خلصت الفطور بمساعدة فوزية اللي صحت من بدري عشان عيالها مزكمين ..
وراحت استبدلت قميصها القطني العادي بتنورة جينز اسود مطرز على الفخذ وبلوفر صوف ثقيل بياقه طويلة لونه رمادي ..
اخذت جلالها الطويل وحطته على راسها وغطت وجهها فيه احتياطاً اذا احد صاحي من العيال ، وعدت لبيت الشعر والشغاله وراها تشيل صينية الفطور ..
دخلت على جدتها وعمانها احمد وناصر حول منقل الجمر وهو ماله اثر بينهم ..
سلمت عليهم وصبحت عمها ناصر بالخير وجلست مقابلة لهم وهي ترتب الفطور على السفرة ..
قالت لعمها احمد بصوت واطي : عمي عماد فين ..؟
رد احمد وهو يدفي يدينه بحرارة الجمر : مادري من يوم جينا مالقيناه ..
دخل عليهم عماد عليه فروته وشاله الصوف لافه على راسه قالت جدته بلهفه : عْمَاد يمه وشلونك الحين .. تونس شي ( تحس بشي )..!
عدى من عندهم وجلس بجنب شادن قال : لا الحمد لله مافيني الا العافيه . قرب من شادن ولفها بطرف الفروة وغمرتها ريحة العود المعتق المختلطة بريحة النار وفترت عظامها وبردت اوصالها ..
قال : لاتجفلين يالشادن ابي اغطيتس عن البرد .. شوي وتتجمدين في هالمربعانية ( المربعانية ايام في الشتاء يكون البرد فيها في اوجه )
بلعت ريقها ورفعت راسها لاحمد اللي قال : شادن تعرفين وش معنى اسمتس . ؟
رد ناصر باهتمام وبدون مايدقق في حركة عماد : الشادن الغزال ليا انفطم عن امه واجذوذع ( صار جذع ) .
ابتسمت لعمها بخدود متوهجة احراج وخجل قال احمد : من اللي سماك الاسم هذا ابوتس الله يرحمه ولا ذوق الوالده .
ردت وهي تحاول تنزل الفروة عن اكتافها وعماد يردها عنوة وعمد قالت : ابوي الله يرحمه هو اللي سماني الاسم هذا وامي اختارت اسم نايف .
دق جوالها في جيبها وطلعته وهي محرجه وشافت اسم نايف
ردت عليه بصوت واطي ومخنوق من الاحراج ..
: هلا نايف ..
رد عليها بصوت مبحوح : هلا شادن انتي فين من امس .؟ واش هذا النوم من العصر للفجر الله لايبلانا .
تذكرت اللي صار امس وطالعت في عماد بنظرة عتب فهمها على طول قالت : كنت تعبانه ونمت .. اش فيه صوتك ..؟
: تعبان .. الحمى كسرت عظامي وامي ماشفتها بالله روحي صحيها بشوفها قبل انام .
وقفت وهي تقول : امي مانامت الا متأخرة .. عندك دوا .. ولا اجيب لك ..؟
مسك عماد يدها ووقفت بمكانها قال : خليه يجي يفطر اذا مانام للحين .
قالت لنايف : عماد يقول لك تعال افطر معانا احنا في بيت الشعر .
: من عندكم ..؟
: جدتي وعمي ناصر وعمي احمد ..
: طيب دوري لي عصير ليمون الانفلونزا هالكتني .
عضت شادن على شفايفها قالت : مافيه ليمون في البيت .. عيال عمتي تعبانين وشكله راح عليهم . بس انا عندي بندول كولد اند فلو بجيب لك منها .
قال عماد وهو يوقف : خليه يجي يفطر وانا بروح اجيب له ليمون .. اخذ له قطعة عيش صامولي دهنها بلبنه ووقف وهو ياكل منها لقمه ..
قال لشادن : امشي تعالي ابيك برا .
قبل ماتعترض وترد تكلمت جدته : لاتروح انت تعبان خل احمد يخدمك
.
رد وهو يعطيهم ظهره : لا انا اصلا لازم اروح اشتري علاجي محد يعرفه غيري .
زفرت ام ناصر وقالت برجا واعتراض : الله يكفيك شر هالعلاجات اللي ماتصبح وتمسي الا عليها .
رفع احمد حاجبه قال : هو ليه مايروح يسوي فحوصات ترى سرطان القولون منتشر هالأيام الله يكفينا شره .
رد ناصر : اعوذ بالله فالك ماقبلناه .. ان شاء الله مافيه غير العافيه ..
