الجزء السادس والعشرون
من مطار هيثرو بلندن يقل التاكسي أربعة أشخاص
لمار في المقعد الخلفي وبجوارها والدتها وبجوارها الممرضة البريطانية التي استقبلتهم في المطار بتوصية من د عبد الله ستوفيوس ، وفي المقعد الأمامي يجلس أبو أحمد ينظر إلى طرقات لندن وبناياتها التي يزينها القرميد
كانت الممرضة ترشد السائق إلى طريق المستشفى الذي ينتظرهم فيه د عبد الله
توقف التاكسي في باحة المستشفى ونزلت الممرضة مسرعة لتشير إلى سائق عربات بالقرب من مخرج الطوارئ ليأتي بعربة تركبها أم أحمد
استقبل د عبد الله لمار وأبويها بحفاوة وأخبرهم بأن غرفة أمها جاهزة فصعدوا للطابق الخامس ثم دخل ثلاثتهم الغرفة التي جهزت لأم لمار خصيصا، فقد وضعت فيها هيلا باقة ورد طبيعي بجانب النافذة
وسلة شوكولا على الكومدينا وعليها بطاقة كتب عليها (نتمنى لك الشفاء العاجل)
تقدمت الممرضة بالعربة لتنزل أم أحمد وجاءت ممرضة أخرى تساعدها .. كانت لمار تقف جانبا ممسكة بحقيبتها وبعباءة أمها التي خلعتها لتستلقي على السرير
كانت لمار تحس بنشوة وتفاؤل وبفرحة لم يسبق أن حستها ... هي في لندن الان بصحبة والديها بعيدة عن حر الرياض التي تركت فيها أخوتها وأمهم
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (دخل د عبد الله)
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ( يضم أبو أحمد الدكتور)
- الحمد لله على سلامتكم (قالها بالعربية بصعوبة) لمار لتتولي الترجمة بيننا
- حاضر يا دكتور ولكن .. أين هيلا؟ (تكلمت معه باليونانية)
- لم أقل لكم هيلا ولدت منذ أسبوع لقد رزقنا بولد
- وما أسميته؟
- محمد .. على اسم النبي الكريم
- ما شاء الله .. بارك الله لك في ولدك .. وحمدا لله على سلامة هيلا
- شكرا لمار
- هل نستطيع زيارتها؟
- بالطبع ساخذكم لمنزلي في المساء .. لقد أكدت علي هيلا بأن أاتي بك أول ما تصلين إلى لندن
- (أمها) حمدا لله على سلامة هيلا .. كيف هي الان؟
- بخير الحمد لله
- (أبو أحمد الذي لا يفهم شيئا من حوارهم) قولوا لي وش السالفة ؟ ما فهمت غير الحمد لله
- يا بابا هيلا جابت ولد وسموه محمد .. ود عبد الله بياخذنا نزورها الليلة
- ما شاء الله تبارك الله .. مبروك يا دكتور
- شكرا لك
استأذن د عبد الله ليكمل عمله .. وبقيت لمار ووالديها في الغرفة .. ثم سألت والدها: بابا .. يعني ما راح نسكن بالفندق؟
- د عبد الله أصر على ضيافتنا ورفض يستأجر لنا وقال تقعدون بالنهار في المستشفى وبالليل في بيته
- يعني كل ليلة بشوف هيلا؟
- أشوفك تحبين هيلا كثير .. ترا نغار أنا وأمك؟؟ (قالها مازحا)
- (أمها تضحك) تستاهل هيلا .. ولو إننا بدينا نغار على قول أبوك
- (ضحكت لمار) تغارون ؟ أنتم لو تدرون .. الدنيا موب واسعتني من الفرحة لأني معكم
