في عيد الكريسماس الثاني وفي منتصف الشتاء القارس تحتفل تلك المدينة التي قدمت إليها لمار منذ سنة ونص ولا تعرف موقعها في العالم وإن كانت تشك أنها في دولة أوربية أو أمريكية وهذه الدولة مسيحية بالتأكيد
لمار التي مازالت في حيرتها وفي حبسها منزل ستوفي وميري تبحث عن أي شيء يدلها على الجامعة أو مستشفى الجامعة الذي يعمل فيه د يوسف
لمار لا تخرج من البيت سوى مرتين في الشهر مرة للسوق ومرة للنزهة .. يعني كل أسبوعين مرة .. وذلك حتى لا تضيع من يد ستوفي وزوجته
ورغم أنها اعتادت العيش معهما إلا إنها تحس بالملل والكابة ومرارة الانتظار الثقيل
قبل ليلة عيد الميلاد بأيام أحضر ستوفي وميري الهدايا مثل العام الماضي
ولكن الذي يختلف هذه السنة أن ابنهما كارلوس قادم مع زوجته في إجازة من عمله مدتها أسبوعان ليقضيها في بلده عند أمه وأبيه وليريهما عروسه التي أرسل لهما صورتها العام الماضي
لم يفاجأ كارلوس بوجود الفتاة الصغيرة في منزل والديه عندما دخله فقد أخبراه قبل ذلك بقصتها
ولكن زوجته هيلين هي التي لم تكن تعلم بوجود تلك الفتاة وللوهلة الأولى حسبتها أخته
سلم الجميع على كارلوس وزوجته وأخذوهم بالأحضان
بينما لمار تقف في زاوية المكان بالقرب من الممر المؤدي لغرفتها حاليا وغرفة كارلوس سابقا وتنظر بخوف إلى هذين القادمين الجدد
ميري: هيا لمار تقدمي وحيي كارلوس
لمار تيبست في مكانها ولم ترد وإنما تراجعت للخلف واتجهت إلى غرفتها لتغلق الباب عليها ، وفي هذه اللحظة لحق بها ستوفي قائلا: لمار ... هذا ابني الذي حكيت لك عنه ... إنه طيب القلب وكريم ... تعالي وحييه
ردت لمار: أنا لا أصافح الرجال ولا أحييهم
ستوفي: لا تصافحيه يا ابنتي وإنما قولي كلمة لطيفة تكسر الهيبة بينكما فقط قولي حمدا لله على سلامتك
رجعت لمار إلى الصالة حيث تجتمع العائلة وحيث كانت هيلين تسأل زوجها عن تصرفات أخته
فيرد عليها كارلوس: إنها ليست أختي وإنما فتاة تبناها والدي لتعوضهما عن فقد أختي الصغيرة
فتحت هيلين عيناها من الدهشة لهذا الخبر الغريب وصارت عيناها لا تفارق وجه لمار .. إنها لا تشبههم وملامحها غريبة وهي ليست شقراء مثلهم ولها عينان عربيتان واسعتان وتحيط بها رموش سوداء كثيفة لتكمل جمالها وبريق عينيها الحزينتين
أقبلت لمار بخطوات ثقيلة لتقف بالقرب منهما ثم تحييهما وتبسم ابتسامة مقتضبة ثم تذهب نحو كرسي على جنب وتجلس وكأنها تشاركهم المكان على استحياء
ثم تشاركهم العشاء الذي كان شواء شهيا، وبعد العشاء جلس الجميع جلسة سمر وأخذوا يسترجعون الذكريات القديمة ويتكلمون في الأحداث الجديدة
وكارلوس وزوجته يحكيان لهما عن لندن وعن سنوات الدراسة وكيف تعرفا على بعضهما
لمار صامتة وتسمع بعضا من الكلام تارة وتأخذها ذكرياتها الخاصة تارة أخرى لتتذكر بيتهم في المدينة والليالي التي تتحلق العائلة فيها على العشاء
عندما انصرفوا للنوم نادت هيلين لمار .. فهذه الفتاة العربية لازالت تمثل لها سرا غريبا بتواجدها في هذا المنزل
قالت لها: لمار هل أستطيع التحدث معك قليلا ؟؟
لمار لم ترد عليها وبقيت صامتة
هيلين: لن أطيل عليك بالكلام ولكن أريد التعرف عليك أكثر
ردت لمار: لا بأس
هيلين أمسكت بيدها بلطف وسحبتها إلى الجزء الاخر من الصالة وقالت: لنجلس هاهنا
وفي الصباح حكت هيلين لميري ما صار بينها وبين لمار البارحة، فردت عليها ميري: لا تتصوري عنادها وتمسكها بدينها رغم صغر سنها .. يبدو أنها ترعرعت في بيئة محافظة
ثم حكت ميري لهيلين عن محاولاتهم معها العام الماضي وكيف رفضت أن تلبس الصليب ويبدو أنها لازالت على تمسكها وعنادها
ثم أخذت تحكي لها عن كل شيء في لمار .. هدوءها ذكاءها أمانتها انطوائها ...
أعجبت هيلين بالفتاة الصغيرة أكثر وأكثر وأحست أنها كبيرة في نظرها ..
صارت تلاحظها طوال النهار، وتحاول التحدث معها في كل شيء حتى جاءت ليلة الاحتفال بالكريسماس وقدم الجميع الهدايا للمار وشاركتهم الاحتفال في المنزل فقط ولم تذهب معهم للكنيسة ، فقد احترموا رغبتها في ذلك ...