كانت واقفه مكانها معترضه ومحتارة تروح ولاترفض ..
مر وقت قصير وسمعت صوته يناديها : شادن ..
طلعت تمشي بخطوات سريعه اول ماشافها مسكها بيدها وسحبها ورى بيت الشعر ناحية جدار المزرعه قال : علميني وش اللي زعلك امس ..؟
تجمع الدمع بعيونها .. وزفر وضرب برجله على الارض قال وهو صاك اسنانه على بعض وعصبيه حاول يكبتها : لاتبكين ..
انهال الدمع على خدودها قالت : ليه مابكي وزوجة عمي تمشي وتفضح فيني بسببك .
فك الشال عن راسه ورجع لفه من جديد وزم شفايفه قال بأمر وصرامه : وش قالت عنك ..؟
شهقت قالت : عماد انا مابغى ادخلك في سوالف الحريم .. بس وش ذنبي ليلى تشكك في شرفي وتقول انك تنتظرني اكمل سنه عندك ....
قاطعها : التافهه هذي منين جابت الكلام هذا ..؟
غمضت بقوة على الدموع اللي غرقت عيونها قالت : اسأل نفسك .
كان يتأمل وجهها ..
جبينها ناصع والشمس تنعكس عليه ..
وخشمها وجفونها وخدودها مكتسية بقع حمرا ..
طلع لها مجموعة مناديل مطبقه من جيب قميصه قال : مسحي دموعك واسمعيني .
اخذت المناديل ومسحت وجهها وهي ساكته ونظرها للأرض ..
مسك يدينها الثنتين وضم عليها بقوة وهو يقول : اسمعي ياشادن انا بقول لك كلامي هذا وماراح اعيده .. وابيك تصدقينه ولاتصدقين غيري ..
رفعت له راسها وطالعت فيه بعيون باكية ..
وبلحظة فك يدينها ولف يدينه حول اكتافها وضمها ودفن راسها في صدره وهو يقول : اقسم بالله ياشادن من يوم دخلتي بيتي زوجة ماكلمت احد عن حياتنا .. التافهه هذي يمكن احمد علمها عن كلامي ايام ماكانت جدتي تحاول فيني اخطبك ..
مابيك تصدقين اني امسك بكلمة ولاسمح لاحد يتجرأ ويتكلم عليك ..
انا اذكر مرة ان احمد قال طاوع امي ولاتقهرها قلت مابي الزواج وان اخذت البنت ارضي جدتي اخاف اخليها سنة ثم اطلقها .. بس هذا اللي صار .
رفعت راسها ورجع يلمه على صدره قال : الكلام سهل ياشادن .. لكن الفعل صعب .. انا لوبيدي عطيتك حريتك الحين قبل شوي لأنه حرام تعيشين مع واحد مثلي .. بس ماقدر ..
ضمها عليه اكثر وكمل : والله ماقدر ياشادن .. انتي ماتدرين وش انتي بالنسبة لي انا .. تنهد ونفخ بقوة قال : انا ماتخيل اني اكمل باقي عمري بدونك .
رفع راسها وطالع في عيونها بعمق قال : تراني ماقلت لك الكلام هذا الا بعد كلامك لي في السيارة امس .. لكن سألتك بالله ياشادن متى ماحسيتي انك تبين تعيشين حياتك لاتترددين لحظة وحده .
استرخت كلها على صدره قالت : عماد انا مابغى اعيش حياتي الا معاك انت .. تكفى عماد لاسمع الكلام القديم ولاسيرته .. اوعدني الله يخليك .
: ان شاء الله ماتسمعينه ..
قطع كلامه وهو يسمع نايف يتنحنح بصوت عالي ويكح ..
بعدت عنه وقالت : بروح اجيب لنايف الدوا ولو اني مابغى اقابل زوجة عمي .. اووف اكرهها .
ضحك بصوت واطي وقلدها : اووف اكرهها ..
قال بصوته الطبيعي : روحي جيبي لاخوك الدوا .. ضحك وكمل : وسوي لي كبتشينو ..
عقدت حواجبها وهي تتذكر ليلى وغمضت بعيونها قالت : لاعماد عن جد اجيب لك ..
: ايه والله سوي لي على بال مالبس ثوبي وشماغي .
هزت راسها وراحت للبيت بسرعه محملة بروح جديدة ومشاعر نقية ماتشوبها شائبة حزن او خوف . .
وبعد ايام ثلاثه في المزرعه ..