- (ضمها أبوها) يا فرحة قلبي أنت .. لو تدرين يا لمار ... أحس إنك عيوني اللي أشوف فيها العالم .. يوم غبتي ... (دمعت عيناه) يوم غبتي اسودت الدنيا صرت ما أشوف شيء بحياتي حلو وإلا يفرح .. ما فتحت إلا يوم شفتك في مطار الرياض أول ما جيتي
- (أمها قاطعته) أجل وش أقول أنا؟ أنا اللي غابت عن عيوني سنين... وأحمد .. ( قطع صوتها البكاء) صحيح فرحت فيك يا بنيتي وأنعشت قلبي اللي ظنيته مات من سنين من الحزن .. لكن ما تتم فرحتي إلا برجعة أحمد .. ثم بكت
اقترب أبو أحمد ليمسح على رأسها ويواسيها ويقول لها: أكيد كنت تدعين لهم إن ربي يحفظهم ويردهم لك .. هذي لمار ردت بالسلامة .. وأحمد بيرد بعد وبتفرحين أكيد إن شاء الله .. بس أنت ادعي وربك كريم
اقتربت لمار من أمها لتضمها وتخفف عنها حزنها على أحمد الغائب المفقود
000000000000000000000000000000 0000000000
صحا الشاب ليجد عشرة يورور تحت يده .. فتح عينيه مندهشا نظر إلى الأوراق المالية ثم نظر إلى الشمس المشرقة خلف البنايات المتراصة ثم أعاد النظر للنقود وقام يعدها
سأل نفسه من أين هذه النقود؟ هل نزلت من السماء ؟ أو سقطت من أحد ما؟ أو ربما حن عليه شخص كريم فوضعها بيده؟؟
سار إلى أقرب خباز فابتاع رغيفا ثم اشترى ماءا ليفطر على الاثنين .. انتهى ولم يحس بالشبع بعد فهو بالكاد يغطي جدار معدته
قام ونفض ملابسه المتسخة ومسح على شعره وكأنه للتو فتح عينيه على حقيقة مظهره الرث
تذكر ما كان يسعى من أجله فسار متجها للشمال
اقتربت الشمس من المغيب وهو لا زال يسير .. إنه الان قريب من ضاحية أثينا الشمالية وهو يحس بالجوع والعطش .. توقف عند أحد المحطات بالطريق ليبتاع له فطيرة وماءا .. فهما أرخص شيء يمكن أن يأكله .. وليس معه مال كاف لطعامه وشرابه
دخل المستشفى مسرعا قبل أن يوقفه أحد بسبب مظهره
ثم وقف أمام اللافتة التي تحمل اسم المريض على غرفة والدته فوجدها فارغة .. أسرع بالدخول ووخزه قلبه من الخوف
السرير فارغ؟ معقول؟؟
صرخ : أين أميييييييييييي ؟
فتح الدولاب ثم سحب غطاء السرير وجره في الأرض ثم جال في الغرفة بسرعة ينبش الأشياء باحثا عن والدته التي قدم لليونان من أجلها منذ ثلاث سنوات
دخلت الممرضة لتجد شابا أشبه بالمجانين يصرخ وينزع الأشياء من مكانها وشكله وملابسه تؤيدان ذلك
خرجت لتنادي الممرضات : هناك مجنون في المستشفى أخرجوه .. فأسرعن إلى الغرفة ليطردنه وذهبت إحداهن تستدعي رجل الأمن
عندما راهن قال : أنا لست مجنونا .. أين أمي؟
وكان يخاف أن يسمع خبر موتها من أفواههن
- لقد خرجت من المستشفى
- وكيف؟
- لا أدري لقد أخرجها زوجها .. هيا أخرج من هنا الان
- وأين ذهبت؟
- لا نعلم خرجت وفقط
أسرع خارجا فإذا برجل الأمن يسرع ليمسكه .. فقال له: اتركني أنا لست مجنونا سأخرج .. دعني (وصرخ به)
توقف رجل الأمن يتأمل الشاب المنفعل وهو يخرج من القسم
