انت لي .... قصة جميلة .. منقول ( 1) كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Loli.
    V - I - P
    • Feb 2009
    • 5514



    • أيـــام .. كانت أيام :(


      تليغرامي للإقتباسات
      اضغط هنا


      .

      شيخة قلبه سابقا

    رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,



    ولم يكن قد سبق لرغد وأن طلبت شيئا كهذا ولم تكن تبوح بحنينها لوالديها أو تعبر عن أي مشاعر تكنها لهما... منذ كانت طفلة صغيرة... على الأقل هذا ما اعتقده...
    أضافت دانة بأسى:
    "لو أننا نعلم أين وليد الان... إلى متى سنظل نجهل مصيره؟؟"
    أشرت إليها أن تخفض صوتها... لئلا يصل إلى مسامع رغد وصمت لبرهة ثم قلت هامسا وأنا أعقد العزم:
    "سأذهب للبحث عنه بنفسي"
    عندها تلاشت العتمة الرمادية عن وجه دانة وحل التوهج الأحمر على وجنتيها وقالت:
    "تذهب أنت؟؟ لا! مستحيل"
    فقلت:
    "لا بد من ذلك يا دانة"
    فإذا بها تمسك بذراعي وتهز رأسها اعتراضا وتقول منفعلة:
    "كلا... لن أدعك تذهب يا سامر... الان لدي أخ واحد موجود, هل تريد أن أفقدكما أنتما الاثنين؟؟"
    فقلت:
    "ولكن يا دانة"
    ولم تدع لي المجال لإتمام الجملة بل أسندت رأسها إلى كتفي وقالت:
    "لا تفكر يا سامر... أنا ما كدت أصدق... أنك معي الان... ما أحوجنا... أنا ورغد إليك... أنت من تبقى لنا من العائلة... أرجوك لا تفكر في الذهاب"
    علاقتي بشقيقتي دانة كانت قوية جدا منذ الصغر... كنا صديقين حميمين... وكنت أعتبرها أقرب الناس إلي... وكانت الوحيدة التي أبث لها بهمومي وأشكو إليها مخاوفي.
    والان... بعد اجتماعنا من جديد عقب كل ذلك الفراق, استعادت علاقتنا حرارتها ومتانتها... وأخبرتها بتفاصيل ما حصل معي ومع المنظمة... والشرطة... وبكل ما مر بي منذ ليلة زواجها وحتى الان... بل وحتى عن العملية التي أكريت لجفني... وعملية الاغتيال الفاشلة التي شاركت فيها... والمؤامرات التي حكناها وكنا على وشك تنفيذها...
    وحالة اليأس التي اعترتني لدى فقد أحبتي... ورغبتي في الانتقام لمقتل والدي... تفاصيل كثيرة ومريرة... أعارتني لسماعها الأذن الصاغية.. والصدر الرحب.. والقلب الحنون.. كعادتها دوما... ما ضاعف شعوري بالندم والخجل من أفعالي...
    مسحت على رأسها مؤازرا... فنظرت إلي ببعض الرضا ثم قالت:
    "كما أنني لا أستطيع تحمل مسؤولية رغد... تعرف أنه لا طاقة لي بمزاجها في الوضع الطبيعي, فكيف بها وهي في هذه الحال؟؟"
    شردت قليلا.. وتذكرت شقيقي في يوم فرارنا... وهو يوصني برغد ويحذرني من الابتعاد عنها مهما حصل... وغزت ابتسامة ساخرة واهية زاوية فمي اليمنى... لاحظتها دانة فسألت:
    "ما الأمر؟؟"
    فأجبت:
    "تذكرت وليد... وهو يوصيني على رغد... كأنه كان يعرف... أنه لن يواصل الطريق معنا"
    وشردت برهة ثم تابعت:
    "كانت اخر كلماته لي: (إنها أمانتك أنت الان) ..."
    وأسندت رأسي إلى الجدار ونظرت للأعلى وخاطبت وليد الغائب في سري:
    (هذه الأمانة... لا تريدني أنا يا وليد... بل تريدك أنت)
    ثم صفعت برأسي في الجدار بمرارة...
    عدت أدراجي إلى غرفة نومي... وما إن دخلتها, حتى سمعت صوت هاتفي يرن...أسرعت إليه متمنيا أن يحمل الاتصال خبرا جيدا... كان المتصل هو سيف الحازم... صديق وليد المقرب... يخبرني وللعجب والدهشة... أنه مع وليد الان... في البلدة المجاورة لبلدتنا... في إحدى المستشفيات...

    ************
    منذ أن تلقيت اتصاله يوم الجمعة هرعت إلى وليد... أنا مع والدي مسافرين برا إلى المدينة المجاورة. وليد كان معتقلا لدى سلطات البلدة لتورطه بقضية حمل سلاح بدون ترخيص. لم نحصل منه على تفاصيل عبر الهاتف ولدى وصولنا فوجئنا بمن يبلغنا بأنه قد نقل تحت الحراسة إلى إحدى المستشفيات نتيجة تدهور وضعه الصحي المفاجئ...
    مفاجات وليد هذه لا تنتهي ولم تكن لتخطر لأحد على بال...
    تولى والدي-وهو محام كبير كما تعرفون- أمر القضية وحصلنا على إذن رسمي بزيارته داخل المستشفى يوم الاثنين. قابلنا الأطباء وسألناهم عن وضعه قبل زيارته فأخبرونا بأنه كان لديه نزيف حاد في معدته وتمزق في جدارها والتهاب شديد في أنسجة البطن... وأنهم اضطروا لإدخاله إلى غرفة العمليات وإجراء عملية عاجلة له... وإعطائه كمية كبيرة من الدماء...
    تعلمون أن وليد يشكو منذ زمن من قرحة في المعدة ويظهر أنها اشتدت وتمزقت ونزفت بغزارة...
    هذا تفسير معقول...
    لكن الغير معقول والغير مصدق... هو ما قالوه أيضا... أنهم وجدوا علامات على جسده تشير إلى أنه تعرض للضرب أو التعذيب الشديد قبل ساعات من فحصه...
    أما الأشد غرابة فهي ورطة السلاح... وهذا السفر المفاجئ لوليد... والغموض الشديد الذي يغلف القضية...
    دخلنا غرفة وليد يسبقنا فضلونا للاطمئنان عليه ومعرفة التفاصيل... لكن ما إن وقعت أعيينا عليه حتى أطبقت على فمي كي لا أطلق شهقة قوية تثير بلبلة من حولي... وحملقت فيه مذهولا... وكذلك فعل والدي.
    اقتربنا من سريره بخطى مترددة... إذ أننا لم نتيقن من كون هذا المريض هو بالفعل وليد... وأن القضية كلها ليست تشابه أسماء أو سوء فهم...
    رباه... أحقا هذا وليد؟؟
    اللهم نسألك اللطف والرحمة...
    كان مغمض العينين, ربما نائم... ربما فاقد الوعي... أو ربما أسوأ من ذلك. جسمه ملفوف بالضماد في عدة مواضع والعديد من الأجهزة موصلة به. جهاز يراقب نبض القلب, جهاز يكشف مستوى الأوكسجين, جهاز يقيس ضغط الدم... وقارورة دم معلقة قربه... تقطر دما متدفقا عبر الأنابيب إلى وريده... كان يبدو مزريا... وكانت هناك ممرضة قابعة بجواره تراقب شاشات الأجهزة وأخرى تقف في الجانب الاخر وتعمل على تنظيف ما ظهر لنا أنه جرح في البطن. الغرفة تعبق برائحة الأدوية والمطهرات... ويدوي فيها طنين الأجهزة كأنه صفارة إنذار بالخطر...
    اهتز قلبنا لدى مشاهدة المنظر وتبادلنا نظرات الاستغراب والأسف.
    عندما نزعت الممرضة الضمادات عن الجرح رأينا حركة تصدر من الجسم الممدد على السرير تحت اسم صديقي وليد... قفزت أعيننا نحو عينيه ولكنه لم يفتحهما... بل حرك يده على السرير وكأنه يعتصر ألما...
    قالت الممرضة:
    "اصبر قليلا"
    ثم نظرت الممرضة الأخرى إلى ساعة يدها وقالت:
    "إنه موعد المسكن على أية حال"
    وحقنت دواء ما عبر أنبوب المصل المغروس في ذراع وليد. أثناء جريان الدواء إلى وريد وليد كانت تعبيرات الألم ترسم على وجهه تجاعيد عابسة حزينة... اقترنت بانقباض يده واعتصار عينيه... على إثر هذا لم أتمالك نفسي وأقبلت نحوه بهلع وهتفت:
    "وليد... وليد..."
    رأيت وليد يفتح عينيه... ثم يحاول تحريك رأسه ببطء يمينا ويسارا يفتش عن مصدر الصوت... فمددت يدي إلى يده وشددت عليها وقلت:
    "وليد... صديقي... أنا هنا... سيف"
    التفت وليد إلي, وبدا أنه غير مصدق, أو مشوش الرؤية... وأحسست بأصابعه تحاول أن تشد علي.. إلا أنها سرعان ما ارتخت وسرعان ما أسدلت عينيه الجفون وغطت الرؤية. وعندما ناديته بعدها لم يجبني.
    وسمعت الممرضة تقول:
    "أعطيته للتو الدواء المخدر"
    فالتفت إليها وسألت في ذات الوقت الذي سأل والدي:
    "هل هو بخير؟؟"
    فأجابت:
    "يتحسن. غير أنه لا يزال بحاجة إلى المخدر للسيطرة على الألم"
    بعدها ذهب والدي لمتابعة القضية وبقيت بجوار وليد أراقبه بتمعن واعد الثواني متزامنة مع قطرات الدم المتدفقة من القارورة... متناغمة مع طنين الأجهزة ومؤشر دقات قلب وليد... وأنا شديد الحيرة والقلق والتشويش... إلى أن استفاق وليد أخيرا بعد نحو ساعتين... فاقتربت منه وشددت على يده برفق وقلت:
    "سلامتك... يا عزيزي... ماذا حل بك؟؟"
    نظر وليد نحوي وشد بضعف على يدي وأومأ متجاوبا معي... ثم نطق والقلق يغطي تعبيرات وجهه:
    "سيف... الهاتف"
    وفهمت منه أنه يريد استخدام الهاتف... استخرجت هاتفي وفيما أنا أمده نحوه سمعت الممرضة تقاطعنا قائلة:
    "ممنوع... لا للهواتف المحمولة هنا"
    تلفت من حولي ولم أجد جهاز هاتف ثابت فسألت:
    "إذن كيف يمكننا الاتصال؟؟"
    فقالت:
    "خارج المبنى"
    عدت إلى وليد والذي اشتد القلق على وجهه وسألت:
    "بمن تريدني أن أتصل؟؟ بزوجتك؟"
    فأومأ برأسه نفيا ثم قال:
    "سامر... رغد..."
    حل والدي المسألة بطريقة ما وأطلق سراح وليد رسميا بعد ثلاثة أسابيع أخرى... وكان لا يزال ملازما سرير المستشفى وبحاجة للرعاية الطبية, وكنا أنا ووالدي نتنقل بين البلدتين لعيادته من وقت لاخر... وكنت أقوم بدور المرسال بينه وبين شقيقه.. غير أنه وفور صدور أمر الإفراج عنه أصر على مغادرة المستشفى مخالفا أمر الأطباء... ورافقته بنفسي إلى مكتب الطيران حيث حجز مقعدا على متن أول طائرة تغادر البلدة متجها إلى عائلته...
    وليد أخبرنا أنا ووالدي عن مشكلة تورط شقيقه في الشغب... وعن تعرضه للضرب من قبل السلطات... واتضحت لنا الأمور الغامضة... غير أنه حذرنا من تسريب أي معلومات لأي كان أو لأي مكان... وبالأخص للمصنع وموظفيه...
    ولذلك فإنني لدى تلقي اتصال من أسامة يسأل فيه عن وليد الغائب فجأة منذ أيام... زعمت أنه اضطر للسفر إلى شقيقته لظروف عائلية خاصة...
    للعلم فإن حالة وليد الصحية لا تزال متدهورة ومعظم الأطعمة محظورة عليه...
    وهناك شيء أخر سأخبركم به أيضا... وليد طلب من أبي أن يباشر إجراءات التنازل عن الوصاية على ابنة عمه اليتيمة القاصر لصالح شقيقه الوحيد... سامر!

    **********
    تلقيت مكالمة من المحامي يونس المنذر الذي يعمل مع وليد في المصنع, يسألني فيه عن وليد... ثم أبلغني بأنه مختف منذ أيام!
    وأبلغني أيضا... بأن ابنة أخيه والتي تدرس مع رغد في الجامعة أكدت أن رغد عاودت الحضور إلى الجامعة لبضعة أيام ثم اختفت أيضا وفقد الاتصال بها... وأنهم حاولوا الاتصال مرارا بوليد عبر هاتفه المحمول وعبر هاتف المنزل وحتى هاتف رغد دون جدوى... وكذلك زاروا منزل وليد أكثر من مرة في أوقات مختلفة وما من أحد...
    أشعرني ذلك بقلق شديد وحاولت الاتصال به بنفسي ولم أفلح. كان خالي قد كلمه اخر مرة يوم الخميس... وحسب قول خالي, كان وليد متوترا وقال أنه مشغول وقطع المكالمة فجأة. تفاقم القلق في نفسي كثيرا... وبلغ ذروته حين أخبرني المحامي في اتصال لاحق بأنه لاحظ اختفاء مبالغ كبيرة من رصيد وليد الخاص, ورصيد المصنع, وتغير مجرى قلقي ومخاوفي حين علمنا بعد ذلك أنه سافر.
    كان أبو فادي صديق وليد هو من أبلغنا بهذا الخبر وأكدته عائلة أم حسام, خالة رغد... قالوا... أنهم علموا أنه سافر مع أخيه وابنة عمه إلى الخارج لأمر طارئ... لكنهم قالوا أنهم يجهلون أي تفاصيل...
    كنت أنتظر من وليد الحضور إلي من أجل إعادة النظر في مشكلتنا الخاصة والتي هي أكبر وأهم من أن يماطل في حلها... فكيف تتوقعون




    تعليق

    • Loli.
      V - I - P
      • Feb 2009
      • 5514



      • أيـــام .. كانت أيام :(


        تليغرامي للإقتباسات
        اضغط هنا


        .

        شيخة قلبه سابقا

      رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

      مني أن أفكر... لدى علمي بأنه قد تركني فيما أنا فيه... وسافر مع عائلته دون أي كلمة؟؟ وكأنني شيء جانبي في حياته أو على الهامش...
      تفاقم إحساسي بالغيظ وخيبة الأمل من وليد... وفاق إحساسي السابق بالقلق... فتوقفت عن محاولة الاتصال به... وصممت على ألا أكلمه... حتى أقابله وجها لوجه... المقابلة الحاسمة...

