منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أسير في حب عبير
    عـضـو فعال
    • Mar 2015
    • 127

    #31
    رد: منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)

    الفصل الثالث و العشرون


    كدت أصاب بالجنون حين اتصلت بي عمتها وقالت لي أن ألحقها لأنها تموت

    فتحت عليها الباب ودخلت فكان الألم واضحا على وجهها رغم ادعائها الصمود

    أخرجت عباءتها من الخزانة ممسكا لها في حضني ولا أفهم مما يجري شيئا

    كانت تتألم بين ذراعي ثم أمسكت قلبها بقوة وقالت بصوت متألم

    " قلبي ..... قلبي اه "

    وسقطت من يدي أرضا نزلت عندها أجلستها متكئة على كتفي وقلت

    " تماسكي يا قمر تماسكي "

    أمسكت قميصي ونظرها لسقف الغرفة ثم مدت يدها للسقف وقالت مبتسمة بحزن

    ودموع " أراها ... أرى قدميها تقفزان هناك وأسمع صوت ضحكاتها "

    مدت يدها للأعلى أكثر وقالت بألم " قمر خذيني إليك "

    شعرت بأحشائي تتمزق وقلبي يرتجف وعجز لساني عن الكلام فحضنتها

    بقوة أدسها في حضني كي لا ترى المزيد ولا تطلب الذهاب لها وتتركني

    شعرت بيدها تمسك قميصي بقوة ثم قالت

    " لما نسيت السطح وفتاة السطح يا رائد لما نسيت قمر الطفلة تلميذتك الوحيدة "

    أبعدتها عن حضني ومسحت بيدي على وجهها وقال بهمس حزين

    " لماذا يا قمر لماذا خنتني "

    نظرت لعيناي نظرة لا أنساها ما حييت ... نظرة تحمل كل معاني الحزن والألم

    والحب وقالت بابتسامة حزينة " لأني أحببتك "

    ثم أمسكت قلبها بتألم ودست وجهها في حضني وقالت بصعوبة

    " أخبرتك أني لا أريد أن أموت هنا ليثني أكرهك كما تكرهني يا رائد "

    ثم شهقت بقوة وارتخى جسدها بي ذراعاي وسقطت يدها أرضا أبعدتها عن حضني

    أنظر لها بضياع كانت بين يداي كقطعة القماش , كورقة خريف فارقت شجرتها

    كنت انظر لها بصدمة فقدت معها جميع حواسي , أحسست الان بشعور من يقول

    شعرت بقلبي ينشطر نصفان , أمسكت يدها برجفة فكانت باردة كالجليد فضغطت

    عليها بقوة وقلت بهمس " قمر حبيبتي "

    لكنها لم تتحرك ... لم تفتح عينيها ولم تجب , حضنتها بقوة وقلت بصوت مخنوق

    " لا يا قمر لا تفعليها بي ... قمر أرجوك "

    كنت أحضنها وأحضنها وأدسها بين ضلوعي وأترجاها أن تجيب أن تنظر إلي

    ودون فائدة , أبعدتها عن حضني أتلمس يديها ووجهها ... كل شيء بارد كل شيء

    كالجليد , ضغطت بيدي على قلبها بقوة ولا أشعر بأي نبض كان عقلي يرفض

    فكرة أن ألمس عرق رقبتها وكأني أخشى من حقيقة أنا متأكد منها ثم جمعت

    الأجزاء المتبقية من قواي المنهارة أغمضت عيناي بشدة وألم ومررت أصابعي

    ببطء على عنقها فأحسست بنبض ضعيف , من مفاجئتي حملتها بين يداي وانطلقت

    بها للسيارة وغادرت بسرعة جنونية للمستشفى , يد تحرك المقود ويد تحضنها

    لصدري بقوة , كم شعرت اليوم أن الطريق طويل وأن السيارات تسير بسرعة

    السلحفاة بل أبطأ منها بكثير , وصلت المستشفى ونزلت احملها بين ذراعاي

    وأركض بها الممرات لا عباءة لا حجاب وبفستانها القطني القصير شعرها متناثر

    حولها يلامس ركبتاي وكل من مررت به نظر لها ووكز من بجانبه إن كان لا يرى فضممت وجهها لحضني وصرخت راكضا

    " إلى ما تنظرون هي امرأة متحجبة غضوا أبصاركم عنها "

    وصلت نصف الممر وصرخت بكل صوتي " ممرضات ليأتي أي أحد يا مغفلين "

    خرجت اثنتان تركضان نحوي لأخذها مني فقلت " ليس هنا ... العناية أي

    شيء غير الطوارئ استدعوا الدكتور منصور دكتور القلب ملفها لديه

    ( قمر بشير) بسرعة أرجوكم "

    أحضروا سريرا ووضعوها فيه وركضوا بها جهة المصعد وأنا خلفهم أدخلوها

    العناية وتركوني في الخارج أجلس دقيقة وأجوب الممر دقائق أهدأ لحظة وأضرب

    الجدار بقبضتي لحظات ومرت الساعة والساعتين والثلاث ولا أحد يخرج سوى

    ركضا ويجرون مكالمات بمن لا أدري ومؤكد بطبيبها في ألمانيا , لا أفهم شيئا !

