليرتديه من هذا البرد الذي يجمد أطرافه، لف " سكارفه " الرمادي حول رقبته ليدخل متجها للإستقبال وبجانبه محمد : طال عمرك ماهو لازم تسألهم! الغرفة اللي كانت فيها بالدور الأول
سلطان عاد بخطاه ليتبع محمد، وقف عندما توسط الطابق الأول ليلتفت عليه : وينها؟
محمد بلع ريقه : ا نسأل الإستقبال يمكن طلعت من العملية
سلطان أغمض عينيه قبل أن يرتكب به جريمة : أحفظ نفسك وأبعد عن وجهي
محمد أبتعد دون ان يلفظ كلمة أخرى، نزل سلطان ليسأل عن رتيل، ثواني قليلة حتى سارت معه الممرضة للأعلى ناحية مكتب الدكتور.
الدكتور " بإنجليزية " : اخيها؟ أم زوجها؟
سلطان بهدوء : كيف حالها؟
الدكتور تنحنح : إلى الان جيدة، خضعت لعملية ليلة الأمس ضمدنا بها جرحها
سلطان : تعرضت لشيء اخر؟
الدكتور : لم تحدث أي مضاعفات، أنخفض ضغطها كثيرا ولكنها الان بصحة جيدة، لكن يجب أن تعرف أنها ستطيل المكوث هنا! إصابتها ليست بالسهلة
سلطان وقف : أين هي الان؟
الدكتور : بجناح رقم 78
سلطان : جناح مشترك؟
الدكتور رفع حاجبه : عفوا ؟
سلطان : قلت هل جناحها مشترك؟
الدكتور بإبتسامة : يجب أن تعرف يا عزيزي أن المستشفى ممتلئة بالمرضى وليست هي المريضة الوحيدة حتى . .
يقاطعه سلطان : سأقترح عليك 15 دقيقة لنقلها إلى جناح خاص! وأظن أن المصاريف تخصنا نحن عائلتها ولا تخص طبيبها! هل وصلت لك الفكرة؟
الدكتور : أطلب هذا الشيء من الإستقبال وأدفع لهم وسينقلونها وهذا لا يضرني، تأكد إنني أريد الراحة لمرضاي أيضا . . .
سلطان خرج دون أن يسمع بقية حديث الدكتور، أقترب من محمد : ليه واقف؟ مو قلت روح شوف لي سعد!
محمد : توقعت إنك تبي ترجع عشان رائد
سلطان بحدة يحاول ان يسيطر عليها : فيه اللي أهم منه!
محمد : طيب . .
،
أخذت نفس عميق وهي تضع يدها على بطنها، وبرجفة هدب سقطت دمعة يتيمة/وحيدة.
ضي بعقدة حاجبيها جلست : وعدني! وما وفى!!
عبير تقضم أظافرها من التوتر وهي تجيء شمالا وجنوبا : و رتيل تأخرت! . . وش اللي يصير بالضبط!!!! ليه محد يتكلم ويقولنا شي!
غادة تتأمل إرتباكهم وخوفهم بجمود يصاحب عيناها التي لا يرتجف بها هدب، بلعت ريقها بصعوبة لتخفض رأسها وهي تجمع كفيها لتضعها بحجرها.
يارب أنزل سكينتك على قلبي، أشعر بنار تلتهب بصدري كلما فكرت بما يحصل الان، ضائعة تماما! لا أدل إلاك يا الله.
صمت حديث روحها بعد فكرة " الضياع " التي نطقتها لتنساب نحو ضياع اخر.
الساعة السادسة صباحا / خريف 2011، على مشارف نهر السين جالسان.
ناصر بصوت ناعس نظراته ترتفع للقوارب التي تطلق أشرعتها : الحمدلله
غادة إلتفتت عليه بإبتسامة ناعمة : الحمدلله على الإسلام والأمن والأمان و الأهل والأصدقاء والحب والحياة وأنت.
ناصر بإبتسامة شاسعة تعاكس الشمس في شروقها، أخذ كفها، حرك أصبعه ببطىء ليكتب على باطن كفها ويترك لها حرية الشعور والإدراك والتخمين.
