رد: منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)
دخلت بخطوات ثابتة ودخل خلفي الحراس وتوزعوا كي لا يشك
أحد في وجودهم من أجلي , نزعت نظارتي وتجولت بنظري في
المكان حتى وقع علي رائد يقف مع اثنين يتحدثان معه ولا يظهر
لي سوي جانب من وجهه , كان يرتدي معطفا شتويا رصاصي غامق
يصل طوله عند ركبتيه وحداء من نفس اللون وبنطلون أسود ويضع
يديه في جيوبه ويتحدث بحرية مبتسما فاقتربت ناحيتهم قليلا فالتفت
حينها رائد نحوي بسرعة ونظر لي بصمت نظرة بدون أي تعبير ثم
اقترب مني وقف بجانبي ووضع يده علي كتفي وسار بي لحيت تجمع
كبير ووقفنا بينهم وقال رائد " أقدم لكم زوجتي قمر صاحبة الإهداء
والخاتمة في الكتاب هل سترحمونني الان "
نظروا لي وبدؤوا في مصافحتي مهنئين لي علي صدور كتابه
وبعضهم يبدي إعجابه بالخاتمة والبعض تحدث عن كتابي الوحيد
بعد وقت تفرق تجمعهم وبدأ عدد الحاضرين يقل , كنت أقف بجانبه
حين تحدث وعيناه على الباب بعيدا وقال بجدية " هل ستذهبين للطبيب "
نظرت للأرض وقلت بهدوء " الموعد بعد يومين تحدثت معه وسأزوره اليوم "
قال " يبدوا تفقدين وزنك بسرعة , جدتي قالت أنك تتناولين طعامك جيدا "
لذت بالصمت ولم اعلق فقال " قمر هل لي أن أعرف ما الخطأ
بي لتكرهي النوم معي هكذا "
نظرت له بصدمة وعيناه لازالت معلقتان جهة الباب ثم نظر لي وقال
ببرود " هل أفعل شيئا لا أعي به ؟ هل بي ما ينفرك هل أنا
مقرف ومقزز ولا يمكنك استحمالي "
بقى نظري معلق بعينيه ثم ابتسمت ابتسامة حزينة وقلت
" تبقى لا تفهمني يا رائد مهما طال الزمن "
نظر لي باستغراب فنظرت للبعيد وقلت ببرود
" كنا في وضع لا يسمح بفعل ذلك أم نسيت "
قال " لما تهربي من جواب السؤال "
نظرت للأرض وقلت " أنا لم أهرب من الإجابة أنت ترى أني
لا أنفع سوى لتلك الأمور ولا تحتاجني إلا ذاك الوقت "
ثم نظرت له وابتسمت بسخرية وقلت " سبق وقلتها لي يا
رائد ليست الزوجة فتنة وجمال وجسد متناسق "
هز رأسه وقال " هكذا إذا لم تتخطي الماضي ولم تنسي كل ما قلته فيه "
نظرت حيث ينظر جهة الباب وقلت بحزن " ليثني أستطيع نسيانه "
وضع يده على كتفي وهمس في أذني " أقسم لو ذبحتني
ولو قطع والدك لحمي بيديه فلن أتوقف عن حبك "
ثم غادر بعيدا عني وعيناي تتبعانه وشعرت حينها بيد سحبتني للبعيد
نظرت لصاحبتها فكانت فتاة ترتدي نظارة سوداء كبيرة وتضع أحمر
شفاه غامق يكاد يكون باللون الأسود وملابس سوداء وكأنها خرجت
من فيلم خاص بالإيموا ولولا أنه لا وجود لهم في بلادنا لقلت أنها منهم
سمعت صوت سلاح يفتح خلفي فأزالت النظارة صارخة ورافعة يديها
" هيه لا تقتلوني "
نظرت لها بصدمة ثم قلت " نوران !! "
احتضنتني وقالت " قمر كم اشتقت لك "
احتضنتها أكثر وقلت " نوران لا أصدق أنك هنا "
ابتعدت عني وقالت " عدنا لأيام معدودة وسنغادر فهربت إلى هنا
دون علمهم , قمر هل أنتي غاضبة مني ؟ هل سامحتني ؟ "
احتضنتها مجددا وقلت بحزن " لست غاضبة كان قصدك
إصلاح الأمور وهكذا شاءت أقدار الله "
تنهدت وقالت بحزن " ما كنت سأسامح نفسي لو فقدت
حياتك يومها أنا اسفة يا قمر "
ابتعدت عنها وقلت بابتسامة صغيرة " إنسي الأمر وأخبريني
عن أخباركم وكيف علمت أنني سأكون هنا "
ضحكت وقالت " مخابرات سرية , علمت بموعد حفل الكتاب
وخمنت أنك قد تكونين هنا رغم أني كنت أستبعد ذلك لكن حين
رأيت زوجك المصون يراقب الباب كل حين علمت أنك قد تأتي "
ضحكت وقلت " مخابرات وتحليلات ومراقبة ما كل هذه التطورات "
ضحكت وقالت " للضرورة أحكام "
قلت " كيف دخلتي دون دعوى "
رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم لم يمنعني أحد تبدوا الدعوة عامة ولو