    لما قالت عمتها هذا وكيف علمت ؟ هل هذا ما تعنيه قمر بموت الورد هل كانت

    تعلم أنها ستموت ! كنت أحك جسدي كمدمن المخدرات الذي نقصت عليه الجرعة

    ثم أحضن رأسي بيداي جالسا على كرسي الانتظار

    قررت إبعادها عني لأرحمها مني فلم أقدر , جربت نسيان كل ما فعلت بي ولم أنجح

    قررت أن أعيدها لعمتها وانفصل عنها ولم أستطع حتى اتخاذ قرار نهائي حيال الأمر

    تبعتها للمزرعة لا أعلم غيرة عليها من خالي أم خوفا عليها من سوزان أم شوقا غلبني

    وانتهز الفرصة وما أن رأيتها هناك حتى اكتشفت أنني عبثا أحاول وأني لن أتخلص

    من وجودها في قلبي لا قمر الطفلة ولا ضوء القمر ولا قمر الحاضر فقررت بعد

    عودتنا هنا أن نتحدث بروية واعلم لما خانتني ولما تسكت عن الأمر لكنها سجنت

    نفسها ولم أحب إرغامها على الخروج كي لا نتشاجر فلم تخرج إلا على رسالة

    سوزان التي لا اعلم من أين تحصلت على رقم هاتفي وانتهى بنا الأمر أن تحدثنا

    عن ما نكتم وهي تموت بين يداي , يالا سخافتك يا رائد كانت طوال الوقت تنتظر

    أن أتذكرها وأنا أنتظر أن تتحدث من تلقاء نفسها وكل واحد منا يسير في اتجاه حتى

    انتهى كل شيء , تبا لغرورك وكبرياءك كنت تحدثت معها قبل أن يفوت الأوان

    اتكأت برأسي على الجدار فسمعت أصوات خطوات تركض نحوي فنظرت يمينا

    فكانت عمتها وزوجها , وقفت وقلت بتساؤل " متى وصلتم وكيف علمتم أننا هنا !! "

    اقتربت عمتها مني أمسكت قميصي بقوة وقالت وهي تهزني

    " ماذا فعلت لقمر ماذا حدث لها تكلم ؟؟ "

    بقيت أنظر لها بصدمة فقالت ببكاء " قتلتها يا رائد , علمت أن صوتها مؤخرا لا

    يبشر بخير كانت تموت أماك وأنت تتفرج عليها "

    أمسكها زوجها وأبعدها عني فقالت ببكاء مرير وهي تصرخ بي " تركناها أمانة لديك

    لولا حبها لك ما وافقنا زواجك بها لقد أضعتها منا لقد أكملت باقي مسيرة عذابها سحقا

    لك يا رائد اسأل الله أن تتجرع ما جرعتها إياه فلم تصل قمر لهذه المرحلة إلا بعد

    عذاب طويل بعد ألم نفسي وروحي "

    بقيت أنظر لها بصمت وكأن لساني مات كانت تسرد مأساتها التي كانت أمام

    عيني ولا أراها , كانت تصرخ بحرقة وزوجها يبعدها بقوة حتى خرج الطبيب

    منصور فركضا كليهما باتجاهه وقالا معا " هل ماتت ؟ "

    كنت أنظر لهم بصدمة , لما هم موقنون من موتها !! ما الذي يجري وأنا اخر

    من يعلم به , تنهد بضيق وقال " قلبها ضعيف جدا , تلفت القطعة الاصطناعية

    وعمل الصمام في تباطؤ "

    ثم هز رأسه وقال بيأس " مسألة وقت فقط ويتوقف قلبها "

    أمسكت عمتها يداه وقالت برجاء " انقدوا ابنتي يا دكتور منصور أرجوكم "

    قال بحزن " ما كان عليكم تركها حتى تصل لهذه المرحلة كنتم أحظرتموها منذ

    تخدرت يدها اليسرى لقد قتلتموها بالبطيء فكم تحملت من ألم , أخبرناكم أن

    الضغوط النفسية سيئة عليها وأن تحضروها ما أن تشعر بالخدر في يدها "

    كنت ميت نعم حواسي ماتت وأنا أستمع لما يقول , تخدر يدها كان منذ وفاة والدي

    كنت أقتلها نعم أنا اقتلها وهي تقول أن ذلك طبيعي , لماذا كانت تريد الموت على

    يدي !! غادر الطبيب وخرجوا جميعهم من حجرتها وتركوها تموت وحدها هناك

    تركوا قلبها يضعف ويضعف حتى تختفي دقاته وتختفي هي معه

    نظرت لي عمتها بحقد وقالت " لن ننسى لك هذا يا رائد أقسم أن تدفع ثمن قتلك

    لها يا ابن المنذر يا متحجر يا من لا تملك ذرة مشاعر وإنسانية تراها تتألم أمامك

    منذ أشهر وتقف تتفرج "