خارج المستشفى وقف أحمد لا يدري أين ذهبت أمه فهو لم يصدق أنه وصل إلى المستشفى ليراها ثم يكتشف أنها ليست هنا
هل عادت إلى الرياض؟؟ ربما وهذا احتمال وارد أسرع عائدا إلى أثينا ليتجه للسفارة السعودية .. فليس له في أثينا الان حاجة ما دامت والدته غير موجودة
000000000000000000000000000000 000000000
يلوح مبنى السفارة من بعيد .. يسرع أحمد في خطاه فهو لا يطيق أن يبقى في هذه البلاد بعد ما حصل له فيها .. ثم توقف فجأة عندما تذكر لمار أخته الصغيرة الطفلة ... الضائعة في طرقات أثينا
توقف وكأنه يريد العودة للوراء .. كيف يسافر وأخته لمار ما زالت هنا؟؟
وقف ليضرب على أحد الجدران بقهر وهو يقول: وين ألقاك يا لمار ؟ قولي لي وييييييييييييييين؟
وقف يبكي بجانب الحائط .. يبكي تشرده وقلة حيلته ورحيل أمه وضياع أخته
وقف يبكي ويتحسس النقود الخمسة في جيبه .. ما تفعل هذه به؟ فهي بالكاد تكفي طعام يوم واحد فقط
هل يموت جوعا .. لقد ذاق الموت أمس لو لم يدخل الملهى وتسقيه امرأة سكيرة كأسا لا يدري ما طعمها .. المهم أن شيئا ما دخل جوفه الظامئ
إما حياته وإما حياة لمار إما يذهب للسفارة وإما يعود ليبحث عن أخته
وقف يتخيل أخته الصغيرة النحيلة البريئة .. تخيلها بثوبها الخفيف وقد تقطع نعلها تقف لتشحذ على أرصفة أثينا وينظر لها الناس باحتقار
ثم جلس يبكي حائرا خائفا جائعا وحيدا فقيرا
بعد ساعة من الزمن نظر إلى مدخل السفارة الذي لم يكن بعيدا وأحس بالجوع يلوي بطنه فقام من دون تفكير
دخل السفارة فأمسكه موظف الأمن يظنه متسول أو مجنون
رد عليه أحمد : أنا سعودي وهذي سفارتي .. اتركني أدخل
دخل معه موظف الأمن فهو يخاف من هذه الهيئات
عرفت السفارة أحمد الذي أعلن عن فقدانه قبل ثلاث سنين بصورته الموجودة في السفارة,
خلال أيام قليلة كان أحمد ينزل في مطار الرياض .. فقد رحلته السلطات في اليونان إلى السعودية بلده الأصلي
وبالرغم من أنه أجرى اتصالات عدة بأبيه إلا أنه لم يجد ردا .. رجع إلى السعودية جاهلا بكل الأحداث التي جرت في غيابه
عندما اتجه إلى بوابة الخروج من المطار كان لا يعرف أين سيتجه؟ .. فليس له سكن هنا .. وسكنه سابقا كان في سكن جامعة الملك سعود وهو الان منقطع عنها لثلاث سنوات ولا بد أن ملفه قد طوي بسبب الانقطاع المتواصل
هل يتصل بأحد أصحابه؟ أو أقربائه؟؟ توقف أمام سيارات التاكسي ثم تحسس جيبه فإذا هو خالي .. مظهره لا يدل على أنه قادم من سفر فليس معه حقيبة ولا يحمل بيده شيئا مطلقا
كان شكله أقرب لسجين أطلق سراحه للتو فهو يمشي ويتأمل العالم من حوله وكأنه يراه لأول مره
- تبغى تاكسي؟
- توصلني؟
- نعم
- بكم؟
- بثمانين
- وإذا قلت لك ما معي
- كم معك؟؟
- لو معي عطيتك .. للأسف ما معي
- أجل وش تسوي هنا؟