كانوا منعوني لدمرت لهم الدنيا حتى دخلت "
ضحكت وقلت " ابنة عمتي وأعرفك تفعلينها "
نظرت لشيء خلفي مستاءة فجاء صوت رائد قائلا من خلفي
" رب صدفة "
لوت شفتيها وقالت بضيق
" ليس من أجلك ولا من أجل كتابك أتيت تفهم "
وقف بجانبي وضع يده على كتفي وقال ببرود
" وليس من أجلك أنا هنا "
لبست نظارتها وقالت مغادرة
" وداعا يا قمر واعتني بنفسك كي لا تأكلك الذئاب "
كنت سأغادر خلفها فأمسك يدي وقال " علينا أن نتحدث "
نظرت لعينيه وقلت " رائد أرجوك لن نصل لحل فكم مرة
تحدثنا وانتهى الأمر أسوء مما بدأ "
ضغط على يدي بقوة حتى المتني ثم رفعها وأدخلها في معطفه
ووضعها على قلبه وعيناه في عيناي في صمت تام وبقينا على
هذا الحال لوقت ونبض قلبه يتسلل من يدي لكل جسدي حتى
بث أشعر بقلبه ينبض في قلبي ثم أخرجها قبل كفها بعمق وتركني
وابتعد فغادرت القاعة راكضة وركبت السيارة متجهة للمستشفى
كنت أفرك كف يدي محاولة إبعاد الشعور الذي سكنها ولازال فيها
حتى الان وكأنها لازالت على قلبه , فركت وفركت وبلا فائدة
كنت أشعر بنبضه فيها ومكان شفتيه لازال عالقا عليها وشعرت
بالعبرة تخنقني فوضعتها على قلبي وسافرت في بكاء طويل لم
ينتهي إلا حين وصلت للمستشفى ونزلت أسير ببطء ورأسي
للأرض وحزن كل العالم يعيش فيني , زرت الطبيب منصور
وحين خروجي مد لي بورقة وقال " عليك بالتغذية الجيدة وضعك
صعب وسيحتاج لمراقبة فنبضك ضعيف ونتائج التخطيط غير
مرضية لحد كبير "
أخذت منه الورقة واكتفيت بابتسامة وخرجت , قد أموت هذه
المرة موته أخيرة فحتى قلبي يبدوا مل من هذه اللعبة , غادرت
المستشفى للمزرعة فورا وصلت وصعدت لغرفتي وأغلقتها خلفي
واتصلت بوالدي فأجاب من فوره وقال قلقا " قمر ما بك يا ابنتي "
قلت ببكاء " أبي أحتاج إليك متى ستعود "
قال بهدوء " لقد أفزعتني أخبرتك أن لا تتصلي إلا للضرورة "
قلت ببكاء أشد " لا أريد ولا يهم ما سيحدث لي , أبي أرجوك
تعال خذني معك أريد أن أكون معك "
قال " ما بك بنيتي هل ضايقك أحد ! هل زوجك قال لك شيئا هناك ؟ "
قلت بعبرة " لا شيء لا أحد يضايقني "
قال " حسنا بنيتي كلها مدة قصيرة وتنتهي هذه الأزمة "
قلت بتشكك " هل تكذب علي قل أنها حقيقة "
قال بصوت مبتسم " أقسم أنها الحقيقة فاعتني بنفسك وبصحتك
قمر الطبيب قال أنك تحتاجين لعناية أكبر "
قلت بهمس " هل تحدث إليك اليوم وأخبرك "
قال " نعم سنتحدث عن كل شيء لاحقا حسنا "
قلت بهدوء " حسنا اعتني بنفسك أبي من أجلي أرجوك "
قال " وداعا حبيبتي الجميلة وبلغي الجدة وابنها سلامي "
قلت بهمس " وداعا "
أغلقت الهاتف ومسحت دموعي وأحسست أن جزئا من نفسي
التائهة عاد إلي بسماعي لصوته , في اليوم التالي اقترحت عليا
الجدة أن نزور مزرعة ابنة خالتها التي تكون شقيقتها من الرضاعة
وهي والدة أنوار فوافقت بعد إصرار منها وقضينا لديهم ثلاثة أيام
كانوا عائلة مرحة وطيبة وكم سررت بزيارتهم والتعرف عليهم
وبعد أسبوع طرقت عليا الجدة الباب فقلت بهدوء " تفضلي جدتي "
فتحت الباب مبتسمة وقالت " كيف تعرفين أنها أنا "
قلت بذات الابتسامة " من طرقتك للباب ... تفضلي "
اقتربت وقالت بشيء من التردد في ملامحها " قمر بنيتي لدي
ضيوف يريدون زيارتي إن اعترضت أنتي عنهم اعتذرت لهم "
قلت بحيرة " ولما سأعترض عنهم !! "
قالت " إنها شقيقتي وابنتها سوزان لقد سبق وقالت أنهما تودان زيارتي
واعتذرتا وقتها وقد حدثت مشادة بيني وبين مريم ترفض زيارتهم
وأنتي هنا , إن كنتي لا توافقي تصرفت في الأمر "
قلت " حسنا سأبقى في غرفتي حتى ذهابهم فما ألمانع "