    قلت بصوت منخفض ضعيف وتائه " قالت أن ذلك طبيعي هي أرادت أن تموت "

    قالت بصراخ غاضب " ومن أوصلها لكل تلك المراحل غيرك أنت , ثلاث مراحل

    مرت بها أمامك من خدر يدها لألمها لألم قلبها وأنت تتفرج "

    بقيت أنظر لها دون كلام فما لدي لأقوله غير الصمت , كنت بالفعل من أوصلها لتلك

    المراحل أنا وشقيقتاي لا بل أنا وحدي , كنا ثلاثتنا ننظر لبعض كالتائهين في الصحراء

    حتى دخل على صمتنا ذاك الصوت الغليظ الثقيل القادم من خلفي قائلا

    " أين هي ابنتي ؟؟ "

    نظرنا لصاحب الصوت ثلاثتنا فكان رجل في منتصف الخمسين تقريبا يرتدي

    معطفا خريفيا حتى نهاية ساقيه له منكبان أعرض حتى من منكباي ونظرة حادة

    تنم عن شخصية ذات قوة غير معهودة , يضع يديه في جيوبه وينظر لنا بضياع

    ركضت عمة قمر نحوه وحضنته بقوة وهي تقبل وجهه وتبكي وتقول

    " بشير عدت يا أخي عدت أخيرا "

    كان جامدا مكانه ونظره علي ثم ارتجف فكه وقال

    " أين ابنتي ؟ أين قمر يا هذا ؟ أين قمر يا صباح ؟ أين ابنتي يا هاشم "

    تعليق

    • أسير في حب عبير
      عـضـو فعال
      • Mar 2015
      • 127

      #32
      رد: منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)

      لم يجبه أحد ولم يجرؤ أي منا على الكلام , غريب أين كان والدها طوال هذه

      السنوات وكيف علم بمكاننا , ابعد شقيقته عنه وتوجه ناحيتي لكمني على وجهي

      بقوة حتى كاد يوقعني أرضا وقال " ابنتي يا ابن المنذر قتلتها يا فاشل , اقسم أن

      تدفع ثمن كل ثانية أبكيتها فيها أنت وغيرك , لقد دخلت السجن من اجلها وسأدخله

      ثانيتا , أقسم أن أدمركم كما دمرتموها يا حثالة البشر "

      تقدم ناحيتي يريد ضربي مجددا فتدخل الممرضون والناس وجاء الأمن الخاص

      بالمستشفى وأخرجوني أنا من هناك وكأني من هجم عليه وليس هوا من ضربني

      طردوني بكل بساطة وتركوهم هم في الداخل , نمت ليلتي تلك في سيارتي عند

      سور المستشفى ولم يسمحوا لي بالدخول أبدا ولم يجب أحد منهم على اتصالاتي

      حاولت معهم في اليوم التالي ترجيتهم أن يخبروني فقط إن كانت لا تزال على

      قيد الحياة ولكن كل ما كنت أسمع منهم ( الأوامر هكذا ) لا أفهم أي أوامر هذه

      ومن أعطاها لهم , بقيت مرابطا عندهم حتى اقترب المغيب ولم يرأف احد منهم

      لحالي ولم يتركوني أدخل , اتصلت بأنور وطلبت منه الدخول والسؤال عنها

      فرفضوا قول أي شيء له في الداخل , ما يعنوه بما يفعلونه الان ومن هذا الذي

      يتحكم بكل من في المستشفى !! ذهبت أبحث كالتائه وكالمجنون عن سيارة زوج

      عمتها في الخارج , كلما قلت أن هذه له خرج أحدهم وركبها وقتل في داخلي أي

      أمل أن يكون لازال في الداخل فإن غادر فليس ثمة جواب عن سؤالي سوى أنها

      رحلت للأبد , وعلى أي أمل أعيش الان والطبيب قال بلسانه مسألة وقت وينتهي

      قلبها تماما , خرجت من ذاك المستشفى قبل أن أفقد عقلي عند عتباته وقبل أن

      اسكب دموعي على أطراف أتواب زائريه , خرجت أتخبط بالناس بغير هدى ولم

      أركب حتى سيارتي وكل ما أحاول فعله منع رأسي من التفكير , ما أقسى يوم الأمس

      وما أقسى كل ما حدث فيه , كيف أمحو صورتها وهي تترجى طفولتها في ذاك

      السطح أن تأخذها معها , كيف أنسى ابتسامتها الحزينة وهي تقول ( لأنني أحببتك )

      أطهر جواب عن أخبث سؤال سألته لها ( لما خنتني يا قمر )