غادة : وش كتبت؟
ناصر : خمني؟
غادة بضحكة تقطع سكون المكان والبحر : لمح لي ؟
ناصر يكتب لها من جديد بأصابعه والإبتسامة تتكىء على شفتيه : كذا واضح؟
غادة تقلد صوته : كذا أحبك؟
ناصر صخب بضحكته الرجولية : حبيني مثل ما تبين
غادة تأخذ يده لتكتب على باطنها، رفعت عينها بعد ثوان طويلة : خمن!
ناصر : كتبتي مطلع قصيدة أحبها
غادة : قصيدة أنت كتبتها
ناصر : يا غايبة عني رديني وياك، لك في نبرة الصدر موال حزين
غادة : هذي أول قصيدة سمعتها منك، ينفع أقول الحمدلله على الشعر لأنه كسر صلابتك؟
ناصر إبتسم ليميل برأسه قليلا حتى يقترب بشفتيه من أذنها، همس : لولا عيونك ما كتبنا الشعر . . .
نظرت لعيني عبير التي تمد لها كأس الماء : سمي بالرحمن
غادة وضعت يدها على ملامحها لتستشف تعرقها، نظرت بإستغراب لضي وعبير لتفهم جيدا أنها بدأت تخرج عن نطاق السيطرة، صعدت يدها ناحية عينيها لتلاحظ بكاءها اللاإرادي، تنهدت بضيق وهي تأخذ كأس الماء برجفة، شربت القليل لتنزل عينيها بإرتباك، همست : ما نقدر نتصل على أحد ؟
عبير : محد يرد أصلا . .
ضي جلست بجانبها وهي تنظر إليها بشفقة الحزن : تطمني!
غادة رفعت عيناها إليها : يمكن صار لرتيل شي لا سمح الله! ليه ما تكلمون الحرس اللي تحت؟
عبير: مستحيل أطلع! قد طلعت وصارت مصيبة . . بننتظر أحد يجي ويبلغنا
،
تأملت السقف كثيرا وهي تقطع شفتيها بأسنانها، إلتفتت للمكان الخالي تماما من هواء يحمل أنفاس غيرها، وحدها تحاول النوم في ساعات الفجر الأولى ولا النوم يجيء لجفنها.
أرق يستحل عقلي سببه أنت، أشد الرحال لغير صدرك ويردني صوتك لمداه، ماذا أفعل يا سلطان؟ تسيء لقلبي وتهينه ولكني أحبك! تستفز جنوني ولكني أصمت لأن عيناك تهذبني بصورة قمعية، لو أن لا وجود لأي أسس بهذه الحياة تجعلنا نفترق! لا وجود للمبادىء والنظريات! كانت حياتنا ستكون أجمل ولكن هناك ما يبعدني عنك، لو تعلم أني أشتقت ل " بسم الله عليك " من بين شفتيك، لا أعرف سر هذه الجملة! ولكني أعرف تماما ما تحدثه في قلبي منذ أول ليلة رأتك عيني، يالله! كيف لحب هذا الرجل أن يتسرب ويجري بين دماءي؟ أعترف بحبه سرا وأخشاه علانية.
أنفتح الباب لتنجذب عيناها، دخلت أفنان : صاحية؟ توقعتك نايمة . .
الجوهرة : مين جابك؟
أفنان : جيت مع ريان! قالي أبوي إنه تركك نايمة وخفت تصحين وماتلقين أحد وقلت أجيك . . أصلا يالله دخلوني! كل شي ممنوع في هالمستشفى! يالله هانت بس تطلع الشمس بترجعين معنا
الجوهرة شعرت بأنها ستنفجر من هذا الشعور المحبوس في داخلها : زين تسوين، لأني مليت
أفنان بضحكة تخرج هاتفها لتدخل تطبيق " تويتر " : خلني أقولك وش سوى نواف اليوم!