- أنتظر رحمة ربي ترسل لي من يوصلني
مشى صاحب التاكسي وهو يتعجب من الشاب الذي ظنه من هؤلاء العابثين .. رجع ليتأمله فوجده لازال واقفا ينتظر .. وتذكر كلمته (أنتظر رحمة ربي) فرحمه وعاد إليه وقال: أوصلك باللي معك
- ما معي غير ثيابي؟
- أنت جاي من سفر؟؟
- نعم
- وكيف؟؟
- ما كل من يرجع من سفر سالم وغانم
- المهم سلامتك أنت ... تعال اركب
ركب أحمد ثم سأله صاحب التاكسي: وين عنوانك؟؟
سكت أحمد كمن يفكر .. فسأله مستغربا: ما لك عنوان بعد؟؟
- حي السلام
- توكلنا على الله
ظل أحمد طوال الطريق صامتا إلى أن وصلوا مخرج 13 واتجهوا شرقا فسأله صاحبه: وين بحي السلام؟
- امسك طريق عبد الرحمن بن عوف
- وبعدين؟
كان يفكر في أي من أعمامه سينزل عنده؟ هل سيوجهه للسلام القديم أو الجديد؟
أخيرا قرر أن يتوجه لعمه الأصغر .. فعمه الكبير رجل ذو عائلة كبيرة ومشاغل كثيرة ولا يريد أن يثقل عليه
نزل وشكر صاحب التاكسي وأعطاه اسمه وطلب منه رقم هاتفه ليرد له جميله متى ما استطاع ذلك .. شكره صاحب التاكسي وقال أنه لا داعي لذلك فهو يرجو أجره من الله ثم انصرف
طرق أحمد الباب فردت طفلة صغيرة .. فقال لها : وين أبوك؟
- أبوي طلع مشوار
- ومتى يجي؟
- بعد صلاة العشاء يمكن
ابتعد عن الباب وهو يفكر هل سيبقى في الشارع والوقت مازال عصرا؟؟
وما الأخبار التي سيسمعها من عمه؟ وما قصة اختفائه؟؟
ما زال في قصة لمار أسرار
من مطار هيثرو بلندن يقل التاكسي أربعة أشخاص
لمار في المقعد الخلفي وبجوارها والدتها وبجوارها الممرضة البريطانية التي استقبلتهم في المطار بتوصية من د عبد الله ستوفيوس ، وفي المقعد الأمامي يجلس أبو أحمد ينظر إلى طرقات لندن وبناياتها التي يزينها القرميد
كانت الممرضة ترشد السائق إلى طريق المستشفى الذي ينتظرهم فيه د عبد الله
توقف التاكسي في باحة المستشفى ونزلت الممرضة مسرعة لتشير إلى سائق عربات بالقرب من مخرج الطوارئ ليأتي بعربة تركبها أم أحمد
استقبل د عبد الله لمار وأبويها بحفاوة وأخبرهم بأن غرفة أمها جاهزة فصعدوا للطابق الخامس ثم دخل ثلاثتهم الغرفة التي جهزت لأم لمار خصيصا، فقد وضعت فيها هيلا باقة ورد طبيعي بجانب النافذة
وسلة شوكولا على الكومدينا وعليها بطاقة كتب عليها (نتمنى لك الشفاء العاجل)
تقدمت الممرضة بالعربة لتنزل أم أحمد وجاءت ممرضة أخرى تساعدها .. كانت لمار تقف جانبا ممسكة بحقيبتها وبعباءة أمها التي خلعتها لتستلقي على السرير
كانت لمار تحس بنشوة وتفاؤل وبفرحة لم يسبق أن حستها ... هي في لندن الان بصحبة والديها بعيدة عن حر الرياض التي تركت فيها أخوتها وأمهم
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (دخل د عبد الله)
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ( يضم أبو أحمد الدكتور)