      وصلت بي قدماي لعتبة مسجد كبير فدخلته دون أدنى تردد أو تفكير وجلست في

      زاويته بعد أن عجز دماغي عن اتخاذ أي قرار , هل أسجد وأدعوا الله أن تعيش

      وأنا لا اعرف إن كانت على قيد الحياة , هل أدعوا لها بالرحمة ولساني يأبى قولها

      وعقلي يرفض التصديق , هل أصلي هل أبكي على عتبات الباب أتوسل الرحمة من

      رب هذا الكون ؟ فجلست في أحد الزوايا أخفي وجهي في ذراعي متكأ بها على

      ركبتي المنصوبة أمامي جالسا على الأرض لتنزل دموعي تبكي ضحكاتها الصغيرة

      وضحكاتها الأخيرة التي قتلتها بقسوتي , لما ظهرت في حياتي يا قمر وكيف خنتني

      لأنك أحببتني , لماذا رحلتي قبل أن تجيبيني إجابة واضحة عن هذا السؤال

      لماذا تركتني أقتلك بلا رحمة لماذا ؟؟!!

      " تعوذ بالله من الشيطان يا بني "

      رفعت رأسي فكان يجلس أمامي شيخ كبير في السن بلحية كثيفة مخضبة بالحناء

      يتجلى على وجهه الوقار يمسك مسبحة في يديه , وضع يده على ذراعي وقال

      " بث همك للجبار وهو يفرج الهموم , كل ما أعلمه أن بكاء الرجل يعني أن همه

      قد هد ظهره وكسره فتعود من الشيطان وعد برجائك للإله "

      نظرت للسقف المزخرف بايات كتاب الله وقلت بألم

      " فقد الأحياء ليس بالأمر الهين فكيف إن كنت أنت من أفقدهم حياتهم "

      نظر للمسبحة في يده وهوا يحركها وقال " كل نفس ذائقة الموت "

      طأطأت برأسي ودموعي تسقط على سجادة المسجد وكأنها تروي لها باقي

      الحكاية ثم تنهدت بأسى وقلت " موت من هوا قلبك بين يديك شيء يدمر النفس

      فكيف وهوا يتمنى أن يكرهك كما تكرهه , كيف وهوا يخبرك أنه كان ينتظر منك

      شيئا لم تهبه له رغم امتلاكك إياه ! كيف وهوا يترجى الموت أن يأخذه منك وهوا

      بين يديك , ما أقسى أن يفارقك شخص وفي قلبه موقن من أنك تكرهه وأنك نسيت

      طفولته وأنك قتلته والحقيقة هي العكس كيف ستوصل له حقيقة ما في قلبك كيف ؟ "

      تنهد وقال " لا تجعل الندم يقتلك فما ضاع لا يمكن إرجاعه مادام

      متعلق بشخص قد فارق الحياة "

      وقفت على قدماي بصعوبة وخرجت من عنده أسير خطوتين وأقف دهرا وحارت

      قدماي أين تأخذاني , قضيت يومان أنام عند سور المستشفى وأجوب الشوارع نهارا

      أبحث عن منزل عمتها هنا لعلي أجد ولو من يشرح لي ما حدث بعدي

      وبعد يومين اخران اتصلت بحيدر ففتح الخط قائلا

      " مرحبا بمن اختطف زوجته وهرب بها "

      قلت ببحة " حيدر تعالى حالا "

      قال بصوت مصدوم " لما ماذا حدث !! رائد ما به صوتك هكذا ؟؟ "

      قلت " تعالى الان وسنتحدث اركب سيارتك فورا وتعال "

      قال باستعجال " على الفور مسافة الطريق من المزرعة , أين أنت ؟ "

      قلت " حين تصل أخبرك "

      توجهت بعدها للجسر وقفت عند حافته أبث حزني لموج البحر لعله يجيبني هوا

      عن أي سؤال , سمعت حينها خطوات لكعب حداء امرأة فالتفتت جهتها فكانت

      ............ البائعة المتجولة

      نظرت لها مطولا أبحث في عينيها عن أجوبة لتساؤلاتي , لم أفكر أن اسألها من

      أنتي ومن أين تأتين , فقط تمنيت أن أجد جوابا عن سؤال واحد قد تكون تملكه

      كانت عيناها حمراوان لا أعلم من البكاء أم من الغضب لأن كره العالم كله كان

      مجتمع فيهما , تنفست بغيض ثم قالت " قتلتها يا رائد لقد ماتت وأنت السبب "

      ثم قالت ودموعها تجري على خديها " لا بل أنا السبب مثلك فقد شاركتك جريمة قتلها "

      قلت بهمس وكأني أريد جوابا غير ما سمعت " أين قمر ... ؟؟ "