      ***********
      كعادتي كل يوم... أقضي الساعات في الرسم... إذ إنه لاشيء أمامي غيره...
      لم أكن أرغب في مجالسة دانة وسامر أو التحدث معهما... لم أرغب في التواصل مع خالتي ونهلة وطمأنتهما على أحوالي... لم أبادر بمهاتفة مرح أو أي زميلة في الجامعة وإعلامها بما حصل معي...
      لا شيء يثير اهتمامي... ويشغل تفكيري... غير وليد...
      لم أكن أرى غير عينيه... في نظرته الأخيرة لي... عبر زجاج نافذة السيارة... وهو يلوح لي مودعا...
      والصورة الأخيرة التي طبعتها في مخيلتي... ترجمتها بفرشاتي فصارت نصب عيني...
      كدت قد تعلقت بأمل شبه ميت... بأنه بخير... وسيظهر... هكذا كان سامر وعمي أبو حسام يرددان كلما سألتهما... إلى أن اتصل بسامر أبو فادي, صديق وليد الحميم وأكد أنه مع وليد في تلك البلدة وأن أباه المحامي يعمل جاهدا على حل قضيته. وصار سامر على اتصال يومي به... ينقل إلينا الأخبار أولا بأول... ويطمئننا إلى أن وليد بخير... وسيطلق سراحه قريبا...
      الحمد لله...
      الساعة التاسعة والنصف مساء... ولا أزال واقفة أمام لوحتي الجديدة... أدمج ألوانها بحذر... متمنية أن أنجح هذه المرة في تصوير ملامح وقسمات وجه وليد... تماما كما هي في الحقيقة... وتماما كما كانت لحظة أن ودعني ويده تلوح في الهواء...
      لحظة فظيعة... فظيعة جدا!
      أشعر بتعب... فأنا منهكة في الرسم منذ ساعات... هذا إلى أنني مصابة بالزكام الحاد نتيجة الجو البارد في هذه البلدة... وتداهمني نوبات متكررة من السعال الشديد...
      يطرق الباب, فأجبت بتملل:
      "من هناك؟؟"
      وأنا أعرف أن الطارق لن يكون غير واحد من اثنين... سامر... و دانة... وهما لم يأتيا ويربكا تركيزي- كعادتهما منذ ساعات...
      وعلى أثر التكلم تنتابني نوبة سعال قوية...
      "هل تأذنين لي بالدخول؟"
      سمعت صوت سامر يتحدث... فوضعت لوح ألواني جانبا باستياء... وتناولت وشاحي واتجهت إلى المراة وأنا لا أزال أسعل...
      هنا سمعت صوت مقبض الباب يدار وفوجئت به يفتح...
      كيف تجرؤ!
      التفت إلى الباب بسرعة وأنا أهتف بصوتي المبحوح:
      "انتظر سامر"
      فإذا بي أرى دانة تطل برأسها من فتحة الباب ثم تتسلل إلى الداخل...
      نظرت إليها باستغراب... وأصابني القلق لدى رؤيتي سيلين من الدموع على وجنتيها وتعبيرات متداخلة قوية منقوشة على وجهها... ثم إذا بها تقول:
      "الان...؟؟"
      وتلتفت إلى الناحية الأخرى وتقول:
      "تفضل"
      وتفتح الباب على مصراعيه...
      كان موليا ظهره للباب... ثم تنحنح بخشونة... واستدار ليلقي نظرة على داخل الغرفة... وتقع عيناه على عيني... ويتهلل وجهه ويبتسم ويقول:
      "صغيرتي!"
      لا أصدق...
      لا أصدق...
      لا أصدق... لا أصدق...
      شهقت... رفعت يدي إلى فمي... كتمت سعالي... تراجعت إلى الوراء بخطوات مبعثرة... أهز رأسي... ثم أؤرجح يدي... ثم أترنح على قدمي... ثم أتسمر في موضعي... ثم أطلق زفرة صارخة قوية:
      "وليد!!!"

      ***********
      كانت تقف على قدميها الاثنتين... أجل, فالجبيرة قد نزعت عن رجلها اليسرى... وصارت تمشي بحرية...
      لكنني لحظت العرج البسيط في مشيتها من أول خطوات سارتها أمامي... وسمعت بحة قوية في صوتها وهي تناديني...
      يا لصغيرتي الحبيبة... يا لرغد...
      إنني لا أكاد أصدق... أنني عدت لأراها من جديد...
      لقد حسبت... القدر يلعب معي لعبته الجديدة... وأنتهي مرميا في السجن محروما من الحرية... من نور الشمس والهواء... ومن أهلي وأحبابي...
      ما سجدت لله شاكرا... لن أستطيع أن أبلغ جزءا من ألف جزء... من واجب الشكر والامتنان للرحمن...
      اللهم لك الحمد والشكر... بعدد ما تشاء وما ترضى... إلى ما تشاء وما ترضى...
      فيما بعد... جلست على أحد المقاعد... وأحاط بي شقيقي من الجانبين, ووقفت الصغيرة أمامنا... فضممت أخوي إلي بحرارة... مرددا (الحمد لله) وداعيا ربي بأن يحفظ لي أخوي وابنة عمي... ويبقي لي عائلتي سالمة وبعيدة عن كل المخاطر...
      المأزق الذي مررت به... محنة سامر هذه... شيبت شعري وجعلتني أقفز إلى سن الشيخوخة... وأصبح كعجوز على فراش المرض يعد أواخر أيامه... ويلملم أفراد عائلته من حوله... ليودعهم...
      ولأنه كان اجتماعي الأول بدانة بعد فراق طويل... منذ ليلة عرسها تلك... فإن مئات المشاعر لمئات الأسباب والأحداث تفجرت ليلتها... وأغرقتها في بحور عميقة لا بداية لها ولا نهاية...
      وطبعا لم تكن المناسبة تمر دون أن نذكر والدي رحمهما الله, ونقلب المواجع على فقدهما... وقد كانت دانة هي اخر من راهما قبل وفاتهما... عندما زارتهما هي وعريسها بعد زواجهما مباشرة, وقبل انتقالهما للعيش في هذه البلد...
      يا للذكريات...
      هدأت عواصف مشاعرنا المختلفة أخيرا... وبدأ الجميع يسألني عن تفاصيل ما حصل معي خلال الأيام الماضية... فأوجزت لهم الأحداث وطمأنتهم إلى سير الأمور على خير... واطمأننت بدوري عليهم وشعرت لأول مرة... بعد عناء طويل وانشغال كبير... براحة البال...
      وأنا أرى سامر... ورغد... وكذلك دانة من حولي... لم أكن لأتمنى من هذه الدنيا إلا سلامتهم... شددت على يد سامر ونحن نحدق في بعضنا البعض... وكانت النظرات أبلغ وأفصح من أي كلمات...
      الحمد لله...
      ولأنني كنت مرهقا من عناء السفر الطويل... ولا أزال في فترة النقاهة... فقد أردت أن أخلد للنوم والراحة... أخذتني دانة إلى إحدى الغرف... في زاوية بعيدة بعض الشيء عن الجناح الذي يقيم فيه سامر ورغد... وتركني الجميع هناك لأستحم ثم اوي إلى الفراش...
      بعدما أنهيت استحمامي وفيما أنا أستخرج أدويتي من الحقيبة لأتناولها سمعت طرقا على الباب.
      "تفضل"
      كانت شقيقتي دانة... تحمل معها بطانيات وألحفة.
      "تدثر جيدا... لئلا تصاب بنزلة برد مثل رغد"
      قالت وهي تضعها على السرير فابتسمت وقلت:
      "شكرا"
      "أتحتاج أي شيء؟؟ ألا أجلب لك طعاما؟"
      سألت فأجبت:
      "كلا شكرا. هل لي ببعض الماء فقط؟؟"
      "بالتأكيد"
      وهمت بالانصراف فأضفت:
      "ومصحف من فضلك"
      فابتسمت وحانت منها التفاتة إلى المنضدة التي وضعت عليها الأدوية ثم نظرت إلي باستنكار وقالت وهي ترفع سبابتها:
      "التدخين ممنوع!"
      فضحكن ضحكة خفيفة وقلت:
      "هذه أدوية معدتي! أقلعت والحمد لله"
      وفيما بعد جلست على السرير ملتحفا بالبطانية... أتلو ايات من الذكر الحكيم... وأحمد الله مرارا وتكرارا في سريرتي... وما إن مضت بضع دقائق حتى عاد الطرق على الباب...
      "نعم تفضل"
      متوقعا أن تكون دانة... غير أنها كانت رغد...
      بدا عليها التردد وعي تفتح الباب ببطء وتطل من فتحته... ثم تخطو خطوة أو اثنتين إلى الداخل... بمجرد أن وقعت عيناي على عينيها عرفت أن لديها الكثير لتقوله... لكن تعبيرات وجهها اضطربت وقالت:
      "اعتذر على الإزعاج... فقط أردت أن... أسألك إن كنت بحاجة إلى شيء"
      أنا؟!... أنا محتاج إلى كل شيء يا رغد!
      أجبت:
      "شكرا صغيرتي... لا شيء للان"
      فشتت أنظارها في أرجاء الغرفة ثم سألت بخجل:
      "هل شفيت إصاباتك؟؟"
      تعني ولا شك... الهجوم الوحشي الذي تعرضنا له تلك الليلة... وهي ليلة أشعر بالخجل والعار كلما تذكرتها... غضضت بصري وأجبت محاولا التظاهر بالعفوية والمرح:
      "نعم... كما ترين"
      ولما رفعت بصري إليها رأيتها تبتسم ثم تقول:
      "حسنا... تصبح على خير"
      ثم سعلت لبضع ثوان وهي تتراجع للخلف... فقلت:
      "سلامتك"
      فاتسعت ابتسامتها... وتابعت سيرها إلى الوراء وهي ممسكة بمقبض الباب تغلقه ببطء إلى أن بقيت فتحة صغيرة بالكاد تسمح برؤية نصف وجهها فإذا بي أسمعها تقول:
      "أنا سعيدة بعودتك سالما... كدت أموت خوفا عليك... سعيدة جدا"
      وتغلق الباب!
      في اليوم التالي اجتمعنا أنا وشقيقاي ورغد ونوار حول مائدة الغداء... وحتى لو لم أشاركهم طعامهم, شاركتهم الدفء العائلي والإحساس بالانتماء... والجو الأسري الرائع الذي كثيرا ما أفتقده...
      وفي وقت القيلولة... جلست مع أخي سامر في غرفته أسأله عن تفاصيل ما حصل معه ومع رغد بعد افتراقنا... وأناقش معه الخطط المستقبلية... دار بيننا حديث طويل... كنت من خلاله... أريد أن أستشف وضعه النفسي... وأعرف إلى أي مدى ارتفعت معنوياته واستعاد رباطة جأشه...
      وبالطبع, تحاشيت تماما ذكر موضوع المنظمة... بل إني قد عاهدت نفسي ألا أكترث لما فعل أخي ولا لكيف فعل, لا حساب ولا عتاب ولا استجواب, إن هو نجا وخرج من المأزق الخطير سالما... وما دام أخي معي الان... وأراه أمامي بخير... فلا يهمني النبش في الماضي...
      "لم تحدق بي؟!"
      سأل سامر وقد لاحظ شرودي وأنا انظر إليه... فابتسمت وقلت:
      "اسف... كنت أفكر... كيف سنعثر على منزل مناسب لنشتريه..."
      فقال:
      "في الحقيقة كنت قد استفسرت من نوار مسبقا... عمه يقيم في هذه البلدة منذ عشرين عاما ويستطيع مساعدتنا في تدبر أمر المنزل"
      قلت:
      "جيد. إذن سنسعى لذلك من الان إذ أنه من المحرج مبيتنا هنا"
      حتى ولو كانت عائلة نوار ترحب بنا بشدة...
      قال سامر:
      "نشتري شقة مناسبة في مكان قريب من هذا المنزل"
      قلت:
      "أو منزلا مستقلا... صغيرا ويناسب وضعنا الراهن"
      قال سامر وهو يركز النظر إلي:
      "إذن... هل... ستستقر هنا؟؟"

      تعليق

      • Loli.
        V - I - P
        • Feb 2009
        • 5514



        • أيـــام .. كانت أيام :(


          تليغرامي للإقتباسات
          اضغط هنا


          .

          شيخة قلبه سابقا

        رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

        وهو أمر لم أكن أريد التطرق إليه الان... وأفكاري غير مرتبة... وجسمي منهك... وأعرف أنه موضوع إن فتح سيجر خلفه مواضيع لا طاقة لنا بها هذه الساعة, لذا تظاهرت بالنعاس وتثاءبت وقلت وأنا أقف:
        "سأفكر لاحقا... أشعر بالنعاس... سأقيل قليلا"
        وغادرت الغرفة.
        ذهبت إلى الغرفة التي خصصتها دانة لي, واضطجعت على السرير... وتدثرت بكل الألحفة والبطانيات المفروشة فوقه, ناشدا الدفء الذي حصلت عليه... في هذا الجو البارد... في هذه البلدة الغريبة... في هذه الغرفة النائية... كان مصدره المحفظة التي تنام تحت وسادتي...
        أشلاء صورة رغد...

        ************
        تغمرني سعادة لا توصف... وأنا أواصل دمج الألوان في لوحة وليد الأخيرة... وأتذكر وجوده من حولي... وأطلق زفرات الارتياح...
        تناولنا الفطور والغداء معا هذا اليوم... صحيح أن وليد لم يشاركنا الأكل بسبب معدته, لكنه شاركنا الجلوس حول المائدة والأحاديث المختلفة... وعلمت أنه كان راقدا في المستشفى منذ فارقنا وحتى وافانا بسبب نزيف قرحة معدته... وأنه خضع لعملية جراحية لعلاجها وهي حقيقة أخفاها سامر عني طيلة الوقت...
        وليد قلبي بدا مريضا بالفعل... شاحب اللون وفاقد الحيوية ومنطفئ البريق الذي كان يشع من عينيه... لكن الأهم أنه معنا الان... وفي أمان...
        عند العصر سمعت صوت دانة تناديني من خلف الباب:
        "رغد تعالي لتناول الكعك معنا... نحن في الصالة"
        فرددت بسرور ومباشرة:
        "قادمة"
        وتركت فرشاتي وانطلقت تسبقني سعادتي إلى الصالة, حيث كان أبناء عمي الثلاثة يجلسون... اقتربت منهم واتخذت مجلسي بجوار دانة, واخترت أكبر قطعة من الكعك... وبدأت في تناولها باستمتاع...
        دانة ماهرة في صنع الكعك كما تعلمون... أما أنا فماهرة في التهامه!
        راقبت وليد خلسة فلاحظت أنه يكتفي بشرب الماء من الكأس الموضوع أمامه, ولا يلمس الكعك...
        قلت:
        "إنها لذيذة وخفيفة وليد"
        فأجاب وهو يبتسم:
        "لا شك عندي... لكن معدتي لن تتحمل"
        قالت دانة:
        "جرب قضمة واحدة صغيرة... هيا وليد... من أجلي"
        فكرر وليد اعتذاره وقال:
        "إن اشتعلت هذه فلا شيء يطفئها"
        وهو يشير إلى معدته, أحسست بالألم والقلق لأجله... وأنا متأكدة أن ما هيج قرحته وسبب نزيفها هو الضرب الوحشي الذي تلقاه على أيدي وأرجل العساكر الوحوش... تلك الليلة...
        تذكر تلك الليلة... جعل يدي ترتجف, وتوقع الشوكة من بين أصابعي...