قالت " سيبقيان لأيام "
قلت بعد صمت " ليأتوا أنا لن أمانع وجود ضيوفك في منزلك "
قالت " أخشى من سوزان , قمر هي أكبر منك لكن عقلها أصغر
من عقلك فهل ستستحملين أي كلمة طائشة , أنا لن أسمح أن تهينك
أبدا ولكن لا أريد قول شيء قبل أن يصدر عنها تصرف سيء "
قلت بابتسامة " لا تقلقي جدتي واستقبليهم متى أردتي وإن أرادت
شيئا فلتأخذه من يمنعها وإن لم تحصل على شيء فليس ذنبنا "
ضحكت وقالت " صدقتي ولكن بعض البشر يلقون باللوم على
غيرهم ومادام رائد غير موجود فلا خوف "
قلت " ولما الخوف من وجوده !! "
تنهدت وقالت " لا مأمن من مكائد النساء ومن غضب الرجال
مريم ستكون هنا فما أن علمت حتى قالت أنها ستكون معنا "
ضحكت وقلت " ولما تريد الحضور هل تتوقع حربا ستقوم بيننا "
قالت ضاحكة " بل أقسمت أن تطردها إن ضايقتك ويبدوا لن نواجه
مشكلة غيرتها منك بسبب رائد بل بسبب حبنا لك ودفاعنا عنك "
قلت بامتنان " شكرا لك جدتي أنتم فعلا نعم الأهل "
مسحت على شعري وقالت بحنان " كم أتمنى طرد هذا الحزن
عنك لقد أحبك قلبي من يوم رأتك عيني أول مرة وكأنك جزء مني
ولست زوجة حفيدي المستهتر المجنون ولكنه تعلم درسا جيدا وبات
يهدي باسمك في الليل "
ضحكت وقلت " ومتى نمت معه "
قالت مغادرة " هناك من سمعه "
بقيت أنظر لمكان خروجها بحيرة ثم تنهدت وغادرت السرير
عليا أن أكون أقوى منها ومن ضعفي فلم يعد لدي شيء أخسره
وقفت أمام المراة ونظرت لنفسي نظرة شاملة , لقد عاد لون وجهي
لطبيعته خلال هذان الأسبوعان وحتى جسمي بات يمتلئ شيئا فشيئا
عند المساء اتصلت مريم تتذمر لأن أيوب لا يمكنه المجيء هههههه
تبدوا مستعجلة على لقائهم , كم اشتاق لها فأنا لم أرها منذ ذلك اليوم
ويعز على قلبي أن أفارقها والجدة وأنوار فقد كن عائلتي في غياب أهلي
لم أستطع النوم هذه الليلة وكل الأفكار تأخذني وتعيدني تحسبا للأيام
القادمة فلا أريد أن أحرج نفسي مع الجدة ولا أن أحرجها أمام أقاربها
وكم أخشى من تقلبات مزاجي الذي بات يسوء يوما بعد يوم
عند الصباح الباكر سمعت طرقات متتالية على الباب فأخرجت رأسي
من تحت اللحاف وقلت بعينان مغمضتان " نعم تفضل "
دخلت الخادمة وقالت " صباح الخير سيدتي , السيدة الكبيرة تطلبك
في المجلس الداخلي "
نظرت لها بعين واحدة مفتوحة وقلت " من معها "
قالت " السيدة رجاء وابنتها "
تنهدت وقلت " حسنا أحضري لي كوب حليب وخبز محمص "
قالت مغادرة " في الحال "
دخلت الحمام أخذت حماما سريعا وساخنا وخرجت , جففت
شعري وارتديت فستانا شتويا قصيرا وأنيقا ووضعت كحلا
لعيناي وأحمر شفاه باللون الزهري ومشطت شعري وجمعته
كله للأمام عند كتفي الأيمن وارتديت بعض الإكسسوارات بلون
الفستان , تناولت الخبز والحليب حسب وصايا الطبيب أن لا يخلوا
إفطاري منهما فجعلتهما إفطاري الوحيد وخرجت بعدها من غرفتي
قاصدة مكان وجودهم , وقفت عند الباب وتنفست بقوة فلست بمزاج
مشاكل مع أحد فمنذ فترة أصبح مزاجي سيئا ولا يتقبل حتى المزاح
دخلت ملقية التحية فكانت هناك سيدة كبيرة في السن شيئا ما ببشرة
بيضاء وعينان زرقاء واسعة وملامح
عادية وتبدوا على وجهها البساطة والطيبة وفتاة تجلس بجوارها
قمحية البشرة وزرقاء العينان كعيني والدتها , تداخل غريب في
الألوان ولطالما هذا النوع من البشر أشعرني بالغرابة وكأني أمام
صنف هجين منهم , بشرة ليست بيضاء مع عينان زرقاء , صادفت
غيرها الكثير بهذه الصفة وتبدوا أخذت لون هذه البشرة من والدها
أو أن والدها له عينان كعيناها فقد لاحظت هذا اللون الأزرق في
بعض أفراد عائلتهم حتى من أهل أنوار وعينا رائد من قرب باللون