واقف على باب المجلس ويدينه على اطراف الباب
ماراحت السالفه من باله للحين ..
ضرب برجله على الارض بتوتر وهو يتذكر ان امه بتمشي لخاله اللي ساكن في الطايف .. وهو وراه مشوار لعزيمة واحد من اصحابه في الطايف ..
مافيه فرصه يكلمها في الموضوع بهدوء الا في السيارة وهو مايبي يروح لخاله اللي كل ماشافه كل تعال املك لك على وحده من بناتي ..
مستحي يقول لا مابي من بناتك ويزعل خاله وخايف انه يوافق ثم يتوهق ..
قال بندر وهو يتذمر : انا مواعد لي رجال في الشفا بعد المغرب ... وش السواة ..؟
قال فهد : خلاص روح في طريقك وانا اوصلها .
رد بندر بحماس : جزاك الله خير .. بس مشوارك ..؟
عقد فهد حواجبه قال : مشواري اقدر الحق عليه بس انت اللي ترجع امي ..
ابتسم بندر قال : وش هالكرم الحاتمي .. روح ياشيخ الله يوفقك ويريح بالك .. على فكرة ترى محد بيروح معك الا امي وخالد .
: خالد وش يدور ..؟
: خله يروح يبي عيال خالي وهنا مافيه احد في سنه .
: الله يعين ..
لبس فروته وتلثم بشماغه قال لخالد اللي جاه يمشي : خالد ارجع ازهم امي قول اني انتظرها في السيارة .
قال خالد باستغراب : انت اللي بتودينا ..؟
: ايه انا عجل ..
راح للسيارة وبعد دقايق قليله كانت امه راكبه في المقعد الخلفي وهو وخالد في الأمام ..
تنحنح وتأهب للكلام اللي حس ان مقدمته صعبه على امه ..
قال : يمه تذكرين اهل ابو مشاري جيران نايف وامه .
قالت امه وهي تقرب من مقعده : ايه ياوليدي اذكرهم .. اجوادٍ (ن) محد ينساهم .
اخذ نفس عميق قال : سألتي ام نايف عن بنتهم اللي صار عليها حادث وشلونها .
: ايه سألتها تقول ان شاء الله انها بتطيب .. يدها ورجلها متكسرة وتقول انها بدت تمشي على العكاز .. ياوليدي رحمها ربي يوم حطك في طريقها .
قال فهد وهو يجر في كلامه ويدور مدخل لسالفته : تدرين ان اخوها منقهر مني يوم شلتها وشاف دمها عليّ ...
قاطعته امه : اعوذ بالله من الشيطان وش يقهره وانت لولا الله ثم انت يمديها مع درب زميلاتها .
: لا يايمه مهوب اجلها .. وربي كتبني في طريقها وجعلني سبب في نجاتها يمكن من مشاكل اكبر من الكسور .. الا وش تعرفين عنها انتي ..؟
: بنيةٍ(ن) ساترها الله . وشو له تنشد عنها ..؟
غمض عيونها قال : ابيتس تروحين تخطبينها لي انتي وابوي .
: وشووو ..؟ انت صاحي ولا مجنون .. البنت مطلقه ماكملت شهرين .
عض على شفته " هذا اللي كان متوقعه " ..
قال خالد باندفاع وتعصب مراهق : والله ماتاخذ المطلقه وانا حي .. اكثر لاكثر الله بنات خلق الله ..
دفه فهد بأطراف اصابعه قال : انكتم انت واذا هرجك احد ولا وجه لك كلام تعال افزع ..
قال خالد : اخطب وضحى بنت خالي سعد .
رد فهد بعصبيه : اصصصصصصص لاتفتح فمك الا اذا قلت لك .. ووالله والله ياخالد لوطلع هالكلام لمخلوق اني لاشغل العقال في ظهرك .
سكت خالد قال فهد لامه .. : يمه انتي تدرين وش سالفة طلاقها .
: وانا امك علمتني ام نايف مير انا مابي الناس تقول ولدهم باير مالقوا له الا المطلقه .
: بسم الله الرحمن الرحيم .. يمه الله يخليتس لي انا اللي ابي اعرس ولا الناس .. بعدين البنت هي اللي طلبت الطلاق ثم الرجال مادخل بها .
ردت امه منهية الحوار وبحسم : ولو ولو اسمها مطلقه اسمع كلام خالد وخلني اخطب لك وضحى .
: اجل لاعاد تفتحون لي سيرة العرس . هذاني قلت لكم اخطبوا لي وعييتوا ( رفضتوا ) .