ميري تتجنب مضايقتها في أي شيء وتنتظر من لمار أن تسعى بنفسها للكنيسة ولديانتهم عن رغبة واقتناع حتى لو طال الوقت
انقضت إجازة كارلوس وهيلين بعد أسبوع من الكريسماس وعزما على العودة إلى بريطانيا، وفي ذلك الأسبوع توثقت صداقة هيلين ولمار ، فقد كانت هيلين تتودد إليها وتؤنسها بالحديث وترافقها في نزهتها في ذاك الأسبوع
وفي ذلك اليوم الذي حزم كارلوس وزوجته أمتعتهما نزلا إلى الصالة الفسيحة وأخذا يودعان ستوفي وميري بالعناق والقبلات والوعود بالعودة قريبا
ثم نظر كارلوس إلى لمار ليودعها قائلا : وداعا لمار .. كم أحسست أنك أختي فعلا ولكن أحترم رغبتك في الابتعاد عني ، فأنا في نظرك غريب ... ثم ابتسم وأكمل: هل هذا صحيح؟
ردت لمار : نوعا ما وابتسمت
ثم أقبلت هيلين لتودع لمار بالأحضان وتعطيها هدية قيمة ودفتر ذكريات لتكتب فيه لمار ما تشاء
ثم قالت: سأفتقدك كثيرا حبيبتي ... فأنت لست أخت كارلوس وإنما أختي أنا ... سأعود سريعا لأراك مجددا
ثم التفتت هيلين إلى ميري لتقول: اسمحي لي أن أعطي لمار رقم هاتفي في لندن
ضحكت ميري ثم قالت: طبعا طبعا ... لا بأس بذلك ما دام يدخل السرور على قلبها
هنا بدت الفرحة على وجه لمار وقالت شكرا ميري
ثم خرج كارلوس وهيلين مع أمتعتهم للمطار
كانت لمار تؤمل في هيلين أن تساعدها على العودة إلى بلادها فهي على ما يبدو طيبة القلب وهذا ما يناسب عملها كطبيبة تحب مساعدة الاخرين
ثم تذكرت د يوسف وأملها أن تلتقي ذلك الإنسان الذي قدم مساعدته لها ... ولكن كيف السبيل إليه وكيف تصل إلى مستشفى الجامعة؟؟
صارت بين أملين يقوى الاخر بينما يضعف أحدهما
000000000000000000000000000000 000000000000
يوسف هو الاخر يخطط للوصول إلى لمار واكتشاف العلاقة بينها وبين المريضة في مستشفى الأمراض المزمنة في ضاحية المدينة
زار صاحبه التركي ليبحث معه موضوع البحث عن فتاة عربية لا تخرج كثيرا ربما
وربما يحتجزها الكهلان اللذان تسكن معهما
هل يضعان إعلانات في كل مكان ؟
هل يجندان بعض الرجال للبحث عن فتاة بمواصفاتها؟
كل ذلك يبدو عسيرا، وهما بحاجة لخطة يسيرة وفعالة وغير مثيرة للريبة ولا تحتاج تصريحا من الجهات المسؤولة
الرجل التركي يملك بعض المحلات التجارية ومطعما في أحد الأسواق المركزية في وسط المدينة
ويملك محلا لبيع السمك على شاطئ البحر
وعندما زاره يوسف في فترة احتفال البلاد بالكريسماس اقترح عليه فكرة نشرات طبية تعلق على المحل بعدة لغات منها العربية ويكتب في أسفلها
إعداد د يوسف – مستشفى الجامعة – رقم الهاتف فقط في النسخة العربية حتى لا يتكالب عليه المتحدثون بغير العربية
ويستطيع أن يجذب لمار إلى المحل فتنجح الخطة
ولكن متى تأتي لمار إلى الشاطئ والوقت مازال شتاءا ؟؟
لذا كان على يوسف تأجيل الخطة إلى فصل الربيع وقد يطول الوقت إلى الصيف
منذ أن سافرت هيلين وهي تتصل مرة كل أسبوعين لتتحدث مع لمار ما يقارب نصف الساعة وتطمئن على صحتها وأحوالها ... مما وثق العلاقة بينهما
لمار أحبت هيلين وصارت تحكي لها عن مشاعرها أكثر من ميري ... لا تعرف السر من وراء ذلك ؟ ولماذا أحبتها؟
هيلين صارت تهتم بالعرب والمسلمين رغم أنها تجهل الكثير عنهم .. مما دفعها للبحث عن معلومات أكثر عن العرب وعن الإسلام
حتى أنها تعرفت على طبيبة مسلمة بريطانية لتحكي لها عن الإسلام، وصارت تجلب لها الكتب والدوريات المطبوعة عن الإسلام
000000000000000000000000000000 0000
أتى الصيف الذي أكملت فيه لمار سنتين في هذه البلاد والذي أكملت فيه عامها الرابع عشر ولا شيء جديد في حياتها ...