الأزرق الغامق ووالدته بعينان زرقاء فاتحة وابنة مريم الصغرى
كذلك , ما أن رأتاني حتى نظرت لي السيدة بابتسامة أما الفتاة بصدمة
أو دهشة أو لا أعلم ما يكون , كانت تحدق بي حتى جلست بجوار
الجدة التي مسحت على شعري وقالت " هذه قمر زوجة رائد "
قالت السيدة رجاء بابتسامة " اسم على مسمى تشرفنا بمعرفتك "
قلت بابتسامة مماثلة " وأنا كذلك شكرا لك يا خالة "
أما العينان الأخرى فلازالت تحدق بي دون أن ترمش , كان لها
شعرا أسودا ناعما قصيرا وترتدي بنطلون من الجينز وكنزه شتوية
سوداء تمضغ العلكة وتفرقعها كل حين , تطرقت الجدة والسيدة
رجاء لمواضيع شتى وكنت أشاركهم الرأي فيها ويبديان إعجابهما
بأفكاري وطريقة طرحي لرأيي , تبدوا هذه السيدة متعلمة ونالت
شهادة عالية فيستحيل أن تكون غير ذلك أما الحجر الصامت فقد
نطق أخيرا وقال " لا أرى رائد هنا سمعت أنه مقيم في العاصمة "
بدأت أولى جولاتها إذا , قالت الجدة " نعم "
قالت بابتسامة جانبية " ولما يترك زوجته تارة عند شقيقته وتارة
عند جدته !! هل هما متشاجران "
قالت الجدة ببرود فهي تفهم مصابها " قمر تعب قلبها وهي هنا
للراحة الطبية ورائد منشغل مع كتابه , لو كانا متشاجران
لذهبت لأهلها وليس أهله "
قالت بنظرة ساخرة ولهجت الغير مصدق " اه فهمت "
اكتفيت بالصمت فهذا الأسلوب الاستفزازي لا ينجح معي فليس
هناك من تحملت مثلي في حياتها ولم تتكلم , قالت بعد وقت
" ألازال رائد يعشق غرفته السفلية ؟ غريب رغم أن زوجته
في الأعلى تحجبا عن مروان !! "
تأففت الجدة وقالت " سوزان تسكتين دهرا وتنطقين شيئا لا
علاقة له بما نتحدث فيه , ما الذي تريدين الوصول إليه "
كانت جملتها تلك أقسى من السابقة ويبدوا تعلم الكثير عما يجري
هنا , وضعت ساق على الأخرى وقالت ببرود
" من هوا زوجها لم تتحدث فلما انزعجت يا خالتي "
تم قالت بابتسامة سخرية
" أم كما علمت لا تتحملين فيها شيئا مدللتك الجديدة "
قالت الجدة ماسحة على شعري " بل مدللة العائلة كلها وأولهم رائد "
نظرت لي نظرة استهزاء وهمست شيئا لم أفهمه ولم أهتم لفهمه
لتحمد الله أني التزم الصمت عنها فلو فارت الكلمات في عقلي
أعرف نفسي جيدا سأجرحها بعنف ولكن الجدة بردت على قلبي
في كل مرة فما حاجتي لإظهار نفسي بمظهر سيء مثلها , نطقت
والدتها أخيرا التي على ما يبدوا لا شخصية لها مع ابنتها المتغطرسة
وقالت " سوزان هناك مواضيع كثيرة غير رائد تتحدثين فيها "
رمت شعرها للخلف وقالت ببرود
" رائد صديق طفولتي وحديثي عنه شيء عادي جدا "
ضحكت الجدة وقالت " لا صديقة طفولة لرائد أكثر من قمر
ثم مروان صديق طفولتك أكثر منه لما نسيته من حديثك "
تغير وجهها دليل الضيق ثم قالت بانزعاج
" وما بكم أنتم هل الحقيقة تجرح لهذا الحد "
فاض بي منها وذقت ذرعا من تماديها كنت أود المغادرة , كيف
سأستحملها لأيام ما أن فتحت فمي لأتحدث حتى استوقفني من رأيته
ظهر فجأة أمام الباب يرتدي معطفه الأسود ويداه يدسهما في جيوبه
ألقى التحية واقترب مني دون أن يسلم على أي أحد منهم ودون أن
تتحجب تلك المتوحشة أو تهتم لوجود رجل غريب عنها
جلس بجواري ورفع ذراعه وضمني بها مطبقا بها على كتفاي
وصدري وقبل خدي وهمس لي " اشتقت إليك "
أنزلت رأسي للأسفل أبعد شعري خلف أذني وابتسمت ابتسامة
صغيرة من أجل تلك المغرورة , ابتعد عني ويده لازالت على
كتفي وقال بهدوء " كيف أنتما "
قالت والدتها مبتسمة " بخير كيف حالك أنت فلم نعد نراك "
أما ابنتها فكانت الدماء ستخرج من وجهها من كتمها غيظها
أمسك يدي ولعب بأصابعي قليلا وقبل خاتم زواجنا ثم همس
لي " كيف كانت زيارة الطبيب "
ابتسمت ونظري للأرض ثم قلت بهمس " جيدة بعض الشيء "