: ياوليدي قلوا بنات الخلق .. عز الله ان خالد اعقل منك .
التفت فهد لخالد وهو يتباهى بابتسامه على وجهه من كلام امه قال : والله لولا خوفي من ربي واخاف ان امي يصير لها شي لاخليك في هالخليان لين تتوب ماتتدخل في احد .
ساد الصمت في السيارة مايقطعه الا تأفف فهد الدال على ملله وضيقة خلقه ..
***
"خلاص اقتنعت ..! بس فكها شوي ترى الزعل مو لايق عليك "
قالته سارة لمشاري وهو يفرش اسنانه قبل يدخل ينام ..
قال وهو يحرك الفرشة بسرعه في فمه : ترانا حددنا زواجنا انا وريهام في اجازة عيد الاضحى .
شهقت بصوت عالي قالت : ايييش .. ؟
غسل فمه وتمضمض اكثر من مرة وسحب له منديل قال : اللي سمعتيه .
: خير ان شاء الله مسرع ..؟ وانا ماعليكم مني .. نسيتوا اني بالجبس لسه ..؟
: انتي ان شاء الله كلها شهر وتفكين الجبس والزواج بعد شهر ونص تقريباً ..
عقدت حواجبها قالت بزعل : اصلاً انت حاقد عليّ عشان سالفة الشغل وتبغى تقهرني . ياخي قلت لك خلاص بطلت واقتنعت بكلامك .
مشى لغرفته قال : انا ماني زعلان بس انتي قاهرتني اذا ماتفكرين بقراراتك .. ماكفاك تهورك وموافقتك على خالد . هه شوفي وش جنيتي ..؟
ليش يامشاري تخدش الجرح وهو لسه ينزف ..؟
بهت لونها وفترت ملامحها ..
قال مشاري بندم : اوووه سارة انا اسف والله ماقصد اجرحك .. بس ابيك دايماً تفكرين مليون مرة قبل ماتتخذين أي قرار بحياتك .
حاولت تلف بتطلع مع باب غرفة مشاري وتعثرت وطاح العكاز وطاحت ..
جا مشاري بسرعه وساعدها لحد ماوقفت قال : سارة لاتزعلين مني ترى مو قصدي ....
رفعت يدها يعني خلاص وهزت راسها وهي تمشي بتركيز وهدوء لحد ماوصلت غرفتها ..
ماصدقت تتجاهل الموضوع وتنساه في زخم الأحداث اللي صارت ..
وجا مشاري ونكأه ونثر اوجاعه على صفحة ايامها من جديد ..
رجعه وكأنه امس مو قبل اشهر ..
جلست على سريرها ودموعها تتجمع بعيونها وحلقها مخنوق .
ماتبي من الدنيا وفي هاللحظة الا فاطمة او شادن ..
فاطمه مستحيل ..
لكن شادن مو مستحيل خاصة انها كلمتها اكثر من ثلاث مرات وهي في الطايف ..
اخذت جوالها ودقت على شادن تلوذ بها عن الذكرى ووجعها ومرار واقعها اللي تعيشه ومسمى مطلقه اللي تعتبره كابوس تصحى منه عليه ..!!
***
جالسات في الصاله حقت البيت الصغير المنزوي في المزرعه الكبيرة ..
ام ناصر منسدحه وتسبح ..
وحولها ام نايف وشادن وحليمه وفوزية وليلى ..
ومنال وحنان جالسات عند التلفزيون
قالت ام نايف لشادن وهي تضم شهد على صدرها : الله يرحم ندى .. كل ماضم شهد اتخيل اني اضمها .
قربت شادن من امها قالت بحنان : يمه الله يخليك لاتفكرين بالأشياء اللي تحزنك .
ردت امها بهمس : ياحبي لشهد .. محد يلوم عماد والله .. بسم الله عليها ذكية وعقلها اكبر من سنها .
التفتوا بسرعه لليلى اللي ضحكت بصوت عالي من المسج اللي وصلها قالت باحراج : هههههههههههههه اقرا لي نكته بس ماتصلح لكم .
قالت حنان وهي قاعده ومتغطيه ببطانيتها وتطالع في مسلسل صعيدي ينعرض على قناة ابوظبي : انتي اصلاً كلتس على بعضتس ماتصلحين لنا .
ردت ليلى : طبعا ماصلح لكم انا غير عنكم يابدويه ياجاهله ياللي حدودك مدرستك وبقالتكم اللي بجنب بيتكم ...