تعيش مع ستوفي وميري وأمل ضعيف في أن تلتقي بيوسف ، وانتظار لعودة هيلين التي تتأمل فيها خيرا فقد أحست أنها مهتمة بالتعرف على الإسلام
د يوسف بدأ اليأس يحبطه ويحبط أفكاره وخططه
منذ أن نفذ مشروعه مع صديقه التركي وعلق المنشورات الطبية وإلى الان لا وجود للفتاة العربية ... يبدو أنها لم تأت لهذا المكان، أو ربما أتت إلى الشاطئ ولم تنتبه لهذا المحل والملصقات عليه
أحس يوسف بفشل خطته ، فهو الان أكمل سنة على رؤيته لمار ، ولم يرها بعد ذلك
ما الحل إذن؟
يوسف يجلس في شقته المتواضعة والجميلة بأثاثها ، يقلب فكره في السفر إلى السعودية لزيارة أهله كما عودهم على ذلك كل سنة في مطلع الإجازة الصيفية ولمدة شهر كامل
هل يذهب ويترك لمار وقصة لمار خلفه ؟ أم يؤجل السفر؟
وكيف يستطيع تأجيل السفر وأمه تنتظر قدومه بفارغ الصبر فقد خطبت له فتاة وتريد منه أن يبدي رأيه فيها ثم ليتزوج وينعم بحياة الاستقرار
وبينما هو كذلك غارق في أفكاره رن جرس الهاتف فقام إليه ليجد أن المتصل صاحبه التركي يسأله عن اخر المستجدات
فرد عليه يوسف: هل تستطيع القدوم إلى شقتي؟
- ولماذا؟
- أريد استشارتك والتحدث معك
- انتظرني نصف ساعة وسأكون عندك
توجه يوسف ليفتح الباب لصديقه ويستقبله بحفاوة ‘ ثم أجلسه في الصلة المفتوحة على الكنب الصغير المقابل بينما المطبخ ليحضر كوبي قهوة تركية
- تفضل
منشوراتك التي تجذب كل الناس إلا العرب - شكرا ... أظنك تريد التحدث معي بشأن يضحك ثم يغمز له (وخاصة الفتيات العربيات الصغيرات) ويقهقه عاليا ويكمل
- (يبتسم يوسف) نعم ولكن الأهم من ذلك هو أني سأسافر خلال الأسبوع القادم إلى السعودية
- لا تقلق .. سافر .. ما الذي سيحدث إن سافرت .. هل ستقع السماء على الأرض؟؟
- لا .. ولكن ماذا عن خطتي وعن لمار؟
- لا أعرف لم أنت مهتم بأمر هذه الفتاة ... اذهب لزيارة أهلك فهم أولى باهتمامك .. (يغمز له) وخصوصا أن هناك عروسا تنتظرك
- ...
- ما بك؟
- لا شيء .. أفكر
- قلت لك لا تفكر في شيء .. سافر وتوكل على ربك .. ودع أمر الفتاة لي ..سأتصرف بالطريقة التي تعجبك .. هذا إن ظهرت هذه الفتاة .. ولا أظن ذلك
- هل أضع ثقتي بك؟
- نعم ..لا تهتم سافر وأنت مطمئن .. واستمتع بإجازتك ولا تخربها بكثرة التفكير في أمور غير ذات أهمية لك
- أحاول ذلك
ثم قام مثقلا صاحبه التركي ليقول مودعا : هيا أستأذنك وأودعك على أمل اللقاء بك بعد عودتك من السفر بالهدايا التي لن تنساني منها (ثم يضحك)
- بالطبع لن أنساك وأنت أخي في غربتي
- مع السلامة
- حفظك الله
بعد سفر يوسف بأسبوع قدم كارلوس وهيلين من بريطانيا في إجازة لمدة عشرة أيام
وعندما علمت لمار بذلك فرحت واستبشرت وقامت مع ميري بترتيب وتنظيف البيت وإعداد العشاء
كما قامت بإعداد كعكة الشوكلاته التي تفضلها هيلين وصنع عصير طبيعي من الليمون والكيوي
وعندما طرق الباب ركضت لتستقبلهما وعندما فتحت الباب لهما كان القادم أولا كارلوس الذي ابتسم وقال: كيف ستستقبلينني هذه المرة؟
قالت: بالطبع كالرجل الغريب تماما (ثم ابتسمت وأكملت) حمدا لله على سلامتك ، تفضل بالدخول
دخل لمار لتعانقها وترحب كارلوس ومن خلفه هيلين التي لم تضع رجلها على عتبة الباب إلا وهجمت عليها بها مما جعل الجميع يتفرج عليها ويضحك
أخذت لمار حقائبهما جانبا أسرعت إلى المطبخ لتحضر الماء وبينما يسلم كارلوس وهيلين على والديه، البارد ، فالجو حار خارجا ثم جلست إلى جانب هيلين لتسألها عن رحلتهما
يبشر بأن لم يشاهد ستوفي وميري لمار بهذه البهجة من قبل وارتاحا عندما لاحظا أن لمار أحبت هيلين مما هذه الفتاة أحبت بلدهم وأحبتهم وستستقر معهم بقية عمرها
في اليوم التالي استأذنت هيلين من ميري لتصحب لمار إلى السوق بمفردها وكانت تريد التحدث بحرية أكبر معها وافقت ميري على ذلك
لبست لمار بنطالا من الجنز وقميصا بني اللون ونظارات شمسية لأن الوقت مازال نهارا ورفعت شعرها الكثيف والطويل حتى لا يزيد الحرارة
وكذلك هيلين إلا أن قميصها وردي وشعرها أشقر قصير وحملت كل منهما حقيبة التسوق اليدوية ثم خرجتا لتستقلا التاكسي إلى السوق الجديد في طرف المدينة
لم تكن هيلين لتأخذ لمار لوحدها لولا أنها تريد أن تحدثها بأمر يشغل بالها كثيرا ، وهي التي أعجبت بها وبالمسلمين عامة
والأمر الذي يشغل بالها (هو كيفية الدخول في الإسلام؟ وما ردة فعل كارلوس والديه إن أعلنت ذلك لهما)
في نفس الوقت كان هناك أمر يشغل بال لمار وهو كيف تقنع هيلين بالذهاب إلى مستشفى الجامعة حيث د يوسف
دارتا في السوق ساعتين كاملتين وعندما أحست هيلين بالجوع قالت لها: ما رأيك أن نتناول الغداء في الطابق الرابع حيث المطاعم
- نعم فأنا جائعة جدا
- هيا بنا
في الجهة المطلة على الشارع العام المزدحم بالسيارات جلست هيلين ولمار على الطاولة وكل منهما في يدها طبق من الدجاج والبطاطا المقلية والصلصة البيضاء والسلطة بالجبن
أكلت لمار وهي تفكر كيف تفتح الموضوع مع هيلين ، وكذلك هيلين كانت تفكر في مدخل لموضوعها
عندما شبعت لمار قالت بالعربية: الحمد لله
قالت هيلين : هل قلت ذلك بالعربية ؟
- نعم
- وما معنى ذلك؟
- أي الشكر لله
- هل أنت مقتنعة بإسلامك؟
- نعم .. تماما
- لقد قرأت الكثير عن الإسلام عندما عدت إلى لندن، وأعجبني كثيرا
- ولم لا تدخلين الإسلام وقد أعجبك؟
- أفكر في ذلك
- (ردت لمار بفرح) صحيح؟ هل تفكرين بجدية؟
- نعم
- هيا إذن ... ستدخلين الجنة ولن تندمي على إسلامك
- ولكن ...