        نظرت على وليد وشعرت وكأنه قرأ الذكريات التي مرت في مخيلتي... فقلت لا شعوريا بصوت هامس:
        "الحمد لله... أنك هنا الان"
        وكأن أحدا لم يسمع ما قلت, فسألت دانة:
        "عفوا؟؟"
        فانحنيت لالتقاط شوكتي وأنا أقول مغيرة الموضوع:
        "ما رأيك في المنزل وليد...؟ أليس رائعا؟؟ دانة تتصرف كملكة فيه!"
        فنظرت دانة إلي بتباه وقالت مداعبة:
        "أنا بالفعل ملكة هنا! كل هذا تحت تصرفي!"
        فقال وليد مبتسما:
        "هنيئا لك"
        فقالت دانة:
        "وأنتم كذلك... اطلبوا ما تشاؤون"
        فقال سامر بعد أن ابتلع اخر قطعة في فمه:
        "لا عدمناك... يكفينا هذا الجناح مؤقتا إلى أن نشتري منزلا أو شقة"
        والتفت إلى وليد يطلب تأكيد كلامه, فقال الأخير:
        "نعم. وسنعمل على ذلك عاجلا"
        فقالت دانة مستاءة:
        "هراء! تبحثون عن منزل ولدينا كل هذا؟؟"
        فرد وليد:
        "بارك الله فيكم... ولكن لا بد من منزل مستقل... إن عاجلا أم اجلا"
        فقالت دانة مخاطبة إياه بحنق:
        "وكأن منزلنا لا يتسع لكم! سامر الخدم بتنظيف وإعداد كل الغرف التابعة لهذا الجناح وننقل غرفة نومك إلى أي غرفة تختارها يا وليد... سيكون هذا الجناح منزلكم"
        فقال وليد:
        "أرجوك... لا تتكبدوا العناء... الجناح هكذا يفي بالغرض لحين شراء مسكن مستقل ينتقلان إليه... أنا هنا مؤقتا على كل حال"
        الجملة أربكتني وجعلتني أحملق في وليد... ثم أسأله:
        "ماذا تعني؟؟"
        وتنقلت بأنظاري إلى سامر و دانة, ورأيتهما يحملقان في وليد أيضا...
        وليد لم يتكلم لأنه شعر بأن الأعين تتربص به... بل بدا مرتبكا وكأن الجملة قد انفلتت من لسانه دون قصد ولم يستطع استدراكها... أعدت سؤالي:
        "ماذا تعني... وليد؟؟"
        فإذا به يتأتئ ويمسح على جبينه ثم يرد أخيرا:
        "اه... أعني... أنني سأعود إلى الوطن عاجلا..."
        شهقت وترددت بأنظاري بين وليد وسامر و دانة ثم قلت وغير مصدقة:
        " تمزح وليد... ألست تمزح؟؟!!"
        فابتسم بقلة حيلة وقال:
        "لا أمزح! أعني أنني... أنا هنا... لأطمئن عليكم ثلاثتكم وها قد اطمأننت ولا بد من العودة"
        أخذ التوتر يتفاقم على وجهي ولاحظ الجميع ذلك... ثم قلت والكلمة لا تكاد تخرج من ثغري:
        "و... وأنا...؟؟"
        فتبادل الجميع النظرات... ثم تسلطت أعيينا على وليد الذي لم ينطق مباشرة... كان مترددا غير أنه في النهاية قال:
        "ستبقين هنا يا رغد"
        لما لاحظ سامر الهلع يجتاح قسمات وجهي قال مخاطبا وليد ومحاولا تلطيف وقع النبأ:
        "لكن... لن تسافر بهذه السرعة... تعني بعد بضعة أسابيع؟..."
        فالتفت إليه وليد وقال:
        "بضعة أيام لا أكثر... تعرفون... لدي زوجة في انتظاري"
        عند هذا الحد... وشعرت برغبة مفاجئة في التقيؤ... فوقفت بسرعة وأنا أسد فمي بيدي وهرولت إلى دورة المياه...
        عندما خرجت من الحمام –أكرمكم الله- وجدت دانة تقف في الجوار في قلق... وسألتني:
        "أأنت بخير؟؟"
        ولم أجب.
        فأضافت:
        "هل كانت الكعكة سيئة أو ماذا؟؟"
        التفت إليها وقلت:
        "ألم تسمعي ما قال؟ يريد العودة إلى الوطن... بعد كل الذي تكبدنا من أجل الفرار... إنه يريد العودة إلى الخطر"
        بدا على دانة تفهم مشاعري... ثم قالت:
        "لم يقرر... بل يفكر"
        قلت بعصبية:
        "كيف يفكر في العودة إلى الجحيم؟؟ ألم يكفه ما فعلوا به؟؟ ألا يكفي هذا؟؟"
        وذهبت منزعجة إلى غرفتي... و انعزلت فيها لبعض الوقت.

        ************
        "ما كان يجب أن تذكر هذا الان"
        قال سامر يخاطبني بشيء من اللوم... وأنا أدرك أنني فاجأت الجميع بما قلت.. فلم أعلق. فتابع هو:
        "تذكر عودتك العاجلة إلى الوطن... وإلى زوجتك... وأنت بالكاد وصلت البارحة!؟ إنها... كانت قلقة عليك حد المرض"
        مشيرا إلى رغد
        صمت قليلا ثم قلت:
        "ولكن... في الحقيقة هذا ما يجب أن يحصل عاجلا"
        نظر إلي أخي نظرة لم أفهم معناها, أو بالأحرى... لم أرد أن أفهمها... ثم إذا به يقول:
        "إذن... إذن... لن تقيم معنا ها هنا؟؟"
        وهذا السؤال كان يشغل بال شقيقي منذ الصباح أو ربما منذ زمن... وأعرف ما خلفه...
        قلت:
        "وأترك زوجتي... وعملي... هناك؟؟!"
        أراد سامر قول شيء لكنه تردد... أنا أعرف ما الذي تريد الوصول إليه يا سامر... لكن أرجوك... دعني أسترخي ليوم اخر... ولا تشغل بالي وتشعل النار في داخلي الان...
        أخيرا قال سامر:
        "و... والمنزل؟؟ هل سنقيم فيه أنا ورغد بمفردنا؟؟"
        وكأنه يستل خنجرا من صدري... اه... كم أتألم...
        عضضت على أسناني لأمتص بعض الألم... ثم قلت محاولا الهروب:
        "لكل حدث حديث... ننتظر شراء المنزل أولا"
        وكانت محاولة فاشلة... إذ إن سامر عاد يسأل:
        "وإذا حصلنا على المنزل غدا...؟؟ فهل.."
        ولم يتم السؤال...
        مسحت على وجهي مضطربا ونظرت يمينا ويسارا باحثا عن مهرب... ثم عدت إلى أخي فرأيته ينظر إلي باهتمام وقلق... ينتظر ردي...
        مددت يدي وربت على كتفيه بعطف... وقلت والدماء تحتقن في وجهي: "لا تستعجل... تريث قليلا... ودعنا نلتقط بعض الأنفاس... أنا مرهق جدا..."
        وما كان من أخي إلا أن أومأ تفهما وأغلق الحوار...
        وفي المساء... على مائدة العشاء... والتي التففنا حولها نحن الثلاثة, أنا وشقيقي وابنة عمي... تحركت أيدينا بالملاعق, بينما أفواهنا صامتة عن الكلام... كان الوجوم مخيما على وجه رغد... الذي صار كتابا متقلب الحروف والرموز... يشغلني فك طلاسمه...
        وفيما أنا أتناول حسائي البارد ببطء وأرسل النظرات إليها بين الفينة والأخرى,كانت هي محملقة في طبقها تتحاشى النظر باتجاهي...
        أما سامر... فكان يتظاهر بالاهتمام بالمباراة التي تعرض على التلفاز والتي يشارك فيها نوار...
        "الحمد لله"
        قالتها رغد ووقفت هامة بالمغادرة... وأطباقها بالكاد لمست...
        قلت:
        "إلى أين؟؟ لم تنهي عشاءك"
        قالت دون أن تنظر إلي:
        "اكتفيت"
        فقلت:
        "اجلسي يا رغد... وأتمي عشاءك"
        هنا نظرت إلي... نظرة حزينة مؤلمة...فيها العتاب واللوم... والرجاء واليأس سوية...
        همست:
        "رغد..."

        تعليق

        • Loli.
          V - I - P
          • Feb 2009
          • 5514



          • أيـــام .. كانت أيام :(


            تليغرامي للإقتباسات
            اضغط هنا


            .

            شيخة قلبه سابقا

          رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

          فإذا بها تطلق الكلام الذي كانت تكبته في صدرها منذ ساعات دفعة واحدة:
          "كيف تفكر في العودة للخطر يا وليد؟؟ نحن ما كدنا نصدق أننا نجونا... ما كدنا نطمئن على سلامة بعضنا البعض... أتريد أن تعرض نفسك للهلاك من جديد؟؟"
          ولم تعطني فرصة للإجابة بل قالت بصوت شديد الرجاء:
          "أرجوك وليد... لا تذهب... أرجوك"
          تأوهت وقلت:
          "لا بد لي من الذهاب يا رغد... لا بد"
          ورأيتها تعض على شفتها السفلى ثم تقول:
          "يمكنك إحضارها إلى هنا... ونستقر عن الخطر والحرب"
          تعني أروى...
          قلت:
          "صعب جدا... أروى لن يعجبها ذلك... ثم إن المنزل والمزرعة والمصنع... وكل شيء هناك..."
          فأومأت برأسها اعتراضا فأضفت:
          "إنهم لا يلاحقونني أنا... لا تخشي علي... صغيرتي"
          فانفجرت قائلة:
          "كيف لا أخشى عليك؟؟ لقد رأيت ما فعلوه بك بأم عيني... هل تريد أن تيتمني للمرة الثالثة بعد؟؟ أنت لا تعمل حسابا لي"
          وانصرفت مسرعة إلى غرفتها...
          انتظرت لحظة... في حيرة من أمري... ثم وقفت وقلت مخاطبا أخي:
          "سأتحدث معها"
          ولم يبد أخي أي ردة فعل...
          لحقت بالصغيرة وحصلت على إذنها بدخول الغرفة... وما إن دخلت حتى وقعت عيناي على مجموعة من اللوحات إلى جانب بعضها البعض... عند الجدار المقابل للباب... صورة لوالدي وأخرى لوالدتي رحمهما الله... وصورة لي أنا... وأنا رافع يدي... موضوعة على عمود الرسم...
          لدى رؤية صورتي والدي لم أتمالك نفسي... وسرت باتجاهها وحملقت فيهما وانتابني الأسى والمرارة...
          خاطبتهما سرا... ألا تخرجان من اللوحتين... وتريان ما نحن فيه... وتحلان مشكلتنا؟؟ أنا وشقيقي نحب فتاة واحدة تعني لكلينا كل شيء وعلى أحدنا أن يميت قلبه ليحيي الاخر... أنا يا أمي ويا أبي... أفضل اللحاق بكما على أن يمس شقيقي أي أذى... سامحاني لأنني كنت أنانيا جدا... لم أتفهم مشاعره ولم أقدرها... حسبت أن رغد شيء يخصني أنا وأنه هو من سرقها مني...
          والتفت نحو رغد والتي كانت مطأطئة بصرها بحزن نحو الأرض.. فخاطبتها في سري بلهفة... ألست شيئا يخصني أنا يا رغد؟؟ ألست فتاتي أنا؟؟ ألست لي؟؟ ألن تكوني لي؟؟ ألا يجب أن تكوني لي أنا؟؟
          ربما أحست رغد بنظراتي المسلطة عليها أو استبطأت كلامي... أو حتى سمعت خطابي السري في نفسي... فإذا بها تلتفت إلي وترمقني بنظرة أرسلتني إلى عالم التيه والضياع...
          ثم إذا بتعبيرات الرجاء الشديد بل التوسل تزحف إلى قسمات وجهها الحزين وتخرج من لسانها بقول:
          "أرجوك وليد.. تخل عن الفكرة.. ودعنا نعيش هنا معا بسلام.. أنا تعبت من الحرب والتشرد واليتم والضياع والصراع.. ألا تفعل هذا من أجلي؟؟"
          تفطر قلبي لكلامها ونزف كثيرا... إنك تطلبين المستحيل يا رغد...
          اقتربت منها وقلت مغدقا عطفي وحناني ومتحججا بمسؤولياتي:
          "يا رغد... يا صغيرتي العزيزة... ومن يتولى الأمور هناك في الوطن؟؟ لدي مسؤوليات جدية وكبيرة في انتظاري"
          فقالت:
          "وأنا؟ ألست جزءا جديا من مسؤوليتك أنت؟؟ كيف تتركني وحدي وتذهب عني؟؟"
          قلت:
          "كيف تقولين وحدك؟؟ أتركك مع دانة وسامر"
          فأجابت منفعلة:
          "لكنك أنت الوصي علي... المسؤول عني شرعيا... ويفترض أن تبقيني معك وتبقى معي... أليس كذلك؟ أليس هذا من واجبك؟"
          لم أجب مباشرة... ثم قلت:
          "بلى... و... كذلك... أنا المسؤول عن أروى... ومن واجبي العودة إليها"
          وكنت أتوقع أن يزعجها ذكر أروى... بل كنت أتعمد أن أذكرها حتى أستفيق أنا من حالة التيه في بحر رغد, وأعود إلى الواقع وأقطع الحبال المتشدقة بسفينة رغد... نعم كنت أتوقع أن تنزعج رغد من ذكر أروى –كعادتها- لكنني لم أتوقع أن تأتي ردة فعلها بهذا الشكل...
          صرخت منفعلة منفلتة:
          "إذن عد إليها... هيا عد... لا شك أنك متلهف لعينيها الزرقاوين وشعرها الحريري الأشقر... من يتنازل عن الحسناء الثرية؟؟ هنيئا لك بمن اخترت.. اذهب!"
          وأشاحت بوجهها عني... وعندما ناديتها هتفت زاجرة:
          "اذهب الان"
          وما كان مني إلا أن غادرت الغرفة.
          عندما عدت إلى حيث كنا نتناول العشاء قبل قليل... لم أجد أخي هناك... بحثت عنه في غرفته وفي الجوار ولم أجده... ووجدت هاتفه موضوعا على سريره... سألت عنه دانة فأخبرتني أنها لم تره مذ كنا نتناول الكعك عصرا...
          قضيت الساعتين التاليتين واقفا على أطراف أعصابي المشدودة... حتى إذا ما ظهر أخيرا... قادما من الخارج... قدمت نحوه وبادرت بالسؤال:
          "إلى أين ذهبت؟؟"
          ظهر الانزعاج من السؤال على وجه أخي وقال:
          "عفوا؟؟"
          فتراجعت وقلت مخففا سؤالي:
          "أعني... في هذا الطقس البارد؟؟"
          فرد سامر:
          "تمشيت في الجوار..."
          وبعد برهة صامتة قلت وأنا أهم بالانصراف:
          "سأخلد للنوم"
          استوقفني سامر بسؤاله:
          "ماذا أحرزت مع رغد؟"
          فشددت على قبضتي... ثم قلت:
          "لا شيء..."
          وتابعت:
          "لا تقدر مسؤولياتي الأخرى... تتوقع مني أن... أتفرغ لرعايتها"
          رأيت ابتسامة شبه ساخرة على زاوية فمه اليمنى... ثم حل الجد مكانها وإذا بأخي يقول:
          "إنها... متعلقة بك"
          تدفقت الدماء إلى وجهي... ورأيت أخي ينظر إلى عيني ينتظر تعليقا... فأبعد نظري عنه, ثم قلت:
          "... أعرف..."
          فقال:
          "إذن..؟؟"
          فالتفت إليه وقرأت في عينيه جدية واهتماما بالغين... ولم أعرف بم أقابلهما... فقال أخي وقد اصطبغ صوته بالانزعاج:
          "لم لا ترد؟ لقد جئت بي من اخر العالم إلى هنا ووضعتها نصب عيني... أعدتني إلى ما كنت على وشك الخلاص منه... وها أنت تريد أن ترحل وتتركني في نفس الدوامة... فهلا حللت قضيتي مع رغد أولا؟؟"
          تضاعف ضخ الدماء الحارة إلى وجهي... واشتعلت النار التي لا تكاد تهدأ في معدتي... وبدأ العرق يتصبب مني رغم برودة الجو...
          قلت أخيرا:
          "صبرا يا سامر... أعطنا فترة نقاهة مما حصل مؤخرا... رويدك"
          ورأيت أخي يمد سبابته اليمنى نحو وجهي ويضيق عينيه ويضغط على أسنانه وهو يقول مهددا:
          "لا تتلاعب بي يا وليد"
          فأفلتت أعصابي من سيطرتي وقلت حانقا:
          "وماذا تريد مني أن أفعل الان؟؟ أرغم الفتاة على العودة إليك؟؟ أليس لديك اعتبارا لمشاعرها هي وإرادتها ورغبتها هي؟؟"
          فرد مباشرة:
          "أنا أكثر منك معرفة... بمشاعرها هي.. وإرادتها هي.. ورغبتها هي.. وأنت.. أنت.. يجب عليك أن تتدخل لوضع حد لهذا.. يجب أن تفهمها ما لا تريد هي أن تفهمه.. يجب أن تجعلها تستيقظ من أحلامها المستحيلة التي لا تسبب لها إلا الأذى وتتوقف عن هدر مشاعرها على الشخص الخطأ"
          فوجئت بكلام أخي للحد الذي لزمني زمن طويل حتى أستفيق من طور المفاجأة... ولما استفقت, كان أخي قد انصرف...
          ذهبت إلى غرفتي... وجلست على سريري... واستخرجت قصاصات صورة رغد من محفظتي المخبأة تحت الوسادة... وجمعتها... ونظرت إلى وجه رغد... وتأوهت...
          هل ان الأوان... لأن ينتهي كل شيء يا رغد؟؟؟
          هل يعقل... أنني سأضطر للتخلي عنك... بعد كل هذا؟؟
          إنه يساومني على حياته يا رغد... هل سأضحي بك من أجله؟؟ هل سأفعل ذلك يا رغد؟؟ هل سأجرؤ؟؟
          هل أنا أستطيع ذلك؟؟
          وضممت الصورة إلى صدري وعصرتها بقبضتي وهتفت...:
          "لا أستطيع... لا أستطيع..."
          *********

          تعليق

          • Loli.
            V - I - P
            • Feb 2009
            • 5514



            • أيـــام .. كانت أيام :(


              تليغرامي للإقتباسات
              اضغط هنا


              .