قالت حنان بتقزز : ياربييييييييييه يالحضرية .. انا بدوية ومحتفظة باصلي وديني مو مثلتس .
قالت منال لحنان بلهجة حادة : حنان خلاص احترمي جدتي و خالتي ام نايف وحليمه وعمتي .
حذفتها شادن بعلبة المنديل وهي تضحك وتقول : يادبه وانا ماتحترمني .
قالت منال بمرح : خلاص احترمي خالتي شادن .
وقفت حنان قالت بجديه عكس مرح حنان وشادن : هي متى تذلف لاهلها ونرتاح .
قالت فوزية : حنان زودتيها عاد .
عقدت حنان حواجبها ووقفت قالت : خلاص سكتنا .
جلست ام ناصر بملل وقالت : شادن يابنيتي قومي معي وديني لعيالي في مجلسهم .
وقفت شادن وساعدت جدتها على الوقوف ولفت جلالها عليها وطلعت معاها للمجلس القريب من البيت ..
دقت الباب ووقف احمد اول ماسمع صوت امه واخذ يدها ودخلها ..
قال لشادن قبل ترجع : تعالي مافيه احد غريب عمانتس ونايف وعماد .
كان عماد مسند ظهره على المسنده وراه ..
اول ماشافها عدل جلسته متفاجيء قال : تعالي هنا ..
اشر لمكان بجنبه وجلست باستحيا وعلى وجهها ابتسامه خجوله ..
شافت كيس الأدويه بجنبه قالت بهمس : كيفك اليوم ..؟
التهمت نظراته وجهها قال بشغف : بخير .. انتي وشلونك من امس ماشفتك .
ابتسمت بحرج قالت : انا كمان بخير ...
سحبت كيس الدوا وطلعت الأدوية قالت : عماد طلبتك لاتاخذ الانترفيرون ترى سمعت انه يسبب اكتئاب .
اخذه من يدها قال : وش سمعتي عنه بعد ..؟
التفتت لاحمد اللي انقذها من احراج الاجابة وهو يقول : ابو مشعل نبي اخر قصيدة كتبتها ..
قال فواز وهو يرشف من حليب النياق قدامه : فكنا من الحزن الله يرحم ابوك .
ابتسم عماد وطالع في شادن قال : هذي جديدة البارح كاتبها ..
تنحنح وقال :
في عز ما كنت اهوجس فيك وأفتح لك
أبواب قلبي خذتني رجلي لبابك
وجيتك وأنا ما اذكر اني كنت رايح لك
بس أذكر اني كذا لا طول غيابك
يا ما ترددت مدري كيف بشرح لك
أجيك وأرجع ابيك تقول وش جابك
يا ابن الأوادم ترى مليت ألمح لك
أنا اعزك وأحبك وأعشق ترابك
لا ضقت أضيق ومتى تفرح أنا أفرح لك
ولا غبت أموت ومتى ما شفتك أحيا بك
ان كان ودك ترسيني على كحلك
لميت عمري وخاويتك على اهدابك
لكن قبل تنجرف حبيت اوضح لك
مستقبلي في يدينك..واعمل حسابك
لو ضاع مستقبلي مانيب سامح لك
يكفيني الماضي اللي ضاع بسبابك
وسلامتكم .
كانت تتأمله ..
وجد عيونه وهو يناظرها ويصد ..
وشوق يدينه وهو يحركها
وعشق قلبه وشفايفه المترجمة له ..
سمعتها حرف حرف ..!
كلمه كلمه .. !
ارسلها من قلبه لقلبها ..
طالعت فيه ورمقها بنظره فهمتها ..
وصلت لعمق قلبها وترجمها احساسها ..
" ايه انتي المقصودة .. "
قالوا كلهم : صح لسانك
ورد : صحت ابدانكم .
قال نايف : هيضتنا يابو مشعل .
طالعت شادن في نايف باستغراب وسكتها بعيونه وقال وهو يضحك باستهبال : تبين حليب نياق ...؟
فهمت انه خايف من لقافتها قالت : لا لا شكراً ماحبيت ريحته .
قال عماد : صب لها بياله والله لتشربه مثل ماشربه وانا ماحبه .
ضحك احمد قال : بالله انك لتقول لنا قصيدة البحر ..
رد عماد : فواز مايبي حزن .. وجدتي مابي اكدر عليها قد سمعت مني قصيده تشبه لها وبكت .
قال احمد : اذا امي بتبكي اجل فكنا منك انت وقصيدك ..