- ولكن ماذا؟
- لا أعرف ماذا سيفعل بي كارلوس والديه وأهلي أيضا .. كلهم نصارى ولن يرضوا عني
- لا تقلقي ... أقنعيهم وأحضري الكتب التي قرأتها وادعيهم للإسلام (ثم أكملت بلهجة طفولية) وكذا كلكم تدخلون الجنة
- .............
- وأنا أساعدك .. هاه ماذا قلت؟
- لا أريد أن أتعجل حتى أعرف عواقب هذا الأمر
- إن أسلمت سيكون الله معك .. لا تخافي
صمتت هيلين وأخذت تفكر جديا بالموضوع فهي مقتنعة ولكنها لا تعرف ردة فعل أهلها وأهل زوجها ... ثم تنهدت وقالت : ليتهم يسلمون معي
قالت لمار: سأدعو الله في كل صلاة أن ينعم عليكم بالإسلام جميعا ... أنتم طيبون وتستحقون ذلك
لحظة صمت مرت وكل من لمار وهيلين سارحة بفكرها ...
وهنا تذكرت لمار د يوسف ولمعت في رأسها فكرة وقالت لهيلين: هل تريدين أن تقتنعي أكثر؟
ردت هيلين: كيف؟
قالت لمار: سأطلب منك إيصالي إلى مكان ما ... هل تفعلين ذلك؟
- وما هو؟ (قالت باستغراب)
- المستشفى
- سلامتك لمار .. هل تعانين من شيء؟
- لا ولكن من أجل أن تدخلين في الإسلام
- وهل يسلم الناس في المستشفى؟ (قالتها وعيناها تكاد تنشقان من الدهشة)
- ولم لا ( تضحك ثم تكمل) حتى نعلم نعمة الصحة التي وهبنا الله إياها
- لمار ... ما بك ... لم أعهدك تسخرين ... هل تسخرين من عملي؟؟
- لا ولكن ما عليك إلا أن تأخذيني هناك ، وأنا سأفهمك الأمر فيما بعد
- (بامتعاض) حسنا
- وبشرط
- ما هو؟
- أن لا تذكري هذا الأمر لأحد البتة
- حسنا .. وأنت أيضا لا تخبري أحدا بالذي قلته لك
- لا تهتمي فسرك في بئر
قامت كل واحدة منهما لتصلح من هندامها ، وبينما تدفع هيلين الفاتورة للنادل كانت لمار تنظر للساعة وفوجئت أنه لم يتبق أمامها من الوقت سوى ساعة فالشمس مائلة للمغيب فقالت لهيلين: بسرعة دليني على المستشفى الجامعي .. هل تعرفينه؟
قالت هيلين وهي تجر لمار إلى المصعد : نعم
وبسرعة في الأسفل أوقفت التاكسي ليسلك طريق المستشفى الذي لم يكن بعيدا فهو على مسافة عشر دقائق
نزلت لمار تركض وهيلين تلحق بها ثم توقفت فجأة لتقول لهيلين: أنت أسرع مني في قراءة اللافتات بحكم أنها لغتك الأصلية .. دليني على قسم جراحة الأعصاب؟
فسحبت هيلين يدها بسرعة في بهو المستشفى تجاه أحد المصاعد
وفي الدور السادس توجهتا إلى المسار الأيمن حيث كتب على اللافتة قسم جراحة الأعصاب
وعند كنترول القسم وقفت هيلين للتحدث مع الكنترول ولمار تملي عليها السؤال عن الدكتور يوسف ... ردت المرأة الواقفة أمامهما : الدكتور في إجازة؟ هل لديكما موعد؟
نظرت هيلين إلى لمار وقالت : هل لديك موعد؟
قالت لمار : لا ... ثم وقفت تفكر لحظة بعد أن أحست بالبرودة تسري في جسمها بعد الحماس ... ثم نظرت إلى ساعتها التي تشير إلى السادسة والنصف ..
الساعة السابعة يجب أن تكونا في البيت .. فماذا تفعل في هذه الدقائق القليلة؟
ثم طلبت من الكنترول ورقة لتكتب رسالة سريعة للدكتور يوسف
وعندما بدأت بالكتابة بالعربية أوقفتها إحدى الممرضات في الكنترول وسألتها: هل أنت عربية؟
- نعم
- وما اسمك
- لمار
-
حدقت فيها الممرضة قليلا ثم قالت : لقد ذكر الدكتور اسمك إن جئت في زيارة إلى هنا وطلب مني أن أسلمك هذا الظرف
ثم سلمتها ظرفا صغيرا، وقالت قبل أن تترك الظرف في يد لمار : لو سمحت دوني هنا عنوانك واسم عائلتك التي تسكنين معها
كتبت لمار العنوان وتركته في يد الممرضة التي ستسلمه للدكتور يوسف
ثم نظرت للظرف .. يا ترى مالذي يحمله هذا الظرف؟
ونظرت إلى هيلين وقالت : أنا اسفة .. الدكتور المسلم والذي أردت أن يقنعك بكلامه في إجازة
قالت هيلين لا بأس ... ولكن أريد أن أعرف كيف عرفته ، وأنت لا تعرفين أحدا هنا غير والدي كارلوس
- سأخبرك في المنزل لقد تأخرنا .. أليس كذلك؟
- أوه نعم لم يتبق من الوقت إلا القليل لنسرع قبل أن تغرب الشمس
رجعت لمار مع هيلين بالتاكسي إلى المنزل وهي تفكر طوال الطريق بالظرف وبهيلين التي تريد الإسلام ...