      رمت عليا بمفكرة كانت في يدها بأوراق قليلة سقطت من صدري الذي ارتطمت

      به للأرض وبعثرت الريح أوراقها ثم قالت بحقد " هذا باقي منازل القمر الجزء الذي

      عجزت أنا عن إيصاله إليك وعجزت أنت أن تراه في حبها لك في عيناها البريئتان وفي

      ضحكتها الحزينة , منذ أربع سنين تقربت إليا فتاة عبر الانترنت لتصل لشخصيتي

      الحقيقية بل لتصل عن طريقي لشخصية قمر ثم تحصلت على رقم هاتفها واتصلت بها

      لتخيرها بين أن تستمر معك وبين أن تعود لعائلتك ووالدك فما كانت ستكون قمر لو لم

      تختر البعد عنك كي لا تخسر أنت وفي ذلك اليوم الذي راسلتك فيه لتنهي علاقتها بك

      سقطت قمر طريحة الأرض قبل الفراش لتخضع لتلك الجراحة التي كادت أن تفقد

      حياتها خلالها , هل تعلم لما ... لأنها كسرت قلبك وابتعدت عنك لأنها ضحت لأجلك

      تركت جريدة الفجر لأن رئيس تحريرها طلب أن تكتب مقالا نقديا تهاجمك به وكتبت

      في جريدة الرواسي لتكتب أنت ولو مقالا تهاجمها به , هاجمت المدعو عاصم

      بمقالاتها لأنه تحدث عنك بالسوء في إحدى الصحف , اختارت الموت علينا لأنها

      لن تعيش إلا معك وأنت رفضت "

      رمت بعدها عليا بمذكرة أخرى لتسقط أرضا وتطايرت أوراقها التي كانت مليئة

      بقصاصات لمقالات ثم أشارت لي بأصبعها وقالت " أنت قتلتها يا رائد ولن يرحمك

      أحد ووالدها أولهم كما لم يرحم خالها وزوجته قبلك حتى دمرهما شر تدمير "

      ثم أشارت للمذكرة تحتي وقالت " تلك مقالاتك كانت تجمعها فيها بالترتيب من أولها

      لاخرها , كانت تحبك بعنف يا من لم تعرف الحب يوما , كذبت علي وقالت أنكم

      حللتم المشكلة فصدقتها ولم أتحدث معك في الأمر , قالت إن تذكر طفولتي حكيت

      له كل ما حدث ليصدقني ويغفر لي لكنك بخلت عليها حتى بالذكريات

      أردت أن أصلح خطئي لأني دللت تلك البغيضة عليها ولكني دمرت ما تبقى منها

      أردتك أن تنتشلها من حزنها لأنك وحدك من يمكنه فعل ذلك ... عجز الطب النفسي

      وعجنا نحن وتمنعت أنت بغرورك وقسوتك حتى خسرناها للأبد , نم مطمئن البال

      الان بعد أن انتقمت منها وبعد أن انتصرت لنفسك "
      ثم غادرت وهي تقول " هناك ثالثة غيرهما ستعلم ما تحوي عما قريب فأنت

      لا تستحق أن أعطيها لك "

      ثم غادرت مبتعدة وتركتني تقلبني الريح مثلما تقلب الصفحات التي تحت قدماي

      تعليق

      • أسير في حب عبير
        عـضـو فعال
        • Mar 2015
        • 127

        #33
        رد: منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)

        ليتك لم تظهري اليوم ولا الأمس ولا أي يوم , أنتي لا تأتين إلا بالفواجع ومهلكات

        القلوب , تهاويت على الأرض وعيناي على الأوراق المتطايرة تحتي لتقع على

        تلك الأسطر ( قالت لي بكل برود أنا شقيقة رائد وعليك الابتعاد عنه كي لا تدمري

        حياته , أتركي لنا شقيقنا يا قمر إن كان لك شقيق هل كنتي ترضين أن يفرقك عنه

        أحد , اجعليه ينساك للأبد إن كنتي تحبينه )

        قلبت الريح الصفحات من جديد لترميني بفواجع جديدة ( وأنهيت اليوم اخر سطر لي

        في حياة رائد حبيب طفولتي وصباي لأوقن أنه ليس للتعاسة عنوان غيري وانه حين

        رحل منذ سنين عن عالمي قد رحل للأبد , لأجلك سأرحل وأتركك لأجلك سأجرح

        مشاعرك لأجلك فقط سأقتل نفسي لتعيش وداعا يا معنى الجمال في طفولتي وداعا يا رائد )



        أمسكت الورقة بقبضتي وقلت بصراخ غاضب " غيداء فعلا انتقمت مني شر انتقام "

        جلست بعدها على الأرض أقلب الأوراق كالمجانين كطالب أعطوه فرصة صغيرة

        ليغش في أصعب امتحان لديه , أبحث عن شيء لو أخبرتكم عنه لبكيتم على حالي

        رن حينها هاتفي وكان حيدر فأجبت فقال " رائد أين أنت ؟ لقد وصلت المدينة "

        قلت بألم " مت يا حيدر لقد مت يا شقيقي "

        قال بقلق " رائد ما بك بما تهدي !! أين أنت الان ؟ "