              شيخة قلبه سابقا

            رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

            الأخيرة
            النظرة الأخيرة

            تركني وليد في حالة يرثى لها بعد خبر عزمه العودة إلى الوطن... إلى حيث الحرب والاعتداء والخوف والهلاك... إلى حيث الشقراء.. تنتظره... أنا يا وليد مستعدة للقبول بأي شيء مهما كان مقابل أن تبقيني إلى جانبك وتحت رعايتك أنت...
            وفيما أنا غارقة في أفكاري جاءتني دانة تتفقدني..
            "كيف أنت؟ يقولون أنك مضربة عن الطعام!"
            وكل ما حصل هو أنني لم أتم عشائي البارحة ولم أتناول فطوري هذا الصباح.
            قلت:
            "من يقول ذلك؟"
            أجابت:
            "وليد! فهو قلق من أن يداهمك الإغماء بسبب الجوع! وأرسلني لتفقدك"
            دغدغتني العبارة, لإحساسي بأن وليد يهتم بي...
            قلت:
            "أين هو الان؟"
            أجابت:
            "خرج مع نوار قبل قليل... ذاهبين إلى مكتب الطيران"
            فوجئت بالجملة وشهقت وقلت:
            "تعنين لشراء تذكرة السفر؟؟"
            فأومأت بنعم, فجن جنوني وصرحت منفعلة:
            "لن يغير موقفه... إذن سأذهب معه.."
            والتفت نحو الهاتف وأتممت:
            "سأتصل به وأطلب منه شراء تذكرة لي أنا أيضا"
            وخطوت خطوتين نحو الهاتف حين استوقفتني دانة مادة يدها وممسكة بذراعي...
            التفت إليها فوجدت الجد والحزم ينبعان من عينيها, ثم قالت:
            "انتظري يا رغد... هل تظنين بأنه سيأخذك معه حقا؟"
            اكفهرت ملامح وجهي وقلت مصرة:
            "طبعا سيأخذني معه... أليس الوصي علي؟ ألست تحت عهدته؟"
            فقالت بنبرة جادة:
            "لقد... تنازل عن الوصاية لسامر"
            حملقت فيها غير مستوعبة الجملة الأخيرة... فسألت:
            "عفوا... ماذا قلت؟؟"
            فقالت:
            "كما سمعت... رغد"
            فررت برأسي يمنة ويسرة... كأنني أنفضه مما توهمت أذناي سماعه.. ثم هتفت:
            "تكذبين!"
            فنظرت إلي دانة متأثرة بتعبيرات الذهول الطارئة على وجهي ومن ثم تحولت جديتها إلى شفقة وأسى... وقالت:
            "أخبرني بذلك بنفسه قبل قليل... قال أنه وكل المحامي أبا سيف لإنجاز الإجراءات الرسمية أثناء مكوثه في المستشفى خلال الفترة الماضية"
            رفعت يدي إلى صدري محاولة السيطرة على الطوفان الهمجي المتدفق من قلبي أثر الصدمة... وهززت رأسي غير مصدقة أن وليد قد فعلها... مستحيل... مستحيل..
            "مستحيل"
            أطلقت الصيحة وتابعت خطاي نحو الهاتف أريد الاتصال به والتأكد من الخبر على لسانه, غير أن دانة سحبت سماعة الهاتف من يدي وأجبرتني على النظر إليها والسماع إلى ما أرادت قوله..
            "رغد! ماذا ستفعلين؟ هل ستطلبين منه إعادتك إلى كفالته؟ لا تعصبي الأمور يا رغد ودعيه يتصرف التصرف السليم والأنسب لظروفنا"
            فهتفت منفعلة:
            "الأنسب لظروف من؟ أنا لا ذنب لي في أن سامر يهدده الخطر إن عاد إلى الوطن. لا أريد البقاء هنا.. أريد العودة مع وليد والبقاء معه"
            فسألت دانة منفعلة:
            "إلى متى؟؟"
            فقلت:
            "إلى الأبد"
            فإذا بدانة تمسك بيدي وتشد عليها وتقول:
            "وليد لا يريدك أن تذهبي معه.. لم لا تفهمين ذلك؟ سيعود إلى خطيبته وربما يتزوجان قريبا.. لقد أعادك إلى سامر لتبقي مع سامر.. إنه أكثر شخص يحتاجك ويحبك يا رغد... إنه يمر بأزمة حرجة... لماذا لا تفكرين به؟"
            سحبت يدي من بين أصابعها وابتعدت عنها وأنا أهتف بانهيار:
            "أنا لا أريد العودة إلى سامر... لا تفعلوا هذا بي... لا تعيدوا الكرة... سأذهب مع وليد..."

            ************
            كان لابد من حسم الأمور وبشكل نهائي حتى يحدد كل منا موقعه. كنت أفكر في الطريقة التي سأخاطب بها وليد هذا اليوم... وأطلب منه وضع النقط على الحروف وختم الصفحة.
            كان الوقت ضحى وكنت جالسا في غرفتي أهيئ نفسي للمواجهة المرتقبة فأتتني شقيقتي دانة.
            "صباح الخير سامر! ألم تنهض بعد؟؟"
            "صباح الخير"
            "تأخرت! رفعت أطباق الفطور"
            سألت مباشرة:
            "هل استيقظ وليد؟"
            أجابت:
            "نعم... وهو مع نوار في مكتب الطيران الان"
            اضطربت تعبيرات وجهي وشردت بعيدا... ولما لاحظت دانة سألتني عما ألم بي, فما كان مني إلا أن أطلعتها على ما يدور في رأسي منذ الأمس... منذ أن أعلن وليد عن عزمه على العودة إلى الوطن... أخبرتها وبكل صراحة بأنني في حال رحيل أخي فسوف لن أتمكن من العيش مع رغد في مكان واحد وتولي المسؤولية عليها, إلا إذا عاد رباطنا الزوجي الشرعي إلى سابق عهده... وإلا... فإن عليه اصطحابها معه وتخليصي من هذه الدوامة الفارغة. كنت صريحا جدا فقد اكتفيت من الهراء... ولن أستمر في لعب هذا الدور الأحمق...
            "فإما أن يأخذها معه للأبد... أو يتركها معي وللأبد"
            قلت ذلك منفعلا... ثم نظرت إلى دانة فرأيت على وجهها الأسى والقلق.. وكأنها تفكر في أمر ما..
            "ما الأمر؟"
            سألتها قلقا, فأجابت:
            "اه... لقد... كنت مع رغد قبل قليل"
            ففهمت أن لديها ما تقوله... فقلت:
            "ماذا قالت؟؟"
            فأجابت مترددة:
            "تركتها تعد حقيبتها... مصرة على العودة إلى الوطن... مع وليد"
            عن نفسي كنت أتوقع هذا... لم يفاجئني موقف رغد... لكنني أريد أن أحسم الوضع نهائيا مع وليد...
            "إذن... سأطلب من وليد شراء تذكرة لها وأخذها معه, وننتهي"
            وضربت الحائط من غيظي... وصحت:
            "إنها لا تريده إلا هو... فليأخذها معه ويريحنا... أنا تعبت من هذا..."
            كنت مجروحا من إصرار رغد على موقفها... ولا مبالاتها بي...
            قالت دانة:
            "لا تنفعل... دعه يعود... وسأتحدث أنا معه أنا أولا... لقد نقل الوصاية إليك كما أخبرني.. لن يأخذها معه.. سيقنعها بالبقاء معنا"
            فقلت:
            "وما الجدوى إن كانت ستبقى معنا وبالها معلق معه؟ ألم تري حالتها قبل حضوره؟ لا أريد أن يوليني المسؤولية على فتاة شبه حية... فليأخذها وليخلصني من هذا العذاب"
            مدت دانة يدها وربتت على كتفي وقالت:
            "هون عليك يا أخي"
            فقلت منفعلا:
            "أنا تعبت.. لقد كنت على وشك وضع نهاية لكل هذا.. هو من اعترض طريقي وجلبني إلى هنا.. هل سيتحمل هو عذاباتي؟"
            صمتنا برهة.. ثم إذا بدانة تسأل:
            "هل.. يعرف هو أنها..."
            فأجبت مقاطعا:
            "طبعا يعرف... وعليه هو أن يواجهها بحزم ويوقظها مما هي فيه.. إلى متى سيتركها تتعلق به وتجري متخبطة خلفه.. بينما هو متزوج ومشغول بزوجته؟"
            قالت دانة متسائلة:
            "هل... يحبها؟؟"
            فاستغربت السؤال الدخيل وقلت:
            "وما أدراني..؟!.. المهم أنه متزوج ومشغول بزوجته.. وليس شاغرا من أجل مشاعر رغد.."
            قالت دانة موضحة:
            "أعني... ماذا عن مشاعره هو؟؟"
            فنظرت إليها باستغراب... وقلت مستفهما:
            "مشاعره هو؟؟"
            ورأيت نظرة ارتياب غريبة على عينيها أوحت إلي بأنها تلمح إلى شيء... فسألتها:
            "ماذا تعنين بمشاعره هو؟؟"
            فقالت مترددة:
            "أعني... بما يشعر هو... نحو رغد"
            فحملقت فيها تجتاحني الحيرة والدهشة... وقابلتني بنظرة جدية وكأنها تعتزم قول شيء مهم... وأخيرا قالت:
            "سامر... سأخبرك بما قالته لي أمي رحمها الله... عندما زرتها بعد ليلة زفافي..."
            أثار كلامها اهتمامي الشديد وسألتها بفضول:
            "ماذا... قالت...؟؟"
            فأجابت بنبرة جدية جعلتني أصغي بكل اهتمام وتركيز:
            "عندما أخبرتها... عن قرار رغد المفاجئ بالانفصال عنك... وعن حالتها المتقلبة الغريبة تلك... بعيد سفر والدي للحج... وعن بعض التفاصيل التي حصلت... قالت أن ذلك ما كانت تخشاه... وأنها... كانت قد لاحظت تغيرات على رغد... بعد عودة وليد"
            صمتت أختي لترى مدى تأثير الكلام علي حتى الان... فحثثتها على المتابعة بلهفة:
            "وبعد؟؟"
            فتابعت:
            "أنا بالفعل... لاحظت عليها تغيرات مزاجية كثيرة في تلك الفترة... لكنني لم أتوقع للحظة أن يكون السبب... هو وليد"
            نعم وليد! وليد الذي ظهر فجأة... واستحوذ على قلب رغد... وأبعدها عني...
            واسترسلت:
            "كما لم أكن أبدا لأتوقع... أن..."
            وصمتت مترددة وكأنها تخشى قول الجملة التالية. شجعتها وقلت:
            "ماذا؟؟ أكملي؟؟"
            قالت:
            "لما أخبرتها عن ارتباط وليد المفاجئ بالفتاة بالمزرعة... حزنت وتألمت كثيرا... وأخبرتني أن وليد... كان أيضا يحب رغد كثيرا في صغره... كلنا نعرف ذلك... لكن... ما لم نكن نعرفه... هو أنه... حسب كلامها وحسبما تيقنت هي منه... أنه... حتى بعد عودته من السفر.. أعني من السجن.. كان لا يزال يحبها.. ويحلم بها.. وقد صدم بزواجكما..."
            حملقت في دانة بذهول... غير قادر على استيعاب ما تقول... بقيت مطرقا رأسي مذهول العقل منفغر الفاه... ثم نطقت مندهشا:
            "م... م... ماذا تقولين؟؟!!"
            فأجابت والمزيد من القلق يظهر على وجهها:
            "ربما لم يكن يجدر بي قول هذا ولكن.."

            تعليق

            • Loli.
              V - I - P
              • Feb 2009
              • 5514



              • أيـــام .. كانت أيام :(


                تليغرامي للإقتباسات
                اضغط هنا


                .