يوسف في بيت أهله وهم عائلة واسعة الثراء ويوسف هو الابن قبل الأصغر فيها
في الفيلا الشامخة وكأنها قصر وسط حدائق خضراء يستعد يوسف للذهاب لرؤية عروسه التي خطبتها له والدته
تقترب منه أمه لتطبع على جبينه قبلة كلها حنان ومحبة وفي عينيها دموع سعادة لابنها الذي ستفرح قريبا بزواجه ثم تمسح على كتفه وهي تقول : مبروك ألف مبروك يا وليدي الله يتمم عليك ويسعدك في دنيا واخرة ... ويا عساني يا رب أشوف عيالك بجنبك
- امين ... أهم شي يمه أني أشوفك راضية ومبسوطة وبصحة وعافية
- الله يديم عليك صحته وعافيته ... ياللا يابوي لا تأخر .. الله يوفقك
- دعواتك يمه (ويقبل رأسها)
يخرج من الباب الذي ينتهي بعد مدخل كبير وفخم وأمه تتأمله بسعادة .. ثم ينتهي إلى سيارة أخيه ، فهو لا يملك سيارة بحكم أنه لا يسكن في السعودية
بعد دقائق من خروجه يرن الهاتف لتجيب الخادمة
لم تفهم الخادمة كلمة واحدة مما يقوله المتكلم .. فهي ليست لغة عربية ولا فلبينية كلغتها ولا إنجليزية وهي تتقنها
لم تفهم إلا كلمة واحدة وهي (يوسف)
قالت الخادمة له لحظة أنادي ماما وتركت السماعة جانبا
ثم ذهبت لتستدعي أم يوسف حتى تتفاهم مع هذا الذي يثرثر بلغة أجنبية
جاءت أم يوسف لترفع السماعة وتجد أن ...
السماعة مقفلة
قالت : ألو ثم التفت للخادمة وقالت : ما فيه أحد الخط مقفل
ردت : ما فيه معلوم ما فيه كلام عربي بس أنا معلوم يوسف يوسف بس
- أكيد أحد أصحابه وموب عارف يتفاهم معك؟؟
ثم أكملت : إذا جاء يوسف يصير خير
في المساء دخل يوسف مع أخيه ياسر الذي يصغره بعامين والذي أوصله بسيارته من بيت مخطوبته وهما يضحكان ويعلقان على بعضهما
وفي الصالة كانت أم يوسف تسمع أصواتمها فهبت مسرعة رغم كبر سنها لتعرف الأخبار السارة .. فهي ما زالت في دوران وانشغال منذ خروجهما بعد المغرب
نظرت في عيني يوسف وهي تقول : ها بشر يا وليدي
رد ياسر: يمه .. ولدك هذا راسه يابس .. يقول البنت موب قد كذا .. أبي وحدة بمواصفات أوربية وشطحا وشقرا وووو
يوسف نظر لأخيه نظرة حادة ثم قال: ياسر .... وش هالكلام تبي تفجع أمي؟؟
الأم: ياسر وخر هناك ... فجعتني ... ما أطيق كلمة أوربية ... ياللا انقلع ... أنا أكلم أخوك موب أنت
ياسر: امزح يمه ... بس كنت أخاف عليك تفرحين مرره وتدوخين من الفرحة
الأم : أدوخ من الفرحة لمن أعرست إن شاء الله .. خلني أشوف أخوك ... ها يوسف بشر
وناظرته في عيونه وقالت : وش فيك ساكت بشر يا وليدي؟؟
أخذها يوسف مع يدها بعيد عن ياسر وقبلها على رأسها ثم قال: وش تبين أقول في ذوقك ... يا أحلى ذوق بالدنيا .. ما دامها اختيارك فهي حلوة أكيد ... وأنا راضي بالقسمة اللي سعت فيها أمي
- صحيح ... الله يبارك لك يا وليدي
وضمته من الفرحة وأخذت تدعي له بالتوفيق ثم توقفت فجأة وقالت: يوسف
- سمي يمه
- اليوم ردت الشغالة على مكالمة تقول مافيه عربي وما فهمت غير اسمك ... يمكن أحد من أصحابك اللي هناك
- قال لها وهو مندهش : غريبة ... من هذا اللي طالبني؟
لا يكون ....؟؟؟
وأخذ يفكر ... ثم استأذن أمه في أن يذهب ليكلم في الهاتف
فقالت: على راحتك يابوي ... المهم لا يقعدون ينادونك وتقطع إجازتك ... أصلا ما بقي منها غير أسبوع
رد عليها وهو يضحك: لا تخافين يمه ... لو يجروني من عندك جر ما رحت ... بس بشوف وش عندهم؟
- أجل بسلامتك يابوي ... لامنك خلصت تعال لي فوق عشان نسولف أنا واياك عن العرس وتجهيزاته
- ولا يهمك يمه ... ما راح أطول عليك ... أخلص وأجي
ثم انصرفت أمه ليذهب إلى الهاتف ويضرب الرقم الدولي على هاتف صاحبه التركي
ولا مجيب ... وأعاد الرقم ولا مجيب أيضا ... ثم ترك رسالة صوتية يطلب منه الاتصال غدا ظهرا الساعة الثانية
ثم صعد إلى أمه
0000000000000000000000000000
في الغد وفي الساعة الثانية ظهرا بعد أن أنهى يوسف غداءه وهو كبسة أرز من يدي والدته التي لم تطبخ كثيرا منذ سنوات ولكن من فرحتها بيوسف طبخت لهم الكبسة السعودية اللذيذة
ذهب لغسل يديه وهو ينظر لساعته التي تشير للثانية إلا خمس دقائق
تناديه أمه : يوسف تعال حلي معنا ... كريمة الفرن اللي تحبها ( منذ أن قدم يوسف وهي تقدم له الأكلات التي يفضلها)
ثم قطع صوتها رنين الهاتف ليسرع إليه يوسف وهو يقول : لحظات يمه وأجيك
أمسك بالسماعة ليأتي صوت صاحبه التركي وهو يقول : هل ستخبرني أنك تزوجت وتريدني أبارك لكما... مبروك مبروو...