- الحمد لله على سلامتكم (قالها بالعربية بصعوبة) لمار لتتولي الترجمة بيننا
- حاضر يا دكتور ولكن .. أين هيلا؟ (تكلمت معه باليونانية)
- لم أقل لكم هيلا ولدت منذ أسبوع لقد رزقنا بولد
- وما أسميته؟
- محمد .. على اسم النبي الكريم
- ما شاء الله .. بارك الله لك في ولدك .. وحمدا لله على سلامة هيلا
- شكرا لمار
- هل نستطيع زيارتها؟
- بالطبع ساخذكم لمنزلي في المساء .. لقد أكدت علي هيلا بأن أاتي بك أول ما تصلين إلى لندن
- (أمها) حمدا لله على سلامة هيلا .. كيف هي الان؟
- بخير الحمد لله
- (أبو أحمد الذي لا يفهم شيئا من حوارهم) قولوا لي وش السالفة ؟ ما فهمت غير الحمد لله
- يا بابا هيلا جابت ولد وسموه محمد .. ود عبد الله بياخذنا نزورها الليلة
- ما شاء الله تبارك الله .. مبروك يا دكتور
- شكرا لك
استأذن د عبد الله ليكمل عمله .. وبقيت لمار ووالديها في الغرفة .. ثم سألت والدها: بابا .. يعني ما راح نسكن بالفندق؟
- د عبد الله أصر على ضيافتنا ورفض يستأجر لنا وقال تقعدون بالنهار في المستشفى وبالليل في بيته
- يعني كل ليلة بشوف هيلا؟
- أشوفك تحبين هيلا كثير .. ترا نغار أنا وأمك؟؟ (قالها مازحا)
- (أمها تضحك) تستاهل هيلا .. ولو إننا بدينا نغار على قول أبوك
- (ضحكت لمار) تغارون ؟ أنتم لو تدرون .. الدنيا موب واسعتني من الفرحة لأني معكم
- (ضمها أبوها) يا فرحة قلبي أنت .. لو تدرين يا لمار ... أحس إنك عيوني اللي أشوف فيها العالم .. يوم غبتي ... (دمعت عيناه) يوم غبتي اسودت الدنيا صرت ما أشوف شيء بحياتي حلو وإلا يفرح .. ما فتحت إلا يوم شفتك في مطار الرياض أول ما جيتي
- (أمها قاطعته) أجل وش أقول أنا؟ أنا اللي غابت عن عيوني سنين... وأحمد .. ( قطع صوتها البكاء) صحيح فرحت فيك يا بنيتي وأنعشت قلبي اللي ظنيته مات من سنين من الحزن .. لكن ما تتم فرحتي إلا برجعة أحمد .. ثم بكت
اقترب أبو أحمد ليمسح على رأسها ويواسيها ويقول لها: أكيد كنت تدعين لهم إن ربي يحفظهم ويردهم لك .. هذي لمار ردت بالسلامة .. وأحمد بيرد بعد وبتفرحين أكيد إن شاء الله .. بس أنت ادعي وربك كريم
اقتربت لمار من أمها لتضمها وتخفف عنها حزنها على أحمد الغائب المفقود
000000000000000000000000000000 0000000000
صحا الشاب ليجد عشرة يورور تحت يده .. فتح عينيه مندهشا نظر إلى الأوراق المالية ثم نظر إلى الشمس المشرقة خلف البنايات المتراصة ثم أعاد النظر للنقود وقام يعدها
سأل نفسه من أين هذه النقود؟ هل نزلت من السماء ؟ أو سقطت من أحد ما؟ أو ربما حن عليه شخص كريم فوضعها بيده؟؟
سار إلى أقرب خباز فابتاع رغيفا ثم اشترى ماءا ليفطر على الاثنين .. انتهى ولم يحس بالشبع بعد فهو بالكاد يغطي جدار معدته
قام ونفض ملابسه المتسخة ومسح على شعره وكأنه للتو فتح عينيه على حقيقة مظهره الرث