قال بصوت منخفض " يعني النتائج غير مرضية "
أحد في وجودهم من أجلي , نزعت نظارتي وتجولت بنظري في
المكان حتى وقع علي رائد يقف مع اثنين يتحدثان معه ولا يظهر
لي سوي جانب من وجهه , كان يرتدي معطفا شتويا رصاصي غامق
يصل طوله عند ركبتيه وحداء من نفس اللون وبنطلون أسود ويضع
يديه في جيوبه ويتحدث بحرية مبتسما فاقتربت ناحيتهم قليلا فالتفت
حينها رائد نحوي بسرعة ونظر لي بصمت نظرة بدون أي تعبير ثم
اقترب مني وقف بجانبي ووضع يده علي كتفي وسار بي لحيت تجمع
كبير ووقفنا بينهم وقال رائد " أقدم لكم زوجتي قمر صاحبة الإهداء
والخاتمة في الكتاب هل سترحمونني الان "
نظروا لي وبدؤوا في مصافحتي مهنئين لي علي صدور كتابه
وبعضهم يبدي إعجابه بالخاتمة والبعض تحدث عن كتابي الوحيد
بعد وقت تفرق تجمعهم وبدأ عدد الحاضرين يقل , كنت أقف بجانبه
حين تحدث وعيناه على الباب بعيدا وقال بجدية " هل ستذهبين للطبيب "
نظرت للأرض وقلت بهدوء " الموعد بعد يومين تحدثت معه وسأزوره اليوم "
قال " يبدوا تفقدين وزنك بسرعة , جدتي قالت أنك تتناولين طعامك جيدا "
لذت بالصمت ولم اعلق فقال " قمر هل لي أن أعرف ما الخطأ
بي لتكرهي النوم معي هكذا "
نظرت له بصدمة وعيناه لازالت معلقتان جهة الباب ثم نظر لي وقال
ببرود " هل أفعل شيئا لا أعي به ؟ هل بي ما ينفرك هل أنا
مقرف ومقزز ولا يمكنك استحمالي "
بقى نظري معلق بعينيه ثم ابتسمت ابتسامة حزينة وقلت
" تبقى لا تفهمني يا رائد مهما طال الزمن "
نظر لي باستغراب فنظرت للبعيد وقلت ببرود
" كنا في وضع لا يسمح بفعل ذلك أم نسيت "
قال " لما تهربي من جواب السؤال "
نظرت للأرض وقلت " أنا لم أهرب من الإجابة أنت ترى أني
لا أنفع سوى لتلك الأمور ولا تحتاجني إلا ذاك الوقت "
ثم نظرت له وابتسمت بسخرية وقلت " سبق وقلتها لي يا
رائد ليست الزوجة فتنة وجمال وجسد متناسق "
هز رأسه وقال " هكذا إذا لم تتخطي الماضي ولم تنسي كل ما قلته فيه "
نظرت حيث ينظر جهة الباب وقلت بحزن " ليثني أستطيع نسيانه "
وضع يده على كتفي وهمس في أذني " أقسم لو ذبحتني
ولو قطع والدك لحمي بيديه فلن أتوقف عن حبك "
ثم غادر بعيدا عني وعيناي تتبعانه وشعرت حينها بيد سحبتني للبعيد
نظرت لصاحبتها فكانت فتاة ترتدي نظارة سوداء كبيرة وتضع أحمر
شفاه غامق يكاد يكون باللون الأسود وملابس سوداء وكأنها خرجت
من فيلم خاص بالإيموا ولولا أنه لا وجود لهم في بلادنا لقلت أنها منهم
سمعت صوت سلاح يفتح خلفي فأزالت النظارة صارخة ورافعة يديها
" هيه لا تقتلوني "
نظرت لها بصدمة ثم قلت " نوران !! "
احتضنتني وقالت " قمر كم اشتقت لك "
احتضنتها أكثر وقلت " نوران لا أصدق أنك هنا "
ابتعدت عني وقالت " عدنا لأيام معدودة وسنغادر فهربت إلى هنا
دون علمهم , قمر هل أنتي غاضبة مني ؟ هل سامحتني ؟ "
احتضنتها مجددا وقلت بحزن " لست غاضبة كان قصدك
إصلاح الأمور وهكذا شاءت أقدار الله "
تنهدت وقالت بحزن " ما كنت سأسامح نفسي لو فقدت
حياتك يومها أنا اسفة يا قمر "
ابتعدت عنها وقلت بابتسامة صغيرة " إنسي الأمر وأخبريني
عن أخباركم وكيف علمت أنني سأكون هنا "
ضحكت وقالت " مخابرات سرية , علمت بموعد حفل الكتاب
وخمنت أنك قد تكونين هنا رغم أني كنت أستبعد ذلك لكن حين
رأيت زوجك المصون يراقب الباب كل حين علمت أنك قد تأتي "
ضحكت وقلت " مخابرات وتحليلات ومراقبة ما كل هذه التطورات "
ضحكت وقالت " للضرورة أحكام "
قلت " كيف دخلتي دون دعوى "
رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم لم يمنعني أحد تبدوا الدعوة عامة ولو