                شيخة قلبه سابقا

              رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

              ولم تتم...
              فنظرت إليها بتشتت... واتسعت حدقتاي بدهشة بالغة... وقفزت إلى ذاكرتي فجأة كلمات أم حسام لي ذلك اليوم...
              فإذا بلساني ينطق دون وعي مني:
              "هذا... م.... مستحيل!"
              وإذا بدانة تقول:
              "هذا ما قالته أمي... إنه كان لا يزال يحبها... وأنها وجدت صورة قديمة لرغد عنده ذات مرة"

              ************
              كنت في الصباح.. قد ذهبت مع نوار إلى مكتب الطيران واشتريت تذكرة سفر وأكدت رحلتي... والتي ستكون مباشرة إلى شمال الوطن.
              حاولت الاتصال بالمزرعة وبهاتف أروى دون جدوى. لكنني اتصلت بالسيد أسامة واعتذرت له عن اختفائي المفاجئ وذكرت له أنني سأعود قريبا. كما اتصلت بسيف وطمأنته على أخباري...
              وبعد عودتي للمنزل وفيما أنا أعبر الممر المؤدي إلى غرفة نومي رأيت سامر يقف في منتصف الطريق...
              كان جليا عليه أنه واقف ينتظرني لأمر مهم... وأنا أعرف ما هو الأمر...
              "مرحبا سامر... متى استيقظت؟؟"
              سألته بمرونة فرد باقتضاب مباشرة:
              "أريد أن أتحدث معك"
              كان يبدو منفعلا... التوتر يخط تجاعيد متشابكة على قسمات وجهه...
              قلت وأنا أسبقه إلى الغرفة وأفتح الباب:
              "تفضل"
              دخلنا الغرفة وتركنا الباب مفتوحا... دعوت أخي للجلوس لكنه وقف قرب الباب مستعجلا على الحديث فوقفت أمامه وسألت:
              "خير؟؟"
              نظر إلي سامر بنظر تمزج الحزن واللهفة... والغضب والقهر... ثم قال:
              "وليد... سأسلك سؤالا... وأرجوك... أرجوك... أن تجيب عليه بمنتى الصراحة"
              نبرته أصابتني بالقلق... فقلت:
              "ماذا هناك؟؟"
              فركز سامر نظرة إلي وقال:
              "أجبني بكل صراحة يا وليد"
              فقلت وقد تضخم قلقي من جدية نظرته:
              "اسأل؟؟ لقد أقلقتني"
              فإذا بسامر يزم شفتيه ثم ينبس قائلا:
              "كيف تشعر... نحو رغد؟؟"
              فاجأني السؤال... أذهلني... عصف بقدرتي على الاستيعاب... أو ربما لم أسمع جيدا... ماذا سأل أخي؟؟
              قلت:
              "عفوا؟؟"
              فقال أخي وقد زاد توتره واحتدت نبرته:
              "أقول كيف تشعر نحو رغد؟؟"
              وكان يحملق بي بشدة راصدا كل انفعالات وجهي وتغيرات لونه... تكاد نظراته تسلخ جلدي لتقرأ ما هو أعمق منه... وفجأة إذا به يقول:
              "أحقا... كنت... تحبها؟؟"
              ولم أشعر إلا بالدماء تفور في وجهي فجأة... وتصبغه بلون شديد الاحمرار... حتى أنني خشيت أن تتصبب قطرات الدم من جبيني مصحوبة بزخات العرق...
              لساني ألجمته المفاجأة... وعيناي قيدتهما عينا أخي وهما تتربصان بردي... كان أخي يكاد يلتهمني بنظراته ورأيته يعضض على شفته السفلى توترا... ويكاد يصرخ منفعلا...
              عصرت لساني حتى خرجت الكلمات التالية منه عنوة:
              "ما... ماذا تعني يا سامر! ما هذا السؤال؟؟"
              وما كان من أخي إلا أن ركل الباب الذي نقف قربه بعنف وكرر سؤاله بعصبية:
              "فهمتني يا وليد... وسؤالي واضح جدا... قل لي هل فعلا كنت تحب رغد؟؟ هل أنت تحبها الان؟؟ أخبرني قبل أن أجن.."
              وللحالة الرهيبة التي اعترت أخي... خشيت أن يحصل أي شيء... فقلت محاولا كبت مشاعري والتظاهر بالمرح:
              "نعم أحبها!"
              فرمقني أخي بنظرة حادة قاطعتها بقولي:
              "أحبها مثل ابنتي تماما! أنا من تولى تربيتها مع والدينا"
              محاولا أن يظهر ردي مرحا ومقنعا قدر الإمكان... أخي... نظر إلي بارتياب... ثم قال:
              "هل هذا كل شيء؟؟ أجبني بصراحة"
              فتظاهرت بالابتسام وقلت:
              "طبعا هذا كل شيء!! سامر.. ما بالك تطرح سؤالا مضحكا كهذا!؟"
              فأخذ يحدق بي... ثم يشتت أنظاره حولي... ثم يقول:
              "لكن... دانة تقول... أن أمي أخبرتها قبل وفاتها... أنك... كنت تحب رغد منذ الصغر.. وتتمنى الزواج بها"
              فكرت بسرعة... بسرعة... في تعبير يطمس الحقيقة في الحال... ولم أجد إلا الضحك... أخفي خلفه الألم المرير...
              أطلقت ضحكة قوية... بل كانت قهقهة مجلجلة... ربما وصلت إلى أعماق الذكريات النائمة في قلبي وأيقظتها...
              ضحكت وأنا أواري الدموع خلف طبقات من المشاعر الزائفة...
              ولما انتهيت من نوبة الضحك المفتعلة قلت بسخرية مفتعلة:
              "أضحكتني يا سامر! ماذا دهاك!؟ أنا أفكر في رغد هكذا!؟ هل سمعت عن أب يتمنى الزواج من ابنته!! أي سخافة هذه!!"
              وقهقهت من جديد... لأنفض عن أخي أي غبار متبق من الحقيقة... حتى أنني من شدة ضحكي بللت رموشي...
              نظرت إلى أخي مفتعلا المرح... فرأيت الارتياب يتسرب خارجا من عينيه ويتسلل الارتياح إليهما... يبدو أنني أديت دوري بمهارة... وأقنعته بما قلت... أحسنت يا وليد!
              كيف أطاعك لسانك على ذلك!؟!؟!
              نظر أخي إلى الأرض, ثم إلي... وقال:
              "هل هذه هي الحقيقة البحتة؟؟"
              فقلت مباشرة مؤكدا:
              "بربك يا سامر! لقد ساهمت في تربيتها وتربية دانة... ألا تذكر؟؟ كلاهما مثل ابنتي تماما"
              ظهرت الحيرة والتردد على وجه أخي... ثم قال مستسلما:
              "اسف... دانة أربكتني"
              وسكت برهة ثم أضاف:
              "أنا أيضا بدا كلامها لي غير معقول... لا بد وأنه كان سوء فهم"
              وعاد يكرر:
              "اسف وليد"
              فابتسمت وقلت:
              "لا عليك"
              لا عليك! فأنا معتاد على تلقي طعنات من شتى الأنواع والمصادر... إلى قلبي... أصبحت لديه مناعة ضد الخناجر... لا عليك!
              صمتنا قليلا ثم إذا به يقول:
              "الان... يجب أن تتحدث إليها بشكل حاسم... وتفهمها بأنك تحبها وتقدم لها الرعاية والنصيحة كأب... وأن تقنعها بأن بقاءها هنا... معي ومع دانة... هو خير لها من العودة معك.. فهي تحزم أمتعتها للحاق بك"
              شددت على قبضتي... وقلت:
              "أحقا؟؟ ومن قال لها أنني ساخذها معي أصلا؟؟"
              فقال أخي:
              "هي تفكر هكذا... تريد أن تلحق بك أينما ذهبت"
              ابتلعت المرارة في حلقي وقلت:
              "أنا لم أعد وصيا عليها.. إنها تحت مسؤوليتك أنت الان"
              فقال راجيا:
              "أرجوك.. أفهما هذا.. أخبرها بأن تتوقف عن عنادها وصدها لي.. إنها ليست بحاجة لمن يؤكد لها مقدار حبي لها.. أنا سأضعها في عيني.. قل لها ذلك يا وليد أرجوك"
              كنت أشد على قبضتي.. أكاد أقطع أوتار يدي بأظافري لشدة ما ضغطت...
              حاضر يا سامر.. سأفعل ما تطلبه.. أرجوك أنت... يكفي هذا... انصرف الان...
              قلت بصوت لم يخرج من حنجرتي:
              "حاضر... سأفعل..."
              ثم جذبت نفسا طويلا أجدد به الهواء المخنوق في صدري وأضفت بنبرة راجية:
              "سأتحدث معها.. لكن... سامر.. أرجوك أنت... دعها تأخذ وقتها مهما طال.. في التأقلم مع الوضع الجديد.. لا تستعجلها ولا تلح عليها.. خصوصا الان.."
              فنظر سامر إلي نظرة عميقة وأومأ بالموفقة...
              خرجت بعدها من غرفتي راغبا في الابتعاد عن أنظار وكلام سامر متظاهرا بعزمي الذهاب إلى رغد والتحدث معها... بينما كنت في الحقيقة أفتش عن صحراء شاسعة أطلق فيها صرخاتي أو جبال شامخة أدكها بقبضتي... وللمفاجأة... لأسخف مفاجأة في أسوأ توقيت... رأيتها هي رغد ذاتها... تقف في الخارج على مقربة...
              "رغد!!.."
              رمقتني بنظرة مخيفة... ورأيت وجهها يكفهر ويصفر... ورأسها يفتر يمينا وشمالا... ثم إذا بها تولي هاربة إلى الجناح الاخر....

              ***********
              كنت ذاهبة لأتحدث معه وأطلب منه بل أتوسل إليه... أن يصطحبني معه إلى الوطن... كنت سأبوح له بمشاعري... ورغبتي في البقاء معه هو... أينما كان.. لم أكن لابه بالشقراء... لن يهمني وجودها ما دمت مع وليد... لن أكترث للخطر... لن أكترث للحرب... لن أكترث للرعب... كنت مستعدة للتنازل عن أي شيء... والرضا بأي شيء... وفعل أي شيء... مقابل أن أظل برفقة وليد... أنعم برعايته وأحظى برؤيته... وأستسقي من فيض حنانه وعطفه اللذين لطالما غمرني بهما منذ الطفولة...
              ولما اقتربت من غرفته... سمعته يتحدث ويضحك... كان الباب مفتوحا... وكان في الداخل يتكلم مع شخص ما... توقفت وهممت بالانصراف... فإذا بي أسمع صوته يقول:
              ("أضحكتني يا سامر! ماذا دهاك!؟ أنا أفكر في رغد هكذا!؟ هل سمعت عن أب يتمنى الزواج من ابنته!! أي سخافة هذه!!")
              كان يسخر من مشاعري... ويستخف بحبي...
              سمعته يضحك... ويذكر اسمي... ويقول بأنني كابنته تماما...
              وليد قلبي... يسخر مني...!
              بعد كل ذلك الحب الكبير... المشاعر الصادقة الخالصة.. التي أكننتها له كل ذلك الوقت.. بعد كل أحلامي وامالي المتعلقة به هو.. هو وهو فقط... ألقاع يضحك ساخرا مني!
              أنا يا وليد تفعل هذا بي...؟؟؟
              أحسست بإهانة كبيرة... وحرج شديد غائر... وخذلان هائل... من أقرب وأحب الناس إلي...
              جرحني ما سمعت الجرح الأكبر والأعمق والأشد عنفا وإيلاما في حياتي...
              لم أستطع بعد سماع ذلك مقاومة فضولي... وبقيت أنصت إلى ضحكات وليد قلبي... الساخرة مني... وقلبي ينصفع... ويتزلزل... وينهار... والدهشة تسلبني المقدرة على الانسحاب...
              كم كنت ملهوفة عليه... لكن... بعد موقفه الساخر مني... وبعد تنازله عني بهذه البساطة وكأنني قطعة أثاث بالية... لم أعد أرغب في رؤية وجهه... وسوف لن أتحدث معه ثانية... ولن أسمح له بالدخول مهما طرق...
              لن أذهب معه... لن أودعه... لن أكترث به... ولن أفكر فيه بعد الان...
              لن أسامحك يا وليد... أبدا... أبدا...

              تعليق

              • Loli.
                V - I - P
                • Feb 2009
                • 5514



                • أيـــام .. كانت أيام :(


                  تليغرامي للإقتباسات
                  اضغط هنا


                  .

                  شيخة قلبه سابقا

                رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                أخيرا توقف الطرق... انصرف وليد... ولم أعد أشعر بوجوده خلف الباب... أشحت بوجهي إلى الناحية الأخرى...
                لمحت اللوحة التي قضيت الساعات الطويلة... في الأيام الماضية... أودعها كل طاقاتي ومواهبي لأرسمها مطابقة للواقع... لوجه وليد... حبيبي وليد... وهو ينظر إلي ويلوح بيده...
                لم أطق رؤيتها والنظر إلى عينيه... ضحكاته لا تزال ترن في رأسي... قمت إلى اللوحة... ولطختها باللون الأسود... حتى جعلتها قطعة من الليل الذي لا ينتهي... وأوقعتها أرضا...
                وبعثرت كل اللوحات التي رسمتها لوليد ولأبي ولأمي... ورميت بالصور الفوتوغرافية بعيدا وصفعت لوح الألوان بالجدار... ثم ارتميت على سريري أخلط بكائي بسعالي... وأنفاسي باهاتي... وكلماتي بصرخاتي...
                أنا... من اليوم فصاعدا...
                "أكرهك يا وليد!"