تذكر ما كان يسعى من أجله فسار متجها للشمال
اقتربت الشمس من المغيب وهو لا زال يسير .. إنه الان قريب من ضاحية أثينا الشمالية وهو يحس بالجوع والعطش .. توقف عند أحد المحطات بالطريق ليبتاع له فطيرة وماءا .. فهما أرخص شيء يمكن أن يأكله .. وليس معه مال كاف لطعامه وشرابه
دخل المستشفى مسرعا قبل أن يوقفه أحد بسبب مظهره
ثم وقف أمام اللافتة التي تحمل اسم المريض على غرفة والدته فوجدها فارغة .. أسرع بالدخول ووخزه قلبه من الخوف
السرير فارغ؟ معقول؟؟
صرخ : أين أميييييييييييي ؟
فتح الدولاب ثم سحب غطاء السرير وجره في الأرض ثم جال في الغرفة بسرعة ينبش الأشياء باحثا عن والدته التي قدم لليونان من أجلها منذ ثلاث سنوات
دخلت الممرضة لتجد شابا أشبه بالمجانين يصرخ وينزع الأشياء من مكانها وشكله وملابسه تؤيدان ذلك
خرجت لتنادي الممرضات : هناك مجنون في المستشفى أخرجوه .. فأسرعن إلى الغرفة ليطردنه وذهبت إحداهن تستدعي رجل الأمن
عندما راهن قال : أنا لست مجنونا .. أين أمي؟
وكان يخاف أن يسمع خبر موتها من أفواههن
- لقد خرجت من المستشفى
- وكيف؟
- لا أدري لقد أخرجها زوجها .. هيا أخرج من هنا الان
- وأين ذهبت؟
- لا نعلم خرجت وفقط
أسرع خارجا فإذا برجل الأمن يسرع ليمسكه .. فقال له: اتركني أنا لست مجنونا سأخرج .. دعني (وصرخ به)
توقف رجل الأمن يتأمل الشاب المنفعل وهو يخرج من القسم
خارج المستشفى وقف أحمد لا يدري أين ذهبت أمه فهو لم يصدق أنه وصل إلى المستشفى ليراها ثم يكتشف أنها ليست هنا
هل عادت إلى الرياض؟؟ ربما وهذا احتمال وارد أسرع عائدا إلى أثينا ليتجه للسفارة السعودية .. فليس له في أثينا الان حاجة ما دامت والدته غير موجودة
000000000000000000000000000000 000000000
يلوح مبنى السفارة من بعيد .. يسرع أحمد في خطاه فهو لا يطيق أن يبقى في هذه البلاد بعد ما حصل له فيها .. ثم توقف فجأة عندما تذكر لمار أخته الصغيرة الطفلة ... الضائعة في طرقات أثينا
توقف وكأنه يريد العودة للوراء .. كيف يسافر وأخته لمار ما زالت هنا؟؟
وقف ليضرب على أحد الجدران بقهر وهو يقول: وين ألقاك يا لمار ؟ قولي لي وييييييييييييييين؟
وقف يبكي بجانب الحائط .. يبكي تشرده وقلة حيلته ورحيل أمه وضياع أخته
وقف يبكي ويتحسس النقود الخمسة في جيبه .. ما تفعل هذه به؟ فهي بالكاد تكفي طعام يوم واحد فقط
هل يموت جوعا .. لقد ذاق الموت أمس لو لم يدخل الملهى وتسقيه امرأة سكيرة كأسا لا يدري ما طعمها .. المهم أن شيئا ما دخل جوفه الظامئ
إما حياته وإما حياة لمار إما يذهب للسفارة وإما يعود ليبحث عن أخته
وقف يتخيل أخته الصغيرة النحيلة البريئة .. تخيلها بثوبها الخفيف وقد تقطع نعلها تقف لتشحذ على أرصفة أثينا وينظر لها الناس باحتقار
ثم جلس يبكي حائرا خائفا جائعا وحيدا فقيرا
