رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي/ كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • *مزون شمر*
    عضو مؤسس
    • Nov 2006
    • 18994

    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

    ،

    أخذت نفس عميق وهي تضع يدها على بطنها، وبرجفة هدب سقطت دمعة يتيمة/وحيدة.
    ضي بعقدة حاجبيها جلست : وعدني! وما وفى!!
    عبير تقضم أظافرها من التوتر وهي تجيء شمالا وجنوبا : و رتيل تأخرت! . . وش اللي يصير بالضبط!!!! ليه محد يتكلم ويقولنا شي!
    غادة تتأمل إرتباكهم وخوفهم بجمود يصاحب عيناها التي لا يرتجف بها هدب، بلعت ريقها بصعوبة لتخفض رأسها وهي تجمع كفيها لتضعها بحجرها.
    يارب أنزل سكينتك على قلبي، أشعر بنار تلتهب بصدري كلما فكرت بما يحصل الان، ضائعة تماما! لا أدل إلاك يا الله.
    صمت حديث روحها بعد فكرة " الضياع " التي نطقتها لتنساب نحو ضياع اخر.

    الساعة السادسة صباحا / خريف 2011، على مشارف نهر السين جالسان.
    ناصر بصوت ناعس نظراته ترتفع للقوارب التي تطلق أشرعتها : الحمدلله
    غادة إلتفتت عليه بإبتسامة ناعمة : الحمدلله على الإسلام والأمن والأمان و الأهل والأصدقاء والحب والحياة وأنت.
    ناصر بإبتسامة شاسعة تعاكس الشمس في شروقها، أخذ كفها، حرك أصبعه ببطىء ليكتب على باطن كفها ويترك لها حرية الشعور والإدراك والتخمين.
    غادة : وش كتبت؟
    ناصر : خمني؟
    غادة بضحكة تقطع سكون المكان والبحر : لمح لي ؟
    ناصر يكتب لها من جديد بأصابعه والإبتسامة تتكىء على شفتيه : كذا واضح؟
    غادة تقلد صوته : كذا أحبك؟
    ناصر صخب بضحكته الرجولية : حبيني مثل ما تبين
    غادة تأخذ يده لتكتب على باطنها، رفعت عينها بعد ثوان طويلة : خمن!
    ناصر : كتبتي مطلع قصيدة أحبها
    غادة : قصيدة أنت كتبتها
    ناصر : يا غايبة عني رديني وياك، لك في نبرة الصدر موال حزين
    غادة : هذي أول قصيدة سمعتها منك، ينفع أقول الحمدلله على الشعر لأنه كسر صلابتك؟
    ناصر إبتسم ليميل برأسه قليلا حتى يقترب بشفتيه من أذنها، همس : لولا عيونك ما كتبنا الشعر . . .

    نظرت لعيني عبير التي تمد لها كأس الماء : سمي بالرحمن
    غادة وضعت يدها على ملامحها لتستشف تعرقها، نظرت بإستغراب لضي وعبير لتفهم جيدا أنها بدأت تخرج عن نطاق السيطرة، صعدت يدها ناحية عينيها لتلاحظ بكاءها اللاإرادي، تنهدت بضيق وهي تأخذ كأس الماء برجفة، شربت القليل لتنزل عينيها بإرتباك، همست : ما نقدر نتصل على أحد ؟
    عبير : محد يرد أصلا . .
    ضي جلست بجانبها وهي تنظر إليها بشفقة الحزن : تطمني!
    غادة رفعت عيناها إليها : يمكن صار لرتيل شي لا سمح الله! ليه ما تكلمون الحرس اللي تحت؟
    عبير: مستحيل أطلع! قد طلعت وصارت مصيبة . . بننتظر أحد يجي ويبلغنا


    ،

    تأملت السقف كثيرا وهي تقطع شفتيها بأسنانها، إلتفتت للمكان الخالي تماما من هواء يحمل أنفاس غيرها، وحدها تحاول النوم في ساعات الفجر الأولى ولا النوم يجيء لجفنها.
    أرق يستحل عقلي سببه أنت، أشد الرحال لغير صدرك ويردني صوتك لمداه، ماذا أفعل يا سلطان؟ تسيء لقلبي وتهينه ولكني أحبك! تستفز جنوني ولكني أصمت لأن عيناك تهذبني بصورة قمعية، لو أن لا وجود لأي أسس بهذه الحياة تجعلنا نفترق! لا وجود للمبادىء والنظريات! كانت حياتنا ستكون أجمل ولكن هناك ما يبعدني عنك، لو تعلم أني أشتقت ل " بسم الله عليك " من بين شفتيك، لا أعرف سر هذه الجملة! ولكني أعرف تماما ما تحدثه في قلبي منذ أول ليلة رأتك عيني، يالله! كيف لحب هذا الرجل أن يتسرب ويجري بين دماءي؟ أعترف بحبه سرا وأخشاه علانية.
    أنفتح الباب لتنجذب عيناها، دخلت أفنان : صاحية؟ توقعتك نايمة . .
    الجوهرة : مين جابك؟
    أفنان : جيت مع ريان! قالي أبوي إنه تركك نايمة وخفت تصحين وماتلقين أحد وقلت أجيك . . أصلا يالله دخلوني! كل شي ممنوع في هالمستشفى! يالله هانت بس تطلع الشمس بترجعين معنا
    الجوهرة شعرت بأنها ستنفجر من هذا الشعور المحبوس في داخلها : زين تسوين، لأني مليت
    أفنان بضحكة تخرج هاتفها لتدخل تطبيق " تويتر " : خلني أقولك وش سوى نواف اليوم!
    الجوهرة إبتسمت : وش سوى سمو الأمير؟
    أفنان بإبتسامة : تراني أمزح لا تصدقين، عبيت مخه كذب وطلعت متزوجة في عينه يعني مستحيل حتى أمر في باله بعد ما رجع بس من الفراغ اللي فيني صرت أبحث عنه
    الجوهرة تنهدت : صدقتك!! أفتخري يا روحي والنعم والله
    أفنان : بنبدأ محاضرات؟ يعني هو كان السعودي اللي قدام وجهي طبيعي بالغربة بجلس أسولف معه من الطفش . . وبعدين كان بيننا حدود وإحترام
    الجوهرة بسخرية : من زود الحدود قلتي له إنك متزوجة!
    أفنان : في نيتي ماكنت أبي أكذب! بس كذا طلعت فجأة وقلت خطيبي
    الجوهرة ضحكت : كذابة! لا تحاولين تقنعيني!!! أعترفي إنك سويتي شي غلط وخليك سنعة
    أفنان بتنهيدة : طيب يا الجوهرة أنا غلطت . . أرتحتي كذا؟
    الجوهرة بجدية : ماكان مفروض تسافرين!! شفتي وش سوى السفر بدون محرم؟
    أفنان : وش سوى؟ لايكون رجعت لك مغتصبة ولا زانية؟
    الجوهرة شحبت ملامحها لتبلع ريقها : ماكان قصدي كذا!
    أفنان : وش قصدك؟ أكره هالنظرية المتخلفة! يعني عشان رحت أشوف حياتي صرت ماني محترمة! لا نزعت حجابي ولا تبرجت ولا رحت مراقص!!
    الجوهرة بضيق يخفت صوتها، تحاول حبس الدمع الذي يتلألأ بمحاجرها : قصدي الحب!
    أفنان تجمدت في مكانها لتخفض نظرها وهي تلوم لسانها الذي أندفع بالكلمات الحادة.
    الجوهرة دون أن تنظر إليها أردفت : بتفكرين فيه كثير وماراح تنامين لأنه شاغل تفكيرك! من رجعتي ولازم تجيبين سيرة نواف حتى لو بمزح! تحاولين تبينين إنه كل هذا مزح لكن هو حاضر في كل شي!! وممكن ما تلتقين فيه بعد؟ عرفتي وش أقصد!!! الله ما حرم شي الا لحكمة . . مو لازم الضرر يكون جسدي ومادي عشان نقول والله هذا شي غلط! احيانا الوجع المعنوي أقسى بكثير من كل هذا!! مسألة إنك تسافرين وتبقين لحالك! بتخليك تشبعين فراغك بأشياء ممكن تشوفينها تافهة بس لما ترجعين لأهلك بتحسين وش كثر هالأشياء اللي بنظرك تافهة سوت فيك!! عمري ماراح أشكك في أدبك وأخلاقك!! اللي يمسك يمسني واللي يضرك يضرني
    أفنان بضيق تتأمل ربكة الدمع في عيني الجوهرة : اسفة
    الجوهرة عضت شفتها السفلية لتنساب دمعة يتيمة على خدها، إلتفتت لأفنان : أحيانا ما نفهم ليه هالشي غلط وليه هالشي حرام! لكن لما نتوجع منه نفهم كيف الله رحمنا منه!
    أفنان : جوج واللي يخليك لا تبكين! أنا حمارة والله بس تعرفيني أحيانا أقول حكي ماأحسب حسابه
    الجوهرة إبتسمت بخفوت : ما أبكي عشانك! بس أفكر وش كثر الله يرحمنا ويستر أخطاءنا!!! لو سمع أبوي ولا ريان بنواف؟ وش ممكن يصير؟ بتقدرين تفسرين لهم مثل ما تفسرين لي؟ فكري شوي بمنطق يا أفنان! مشكلتك إنك تتوقعين أنه الأشياء اللي نقولها مجرد عادات وتقاليد وأنك أنت إنسانة ماتعترفين بهالعادات واللي يهمك دينك!!
    أفنان : صح أنا إنسانة ما تحكمني العادات والتقاليد! يحكمني ديني ودام ماهو حرام في ديني بسوي هالشي
    الجوهرة : السفر بدون محرم حلال بالدين؟ فيه مذهب من مذاهب السنة حلله؟ الشافعي ولا الحنبلي ولا الحنفي ولا المالكي؟ فيه أحد أختلف فيهم على السفر؟ هذا الشي ماهو عادات وتقاليد! هذا الشي إسمه دين
    أفنان بضيق : ليه تعصبين علي الحين؟ شي راح وأنتهى وهذاني رجعت
    الجوهرة بضيق أكبر : لأني أخاف عليك
    أفنان تنهدت :عارفة إنه هالشي مضاره أكثر من منافعه لكن كنت متحمسة أسوي شي بدراستي وفخورة فيه
    الجوهرة : مو مهم إنك تعرفين، المهم إنك تقتنعين يا أفنان!
    أفنان وقفت لتأخذ كأس الماء، بإبتسامة : توبة أفتح موضوع نواف، إذا باخذ عليه هالمحاضرة
    الجوهرة أخذت نفس عميق لتمسح ملامحها بكلتا كفيها : يارب ترحمنا
    أفنان همست : امين . . . كلمك سلطان بعد ما رجعت البيت؟
    الجوهرة : لا ليه؟
    بإبتسامة تستثير حمرة الخجل في ملامح الجوهرة : أبد لأني دخلت ولقيتك رايقة وعطيتني محاضرة بعد يعني فيك حيل
    الجوهرة رفعت حاجبيها : بالله؟ و الروقان ماله الا سبب واحد؟
    أفنان : بس حطي في بالك هالكلب مفروض ما تردين عليه! الله يرزقك بواحد يعوضك وينسيك طوايف سلطان . . . قولي امين . . . نظرت إليها بإستغراب . . . لايكون متأملة فيه بس؟ أنا كرهته ما أحب هالشخصيات اللي يفرضون قوتهم على الحريم!!
    الجوهرة رفعت ظهرها لتجلس : ومين وين تعرفين شخصيته؟ ووين شفتيه يفرض قوته علي؟
    أفنان : لما يقولون سلطان بن بدر الجابر . . وش أول فكرة تجي في بالك؟
    الجوهرة بسخرية : زوجي
    أفنان جلست على طرف السرير : أقصد شخصيته، يعني حتى إسمه يبرهن!
    الجوهرة بنبرة هادئة : سلطان ما يفرض قوته على الحريم! إنسان مصلي وقايم بحق الله وبحق دينه و وطنه
    أفنان : وحق زوجته ؟
    الجوهرة : لما ما قام بحقها طلقها لأن هذا الواجب والصح
    أفنان : تحاولين تلمعين صورته قدامي! تراني أختك ماني وحدة توك متعرفة عليها
    الجوهرة : ما ألمع لك صورته! أنا أقولك الصدق، وهذا ما ينفي إني شايلة بقلبي عليه


    ،


    التاسعة صباحا / باريس.
    بإرهاق فتح أول أزارير قميصه لينظر إلى محمد : طلعوا عبدالعزيز وناصر؟
    محمد بتوتر : لا . . بس طال عمرك فيه شي ثاني حصل
    سلطان وهو يسير على الرصيف بإتجاه السيارة : وشو ؟
    محمد : بنت بوسعود في المستشفى
    سلطان إلتفت ليرفع حاجبه : ليه؟
    محمد : أطلقوا عليها
    سلطان بغضب يقترب من جسد محمد : وأنتم وينكم؟ كيف تطلع له؟
    محمد بلع ريقه : نايف كان و
    سلطان يقاطعه بحدة : حسابكم بعدين . . . بالأول راح توصلني المستشفى وأتطمن بنفسي . . . قبل أن يفتح الباب رفع عينه . . . أي بنت؟ زوجة عبدالعزيز ولا . . ؟
    يقاطعه محمد : زوجة عبدالعزيز
    سلطان ضرب الباب بقوة ليدخل وهو يكرر : أستغفر الله العلي العظيم!
    شد ظهره بتعب السفر، أخذ قارورة المياه ليبلل ريقه : رحت شفتها؟
    محمد وهو يقود السيارة ولا يلتفت عليه من التوتر العميق الذي يصيبه : إيه كنت عندها طول الليل! وكان بيجيك عبدالسلام لكن قلت له إني أنا اللي بجيك.
    سلطان : كلمت دكتورها ولا أي زفت!!
    محمد : كانت بالعمليات وطلعت من عندها قبل الشروق وهي للحين
    سلطان : طيب يا ذكي كان تركت عندها واحد ثاني!
    محمد بلع ريقه : خفت أتأخر عليك
    سلطان بعصبية : بضيع لو ماجيتني يا محمد! لو صار شي لرتيل بحملك أنت ونايف المسؤولية وخلي عندك علم
    محمد بدهشة إلتفت عليه لثواني حتى عاد بأنظاره للطريق، أندهش من نطقه لإسمها ومعرفته بها : إن شاء الله ما يصير الا كل خير
    سلطان ضغط على عينيه وهذا الإرهاق يجلب له سوء المزاج، تنهد بعمق : كلمت سعد؟
    محمد : ما يرد طال عمرك، أختفى كأن الأرض أنشقت وبلعته
    سلطان : بس توصلني المستشفى تروح تشوف لي سعد وين! لأنه بباريس مستحيل يطلع منها! ورني شطارتك ودوره لي!! مفهوم ؟
    محمد : إن شاء الله راح أحاول . . . . دقائق طويلة حتى وصل وركن السيارة أمام الباب الرئيسي للمستشفى.
    نزل سلطان وأخذ معطفه ليرتديه من هذا البرد الذي يجمد أطرافه، لف " سكارفه " الرمادي حول رقبته ليدخل متجها للإستقبال وبجانبه محمد : طال عمرك ماهو لازم تسألهم! الغرفة اللي كانت فيها بالدور الأول
    سلطان عاد بخطاه ليتبع محمد، وقف عندما توسط الطابق الأول ليلتفت عليه : وينها؟
    محمد بلع ريقه : ا نسأل الإستقبال يمكن طلعت من العملية
    سلطان أغمض عينيه قبل أن يرتكب به جريمة : أحفظ نفسك وأبعد عن وجهي
    محمد أبتعد دون ان يلفظ كلمة أخرى، نزل سلطان ليسأل عن رتيل، ثواني قليلة حتى سارت معه الممرضة للأعلى ناحية مكتب الدكتور.
    الدكتور " بإنجليزية " : اخيها؟ أم زوجها؟
    سلطان بهدوء : كيف حالها؟
    الدكتور تنحنح : إلى الان جيدة، خضعت لعملية ليلة الأمس ضمدنا بها جرحها
    سلطان : تعرضت لشيء اخر؟
    الدكتور : لم تحدث أي مضاعفات، أنخفض ضغطها كثيرا ولكنها الان بصحة جيدة، لكن يجب أن تعرف أنها ستطيل المكوث هنا! إصابتها ليست بالسهلة
    سلطان وقف : أين هي الان؟
    الدكتور : بجناح رقم 78
    سلطان : جناح مشترك؟
    الدكتور رفع حاجبه : عفوا ؟
    سلطان : قلت هل جناحها مشترك؟
    الدكتور بإبتسامة : يجب أن تعرف يا عزيزي أن المستشفى ممتلئة بالمرضى وليست هي المريضة الوحيدة حتى . .
    يقاطعه سلطان : سأقترح عليك 15 دقيقة لنقلها إلى جناح خاص! وأظن أن المصاريف تخصنا نحن عائلتها ولا تخص طبيبها! هل وصلت لك الفكرة؟
    الدكتور : أطلب هذا الشيء من الإستقبال وأدفع لهم وسينقلونها وهذا لا يضرني، تأكد إنني أريد الراحة لمرضاي أيضا . . .
    سلطان خرج دون أن يسمع بقية حديث الدكتور، أقترب من محمد : ليه واقف؟ مو قلت روح شوف لي سعد!
    محمد : توقعت إنك تبي ترجع عشان رائد
    سلطان بحدة يحاول ان يسيطر عليها : فيه اللي أهم منه!
    محمد : طيب . .