كانوا منعوني لدمرت لهم الدنيا حتى دخلت "
ضحكت وقلت " ابنة عمتي وأعرفك تفعلينها "
نظرت لشيء خلفي مستاءة فجاء صوت رائد قائلا من خلفي
" رب صدفة "
لوت شفتيها وقالت بضيق
" ليس من أجلك ولا من أجل كتابك أتيت تفهم "
وقف بجانبي وضع يده على كتفي وقال ببرود
" وليس من أجلك أنا هنا "
لبست نظارتها وقالت مغادرة
" وداعا يا قمر واعتني بنفسك كي لا تأكلك الذئاب "
كنت سأغادر خلفها فأمسك يدي وقال " علينا أن نتحدث "
نظرت لعينيه وقلت " رائد أرجوك لن نصل لحل فكم مرة
تحدثنا وانتهى الأمر أسوء مما بدأ "
ضغط على يدي بقوة حتى المتني ثم رفعها وأدخلها في معطفه
ووضعها على قلبه وعيناه في عيناي في صمت تام وبقينا على
هذا الحال لوقت ونبض قلبه يتسلل من يدي لكل جسدي حتى
بث أشعر بقلبه ينبض في قلبي ثم أخرجها قبل كفها بعمق وتركني
وابتعد فغادرت القاعة راكضة وركبت السيارة متجهة للمستشفى
كنت أفرك كف يدي محاولة إبعاد الشعور الذي سكنها ولازال فيها
حتى الان وكأنها لازالت على قلبه , فركت وفركت وبلا فائدة
كنت أشعر بنبضه فيها ومكان شفتيه لازال عالقا عليها وشعرت
بالعبرة تخنقني فوضعتها على قلبي وسافرت في بكاء طويل لم
ينتهي إلا حين وصلت للمستشفى ونزلت أسير ببطء ورأسي
للأرض وحزن كل العالم يعيش فيني , زرت الطبيب منصور
وحين خروجي مد لي بورقة وقال " عليك بالتغذية الجيدة وضعك
صعب وسيحتاج لمراقبة فنبضك ضعيف ونتائج التخطيط غير
مرضية لحد كبير "
أخذت منه الورقة واكتفيت بابتسامة وخرجت , قد أموت هذه
المرة موته أخيرة فحتى قلبي يبدوا مل من هذه اللعبة , غادرت
المستشفى للمزرعة فورا وصلت وصعدت لغرفتي وأغلقتها خلفي
واتصلت بوالدي فأجاب من فوره وقال قلقا " قمر ما بك يا ابنتي "
قلت ببكاء " أبي أحتاج إليك متى ستعود "
قال بهدوء " لقد أفزعتني أخبرتك أن لا تتصلي إلا للضرورة "
قلت ببكاء أشد " لا أريد ولا يهم ما سيحدث لي , أبي أرجوك
تعال خذني معك أريد أن أكون معك "
قال " ما بك بنيتي هل ضايقك أحد ! هل زوجك قال لك شيئا هناك ؟ "
قلت بعبرة " لا شيء لا أحد يضايقني "
قال " حسنا بنيتي كلها مدة قصيرة وتنتهي هذه الأزمة "
قلت بتشكك " هل تكذب علي قل أنها حقيقة "
قال بصوت مبتسم " أقسم أنها الحقيقة فاعتني بنفسك وبصحتك
قمر الطبيب قال أنك تحتاجين لعناية أكبر "
قلت بهمس " هل تحدث إليك اليوم وأخبرك "
قال " نعم سنتحدث عن كل شيء لاحقا حسنا "
قلت بهدوء " حسنا اعتني بنفسك أبي من أجلي أرجوك "
قال " وداعا حبيبتي الجميلة وبلغي الجدة وابنها سلامي "
قلت بهمس " وداعا "
أغلقت الهاتف ومسحت دموعي وأحسست أن جزئا من نفسي
التائهة عاد إلي بسماعي لصوته , في اليوم التالي اقترحت عليا
الجدة أن نزور مزرعة ابنة خالتها التي تكون شقيقتها من الرضاعة
وهي والدة أنوار فوافقت بعد إصرار منها وقضينا لديهم ثلاثة أيام
كانوا عائلة مرحة وطيبة وكم سررت بزيارتهم والتعرف عليهم
وبعد أسبوع طرقت عليا الجدة الباب فقلت بهدوء " تفضلي جدتي "
فتحت الباب مبتسمة وقالت " كيف تعرفين أنها أنا "
قلت بذات الابتسامة " من طرقتك للباب ... تفضلي "
اقتربت وقالت بشيء من التردد في ملامحها " قمر بنيتي لدي
ضيوف يريدون زيارتي إن اعترضت أنتي عنهم اعتذرت لهم "
قلت بحيرة " ولما سأعترض عنهم !! "
قالت " إنها شقيقتي وابنتها سوزان لقد سبق وقالت أنهما تودان زيارتي
واعتذرتا وقتها وقد حدثت مشادة بيني وبين مريم ترفض زيارتهم
وأنتي هنا , إن كنتي لا توافقي تصرفت في الأمر "
قلت " حسنا سأبقى في غرفتي حتى ذهابهم فما ألمانع "
قالت " سيبقيان لأيام "
قلت بعد صمت " ليأتوا أنا لن أمانع وجود ضيوفك في منزلك "