                **********
                لما يئست من فتحها الباب, ابتعدت عن غرفة رغد وفتشت عن دانة. وصلت إليها عبر الهاتف المحمول, كانت في جناحها الخاص فطلبت أن نتقابل بمنأى عن الاخرين فدعتني إلى غرفة خاصة في جناحها.
                كنت مشوشا إثر ما قاله أخي أولا... ثم هروب رغد مني وتلك النظرة القاتلة التي رمتني بها ثانيا...
                أحست شقيقتي باضطرابي فسألتني مباشرة:
                "هل تحدث سامر معك؟"
                مما جعلني أيقن أنها تدرك ما جئت لأجله, فاختصرت الطريق وقلت مباشرة:
                "ما ذلك الجنون الذي قلته لسامر يا دانة؟؟"
                دانة نظرت إلي مطولا ولم تبادر بالإجابة.. لكنها فهمت ما أعنيه, فقلت بصوت جاد:
                "اسمعيني يا دانة... ما كان يجدر بك نقل كلام كهذا إلى سامر... إنه يمر بظروف نفسية صعبة... أنت لا تعرفين شيئا عن الصعوبات التي واجهتها من أجل ترحيله عن الوطن... ليست لديك أدنى فكرة عن الأمور الفظيعة التي اضطررت للقيام بها كي أنقذه"
                أخذت دانة تصغي إلي بجل الاهتمام, فتابعت:
                "لا أريد أن يضيع كل هذا هباء... أنا لا تهمني تلك الأمور... إنما يهمني سلامة أخي وأمانه... ولست مستعدا لفقده... أو خوض مغامرة مشابهة... تتعرض حياته فيها للخطر... هل تفهمين؟"
                وبدا عليها الارتياب والحيرة فقلت بتفصيل أدق:
                "سامر ارتكب حماقة كبيرة بانضمامه إلى المنظمة المشاغبة في الوطن.. كان قاب قوسين أو أدنى من الهلاك الحتمي... لو يعود للوطن وتطاله أيدي السلطات أو الأيدي الخفية للمنظمة.. فسيعدم فورا... أنا أريده أن يستقر هنا معك... وينسى الماضي... ويبدأ حياته من جديد"
                فتفوهت دانة أخيرا بين سؤال وإقرار:
                "ومع رغد؟!"
                عضضت على أسناني وشددت قبضتي... ثم قلت:
                "إنه لن يجرؤ.. على المجازفة بحياته.. وهي تحت مسؤوليته.. سيحافظ على نفسه جيدا.. كي يحافظ عليها"
                فنظرت إلي دانة نظرة مريرة ثم قالت:
                "لكنها.. أعدت حقيبتها.. للسفر معك أنت"
                أطلت النظر في عينيها ثم قلت:
                "لن اخذها معي... مهما حاولت هذا أمر مفروغ منه"
                ثم وقفت وقلت:
                "أريدك أن تأتي معي الان وتخبريها بأنني أرغب في حديث مهم معها"
                فوقفت وهي تقول:
                " وسامر؟؟"
                فقلت محذرا:
                "سامر اتركيه وشأنه.. ولا تحشي رأسه بأشياء خطيرة كهذه... من شأنها أن تعيدنا إلى الصفر"
                واستدرت لأنصرف فإذا بي أسمعها تقول:
                "إذن ما أخبرتني به أمي صحيح؟؟"
                تسمرت في مكاني برهة.. ثم قلت:
                "لا أعرف بماذا أخبرتك بالضبط ولا يهمني أن أعرف. فقط احتفظي بكلامها بعيدا عن سامر تماما"
                وإذا بي أحس بشيء يمسك بذراعي.. ثم إذا بدانة تظهر أمام مراي وتحدق في عيني بحرارة وتقول:
                "أخبرني أنا... أعدك ألا أطلع سامر على شيء.. أدركت فداحة خطئي بإخباره.. هل حقا كنت تحب رغد وترغب في الزواج منها منذ صغرك؟؟"
                تملكني الحنق من طرح السؤال الأشد إيلاما في حياتي.. وإجبار لساني على خيانة قلبي.. فقلت غاضبا:
                "سخافة.. أحذرك... إياك أن تكرري قول شيء كهذا على مسامع سامر أو رغد.."
                حملقت دانة بي كأنها تحاول قراءة ما يدور بخلدي... عيناها كانتا شبيهتين يعيني أمي... ما جعلني أشعر بحنين شديد إلى الغالية الفقيدة... خصوصا هذه اللحظة... وأنا أكتشف أنها كانت تفهمني وتفهم حقيقة مشاعري... في الوقت الذي كنت أشعر فيه... بأن الدنيا كلها قد تخلت عني.. ولم يعد أحد يكترث لي...
                "وليد.. لماذا أنت غامض؟ لماذا لا أستطيع فهمك.. لماذا لا تصارحني.. مثل سامر؟ أنت أخي أيضا.. وأحبك كما أحبه.. وأتمنى أن تبقى معنا.. وأن تعيش سعيدا ومرتاحا"
                لمست عطفا وحنانا فائقين في كلمات شقيقتي... مشاعر صادقة دافئة... لطالما استمت لأحظى بمثلها منذ سنين.. لم أجد من يمدني بعوض عنها غير أروى.. التي تجمدت علاقتي بها منذ زمن... مذ عرفت أنني قتلت عمار..
                مددت يدي وشددت على يدي شقيقتي ممتنا... على لحظة العطف هذه.. وقلت:
                "سعادتي وراحتي.. في أن تكونوا أنتم الثلاثة... بخير وفي أمان"
                وعبثا حاولت دانة إقناع رغد بالسماح لي بالحديث معها... وانتهى ذلك اليوم.. واليومين التاليين, ورغد منزوية على نفسها في غرفتها... ترفض مقابلتي نهائيا...
                وحل يوم الرحيل...
                أنا الان... أعد حقيبة سفري الصغيرة, التي جلبتها معي من الوطن... موشكا على المغادرة...
                سأرحل.. وأترك عائلتي هنا.. قلبي هنا.. كل المشاعر.. وبقايا الأحلام المستحيلة.. سأحمل جروحي بعيدا.. إلى مكان أبرد من الثلج.. وأدفنها تحت الجليد..
                أخيرا... ان الأوان.. لكلمة الوداع..
                أخيرا... يا وليد...
                كل لعبة قدر.. وأنت بخير!
                فيما أنا أدخل يدي فيجوف الحقيبة, أمسكت بشيء ما... كان يتربع في قعرها.. شيء ذهلت حالما استخرجته ورأيته أمام عيني...
                أتعرفون ما كان؟؟
                صندوق أماني رغد!!!
                يا للمفاجأة!!
                أخذت أقلب في الصندوق محاولا التأكد منه.. إنه هو... وهل أتوه عنه!؟
                ضحكت في نفسي!... بل أطلقت ضحكات لا أضمن لكم أنها لم تصل إلى مسامع أحد...
                يا للمسكين! كيف لا يزال هذا الصندوق حيا...؟! هل لحق بي كل هذه المسافة... من شرق الأرض إلى غربها..؟؟ هل حملته معي دون أن أنتبه؟؟ أما زال هذا الصندوق مصرا على تذكيري بالأماني الخرافية الوهمية المستحيلة... التي حلمت بها ذات يوم؟؟
                لقد عرفت...
                شاءت الأقدار أن أجلبك معي... ولو بدون قصد... حتى أعيدك لصاحبتك.. قبل الوداع... الذي لن يكون هناك لقاء بعده..
                أبدا.. لن تتحمل هذه المضخة التي تنبض في صدري منذ تخلقي في رحم أمي... أن تستمر في العمل لحظة واحدة... بعد أن تختفي رغد والأمل الواهم الذي تعلقت به منذ صغري... بأن تصبح لي...
                أبقيت الصندوق بين يدي... أمام عيني... وأخذت أسترجع شريط الذكريات القديمة.. عندما جاءت طفلة صغيرة تحمل كتابها المدرسي وتطلب مني أن أصنع لها صندوقا مماثلا لذلك المصور في الكتاب.. ثم إذا بتلك الطفلة... تكتب أمنيتها الأولى... وتدسها بكتمان... في جوف الصندوق..
                أنا مستعد.. لأن تستل روحي بعد دقيقة وأنتقل إلى العالم الاخر فورا.. مقابل أن تظهر الطفلة أمامي مجددا... لدقيقة واحدة.. واحدة فقط... أضمها إلى صدري... وأمسح على شعرها الحريري... وأقبل جبينها الناعم...
                يا حبيبتي... يا رغد
                دقيقة واحدة فقط...
                الشوق المنجرف إليها جعلني أستخرج قصاصات صورتها القديمة.. وألملمها على سريري.. وأحدق فيها.. كدت أغرق في الوقت الضائع.. في الوقت الذي يجب فيه أن أستفيق.. أن أثبت أحسم الأمر... أن أتماسك لئلا أغرق السفينة بانهياري..
                وداعا.. يا رغد..
                لم أشعر إلا وأصابعي تطبق على القصاصات... تضمها إلى صدري قصاصة قصاصة.. ثم تطويها... وتدفنها داخل الصندوق..هناك.. حيث مقبرة الأماني الميتة.. التي لن تعود للحياة... ولم أع.. إلا وصورة رغد.. الصورة التي نامت تحت وسائدي أو فوق صدري... لتسع أو عشر سنين.. مئات الليالي والاف الساعات... قد اختفت من أمامي.. نهائيا..
                وحانت لحظة المواجهة الأخيرة...
                كنت سأذهب إلى المطار مع نوار بعد قليل... وكان سامر و دانة سيرافقاننا.. أما رغد.. حبيبتي رغد.. ودعوني أقول حبيبتي قدر ما أشاء.. لأنني لن ألفظها بلساني يوما.. ولن أقولها في سري بعد هذا اليوم...
                أقول أن حبيبتي رغد قد رفضت حتى أن تخرج من غرفتها لحظة.. لتودعني..
                كانت اخر مرة رأيتها فيها صباح ذلك اليوم... عندما صادفتها قرب غرفتي... تنظر إلي النظرة الصفراء.. وتولي هاربة.. أظنها كانت قادمة إلي تريد التحدث معي وأظنها سمعتني أتحدث إلى سامر وأوصيه بها.. فتراجعت.. ثم رفضت أن تقابلني..
                لم أستطع الخروج دون أن ألقي النظرة الأخيرة... لا يمكنني ذلك.. إنني لن أراها ولن أرى حتى صورتها بعد الان... دعوني أقابلها ولو للحظة... للحظة ختامية.. نهائية...
                لا أصعب من هذه الكلمة... لا أصعب من هذه اللحظة... لا أصعب من أن تحاول وصف ما لا يمكن وصفه... بأي شكل...
                طلبت من شقيقي انتظاري في الصالة... وحملت صندوق الأماني وذهبت إلى غرفة رغد... طرقت الباب وسألتها الإذن بالدخول فلم تأذن لي... رجوتها وألححت عليها مرارا... حتى أني... أقسمت عليها وسألتها بالله أن تسمح لي بحديث أخير... وما كادت تسمح...
                وأخيرا.. فتحت الباب...
                كانت تجلس على سريرها مولية ظهرها إلي... لم تلتفت نحوي لتمنحني نظرة الوداع...
                ناديتها فلم ترد علي... فتوغلت داخل الغرفة مقتربا منها أكثر...
                عند ذلك انتبهت للوحات المصفوفة على الجدار... صورة أمي... صورة أبي... وصورة تخفي معالمها تحت سحابة من السواد... لم يكن من الصعب أن أعرف أنها صورتي أنا...
                نظرت إلى رغد ولم أعرف ما أقول.. من أين أبدأ... وكيف أتكلم...
                لطالما كانت رغد تعبر عن مشاعرها بالرسم.. أما أنا فبأي شيء سأعبر عن مشاعري الان يا رغد..؟؟
                أخيرا استجمعت شجاعتي وقلت:
                "هل هذا السواد.. ما يحمله قلبك نحوي يا رغد؟؟"
                لم ترد..
                قلت:
                "لا أريدك أن تكرهيني يا رغد.. صدقيني.. أما مضطر جدا.. لفعل هذا"
                لم تتجاوب..

                تعليق

                • Loli.
                  V - I - P
                  • Feb 2009
                  • 5514



                  • أيـــام .. كانت أيام :(


                    تليغرامي للإقتباسات
                    اضغط هنا


                    .

                    شيخة قلبه سابقا

                  رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,


                  اقتربت منها أكثر وسألت:
                  "ألا تصدقينني يا رغد؟؟"
                  وأيضا لم تتجاوب... شعرت بالألم الشديد لتجاهلها لي.. في اخر اللحظات التي تجمعنا.. على الإطلاق..
                  انصهر صوتي وأنا أقول بخيبة شديدة:
                  "ألن تودعيني يا رغد؟؟.. سأذهب الان... وقد... لا نلتقي ثانية..."
                  عندئذ... سمعت اهة تصدر من حنجرتها بمرارة... تلاها سعال مكبوت... ثم شهقات وزفرات شجية... كانت صغيرتي تبكي... وتخفي عني وجهها ودموعها... وكأنها لا تعلم بأنني أحس بها تقطر من قلبي قبل أن تسيل على خديها...
                  قلت متألما...:
                  "رغد... صغيرتي... يتمنى المرء منا أشياء كثيرة ولكن... ظروف الحياة لا تسمح بتحقيق كل أمانينا..."
                  وراقبتها فلم أر منها أي تفاعل...
                  واصلت:
                  "أنا... حاولت بكل جهودي... أن أوفر لك أفضل حياة.. أردت أن.. تكوني سعيدة ومرتاحة.. ومطمئنة إلى حاضرك ومستقبلك.. حاولت أن أكون.. وصيا وأبا جيدا.. لم أبخل عليك بشيء وإن كنت قد فعلت.. فأرجوك أن تسامحيني.."
                  فأطلقت رغد اهة بكاء قوية تذوب لها الحجارة... كيف لي أن أتحمل..؟؟
                  كانت لا تزال موشحة بوجهها عني.. مصرة على حرماني من النظرة الأخيرة..
                  توسلت إليها:
                  "رغد... انظري إلي"
                  لكنها لم تفعل...
                  "انظري إلي أرجوك"
                  لم تستجب, بل على العكس... رفعت كفيها وأخفت وجهها خلفهما.. لم يعد لدي أمل في أن أراها... تنهدت ورجعت خطوة للوراء... وتأملتها برهة... ثم قلت:
                  "سامر و دانة سيواصلان رعايتك.. وربما أفضل مني.. وأفضل من خالتك أو أي شخص كنت تتمنين أن.. يهتم بك"
                  هنا نطقت رغد فجأة قائلة:
                  "أنا لا أريد لأحد أن يهتم بي.. أنا لست طفلة كما تظنون.. ومن الان فصاعدا سأتولى أنا الاهتمام بنفسي.. واتخاذ قراراتي.. وإذا حاول أحد التدخل بشؤوني.. أو فرض نفسه علي.. فسوف أوقفه عند حده"
                  وكان صوتها متألما.. وكلامها مهددا... قلت:
                  "لا أحد يفرض نفسه عليك يا رغد... لا أحد يجبرك على شيء..."
                  وأضفت:
                  "لكن... أحيانا... نجد أنفسنا نقدم التضحيات طوعا من أجل الأشخاص الذين نعزهم كثيرا... والذين يستحقون التضحية... وكم كنا لنشعر بأشد الندم... لو بخلنا عليهم..."
                  ولم تعلق... فقلت:
                  "أتفهمينني يا رغد؟؟"
                  انتظرت منها أن ترد علي... أن تلتفت لي... لكنها كانت أقسى من أن تمنحني الفرصة الأخيرة...
                  تراجعت إلى الوراء... خطوة تلو خطوة... وقفت عند الباب... وعيناي متشبثتان بها.. تكادان تقتلعان من مكانيهما.. وتبقيان هناك..
                  "وداعا... صغيرتي"
                  أخيرا نطقت... وأغلقت فمي... وأغمضت عيني... أبتلع المرارة الشديدة التي خلفتها الجملة الأخيرة.. وأمتص الدموع الحارقة التي كانت تغلي تحت جفوني...
                  فتحت عيني... ونظرت إلى صندوق الأماني الذي كان في يدي... وانعصر قلبي ألما...
                  وداعا أيها الصندوق...
                  كنت لي رفيقا شديد الغموض والكتمان... طوال السنين...
                  لقد حافظت على أسرارك منذ صنعتك بيدي... فهل ستكتم أماني وأحلامي... وحبيبتي.. في جوفك... إلى الأبد؟؟
                  وضعت الصندوق بهدوء على المنضدة المجاورة للباب.
                  وأخيرا... أغلقت الباب... ببطء... ببطء شديد... إلى أن اختفت الفتحة... وانقطع حبل الرؤية الممتد من عيني... إلى رغد...
                  وفيما نحن نهبط السلالم أنا وسامر و دانة... خارجين من هذا الجناح في طريقنا إلى البوابة... وأنا مستمر في ترديد وتأكيد وصاياي لأخي... ولأختي... إذا بصوت ينادي بانفعال فيوقفنا:
                  "وليد"
                  التفتنا إلى الوراء... إلى الأعلى... إلى حيث كانت رغد تقف... وتنظر إلي...
                  لم تصدق عيناي أنهما تريانها... ما أسرع ما حلقتا إليها والتصقتا بعينيها...
                  أهذه أنت رغد... أجئت لوداعي؟؟ هل رأفت بحالي أخيرا؟؟...
                  "خذ"
                  هتفت رغد... وهي ترمي باتجاهي بشيء ما... يرتطم بصدري... ثم يقع أمام رجلي...
                  أردت أن أنظر إلى ذلك الشيء... لكن عيناي رفضتا الانفكاك عن رغد...
                  وإذا بها تهتف:
                  "احتفظ به أنت... فأنا لم أعد طفلة لأحتفظ بشيء تافه وغبي كهذا"
                  وبسرعة البرق اختفت رغد...
                  لكن عيني ظلتا تحملقان في المكان الذي كانت تقف فيه... تفتشان عنها... أين اختفت فجأة؟؟ أين ذهبت؟؟
                  انتبهت من ذهولي وحملقتي على صوت دانة تقول:
                  "ما هذا؟"
                  التفت إليها فإذا بها تنظر باتجاه قدمي... طأطأت رأسي ونظرت... فهل تعلمون ماذا رأيت؟؟
                  نعم... لقد حزرتم...
                  صندوق الأماني!!