        أغلقت الهاتف وجلست مستندا بسياج الجسر أحضن مذكراتها أتحسس شيئا ميت

        لشخص كان حيا يوما وقتلته بإهمالي قبل قسوتي وبعيناي قبل كلماتي , ثم اتكأت

        برأسي للأعلى وأغمضت عيناي ولم أشعر إلا بيد تهزني وصوت يقول " رائد "

        فتحت عيناي فكان حيدر فقلت بصوت مخنوق " ماتت قمر يا حيدر ماتت "

        نظر لي بصدمة مطولا ثم قال " كذب لن أصدقك "

        ضربت برأسي للخلف على السياج وقلت بحزن " ليثني أنا من يمكنه تصديقك يا ليث "

        نزل عندي وضع يده على كتفي وقال ولازالت الصدمة تقتله " كيف ومتى ؟؟ "

        هززت راسي وقلت " لا أعلم لم يتركوني أعلم حرموني من معرفة ذلك مثلما حرمتهم

        منها مثلما حرمتها هي من حياتها "

        قال وهوا يهزني بقوة " رائد هل جننت ما هذا الذي تقوله "

        وقفت وقلت بصراخ غاضب " نعم صدق هذا يا حيدر أنا من قتلها وبالبطيء أيضا

        أنا من قتل تلك الابتسامة ذاك الوجه الفاتن وذاك القلب النقي المريض "

        قال بهدوء محاولا تهدئتي ويده تقترب مني

        " رائد هون عليك ودعنا نفهم الأمر قد تكون أخطأت "

        قلت بحزن وأنا أمد كفاي له وأنظر لهما " سقطت بين يداي فما الذي

        ستتأكد منه , انتهى كل شيء يا حيدر لقد تأخرت "

        ثم نظرت له وضربت بيدي على صدري وقلت بأسى " كنت قتلتني بسلاحك

        منذ سنين , ليتهم قتلوني في السجن ذاك الوقت , ليثني مت قبل أن أتزوجها وأدوس قلبها تحت قدماي "

        ثم قلت بابتسامة حزينة ونظري على البحر " كانت تحبني يا حيدر والمؤسف

        في الأمر أني كنت أعلم ولم استمر إلا في طعنها وتحطيم حلمها البريء أن

        تعيش معي بأمان وأنسيها تلك السنين وذاك البؤس "

        ثم نظرت له وأنا أعود بخطواتي للوراء وأرفع ذراعاي على حدهما وأقول

        " قتلتها نعم كما قالوا جميعهم أنا من قتلها "

        تم غادرت وهوا يحاول اللحاق بي ولكني ركبت سيارتي وابتعدت وتوجهت لمنزل

        خالها المنزل الذي لم استطع زيارته خلال الأيام الماضية وأول ما خطت قدماي

        داخله بدأت بتحطيم كل ما طالته يداي , أرفع كل شيء وأرميه أرضا حتى النوافذ

        حطمت زجاجها حتى وصلت للمخزن فأحرقته بما فيه رغم خلوه سوى من الرفوف

        الحديدية فتحت باب غرفة النوم وتسمرت قدماي عن الدخول هناك ورأيت ما كانت

        تراه قمر دائما في هذا المنزل .... الذكريات المؤلمة , علمت الان كم كانت تعاني هنا

        كم قسوت عليك يا قمر وحطمتك كم كنت مجرما في حقك وأفتخر بإجرامي

        دخلت الغرفة بعد صراع نفسي طويل ووجدت خزانتها فارغة تماما , ثيابها وأغراضها

        وحليها وكل شيء جاءوا لأخذه لأني تركت المنزل مفتوحا حين أخذتها للمستشفى

        لقد حرموني حتى من أشياءها من أي بقايا متبقية منها , نمت تلك الليلة على سرير

        الغرفة أحتضن الشيء الوحيد الذي تركوه لي منها .... دمية والدتها , نمت استنشق

        عبيرها في الوسائد وأغطية السرير وكل ذكرى جمعتني بها هنا تعود إليا من جديد

        كم جلست هنا تبكي وتحتضن برودة الوسائد وأنا أسجن نفسي بعيدا عنها في تلك

        الغرفة , كم أبكيتها هنا وكم تحدث معها بحدة وقسوة هنا , كم مرة طعنتها وأنا

        أناديها بعديمة المشاعر من لا تعرف الحب وكنت كما قالت أتهمها بأشياء بي أنا

        لألصقها بها , بعد وقت الفجر خرجت من هنا لا أحمل معي سوى دميتها القماشية

        وقفت عند الباب ونظرت للمنزل بل لحطامه نظرة شاملة وقلت " كما تمنيتي يا قمر

        ها قد تحطم واحترق ذاك المخزن ولكن ما خذلتك فيه أني جلبتك لتموتي هنا رغم رجاءك لي أن لا أفعل "