    تعليق

    • *مزون شمر*
      عضو مؤسس
      • Nov 2006
      • 18994

      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

      أنتهى سلطان من إجراءات نقل رتيل إلى غرفة خاصة، ليقف عقرب الساعة على الحادية عشر ظهرا، يريد أن يتأكد بأم عينيه أن صحة رتيل جيدة ولكن بنفس الوقت لا يريد أن يكون هو من يراها.
      لو كانت الجوهرة بمثل هذا الموقف لما رضيت أن يراها عبدالعزيز! " وش جاب طاري الجوهرة الحين يا أنا ؟ "
      مسح على وجهه من هذه الأفكار ليتنهد بضيق، وقف بعد أن طال جلوسه على المقاعد، أقترب من الممرضة : عفوا هل بإمكاني أن أطلب شيئا منك؟
      الممرضة بإبتسامة تنظر لعيني سلطان بحالمية : بالطبع
      سلطان نظر إليها لثوان طويلة، رفع بها حاجبه من نظراتها : أريد أن أتأكد من صحة إحداهن، تحديدا أريد أن أعرف إن كانت مستيقظة
      الممرضة بنبرة تتغنج بالإنجليزية الركيكة : حسنا، أي غرفة؟
      سلطان : 16
      الممرضة سارت بإتجاه الغرفة، دخلت بهدوء لتنظر إلى جسد رتيل النائم بسكينة، أقتربت لترى ملامحها الشاحبة يغطي نصفها كمام الأكسجين، نظرت للشاشة التي تفصل حالة قلبها، ثواني قليلة حتى خرجت وأقتربت من سلطان : حالتها جيدة! ولكن هل كنت تمزح معي حين قلت ربما مستيقظة؟ . . بضحكة أردفت . . الفتاة تحيطها الأجهزة من كل إتجاه! ربما تحتاج وقت طويل حتى تستيقظ
      سلطان تنهد : شكرا
      الممرضة : عفوا، إذا أحتجت شيء اخر تستطيع منادتي . . إسمي لاتيسا
      سلطان أدخل يديه بجيوب معطفه، أكتفى بإبتسامة ضيقة وخرج دون أن يلفظ كلمة اخرى، أخرج هاتفه ليتصل على محمد : أرسلي أي واحد يجلس عند رتيل
      محمد : إن شاء الله
      أغلقه سلطان لينظر لسماء باريس الماطرة، سار على الرصيف دون أن يحاول أن يوقف أي سيارة أجرة تنقله، أراد أن يعالج ضيق مزاجه في هذه الساعة بالهواء.
      أهتز هاتفه ليجيب على عمته الذي يبدو خبر سفره وصل لها : ألو
      حصة : السلام عليكم يا . . أبو بدر
      إبتسم سلطان : وعليكم السلام . . هذي نبرة الزعل؟
      حصة : وصلت؟
      سلطان : إيه قبل ساعتين تقريبا
      حصة : وطبعا لو ما عرفت من السواق ماكان وصلني خبر! يا كثر ما تضايقني يا سلطان بأفعالك!!
      سلطان : سفرة مفاجئة وكنت راح أتصل عليك
      حصة : صدقتك أنت أصلا ما تحط لي أي قيمة
      سلطان : كيف نقدر نرضيك يا أم العنود؟
      حصة بضيق : ما أبغاك تراضيني! تعودت، أتصلت عشان أتطمن إنك وصلت
      سلطان صمت لثوان طويلة حتى قطعها بكلمة تبدو نادرة أو ربما مستحيلة على مسامع حصة : اسف
      حصة ألتزمت السكينة لتغمض عينيها بمحاولة إستيعاب هذه الكلمة، بخفوت : وش قلت؟
      سلطان : قلت اسف
      حصة : صدمتني!
      سلطان بضحكة مبحوحة : كل شي عند أم العنود يختلف، هي بس تامر وأنا أنفذ
      حصة : يا عساك دايم كذا علي وعلى غيري . . . . نطقت كلمتها الأخيرة بتصريح مبطن تعني به الجوهرة.
      سلطان بهدوء : يمكن بكرا أنشغل ومقدر اتصل عليك ويمكن أطول، ما أبي ينشغل بالك بأي شي ولا توسوين لأني من الحين أقولك يمكن مقدر أرد على أي إتصال
      حصة بضيق عقدت حاجبيها : ليه؟ يعني بتنشغل طول اليوم؟ مستحيل!!!
      سلطان تنهد : أهم شي تعرفين إني ممكن مقدر أرد عليك
      حصة : طيب، بس طمني عاد مو تخليني على أعصابي! . . متى قررت ترجع؟
      سلطان : إلى الان ما أدري! لكن إن شاء الله ما أطول
      حصة : إن شاء الله ترجع لنا بالسلامة
      سلطان : حصة
      حصة : سم
      سلطان : أحفظيني بدعاءك
      حصة أنقبض قلبها من فكرة سيئة تطفو على سطحها : سلطان؟
      سلطان عقد حاجبيه من ضيق محاجره التي تقبض على ملحه حتى تدمعه : مو صاير شي! بس أشتقت أسمع منك الله يحفظك
      حصة : دايم في دعواتي يا سلطان ماتغيب ولا لحظة، الله يحفظك ويحميك من كل شر ومكروه
      سلطان همس : امين
      حصة : مو صاير شي صح؟ طمني
      سلطان تنهد : لا، بس سمعت خبر سيء وضايقني
      حصة : يتعلق بالشغل؟
      سلطان : لا بنت عبدالرحمن
      حصة : إيه؟ وش صاير لها؟
      سلطان : بالمستشفى! ولا أحد يدري
      حصة : يا بعد عمري والله! ربي يسلمها من كل شر، أنت شفتها؟ هم في باريس صح؟
      سلطان : إيه، تو طالع من المستشفى، تطمنت عليها وخليت عندها الحرس
      حصة التي تنتبه لنبرة سلطان المرتجفة بالحزن : لا تقولي إنك زعلان على بنته وبس؟ فيه شي ثاني وواضح إنك مخبي عني
      سلطان إبتسم للطريق الذي يرتجف هو الاخر بزخات المطر والثلج الباقي على رصيفه لم يذوب بعد : أعزها كثير
      حصة : تخبي علي! فيه شي ثاني قولي؟
      سلطان : والله العظيم اعزها وأغليها
      حصة : وش عرفك فيها؟ متى شفتها؟ . . . بنبرة حادة أردفت . . سلطان!!!
      سلطان بتنهيدة : أنا أفكر وين وأنت وين!
      حصة بسخرية : أبد خل الجوهرة تجي وتقولك والله هالرجال أعزه وأغليه بس لا تفهمني غلط
      سلطان بإنفعال : أقطع راسها
      حصة ضحكت بصخب : يارب أرحمني من هالتناقض اللي تعيشه يا عيني
      سلطان بهدوء أستسلم : رتيل ك
      حصة بحدة تقاطعه : يا خوفي تعرفها أكثر من بنت عمها!!
      سلطان : تبيني أقولك ولا أسكر؟
      حصة : قول
      سلطان سعل وأبعد الهاتف، أتى صوتها الحاني : صحة
      سلطان يكمل : كانت معذبة أبوها بتصرفاتها وبغت تنفصل عن الجامعة مرة وأنا اللي توسطت لها وأقنعت عبدالرحمن، من وقتها والبنت أعزها مثل أختي
      حصة : خواتك كثار وكلهم بالإسلام بعد ماشاء الله تبارك الرحمن الله يثبتك
      سلطان ضحك بضحكة مبحوحة سرقت قلب حصة الذي مهما يقسو تصيبه العودة لحنانه المعتاد : والله هذي السالفة، وهي زوجة عبدالعزيز ولد سلطان بالمناسبة، وأصلا بنات عبدالرحمن ماأرضى عليهم وأعزهم من غلا أبوهم لكن رتيل عشان كذا مرة أسمع عبدالرحمن يحكي عنها تكلمت معك كذا
      حصة : صدقتك
      سلطان : أصلا مجبورة تصدقيني، لأني ما قد كذبت عليك
      حصة : تعرف تحجر لي !
      سلطان : أهم شي تكونين راضية عني
      حصة صمتت قليلا حتى نطقت : راضية عنك مع إنك تضايقني كثير عليك
      سلطان : وش نسوي يا حصة؟ مافيه أحد بالعالم تكون قراراته صحيحة 100٪، مضطرين نغلط مثل ما إحنا مضطرين نتقبل هالغلط
      حصة : يعني تدري إنه قرار طلاق الجوهرة غلط؟
      سلطان ألتزم صمته وهو يقف حتى ينتظر الإشارة الخضراء للعبور، أردفت بصوتها الذي ينام على ضفافه حزن أم : تدري وش اللي فعلا يوجعني! إنك تدري إنه غلط ومكمل فيه! الله ياخذ هالكرامة وهالعزة إذا بتسوي فيك كذا
      سلطان تنحنح حتى يعيد صوته إتزانه بعد أن سلبه برد باريس وكساه البحة : لو أبي أرجعها قدرت بدون لا أهين نفسي، بس أنا ما أبي ولا هي تبي
      حصة : لا تتكلم عنها! لأنك ما تدري أصلا وش اللي تبيه ووش اللي ما تبيه
      سلطان : تأكدي من نفسك إذا ودك
      حصة بهمس : ليه يا سلطان؟ ليه تغلطون دام الله عطاكم القدرة إنكم تميزون الغلط من الصح
      سلطان : عشان نتعلم!
      حصة : وش تبي تتعلم عقب هالعمر؟
      سلطان بهدوء لا يعكس الوجع الذي يعصر محاجره بالملح : إننا ما عاد نركض ورى البدايات ونطير فيها عشان ما تصدمنا النهايات، ما ودي أقولك هالشي وأضايقك! بس أنا تعبت، أحس إني مخنوق من كل شي ومن كل جهة، ودي لو مرة أتمسك بشي وما يضيع مني، وهالمرة يا حصة ماهي راضية تجي، وإن جت أوجعت قلبي! قولي لي وش أسوي؟
      حصة تلألأت محاجرها بالدموع : ليه وصلت هالأمور بهالطريقة؟ فضفض لي لو مرة وخلني أقول إختياره وماراح يضره إن شاء الله، لا تخليني أتصور دائما إنك سلطانها وهي جوهرتك! أمحي هالفكرة من بالي عشان أرتاح
      سلطان : ما عندي جواب يا حصة
      حصة بضيق : لأنك ما تقدر تكذب علي وأنت مستحيل تصارحني بشي يخصك!!
      سلطان : أسألك سؤال؟
      حصة : وشو؟
      سلطان : لو فرضا لا سمح الله صار لي شي، وش الفكرة اللي بتاخذينها من حياتي؟ واللي مستحيل أصارحك فيها؟
      حصة إرتجفت شفتيها لتسقط دمعاتها الناعمة : ولدي اللي ما جبته تزوج ومقدرت أحضر زواجه وأفرح فيه، وما قالي سبب تسرعه بهالزواج! ولما فرحت عشانه عرف يختار ويقرر صح! قالي ما نقدر نكمل أنا وياها وإحنا أصلا ما نصلح لبعض، ولما حاولت أوقف ضد هالقرار عشاني أؤمن إنه البداية اللي ركضت وراها بهالسرعة أنت اللي أخترعت نهايتها يا سلطان! مو هي اللي جتك!! والنهاية ما صدمتك! انت اللي صدمت الجوهرة فيها!! أنت اللي ما عطيت الجوهرة قيمة وأنت عارف إنها حتى وهي متضايقة منك ما تسيء لك بكلمة! أنت عمرك شفت بنت لا عصبت تحرقك بنظراتها وتترك لسانها بدون لا تنطق أي كلمة؟ . . . عمرك ما راح تعرف قيمة الجوهرة يا سلطان! و مو بس ما تعرف قيمة الجوهرة! أنت ما تعرف قيمة اللي تقوله عيونك! كيف تقسى يا سلطان على نفسك وعليها؟ ما تفكر وش راح تخسر من بعدها؟ ماراح تخسر ترقية ولا راح تخسر مركز ووظيفة! راح تخسر قلبك اللي ما قدرته!!
      سلطان عقد حاجبيه دون أن يلفظ كلمة واحدة بعد حديثها الشفاف، بهدوء أردفت : ماراح أجبرك على شي ولا أقدر أصلا! أحاول أضغط عليك بس بالنهاية مقدر أسوي شي غير اللي تبيه، كنت أبيك تفرح وأشوفك و أنت تأذن بولدك، بس ما أظن إنك بتشوفها إن ربي سهل عليها وكتب لها ولادتها على خير، بتكون بالرياض وهي بالشرقية ويمكن حتى ما تكون فيه! شايف كيف أنت بعيد كل البعد حتى عن اللي يشيل دمك؟ . . أدري وش بتقول؟ بتقول تحاولين تأثرين علي بكلامك؟ لو أقدر أأثر عليك بكلامي كان تأثرت من زمان! بس كل مرة أقتنع أكثر إنك قاسي وتقسى على نفسك
      سلطان بلع مجمل الغصات التي تعبث بصوته : مضطر أسكر الحين
      حصة : سلطان
      سلطان : سمي
      حصة بصوت باكي أرجفت قلبه : تدري إني ما تكلمت عشان أضايقك بشي! تكلمت من حزني عليك
      سلطان : يا روحي، ما تضايقت ولا شي! سمعت منك هالكلام كثير وبسمعه أكثر وعارف إنه من غلاي في قلبك، مستحيل أتضايق منه!!
      حصة : ينفع أقولك شي أخير وبعدها ماراح أجيب سيرة الجوهرة قدامك! وبسكر هالموضوع؟
      سلطان بخفوت زادت بحته وهو يجلس على الكرسي الخشبي أمام حديقة متجمدة تماما : سمي
      حصة : أبيك تعرف إني أفكر عشان مستقبلك! ويهمني هالشي، أنا ماراح أبقى لك يا سلطان! وهالبيت بيفضى وبيجي وقت وراح تتقاعد من شغلك! مين راح يسليك؟ مين راح تشاركه فرحتك؟ ومين راح يشيل عنك حزنك؟ مين راح يفطر وياك؟ ومين راح تنام وأنت متطمن عليه؟ أخاف عليك من الوحدة اللي راح تجيك! مهما كابرت أنت ما تقدر تعيش بروحك يا سلطان! إيه صح قدرت بعد وفاة بدر وأمك! وقدرت بعد وفاة سعاد! وقدرت بعد وفاة أغلى شخص اللي هو بو عبدالعزيز! لكن كثرة هالمصايب ماهو يعني إنك تعودت! كثرتها يعني إنه إنهيارك عليها قرب! وأنا أخاف عليك من هالشي!!
      بعد أن فقدت قدرتها على تهذيب البكاء الذي يشطر صوتها وقلبها : بحفظ الرحمن . . . أغلقته دون أن تسمع صوته، لتضع الهاتف على الطاولة وتغطي ملامحها وتتجه إلى بكاء عميق عليه وعلى وجعه الذي تلمسه من صوته وإن أخفى ذلك وتراه من عينيه القاسية على روحها التي تحلم بفرحه.
      و هو؟ أدخل الهاتف إلى جيبه دون أن يقف أو يصدر حركة اخرى، نظر للرصيف الذي يخلو من المارة، وكل من يمر يتلاشى بغمضة عين، أخذ نفس عميق وهو يغمض عينيه حتى يعيد لقلبه الإتزان الذي فقده من كلمات عمته.
      من جملتها التي ترن في قلبه " عمرك شفت بنت لا عصبت تحرقك بنظراتها وتترك لسانها بدون لا تنطق أي كلمة ؟ " عاد عقله لمجموعة صور حبست في ذاكرته، صور عينيها في أكثر من موقف، للتو أدركت أن الجوهرة لم تعبر بكلماتها أبدا مهما حاولت أن تقسو في الفترة الأخيرة، الجوهرة كانت تستعمل عينيها دائما، في فرحها، حزنها، بكاءها، ضيقها، غضبها، مللها وخجلها.
      وقف ليبعد زلزلة صورها في ذاكرته لقلبه، أتى على باله تلك الليلة.
      " أقترب منها ليحاصرها بزاوية الغرفة، أدخل يديه في جيوب بنطاله العسكري : إيه سمعيني!
      رفعت عينيها إليه وبخفوت : وش سويت؟
      سلطان : نظراتك هذي خففي منها قدام عمتي! لأن واضح لها كل شي!! إذا في فمك حكي قوليه ماله داعي تطالعيني وكأني سارق صوتك!!
      الجوهرة إبتسمت بسخرية : ما أصدق إنك قاعد تحاسبني حتى على نظراتي! باقي شوي وتقولي وشو له تتنفسين؟
      سلطان أقترب أكثر ليلصق ساقها بساقه حتى يجعلها رغما عنها تحبس أنفاسها من قربه، تلألأت عينيها من طريقته في ذلها، ارتجف جفنها : ممكن تبعد؟ وصلت المعلومة وفهمتها زين "



      يتبع

      تعليق

      • *مزون شمر*
        عضو مؤسس
        • Nov 2006
        • 18994

        رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

        ،

        ينظر ناصر للشباك العالي الذي تتسلل منه منظر السماء الغائمة ويتسرب إلى سمعه صوت المطر، وقف ليسير بلا توقف وقلبه يهتف بالدعاء في وقت مستجاب كهذا، أول دعوة أتت في باله " اللهم أحفظها وأحفظهم "، لم يعد عبدالعزيز ولم يأت خبره، كنت أؤمن بأن الأخبار السيئة أحيانا تستعذب قلوبنا بفسحة الأمل حتى تلهب سمعنا بوصولها، قلبي يخبرني بأن عزيز بخير وخرج ولكن عقلي يناقض هذا الإحتمال، لو أعلم ما يحدث لكنت أعرف كيف أخمن بأمر صحيح!! متى ينتهي هذا الوجع؟ متى نغتسل من هذا الحزن بعذوبة الصلاة في الرياض؟ متى يالله نترك باريس خلف ظهرنا! يارب أرحمنا كما ترحم عبادك الصالحين.
        على بعد مسافات ليست بالطويلة، يقف رائد وهو يطرق الطاولة بقلمه : مفروض إنه سلطان واصل من 4 ساعات! واضح إنه ما يبي يجي!!! . .
        عبدالرحمن : ما توقعت إنه الحكي يهمك لهدرجة؟
        رائد رفع عينه : عفوا؟
        عبدالرحمن : حاجتك فعليا عندي لكن أنت ودك تبرد حرتك بالحكي مع سلطان لا أكثر!! صح ولا أنا غلطان ؟
        رائد بإبتسامة يسند ظهره على الطاولة : يعني كاشفني! طيب أنا ماعندي مشكلة بأني أقول ودي أستلذ شوي بمنظر سلطان وهو خايب!
        عبدالرحمن عقد حاجبيه : طيب ناصر وش موقعه؟ . . بحدة أردف . . لا تحاول تبتزنا فيه!!
        رائد يلحن بصوته الجملة : أبتزكم فييييييه!
        عبدالعزيز ببرود ضحك ليقف بعد أن طال جلوسه على الأريكة : سايكو! قسم بالله
        إلتفت عليه عبدالرحمن بإبتسامة لم يستطع أن يحبسها، همس : لا تستفزه!!
        رائد الذي سمع همس عبدالرحمن : لا خله يجرب يستفزني
        عبدالعزيز بإبتسامة يحك ذقنه ويلحن بمثل صوته : أوقات ياخذنا الحكي وننسى بالحكي أوقات وأوقات ياليت الكلام سكات يجرحنا الحكي . . .
        رائد رفع حاجبه : فاهم وش قصدك! سبحان الله الخبث فيك أنت وسلطان بن بدر واحد
        عبدالعزيز صخب بضحكته المستفزة ليردف : هذا وإحنا متعوذين منك
        رائد صمت قليلا يتأمل جملته التي يقصد بها أنه " الخبث " بعينه، أقترب بخطواته ناحيته، أدخل يده بجيبه : شايف كم واحد حولي؟ بإشارة مني تنتهي، حاول تحفظ نفسك!
        عبدالرحمن يقف أمامه : خل حكيك معي
        عبدالعزيز بسخرية أبتعد ليقف أمام النافذة وهو يعطيهم ظهره، نظر لأجواء باريس الغائمة وبدأت أفكاره تميل ناحية غادة نهاية برتيل، نظر للنافذة الأخرى لتسقط عيناه على قطعة صغيرة أدرك أنها / متفجرات.
        فهم تماما ما يريد أن يصل إليه رائد، تنهد وهو لا يملك القدرة على قول شيء، أعطى النافذة ظهره ليتكئ عليها وبدأت عيناه تتأمل الغرفة بتفحص شديد، سقطت عيناه على أكثر من قطعة متصلة ببعضها وصغيرة جدا، غاب عقله في هذا المنظر لحديث سلطان بن بدر.
        " طبعا حساسيتها تختلف، لكن بالأغلب إذا ماكان المجرم يبي يلفت الإنتباه أو يدمر المكان يستخدم المتفجرات اللي تعتمد على الغاز! يعني تنفجر وتطلق غاز فقط ونطاقها ماهو واسع! مجرد نطاق غرفة يمكن أو غرفتين بالمكان نفسه حتى ما توصل للدور كله، و المتفجرات اللي نطاقها واسع تكون متكونة من . . . . "
        بتر حديث سلطان الذي يغزو عقله وعيناه تتأمل القطعة الموضوعه في زاوية السقف، أخفض نظره ليرى التي بجانب النافذة.
        لو كانت متفجرات قوية يقصد منها التدمير لم يكن سيحتاج إلى أكثر من قطعة! هذا يعني أنها غازية لا أكثر، تنهد ليلتفت بحدة صوته : أترك ناصر يجي هنا
        رائد بإستفزاز : خايف عليه؟ لا تخاف ماراح تاكله الفيران تحت
        عبدالعزيز بإبتسامة جانبيه تخفي غضبه من وجود ناصر بالأسفل، خاف أن يختنق إن طبق رائد خطته الذي خمنها بعقله.
        رائد ينظر للساعة : في حال وصل اسلي و سلطان ماجاء ترحموا على ناصر . . . اممم نسيت شي ما قلته لكم
        عبدالرحمن تمتم : صبرنا يا رب
        رائد بإبتسامة : أمس أرسلت رجالي لفندق ري فالين
        تجمدت أقدام عبدالرحمن في وقت لم يفهم عبدالعزيز مقصده ولا علم لديه بأن عائلة عبدالرحمن بما فيهم غادة هناك.
        رائد ينظر لعيني عبدالرحمن المتوجسة : بس حبيت أحط عندكم علم
        عبدالرحمن بغضب لم يسيطر عليه : أقسم لك بالله لو يصير لبناتي أو زوجتي شيء! ماراح تترحم الا على نفسك
        عبدالعزيز إلتفت على عبدالرحمن : هم هناك؟ . . أختي معاهم؟
        رائد : أختك وزوجتك
        عبدالعزيز ضاعت أنظاره بينهما ليلفظ بضيق يلف حول حنجرته : و رجالك؟
        عبدالرحمن : موجودين . . بس أنا أنبهك يا رائد!!! أظن أننا إحنا قدامك نكفي ونزود، أبعد عن أهلي
        رائد : والله عاد على حسب أفعالكم! إذا عكرتوا مزاجي تحملوا بوقتها نتايجكم
        عبدالعزيز عقد حاجبيه ليركل الأريكة بقدمه : حسبي الله ونعم الوكيل