الجوهرة إبتسمت : وش سوى سمو الأمير؟
أفنان بإبتسامة : تراني أمزح لا تصدقين، عبيت مخه كذب وطلعت متزوجة في عينه يعني مستحيل حتى أمر في باله بعد ما رجع بس من الفراغ اللي فيني صرت أبحث عنه
الجوهرة تنهدت : صدقتك!! أفتخري يا روحي والنعم والله
أفنان : بنبدأ محاضرات؟ يعني هو كان السعودي اللي قدام وجهي طبيعي بالغربة بجلس أسولف معه من الطفش . . وبعدين كان بيننا حدود وإحترام
الجوهرة بسخرية : من زود الحدود قلتي له إنك متزوجة!
أفنان : في نيتي ماكنت أبي أكذب! بس كذا طلعت فجأة وقلت خطيبي
الجوهرة ضحكت : كذابة! لا تحاولين تقنعيني!!! أعترفي إنك سويتي شي غلط وخليك سنعة
أفنان بتنهيدة : طيب يا الجوهرة أنا غلطت . . أرتحتي كذا؟
الجوهرة بجدية : ماكان مفروض تسافرين!! شفتي وش سوى السفر بدون محرم؟
أفنان : وش سوى؟ لايكون رجعت لك مغتصبة ولا زانية؟
الجوهرة شحبت ملامحها لتبلع ريقها : ماكان قصدي كذا!
أفنان : وش قصدك؟ أكره هالنظرية المتخلفة! يعني عشان رحت أشوف حياتي صرت ماني محترمة! لا نزعت حجابي ولا تبرجت ولا رحت مراقص!!
الجوهرة بضيق يخفت صوتها، تحاول حبس الدمع الذي يتلألأ بمحاجرها : قصدي الحب!
أفنان تجمدت في مكانها لتخفض نظرها وهي تلوم لسانها الذي أندفع بالكلمات الحادة.
الجوهرة دون أن تنظر إليها أردفت : بتفكرين فيه كثير وماراح تنامين لأنه شاغل تفكيرك! من رجعتي ولازم تجيبين سيرة نواف حتى لو بمزح! تحاولين تبينين إنه كل هذا مزح لكن هو حاضر في كل شي!! وممكن ما تلتقين فيه بعد؟ عرفتي وش أقصد!!! الله ما حرم شي الا لحكمة . . مو لازم الضرر يكون جسدي ومادي عشان نقول والله هذا شي غلط! احيانا الوجع المعنوي أقسى بكثير من كل هذا!! مسألة إنك تسافرين وتبقين لحالك! بتخليك تشبعين فراغك بأشياء ممكن تشوفينها تافهة بس لما ترجعين لأهلك بتحسين وش كثر هالأشياء اللي بنظرك تافهة سوت فيك!! عمري ماراح أشكك في أدبك وأخلاقك!! اللي يمسك يمسني واللي يضرك يضرني
أفنان بضيق تتأمل ربكة الدمع في عيني الجوهرة : اسفة
الجوهرة عضت شفتها السفلية لتنساب دمعة يتيمة على خدها، إلتفتت لأفنان : أحيانا ما نفهم ليه هالشي غلط وليه هالشي حرام! لكن لما نتوجع منه نفهم كيف الله رحمنا منه!
أفنان : جوج واللي يخليك لا تبكين! أنا حمارة والله بس تعرفيني أحيانا أقول حكي ماأحسب حسابه
الجوهرة إبتسمت بخفوت : ما أبكي عشانك! بس أفكر وش كثر الله يرحمنا ويستر أخطاءنا!!! لو سمع أبوي ولا ريان بنواف؟ وش ممكن يصير؟ بتقدرين تفسرين لهم مثل ما تفسرين لي؟ فكري شوي بمنطق يا أفنان! مشكلتك إنك تتوقعين أنه الأشياء اللي نقولها مجرد عادات وتقاليد وأنك أنت إنسانة ماتعترفين بهالعادات واللي يهمك دينك!!