        خرجت من منزل الجيران متوجها لمنزل والدي وما أن دخلت حتى صدموا لمظهري

        لحيتي التي لم أحلقها منذ ذاك اليوم وثيابي المبهدلة من تحطيم المنزل والهالات السوداء

        تحت عيناي من قلة النوم , نظرت جهة غيداء نظرة حقد وقلت

        " أقسم أن تدفعي الثمن يا غيداء "

        أمسكت نفسي بشق الأنفس عن ضربها وإفراغ غضبي فيها لكي لا نصبح في جثتين

        لأنها لن تخرج من تحت يداي إلا ميتة , ثم نظرت جهة والدتها فوحدهما هنا فنور

        تزوجت منذ شهر بعقد قران فقط وأخذها معه , نظرت لها بحدة وقلت بغضب

        " خذي ابنتك وأبعديها عني لأني لن أرحمها لتدميرها حياة إنسانة لا دخل لها فيما

        بيننا , في الغد تنتقلي وهي كما أردتم لعائلتك وحسابي معها عسير ولا تزوجوها من

        دون علمي لأني لن أرحمكم حينها ولن تستطيعوا فوحدي وليها والقانون لن يزوجها "

        ثم خرجت من المنزل ومن المدينة وذهبت من فوري لمنزلي في مدينتي تلك لأواجه

        عالم جديد من الذكريات المؤلمة , دخلت المنزل ليضربني طوفان الألم من جديد

        وقفت أنظر للمنزل بحسرة تملأ الكون وتزيد , كانت هنا يا رائد كانت بين يديك فتاة

        طفولتك وحبك الوحيد كانت معك ولست معها كانت لك ولست لها فلست سوى للقسوة

        للصراخ للبرود والجفاف , رميت الحقيبة على الأرض وخرجت فلم تطاوعني قدماي

        دخول الغرف لأني قد أجن وأحرق كل شيء

        غادرت المنزل وسرت في الشارع بلا دليل ولا وجهة أدس يداي في جيوبي ونظري

        على قدماي أستمع لضحكات الناس وأتساءل لما لا يبكي الجميع لما يضحكون من

        المفترض أن يبكي العالم كله فقدها ماتت قمر ماتت يا بشر إن كنتم لا تسمعون إن لم

        يصلكم أسوء خبر عرفته البشرية , وقفت عند شابان دفعت أحدهما بقوة وقلت بصراخ

        " توقف عن الضحك توقف "

        نظر لي بصدمة ثم باستهجان ونظر لرفيقه وأشار له بيده بمعنى مجنون فدفعته من أمامي وغادرت وصلت شارعا طويلا نظرت في اخره كانت المكتبة توجهت

        لها دون شعور ودخلتها .... دخلت المكان الذي قابلتها فيه أول مرة , وقفت عند

        رف الكتب متكئ عليه بكتفي أحرك الكتب على بعضها وأحدا وأحدا وأقول

        " هل لمستك أنت لا قد يكون أنت لقد ماتت قمر هل سمعتم ماتت لقد قتلتها نعم أنا

        هل ستبكون فقدها أم أنكم مثلهم تماما "

        كنت أمرر يدي عليهم وأخاطبهم كالمجانين ولو كان لهم ذرة واحدة فقط من

        الإحساس البشري لبكوا على حالي حتى اخر العمر , خرجت بعدها من هناك

        وعدت لمنزلي للمكان الذي لا مهرب لي منه كان عليا مواجهة ما صنعته يداي

        ولا دخل لأحد فيه فكم نصحوني ولم أكترث ولم أرى سوى أنه تدخل في حياتي

        التي كنت أدمرها بيدي


        ومرت بي الأيام لا شيء سوى الذكريات والألم والحسرة اسجن نفسي في هذا

        المنزل ولا أخرج سوى لشراء القليل من الطعام والمعلبات والسجائر , لا اذهب

        لأحد ولا أستقبل أحد ولا شيء سوى الذكرى الأليمة ومذكرة قمر التي أصبحت

        أحفظ كل سطر فيها من كثرة ما قرأتها ودميتها التي تنام معي كل ليلة وفستانها

        الذي ارتدته ليلة حفل خطوبة نور وأخذته من الخزانة تلك الليلة ونمت وهوا على

        وسادتي , هذا فقط ما بقي لي منها أو ما تركوه لي من بقاياها فهم استخسروا بي

        حتى شيء يحمل رائحتها يبقونه لي


        مريم دخلت المستشفى لأيام فور سماعها بالخبر وهي غاضبة مني حتى أنها لم

        تعد تتصل بي باستمرار كعادتها وإن كنت لا أجيب , وأصبحت هكذا نكرة حتى

        أمام نفسي وكرهت رؤية وجهي حتى في المراة

        نظرت للطبق أمامي ... قطعة لحم صغيرة ومعكرونة بيضاء مسلوقة , نظرت

        للجالسة معي على الطاولة وقلت " نفس غدائنا بالأمس أعرف أنك سئمت

        من هذا ولكن لا رغبة لي في الخروج كرهت الخروج اذهبي أنتي وأحضري

        الطعام إن لم يعجبك هذا "