قالت " أخشى من سوزان , قمر هي أكبر منك لكن عقلها أصغر
من عقلك فهل ستستحملين أي كلمة طائشة , أنا لن أسمح أن تهينك
أبدا ولكن لا أريد قول شيء قبل أن يصدر عنها تصرف سيء "
قلت بابتسامة " لا تقلقي جدتي واستقبليهم متى أردتي وإن أرادت
شيئا فلتأخذه من يمنعها وإن لم تحصل على شيء فليس ذنبنا "
ضحكت وقالت " صدقتي ولكن بعض البشر يلقون باللوم على
غيرهم ومادام رائد غير موجود فلا خوف "
قلت " ولما الخوف من وجوده !! "
تنهدت وقالت " لا مأمن من مكائد النساء ومن غضب الرجال
مريم ستكون هنا فما أن علمت حتى قالت أنها ستكون معنا "
ضحكت وقلت " ولما تريد الحضور هل تتوقع حربا ستقوم بيننا "
قالت ضاحكة " بل أقسمت أن تطردها إن ضايقتك ويبدوا لن نواجه
مشكلة غيرتها منك بسبب رائد بل بسبب حبنا لك ودفاعنا عنك "
قلت بامتنان " شكرا لك جدتي أنتم فعلا نعم الأهل "
مسحت على شعري وقالت بحنان " كم أتمنى طرد هذا الحزن
عنك لقد أحبك قلبي من يوم رأتك عيني أول مرة وكأنك جزء مني
ولست زوجة حفيدي المستهتر المجنون ولكنه تعلم درسا جيدا وبات
يهدي باسمك في الليل "
ضحكت وقلت " ومتى نمت معه "
قالت مغادرة " هناك من سمعه "
بقيت أنظر لمكان خروجها بحيرة ثم تنهدت وغادرت السرير
عليا أن أكون أقوى منها ومن ضعفي فلم يعد لدي شيء أخسره
وقفت أمام المراة ونظرت لنفسي نظرة شاملة , لقد عاد لون وجهي
لطبيعته خلال هذان الأسبوعان وحتى جسمي بات يمتلئ شيئا فشيئا
عند المساء اتصلت مريم تتذمر لأن أيوب لا يمكنه المجيء هههههه
تبدوا مستعجلة على لقائهم , كم اشتاق لها فأنا لم أرها منذ ذلك اليوم
ويعز على قلبي أن أفارقها والجدة وأنوار فقد كن عائلتي في غياب أهلي
لم أستطع النوم هذه الليلة وكل الأفكار تأخذني وتعيدني تحسبا للأيام
القادمة فلا أريد أن أحرج نفسي مع الجدة ولا أن أحرجها أمام أقاربها
وكم أخشى من تقلبات مزاجي الذي بات يسوء يوما بعد يوم
عند الصباح الباكر سمعت طرقات متتالية على الباب فأخرجت رأسي
من تحت اللحاف وقلت بعينان مغمضتان " نعم تفضل "
دخلت الخادمة وقالت " صباح الخير سيدتي , السيدة الكبيرة تطلبك
في المجلس الداخلي "
نظرت لها بعين واحدة مفتوحة وقلت " من معها "
قالت " السيدة رجاء وابنتها "
تنهدت وقلت " حسنا أحضري لي كوب حليب وخبز محمص "
قالت مغادرة " في الحال "
دخلت الحمام أخذت حماما سريعا وساخنا وخرجت , جففت
شعري وارتديت فستانا شتويا قصيرا وأنيقا ووضعت كحلا
لعيناي وأحمر شفاه باللون الزهري ومشطت شعري وجمعته
كله للأمام عند كتفي الأيمن وارتديت بعض الإكسسوارات بلون
الفستان , تناولت الخبز والحليب حسب وصايا الطبيب أن لا يخلوا
إفطاري منهما فجعلتهما إفطاري الوحيد وخرجت بعدها من غرفتي
قاصدة مكان وجودهم , وقفت عند الباب وتنفست بقوة فلست بمزاج
مشاكل مع أحد فمنذ فترة أصبح مزاجي سيئا ولا يتقبل حتى المزاح
دخلت ملقية التحية فكانت هناك سيدة كبيرة في السن شيئا ما ببشرة
بيضاء وعينان زرقاء واسعة وملامح
عادية وتبدوا على وجهها البساطة والطيبة وفتاة تجلس بجوارها
قمحية البشرة وزرقاء العينان كعيني والدتها , تداخل غريب في
الألوان ولطالما هذا النوع من البشر أشعرني بالغرابة وكأني أمام
صنف هجين منهم , بشرة ليست بيضاء مع عينان زرقاء , صادفت
غيرها الكثير بهذه الصفة وتبدوا أخذت لون هذه البشرة من والدها
أو أن والدها له عينان كعيناها فقد لاحظت هذا اللون الأزرق في
بعض أفراد عائلتهم حتى من أهل أنوار وعينا رائد من قرب باللون
الأزرق الغامق ووالدته بعينان زرقاء فاتحة وابنة مريم الصغرى