- لم أتزوج بعد... انتظر ... هل اتصلت بي في الأمس؟؟
- لا لم أتصل !
- هل أنت متأكد ؟؟
- نعم
- غريبة ... من المتصل إذن؟؟
- ما الأمر؟
- لقد جاءت مكالمة خارجية بالأمس وظننتك المتصل ... إن لم تكن أنت فمن هو.؟
- لا أعلم يا عزيزي.. ولكن قل لي متى القدوم؟
- السبت القادم إن شاء الله
- تصل بالسلامة يا صاحبي .. لا تنس الهدايا
- لا تخف .. أنت تحرص على وصول الهدايا أكثر مني
- طبعا إذا كانت منك .. هيا المكالمة دولية ... إلى اللقاء قريبا
- مع السلامة
- مع السلامة
في المساء بعد أن عادت لمار وهيلين إلى البيت تناولتا العشاء مع بقية العائلة وهما متعبتان
وكانت ميري تلقي عليهما بعض الأسئلة عن السوق والغداء الذي تناولتاه
ثم يسأل كارلوس لمار : هل استمتعت بصحبة زوجتي؟
- نعم .. كثيرا
- هذا يعني أني سأرتاح قليلا الأيام المقبلة ... فأنت ستصطحبينها بدلا مني
- (بابتسامة عريضة) لا مانع طبعا
هيلين: وأنا كذلك .. أفضل صحبة لمار فهي ليست مشاكسة مثلك
- لا تكثري من ذمي ... في الأخير لن يبقى أمامك سوى وجهي أنا
- لم أذمك وإنما قلت الحقيقة فقط
ستوفي : كفى نقاشا ... إن كان هناك مشاجرات فلتكن بينكما وليس أمامنا ... نريد أن نأكل بهدوء
هيلين: نحن اسفون ... كانت مجرد مزحة
وأكملوا عشاءهم بصمت فسوفي وميري عادة لا يحبان الثرثرة على العشاء ... بسبب التعب بعد العمل الطويل في النهار ... وهما يطلبان الراحة والهدوء في المساء
000000000000000000000000000000 00000000
دخلت لمار غرفتها لتبدل ملابسها بعد أن أخذت حماما دافئا ثم خرجت لتجفف شعرها
نظرت إلى الظرف الملقى بجانب حقيبتها الجلدية الصغيرة
جلست على السرير ثم فتحت الظرف بأمل
فوجئت أن الظرف يحوي نقودا ؟؟
تسمرت يداها لدقائق ... ما هذا الذي تريده !!
إنها تريد دليلا تريد شيئا .. تريد من يأخذ بيدها ويعود بها إلى السعودية
أغمضت عينيها وسرحت بعيدا حيث المدينة ووالديها وأخواتها وأحست بالعبرة تخنقها وبالشوق يقتلها
والحنين والأمل .. ثم قالت : يا ربي يا كريم تجمعني فيهم في أسرع وقت ... من زمان عنهم وأخذت تبكي ... لعل البكاء يخفف بعضا من خيبة الأمل التي سببها الظرف الغبي بنظرها
صوت المطر في الخارج أيقظها فقامت تمدد يديها كسلا ومشت إلى النافذة ... لعلها تجد ما يجدد روحها ويغسل أحزانها .. فتحتها ثم مدت يديها خارجا رغم المطر والبرد وظلت واقفة إلى أن طرق الباب ؟
التفتت لتنظر إلى الباب .. من الذي يطرق بابها في منتصف الليل ونظرت إلى ساعتها فإذا هي الواحدة والنصف
- لمار حبيبتي افتحي بسرعة .. أنا هيلين
توجهت إلى الباب لتفتحه بعد أن اطمأنت أنها هيلين وفتحت لها ثم حيتها .. دخلت هيلين لتجلس على الكرسي المقابل للتسريحة بينما أقفلت لمار الباب وذهبت لتجلس على السرير فانتبهت للمال المبعثر عليه فغطته بغطاء السرير بسرعة قبل أن تلحظ هيلين المال فتسألها عنه
- لمار لقد وعدتني بأن تخبريني عن ذلك الدكتور الذي يدعو للإسلام
- (تنهدت ثم أجابتها) نعم لقد وعدتك ... كان ذلك في الصيف الماضي ... عندما سافرنا ...
ثم حكت لها كل شيء عن د يوسف وعن أحداث الصيف الماضي
بعد أن انتهت كان رأس هيلين يتمايل من النعاس ثم وضعت يدها على فمها وقالت: أوه كم هذا مثير .. ما زال للحديث بقية ... ولكن النوم يغلبني ..
ثم قامت وأمسكت لمار بكتفها وقالت: ساتي لك غدا لتدليني على الإسلام .. وأنا أدلك على الحل الذي يرضيك ... نامي ولا تفكري في شيء البتة .. فأنت بحاجة للراحة (ووضعت يدها على رأسها ) وهذا أيضا بحاجة للراحة
تصبحين على خير
ردت لمار وهي تمسك بالباب لتغلقه خلفها : وأنت تصبحين على خير
توجهت لمار إلى فراشها والنوم يكاد يغلبها ثم رفعت الغطاء فإذا المال مبعثر تحته فنفضته بعصبية على الأرض وألقت بجسدها وهي لا تكاد تفتح عينيها من النوم
في الأرض تفرقت الأوراق النقدية وبينها ورقة ليست منها ... ورقة كانت تتطلع إليها لمار ولكن ... للأسف كانت مخبأة بين المال فلم ترها
عندما صحت لمار وبعد أن توضأت لصلاة الفجر واتجهت للقبلة .. رأت الأوراق المالية ومن بينها ورقة بيضاء مطوية .. أخذتها لتقرأها ولكن.. هل تفتحها أم تصلي أولا؟؟
جمعت المال ووضعت الورقة فوقها على التسريحة ثم صلت فرضها
وبعد أن انتهت أسرعت إلى الورقة لتقرأها بحماس:
---------------------------------------------------------------------------------------------------------
لمار
سعودية
العاصمة
هذا ما أعرفه عنك وقلت لي سابقا أنك تريدين المساعدة حتى تتوصلي لأهلك .. لا أعلم إن كنت فقدت أهلك .. أم هم الذين فقدوك .. ولا أعلم إن كانوا قدموا معك من السعودية .. أم أنك قدمت مع أحد غيرهم ..