        ،

        يجلس بجانبه بعد أن دخل وأطمئنت عيناه برؤيته : يارب تسلمه من كل شر ويقوم لنا بالسلامة
        يوسف : امين
        إلتفت رافعا حاجبه : فيك شي؟ ملاحظ عليك من جيت وأنت يا سرحان يا تتنهد!!
        يوسف : وش بيكون فيني يعني؟ ضيقة وتروح
        منصور عقد حاجبيه : وهالضيقة وش مصدرها؟
        يوسف : لا تخليها تحقيق واللي يرحم لي والديك!!
        منصور بحدة : يوسف! جاوبني،
        يوسف صمت لثوان طويلة حتى لفظ : مهرة طلبت الطلاق
        منصور : ليه؟ سبب فيك؟
        يوسف بعصبية : فينا كلنا! تقول مقدر أحط عيني في عينكم ومن هالخرابيط
        منصور : يعني عرفت بموضوع أخوها؟
        يوسف : إيه أكيد أمها قالت لها لما وصلت لحايل
        منصور تنهد : روح لها وكلمها، بالتليفون ما تضبط هالمواضيع
        يوسف بضيق : تقول إنها مالها حق تكون زوجتي وأنه منصور ماله ذنب وإني ضايقت أهلك ومدري أيش! طلعت مليون سبب عشان نتطلق وما كلفت نفسها تطلع سبب واحد عشان نستمر
        منصور : أنسب شي إنك تروح لها وتفهمها، وش دخلها فينا! أهم شي إنك أنت وياها متفاهمين ومالها علاقة فيني أو في أمي وأبوي . . فهمها هالشي لأنه واضح إنها شايلة هم أخوها! هي وش دخلها في أخوها!!
        يوسف بإنفعال : وش يفهمها يا منصور! حتى أمها نفسها تضغط عليها والحين بيوصل الموضوع لخوالها وبيوقفون كلهم بوجهي! والمشكلة إنه هي واقفة معهم ضد نفسها!! قهرتني وهي تسكرها في وجهي من كل جهة، قلت لها إذا مستحية من أهلي ومتفشلة نطلع و نسكن بعيد عنهم، وماتشوفينهم الا بالمناسبات! قلت لها مالك علاقة بأهلي ولا بأي واحد فيهم! بس ما رضت
        منصور : أصلا كلنا نسينا كيف وضع الزواج في بدايته! وما أهتمينا لهالموضوع، وحتى أمي معتبرتها مثل نجلا وتغليها وأبوي بعد! ليه مصعبة الامور ومطلعتنا كأننا متمنين بعدها ونكرهها، إذا كرهنا أفعال أخوها ماهو معناته إننا كرهناها بعد!! وهذي أمها مدري كيف وضعها! عندها خلل في عقلها مو طبيعي! بالبداية حاولت تهين بنتها والحين تهينها بعد مرة ثانية!!
        يوسف يمسح على وجهه بكفيه الباردة وهو يثني ظهره قليلا : و عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، كنت متضايق في بداية زواجي و كرهت عمري اللي خلاني أتزوج بهالطريقة! بس كانت أحلى شي صار لي يا منصور، حسيت الدنيا مو شايلتني لما عرفت بحملها ولما سقطت ما حاولت أضايقها وأقولها وش كثر تضايقت وحسيت روحي تطلع من هالخبر! بس قلت قدامنا عمر! وهي أنهته، أختنقت من إني دايم أراعي هالناس ولا واحد فكر يراعيني!! وأمها ما فكرت أبد بأنه فيه بني ادم متزوج بنتها ماهو الة بتزوجها وقت ما تبي ويطلقها بأمر منها!!
        منصور أقترب منه ليضع يده على كتف أخيه : وش لك بالناس؟ أنا معك يا يوسف، إن ما شلت همك أشيل هم مين؟ بكرا نروح أنا وياك لحايل ونشرح لها
        يوسف بحدة دون أن يرفع عينيه : ماني رايح مكان! ماراح أركض وراها وهي ماحاولت حتى تلتفت!!
        منصور : لا تفكر بهالسلبية!! يمكن هي متضايقة أكثر منك! هذا بالنهاية أخوها مو واحد من الشارع، ومقهورة عليه ومنه، وعشان كذا تصرفت معك بهالصورة! بكرا نروح ونحل الموضوع وإن الله كتب ترجع معك
        يوسف أخذ نفس عميق ليرفع ظهره ويستند على الكرسي، إلتفت لأخيه : لو كنت مكاني ما رحت!! أنا ترجيتها يا منصور، كل فكرة جت في بالي إنها ترضيها قلتها لها وقالت مقدر! سكرتها بوجهي!!! وش باقي أسوي عشان أقنعها؟ أجيها عشان تقهرني أكثر هي وأمها! والله العالم إذا وصل الخبر لخوالها بعد


        ،

        تفتح عيناها على سقف أبيض لا تحدد تفاصيله إثر الضباب الذي يخيط نفسه في محاجرها، مالت برأسها قليلا ليؤذيها الكمام الموضوع على الجزء الأسفل من وجهها، أغمضت عيناها لتفتحها بعد ثوان قليلة حتى تستوعب الحالة التي وصلت إليها، رفعت يدها لتنظر إلى الأنبوب الضيق المغروز في وسطها، بحثت بنظراتها كثيرا عن ظل يشاركها السقف ولم تجد أحدا بجوارها، عادت للعتمة وهي تغمض عينيها مرة أخرى، لتسيل دمعة رقيقة من طرف عينها اليمنى، دخلت الممرضة لتلحظ هذه الدمعة، عادت للخلف حتى تنادي الدكتور المسؤول عن حالتها، مرت ثوان بسيطة حتى أتاها الدكتور، فتحت عينيها برجفة يرتعش بها قلبها، تريد أن تنادي أحدا تعرفه، أن ترى ملامحه بالقرب منها، هذه العتمة تدمع قلبي.
        وضع الدكتور يده على عينيها ليفحصها جيدا ويتأكد من وعيها التام، بالفرنسية تحدث معها ولم ترد عليه بشيء.
        الممرضة : ربما لا تتحدث الفرنسية.
        الدكتور عاد كلماته بالإنجليزية : ستلزمين الفراش لمدة ليست بالقصيرة، تحتاجين الجلوس لفترة حتى يلتئم جرحك، طوال هذه الفترة أنت ممنوعة من عدة أشياء سنخبرك بها لاحقا
        الممرضة نزعت الكمام الذي يساعدها على التنفس : تبدو جيدة أكثر مما هي عليه في الصباح
        الدكتور : هل تودين قول شيء؟
        رتيل نظرت إليه لتبلل شفتيها بلسانها ودمعها يصعد لمحاجرها، الدكتور ينظر للممرضة : أين الذي أتى في الصباح؟
        الممرضة : رحل! لا يوجود أحد هنا
        رتيل أخفضت نظرها من كلمات الممرضة، يستحيل أن تصدق أن لا أحد بجانبها دون سبب! تقشعر بدنها من فكرة أن أمرا سيئا حدث لوالدها أو لضيء و عبير.
        الدكتور : أهدئي! البكاء سيرهقك ونحن بحاجة إلى راحتك النفسية حتى تستعيدي قواك الجسدية
        كانت تبكي دون صوت، عيناها وحدها من تسقط الدمع تباعا.
        الحمدلله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، و في كل مرة أقع تحملني يالله بجناح رحمتك، وتذكرني بفضلك العظيم الذي لا أدري مالصواب إتجاهه! أو ربما أدري ولكنني أظل هذا الإتجاه، ليتني يالله أفهم أنني أعيش بعد تجاوز فرصة الموت لكي ينصلح حالي، و ليتني أيضا أفهم كيف أترك الأشياء لتعوضني عنها، صفة التملك الفظيعة التي تربط قلبي بأفعالي أحيانا تشعرني بأنني المخطئة، وليست أحيانا بل بالغالب هي التي تخطئني التقدير والتصرف، لو أنني أتخلص من هذه الصفة الحادة ربما تركت أشياء كثيرة أحبها وتغيرت، ولكنني يالله أشعر في كل مرة أنني أضعف من التغيير وأنني أسوأ من كل هذا ولا أستحق كل الفرص المتاحة لي، أنا أضيع! وهذا " يوجعني " !
        سألها عن الذي أتى في الصباح! من المستحيل أن يرضى أبي بتركي! لا يرضاها إلا شخص واحد، مهما ظننت بك حسنا يا عزيز تسيء إلي ظني، ماذا أفعل؟ أنا لا أقدر والله على أن لا أرى أحدا من عائلتي! لا أستطيع أن أتنفس بصورة منتظمة بغياب أحدهم، أنا لو مت لن أموت من وجعي و مرضي، سأموت من حبي وحزني عليه، حبي الذي لا يرتبط بشخص واحد، هو رباط أزلي تترتب عليه أغلب جوانبي النفسية، أولها أبي الرجل الذي أحمل قلبه في نهاية إسمي، واخره الرجل الذي يحمل قلبي معه، يالله! لو أنني لا أبكي نفسي.
        أغمضت عيناها طويلا لتستذكر المشهد الأخير، طال الإستذكار الذي يحيط عقلها، ليختلط عرق جبينها بدمعها، غرزت أصابعها على مفرش السرير وهي تشعر بأن حجرا يحط على صدرها، شهقت بقوة من الدماء التي تراها، حركت رأسها كثيرا حتى تبعد الذكرى من أمامها ولم تقدر! عجزت عن طي المشهد أسفل قدم النسيان، تحركت كثيرا حتى بدأ صوت الجهاز الذي بجانبها يتصاعد بتصاعد أنفاسها المضطربة، دخلت الممرضة سريعا لتقترب من الجهاز المساعد في التنفس وتعيده إليها، نظرت إلى أصابعها التي تغرزها في السرير لتدرك أنها تغيب عن الوعي، همست بصوت حاني : لا أحد هنا يمكنه أن يؤذيك، رتيل؟ . . . وضعت يدها البيضاء فوق كف رتيل لتضغط عليها بلطف : أهدئي، ستضرين نفسك بالتوتر!! وهذا لا يساعدك على الشفاء سريعا
        لم تفتح عيناها بعد، أرتخت أصابعها من على المفرش، شعرت بالمنديل الذي يمسح وجهها قبل أن تدخل في نوم عميق.


        تعليق

        • *مزون شمر*
          عضو مؤسس
          • Nov 2006
          • 18994

          رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

          ،


          طلت على والدته التي تعتكف على سجادتها، تأملتها لدقائق طويلة دون أن تزعزع سكينتها، خرجت لتتجه ناحية غرفتها، بدأت عيناها تدقق النظر في كل قطعة تعلم أن " فيصل " راها، اقتربت بخطى مبعثرة ناحية مكتبه، هذه الخطى التي تحملها وتحمل فوقها دمع لا يجف، أتكأت بيدها على الطاولة لتمسك بيدها الاخرى قلمه، وضعته بمكانه لتجلس على كرسيه، وضعت جبينها على الطاولة لتنجرف بسيل من الدمع.
          يالله يا فيصل! كيف تحبس روحي معك في فترة قصيرة مثل هذه! لن أقول " أحبك " بكل ما تحمل الكلمة من معنى و صفة، ولكنني " أحبك " بمعنى أنني أريدك بجانبي وبصفة أنني زوجتك، لم يرتاح قلب أمك دقيقة واحدة منذ أن عرفت بأمر مرضك، إنها تعاني وتمضغ كل " اه " بملامح ساكنة لا تجرؤ أن تنهار وبين يديها " ريف "، و ريف أيضا! تبكيك بطريقتها، هي لا تعرف معنى أن ترحل! ولكنها تنظر إلي بشفقة، وكأنها تعلم بأمرك.
          رفعت عينيها لتنظر إلى الكتب المصففة بترتيب وتنسيق تام، أخذت إحدى الكتب لتفتح الصفحة الأولى، قرأت بخط يده " قرأته1/10/2012، إلى الذين ما زالوا يمارسون الحياة بفقدهم " أغلقته لتقف وتفتح الكتب الأخرى برجفة يديها " كيف السبيل إلى وصالك يا أبي، دلني؟ " فتحت الاخر " أأشتاقك؟ ".
          أدركت تماما أنه يكتب بعد إنتهاءه من القراءة سطرا على صفحة كل كتاب، بخطوات مرتبكة نزلت لتتجه ناحية الغرفة التي أذهلتها أول مرة بتصميمها، اقتربت من الكتب وببعثرة كانت بعض الكتب تسقط من يدها، بدأت تقرأ الكلمات التي تذيبها دمعة تسقط من عينيها على الورق.
          " جربت أنواعا عديدة من الحب، كان أولها أبي و اخرها ريف، ولكن لم أحب بعد أنثى تحبس العالم في عينيها وأسافر إليها بصوتها، أريد ان أجرب كيف يحمر قلبي بقربها قبل أن أموت "
          " أخطأت كثيرا . . . . . . "
          " و اكثر المسميات حبا لقلبي : رائحة الجنة، هذه الجنة التي أراها في عيني أمي كل صباح "
          " كيف أتوب دون أن أؤذي أحدا بمعصيتي ؟ "
          " ت ع ب ا ن "
          جلست على الأرض لتفتح الكتب بأكملها وتقرأ الصفحات الأولى سطرا سطرا وأغلبها كانت كلمتين لا أكثر.
          " أحيانا يأت القدر بصورة موجعة ولكننا نتقبله لأننا نعي تماما من يحكمنا! الذي يحكمنا / العزيز الرحيم "
          " كيف أخبره؟ أنني موجوع اكثر منه، اليوم فهمت تماما فداحة خطأي وأنا أخبر رجلا أن زوجته لم تمت "
          " قلة الحيلة هي أكثر الأشياء وجعا "
          " أخبرته! "
          " سيأت شخص اخر يعرفني عن قرب، وسيفهم تماما أنه مخدوع فيني "
          " لم يكن أمر وفاتك يا أبي عاديا، أمر وفاتك بحد ذاته جعلني سيء أكثر مما أظن "

          وقفت هيفاء والكتب مبعثرة على الأرض، غصت بالوجع الذي تقرأه بكل كلمة يكتبها، لم كان يكتب على صفحات الكتب المخصصة للإهداءات دائما والمخصصة أيضا للكلمات الجميلة، لم جعلها مساحة للتعبير عن حزنه! هل فعلها كي لا يقرأها أحد؟ ولكن كيف وهو جعلني ادخلها متى ما شئت! ما الخطأ الذي أوجعه بهذه الصورة؟ ومن الرجل الذي أخبره عن حياة زوجته؟ اقتربت من الطاولة الأخرى لتسحب الرف السفلي، نظرت للأوراق التي لم يجذبها بها شيء، أغلقته بحدة لتصعد مرة اخرى نحو الغرفة، بدأت بالبحث في كل جهة عن شيء تجهله، أرادت أن تفهم فقط ما سر كلماته التي قرأتها، نظرت لملف شفاف يحتوي عدة اوراق بجانب الخزينة، جلست على ركبتيها لتفتحها، قرأت الورقة الأولى ولم تفهم شيئا سوى " السيد فيصل عبدالله القايد " تركتها لتقرأ الأخرى وعينيها تثبت عند " عبدالمجيد بن سطام "، عادت ذاكرتها بعد دقائق طويلة من التأمل لحوار ضيق تتذكر تفاصيله.
          " منصور : هيفا مو وقتك أبد!!
          هيفاء : يخي بس وصلني للمشغل ومن هناك انا أرجع مع صديقتي
          يوسف إلتفت لوالده : و بو سطام عبدالمجيد وينه فيه الحين ؟
          والده : حصلت له مشكلة في القلب وأضطر يتقاعد ويتعالج في باريس الحين
          هيفاء بحلطمة : ياربي! في كل مكان لازم تسولفون عن نفس السالفة! تعبت وأنا أسمعها! الله يرحمهم بس عاد مو كذا
          والده تنهد : يوسف بالله روح ودها لا ترفع ضغطي
          يوسف رفع عينه إليها : عناد فيك ماني موديك ولا راح تروحين مع أحد ماهو لازم!
          هيفاء ضربت قدمها على الأرض : أستغفر الله بس!!! مدري على أيش أنتم أخواني!
          منصور دون أن يلتفت إليها : والحين عبدالمجيد بروحه هناك! يعني أهله ماهم فيه ؟ "

          عادت للإسم مرة اخرى، وهي تعيد الأوراق إلى مكانها، خرجت لتنظر إلى والدته أمامها، أم فيصل عقدت حاجبيها على رجفتها غير الطبيعية : هيفا؟
          هيفاء بلعت ريقها لتقترب منها : خالتي بسألك سؤال، وأدري إنه مو وقته بس ..
          أم فيصل بإبتسامة : أسألي باللي تبين، وش فيه مشغول بالك؟
          هيفاء : فيصل كان موجود بالرياض قبل سنة؟
          أم فيصل : لا، كان في باريس يشتغل عشان يوسع أعماله اللي بالرياض
          هيفاء نظرت إلى عيني والدته : عن إذنك خالتي بنام ساعتين من أمس ما نمت
          أم فيصل : بحفظ الرحمن وأنتبهي على نفسك ولا تحملينها فوق طاقتها
          هيفاء : إن شاء الله . . . صعدت للأعلى وبمجرد أن أعطت والدته ظهرها حتى أنهارت عيناها بالبكاء ويرن في عقلها الذي قرأته قبل قليل، كتب في الصفحة الأولى من كتاب " حديقة الغروب " ( كيف أنسى أنني قتلتهم أحياء ؟ )
          دخلت الغرفة لتغلق الباب، لم تستطع السير أكثر، سقطت على ركبتيها وهي تحيط رأسها بيديها.
          يارب لا تجعل له يدا بما حدث العام الماضي في باريس، يارب لا تجعل له يدا بما حدث.
          هل كان خطأؤه يتعلق بأمرهم؟ من الرجل الذي أغتال زوجته وهي حية؟ يارب أرجوك لا أريد أن أنصدم بما يحدث، أخرجت هاتفها من جيبها لتتصل على والدها، ثوان قليلة حتى أتى صوته المتعب : ألو
          هيفاء بنبرة باكية : يبه
          والدها : لبيه يا عيون أبوك
          هيفاء : مين عبدالمجيد ؟
          والدها بدهشة : وشو؟
          هيفاء : مين عبدالمجيد ؟ وش علاقته بفيصل ؟
          والدها : بسم الله عليك وش صاير لك؟ ماني فاهم ولا شي
          هيفاء : العام اللي فات كنت أنت ومنصور ويوسف تحكون فيه! مين هو ؟
          والدها : هيفا! وش سمعتي عشان تسألين عنه؟
          هيفاء ببكاء : ما سمعت شي! أبي أعرف مين عبدالمجيد هذا ؟
          والدها : زميل لنا بالشغل
          هيفاء برجاء : يبه تكفى! تكفى لا تكذب علي
          والدها : أول شي أهدي وفهميني، ليه كل هالبكي؟
          هيفاء : راسي بينفجر من الأفكار اللي تجيني، فيصل يقول أنه غلط وماهو قادر يصحح غلطه ويقول إنه وفاة أبوه أثرت فيه و أنه خبى عن شخص أنه زوجته حية وأنه ماهو قادر يسامح حاله و أنه ذبح أشخاص كثييير .. وتو سألت خالتي تقولي إنه كان في باريس ذيك الفترة! يبه تكفى قولي بس وش علاقة فيصل فيه؟
          والدها بدهشة حقيقة جعلته يصمت.
          هيفاء بصوت يتعالى بالبكاء : يعني صح؟ اللي عرفته صح؟ فيصل له يد باللي صار لعايلة سلطان العيد !!! قولي يبهه صح
          والدها : لو شاك بفيصل 1٪ ما زوجتك إياه! يبه أنت فاهمة غلط
          هيفاء : لا ماني فاهمة غلط، أنا قريت كل شي! عشان كذا جو بيتنا وأعتدوا عليه . . بس مين ؟ إذا العايلة نفسها ماتوا!
          والدها تنهد : هيفا حبيبتي فيه أشياء كثير ما تكون واضحة قدامك وهالشي يخليك تخمنين بأشياء كثيرة ممكن توجعك وهي غلط!!
          هيفاء بتوسل يهز غصن أبيها : أبي أشوفه طيب! ليه تمنعونا نروح له!! بموت يا يبه من التفكيير والله بموت
          والدها : هيفا . . أترجاك! أهدي
          هيفاء : تكفى يبه، تكفى بس بشوفه . .
          والدها بضيق : طيب، الحين أمرك بس لا تقولين لأمه عشان ما تتضايق
          هيفاء مسحت بكفها دموعها : إن شاء الله . .