وصلهم صوت فهد وهو يقول بصوت عالي : هيييييييي ياولد .
فزوا عماد ونايف قال عماد بصوت عالي : ارجع وراك .
قال فهد بنفس صوته : وين ارجع ماوراي الا البرد اللي يقطع القلب .. من عندك .
طلع له عماد وهو يقول : ياخي مرتي فيه ارجع لين تطلع .
رجع فهد وراح للمغاسل وطلعت شادن ونايف يمشي معاها وهي متغطيه بجلالها الطويل الضافي على جسمها ..
قال نايف قبل ماتدخل : شادن تعالي .
وقفت شادن ورجعت بعد مالاذت عن فهد بنايف لحد مادخل ..
قال : ابي اسألك سؤال وجاوبيني من دون أي نقاش .
مسكت بطنها خايفه يكون سمع شي من كلام ليلى ولا وصله من احمد شي ..
قالت : اسأل ..!
قال : شوفي تراني نبهت عليك ماتناقشين .. اوكي .؟
: اووه نايف اسأل ترى ارهقتني ..
طلع المنديل المطبق في جيبه وفتحه وطلع شعرة طويلة من بين طياته : قال الشعره هذي لمن .
فتحت شادن فمها قالت : صدق انك ماتستحي . اش هذا وكيف تتجرأ .
سكتها بسرعه : اسكتي وقصري صوتك .. هذي الشعرة سبب الحمى اللي جاتني ..
تأملها على النور الصادر من اللمبة المثبته في جدار البيت وتطل على المزرعه ..
قال : الشعرة هذي جننتني وبصراحه انا شاك في راعيتها .. امي كانت تمدح لي منال بنت عمي ناصر .. وتقول شعرها طويل واول ماشفت الشعره هذي عند المغاسل تخيلت انها لها .. بس من جد فيه حرمه في الدنيا شعرها هالطول .
: من قال لك انها لمنال .. يمكن تكون لوحده من حريم عماني .
رجع الشعرة في المنديل .. وهو معقد حواجبه قال مستبعد الفكرة : لا لا زوجة احمد وشفتها شعرها قصير ..
فتحت شادن عيونها وكمل نايف : وزوجة عمي فواز شعرها موطويل لأن عمي فواز سحره الحرمة اللي شعرها طويل ..
وام فهد حرمة كبيرة وماتنزل طرحتها ولا برقعها حتى يطيح شعرها عند المغاسل حقت الرجال ..
دخل المنديل في جيبه قال : قولي لي هذي لمنال ولا لحنان . ابي اخطب راعيتها .
ضحكت شادن باستغراب قالت : والله منت صاحي ..!
: اييييييه صح مجنون .. مأجر ذا .. أشر على راسه وكمل : من يوم شفت الشعرة هذي وانا منتهي ومنهبل ومستخف .. ها ماقلتي لي لمن .
ضحكت قالت : خلاص روح اخطب منال .
تنفس بعمق وحط يده على قلبه قال : اشوا ان هذا مادق عبط .. روحي روحي نادي لي امي وخليها تلبس شي ثقيل لاتطلع في البرد بدون شي . ابغى ابشرها قبل اكلم عمي ..
دخلت شادن والفرحه مو سايعتها عشان تنادي امها ..
قبل ماتكلم امها شافتها تمتم ب : (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ، أعلم أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما وأحصى بكل شئ عدد اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركاه ومن شر كل دابة أنت اخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم )
طالعت شادن فيها قالت : يمه فيك شي ..
استغفرت امها بصوت واطي قالت : شهد فتشت جوال ليلى ومدري وش شافت والظاهر ان فوزية وليلى تهاوشوا .
عقدت شادن حواجبها قالت : ماعليك فيها .. نايف يبغاك برا ومجهز لك خبر حلو .
قامت امها وهي تلف جلالها على شعرها قالت : الله يجعله خير اش عنده .
حطت شادن اصبعها على فمها بحركه طفوليه تعني ماراح اتكلم ..
وتوجهوا لنايف اللي ينتظرهم على جمر حتى يبلغ امه الخبر ويروح لعمه يخطب منه ..!
***
انتفضت وهي تشوف نورة تدخل شنطتها الجديده والكبيرة والممتلئة بانواع الملابس اللي تخص العروس ..
يعني زواجي من حمود حقيقي ..!
حمود اللي ماحلمت به ولافكرت فيه لو ثانية من عمري او لحظة من حياتي ..
انا بصير لحمود ..
انعصر قلبها بكاء وهي تتأمل الشنطه المخيفه بنظرها ..