كذلك , ما أن رأتاني حتى نظرت لي السيدة بابتسامة أما الفتاة بصدمة
أو دهشة أو لا أعلم ما يكون , كانت تحدق بي حتى جلست بجوار
الجدة التي مسحت على شعري وقالت " هذه قمر زوجة رائد "
قالت السيدة رجاء بابتسامة " اسم على مسمى تشرفنا بمعرفتك "
قلت بابتسامة مماثلة " وأنا كذلك شكرا لك يا خالة "
أما العينان الأخرى فلازالت تحدق بي دون أن ترمش , كان لها
شعرا أسودا ناعما قصيرا وترتدي بنطلون من الجينز وكنزه شتوية
سوداء تمضغ العلكة وتفرقعها كل حين , تطرقت الجدة والسيدة
رجاء لمواضيع شتى وكنت أشاركهم الرأي فيها ويبديان إعجابهما
بأفكاري وطريقة طرحي لرأيي , تبدوا هذه السيدة متعلمة ونالت
شهادة عالية فيستحيل أن تكون غير ذلك أما الحجر الصامت فقد
نطق أخيرا وقال " لا أرى رائد هنا سمعت أنه مقيم في العاصمة "
بدأت أولى جولاتها إذا , قالت الجدة " نعم "
قالت بابتسامة جانبية " ولما يترك زوجته تارة عند شقيقته وتارة
عند جدته !! هل هما متشاجران "
قالت الجدة ببرود فهي تفهم مصابها " قمر تعب قلبها وهي هنا
للراحة الطبية ورائد منشغل مع كتابه , لو كانا متشاجران
لذهبت لأهلها وليس أهله "
قالت بنظرة ساخرة ولهجت الغير مصدق " اه فهمت "
اكتفيت بالصمت فهذا الأسلوب الاستفزازي لا ينجح معي فليس
هناك من تحملت مثلي في حياتها ولم تتكلم , قالت بعد وقت
" ألازال رائد يعشق غرفته السفلية ؟ غريب رغم أن زوجته
في الأعلى تحجبا عن مروان !! "
تأففت الجدة وقالت " سوزان تسكتين دهرا وتنطقين شيئا لا
علاقة له بما نتحدث فيه , ما الذي تريدين الوصول إليه "
كانت جملتها تلك أقسى من السابقة ويبدوا تعلم الكثير عما يجري
هنا , وضعت ساق على الأخرى وقالت ببرود
" من هوا زوجها لم تتحدث فلما انزعجت يا خالتي "
تم قالت بابتسامة سخرية
" أم كما علمت لا تتحملين فيها شيئا مدللتك الجديدة "
قالت الجدة ماسحة على شعري " بل مدللة العائلة كلها وأولهم رائد "
نظرت لي نظرة استهزاء وهمست شيئا لم أفهمه ولم أهتم لفهمه
لتحمد الله أني التزم الصمت عنها فلو فارت الكلمات في عقلي
أعرف نفسي جيدا سأجرحها بعنف ولكن الجدة بردت على قلبي
في كل مرة فما حاجتي لإظهار نفسي بمظهر سيء مثلها , نطقت
والدتها أخيرا التي على ما يبدوا لا شخصية لها مع ابنتها المتغطرسة
وقالت " سوزان هناك مواضيع كثيرة غير رائد تتحدثين فيها "
رمت شعرها للخلف وقالت ببرود
" رائد صديق طفولتي وحديثي عنه شيء عادي جدا "
ضحكت الجدة وقالت " لا صديقة طفولة لرائد أكثر من قمر
ثم مروان صديق طفولتك أكثر منه لما نسيته من حديثك "
تغير وجهها دليل الضيق ثم قالت بانزعاج
" وما بكم أنتم هل الحقيقة تجرح لهذا الحد "
فاض بي منها وذقت ذرعا من تماديها كنت أود المغادرة , كيف
سأستحملها لأيام ما أن فتحت فمي لأتحدث حتى استوقفني من رأيته
ظهر فجأة أمام الباب يرتدي معطفه الأسود ويداه يدسهما في جيوبه
ألقى التحية واقترب مني دون أن يسلم على أي أحد منهم ودون أن
تتحجب تلك المتوحشة أو تهتم لوجود رجل غريب عنها
جلس بجواري ورفع ذراعه وضمني بها مطبقا بها على كتفاي
وصدري وقبل خدي وهمس لي " اشتقت إليك "
أنزلت رأسي للأسفل أبعد شعري خلف أذني وابتسمت ابتسامة
صغيرة من أجل تلك المغرورة , ابتعد عني ويده لازالت على
كتفي وقال بهدوء " كيف أنتما "
قالت والدتها مبتسمة " بخير كيف حالك أنت فلم نعد نراك "
أما ابنتها فكانت الدماء ستخرج من وجهها من كتمها غيظها
أمسك يدي ولعب بأصابعي قليلا وقبل خاتم زواجنا ثم همس
لي " كيف كانت زيارة الطبيب "
ابتسمت ونظري للأرض ثم قلت بهمس " جيدة بعض الشيء "
قال بصوت منخفض " يعني النتائج غير مرضية "
تعليق