          يتبع

          تعليق

          • *مزون شمر*
            عضو مؤسس
            • Nov 2006
            • 18994

            رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

            ،

            باريس قبل الجليد و الحزن والبكاء، يجلس بمقابله.
            فارس : وش قررت؟
            عبدالعزيز نظر إلى عينيه التي لا تشي بأمر حسن ولا سيء : وش يضمني يا فارس؟
            فارس : أنت عارف إني قادر بسهولة أقول لأبوي وش تخططون من وراه! كل هذا ما يخليك تثق فيني؟
            عبدالعزيز تنهد : مهما تصرف أبوك مستحيل توقف ضده
            فارس : صحيح، مستحيل أوقف ضده لكن ممكن أوقف مع غيره وهذا ما يعني إني ضده
            عبدالعزيز : وإن حصل شي لعبير من أبوك؟
            فارس : مثل ما حفظت سرك عنده بحفظها
            عبدالعزيز فهم تهديده المبطن : يعني؟
            فارس : حاليا أنا أكثر تمسك بعبير، وماراح أرضى إنها تروح لغيري
            عبدالعزيز إبتسم : تهددني؟
            فارس : ما أهددك! لكن مثل ما تبي مصلحتك أنا أبي مصلحتي
            عبدالعزيز : يعني أفهم من كلامك إنه مطلوب مني أروح وأقنع بوسعود بمشعل اللي هو أنت !! وبتتوقع إنه راح يصدق ويبارك لك!! مستحيل أنا أعرف بو سعود إذا ما سوا لك بحث شامل عن أصولك ما يرتاح
            فارس : وأنا ليه أبيك؟
            عبدالعزيز ضحك بسخرية : تبيني أبين له إنه ما على عبير خوف معاك!! مجنون؟
            فارس تنهد بحدة : عبدالعزيز!!
            عبدالعزيز : هذا زواج ماهو لعبة!
            فارس : على أساس إنك تزوجت بصورة طبيعية؟
            عبدالعزيز رفع حاجبه : عفوا؟
            فارس : قدام أبوي قلت إنك متزوج وحطيت بوسعود أمام الأمر الواقع! صح كلامي ولا معلوماتي خطأ؟
            عبدالعزيز نظر إليه بجمود : أنا غير وأنت غير!!
            فارس : تزوجت وأنت ما تعرف أي وحدة فيهم لكن سألت نفسك ليه أبوها ما أختار عبير رغم أنها الأنسب في ظروفك ؟
            عبدالعزيز : لا يكون هذي من تخاريف أبوك اللي مصدرها لك
            فارس : أبوي ماعنده خبر!! أنا اللي أتصلت، وبعلاقاتي قدرت أهددهم لو تزوجت عبير ماراح يحصلهم خير!! و هالكلام وصل لمقرن وبعدها وصل لبوسعود، وأنجبروا يختارون الثانية
            عبدالعزيز بإبتسامة باردة : هذا الخبر ما كان يدري فيه . .
            يقاطعه : أبوي وأنت و بوسعود و مقرن و سلطان، كيف تسرب لي؟ هذا اللي تبي توصله . . قلت لك من قبل أعرف أكثر من اللي تعرفونه ولو أبي أهددكم قدرت من زمان لكن هالشي راجع لعقلي اللي ما يفكر يضركم بشي
            عبدالعزيز صمت لثوان طويلة حتى نطق : وش اللي تعرفه؟
            فارس : أبوي مو غبي! حط هالشي في بالك! إذا ما كشفك اليوم، بيكشفك بوقت ثاني وراح يمثل عليك ويمثل على غيرك، أنا أكثر شخص أعرف أبوي وطريقته، سبق وسواها بأبوك و بومنصور، على اخر لحظة قلب كل شغلهم وكشف معرفته بكل الأمور في الوقت اللي كانوا يحسبون فيه إنه محد داري!!!
            عبدالعزيز عقد حاجبيه : ليه تقولي هالحكي؟ ما تخاف أروح لهم وأقولهم ونغير كل خططنا!!
            فارس بهدوء مهيب : واثق فيك
            عبدالعزيز : فارس . . .
            فارس : أنا فاهم وش تفكر فيه وحاس فيك، إذا أنت تحس إنك منت مناسب لهالشغل أنا أحس كل يوم إني في بيئة ما تناسبني!! لا تتوقع ولا في لحظة إني بغدر فيك، عبدالعزيز بقولك شي وما أظن راح أتجرأ أقوله لأحد غيرك
            عبدالعزيز رفع عينه إليه، كانت عينا فارس شرسة بالشفافية والوضوح الذي بدا يغزوها، بلع ريقه : وشو؟
            فارس : أنا مراقب بيت بوسعود من قبل لا تجي الرياض، وأعرف كل شي يصير فيه، لأن السواق اللي عنده كان يشتغل عندنا من زمان و الشغالة نفسها كانت توصل للسواق الأخبار وهو يوصلها لي، و لما حصل أمر زواجك تسمع على بوسعود ومقرن وكانوا يخططون على عبير، وقالوا أنه ردة فعلها بالمستقبل ماراح تكون إنفعالية مثل . . أختها الصغيرة، و لما كلمت اللي أتعامل معه واللي يربطني بأبوي قالي عن الموقف اللي حصل وإنك تكلمت وقلت إنك متزوج بنته . . . وطبعا كل هذا أقوله لك بدون فخر
            عبدالعزيز بدهشة : وكل هذا عشان أيش؟ كيف عرفتها؟ وشلون عرفتها أصلا؟ أنا من جيتهم طلعاتهم تنعد على الأصابع بالشهر الواحد، كان مشدد عليهم بوسعود كثير!!! كيف . .
            فارس : هذي سالفة طويلة
            عبدالعزيز : لا تفكر تقوله لأحد غيري لأن فعلا فيه قلة رجولة! كيف تسمح لنفسك إنك تراقب بنت؟
            فارس بضيق : ما راقبتها بعيوني! اللهم أخبارها هي اللي كانت توصلي
            عبدالعزيز : ووش السالفة الطويلة؟
            فارس : أبوي كان يبي مزرعة بوسعود وأستغلني لأني مبتعد عن الأجواء ومحد يعرفني، وكلمت صديق لي إسمه عبدالمحسن اللي كان يعرف أحد معارف بوسعود و بعزيمة أجتمعوا كلهم وضبطوا وضع المزرعة إننا نأجرها منه لكن بوسعود رفض وقال إنها حلالنا نجلس فيها متى مانبي ولما جيتها أول يوم كانت أغلب الغرف مقفلة لكن فيه غرفة لقينا مفتاحها بالوقت اللي راح عبدالمحسن فيه، ومن فضولي فتحتها وكانت غرفة عبير
            عبدالعزيز بغضب تتسارع كلماته : وش لقيت فيها؟ كيف عرفت إنها عبير؟ يعني شفتها؟
            دون أن يضع عينه بعيني عزيز : لقيت صورها موجودة
            عبدالعزيز بسخرية غاضبة : وطبعا مشيت على مبدأ شفتها وخذت قلبي
            فارس تنهد بضيق : لا طبعا! بس لأني محبوس وزين أطالع السما قامت تشغل عقلي وقررت أبحث عن رقمها وأشغل وقتي فيها، يعني كانت مجرد تسلية
            عبدالعزيز بحدة أعتلت نبرته بشتيمة قاسية في وجه فارس.
            فارس نظر إليه بغضب : ممكن تخليني أكمل قبل لا تحكم علي؟
            عبدالعزيز : لا تتوقع إنه عقب حكيك بأقتنع وأقول والله كفو راح أقنع بوسعود فيك وأنت تراقب بنته من سنة وأكثر!!
            فارس : حبيتها يا عزيز، بس تدري وش عقابي من هالحب؟ عمرها ماحاولت تعطيني فرصة كانت دايم تبتر الطرق اللي توصلني لها!! كان إيمانها أقوى من إني أزعزعه بأي فعل!!
            عبدالعزيز: الأساس غلط وزواجك منها الحين غلط وكل شي مبني على غلط لا تفكر تصححه
            فارس : هالكلام بدل ماتقوله لي قوله لنفسك ولا أنا غلطان؟
            عبدالعزيز : قلت لك لا تقارني فيك!! زواجي وإن كان ممتلي أغلاط لكن هي عندها علم فيني وبإسمي أما أنت تبي تخدعهم كلهم! إلى متى؟
            فارس : أنا عارف والله العظيم إنه محد يرضى على بنته بهالشي! وأنت اللي ما تقرب لك عبير بشي عصبت!! لكن هذا شي حصل مقدر أكذب وأقولك بمثالية إنه أموري تمام وأنا خالي من العيوب، أنا غلطت وأعترف لك إني غلطت عشان أكون واضح قدامك بدل ما أكون واضح قدام عبدالرحمن و تخرب كل أشغالكم المتعلقة بأبوي
            عبدالعزيز يبلل ريقه بمياه باردة، نظر إليه بحدة : كلنا نغلط! لكن غلطك يجلط القلب
            فارس إبتسم : والنتيجة؟
            عبدالعزيز : النتيجة الله يسلمك تبطل مراقبة بيت بوسعود!! وأهله
            فارس بضحكة : وبعدها؟
            عبدالعزيز تنهد : الله لا يبارك في العدو . . طيب
            فارس صخبت ضحكته ليلفظ : الثقة ماهي شي إرادي تذكر هالشي، وأنا داري ومتأكد إنك واثق فيني لكن ما يساعدك صوتك بالإعتراف
            عبدالعزيز إبتسم رغما عنه : بس والله لو حصل شي غير اللي اتفقنا عليه بوقف بوجه هالزواج وماراح تشم ريحته

            عاد لوجه رائد ولعينيه، كانت كلمات فارس منبهة منذ ذلك اليوم ولكن نحن الذين طمعنا بإستغفاله حتى صدمنا، إلتفت لإتجاه صوت رائد الساخر/الشامت : تأخرت يا بوبدر؟ هذا وأنت دقيق في مواعيدك
            تأمل الوضع وهو يبحث بعينيه عن الفرد المفقود " ناصر "، نزلت أيادي رجاله الذين يفتشونه لأقدامه، سلطان تجاوزهم وهو يخطو على يد إحدى الرجال بتعمد : عفوا
            رائد وضع قدما على قدم فوق الطاولة ببرود : إتفاقنا ماشي ولا ناوي تخربه عشان أخربه معك
            سلطان تنحنح حتى لفظ : وين ناصر؟
            رائد بإبتسامة مستفزة : بح!!
            سلطان ببرود يجلس بجانب بوسعود : إذا تبي تتعامل بهالأسلوب أبشرك عندي أسلوب همجي يليق فيك
            رائد : طيب خلنا نحط عبدالعزيز بالصورة، مين ورى حادث سلطان العيد يا بو بدر؟
            عبدالعزيز أطلق ضحكة قصيرة من جوف قهره ليقف وهو يقترب من النافذة ويضع يديه بجيوبه
            عبدالرحمن : أظن إنه ماهو موضوعنا! والحين جاء وقت يطلع ناصر
            رائد بهدوء : مين اللي قال نبي عبدالعزيز لأن ما وراه أهل!!
            سلطان : تحاول تستفزني وتستفزه عشان تشتتنا؟ هذا الأسلوب قديم! ولا عاد يمشي معنا
            رائد : لو قلنا سلطان العيد و قضاء وقدر وما كان بإيدكم حيلة، وينكم عن مقرن؟
            سلطان بغضب وقف : أقسم لك بالله إنه ما يوقف بوجهي شي لو حاولت . .
            يقاطعه رائد بذات الحدة : لو حاولت أيش؟ خايف من عبدالعزيز؟ خايف إنه يعرف!
            إلتفت عبدالعزيز ليوجه حديثه إلى رائد : لا تخاف! ما أعتبرهم شيء عشان أنصدم منهم، لو كنت لهم شيء ذيك الساعة كانوا علموني بدون لا تمهد لهم وتحاول تستفزهم!!
            عبدالرحمن : كل شي كان مفروض تعرفه عرفته عدا ذلك لا هو بمصلحتنا ولا مصلحتك
            رائد : طبعا ماهو من مصلحتكم بقاء عبدالعزيز في باريس عشان أخته
            سلطان : واضح إنه أخبارك قديمة، عالج الموظفين المشتركين مع سليمان وذيك الساعة تعال قولنا وش صار بالحادث؟ لأنك مخدوع بقوتك!
            رائد بإبتسامة : هل عندك علم يا عبدالعزيز إنه ابوك كان عايش بعد الحادث لأسبوع؟ وبعدها توفى؟
            عبدالرحمن بحدة : رائد!!!
            عبدالعزيز بلع ريقه بصعوبة، نظر إليهم بضياع تام، أقسى من عيناه هذه اللحظة لم توجد ولن توجد.
            أسبوع! هذه السبعة أيام كانت كافية لشفاء قلبي، ربما سمعت صوته للمرة الأخيرة وربما قرأ علي ختام حياته، ولكنني لم أعرف؟ لأن هناك من ينصب نفسه مسؤول عن قلبك ويلغي منه الحياة لأن يريد ذلك دون أن يلتفت للدم الذي يربطنا معا، لم أفعل أي شيء حتى أستحق كل هذا! حتى وأنا أعصي القوانين وإتفاقاتنا و أودع الحزن في صدوركم كنت أتراجع، تراجعت كثيرا! في المرة الأولى مع رتيل عندما أردت أن أذيقها عذابا لا ينتهي دون أن تدري أنها زوجتي، وتراجعت في المرة الثانية عندما حاولت أن أفضح أمركم أمام رائد، وتراجعت في المرة الثالثة عندما أدركت أن هناك أمرا خفيا وواصلت العمل دون أن ألتفت لهذه الفرضيات، وماذا قابلتوني عن هذا التمسك أو التراجع؟
            سلطان إلتفت بكامل جسده ناحية عبدالعزيز : عبدالعزيز !
            رائد : قولوا له إذا كان عنده علم بعبدالمجيد!

            تعليق

            • *مزون شمر*
              عضو مؤسس
              • Nov 2006
              • 18994

              رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

              عقد حاجبيه وهو لا يعكس القهر على ملامحه وإنما عيناه / فضيحة : ماني قايل ( ليه ) اللي بح فيها صوتي بقول سامح الله أبوي اللي ما خلى كلمة حلوة ما قالها بحقكم وأنتم منتم كفو
              عبدالرحمن أقترب منه ليبتعد عبدالعزيز بحدة تصلب ظهره : لا تفكر ولا للحظة إنك تبرر لي! تدري وش المصيبة؟ إنه عدوكم يدري عن أخباري وأنا صاحب الشأن اخر من يعلم! والنعم والله بالمعزة اللي في قلوبكم لي
              سلطان : وش راح يفيدك إنك تعرف عن أبوك في وقت متأخر؟ غير الحزن والتعب؟ إحنا بعد ما عرفنا الا متأخر
              عبدالعزيز بإبتسامة : أبد ما يفيدني بشي! لا تقولي عن أختي ولا تقولي عن أبوي! أصلا وش بيصير؟ عادي أختي تعيش سنة كاملة بعيدة عني ولا أدري وش صار لها ووش ما صار لها وعادي جدا إني أسمع إنه أبوي نجا من الحادث! كل شي عندك عادي يا سلطان . . . بغضب أعتلى صوته حتى رجع صداه أقوى . . بذمتك ترضى يصير فيك كذا؟ ترضى تتشرد أختك ولا أمك ولا أي زفت من أهلك؟ أنت اخر شخص تتكلم بهالشي لأن عمرك ماراح تعامل الناس مثل ما تعامل نفسك! عندك أنت ومصلحتك الأولوية بعدين إحنا! نموت نمرض ناكل تراب عادي بس أنت ماشي شغلك وإدارتك ماشية خلاص الحياة حلوة حتى لو هي على حسابنا وتمشي فوق أوجاعتنا . .
              سلطان بهدوء : ماهو كل شي بإيدنا!
              عبدالعزيز بغضب كبير يتقطع صوته بالبحة : لو هالشي يعنيك كل شي صار بإيدك! بس لأن الشي يعنيني عادي تقول في نفسك، وش يهمنا؟ خله أهم شي رائد مخدوع إلى الان وأمورنا ماشية!
              سلطان : طبعا لا، لأن لو مقرن حي كان شهد قدامك إنه وصلنا خبر غادة بعد أكثر من شهر من وفاتهم وما كنا ندري عن كل اللي صار بعد الحادث لين جانا فيصل
              عبدالرحمن : جانا مقرن وقالنا إنه ماعندك علم بغادة بعد ما أكتشفنا أمر حياتها، اما مسألة أبوك ما عرفناها الا باليومين اللي فاتوا، ووقتها قررنا إنه يبقى ما عندك علم! وغادة كانت فاقدة الذاكرة و مقرن خضع لتهديد فيصل له بالبداية و وكل المهمة لأمل اللي تصرفت كأنها أمها معها و إحنا من جهتنا وكلنا سعد يكون معاها، وبعد فترة طويلة أكتشفنا إنه مقرن كان مهدد من فيصل اللي تعامل مع سليمان وخبى عنا أمر أمل و الأحداث اللي صارت لغادة، وبعدها تدخل عبدالمجيد وحل مشكلة فيصل وأبعده عن سليمان
              سلطان : لا تفكر إننا خبينا عنك وإحنا دارين أدق التفاصيل، كانت فيه أشياء تصير بدون علمنا وأكبر مثال مقرن لما تصرف مع أمل بدون لا يقولنا،
              رائد يصفق بضحكة شامتة : برافو برافو! مشهد تمثيلي رائع، مين اللي ماكان عنده علم بأمل يا سلطان؟
              سلطان دون أن يلتفت إليه : أنت ما عندك علم بولدك ووش كان يتصرف من وراك بيصير عندك علم وش يصير عندنا؟
              رائد أشتد قهره : بس ولدي لما بغيته قدرت أخدعكم فيه لولا أمر بسيط حصل خلاني أحوسكم، أذكرك يا بوسعود بمشعل؟ كان قريب من الزواج على بنتك! وكان بسهولة بتمشي عليك الكذبة طبعا هذي بمساعدات عبدالعزيز، ولا يا ولد سلطان؟ مو كنت تبي تقنع بوسعود بمشعل؟ . . هههههههههههه أمركم يا جماعة الخير مصخرة!!
              عبدالرحمن نظر لعبدالعزيز بدهشة، وهذه فرصته للإستفزاز : ماراح أبرر لك أي شي! لا تقولي ليه تصرفت كذا! تصرفته بمزاجي،
              عبدالرحمن بهدوء ملامحه : ما راح أطلب منك تبرر لي
              عبدالعزيز بغضب : يكون أفضل!!
              رائد : ننشر الغسيل ولا كافي؟
              سلطان مسح على وجهه بتعب نفسي من الضغط الذي يواجهه هذه اللحظة، يردف : طبعا أكمل عنكم المسرحية لعبدالعزيز، تدخلوا الأبطال وقالوا ما يبي لها حل واحد، أكيد سلطان العيد خدعنا وأكيد سلطان العيد غدر فينا ولا كيف يشتغل من ورانا؟
              بنبرة طفولية يستفزهم : شفت وش قالوا عن البابا يا عبدالعزيز؟
              عبدالعزيز تصاعدت الإضطرابات في قلبه دون أن يلفظ كلمة واحدة حتى لا يخرج عن نطاق سيطرته بنفسه.
              عبدالرحمن : والله برافو عليك! نلت اللي تبيه ونسيت مصلحتك اللي عندنا
              رائد بضحكة طويلة : مصلحتي؟ أظن يا بوسعود بتوصلك الأخبار الحلوة بعد شوي
              سلطان : طلع الحين ناصر وبعدها نتفاهم صح
              رائد يجلس على الأريكة العريضة : أنا مستمتع بالفضايح اللي تقولونها لعبدالعزيز، سمعوني بعد . . كيف عبدالمجيد أشتغل بدونكم؟
              سلطان : مثل ما أشتغل سليمان معاك برجاله
              رائد صمت قليلا إثر الرد المفحم منه، أردف سلطان : ومثل ما لف فارس من وراك بعد
              رائد : ولدي إبعد عنه، عرفت اخذ حقه وبسهولة! والحين باخذ حقه منكم بعد وبسهولة!!
              سلطان : على أساس إننا ضرينا ولدك بشي! على فكرة ولدك يهمنا اكثر منك وبالحفظ والصون
              رائد لم يفهم تماما ما يرمي عليه سلطان : وأنا ما يهمني وش ولدي بالنسبة لكم! أهتم بولد سلطان العيد اللي خذيتوا عقله
              عبدالعزيز بغضب يتجه إلى رائد : لا بارك الله في شغل نساكم إننا بني ادميين!!
              رائد بحدة يقف : وش اللي بيني وبينك يا عبدالعزيز؟ على فكرة أنا هددت أبوك بس ما لمسته! ويوم قررت أأذيه كان سليمان سباق، ما ضحكت عليك ولا قلت ترى أختك ماتت ولا ضحكت عليك وقلت لك هذا رائد عندنا شغلة ضرورية معه وبنخليك عميل لنا وتقرب منه لكن أنتبه ترى هذا رائد ما ضايق أبوك بشي! ولما أكتشفت إني هددت أبوك وش سويت؟ رجعت لهم! مين الغلطان؟ محد غلط بحقك يا عبدالعزيز أنت اللي غلطت بحق نفسك لما رضيت مع الأمر الواقع ولا حاولت توقف بوجههم وتعرف وش صار بعد الحادث، حصل الحادث بليل وبعدها تدخلوا حبايبك! تدري منهم، فيصل ولد عبدالله القايد و مقرن بن ثامر! وبعدها توسعت السالفة ووصلت لكل اللي ينقال لهم حبايب أبوك! وطبعا انت معمي عن كل هذا! أعرف إنه محد صار عدوك بكيفه، أنت اللي خليت الناس كلها أعداءك لأنك ما جربت تعاديهم قبل لا يعادونك بأفعالهم ويحبونك بلسانهم
              سلطان بعصبية : ماشاء الله عليك رايتك بيضا! ما ذبحت عيالنا بالرياض ولا أعتديت على قاعدة أمنية ولا سويت شي! ولا دخلت الأسلحة و المخدرات والعفن اللي تجيبه كل سنة لنا و لا خليت جماعات إرهابية تخرب عقول شبابنا في الجامعات لين وصلوا لك . . أبد ما سويت شي ولا حتى ضايقتنا وهددتنا، و أفتعلت جرايمك حتى في وسط شغلنا! كنت السبب ورى خراب معدات التدريب يوم وفاة عبدالله القايد وكنت السبب في حرق بيتي ووفاة أهلي! . . لو تدري بس كم جريمة مسجلة ضدك وكم عقاب راح ينتظرك! لا تتوقع ولا للحظة إنك بتفلت منا حتى لو جمعتنا اليوم وأحرقتنا! فيه ورانا رجال بيضايقونك في كل تصرف مثل ما ضايقناك! ماراح أعطيك موشح بالوطنية وبأعمالك اللي ضدها!!
              رائد بنبرة هادئة : أفعالي كانت ردة فعل لأفعالكم
              سلطان بغضب بالغ فجر كل ما في داخله بنبرة صاخبة : مجنون! تبيني أسمح لك تلف عقول الشباب و تتاجر بأمور محرمة دوليا مو بس دينيا، يا سلام! يعني نظام أخليك تاخذ راحتك وعادي نمثل إننا ماشين تمام!! لا والله منت ماخذ راحتك طول ما أنا حي ولا راح تاخذ راحتك طول ما ورانا ناس عيونها ما تنام عن الأمن، ويا أنا يا أنت يا رائد
              عبدالرحمن مسك معصم سلطان ليهمس : يترك ناصر بالأول و نبعد عبدالعزيز وبعدها نصفي حساباتنا
              رائد الذي لا يصله هذا الصوت الهامس ويستغرب من فهم سلطان له ولكنه أدرك تماما أنه بينهم لغة يصعب كسرها مهما حاول : حاليا، ما يهمني شي غير إنه عبدالعزيز يفهم وش اللي يصير تحت الطاولة، وتأكد تماما أنك جالس تتحدى شخص ماعنده شي يخسره
              عبدالرحمن بهدوء : وش اللي يصير تحت الطاولة؟ فاهم قصدك تحاول تميل عز ناحيتك، على فكرة عز ماهو غبي
              عبدالعزيز بحدة : لا أبشرك المؤمن لا يلدغ من جحره مرتين، وماراح تقدر تاخذ عقلي بهالكلمتين
              رائد بضحكة : هذا هو رد عليك! يعني وش فيها لو قلتوا له يا عبدالعزيز أبوك سوا كذا وكذا ولا . . وش رايك يا سلطان تقص علينا قصة تعيينك؟ رغم فيه ناس أقدم منك وأحق منك . . قصة مثيرة صح؟ ونستمتع فيها شوي دام الجو بدا يتوتر
              سلطان إبتسم ببرود عكس ما بداخله : قص عليهم أنت دامك مبسوط بمعرفتك باللي يصير تحت سقفنا! واضح إنه جواسيسك يشتغلون بذمة وضمير، بس تدري عاد! جواسيسك يوم أشتغلوا صح خانوك وراحوا لسليمان وقاموا يشتغلون له وأنت الله يسلمك حاط رجل على رجل وتحسب أنه الناس تمشي على شورك ما تدري إنها تغيرت وصارت تمشي على شور سليمان إللي لو أنفخ عليه طار!!
              رائد بإستهزاء : ويوم راحوا لسليمان ما علموك وش سويت فيهم؟ حشيت رجولهم وحشيت من وراهم سليمان بكبره! خل عبدالرحمن يقولك شافه بعيونه وهو مربط وبجيبه لك بعد شوي تقر عينك بشوفته . .
              عبدالرحمن تنهد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
              رائد : كل شي يصير من وراي ومن قدامي أعرفه، اللي يخوني أخونه واللي يغدر فيني أذبحه . . بس ما قلتوا لي اللي يخونكم وش تسوون فيه؟ أووه لا لا كذا انا غلطت أقصد أي مصحة تودونه؟ ما بشركم عبدالمجيد إنه طالع من زمان وأنتم يالمساكين تدعون له يالله تشفيه ويالله تعافيه. . والله أنتم الله يشفيكم ويعافيكم دام مقرن و سعد و عبدالمجيد والأمة العربية تلعب من وراكم! وتوكم . . عقب سنين تكتشفون إنه سلطان العيد كان يفاوض سليمان من وراكم!
              بسخرية لاذعة أردف : ما هكذا يدار الأمن يا شباب!! ولا قوتكم ما تطلع الا علي؟ وحتى ياليتها تطلع هذاكم قدامي، قدرت أجيبكم مثل الكلاب . . بنظرة موجهة لسلطان وهو يدري إنه يدوس على كبرياءه في هذه اللحظة . . قدرت ولا ما قدرت يا بو بدر؟ . . قلت لكم لا تلعبون بالنار حتى كتبتها لكم وحطيتها في . . . أقول يا بوسعود ولا أسكت؟ يالله ما أبي أضايقكم وبقول حطيتها في ملابس بنتك حرم عبدالعزيز الله يسلمه
              عبدالعزيز أسترجع الحادثة التي حصلت في بداية السنة، و الورقة التي قذفت في صدر رتيل، بغضب أخذ المزهرية التي تتوسط الطاولة ورماها على رائد الذي أبتعد قبل أن تصله وتناثر زجاجها، بخطى مجنونة توجه إليه إلا أن جسد سلطان وقف أمامه.
              عبدالعزيز بقوة يديه دفع سلطان وعيناه تحمر من شدة الغضب : مو بس تبعد عن طريقي! أبيك تبعد عن حياتي
              رائد بنبرة شامتة : مقدر الجنون اللي فيك يا عزيزي! ضحكوا عليك ومتزوج بنتهم و أيش بعد؟ خلوك تجرب أنواع العذاب على أساس إنك ماشاء الله تدافع عن وطنك لكن اللي يدافع عن وطنه على الأقل يدافع عن أهله ولا أنا غلطان يا عبدالعزيز؟
              سلطان لم يحاول أن يمد يده، يمسك أعصابه بصعوبة، دقائق صمت وحوار بالنظرات بين سلطان وعبدالعزيز، يتشباهان بجسدهما، لا تفصل سوى مسافة قصيرة ( نصف متر )، نفس الطول وذات العرض، حتى حدة النظرات المنفعلة بعينيهما أصبحت تتشابه، في هذه الأثناء أصبحوا يتشابهون بصورة مؤذية/ يعتليها بعض الهيبة التي خلفها والده به و بسلطان أيضا.
              رائد ينظر إليهما بتركيز عال : كيمياء عجيبة بينكم! واضح إنه الحقد بعد ماليكم، يالله عساه حولنا ولا علينا
              عبدالرحمن بإستفزاز صبر عليه كثيرا حتى بدأ صوته الهادي مستفزا لرائد : بما أنك ما ألتزمت بكلامك وما طلعت ناصر! يمدينا إحنا بعد ما نلتزم بكلامنا؟ وماله داعي تقولي البيت محاصر وماتقدرون وإلى اخره من هالحكي! أنت عارف قدراتنا! وعارف برا كم عندنا واحد، لذلك خلك رجال وعند كلمتك وطلع ناصر
              رائد بسخرية : ما يهمني أكون رجال بعيونك! وماني عند كلمتي! وش تبي تسوي؟
              عبدالرحمن : بسوي أشياء كثيرة، وأنت عارف وش قصدي
              رائد : حاليا يا عبدالرحمن ما تقدر تهددني قلت لك ماعندي شي أخسره هذا أولا وثانيا أنت قدامي ومحاصر على قولتك، وسلطان قدامي بعد ومحاصر!! وعبدالمجيد إن شاء الله بنجيبه على يوم أحلي فيه دام غداي فيكم!!
              سلطان بهدوء : ناصر يطلع!!
              رائد يقلد نبرته : لا لا لا له!! مفهوم؟
              عبدالعزيز يتخلص من حدته رغم البحة الواضحة في صوته والتي تبين هذه الحدة الغاضبة : ناصر يطلع لأنه ماله علاقة بقذارتكم!!
              رائد يقف مجددا : كنت منتظرك تقولها لي! وش المقابل يا عبدالعزيز؟
              عبدالعزيز بحدة أستفزت سلطان و عبدالرحمن : اللي تبيه مني حاضر
              سلطان أطلق ضحكة قصيرة متعجبة وساخرة بالوقت نفسه : برافو والله يا عبدالعزيز
              عبدالعزيز إلتفت عليه برفعة حاجبه الأيمن : هي جت عليه؟ هذاني قضيتها معكم ولا قدرتوا قيمتي ولا قيمة أبوي!!
              رائد بنبرة إستهزائية بالدرجة الأولى : المشكلة يا عبدالعزيز، وتصور بعد إنه أبوك كان السبب الرئيسي في وجود سلطان! تخيل!! وصارت مشاكل في ذيك الفترة عليه كيف شخص ما عدا عمره 35 يرأسنا؟ وشوف كيف قدر أبوك اللي حطه في هالمكان
              سلطان أدخل يديه في جيوبه لأنه شعر بإحتمالية الضرب، ليردف رائد : حتى بوسعود ماكان راضي وحصلت خلافات بالبداية والله أعلم عاد كيف أقنعه أبوك بأحقية سلطان!!
              سلطان : وعبدالعزيز كان في عيونا لعلمك! ولا نرضى عليه ومو بس عشان أبوه! إلا عشانه بعد لأنه يهمنا
              عبدالعزيز بسخرية : الله يسلم عيونك ما قصرت يوم إنها حفظتني أعمتك وواضح إنك نسيتني بعيونك بعد!!
              سلطان نظر إليه بنظرات لا يفهمها بسهولة، نظرات كانت تحمل رجاء من نوع خاص.


              ،يتبع

              تعليق

              • *مزون شمر*
                عضو مؤسس
                • Nov 2006
                • 18994

                رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي


                مستلقية على السرير، لا صوت يصدر منها تتلحف السكينة بدقة عالية مصدرها عيناها المضيئتان منذ مكالمة يوسف.
                أشعر أن الخيارات أمامي وأن الجنة أيضا تتمسك بي ولكنني أتجاهلها وأسير بكامل إرادتي إلى الجحيم، هذا الشعور يقتلني يالله! أنني أدرك بمقدرتي على فعل شيء ولكنني عاجزة عن فعل هذا الأمر، هذا التناقض الذي يجري بلا دم يرويه في عقلي يجفف نبرتي وينقض عهدها بالكلام، أريد أشياء كثيرة، أريد يوسف و ضحكة يوسف و نظرة يوسف و عناق يوسف و كل شيء يتعلق بيوسف و لا أريد أي شيء في الدنيا عداه، ولكنني أفعل كل ما يناقض هذا الأمر لأنني مازلت أنتمي لجلد جاف يستمر بمعاقبة نفسه في حقل من الأشواك، هذه المرارة في فمي، عالقة بلزوجة متربصة كما أن هناك ( أحبك ) مخفية، أظنها أيضا هذه الكلمة تعاقب نفسها بصدري وتبث حزنها بطريقة ما.
                من خلفها : خوالتس يسألون عنتس!!
                مهرة بهدوء : ما أبغى أشوف أحد
                والدتها : كل هذا ع
                مهرة تقاطعها بذات الهدوء : صار اللي تبينه والحين أتركيني ولا تزيدينها علي
                والدتها تجلس على طرف السرير : يا غبية أنا أبي مصلحتتس! تبينن أرميتس عليه؟
                مهرة : رميتيني في المرة الأولى وبلعت لساني وقلت معليش أمك يا مهرة وما أبي أضايقك! لكن ما فكرتي فيني، فكرتي من نظرة الناس لفهد الله يرحمه ونسيتي بنتك
                والدتها بضيق : ما رميتتس عليه! كنتي بتجينن هنيا وبتعضين أصابعتس من هالعيشة!
                مهرة : خلاص ما أبغى أتكلم بهالموضوع، راح وأنتهى بخيره وشره،
                والدتها : وهالحين كل هالحداد عشان يوسف!!
                مهرة : يمه إذا بتسمعيني كلام يسم البدن الله يخليك بنتك ماهي ناقصة
                والدتها : هسمعينن بس! بكرا يطلقتس وياخذتس ولد الحسب والنسب ويعيشتس عيشة ملوك وبتنسين طوايف يوسف بس خليتس منه وأعرفي مصلحتتس
                مهرة : مين ولد الحسب والنسب؟ عيال خوالي اللي كنتي معارضة زواجي منهم في البداية! مدري وش مغير أفكارك!! وأنا لعبة بإيدك متى ماتبين زوجتيني ومتى ماتبين طلقتيني! خلاص يا يمه يكفي! خليني كذا هالزاوج اللي ترميني عليه كل مرة ما أبيه!!
                والدتها وقفت بعصبية : يا ملا اللي مانيب قايلة . . . وخرجت لتتركها تتوحد بحزنها مثل كل مرة.
                أخذت هاتفها من على الطاولة، دخلت إلى " الواتس اب "، بصورة روتينية يحملها قلبها إتجهت إلى إسمه نظرت إلى اخر ظهور له قبل عدة ساعات، لتغلقه بقهر شديد وقبل أن تضعه على الطاولة أهتز، فز قلبها على أمل إسمه ولكن تلاشى هذا الأمل مع إسم " ريم "، أجابت وهي تحاول أن تتزن بصوتها الباكي : ألو
                ريم : مساء الخير
                مهرة أستعدلت بجلستها فوق السرير : مساء النور، هلا ريم
                ريم : هلابك، بشريني عنك وش مسوية؟
                مهرة : بخير الحمدلله
                ريم : يا عله دوم، ما رجعتي؟
                مهرة : لا
                ريم : و ما ودك ترجعين؟ بيتك مشتاق لك
                مهرة بإستغراب صمتت ولم تقدر على الإجابة بشيء.
                ريم بهدوء : كلمت يوسف، و بصراحة هو ماقالي شي لكن أنا اللي استنتجت وفهمت وقلت أتصل عليك
                مهرة ببتر واضح للموضوع : الله يكتب اللي فيه كل خير
                ريم : ماراح أتدخل بمشاكلكم ولا راح أقولك رايي بشي، لكن فكري قبل لا تتخذين أي قرار . . . وقرارك خليه مبني عليك أنت ويوسف ماهو مبني على أهلك وعلى أهلي
                مهرة بلعت ريقها بصعوبة دون ان تعلق عليها بكلمة أخرى. أردفت ريم بنبرة حميمية : والله يعز علي أشوفكم كذا لا أنت تستاهلين ولا يوسف يستاهل، مهما وصلت المشاكل بينكم ما يستاهل الوضع يوصل للطلاق وأنتم توكم بتكملون سنة قريب، عطوا نفسكم فرصة، عشان ما تندمين بعدين، مهرة
                مهرة : سمي
                ريم برجاء كبير : أستفت قلبك، وإذا جت علينا إحنا أهله والله محد راضي بالطلاق، وللحين ما وصل الخبر لأمي وأبوي وإن وصلهم بيعصبون وبيتضايقون! لأن كلنا نعتبرك منا وفينا ولا نبي أسباب زواجكم تتحول لمشاكل، ذيك فترة وأنتهت، و حادثة أخوك الله يرحمه مثل ما ضايقتكم ضايقتنا وضايقت حتى منصور، لكن خلاص بدينا صفحة جديدة ماله داعي نقلب بمواضيع قديمة ونحولها لمشاكل لدرجة الطلاق، فكري بنفسك وبحياتك وراحتك بعد، لا تربطين تفكيرك بشي ماضي راح وأنتهى، كيف بتعيشين بكرا إذا كل عثرة بحياتك راح توقفين عليها وتقررين وش اللي تحدد لك هالعثرة؟ بالعكس أنت اللي اخلقي فرصك وأنت اللي حددي وش تبين مو الظروف هي اللي تحدد لك!! . . فكري زين
                مهرة تنهدت وهي تسد السيل المنجرف من عينها عن صوتها : إن شاء الله
                ريم : والله يكتب لكم كل خير يارب ويجمعكم . . تامرين على شي؟
                مهرة : سلامتك
                في جهة اخرى يسير بإتجاه سيارته والهاتف على أذنه : تخاويني حايل؟
                علي: وش نوع المشوار؟
                منصور : يدخل في باب إصلاح النفوس
                علي بضحكة : عاد انا معروف عني أحب أصلح النفوس
                منصور إبتسم : لا جد علي، مافيه غيرك يخاويني
                علي : طيب قدام، بس متى؟
                منصور : الليلة عشان نوصل الصبح
                علي : من جدك! خلها بعد بكرا
                منصور : لا ما ينفع! لازم بأقرب وقت
                علي : أجل خل يوسف يخاوينا، يقولك الرسول صلى الله عليه وسلم الراكب شيطان والراكبان شيطانان و الثلاثة ركب
                منصور : صلى الله عليه وسلم، وأنا ليه ماخذك؟ عشانه مكروه أسافر بروحي
                علي يحصره بالزاوية : طيب ومكروه بعد إثنين، جب لنا ثالث خلنا نطقطق عليه بالطريق
                منصور : وأنت ذا همك! يخي خلنا نتوكل إحنا لأنه الموضوع عائلي بعد وماعندي أحد أثق فيه غيرك
                علي : يخص يوسف؟ هو اهله من حايل صح؟
                منصور : عليك نور، وأنا رايح عشانه
                علي : خلاص مرني الليلة الله يسهل طريقنا
                منصور يبعد الهاتف لينظر إلى إسم " ريم " : امين . . أشوفك على خير . . أجاب على ريم : هلا
                ريم : كلمتها، المهم يوسف شلونه؟
                منصور : توني طالع من عنده بالمستشفى . .
                لم يكمل من شهقة ريم : المستشفى!! وش فيه؟
                منصور أنتبه أن خبر فيصل لم يصل إلى الان لريم : ا . . رفيقه منوم وكنا عنده
                ريم تنهدت براحة : وقفت قلبي أحسب صاير شي، الله يقومه بالسلامة
                منصور بلع ريقه : امين، المهم بينتي لها إننا ماعندنا مشكلة معها؟
                ريم : إيه ولا يهمك، قلت لها إنه لا تاخذ قرارها بناء علينا وعلى تقبلنا لها لأننا متقبلينها، أهم شي يوسف والله ما يستاهل بعد عمري