هزت راسها قالت بتحدي : انا موب لك ياحمود .. احلامي فوق مستواك .. واجمل من عالمك .. واذا احلامي ماتحققت الحياة مهب لازم .
سمعت العنود تبكي لأن فستانها الحلم ماحصلت عليه ..
قارنت احلام العنود بأحلامها ..
العنود تبي فستان ابيض .. وامي معيّه ( رافضه ) تشتري الابيض تقول الابيض يسمرها زود على سمارها ..
وانا احلامي باختصار كانت عماد ..
وحلمي انقتل بيد عماد ..
العنود تقدر تكبر وتشتري الفستان
بس انا اذا كبرت وشلون اجيب عماد واحييه من جديد .
نزلت دمعتها على خدها وهي تطالع في الباب المقفول ..
حتى لو انفتح ..
يعني بذبح نفسي ..؟
وشلون اذبح نفسي وانا يوم رحت للبير تذكرت ربي وعذابه وعقابه وماقدرت ارمي نفسي في البير رغم ان الموت لحظتها ابرك لي من الحياة وحمود ..
فتحت نورة عليها الباب قالت : نوف ... خالتي ام حمود جات بتسلم عليتس .
تغطت ببطانيتها وغمضت عيونها وطلعت نورة يائسة بائسة ومقهورة من حال اختها ووضعها والوضع اللي ابوها حطها هي فيه ..
الحارس الجلاد ..
تقفل عليها وتجهز لزواجها اللي تشوفه نوف موتها وجنازتها ..
قالت لامها اللي قابلتها : ماتبي تشوف احد ولاتكلم احد ..
وماكان شعور الام افضل من شعور الأخت ..
زاده الخيبة في اول الفرحه وأكبر ضناها اللي المفروض تكون الأعقل والأفضل ..
تمتمت بدعوات بينها وبين ربها انه يهديها ويصلح شأنها ولايتكلها لنفسها طرفة عين ..
***
رفع حاجبه لعماد قال بزعل : امي هي اللي رفضت وانا يوم رفضت ماكنت ادري انه مادخل بها ..
قال عماد باهتمام : طيب انت قلت لها انها ملكة بس وانها هي اللي طلبت الطلاق .
رد فهد باحباط : ايييييه وماعندها استعداد تسمع .
قال ناصر : اذا همك امك ماعليك .. انت اكيد انك تبي البنت ..؟
طالع فهد في ابوه قال بثقة : ايه ابيها .
قال فواز : لا يالظالم متمقل منها ( متأمل فيها ) وهي في دمها .
طالع احمد اللي مافهم من السالفه الا ان فهد اختار البنت اللي يبيها ..
قال وهو يتكي على التكاية ويمدد رجوله: وش السالفه ..؟
وقف عماد ولف شاله الصوف على راسه واخذ فروته قال : الشيخ فهد جاك من جده وصادف له حادث مدرسات واسعف وحده منهن والظاهر انه عشقها .
ضحكوا احمد وفواز قال احمد : وين بتروح ..؟
مس عماد ظهره قال : بطلع امشي شوي في المزرعه واطلق رجولي .. من يبي يخاويني منكم .
قال فواز : اقعد اقعد في الدفا واستتم النعمة .. من اللي بيطلع معك في هالبرد .
رد عماد وهو طالع : قدامي النسيب هو اللي بيمشي معي .
قال احمد : عماد .. تعرف خويي عبدالمحسن ..!
قال عماد : ايه اعرفه الله يشفيه .
رد احمد : الله يشفيك انت .. الرجال تعافى ومابه غير العافيه ..
رجع عماد ووقف مكانه قال : تعافى .. هو ماكان عنده سرطان في الدم ..
: هذي من معجزات القران والطب العربي يقولك الرجال راح لطبيب عربي في الاردن واعطاه وصفات طبيعيه ونصحه يقرأ سورة البقرة يومياً ويمسح بها على جسده ويشرب من زمزم .. وشهرين اثنين والرجال زي الحصان .
الأمل وشبَّاكه ..
الحلم وبوادره ..
الحياة بطعمها ولذتها ..
بين ممكن وممكن ..
مقعول في امل ..؟
فيه تحقيق حلم ..؟
تنتظره حياه ممتعه ..؟
ولا صادفت مع عبدالمحسن وحظه هو ماراح يتحسن ..
قال بفرح بالأمل وخوف من التأمل : الحمد لله اللي عافاه واشفاه .. ماشاء الله تبارك الله عسى الله يتم عليه ..