أفنان : صح أنا إنسانة ما تحكمني العادات والتقاليد! يحكمني ديني ودام ماهو حرام في ديني بسوي هالشي
الجوهرة : السفر بدون محرم حلال بالدين؟ فيه مذهب من مذاهب السنة حلله؟ الشافعي ولا الحنبلي ولا الحنفي ولا المالكي؟ فيه أحد أختلف فيهم على السفر؟ هذا الشي ماهو عادات وتقاليد! هذا الشي إسمه دين
أفنان بضيق : ليه تعصبين علي الحين؟ شي راح وأنتهى وهذاني رجعت
الجوهرة بضيق أكبر : لأني أخاف عليك
أفنان تنهدت :عارفة إنه هالشي مضاره أكثر من منافعه لكن كنت متحمسة أسوي شي بدراستي وفخورة فيه
الجوهرة : مو مهم إنك تعرفين، المهم إنك تقتنعين يا أفنان!
أفنان وقفت لتأخذ كأس الماء، بإبتسامة : توبة أفتح موضوع نواف، إذا باخذ عليه هالمحاضرة
الجوهرة أخذت نفس عميق لتمسح ملامحها بكلتا كفيها : يارب ترحمنا
أفنان همست : امين . . . كلمك سلطان بعد ما رجعت البيت؟
الجوهرة : لا ليه؟
بإبتسامة تستثير حمرة الخجل في ملامح الجوهرة : أبد لأني دخلت ولقيتك رايقة وعطيتني محاضرة بعد يعني فيك حيل
الجوهرة رفعت حاجبيها : بالله؟ و الروقان ماله الا سبب واحد؟
أفنان : بس حطي في بالك هالكلب مفروض ما تردين عليه! الله يرزقك بواحد يعوضك وينسيك طوايف سلطان . . . قولي امين . . . نظرت إليها بإستغراب . . . لايكون متأملة فيه بس؟ أنا كرهته ما أحب هالشخصيات اللي يفرضون قوتهم على الحريم!!
الجوهرة رفعت ظهرها لتجلس : ومين وين تعرفين شخصيته؟ ووين شفتيه يفرض قوته علي؟
أفنان : لما يقولون سلطان بن بدر الجابر . . وش أول فكرة تجي في بالك؟
الجوهرة بسخرية : زوجي
أفنان جلست على طرف السرير : أقصد شخصيته، يعني حتى إسمه يبرهن!
الجوهرة بنبرة هادئة : سلطان ما يفرض قوته على الحريم! إنسان مصلي وقايم بحق الله وبحق دينه و وطنه
أفنان : وحق زوجته ؟
الجوهرة : لما ما قام بحقها طلقها لأن هذا الواجب والصح
أفنان : تحاولين تلمعين صورته قدامي! تراني أختك ماني وحدة توك متعرفة عليها
الجوهرة : ما ألمع لك صورته! أنا أقولك الصدق، وهذا ما ينفي إني شايلة بقلبي عليه
،
التاسعة صباحا / باريس.
بإرهاق فتح أول أزارير قميصه لينظر إلى محمد : طلعوا عبدالعزيز وناصر؟
محمد بتوتر : لا . . بس طال عمرك فيه شي ثاني حصل
سلطان وهو يسير على الرصيف بإتجاه السيارة : وشو ؟
محمد : بنت بوسعود في المستشفى
سلطان إلتفت ليرفع حاجبه : ليه؟
محمد : أطلقوا عليها
سلطان بغضب يقترب من جسد محمد : وأنتم وينكم؟ كيف تطلع له؟
محمد بلع ريقه : نايف كان و
سلطان يقاطعه بحدة : حسابكم بعدين . . . بالأول راح توصلني المستشفى وأتطمن بنفسي . . . قبل أن يفتح الباب رفع عينه . . . أي بنت؟ زوجة عبدالعزيز ولا . . ؟
يقاطعه محمد : زوجة عبدالعزيز
سلطان ضرب الباب بقوة ليدخل وهو يكرر : أستغفر الله العلي العظيم!