على كل حال كنت أنتظر قدومك إلى عيادتي في المستشفى كما أوضحت لك سابقا ولكن
اقتربت إجازتي السنوية فقررت أن أكتب لك هذه الرسالة في حال إن قدمت في غيابي
صغيرتي .. الغموض يلف قصتك تماما وأحتاج إلى معرفة الكثير ... لذلك لا بد من أن نتحدث وجها لوجه أو على الأقل عبر الهاتف
وهذا رقم شقتي ******* و رقمي في العيادة ********
(لا تنسي أن تزوري متجر المنسوجات القطنية التركية أو متحف الحرف اليدوية أو محل بيع السمك الطازج في الشمال من الشاطئ)
لا بد أنك تركت عنوانك ورقم هاتفك عند كنترول القسم في المستشفى ... فقد كلفت الممرضة بأن تأخذه منك
صغيرتي كل هذا ... حتى لا تضيعي مني
أنتظرك
د يوسف
ملاحظة : حتى لا تقولي أنك لم تستطيعي هذا الأمر أو ذاك .. أرسلت لك ببعض المال فهو سيسهل عليك بعض الأمور ... أتمنى أن لا تجدي حرجا في صرفه فيما يفيدك
ليملأك الأمل
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
بعد أن انتهت لمار من قراءة الورقة ... كانت كمن شرب للتو مشروبا منعشا وأحس بأنه سيطير
نعم ... أحست بأنها ستطير لا تدري هل هي الفرحة ؟ أم الأمل انبعث من جديد في نفسها ؟
أم هو قرب العودة لديارها وأهلها؟
ولذلك هي ستطير إليهم شوقا
رمت الورقة ورفعت يديها ثم قفزت عدة قفزات ... أحست أن الغرفة الصغيرة بأثاثها المتواضع تحد من حركتها وتضيق عليها فرحتها
فتحت الباب وخرجت حيث الفناء .. وقفت هناك تنظر لبعض المزروعات والورود
(اه ما أحلى الورود ... هل أقطفها وأهديها لك يا ماما ... وأنت يا أبي... )
ثم توقفت فجأة وكأن قلبها توقف عندما نطقت بهذه الكلمة ... ثم انحدرت على خديها الناعمين دموعا حارة
أخذت تبكي بصمت وكأنها تذكرت فجأة بعد هذه الفرحة.. تذكرت أنها تعيش في مصيبة
فبعدها عن والديها مصيبة
وفقدانها لصوت أبيها وأمها مصيبة
فقدانها لحنانهم ... لضمتهم ... لكل شيء فيهم
وأخذها البكاء فلم تصحو إلا على يد ستوفي وهو يهزها من كتفها ويخاطبها : يا ابنتي ما بك؟
رفعت عينيها وهي مليئة بالدموع ولم تتكلم
- ما هذه الدموع يا لمار؟ ... هل ضايقك أحد؟
- لا
- إذن ؟
- لا شيء
-
ثم أسرعت بالدخول إلى المنزل قبل أن تسمع المزيد من الأسئلة
وقف ستوفي حائرا ... ينظر للباب الذي جرته لمار خلفها وقال في نفسه: منذ فترة طويلة لم أرها تبكي؟ يا ترى ما الذي جرى لها؟
ثم نظر إلى ساعته وقال : يجب أن لا أتأخر ... لا بد أن ميري ستعتني بها فهي حنونة وكذلك هيلين
وبذلك طمأن نفسه وخرج لعمله
دخلت لمار إلى غرفتها قبل أن يراها أحد ... فهي تسمع صوت ميري في المطبخ تحضر لها كوبا من القهوة لتخرج بعده إلى العمل
وبعد قليل سيصحو كارلوس وهيلين ليتناولا الإفطار وربما يدعونها لمشاركتهم
وفعلا لم تمض نصف ساعة حتى طرقت هيلين عليها تدعوها للإفطار
فقامت لمار تغسل وجهها وتغير ملابسها وتخرج إليهم
عندما جلست إلى طاولة الإفطار قالت لهم صباح الخير .... فردوا صباح الخير
وأكملوا إفطارهم بصمت
عندما انتهى كارلوس نظر إلى لمار وقال لها: سأخرج الان لوحدي إلى السوق .. فقد كان من المقرر أن نذهب سويا أنا وهيلين ولكن هيلين اعتذرت بسبب بعض التعب الذي ألم بها ... وهي ستبقى معك في المنزل ... هل ستعتنين بها؟؟
- طبعا كارلوس ... لا تهتم .. فهيلين أكثر من أخت
- شكرا لك لمار ... إذن أستأذنكما
- إلى اللقاء
وعندما خرج كارلوس نظرت لمار لهيلين بابتسامة عريضة وقالت: هل فعلا أنت متعبة؟ أم تريدين البقاء معي في المنزل
- أحس ببعض التعب الذي لن يلبث أن يزول بعد أن نتناول الشاي
- لن تري بأسا ... هل تريدين الخروج لحديقة المنزل ؟ حتى نشم الهواء العليل
- لا بأس
- هيا إذن
وأخذت بيدها إلى الحديقة المنزلية وجلستا على الكرسي الإسمنتي المجاور للممر المؤدي للباب الخارجي
قالت هيلين بصوت ثقيل وكأن هموم الدنيا تثقلها: لمار هل تعرفين المركز الإسلامي هنا؟
- ولماذا؟
- لقد قررت أن أسلم وأريد أن أعلن إسلامي هناك
- صحيح؟ ( ثم استدارت بحماس وضمتها على صدرها) سأحبك أكثر ... والله يحبك لأنك قبلت بالإسلام لك دينا
- ..........