                  ***************
                  "وليد!!"
                  اندهشت كثيرا عندما رأيته يقف أمامي... وبعد كل تلك المدة الطويلة التي غابها عني... عجبا! ألا يزال يذكرني؟؟
                  مد يده ليصافحني... فلم أمد يدي إليه... تصافحني يا وليد؟؟ بعد كل هذا الغياب... هذا التجاهل والهروب مني... تعود وتصافحني؟؟
                  "أروى!... ألن تسلمي علي؟؟"
                  سألني ويده لا تزال معلقة تنتظر مصافحتي... وخالي يقف جوارنا وعلى وجهه التوسل... لكنني لم أقبل...
                  أشحت بوجهي عنه وقلت:
                  "ما الذي أعادك؟؟"
                  سمعت خالي يهتف رادعا:
                  "أروى!"
                  فالتفت إليه وإلى وليد وقلت:
                  "وصلت متأخرا جدا..."
                  وليد طأطأ برأسه ليرني اعتذاره ومدى ندمه... وتكلم قائلا:
                  "مررت بأزمة حرجة جدا يا أروى... سأشرح لك"
                  فقلت:
                  "لست مضطرا..."
                  فعاد خالي يردعني... فقلت وقد أفلتت أعصابي:
                  "كل هذه المدة يا خالي وهو غير موجود... يسافر ويرحل... ويغيب كل هذا الزمن... دون خبر... دون كلمة.. متجاهلا لي.. متناسيا وجود زوجة في حياته... وتريد مني أن أستقبله بترحيب؟؟"
                  قال خالي:
                  "يهديك الله يا ابنتي نسمع منه ما حصل أولا"
                  فما كان مني إلا أن انسحبت من المكان وخرجت إلى قلب المزرعة.
                  بعد مرور فترة... جاء خالي إلي وطلب مني الذهاب معه للتحدث مع وليد فأبيت.
                  أخبرني بأن وليد شرح له الظروف الحرجة التي مر بها وأنها كانت بالفعل خطيرة, ورجاني أن أصغي إلى وليد وأسمع منه مبرراته. وافقت من أجل خالي الذي كان قلقا بشأن علاقتي مع وليد... والتي أعتبرها أنا... انتهت منذ زمن...
                  في المنزل... تركنا خالي بمفردنا وذهب ليصنع القهوة... وليد بدأ الحديث بالسؤال:
                  "كيف أنت يا أروى"
                  وحقيقة استفزني ذلك السؤال كثيرا... كيف تتوقع أن أكون وزوجي قد هجرني منذ فترة طويلة وأنا في أوج حزني على أمي الراحلة؟؟
                  لذا قلت بجفاء:
                  "أرجوك وليد... لا داعي لأي كلام جانبي... أخبرني فقط بما أخبرت به خالي واختصر ما أمكن"
                  نظر إلى وليد نظرة حزينة جدا تفطر القلب...
                  انتبهت الان فقط... إلى أن شكله قد تغير... كأنه كبر عشرين عاما... كان شاحبا ذابلا منحني القامة... يبدو مريضا ومرهقا جدا... وكان شعر رأسه وذقنه طويل وغير مرتب.. عيناه كانتا غائرتين وجفونه مسودة... شكله كان مقلقا..
                  قال:
                  "حسنا يا أروى... أنا لن أضغط عليك في شيء. لقد أخذت كفايتك من الوقت للنظر وإعادة النظر والتفكير والتقرير... سأكون تحت أمرك فيما ستقررين مهما كان... فقط اسمعي مني مبرراتي... وموقفي..."
                  قلت والاهتمام يغزوني:
                  "تفضل"
                  وبدأ وليد يقص علي ما حصل مع شقيقه ومعه.. ما اضطر لفعله وكيف تصرف وإلى من لجأ وكيف سارت الأمور معه منذ اللحظة التي فارقني بها تلك الليلة, ليلة أن حضرت له عشاء مصالحة فتركني وذهب إلى أخيه... وإلى أن عاد إلي هذه اللحظة...
                  أحداث بدت أقرب إلى الأفلام منها إلى الواقع... عنف.. ذعر.. شرطة.. مطاردة.. هروب.. مرض.. مستشفى.. أحداث رهيبة اقشعر لها بدني.. وذاب لها قلبي وانصهرت مشاعري.. أمور فاقت أبعد توقعاتي واستصعب عقلي استيعابها دفعة واحدة...
                  كان وليد يتوقف من حين لاخر.. يلتقط أنفاسه.. ويشرب جرعة من كأس الماء البارد الذي طلبه من خالي.. ورغم أنني طلبت من الاختصار منذ البداية, إلا أنه ذكر الكثير من التفاصيل بل وحتى بعض الأيام والتواريخ والساعات.. وتفاصيل المبالغ المالية التي سحبها من المصرف وكيف وأين صرفها.. وأسماء بعض الأطباء الذين أشرفوا على علاجه وأسماء بعض الأدوية.
                  كنت أصغي إلى كل ذلك دون أن أقاطعه.. كنت أتجاوب معه عبر الانفعالات التي تطرأ على وجهي كلما ذكر شيئا مثيرا.. وحقيقة كان كل ما ذكره مثيرا ومربكا..
                  "ثم ماذا؟"
                  سألته بتشوق عندما رأيته يتوقف عن الكلام أخيرا وقد انتهى من سرد كل الأحداث... فأجاب:
                  "ثم استغليت سيارة أجرة وجئت مباشرة من المطار إلى هنا.."
                  سألت راغبة في المزيد من التأكد.. فقد يكون قد أغفل عن ذكر شيء هو لدي أهم من التفاصيل التي ذكرها:
                  "جئت بمفردك؟"
                  فأشار من حولي وقال:
                  "كما ترين.."
                  فصمت برهة أفكر وأتأمل.. ثم سألت:
                  "ثم ماذا؟؟"
                  فنظر إلي وقال:
                  "يعتمد عليك"
                  أتصدقون هذا؟؟
                  وليد الان معي... بمفرده.. ترك محبوبته المدللة في اخر العالم وعاد إلي..! هل هذا صحيح؟؟ هل تخلى عنها من أجلي؟؟ هل تركها هناك.. وعاد ليبقى معي أنا؟؟

                  تعليق

                  • Loli.
                    V - I - P
                    • Feb 2009
                    • 5514



                    • أيـــام .. كانت أيام :(


                      تليغرامي للإقتباسات
                      اضغط هنا


                      .

                      شيخة قلبه سابقا

                    رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                    الخاتمة:أنت لي!

                    انتهينا من التسوق, وعدنا نحمل حاجياتنا إلى الشقة. اليوم هو الثلاثون من شعبان وغدا هو أول أيام رمضان المبارك. نحن في موسم الشتاء, وصديقي العزيز يقيم في هذه الشقة الدافئة نسبيا وحيدا, ولا يجد أمامه غير الأطعمة المعلبة يتناولها على الفطور.
                    وبالرغم من أنني ألح عليه كي يشارك عائلتي موائد الشهر الكريم غير أنه يرفض. صديقي وأعرفه عز المعرفة!
                    "أين أضع هذه؟؟ في المخزن أم الثلاجة؟"
                    سألته وأنا أمسك بعلبة الزيتون الأسود فتناولها مني وقال:
                    "هات"
                    وفتحها وسكب بعض محتوياتها في طبق وقال:
                    "تفضل... شاركني العشاء الليلة"
                    ابتسمت وقلت:
                    "شكرا يا صديقي... أم فادي في انتظاري الان..."
                    وتناولت بعض حبات الزيتون على عجل ثم قلت:
                    "إذن سأذهب الان... هل تحتاج أي شيء؟؟"
                    فأجاب:
                    "ألف شكر"
                    وتصافحنا وغادرت شقته.
                    وليد يعمل موظفا في إحدى الشركات ويقيم في هذه الشقة منذ عدة أشهر بعد أن هجر المنزل الكبير الذي كان يقيم فيه وحيدا, واتفق مع عائلته على عرضه للبيع. كانت تلك خطوة مهمة في حياته وأنا من أوحى له بها وشجعه عليها وسهل له العثور على هذه الشقة, إذ أن وليد كان ليصاب بالجنون لو استمر في العيش وحيدا هناك؛ تحيط به أطياف أفراد عائلته... وذكرياتهم المؤلمة...
                    كان وليد بحاجة إلى مبالغ مادية يسد بها القروض الكبيرة التي كان قد استدانها من مؤسسة البحري ليغطي بها مصاريف سفر شقيقه وإقامته في الخارج...
                    باع سيارته الجديدة الفخمة, وسيارته القديمة التي علقت في شمال البلد, وكذلك سيارة وشقة أخيه, ومنزل عائلته في الشمال, بالاتفاق والتنسيق مع ذويه... واشترى هذه الشقة وسيارة متواضعة... وينتظر وصول عرض جيد لبيع المنزل ويحصل على نصيبه الشرعي منه فيتحسن وضعه المادي.
                    هل تتساءلون... عن السيدة أروى البحري؟؟
                    انفصل عنها بعد عودته من الخارج.
                    مر وليد بفترة عصيبة للغاية عند عودته للوطن, انفصاله عن خطيبته السابقة, انقطاعه عن العمل, تدهور وضعه المادي, والصحي والنفسي, واستدعائه من قبل السلطات مرات ومرات من أجل التحقيق في قضية اختفاء شقيقه سامر, المطلوب أمنيا.
                    لقد عاصرته في تلك الفترة.. وحاولنا أنا ووالدي دعمه بأقصى ما كان لدينا.. وكنت كلما زرته في ذلك المنزل رأيت الوجوم يخيم على وجهه.. وكلما حاولت مواساته وتشجيعه انهار وبثني همومه وانخرط يحكي لي ويصف.. كيف حبس شقيقه في هذه الغرفة أو كيف لفه كالجثة في تلك السجادة.. وكيف هاجمه رجال المباحث وأوسعوه ضربا وكيف امتدت أيديهم الخسيسة لتطال ابنة عمه.. وكان.. لا يزال يحتفظ بعكازها وهاتفها المحمول وأشياء كثيرة تخصها رفض التخلص منها...
                    لم تهدأ الأمور وتتحسن بعض الشيء إلا مؤخرا... ووليد الان يحاول جاهدا أن يشفي ويعود للعيش الطبيعي... يحاول أن يملأ حياته ويسد الفراغ الكبير الذي خلفه فراق كل من خطيبته السابقة, وشقيقه, وبالطبع... ابنة عمه.
                    يقضي أوقاته بين العمل نهارا والدراسة في المعهد ليلا, ونتبادل الزيارات أو نمر ببعض المعارف أو بالنادي الرياضي أو نتنزه عند الشاطئ في بعض أيام العطل. كنت أحاول أن أساعده ما أمكنني... حتى يجتاز الفترة الحرجة من حياته ويبدأ من جديد. ولذا عندما اتصل بي سامر يوم أمس وسألني عن عنوان شقة وليد... توجست خيفة.
                    أخبرني سامر بأنهم سيحضرون لقضاء شهر رمضان في الوطن... وأنهم يريدون مفاجأة وليد. وليد كان يتحاشى الاتصال بأهله إلا قليلا لأن ذلك يقلب عليه المواجع حسبما يقول. لم أشأ أن أوتره ولا أن أفسد المفاجأة فكتمت النبأ عنه... لكنني في خشية من أن تعيده هذه الزيارة أدراجه إلى الوراء..
                    الحرب لم تضع أوزارها بعد لكن الحكومة تبدلت ووضع البلد بشكل عام يسير للأفضل وبعض الأسر المهاجرة عادت إلى الوطن مؤخرا.
                    حالما وصلت إلى منزلي أخبرتني أم فادي بأن أحدهم قد اتصل قبل قليل يسأل عني وأنه ترك رقم هاتفه لأتصل به في أقرب وقت.
                    اتصلت بالرقم, فإذا بذلك الشخص هو لاعب كرة القدم الشهير... نوار!

                    *********
                    طبق من الفاصوليا الساخنة... وشريحة لحم مقلية.. مع أصابع البطاطا المقلية... وبعض الخبز والزيتون والتمر!
                    اه وماذا بعد؟؟
                    نعم... العصير!
                    انتهيت من توزيع الأطباق على المائدة المربعة الشكل والصغيرة الحجم, المتربعة في اخر الصالة أمام المطبخ مباشرة, وجلست على أحد المقاعد الأربعة التي تحيط بجوانبها.
                    هذا جيد الإفطار في غرة الشهر الكريم.. لك الحمد يا رب والشكر...
                    كنت أشعر بجوع شديد... وأعددت وجبتي هذه على عجل بعد عودتي من المسجد... وما كدت أنطق بالبسملة حتى سمعت قرع الجرس...
                    "ومن يكون هذا الان!؟"
                    استغربت... فأنا لا أتوقع زيارة من أحد وخصوصا في هذه اللحظة... كما وأن الأشخاص الذين يزورونني في شقتي معدودون... ولا أظن أحدهم يهتم لتناول فطور كهذا معي!
                    قمت عن المائدة وذهبت إلى الباب وسألت:
                    "من هناك؟؟"
                    فجاء صوت رجولي يقول:
                    "هل أنت وليد؟؟ افتح من فضلك"
                    لم يكن الصوت غريبا... لا ليس غريبا... لكنه صوت لم أسمعه منذ زمن...أنا مشتبه... لا لست أكيدا... من هذا؟؟
                    "من هناك؟؟"
                    وجاءني الان صوت نسائي حاد:
                    "افتح يا أخي!"
                    صوت... دانة! صوت دانة؟؟!!
                    مستحيل!!!
                    للوهلة الأولى وجمت... تسمرت على موضعي... فأنا لا أريد لحالة الجنون تلك أن تعتريني مجددا... لا أريد أن أعود إلى التهيؤات والتخيلات ...لا ... أبدا...
                    عاد الصوت النسائي يقول:
                    "هل أنت وليد شاكر أم ماذا؟؟"
                    نعم غنه صوت دانة!
                    فتحت الباب بسرعة غير مصدق... وإذا بي أرى دانة... شقيقتي الوحيدة... تقف بالفعل أمام عيني!!!
                    "وليد! أخي الحبيب!"
                    قالت ذلك وارتمت في حضني بقوة وأطبقت علي بذراعيها... اندفعت خطوة إلى الوراء وأنا أحملق فيها غير مصدق أنها بالفعل شقيقتي...
                    "يا شقيقي يا حبيبي كم اشتقت إليك! كل عام وأنت بخير عزيزي"
                    تقول ذلك وهي لا تزال تطوقني بذراعيها بقوة وتمرغ وجهها في صدري... ابتعدت بعد ذلك لتنظر إلي... فتيقنت بالفعل من أنها... أنها شقيقتي دانة!
                    "أوه! دانة!! أي مفاجأة!! لا أكاد أصدق... لا أصدق..."
                    قلت ذلك وضممتها إلي وقبلت جبينها بحنان... عند ذلك سمعت صوتا يقول:
                    "ألن تدعونا للدخول؟؟"
                    فالتفت إلى صاحب الصوت فإذا به نوار... وكان يبتسم, ويحمل في يدي الاثنتين مجموعة من الأكياس... وعلى كتفه حقيبة قماشية كبيرة...
                    تراجعت للوراء وأنا أقول:
                    "يا للمفاجأة... أنا مذهول! تفضلا... أهلا..."
                    فدخل نوار ووضع الأكياس والحقيبة جانبا ثم أقبل نحوي فاقتربت منه كي أصافحه وأعانقه. رحبت به بحرارة... كانت دانة تقف إلى جانبي فمددت ذراعي إلى كل منهما وحثثتهما على الدخول مرحبا...
                    "أهلا وسهلا ومرحبا... كل عام وأنتما بخير... تفضلا... حقا... مفاجأة مذهلة"
                    فسارا للأمام واستدرت للوراء لأغلق الباب... وإذا بي أرى شيئا مهولا... مهولا جدا... أخرس لساني... وجعلني أتجمد في موضعي كالتمثال...
                    كفى يا وليد... أرجوك توقف... لا... أنت لم تكد تصدق أنك شفيت من حالة الأوهام الفظيعة تلك... أرجوك توقف... لا تعد للصفر من جديد... كلا...
                    أغمضت عيني... بقوة... حتى كدت أعصرهما بجفوني... رغبة مني في محو الوهم الذي رأيته يقف أمام الباب قبل ثوان...
                    "رغد... تعالي!"
                    فتحت عيني... بعد الذي سمعت... نظرت من جديد... حملقت جيدا... وكان الوهم... لا يزال واقفا... يحمل شيئا ما على ذراعيه... وينظر إلي!!
                    أحسست بحركة من خلفي... ثم رأيت دانة تظهر أمامي... متجهة إلى الوهم... وسمعتها تقول:
                    "مفاجأة! أليس كذلك؟؟!"
                    ثم تمد يدها نحو الوهم... وتأخذ منه ذلك الشيء وتقربه مني...
                    نظرت إلى ذلك الشيء... حملقت فيه... فإذا به ينظر إلي... ويتثاءب!
                    كان طفلا في المهد...!!
                    أخذت عيني تدور بين الطفل... ودانة... والوهم... تدور... وتدور... وتدور... حتى أصابني الارتجاج في دماغي واستندت إلى الجدار المجاور خشية أن أقع...
                    "وليد"
                    كان... صوت شقيقتي دانة... يهتف بقلق...
                    "هل أنت بخير؟؟"
                    أقبل نوار... تناول الطفل من يد دانة... واقتربت دانة مني وأمسكت بذراعي وسألت:
                    "ماذا أصابك؟؟ هل أنت بخير؟؟"
                    جذبت أنفاسا عميقة متتالية ثم قلت:
                    "إنه... الصيام"
                    ثم عدت انظر إلى الطفل... ثم إلى الوهم... بل هي رغد... لأن ما حولي الان ليس وهما... أنا أحس به وأبصر به جيدا... إنها رغد... نعم رغد...
                    أقول لكم رغد...
                    هل تسمعون؟؟
                    هل تفهمون ذلك؟؟
                    رغد... فتاتي رغد... هي رغد... اه...
                    أنا... أنا لا أعرف ماذا أقول... لا أعرف ماذا أقول...
                    "تعال... هل أكلت شيئا؟؟"
                    كانت دانة... تمسك بي وتحثني على السير إلى الداخل... ثم تقول موجهة خطابها إلى رغد:
                    "أغلقي الباب وتعالي يا رغد"
                    فتنفذ الأخيرة ذلك... وتتبعنا إلى المقاعد... أنا أجلس على المقعد... ويجلس نوار إلى يساري واضعا الطفل في حضنه... وأختي ورغد... تجلسان في الجانب الاخر...
                    "أأنت على ما يرام أخي؟؟"
                    تسألني دانة, فأجيب:
                    "لا تقلقي... أنا بخير"
                    يقول نوار:
                    "إذا لم تبدأ الفطور بعد؟ هذا جيد... أحضرنا معنا بعض الأطعمة كي نشاركك"
                    التفت إليه فأراه يبتسم... وحقيقة هذا الرجل دائما مبتسم... أسمع صوتا يصدره الطفل الصغير... فيداعبه نوار بلطف...
                    لحظة!
                    لكن... لكن...
                    أين سامر؟؟؟