طلع من المجلس وطريقه مابين ابيض وأسود ..
مستقيم ومتعرج
نوافذ مغلقه ونوافذ مفتوحه ..
باختصار
كان يمشي وهو يائس ومتأمل ..
شاف نايف واقف مع امه وشادن وناداه بصوت عالي يبعده عن التفكير والخربطه اللي توهته ..
وجا يمشي عنده ..
اول ماوصلهم قال : يالله اجمعهم على خير . السلام عليكم ..
ردوا السلام قال : مسيتي بالخير ياعمتي .
ردت عزيزة وهي تحط طرف جلالها على فمها وخشمها بخجل : هلا والله مسا النور والسرور .
: وشلونك مع البرد عساك تأقلمتي .
: الله يعين ماني متعودة عليه .. بس الحمد لله على كل حال تغيير جو .
طالع عماد في نايف قال : وش مجمعكم برا ..؟
ضحك نايف قال : مجتمعين على خير وزواج ابشرك .
ضحك عماد بصوت واطي قال : ماشاء الله ماشاء الله .. الا وش السالفه اليوم .. انت وفهد تطامرون تبون العرس .
قالت شادن : فهد بيتزوج .
قال : ايه وافق على بنت ابومشاري .
زمت شفايفها قالت : ماعتقد انها راح توافق عليه .
: افا وعلومي امس لك وين راحت ..؟
: قصدك اقنعها ..........
قاطعها نايف : هيييي انت وياها .. لعنبو ابليسك قاعد ابشرك بزواجي تفتح موضوع فهد وزواجه .. ياخي اسأل من اللي راح يتشرف واخذ بنته .
: ان كان ماني غلطان فخالي ناصر هو اللي بيتشرف ..
رد نايف وهو يقهقه باستهبال قال : انت داهية وحرمتك ادهى منك ..
قال عماد : شادن انقزي جيبي لك شي ثقيل وتعالي امشي معي في المزرعه ..
دخلت شادن للبيت وقالت ام نايف قبل تدخل : نايف حبيبي كلم جدتك قبل ماتكلم عمك حتى تحس انها مهمه وانك لازم تاخذ رايها .. بعدين كلم عمك ولا خلها هي تكلمه لك ..
قال نايف : ان شاء الله ابشري باللي تبين .
: يالله عاد انا بدخل عن البرد .
قال عماد : الله يستر عليك .
ورد نايف : يمه دعواتك لي .
ابتسمت له امه قالت : الله يوفقك ويسعدك ياقلبي .
دخلت البيت وشادن طالعه بجاكيت عمتها فوزية الفرو البني المحروق قال عماد : يالله عن اذنك روح كلم جدتك وعمك وعسى الله يتمم لك .
مشى نايف من عندهم ومسك عماد يدها وراحوا يمشون في الجهه البعيده عن قسم الرجال ..
قال : الله يسعد نايف رجال ويستاهل منال .
طالعت فيه قالت : اش عرفك بمنال ..؟
ضحك عماد من طريقة سؤالها اللي ينم عن غيره قال : ههههههههههه منال اختي الصغيرة لاشوفك تغارين منها هي وحنان .
طالع وراها و لمح قطعة خشب كبيرة في حوض شجرة التين ..
قال : هذا من اللي جابه هنا ..
قالت شادن : مادري والله .
ربط الشال على راسه وثبته قال : امسكي فروتي بشيله .
رفعها بدون ماينتبه للمسمار في طرف الخشب الا بعد مانغرس في ساعده وسحبه باهة معبرة عن الألم ..
جات شادن عنده قالت : اش فيك ..؟
عقد حواجبه وهو يطالع في اثر المسمار على الوريد والدم ينزف لين غطى يده اليمين وضم عليه بيده اليسار ..
اشر لها براسه قال : لاتقربين مني ... روحي جيبي لي مناديل ولا شاش وقطن ...
قالت : معاي بلاستر بجيب لك .
انطلقت شادن ودخلت البيت وطلعت شهد على اثرها ..
نادته بفرح وهي تقول : عماد من الصباح ماشفتك .
كان مكشر بتوجع قال : ارجعي ارجعي لاتقربين مني .
مابين تتقدم رغبة وتتأخر تنفيذ لأمره تعثرت خطوتها وطاحت على راسها وصرختها دوت بالمكان امام مرأى منه وهو مكبله دمه ومقيده عن قربها و مساعدتها ..!
نهاية الفصل السادس عشر,,
تعليق