                ،

                تنظر إليه بنظرات مرتبكة خافتة، تنحنحت كثيرا حتى نطقت : بو ريان
                عبدالمحسن إلتفت عليها وهو يغلق أزارير كمه : سمي
                أم ريان بتوتر : سم الله عدوك، هالفترة تكرر علي حلم ورحت فسرته وأنا خايفة إننا قصرنا بشي
                عبدالمحسن اقترب منها : وش تفسيره ؟
                أم ريان : وين تركي؟ أخاف صاير له شي وإحنا ما ندري، هو طايش وقطعنا من كيفه لكن بالنهاية راح يرجع لأهله وإحنا أهله، لا تتركه من غضبك عليه! هو مو بس أخوك هو ولدك و ولدي!!
                عبدالمحسن يحيط به صمت رهيب، نظر إلى عيني زوجته التي يستشف منها الدمع،
                تكمل : كم مر وإحنا ما سمعنا صوته؟ والله مشتاقة له ولا أدري وش عذره بهالغياب لكن بعذره لأننا مالقيناه من الشارع، لا تهمله يا عبدالمحسن وهو قطعة من روحك!
                عبدالمحسن أغمض عينيه لثوان طويلة حتى نطق بإتزان : راح أتصل عليه، أنا رايح اخذ الجوهرة وأفنان أكيد ينتظروني . . . إبتسم بصفاء يخفي وعثاء حزنه، قبل جبين زوجته بحب . . بحفظ الرحمن، خرج لينزل بخطى مبعثرة تتقد بمشاعر مضطربة، سرعان ما ركب سيارته وأبتعد عن المنزل، في أول فكرة غرزت عينيه أدمعته و في أول دمعة كانت " الله أكبر " تنساب إلى أذنيه من المسجد المقابل، ركن سيارته ونزل، فتح أول أزارير ثوبه و كبر قبل أن تقام الصلاة، شعر بحجرة تقف في حنجرته وتمنعه من التنفس بصورة طبيعية.
                سجد، لامس جبينه رحمة الله و ظهره ينحني من اجل هذه الرحمة/القوة، كرر التسبيح أكثر من ثلاث مرات حتى أندفع دمعه بغزارة إلى محاجره، ولم تسقط سوى دمعة وحيدة
                كيف يالله أفهم أنني فعلت الصواب؟ كيف أجاوب من يسألني بجواب قاطع لا يحزن إبنتي؟ لا أريد أن أظلمه ولكنني ظلمت منه بحزني عليه، هو أخي ولكن لم يجعل لهذه الأخوة كرامة أعتز بها، هو أبني ولكن لم يجعل لأبيه وشاحا يفخر به، لست قاسيا ولكنه قسى علي بأفعاله، كيف أسامحه؟ لا قدرة أملكها تجعلني أرضى عنه، لست ملاكا يالله حتى أعف وأنسى خطاياه، وخطاياه اليوم ما عادت مجرد خطايا هي مرض ينتشر في جسدي ويميته كلما نطق لي أحدهم أخوك .
                كيف يفعل أخ بأخيه كل هذا؟ كيف يهون علي أن يكسر قلبي قبل أن يكسر قلبها؟ كيف يالله؟
                أرحمني من هذه الأفكار وأختار لي الطريق الأصح فإني ضللته، بلغ بي الشيب ومازلت عبدك الفقير المتوسل إليك والراجي رحمتك، يا رب يا من بيده ملكوت السموات والأرض أغفر لي ذنب الجوهرة و أرحمها بعد عيني من الناس و أهلها، يا رب يا من بيده ملكوت السموات والأرض أغفر لي ذنب الجوهرة و أرحمها بعد عيني من الناس و أهلها، يا رب . . . رفع من السجود ليسلم بعد أن سمع إقامة الصلاة. نظر إلى أول رجل أصطف خلف الإمام، قام و جاوره.
                أنتهت الصلاة وبعد السلام منها بقي جالسا، مر وقت طويل حتى إلتفت إليه الرجل الوحيد الذي بقي، أقترب منه : من يقدر يضيق و لنا رب ما يرد فيه دعوة العاصي؟ فما بالك بالمؤمن المصلي؟
                عبدالمحسن : والنعم بالله
                الرجل الكبير بالسن : تصدق وأنا أبوك وبيرتاح همك
                عبدالمحسن رفع عينه ليزم شفتيه إلى الداخل وهو يصارع عبراته : همي ما يموت، يسافر ويبعد عني لكن يرجع لي
                : هذا تكفيرة لك من الله ورحمة، الله إذا أحب عبد أبتلاه عشان يقوي إيمانه ويغفر له معاصيه وذنوبه
                عبدالمحسن : الله يرحمنا برحمته
                يربت على كتفه : أنا أنحنى ظهري من هالدنيا و شفت من الهموم اللي يشيب الراس، لكن رحمة الله واسعة، وش كثر نغلط لكن نرجع له لأننا ما نقدر نعيش بدون لا نسجد له واللي يعيش بدون هالسجود تلقاه طول ليله يفكر ويتمنى يسجد ويرجع لربه! أنا ما أدري وشهو همك لكن تعوذ من الشيطان و تصدق عسى همك يزول وأنساه ولا تتذكره الا بالرجوع إلى الله
                عبدالمحسن عبرت دمعة رقيقة على ملامحه الذي أمتلى حزنها حد اللاحد : تدري يا عم! أخاف يجيني الموت مو لأني أخاف الموت، أنا أخاف على بناتي . . أخاف ما يقدرون ياخذون حقهم عقب عيني
                : الا بيقدرون! دام الله فوقهم بيرجع كل حق لصاحبه، لا تفكر إنك أنت اللي محقق لهم حقوقهم بحياتك! اللي محقق لهم هالحق هو الله وحده
                عبدالمحسن : والنعم بالله، . . وضع يده على فخذ الرجل . . تامرني على شي
                : الله يزين خاطرك ويمحي همه
                عبدالمحسن إبتسم : اللهم امين . . . فمان الله . . . خرج متجها إلى المستشفى.
                دقائق تتبع دقائق أخرى حتى مرت ثلث ساعة وصل بها إلى الجوهرة، أفنان الجالسة رفعت عينها وتقدمت نحوه لتقبل رأسه : تأخرت يبه! وأدق على امي تقول طلعت من زمان، خوفتني والله . . يمه قلبي بغى يوقف!!!
                عبدالمحسن : بسم الله عليك . . . نظر إلى الجوهرة التي تسلم من صلاتها . . . وقفت لتتقدم إليه، قبلت جبينه : وقفت قلوبنا، ما رديت على جوالك حتى أمي أنشغل بالها
                عبدالمحسن : رحت أصلي وخذتني السوالف بعدها مع واحد لقيته بالمسجد
                الجوهرة إبتسمت : يالله خلنا نطلع أختنقت من ريحة المستشفى
                عبدالمحسن : شلونك الحين؟
                الجوهرة : بخير الحمدلله وتو الدكتورة كانت عندي تتطمن وقالت لي كل أموري تمام والجنين بخير الحمدلله
                عبدالمحسن : الحمدلله . . .
                أفنان إرتدت نقابها : يالله مشينا . . . خرجوا من الغرفة المنزوية في الطابق الثالث، إتجهوا نحو المصاعد الكهربائية، أنفتح لتتجمد نظرات أفنان بإتجاه نواف دخل عبدالمحسن : السلام عليكم
                نواف إبتعد إلى نهاية المصعد العريض : وعليكم السلام . . دخلت أفنان خلف الجوهرة، كانت المسافة تعتبر كبيرة بينها وبينه ولكن شعرت وكأنها تتقلص وتصيب قلبها، نظرت إليه من خلال المراة العاكسة في وقت كان هو منشغل بهاتفه.
                طال الوقت بعد أن صعد المصعد إلى الطابق الخامس دون أحد ونزل مرة أخرى، رن هاتف أفنان وبهدوء أغلقته.
                إلتفت عليها والدها وبصوت خافت مد إليها هاتفه : أفنان شغليه مدري وش فيه عيا لا يشتغل
                بمجرد ما عاد والدها إلى النظر إلى الأمام سقطت عيناها بعينيه التي توجهت إليها مباشرة من خلال المراة، طال نظره وهو يسمع الإسم من بين شفتي والدها، ثوان قليلة وهو يدقق في عينيها التي لا يظهر منها الكثير، قطع تأمله باب المصعد الذي انفتح، خرجت وهي تمد الهاتف لوالدها.
                بقي نواف في المصعد يراقب إختفاءها من أمامه حتى أتى صوت غيث الصاخب : وش فيك مفهي؟ أخلص علينا صار لنا ساعة ننتظرك
                نواف : أنتم روحوا وأنا برجع بعدين
                غيث : وش ترجع بعدين؟ بنروح الرياض مو الكورنيش!! صحصح!
                نواف بعصبية : قلت طيب ارجعوا الرياض أنا بجلس اليوم هنا وبعدها أرجع
                غيث بسخرية : ومين راح يوصلك؟ لا يكون بتاكسي؟
                نواف تنهد : غيث ممكن تنقلع عن وجهي
                غيث : طيب قلي وش عندك هنا؟ وإحنا ننتظرك
                نواف : تنتظروني لين الليل؟
                غيث : طيب خلاص بروح للشباب الحين وأبلغهم بس حدك الليلة وبعدها نحرك
                نواف : طيب . . . بمجرد أن رحل غيث حتى عاد مرة أخرى للمصعد وإتجه إلى الطابق الثالث، نادى صديقه الدكتور : حاتم
                إلتفت حاتم : هلا نواف! مو قلت راح تمشي الرياض اليوم؟
                نواف : إيه بليل، أبيك تساعدني بشي
                حاتم : أبشر باللي أقدر عليه
                نواف : كيف أقدر أسأل عن شخص مريض هنا وما أعرف الا أسمه الأولي؟ هو كان هنا بالطابق الثالث
                حاتم : اللي هنا عيادات النساء والولادة
                نواف وكأنه تلقى صفعة بيد حارقة، أردف : ليه؟ عندك أحد تعرفه؟
                نواف : يعني بس نساء و ولادة؟ مافيه عيادة ثانية؟
                حاتم : لا بس نساء و ولادة
                هذا يعني أن خطيبك أصبح زوجك! و زوجك سيصبح أب اطفالك بهذه الصورة السريعة؟
                نواف : مشكور ما تقصر
                حاتم إبتسم : أبد إحنا بالخدمة
                نواف أكتفى بإبتسامة ليعود بخيبة إلى ذات المصعد، نزل إلى الأسفل وهو يخرج هاتفه، أتصل على غيث : خلصت شغلي، خلنا نمشي الرياض الحين

                يتبع

                تعليق

                • *مزون شمر*
                  عضو مؤسس
                  • Nov 2006
                  • 18994

                  رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                  النهاية | الجزء ( 80 )

                  ذقنا الوصال فهل نطيق تباعدا؟

                  هل بعد أصل الصوت يدوينا الصدى؟

                  ما ظل شبر في ولاية خافقي

                  إلا على حكم الفراق تمردا

                  إن لم تكن ترضى بعيشك داخلي

                  امض.. ويرضيني أنا فيك الردى

                  ماكنت ممن يمنحون قلوبهم

                  فسرقت قلبي عامدا متعمدا

                  لو خيروه الان أين مقامه

                  لاختار صدرك دون أن يترددا

                  فلإن قبلت به فقد أهديته

                  وطنا.. وإلا قد يعيش مشردا

                  أهوى الجماعة لا أطيع تفردا

                  لكن حبك في الفؤاد تفردا

                  لا لن يموت الحلم قبل ربيعه

                  مادام فينا الزهر يحتل المدى

                  سبحان من بث الحياة بوجهها

                  ورد.. وزاد من الحياء توردا

                  سمراء يستسقي البياض ضياءها

                  فإذا سقته من الضياء… تنهدا

                  نور على نور يكون حضورها

                  أنا منذ لقياها نسيت الأسودا

                  * محمد أبو هديب.
                  ،

                  بعد وقت تغرب به السماء كانت يديها تشرق بملامسته، لا تسمع سوى صوت دقات قلبه المنبعثة من الجهاز المجاور لها، نظرت إليه بلهفة جعلتها لا ترمش إلى بعد أن يتعب جفنها ويسقط دمعة، أندلع في قلبها ألف سؤال وسؤال، أرادت أن تصرخ من هذا الوجع و تقول " ليه كنت هناك؟ " كانت بحاجة أن تسمع جوابا يرغمها على النوم براحة، ولكن لم يجيبها إلى صدى رسائل لا تدري توقيتها بقدر ما تدري أنها تحمل الكثير من قلب فيصل.
                  أنحنت لتقبل ظاهر كفه بدمع يسبقها للتقبيل، لو أنني أملك سحرا يشفيك غير الدعاء، لو أنني فقط أستطيع إخراجك من كومة هذه الأجهزة و هذا الألم. أتشعر بمن حولك؟ أم فقدت الإدراك والشعور؟ لو يخرج صوتي بكلمة أتصل إلى مسامعك أم يردها الصدى بخيبة؟
                  هيفاء بهمس تخفضه وتيرة البكاء : أثق فيك وبصدق إني فاهمة كلامك اللي بالكتب غلط، وأدري إنك مستحيل تكون كذا، لأنك غير في كل شي، فيصل تحمل! عشان خاطر نفسك اللي نبيها ومشتاقين لها، حتى ريف فاقدتك! . . يارب إنك تسمعني، يارب إنك تحس فينا، يارب إني أحبك ولا أبي أبكيك أكثر من كذا . . يارب يشفيك ويساعدنا إننا نصبر وننتظرك، . . لو تدري بس إنه إنتظارك كذا يحرمنا من كل شي يتعلق بالحياة، لا أمك بخير ولا ريف بخير ولا أنا بخير! أحس أحيانا إنك حياتنا في صدرك، ومسألة تعبك تخنقنا والله قبل لا تخنقك . . . . . على فكرة مرضك ما يتعلق فيك بروحك وتعبك ما يخصك بس! فيه ناس ساعاتها ما تمشي الا بعيونك و يومها واقف لو غبت عنها دقيقة وعلى فكرة فيه ناس ما تبكيك، هي تموتك.
                  توقف يوسف عندما هم بالدخول ليناديها وهو يسمع جملتها الأخيرة " فيه ناس ما تبكيك، هي تموتك "، نظر إليها وهي تحتضن يده الباردة بين كفيها المحترقتين بالبكاء، وصوتها الذي كان يضحك كثيرا أصبح يئن بوجعه وهذا ما لا أتخيله يليق بهيفاء الناعمة الصاخبة بجنونها.
                  هيفاء ببكاء عميق بح به صوتها وهي تضغط على كفه : ريف تقول فيصل قالي لا أشتقت أطالع بعيون اللي أحبهم وأنا بقولك رجع لنا عيونك خلنا نعرف نشتاق . . .
                  عاد يوسف بخطاه للخلف، فتح أول أزارير ثوبه بعد أن أختنق من كلمات هيفاء التي تصيب قلبه بوجع ضيق، اقترب من والده : بتمشي؟
                  عبدالله : إيه عندي شغل ضروري، خلك مع أختك وإذا جاء منصور يجلس عند فيصل وأنت أرجع أرتاح
                  يوسف : طيب . . أقترب الدكتور قبل أن يذهب عبدالله : السلام عليكم
                  : وعليكم السلام
                  الدكتور : كنت جاي أشوف فيصل وزين لقيتكم،
                  عبدالله : عساه خير يا دكتور
                  الدكتور : خير إن شاء الله، أنا اقترح يجون أهله ويزورونه بإنتظام، عشان يسترجع وعيه لازم يحس بالناس اللي حوله، لأن نصف علاج المريض يعتمد على نفسيته، وفيصل محتاج يحس بأنه فيه أحد حوله، لأنه حسب الفحوصات اللي أنعملت له في هالصباح كل أعضاءه الداخلية تعمل بصورة طبيعية ولله الحمد وقدرنا نسترجع الدم اللي فقده، لكن فقدانه للوعي إلى اليوم يخلينا نستخدم العامل النفسي وهو مهم جدا
                  عبدالله : ما تقصر يا دكتور، يعني من بكرا نخلي أهله يزورونه؟
                  الدكتور : هذا الأنسب راح ينقل لجناحه بكرا وممكن تزورونه لكن تفعلون جانب الزيارة بأنكم تسولفون وتخلقون جو من الحياة في غرفته و إن ربي كتب هالشي بيسهل علينا كثير
                  عبدالله : شكرا لك وجزاك الله خير
                  الدكتور : واجبنا . . تركهم ليلتفت إلى يوسف : لازم أمه وأخته يزورونه بكرا
                  يوسف تنهد : بكرا قبل لا أجي هنا أمرهم وأجيبهم معي


                  ،

                  وقفت بجمود لترفع حاجبها بإستفهام : كيف يعني؟
                  نايف بلع ريقه : أعتذر، لكن حصل هالأمر وخلانا نأجل علمكم فيه لين بو سعود يجي وبنفسه ياخذكم
                  عبير تدافعت الغصات عند لسانها : والحين؟ ماراح نروح لها؟
                  نايف : الوضع أصعب من إنا نطلع من الفندق، اتمنى تتفهمين هالشي، و أختك إن شاء الله ماراح يجيها شي والحراسة مشددة عليها . . .
                  قاطعت كلماته وهي تسير بإتجاه الغرفة و عيناها تغرق بالدمع، فتحت الباب وبمجرد أن تقدمت خطوة للامام، جلست على الكرسي وهي تنحني رأسها وتبكي بشدة تجعل من التخمين السيء حقيقة في عين غادة و ضي.
                  اقتربت منها ضي : وش قالك؟
                  عبير ببكاء ينحني للبحة خاضعا : يكذبون! أمس يقولي رتيل مافيها شي والحين يقولي رتيل بالمستشفى!! وعليها حراسة! طيب وإحنا؟
                  ضي تجمدت عيناها ناحية عبير من لفظ " المستشفى " الذي يسترجع كل فكرة سيئة ويحشرها في محاجرها حتى تنتفض برعشة البكاء، برجفة : حالتها سيئة؟
                  عبير بغضب يرتجف بعينيها الدامعتين : ما قالي شي، ما أستغرب يجي بعد شوي ويقولي حكي ثاني! ياربي لا يصير فيها شي، يارب لا
                  ضي مسكت رأسها وهي تتجه ناحية النافذة، شعرت بالدوار : وش صار بالضبط لها؟ لا يكون راحت لأبوك!! يارب ارحمنا من التفكير
                  غادة أخذت نفس عميق بعد أن نشفت دماءها بالبكاء، وضعت يدها تحت خدها لتغرق بخيالاتها الموحشة.
                  ليلة الحادث الساعة الثالثة فجرا.
                  يقترب من عينيها، يشير إليها بالقلم : تسمعيني؟
                  إلتفت عليه الدكتور بحدة وهو يلفظ بالفرنسية : وجودك هنا لا نفع فيه، أرجوك غادر حالا الغرفة.
                  الرجل الأسمر الطويل أقترب منه بتهديد بالإنجليزية : سننقلها حالا لمشفى ثان ولا أريد إعتراض
                  نظرت إليهما بضباب رؤيتها التي لا ترتكز على شيء واحد في الدقيقة الواحدة، سالت دمعة أصطدمت بالكمام الذي يمدها بالأكسجين.

                  مسحت وجهها بكفيها، إتجهت ناحية الحمام لتبلل ملامحها بمياه باردة، نظرت إلى إنعكاس صورتها بالمراة، إلى الشحوب الذي يخط محاجرها.
                  لم أفقد الذاكرة في تلك الليلة! كيف فقدتها؟ أو ربما أنا أتخيل أحداثا لم تحصل ولم أستيقظ ليلتها، ولكن أذكر تلك الملامح جيدا، كان معي ورافقني لأيام طويلة، ولكن كيف جئت لميونخ؟ كيف رحلت ببساطة دون أن أسأل؟ كيف أنخدعت بأمي؟ من أنا بين هذا الحشد؟ لست رؤى و لست غادة، لا أملك ماضي رؤى و لا أملك حاضر غادة، أين مستقبلي بينهما؟ ضعت! أتوه بين وجوه أعرفها ولكن لا تستدلني على شيء، أشعر بشعور يشبه الوحدة ولكني لست وحيدة، هذا الشعور الذي يجعلني أشعر بأن روحي ليست معي! وهذا يؤلمني يالله ويفقدني قوتي لمواصلة الحياة، أريد أن أعرف كيف فقدت حياتي؟

                  على بعد خطوات، أخذت عبير معطفها وخرجت دون أن تلفظ كلمة، إلتفتت ضي على وقع الباب وهو يغلق، نزلت للأسفل في وقت كانت هناك خطوات تهرول على الطريق المجاور.

                  قبل ساعتين، نظر إليه بدهشة : وشو؟
                  عبدالمجيد : إلى الان ما نعرف وش صار! بيجينا العلم بعد شوي
                  فارس أقترب منه بغضب : إلا تعرف! وش صار لها؟
                  عبدالمجيد : فارس . .
                  فارس بصراخ جن جنونه بعد أن واجه ضغطا نفسيا لا يحتمل : الله ياخذ فارس . . الله ياخذه
                  عبدالمجيد بضيق أبتعد عنه وهو يكمل بهدوء : والله ماني عارف وش صار، اللي وصلني إنه بنته بالمستشفى وأكيد أنه عليها حراسة، تطمن
                  فارس : أنا رايح . . . شده عبدالمجيد من ذراعه : وين بتروح؟ فارس أنت الوحيد اللي بتوقف أبوك
                  فارس بغضب يبتعد: اسف . . . تركه وهو يسير على الطريق أمام عينيه، عبدالمجيد بغضب ضرب السيارة بقبضة يده.
                  : الله يعيني عليك يا فارس!!