شد ظهره بتعب السفر، أخذ قارورة المياه ليبلل ريقه : رحت شفتها؟
محمد وهو يقود السيارة ولا يلتفت عليه من التوتر العميق الذي يصيبه : إيه كنت عندها طول الليل! وكان بيجيك عبدالسلام لكن قلت له إني أنا اللي بجيك.
سلطان : كلمت دكتورها ولا أي زفت!!
محمد : كانت بالعمليات وطلعت من عندها قبل الشروق وهي للحين
سلطان : طيب يا ذكي كان تركت عندها واحد ثاني!
محمد بلع ريقه : خفت أتأخر عليك
سلطان بعصبية : بضيع لو ماجيتني يا محمد! لو صار شي لرتيل بحملك أنت ونايف المسؤولية وخلي عندك علم
محمد بدهشة إلتفت عليه لثواني حتى عاد بأنظاره للطريق، أندهش من نطقه لإسمها ومعرفته بها : إن شاء الله ما يصير الا كل خير
سلطان ضغط على عينيه وهذا الإرهاق يجلب له سوء المزاج، تنهد بعمق : كلمت سعد؟
محمد : ما يرد طال عمرك، أختفى كأن الأرض أنشقت وبلعته
سلطان : بس توصلني المستشفى تروح تشوف لي سعد وين! لأنه بباريس مستحيل يطلع منها! ورني شطارتك ودوره لي!! مفهوم ؟
محمد : إن شاء الله راح أحاول . . . . دقائق طويلة حتى وصل وركن السيارة أمام الباب الرئيسي للمستشفى.
نزل سلطان وأخذ معطفه ليرتديه من هذا البرد الذي يجمد أطرافه، لف " سكارفه " الرمادي حول رقبته ليدخل متجها للإستقبال وبجانبه محمد : طال عمرك ماهو لازم تسألهم! الغرفة اللي كانت فيها بالدور الأول
سلطان عاد بخطاه ليتبع محمد، وقف عندما توسط الطابق الأول ليلتفت عليه : وينها؟
محمد بلع ريقه : ا نسأل الإستقبال يمكن طلعت من العملية
سلطان أغمض عينيه قبل أن يرتكب به جريمة : أحفظ نفسك وأبعد عن وجهي
محمد أبتعد دون ان يلفظ كلمة أخرى، نزل سلطان ليسأل عن رتيل، ثواني قليلة حتى سارت معه الممرضة للأعلى ناحية مكتب الدكتور.
الدكتور " بإنجليزية " : اخيها؟ أم زوجها؟
سلطان بهدوء : كيف حالها؟
الدكتور تنحنح : إلى الان جيدة، خضعت لعملية ليلة الأمس ضمدنا بها جرحها
سلطان : تعرضت لشيء اخر؟
الدكتور : لم تحدث أي مضاعفات، أنخفض ضغطها كثيرا ولكنها الان بصحة جيدة، لكن يجب أن تعرف أنها ستطيل المكوث هنا! إصابتها ليست بالسهلة
سلطان وقف : أين هي الان؟
الدكتور : بجناح رقم 78
سلطان : جناح مشترك؟
الدكتور رفع حاجبه : عفوا ؟
سلطان : قلت هل جناحها مشترك؟
الدكتور بإبتسامة : يجب أن تعرف يا عزيزي أن المستشفى ممتلئة بالمرضى وليست هي المريضة الوحيدة حتى . .
يقاطعه سلطان : سأقترح عليك 15 دقيقة لنقلها إلى جناح خاص! وأظن أن المصاريف تخصنا نحن عائلتها ولا تخص طبيبها! هل وصلت لك الفكرة؟
الدكتور : أطلب هذا الشيء من الإستقبال وأدفع لهم وسينقلونها وهذا لا يضرني، تأكد إنني أريد الراحة لمرضاي أيضا . . .
سلطان خرج دون أن يسمع بقية حديث الدكتور، أقترب من محمد : ليه واقف؟ مو قلت روح شوف لي سعد!
محمد : توقعت إنك تبي ترجع عشان رائد
سلطان بحدة يحاول ان يسيطر عليها : فيه اللي أهم منه!
محمد : طيب . .
تعليق