بعد ساعة من الزمن نظر إلى مدخل السفارة الذي لم يكن بعيدا وأحس بالجوع يلوي بطنه فقام من دون تفكير
دخل السفارة فأمسكه موظف الأمن يظنه متسول أو مجنون
رد عليه أحمد : أنا سعودي وهذي سفارتي .. اتركني أدخل
دخل معه موظف الأمن فهو يخاف من هذه الهيئات
عرفت السفارة أحمد الذي أعلن عن فقدانه قبل ثلاث سنين بصورته الموجودة في السفارة,
خلال أيام قليلة كان أحمد ينزل في مطار الرياض .. فقد رحلته السلطات في اليونان إلى السعودية بلده الأصلي
وبالرغم من أنه أجرى اتصالات عدة بأبيه إلا أنه لم يجد ردا .. رجع إلى السعودية جاهلا بكل الأحداث التي جرت في غيابه
عندما اتجه إلى بوابة الخروج من المطار كان لا يعرف أين سيتجه؟ .. فليس له سكن هنا .. وسكنه سابقا كان في سكن جامعة الملك سعود وهو الان منقطع عنها لثلاث سنوات ولا بد أن ملفه قد طوي بسبب الانقطاع المتواصل
هل يتصل بأحد أصحابه؟ أو أقربائه؟؟ توقف أمام سيارات التاكسي ثم تحسس جيبه فإذا هو خالي .. مظهره لا يدل على أنه قادم من سفر فليس معه حقيبة ولا يحمل بيده شيئا مطلقا
كان شكله أقرب لسجين أطلق سراحه للتو فهو يمشي ويتأمل العالم من حوله وكأنه يراه لأول مره
- تبغى تاكسي؟
- توصلني؟
- نعم
- بكم؟
- بثمانين
- وإذا قلت لك ما معي
- كم معك؟؟
- لو معي عطيتك .. للأسف ما معي
- أجل وش تسوي هنا؟
- أنتظر رحمة ربي ترسل لي من يوصلني
مشى صاحب التاكسي وهو يتعجب من الشاب الذي ظنه من هؤلاء العابثين .. رجع ليتأمله فوجده لازال واقفا ينتظر .. وتذكر كلمته (أنتظر رحمة ربي) فرحمه وعاد إليه وقال: أوصلك باللي معك
- ما معي غير ثيابي؟
- أنت جاي من سفر؟؟
- نعم
- وكيف؟؟
- ما كل من يرجع من سفر سالم وغانم
- المهم سلامتك أنت ... تعال اركب
ركب أحمد ثم سأله صاحب التاكسي: وين عنوانك؟؟
سكت أحمد كمن يفكر .. فسأله مستغربا: ما لك عنوان بعد؟؟
- حي السلام
- توكلنا على الله
ظل أحمد طوال الطريق صامتا إلى أن وصلوا مخرج 13 واتجهوا شرقا فسأله صاحبه: وين بحي السلام؟
- امسك طريق عبد الرحمن بن عوف
- وبعدين؟
كان يفكر في أي من أعمامه سينزل عنده؟ هل سيوجهه للسلام القديم أو الجديد؟
أخيرا قرر أن يتوجه لعمه الأصغر .. فعمه الكبير رجل ذو عائلة كبيرة ومشاغل كثيرة ولا يريد أن يثقل عليه
نزل وشكر صاحب التاكسي وأعطاه اسمه وطلب منه رقم هاتفه ليرد له جميله متى ما استطاع ذلك .. شكره صاحب التاكسي وقال أنه لا داعي لذلك فهو يرجو أجره من الله ثم انصرف
طرق أحمد الباب فردت طفلة صغيرة .. فقال لها : وين أبوك؟
- أبوي طلع مشوار
- ومتى يجي؟
- بعد صلاة العشاء يمكن
ابتعد عن الباب وهو يفكر هل سيبقى في الشارع والوقت مازال عصرا؟؟
وما الأخبار التي سيسمعها من عمه؟ وما قصة اختفائه؟؟
ما زال في قصة لمار أسرار
تعليق