                  نايف : لو سمحت
                  عبير : ماراح أتحرك لين توديني لرتيل
                  نايف برجاء دون أن ينظر إليها : الوضع متوتر مقدر أطلعك لأي مكان، عشان سلامتك لازم تجلسين هنا
                  عبير بغضب : هذي السلامة اللي وراها طاحت رتيل أنا ما أبيها
                  نايف بلع ريقه بعد أن جف بالرجاء : أنا مأمور مقدر أتصرف من كيفي، وأبو سعود لو عرف بكون في ورطة لأن . .
                  تقاطعه عبير برجاء أكبر : تقدر تتصرف وتخليني أشوفها لو نص ساعة بس! وبعدها ماراح أقول لأبوي ولا لأحد
                  نايف مسح على رأسه وهو يشد على شعره حتى كاد يقطعه بأصابعه الحادة : اسف والله ما أقدر
                  عبير عضت شفتها السفلية بغضب لا تقدر على حبسه بداخلها، نظرت إلى الباب الزجاجي الذي يكشف الشارع المقابل للفندق، أتى صوته الضيق : لو سمحت أرجعي للغرفة
                  عبير بخطى غاضبة إتجهت إلى المصاعد، وقفت تنتظر المصعد حتى شعرت بجسد يلاصقها من الخلف ويده تلف معصمها، بلعت ريقها بصعوبة دون أن تلفظ حرف واحد وهي تقشعر من الخوف، أول دعوة أرادت أن تستجاب، أن يراها نايف ويساعدها دون أن تناديه وتلفت الأنظار.
                  أتى صوته حارقا لكل صوت يضج بداخلها ولكل دعوة أبتهل بها قلبها : تعالي . . . . سحبها نحو الممر الخاص بالعاملين في الفندق، إلتفتت لتراه ويهبط الخوف من عينيها، تنهدت براحة وهي تشتت نظراتها.
                  فارس بعد أن أصبح يقابلها ويفصلهما بعض السنتيمترات، بسؤال يدرك إجابته ولكن أراد أن يسمع صوتها : كيفك؟
                  نظرت إلى عينيه المبعثرة لكل إتزان تطمح إليه.
                  كيف تكون الإجابة على سؤال يخلخل قلبي بملوحة الدمع؟ لم تموت الأسئلة بداخلنا ولكن أضعفتنا الأجوبة التي لا نلقى لها نبرة تحييها، مر وقت ليس بالطويل عليك! ولكن أشعر بأن عمرا مضى وأنني كبرت فجأة! فوضوية هذا الحزن تجعلني أشعر بأن أيامي معدودة وأن عمري أنتهى، هل نحن نموت يا فارس؟ لا شيء يصادق على أيامنا، وكل ساعة تمرنا تشطرنا، لا الفرح يجيء بنا ولا الحياة ترتكبنا، إن الموت وحده هو من يصادفنا! وهذا الموت تخضع له روحي ويأبى جسدي، هل نحن نموت؟ أم أن الحب كان أقسى من أن نواجهه.
                  سقطت دمعة و مضت معها الإجابة، أقترب فارس ليسحبها إليه رغما عنها، عانقها وشد على جسدها بعناقه.
                  أعرف الإجابة جيدا، ولكن أشتقت لنبرة صوتك المكابرة وهي تحبس الوجع في أوتارها.
                  رغما عني يا عبير، أنا مهما صابتني الردة عن عينيك خضعت إليك مرة أخرى بخشوع تام، رغما عني تتجددين في داخلي كلما حاولت أن أجفف جذورك وأخنقها، رغما عني، أقول سأترك الحب وأعود إليك، رغما عني! أصافح طريقا لا تعرفينه وأظن أنني سأنساك به ولكنني أزرعك به حتى تشبعت أرضي بظلالك، يا إنشراح عمري، رد الله علي هدايته.
                  تجمدت يديها الذابلتين دون أن ترفعها وتبادله العناق، أغمضت عينيها على كتفه لتبلله معطفه بدمعها، رفعت يدها بعد ثوان طويلة لتعانقه بشدة وهي تقف على أطراف أصابعه وتصل إلى مستوى طوله.

                  تعليق

                  • *مزون شمر*
                    عضو مؤسس
                    • Nov 2006
                    • 18994

                    رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                    أحتاجك! هذه الكلمة هي حالي في هذه اللحظة يا فارس، لست بخير أبدا! و صدرك بكاء يستفز عيني حتى تبكيك، من يدلني لطريق لا يستذكرك به قلبي؟ من يعرفني على سماء لا ترفع رأسك إليها؟ من ذا الذي يقاومك؟ و كل رجفة أبقت أثرها على قلبي أصلها عيناك، من ذا الذي يقدر على مقاومة الحشد الذي تجيء به في كل مرة، لا تأت لوحدك، يسير من خلفك حب يتمكن من جسدي ويضعفه، أنا أحتاجك! وأشعر بأن قيمتي تهتز كلما باعدت بإهتمامك عني، قيمتي التي أعرفها ويستنطقها قلبك، هذه الرعشة التي تغمس جسدي بك، أتقصد بها عناق؟ إن ظننتها عناق فأني أظنها رعشة أحبك التي ينطقها جسدي بصورة تبعثرها خلايا الحس المنتشرة في.
                    فارس أبعدها قليلا ليلاصق جبينه جبينها، أدخل يديه من تحت حجابها وهو يخلخل شعرها الناعم بهمس : أحاول أمثل قدرتي بأني أتجاوزك، لكن كل مرة يتوحد فيني قلبي لما يستذكرك، بغى يوقف قلبي لما قالوا لي إنك بالمستشفى لين رحت وتأكدت بنفسي
                    أغمضت عيناها بحشرجة الغصات المحمرة في محاجرها، تسقط الدمعة تلو الدمعة و يتبعها الضياع برجفة رمشها.
                    فارس قبل جفنها : ما عاش حزن في عينك، ما عاش و يا عساه ما ينخلق.
                    أخفضت رأسها وهي تعض على شفتها السفلية حتى لا يخرج أنينها، ورغما عن محاولاتها البائسة بكت بصوت مسموع، بحركة من تدبير قلبها الذي يقمع عقلها في هذه اللحظة، لامس رأسها وسط صدره وهي تنهار ببكاءها أكثر وأكثر، وضعت كفيها على معطفه، شدت عليه وكأنها تريد أن تغطي نفسها بمعطفه وتنسى أنه فارس الذي تحدث مع مئة فتاة قبلها والذي سكر على أصواتهن، تريد أن تنسى أنه إبن رائد و أن الذي أمامها هو فارس الذي تحبه وفقط .
                    فارس بضيق طبع قبلته على رأسها، لم تكن قبلة بسيطة، هذه القبلة كانت حديث قصير مضمونه " أنا معك ".
                    يارب! لا أريد أن أنهار أكثر، ساعدني حتى أتحمل قسوة هذا الحزن و هيبة كلماته التي تقتلني ببطء، هذه المرة لا أريد قوة مفرطة، أريد فقط ضعفا يقتل أحاسيس الخوف/البكاء في داخلي، أريد قلبه يالله الذي يجيئني مخضرا والأرض خراب، قلبه الذي يدثرني و الدنيا عراة، هو الذي كان يخترع من أجلي شيئا من العدم، وأنا التي كنت أرى العدم كلما تضاءلت فرصة عيناه في لقاءي.
                    فارس : عبير . . أبعدها ليرفع رأسها إليه وينظر لعينيها الغارقة، نزلت أصابعه ليمسح بكفه بكاءها.
                    عبير بنبرة تتحشرج بإختناقها : شفت رتيل؟
                    فارس : سألت في البداية عن حالتها وقالوا لي إنه حالها تمام وبعدها لما حاولت أستأذن عشان أدخل عرفت إنها رتيل
                    عبير بضيق تمتمت : يارب بس
                    فارس : تطمني! لو صاير شي كانوا قالوا لي
                    عبير : أبي أشوفها! تقدر توديني لها؟
                    فارس : الطابق اللي هي فيه موزعين عليه رجال أمن كثير
                    عبير ببكاء تتوسله : بموت يا فارس لو صار فيها شي
                    فارس بحدة طوق وجهها بكفيه، أراد أن يخمد إنهيارها: مو صاير لها شي، لا تفاولين على نفسك وعليها
                    عبير : بس بشوفها شوي، لا شفت أبوي ولا عرفت شي عنه ولا شفتها، تكفى حط نفسك بمكاني! بختنق والله من كل هذا
                    فارس : أبوك مافيه الا كل خير ومعه سلطان الحين و عبدالعزيز بعد وناصر وكلهم بخير
                    عبير بلهفة : شفتهم؟
                    فارس : ما شفتهم بس واصلتني أخبارهم
                    عبير : أبوي بخير؟
                    فارس : إيه والله العظيم مافيه شي، أهدي! . . . لا تبكين
                    عبير أبتعدت بضع خطوات عنه وهي تمسح دمعها بأطراف أصابعها، فارس بأنفاس متهيجة مضطربة : أنا نفسي مو عارف وش راح يصير بكرا ولا اليوم حتى! بس عارف شي واحد، إني مقدر أترك أبوي ولا أبوك يقدر يبعدك عنه عقب اللي صار، والله ما عمري خضعت لأحد ولا عمري حاولت أترجى أحد لكن مستعد أسوي أي شي عشانك، عبير! أختار إني أموت معاك ولا أموت وأنا أشوفك لغيري، مقدر والله مقدر أتقبل فكرة إنك مو لي،
                    تحشرج صوته بشفافية الكلمات وحزنها، أكمل : كل شي ضدي! ويوم توقعت إني راح أقدر أهرب منك زدت بجنوني، فيني رغبة بتملكك رهيبة وأدري إنك ماراح ترضين! لأنك ببساطة أقوى مني، وقادرة بسهولة توقفين مع الكل ضدي، وقادرة تبعدين قلبك عن الإختيار لكن أنا مقدر! لأني ما جربت الحب قبلك ويوم جاني ما جربته! أنا مرضت فيه . . .
                    عبير أخفضت رأسها ويديها تتشابك فيما بينها، وكل دمعة تسقط منها كانت تحط على كفها، لست أقوى يا فارس أن أسمع منك هذه الكلمات ولست قادرة على الوقوف ضدك، وكل ما كنت أقوله سابقا حاولت أن أخضعه لسيطرتي ولكن فشلت! فشلت والملاذ، الحياة والدار عيناك و ما بعدها موت و ما قبلها ظل أنتظر ميلاد جسده.
                    فارس أنتظر كلمة أخيرة، أراد أن يسمع منها لو " أنا معك "، ياللخيبة! لا تفعلي بي كل هذا بدفعة واحدة وأنا رجل لا أقدر على هذا الوجع.
                    أخذ نفس عميق ليردف بوداع يبعده عدة خطوات للخلف : ما كنت راح ألقى عقاب في حياتي أقسى من صمتك! ندمت على ذنوبي اللي قبلك وإلى الان ندمان، وأظن الحد في الدنيا على عيونك كان حزني عليها وياليتها تكفر أفكارك السيئة عني.
                    عبير رفعت عينيها للأعلى حتى تخمد نار الملح المندفعة في محاجرها، ببحة : أرجوك لا تكمل
                    فارس بغضب ينفجر بوجهها وعروق رقبته تتضح مع كل شدة تعلو كلماته : هي مرة بالعمر! وعمرك مرة، ليه تبخلين على نفسك وتذبحيني؟!!!! أقولك تعبان، أحس روحي بتطلع لما أفكر بحياتك بعدي! أنا ما يهمني تكونين مبسوطة مع غيري أو لا، ماراح أقولك دام أحبك أتمنى لك السعادة مع غيري! أنا ماني مثالي لهدرجة ولا أتقبل هالشي بسهولة
                    بصوت أنهد حيله أكمل وهو ينظر لعينيها : أنا السيء في كل شيء لكن أنا اللي أحبك فوق كل شيء! . . بتحنين؟ لكن ماراح تلقيني و بحن لكن بلقاك! بلقاك في موتي اللي ما تنازلتي عشاني للحظة وقلتي أبيك يا فارس، محتاجتك يا فارس، أحبك يا فارس اللي ما سمعتها منك!! ما تنازلتي يا عبير! انا اللي أتنازل في كل مرة وأنا اللي أخضع لصمتك وبرودك اللي تحرقيني فيه! والحين أقولك ما أدري وش بيصير اليوم أو بكرا وما تنازلتي عشان كلمة! علميني هالقساوة كلها من وين جايبتها؟ أبوك وهو أبوك ما قسى مثل قسوتك!!
                    عبير أعطته ظهرها وهي تغطي ملامحها الباكية والمنهارة بشدة، كررت بصوت مبحوح يكاد لا يسمع : يارب أرجوك، يارب . . أرجوك . . . ساعدني، يارب ساعدني
                    فارس بحدة كلماته المجروحة بصوته : فمان الله . . مثل ما تبين
                    عبير ببكاء تمتمت وهي تضع يدها على قلبها الذي يرتجف بحدة، يارب أجعلني أنطقها قبل أن يذهب، يارب أجعلني أنطقها، يارب ساعدني.
                    فارس وقف لثوان طويلة على أمل أن تلتفت ولكن لم تفعلها، أبتعد أكثر مقتربا من الباب إلى أن أتى صوتها المبحوح الضيق بكلماته : اسفة
                    فارس تجمدت خطاه دون أن يلتفت عليها، ويده على مقبض الباب.
                    عبير بضياع تام : ما أعرف أشرح شعوري بالضبط! ولا أقدر أتصرف بناء على هالشعور، إذا كان فيه أحد سيء في علاقتنا فهو أنا، ولا أنا جربت الحب عشان أعرف كيف المفروض أتصرف فيه! ولو غيرك كان خسرته من زمان لأني مقدرت أبادله هالشعور صح، بس أنت معاي، أحس بحياتي لما أعرف إنه فيه شخص ينتظرني ويحبني، وباليومين اللي فاتوا فقدت هالشعور! قيمتي وحياتي كلها مرتبطة فيك، و قلبي معاك و رب اللي خلق فيني هالروح، إن الروح لك تشتاق! وماني قاسية لكن ماتعودت أشرح اللي في داخلي، ما تعودت أقول لأحد إني ماني بخير، ولو تدري أصلا إنه خيري في عيونك.
                    فارس إلتفت بكامل جسده، ليقابلها على بعد مسافة طويلة، نظرت إليه بقشعريرة جسدها وأنفاسها المتصاعدة المضطربة، أكملت ببكاء تجزم عيناه أنه لن يرى أحدا يبكي بهذه الصورة الواضحة القاسية رغم رقة دمعها، لن يرى أحدا يبكي كعينيها التي تبكي قلبه مع كل دمعة تجري مجرى الأكسجين في الدم : ما تعودت والله يا فارس! قريت الشعر كثير وتعلمت اكتب اللي في داخلي لكن ما عمري تجرأت أقوله وأنطقه، ما عمري حاولت أني أقول الكلام بإسترسال مثل ما أكتبه، لأني فاشلة بأني أتكلم عن قلبي، وهالشي هو اللي يخلي الناس تظن فيني إني باردة وما أحس! لكن والله أني ما كابرت على حبك بإرادتي، أنا اللي ما أعرف كيف أحب!
                    أقترب منها فارس دون أن يلفظ كلمة واحدة ومع كل خطوة يتقدم إليها كانت تشتت نظراتها بعيدا عنه، إلى أن لامس حذاءه حذاءها، رفعت عينها بنظرة تشرح هذا الحب الذي لا تعرفه.
                    أرتفع صدرها بشهيق موجع بعد أن شرحت بتعب وصعوبة مالذي في داخلها له، وضع يده بجانب رقبتها وأكسجينه أصبح " زفير عبير " في هذه اللحظة، ويده الأخرى صعدت ناحية خدها، قربها أكثر حتى لامس أنفه أنفها، أغمضت عينيها بخضوع تام بعد ان أغمض عينيه.
                    نحن لا نقوى على رؤية الحياة بعين مفتوحة، ولكن نشعر بها ب / قبلة. لم أكن ممن يمنح قلبه ويقدمه لأحد كان من كان، ولكنك اخذتي قلبي عمدا و أبقيتي مسكنه في صدرك، ولو ضللتني يوما و أضعتني، لأخترت السكنى مرة اخرى من شفاهك، يا غنى الحياة و رفاهيتها المتمثلة بك، يا تسبيح الله ليلا ونهارا عليك، يا " أحبك " الأولى والأخيرة، ويا مجد الحب إن إلتفتت له عيناك بدمعة.
                    أبعدت ملامحها عنه دون أن تبعد جسدها، لامس خده خدها حتى لا تقع عيناها بعينيه. كان صوت أنفاسها المضطربة بخجلها تصل إليه.
                    فارس لم يكن هادئ الأعصاب أيضا، أضطرب بقبلتها وكأنها قضمت على قلبه بشفتيها.
                    عبير بلعت ريقها بصعوبة لتبتعد خطوتين للخلف وهي تضع يدها على رقبتها التي تحترق بحمرة خجلها وربكتها، أخفضت رأسها ولم تتجرأ ولا لثانية أن تنظر إليه.
                    يالله! على رجل ينفض القوانين ويستبدلها به، على رجل يتشكل بصخب رجال كثر، هذا الرجل يالله ليس عاديا، ولا أعرف كيف أرتب الكلمات كصفة تنتمي إليه، كل الصفات تسقط بحضرته وكل الأسماء لا تليق بتلقيبه، هذا الرجل كيف لا أحبه إن سألني عن هواه؟ كيف لا أحبه و في عينيه أسأل نفسي أهذا حب أم سحر يجذبني؟
                    فارس قلص المسافة التي أرتكبتها ليقترب مرة اخرى ولكن هذه المرة يديه لم تقترب إليها : مضطر أروح لكن بنتظرك دايم
                    حاولت أن ترفع عيناها ولكن في كل مرة تتسلق بنظراتها ملامحه تقف عند شفتيه ولا تقدر على تجاوزها والنظر إلى عينيه مرة اخرى، لم تكن قبلة عادية، هذه القبلة أستحلت كلماتي.
                    فارس بلل شفتيه بلسانه : حتى لو بعد سنين، بكون جمبك وبنتظرك . . . . بلهفة عشقه كان باطن كفه اليمنى يلامس ظاهر كفها اليسرى دون أن يخلخل أصابعه بها، رجفة أصابعها كانت تمتد إليه وحمرة كفه كانت أصابعه تلسعها.
                    إبتسمت بلمعة العشق الذي يضيء عينيها وهي تنظر لكفه كيف تخترق اعماقها.
                    فارس : بحفظ الرحمن
                    عبير سحبت شفتها العليا بلسانها حتى تقاوم ربكتها، رفعت عينها كنظرة خجلى وأخيرة، نظرت إليه بحوار يقيمه بسلطة على قلبها المحمر به.
                    فارس إبتسم على خجلها الذي يلاحظه بدقة أول مرة، والحمرة التي تتشرب ملامحها ألا تعلم بأنها تسلب عقله؟ كان يليق بها في هذه الثانية أن يقول لها كما قال محمد أبو هديب " سبحان من بث الحياة في وجهها، ورد و زاد من الحياء توردا "
                    فارس بعفوية زادت غليان الدماء في ملامحها : يخي أنت جميلة والله
                    ضحكت وهي تشتت نظراته بعيدا عنها، ضحكت كضحكة قصيرة مضت مدة طويلة لم تتغنج بها، بصوت خافت : خلاص . .
                    فارس يتلذذ بخجلها المصنف كخجل عربي أسمر لا يقدر أصحاب البشرة الشقراء على التلون به، هذا الخجل ملك لنساء الشرق عبر التاريخ بأكمله وبلا تعصب : وش اللي خلاص؟ مني مالي خلاص أبد!!
                    عبير بربكة كانت تنظر لأصابعها وهي تقترب لحظة لأصابعه ولحظة أخرى تبتعد وبنبرة لا تسير بوتيرة واحدة/ ولا تتزن : ما أحب أنحرج كذا، لما قلت لي مرة إنه عيوني أرق، طيب أنت الحين عيونك مصيبة تحرجني فيها.
                    فارس : أنتظرت كثير عشان أسمع منك هالكلام، أنتظرت 18 شهر، من أول مرة شفتك فيها
                    عبير وعيناها تتجمد على صدره بعد أن أرهقها الصعود لعينيه الولعانة : 18 شهر؟! وأنا أحس إنك تعرفني من سنين.
                    فارس أقترب حتى يقبل جبينها، أطال بقبلته حتى لفظ : يحفظك ربي و يخليك
                    عبير بلعت ريقها مرارا بصعوبة حتى تنطق : ويحفظك
                    فارس شعر بأن العالم بأكمله يخضع له بمجرد أن تسللت دعوة قصيرة من بين شفاهها، أبتعد للخلف حتى يخرج وعيناه مازالت تحفها، إلى أن اختفى تماما بنظرة أخيرة من أمامها.
                    عبير وضعت أطراف أصابعها على شفتيها وهي تأخذ نفس عميق، لم تتوقع ولا للحظة أن قبلة منه تجدد الأمل في قلبها على عائلتها وعليه، لفت حجابها جيدا أن بعثره بقربه، أغلقت أزارير معطفها رغم أنه لا حاجة لإغلاقه ولكن شعرت وكأن قلبها يقفز من مكانه، بمجرد أن خرجت وجدت المصعد أمامها فتح لخروج أحدهم، ركبته بخطوات سريعة قبل أن يراها نايف ويفتح معها تحقيق مطول.