                    تعليق

                    • Loli.
                      V - I - P
                      • Feb 2009
                      • 5514



                      • أيـــام .. كانت أيام :(


                        تليغرامي للإقتباسات
                        اضغط هنا


                        .

                        شيخة قلبه سابقا

                      رد: رواية انت لي [ رائعه فعلا ] مكتمله ,

                      انتبهت للتو على عدم وجوده فالتفت نحو الباب أتأكد من كونه غير موجود... ثم سألت:
                      "ماذا عن سامر؟؟"
                      فأجابت دانة:
                      "يبعث إليك بأحر القبلات.. كان يتمنى أن يحضر معنا ولكن تعرف.. خشينا عليه من السلطات"
                      وأضاف نوار وهو يضحك:
                      "إنه مشغول البال الان!"
                      انتفض جسمي.. التفت إلى رغد بسرعة... اصطدمت بعينيها بقوة... فارتدت إلى الوراء وقد ظهر الفزع على وجهها...
                      سمعت دانة تقول:
                      "نوار! اسكت"
                      فيطلق نوار الضحكات المرحة ثم يقول مداعبا:
                      "لكنني لم أفش الخبر بعد!"
                      تمد دانة يدها من أمامي... وتقرص رجل نوار بلطف, فيستمر بالضحك ثم يوجه سؤاله إلي:
                      "ماذا عنك أنت يا وليد؟؟ هل تزوجت أم ليس بعد؟؟"
                      كانت برهة سريعة... لكنني لمحت فيها كل شيء...
                      يد دانة وهي تقرص رجل نوار... حاجبي نوار وهما يرتفعان للأعلى ثم ينخفضان بخجل... ويد رغد... وهي تنقبض وتضطرب...
                      جاريت نوار مفتعلا الضحك وقلت:
                      "ليس بعد!... كما ترى"
                      وأشرت بيدي إلى ما حولي...
                      وفي الحقيقة... أنا انفصلت عن خطيبتي السابقة... بعد عودتي للوطن قبل عام وأكثر... ولم أطلع شقيقتي دانة على الخبر إلا لاحقا... وقد حذرتها من إفشائه على مسامع أحد... خصوصا رغد وسامر...
                      فبعد الذي حصل لم يكن هناك ما هو أفضل من أن أختفي وتختفي أخباري عنهم... وأخبارهم عني..
                      لم أكن أتصل بهم إلا قليلا للاطمئنان عليهم. كنت أهاتف دانة أغلب المرات وأتجنب التحدث إلى سامر.. أما رغد.. فأصلا لم أكن لأجرؤ حتى على السؤال عنها...
                      أصدر الطفل صوتا من جديد... وربما كان منقذا لي من نسمة الذكريات التي كادت تلفحني... والتي أبذل قصارى جهدي كي أتناساها... التفت إلى الطفل... ثم إلى دانة وسألت وأنا أكاد أغص بسؤالي:
                      "هذا... ابنك؟؟"
                      فابتسمت وقالت:
                      "لا"
                      فجن جنوني... وابتلعت الغصة مرغما وكدت أختنق بها... وإذا بها تتابع:
                      "بل هذه ابنتي!"
                      حملقت فيها... ثم نظرت إلى الطفل... أعني الطفلة... نعم الطفلة... لأن ملامحها ناعمة جدا... وجميلة جدا...
                      ومددت أصابعي إليها ألمس خدها الناعم...
                      لكن انتظروا!
                      أنا لم أفهم...
                      عدت أنظر إلى دانة وفي فمي عدة أسئلة... فإذا بها تحملق في ابنتها بنظرة عطوفة... ثم تقول:
                      "أليست جميلة وليد؟؟ سميتها ندى... تيمنا بوالدتنا رحمها الله"
                      مد نوار الطفلة إلي وهو يقول:
                      "سلمي على خالك يا ندى..."
                      تناولت الطفلة وتأملتها برهة... فشعرت بسرور غريب يجتاح عواطفي... ضممتها إلي وطبعت قبلة خفيفة على رأسها... وشممت رائحتها الطفولية البريئة...
                      "ما أرقها وأنعمها!... اه... كيف لم تخبروني عن ولادتها؟؟"
                      قلت معاتبا دانة فأجابت وهي ترفع حاجبا وتخفض الاخر:
                      "الاتصال بك ليس مهمة سهلة!"
                      وأنا أعرف ذلك وأتعمده...
                      "لم لا نتم حديثنا على المائدة؟؟ إننا نتضور جوعا!"
                      كان نوار...
                      وقفنا كلنا قاصدين التوجه إلى المائدة... وهذه المائدة صغيرة... وقد لا تتسع لنا...
                      تناولت دانة طفلتها وجالت ببصرها في أرجاء الشقة وسألت:
                      "أين يمكنني وضع الطفلة؟؟ شقتك تبدو صغيرة!"
                      فقلت:
                      "نعم... معذرة فكل شيء صغير هنا... في غرفة النوم... من هنا... تفضلي"
                      وقدتها إلى غرفة النوم... فوضعت الطفلة على السرير وهمت بالمغادرة...
                      هنا قلت بصوت منخفض:
                      "انتظري"
                      وألقيت نظرة نحو الباب أستوثق من أحد لم يتبعنا... فهمت دانة أنني أرغب في قول شيء بسرية... فنظرت إلي متسائلة... عنها سألت:
                      "ماذا... عن سامر...؟ أنا لم أفهم"
                      ابتسمت دانة ابتسامة طفيفة ثم قالت:
                      "عقد قرانه على لمياء... شقيقة نوار... قبل أسابيع"
                      الخبر أربكني وأرسلني إلى قعر الحيرة والتيه... ثم خرجت الكلمة من بين شفتي من دون أن أشعر:
                      "و... رغد؟؟"
                      ارتسم القلق والألم على وجه دانة ثم قالت:
                      "مررنا بفترات عصيبة... عصيبة جدا جدا..."
                      ثم تنهدت وتابعت:
                      "قررت... الاستقرار عند خالتها... سنقضي هنا أسبوعين ثم نذهب بها إلى الشمال... تستلم إرث والديها وتقيم مع أسرتها هناك.. هذا قرارها الأخير.."
                      جمدني الذهول... وبقيت محملقا في عيني شقيقتي... أحاول ترتيب ما عرفته من مفاجات... هذه الساعة...
                      رأيتها تسير مغادرة الغرفة... فتبعتها وذهني واقف في الغرفة موضعه, توجهت دانة إلى المائدة وأخذت توزع محتويات الأكياس عليها... ثم دعتنا للجلوس... جلست على أقرب كرسي رأيته أمامي... وجلست هي إلى اليسار... ونوار إلى اليمين... والمقعد الأخير... المقابل لي مباشرة... كان من نصيب رغد...
                      أنا لست بحاجة لأن أصف لكم... أنا أصلا لا أستطيع أن أصف لكم... سأترككم تتخيلون حالي... كما تشاءون...
                      انتهينا من العشاء وأنا لم أشعر بطعمه... ربما لم اكل شيئا... لقد كنت أراقب أصابع البطاطا وهي تختفي واحد بعد الاخر... لكنني متأكد من أنني لم أذق منها شيئا...
                      من الذي يوجد معنا... ويحب البطاطا المقلية لهذا الحد؟؟
                      من الذي يوجد معنا... ولا يتحدث؟؟
                      من الذي هنا... ولا أستطيع أن أرفع عيني لأنظر إليه؟؟
                      يتحرك أمامي... بهدوء... بصمت تام... كأنه غير موجود... لكن وجوده طغى على كل وجود... وعلا فوق كل وجود... ولم يضاهيه أي وجود...
                      اه...
                      رغد... صغيرتي...
                      بعد الفطور, قامت الفتاتان ترفعان الأطباق... وفيما هما كذلك سمعنا صوت بكاء الطفلة... فتركت رغد ما بيدها وهي تقول:
                      "أنا سأتفقدها"
                      وذهبت إلى غرفة النوم, حيث كانت الطفلة موضوعة على السرير...
                      أتدرون ما الذي خطر ببالي؟؟
                      أن ألحق بها...
                      ذهبت خلفها مباشرة... ووقفت عند الباب... وهي لم تنتبه إلي بادئ الأمر... جلست على السرير ورفعت الطفلة وهزتها قليلا... فسكتت الأخيرة ونامت ببساطة!
                      أعادتها رغد إلى السرير... ثم هبت واقفة... واستدارت فانتبهت لوجودي...
                      التقت نظراتنا... التي كانت تتحاشى بعضها البعض طيلة الوقت... هذه المرة لم تتهرب أعيننا... بل تعانقت عناقا طويلا... ملتهبا... عميقا...
                      وبعد حصة النظرات الطويلة تلك... تقدمت باتجاهها وأنا ألهث مضطرب الكيان والجوارح... كذلك كان الاضطراب مجتاحا لرغد... فأصابع يدها تتشابك وتنفصل مرارا...
                      لما صرت أمامها مباشرة... لا تفصلني عنها غير بضع بوصات... كتمت أنفاسي... ثم أطلقت زفرة حارة... ثم سمعت لساني يقول لا شعوريا:
                      "... اشتقت إليك... صغيرتي"
                      لا أعرف من أين خرجت تلك الكلمات... لكنها خرجت... ووصلت على رغد... فإذا بوجهها يضطرب أكثر... وأصابعها ترتجف أكثر...
                      أطلت التحديق بها... مفتشا عن رد.. فإذا بي أرى حاجبيها ينعقدان ووجها يعبس وإذا بها تشيح به عني وتتنحى جانبا وتسير متجهة إلى الباب...
                      استدرت إليها ومددت يدي في الهواء وناديتها بصوت هامس راج متلهف:
                      "صغيرتي"
                      فإذا بها تلتفت إلي وتصوب أسهما نارية إلى عيني وللمفاجأة تقول:
                      "إياك أن تناديني هكذا ثانية"
                      واستدارت لتتابع طريقها في ذات اللحظة التي ظهرت فيها شقيقتي دانة مقبلة إلى الغرفة وفي يدها زجاجة حليب أطفال... نقلت دانة بصرها بيننا ثم تظاهرت بالمرح وقالت وهي تشير للطفلة:
                      "هل نامت؟ إنه موعد الحليب!"
                      في نفس الليلة أصرت دانة على أن نقوم بزيارة للمنزل الكبير والذي شعرت بحنين شديد إليه. لم أكن أرغب في دخول ذلك المنزل واسترجاع الذكريات التعيسة فيه غير أنني لم أجد بدا من تنفيذ رغبتها.
                      ذهبنا إلى المنزل نحن الأربعة, مع الطفلة الصغيرة. ومن أول لحظة وطأت قدماي فيها أرض المنزل داهمتني الام حادة في كامل جسدي...
                      بقي نوار مع ابنته في المجلس, وذهبنا نحن الثلاثة وأقصد بالثلاثة أنا ودانة... ورغد... نجوب أنحاء المنزل...
                      لما اقتربنا من غرفة رغد السفلية توترت وتوقفت عن السير وتحاشت دخولها...
                      ولما صعدنا الدرجات رأيتها تتكئ على السياج وكأنها تتذكر لحظات الوقوع والكسر والجبيرة...
                      ولما دخلنا غرفتها العلوية... علقت هناك...
                      تابعنا أنا ودانة جولتنا تاركين إياها في غرفتها ربما تتفقد حاجياتها أو تسترجع ذكرياتها...
                      هذه الغرفة كنت أدخلها كل يوم... أطمئن على طيف صغيرتي بجنون... عندما كنت أقيم هنا وحيدا... بعد رحيلها...
                      بعد ذلك سمعنا صوت بكاء الطفلة فنزلت دانة إلى الطابق السفلي وكنت سأتبعها غير أن رجلاي غيرتا وجهتهما وقادتاني إلى... غرفة رغد...
                      كانت رغد تقف بجانب السرير وعينها تحملقان في الورقة الملصقة على الجدار فوق السرير... تذكرونها؟؟ إنها أول صورة رسمتها صغيرتي لي.. قبل سنين طويلة.. وهي ما تزال طفلة بالكاد تتعلم كيف تمسك القلم...
                      كيف لي أن أكتشف يومها... ما لم أكتشفه إلا بعد كل تلك السنين...؟؟
                      أحست رغد بحركتي فالتفتت نحوي فجأة... وإذا بالهلع يجتاحها ويحول وجهها إلى صحراء من الصفار... وأصابعها تضطرب وأنفاسها تتلاحق...
                      "هل أفزعتك؟؟ أنا اسف صغيرتي"
                      قلت ذلك محاولا تهدئة روعها غير أن يدها انقبضت بشدة ثم أبعدت عينيها عني وخطت نحوي قاصدة الخروج من الغرفة...
                      لم أستطع التحمل وأنا أراها تهرب مني... وقفت عند فتحة الباب وسددت الطريق أمامها فوقفت أمامي في حيرة وانفعال ثم رفعت بصرها إلي وأخيرا نطقت:
                      "تنح بعيدا لو سمحت"
                      وكانت نظرتها أقسى من جملتها... لكني لم أتزحزح ونظرت إليها برجاء فقابلت نظراتي بغضب... همست متوسلا:
                      "صغيرتي... أرجوك"
                      فإذا بها تهتف:
                      "قلت لك لا تنادني هكذا ثانية... لا أسمح لك... وابتعد عن طريقي فورا"
                      تسمرت مذهولا في مكاني فإذا بها ترفع صوتها امرة بعصبية:
                      "ابتعد هيا"
                      فما كان مني إلا أن تنحيت جانبا وسط الذهول... وتركتها ببساطة تختفي..!

                      *************

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...