- ولكن ( وأكملت لمار بحزن) لا أعرف المركز الإسلامي
- لنحصل عليه من الدليل
- صحيح هيا نبحث عنه
دخلت هيلين بسرعة تلحقها لمار إلى المنزل وأخذتا تبحثان عن الدليل أو أي شيء يدل على المركز الإسلامي ولكن ... لا جدوى
فليس هناك شيء يوصلهما إليه
قالت هيلين: ما رأيك هل نخرج ونسأل عنه فربما صادفنا من يدلنا عليه؟
- لا أجرؤ على الخروج ... لو علمت ميري بذلك فستعاقبني
- ولكن ليس هناك طريقة أخرى
- انتظري حتى تعود في المساء ثم نستأذنها في الذهاب للتسوق
- ولكن هي لا تسمح لنا بالخروج مساءا
- لنخرج غدا
- هل أنتظر إلى الغد؟؟
- ليس أمامك سوى ذلك
- (تقدمت هيلين من لمار وكأن فكرة خطرت ببالها) ما رأيك أن تعلميني أنت يا لمار .. فأنت مسلمة ومعنا متسع من الوقت
- (بدا عليها الارتباك) أنا لا أعرف كيف يدخل الناس إلى الإسلام؟
- ماذا يا لمار ... هل سأنتظر؟؟ ... هذا كثير؟؟؟
ثم قامت لتذهب إلى غرفتها وهي منزعجة .. ولمار تحس بالحسرة لقلة معرفتها بهذه الأمور... حاولت أن تتذكر دروسها الدينية في المدرسة ... ولكن لم يكونوا يعلمونهم كيفية الدخول إلى الإسلام ... لأنهم مسلمون بطبيعتهم
نزلت هيلين من غرفتها العلوية ثم قالت : لمار سأخرج للبحث عن أي شيء يدليني على طريق الإسلام ... قد أتأخر ... إن سألوا عني فقولي لهم أني خرجت أريد بعض الدواء
- حفظك الله يا هيلين ... وسهل طريقك ... أتمنى أن تجدي ذلك سريعا ... ولا تقلقي بشأنهم
- وداعا
- وداعا
عادت هيلين بعد خروجها بساعتين وتحمل في حوزتها كيسا ، أسرعت إلى غرفة لمار وهي تقول ... لمار لمار ... أخرجي وانظري لما أتيت به
ولكن لمار لا تجيب عليها .... ثم سمعت باب المنزل يفتح خلفها فخرجت من الممر إلى الصالة لتفاجأ بكارلوس قادما من السوق ومعه بعض الأغراض .. فارتبكت ولا تدري كيف تخبئ الكيس الذي معها
سألها كارلوس : هل خرجت؟
- .........
- أرى معك كيسا ... هل ذهبت للسوق؟
- لا ... لو أردت السوق لخرجت معك
- إذن ما هذا الذي معك
- ............ (تسمرت في مكانها من الخوف)
- هاتي الكيس (قالها زاجرا)
- هاك
أخذ كارلوس الكيس الذي كان فيه كتبا من المركز الإسلامي ومعه حجابا لترتديه هيلين بعد إسلامها.. ونظر إلى الكتب بعد أن أخرجها فإذا هي تدعو إلى الإسلام من عناوينها
ثم نظر إلى هيلين نظرة غضب وقال لها مهددا : سترين ... وانطلق إلى الخارج
لحقت به هيلين وهي تقول : أرجوك كارلوس .. لا تتلفها ... تمهل كارلوس ...
ولم تستطع اللحاق به فقد ركب سيارة والده التي استعارها منه وقت وجودهما هنا
وقفت هيلين بإحباط وسط الممر الحجري في الحديقة ... من خلفها جاء صوت لمار : هيلين
- نعم ( بعد أن استدارت) أهلا لمار
- ما بك لم تبدين حزينة؟؟
- لقد أخذها كارلوس (ثم نظرت إلى الأرض بأسى)
- ما هي؟
- لم أقل لك .... ذهبت للمركز أريد الإسلام .. فوجهوني لامرأة مسلمة هناك وتأكدت من رغبتي بالإسلام واقتناعي به ثم قالت لي قومي فاغتسلي واشهدي أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن عيسى ابن مريم رسوله وكلمته ألقاها على مريم
- أكملي
- فشهدت بذلك ودخلت الإسلام فباركت لي ذلك وعلمتني كيف أصلي ركعتين فصليتها ثم أعطتني هذه الكتب لتعلمني أمور ديني الجديد وأعطتني جدولا بمواعيد الدروس الدينية التي تقام هناك
- لقد تحقق لك ما تريدين ... وأنت الان مسلمة .. لم الحزن إذن؟
- لقد علم كارلوس بأمري وأخذ الكتب وهو غاضب .. إنني خائفة من أن يتلفها
- لا تخافي .. كارلوس ليس متهور ... ألا تعرفين زوجك؟؟
- بلى ولكنه يكره الإسلام وأخاف أن يدفعه ذلك لتمزيقها
- لا تخافي
سحبت لمار هيلين إلى غرفتها لتهدئها وتطمئنها ... وعندما دخل وقت صلاة الظهر قامتا للصلاة جميعا وكذلك وقت صلاة العصر
الغريب أن كارلوس لم يعد إلى الان؟ واستبد القلق بهيلين التي لا تعرف ما الذي سيفعله زوجها؟
تعليق