                    ،يتبع

                    تعليق

                    • *مزون شمر*
                      عضو مؤسس
                      • Nov 2006
                      • 18994

                      رد: رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

                      إبتسمت بعدم إستيعاب : وش قاعد تقول ذي؟
                      سارة بدهشة : أنت اتصلتي؟
                      أثير : لا، أصلا شفت الظرف على الطاولة وأخذتها وبعدها رحت لبيتنا وما كلمت أحد، والظرف ما كان مفتوح! انا أول من فتحته
                      سارة عقدت حاجبيها : يمكن غلط منهم!!
                      الدكتورة بإنجليزية : نحن أرسلناه وسألتني عن رموز التحليل وأخبرناك به والتحليل كانت كل معلوماته طبيعية وانا متأكدة من هذا يا عزيزتي
                      سارة إلتفتت لأثير : تتوقعين رتيل؟
                      أثير أخذت نفس عميق : كيف تقدر تغيره والورقة مطبوعة طباعة ماهو بخط اليد عشان تقدر تغيره!!
                      سارة : أنت وش عرفك! هذي حية تقدر تغير بلد مو تغير تحليل!! روحي لعبدلعزيز وأفضحيها ولو عنده دم بيطلقها قدامك
                      أثير وقفت بغضب : أنا أوريها، دام بنت اللي كلمتهم مافيه غيرها! هي اللي تبي تقهرني وتذبحني، الله ياخذها الله ياخذها ولا يبقي فيها عظم سالم! . . أخذت شنطتها لتخرج بخطى غاضبة.
                      سارة إبتسمت للدكتورة : شكرا . . ولحقت أثير . . أثييير
                      أثير أجهشت عينيها بالبكاء لتصرخ بوجهها : حقيرة! خلتني أشك في نفسي وصحتي عشان أيش؟ عشان عبدالعزيز يفضلني عليها! مجنونة مهي صاحية . . بس والله لا أوريها، والله لا أذبحها بإيدي حتى لو كلفني هالشي خسارة عبدالعزيز، أنا أوريها
                      سارة : اهدي وتعوذي من الشيطان، هي اللي بتكسب لو خسرتي عبدالعزيز، عيني من الله خير وخليها تنفضح بهدوء قدامه وساعتها هو اللي بيقرر وعلى قراره أنت تصرفي بس لا تتصرفين بتصرف يخلي الحق معها وهي ما تستاهل!!
                      أثير مسحت دموعها بكفيها : ومسوية نفسها بريئة قدام عبدالعزيز، والله عرفت من قامت تهددني وتخوفني بتهديداتها أنه وراها شي! وهذا هو صدقت توقعاتي! هالبنت مجنونة تسوي أي شي بدون لا تهتم لأحد حتى لعبدالعزيز بس أنا رايحة لعبدالعزيز وربك لا أطلع فيها عيوب الكون كلها وبتشوف
                      سارة بعد صمت لثوان نطقت : مثل ما تبلت عليك بالمرض، تبلي عليها ومن له حيلة فليحتال!
                      أثير تنهدت : ماراح أندم على أي شي بسويه في حقها، راح أوريها كيف تتبلى علي، وراح أوري عز بنفسي، راح أخليه يختارني قدام عيونها وبتشوف

                      ،

                      أتى سليمان مقيد اليدين ليقف بينهما على بعد مسافة طويلة، اول من نظر إليها وألهبه بنظراته كان سلطان ، ومن ثم تبعتها ضحكة مستفزة من رائد الذي لفظ بسخرية : طبعا سليمان حبيبي بظرف يوم واحد وبجلسة وحدة قالي كل اللي يعرفه عنكم وعني حتى تتصورون! وقالي وش صار بعد الحادث ووش ما صار وكذبتوا فيه، قولهم سليمان وش قلت لي، أنا قلت لهم بعض المعلومات اللي أخذتها منك لكن لا ضرر من الإعادة فالإعادة إفادة . .
                      سلطان بسخرية : متوقع إننا ننصدم إنه هالكلب علمك؟ مفروض اللي ينصدم هو أنت! شخص بغمضة عين نقدر نمسكه ونعدمه قدام عيونك قدر يخدعنا لأكثر من سنة، وأنت ياللي صار لك سنين تحاول وتحاول مقدرت تخدعنا بشي! ولما خدعتنا طلع ملعوب عليك!! لا تفتخر كثير فيه! هو لو عنده ذرة رجولة وشجاعة طلع قدامنا وما خاف من إسمه لكن يدري إنه ماعنده القوة إنه يواجهنا!
                      سليمان بإستفزاز رغم الضرب الذي تعرض له : لكن عندي القوة إني ألف عليكم كلكم وأضرب روسكم ببعض
                      سلطان بغضب لم يستحمل أن يسمع صوته، أقترب منه ليدفعه ناحية الجدار دون أن يتدخل أحد، جلس رائد يتأمل بإبتسامة ما يفعله سلطان بسليمان، وضع سلطان بباطن كفه مفتاح صغير ليلكمه بقوة ويجرحه بذات القوة من حدة طرف المفتاح، أعاد لكمته مرة اخرى على خده وهو لا يقدر على الدفاع عن نفسه.
                      سلطان شده من ياقته المبهذلة : حاول قد ما تقدر ما تحط لسانك على لساني! عشان ما أقطعه لك
                      رائد ينظر للدماء الذي بدأت تغزو ملامح سليمان من ضرب سلطان له : ما تتعطل يا بو بدر!
                      إلتفت عليه سلطان بتقرف : اللهم عافنا مما أبتلاكم
                      رائد بهدوء أستفز عبدالعزيز : عندك خبر بعد أنه أختك ما فقدت الذاكرة عقب الحادث مباشرة؟ . . بضحكة أردف بعرف وش اللي صار بعد الحادث؟ لا أبوك مات بعد الحادث ولا أختك فقدت الذاكرة بعد الحادث! وش هالناس الوصخة اللي حتى شوفة اهلك حرمتك منها!
                      عبدالعزيز نظر إليه بجمود دون أن يرد عليه بكلمة، أكمل رائد : أريحك كذا ببساطة اللي مات بعد الحادث أمك وأختك الصغيرة عدا ذلك هذا من المسرحية اللي كانت من إخراج اللي جمبك، أنا ما أقول من تأليفهم لأن المساكين حلفوا وقالوا إحنا ماندري، لكن ما يقدرون يحلفون إنه جاهم الخبر من قبل فترة طويلة.
                      سلطان بسخرية يستهزأ به : وأنت كنت المنتج! تدفع فلوسك ولا تدري على أيش أنصرفت، دفعت رجالك على الحادث وتحسب أنه حادث عدى وأنتهى وبعدها تكتشف إنه رجالك ما تصرفوا حسب علمك، تصرفوا حسب الكلب اللي قدامك! والكلب تصور إنه كومبارس! لكن قدر يلعب على منتج كبير! . . بحدة أردف . . يا خسارة هالشارب عليك بس!!
                      رائد ببرود لا يخضع لإستفزازه : نقلوها لمستشفى ثاني وهي في حالة حرجة، ولما تعرضت لمضاعفات بنقلها دخلت غيبوبة شهر كامل يالله صحت من بعدها، ولما صحت صارت المسرحية الحلوة اللي كانت بإشراف مقرن، جابوا لها وحدة الله أعلم من تكون وقالوا لها أسمعي يا . . . رؤى! هذي أمك وإحنا راجعين لميونخ عند أهلك . . مين أهلي؟ أهل أبوك ما يبونك لكن أهل أمك يبونك، وهناك عاد جاهم ولد عبدالله القايد وتصرف مثل ما يشتهي عشان يلعب بأختك بعد مثل ما يبي! كلم صديقه اللي كان دكتورها النفسي، وش كان إسمه؟ . . . إسمه وليد! أووه قبل لا نكمل القصة الممتعة لازم نذكر إنه وليد كان يعتبر زوج حرم سلطان المحترم! قالت لك زوجتك عنه ولا ؟ ترى يقولون كانت فيه قصة ممتعة أكثر بينهم! عاد الله أعلم وش نوع المتعة في القصة
                      نظر سلطان بنظرات مصوبة بحدة ناحية عيني رائد، وقلبه يحترق ببركان ينتشر كوباء في كامل جسده، مرر لسانه على أسنانه العليا وهو يحاول أن لا يتصرف بغضب ويندم بوجود عبدالعزيز و ناصر و عبدالرحمن .
                      رائد الذي أكمل فضائحه على حد تصنيفه : عاد هذا وليد كان متشفق على لسان عربي! ولما جته رؤى أو عفوا غادة! قال جت اللي أبيها، هو ما كان يعالجها هو كان يطلع جنونه النفسي عليها! عاد تعرفون تصرفات بعض الأطباء النفسيين والعياذ بالله . . أحيانا الدكتور نفسه يحتاج دكتور يعالجه، الله أعلم بعد وش كان يمارس بعيادته مع أختك! وطبعا كل هذا يا عبدالعزيز يا حبيبي كانوا يدرون فيه الإثنين اللي واقفين جمبك وأزيدك من الشعر بيت اللي كان يوصلها للعيادة هو سعد نفسه اللي يشتغل عند أبوك قبل واللي يشتغل حاليا عند سلطان و عبدالرحمن، اكمل ولا تكملون عني؟
                      بسخرية أخذ كوب الماء ليشرب منه ويرفع عينه إليهم : لا هذي القصة لازم ناصر يسمعها بعد! وش رايكم يسمعها معنا؟ ويشوف زوجته كيف كانت؟ . . . . وجه عينه للرجل الواقف أمام الباب . . جيب ناصر بسرعة . . . خلنا نخلي ناصر يسمع بعد
                      عبدالعزيز ثارت غيرته على أخته وهو يحاول أن يكتم هذا البركان وهذه الماساة في قلبه، شد على شفتيه بأسنانه حتى نزفت بتقطيعه لها، تذوق طعم دماءه وهو يريد أن يخمد هذا الغضب، مسك الكوب الزجاجي الفارغ، حاول أن يفرغ غضبه وهو يمسكه حتى أنكسر بيده وتجرحت كفه بالدماء، إلتفتت الأنظار إليه، عبدالرحمن لم يكن قادرا على الشرح أو حتى على قول يخفف وطأة هذه الماساة على قلبه.
                      هل يشعر أحد بطعم الذل في دماءي؟ هل تثور ثائرته كالبركان مثلي؟ أم أنه أمرا عاديا قبلوا به في البداية فمن الطبيعي أن يقبلوه الان؟ أي الرجال أمامي؟ أي عقل يقبل بهذا؟ " يبه " تعال! أنظر إلى من جعلتهم أصدقاءك كيف يتصرفون ويعبثون بأسمك معي! تعال أنظر إلى قلب إبنك الذي يتأتئ الفرح ولا يجيئه، تعال! أشرح لهم أن إبنك لا قدرة له على مواجهة الحياة دونك! قل لهم يا أبي! قل لهم أن عزيز إبني حزنه قاس لا يرحم صدره فكيف يرحم من حوله؟ قل لهم إبني يبكي دماءه إذا جرحت عيناه بمن يحبهم، قل لهم لا تجوز على الميت سوى الرحمة، وأنا مت من حدة ما أسمع.
                      رمى بقايا الزجاج من يده ليلفظ بحشرجة الغضب إلى عبدالرحمن : ندمان على اللحظة اللي قلت لك فيها يبه! ندمان على اللحظة اللي صدقتكم فيها! ندمان على اللحظة اللي مت فيها وأنا أتوقع إني أعيش! ندمان على كل وقت ضيعته معاكم! ندمان حتى على كل فكرة كنت أوصلها وأقول مستحيل! ما يضرني شخص كان أبوي يصبح عليه بعيونه! ما يضرني شخص أجتمع مع أبوي تحت سقف واحد! لكن ضريتوني! ما حطيتوا لأبوي أي إعتبار، ولا حطيتوا لبنته أي قيمة، صح مين غادة؟ أبد مو لازم نهتم فيها، مو لازم نعلم إنها عايشة، لأنها ماهي من لحمكم ودمكم! عادي جدا مين هي أصلا؟ أخت عبدالعزيز؟ ومين عبدالعزيز؟ زوجة ناصر؟ ومين ناصر أصلا ؟
                      دخل ناصر على كلماته ليقف وعينه عليه.
                      أكمل : ضقت منكم أكثر من مرة وكل مرة أستحي أدعي عليكم، أستحي وأقول ربع أبوك وناسه كيف تدعي عليهم يا عبدالعزيز؟ لكن هالمرة لأن أبوي كان يقول عنكم ينشد فيهم الظهر بقول الله يكسر ظهر تخدعون فيه الناس، والله لا يسهل لكم طريق! . . نظر إليهم بحدة صاخبة . . الله لا يبارك لكم في أيامكم الجاية وعساكم تذوقون نص اللي ذقته في أهلكم وبناتكم . .
                      عبدالرحمن تصلبت أقدامه من دعاءه الغاضب، نظر إليه : ماهو أنت اللي بتصدق كل كلمة تنقال وأنت تدري مين يقولها! كيف تثق بحكيه؟
                      رائد بنبرة مستهزأة يمثل العطف بصوته : تؤ تؤ تؤ . . عيب يا بوسعود تكذبني وقدامك سليمان بنفسه شرح لي كل شي وهو اللي أستعمل فيصل عشان يضغط على مقرن! ما يصير!!
                      سلطان وضع أصبعيه في عينه ليضغط عليهما بشدة حتى يعيد إليه التركيز.
                      أردف رائد : حي ناصر، طافتك القصة اللي تهمك بس هذا ما يمنع إننا نعيدها لك . . . كنا نسولف على زوجتك وحبيبتك، نرجع نشرحها ولا تشرح له يا بو بدر؟
                      سلطان تنهد وهو ينظر للسلاح الذي يتوسط مكتب رائد ويجلس هو خلفه.
                      رائد بضحكة : ويعجز سلطان بن بدر عن التعليق، ولا يهمك يا أبوي أنا أشرح لك، غادة أو نقول رؤى تماشيا مع الفيلم اللي صار من إخراج الجماعة اللي جمبك، ما فقدت ذاكرتها بعد الحادث، لكن لما نقولها للمستشفى الثاني عشان يخفونها وطبعا لأني ما أحب أكذب بقول إنه ماكانوا يدرون لكن مقرن كان يدري وعاد الله أعلم إذا مقرن قالهم وهم ينكرون أو صدق ما قالهم، المهم إنه لما نقولها صارت لها مضاعفات تعرف كانت بحالة حرجة جدا وهم أصروا على نقلها! دخلت بغيبوبة لشهر ولما صحت جابوا لها وحدة وقالوا لها تراها أمك وسوو لها مسح شامل لكم كلكم، وتدخل فيصل ولد عبدالله القايد وتراه من ربع اللي جمبك، وودوها لميونخ وعرفوها هناك على دكتورها النفسي اللي إسمه وليد، هذا وليد الله يسلمك ما أحط في ذمتي لكن الله أعلم وش كان يسوي بالعيادة مع زوجتك وهم يجلسون يوميا، رغم أنه المعروف إنه الأطباء النفسيين اللي مايكونون بمصحة مفروض ما يقابلون مرضاهم يوميا، لكن هو كان صبحه وليله معاها! وكان لها معاملة خاصة بعد وتطلع معه وتروح معه واللي يوصلها كان سعد! اللي يشتغل مع المخرجين الكبار سلطان بن بدر و عبدالرحمن ال متعب . . . كانت كلماته شديدة السخرية . . . كل شي كان بإشرافهم وبمعرفتهم بمين وليد! حتى وليد نفسه كان الزوج السابق لحرم سلطان، يعني كان يدري مين وليد ويعرف وش سوى! عاد أنا ما أدخل بالذمم وأقول وش كانت نيته إتجاه زوجته بس لو أحد بمكان سلطان ما كان سمح لطليق زوجته السابقة وهو ما بعد دخل عليها يعني مجرد ملكة، يكون دكتور لبنت أعز أصدقائه، مفروض يخاف ويقول ما اسمح لدكتور له سوابق يعالج . . أو عفوا هو ما يعالج هو كان يمارس العشق وأفلام الأبيض والأسود مع غادة
                      ناصر من دهشته لم يستطع أن يتفوه بكلمة واحدة، نظر إليهم واحدا تلو الواحد حتى سقطت عيناه بعين رفيق عمره، أراد أن يتأكد من عينيه التي لا تخطئ أبدا، نظر للدماء التي تسيل من كفه وأدرك أن ما يقوله حقيقة.
                      ضحك بجنون غير مصدق، نظر للرجل الذي جلبه ولموضع سلاحه، اقترب منه بطريقة لا يشك بها أحد، بظرف ثانية وأقل سحب السلاح ليوجهه ناحية سلطان.
                      رائد أشار لرجله أن لا يقترب منه، وهو يستمتع بالفتنة المقامة بينهم.
                      ناصر : سألتني وقلت تغفر لشخص غلط وأثر بحياتك؟ وقلت لك لا مستحيل أسامح شخص ضرني! وما كنت أعرف سبب سؤالك المفاجئ لي لكن الحين عرفت، عرفت إنك تلاعبت بحياتي ومن حقي الحين أتلاعب بحياتك!! ماعندي شي أخسره، ببرد حرتي وبيكفيني هالشي . . غيبت زوجتي برضاك أكثر من سنة وأنا بغيبك عن الدنيا بكبرها متعمد وقاصد! . . . .
                      سلطان نظر لفوهة السلاح المصوبة بإتجاهه، أتى صوت عبدالرحمن المقترب من ناصر : ماهو برضاه! أقسم بالله ماهو برضاه يا ناصر، كلنا كنا نشوف هالشي بصالحكم، لو كان بإيدنا والله ما تصرفنا كذا، يمكن أنت ما تشوف هذي مبررات كافية لكن أقسم لك بالحي القيوم إننا لو كانت الأمور بإيدنا بعد الحادث ما خبينا عنكم شي، وكنا ماراح نخطط أننا نخبي عنكم حياة أحد فيهم! لكن كانت الأمور برا سيطرتنا، عرفنا عن الحادث مثل أي شخص في هالدنيا وعرفنا عن موتها بعد، لين جانا الخبر بعد فترة وأكتشفنا حياتها وبعدها وكلنا مقرن يهتم فيها، ما كنا نبي شي واحد يضرها، لكن الطرف اللي خلانا نمنع نفسنا من إننا نقولكم هو سليمان اللي كنا متوقعينه شخص ثاني! خفنا على حياتكم لو أجتمعتوا! كان لازم نبقى على خطتهم لين نتمكن منهم ونفرض قراراتنا عليهم، لأن ولا قرار بعد الحادث كانت أسبابه من ظروفنا إحنا، كل الأسباب كانت بسببهم، . . . تعوذ من الشيطان ونزل السلاح
                      عبدالعزيز : ناصر
                      كل الأعين توجهت لشفاه عبدالعزيز ولما سينطقه، بهدوء أردف : لا تخليها في خاطرك!
                      نظر إليه سلطان بصدمة ليس بعدها صدمة، تبعتها صدمة عبدالرحمن و حتى رائد كانت الصدمة واضحة بنظراته.
                      ناصر تأكد من وجود الرصاص وأصبعه يلامس الزناد.
                      سليمان لأنه أدرك لا أحد سيقترب منه نطق : مثل موتة مقرن بتكون موتتك يا سلطان! لكن اللي ذبح مقرن من رجالي واللي بيذبحك ماهو عدوك!!
                      سلطان تجاهل كلماته وعيناه بعيني ناصر، طال الصمت بنظراتهما وسبابة ناصر تصل للزناد بيسر وسهولة.
                      رائد أراد أن يضغط على ناصر ويستفزه حتى يطلق عليه بسرعة : وبعدها أيش صار؟ وليد حاول يتقدم بزواجه عليها ويتجاهلون إنها مازالت على ذمتك وبينكم عقد زواج مصدق، وطبعا رضا غادة على هالزواج كان تابع من أمل اللي بدأت تشككه وتثير جنونها، طبعا أمل في البداية اللي هي أمها كانت تتبع أوامر مقرن لأن مقرن تابع لفيصل وفيصل تابع لسلطان وعبدالرحمن واللي خابرهم! لكن بعدها أنحرفت شوي عن الطريق لما على قولتهم رجع فيصل لعقله وترك سليمان، وخلى سليمان يتدخل بموضوع غادة بعد ما رفع إيده منها عقب الحادث، ودفعوا لأمل عشان تجننها وتكرهها بعمرها! ويا حرام المسكينة وش كثر عانت و أنهبلت بعد!! لدرجة قالت خلاص بتزوج وليد وكانت قريبة بزواجها من وليد بعد، وأكيد هالزواج أو خلنا نقول عرض الزواج ماجاء ببساطة، أكيد فيه أشياء كانت تصير بالعيادة بين 4 جدران مالهم ثالث!!
                      عبدالعزيز بغضب خدع رائد بعينيه ليأخذ علبة زجاجية ويرميها عليه حتى أتت على كتف رائد، بخطى طويلة سريعة شد على رقبة رائد وهو يحاول أن يخنقه بيديه المبللة بالدماء، من ذكر أخته المشين على لسانه.
                      جاء رجل رائد من خلفه ليسحبه ويدفعه على المكتب ويجرح جبين عبدالعزيز بهذه الضربة، وقف رائد وبحدة وصلت أقصاها أخذ قطعة من بقايا الزجاج وثبتها بين أصبعيه ليصفع عبدالعزيز بقوة حتى يجرح خده.
                      عبدالعزيز دفع الرجل الذي حاول إيقافه وهو يرفسه حتى وقع على الأرض، تقدم ناحية رائد ولكنه وقف عندما إتجه السلاح نحوه.

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...