        ثم لوحت لها بالملعقة وقلت " لا مفر لك مني أصمتي ولا تعترضي "

        رميت بالملعقة ووقفت سحبتها معي للغرفة لأني لا أنام بدونها دمية قمر رفيقة

        وحدتي الوحيدة لا أكون في مكان إلا وهي معي حتى أني بت أتحدث معها عن

        كل شيء , سمعت طرقات على الباب ولم ابه كعادتي تكرر الأمر مرارا وتكرارا

        والطرقات تعلو وتحتد بالتدريج حتى أصبحت ضربا يكاد يحطم الباب , خرجت

        من الغرفة وتوجهت نحوه وفتحته فكان حيدر فقلت بضيق

        " ما بك مع الباب كنت ستكسره "

        دفعني ودخل قائلا " طرقت كباقي البشر ولكنك كالميت بل الأموات خير منك "

        أغلقت الباب خلفه ودخلت قائلا " ما لديك "

        التفتت نحوي وصرخ بغضب " هل تضن أنك هكذا ستعيدها للحياة أم ستموت وتلحق

        بها , توقف عن الجنون يا رائد "

        جلست وقلت ببرود " إن كان هذا ما جئت لأجله فرافقتك السلامة "

        جلس وقال بضيق " اخر ما أوصت به قمر مريم أن لا نتركك وحيدا كما

        كنت وان تتزوج بامرأة تحبها , أعمل بوصيتها على الأقل "

        أشحت بوجهي عنه وقلت بحزن " توقفوا عن قتلي أكثر يكفيني ما لدي منها

        وكما أخبرتك إن جئت من أجل هذا الأمر فلا تتعب نفسك "

        رمى بجريدة على الطاولة وقال

        " بل جئت من أجل هذه وشيء اخر أهم منها "


        وعند هنا كانت نهاية فصلنا الجديد

        ماذا في الجريدة وما الشيء الاخر الذي جاء ليخبره به

        ما قصة والد قمر وأين كان كل هذه السنين وهل قضاها

        كلها في السجن ولما

        مواجهات شديدة بين رائد وماضيه في الفصل القادم

        حقائق عن الشخصية الجديدة التي زارت روايتنا ستعرفونها أيضا


        تعليق

        • أسير في حب عبير
          عـضـو فعال
          • Mar 2015
          • 127

          #34
          رد: منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)


          الفصل الرابع والعشرون





          رمى بجريدة على الطاولة وقال " بل جئت من أجل هذه وشيء اخر أهم منها "

          نظرت له بحيرة فتابع " لا شهادة وفاة لقمر في ذاك المستشفى "

          وقفت على طولي ونظرت له بصدمة عجزت أن أخرج منها إلا بعد

          جهد ووقت وقلت " ماذا تعني !! "

          قال بجدية " أعني ثمة حلقة مفقودة في الموضوع فهم يتكتمون عن أمرها , لقد تعبت

          كثيرا ولم اعرف سوى أنها لم تمت ليومين هناك ثم قاموا بإخراجها خارج البلاد وبعد

          ذلك لا علم لي أين ذهبوا بها وعاشت أم لا "

          قلت بابتسامة ترتسم على شفتاي ببطء " قل أنها حقيقة يا حيدر "

          قال بهدوء " لن نتأمل كثيرا يا رائد حتى نتأكد أنها لم تمت بعد خروجها من هنا "

          جلست أمامه و هززت رأسي وقلت " لا يهم.... قل قسما لم تمت هنا "

          قال بهدوء " المعلومات أكيدة "

          قلت من فوري " وكيف سنجدها ؟؟ "

          قال رافعا كتفيه " قل كيف سنعلم أنها على قيد الحياة أولا "

          قلت بهدوء " أين أخذوها ؟ لألمانيا بالتأكيد "

          هز رأسه بلا وقال " لا لم يفتني ذلك ولكنها ليست بمستشفى القلب هناك "

          نظرت له مطولا وقلت " لا أفهم لما يخفون أمرها كل هذا الحد "

          شتت نظره على الأرض وقال " يبدوا ثمة حكاية وراء والدها , لدي صديق مقرب

          يعمل في المخابرات سوف يفيني بكل المعلومات قريبا "

          وقفت وقلت " سأبحث عنها "

          وقف وقال بضيق " أين تبحث عنها ؟ في أي دولة وفي أي شارع من شوارعها

          رائد توقف عن الجنون وكما أخبرتك ضع جميع الاحتمالات نصب عينيك "

          قلت بغضب " لا ... إلا أن تكون ميتة لن أضعه أبدا لا نصب عيني ولا شيء

          وإن عشت على الأمل حتى أبلغ التسعين "

          قال بصراخ " رائد فكر بعقل كباقي البشر أين كان كل هذا وأنت

          تقسوا عليها وهي بين يديك "

          قلت بحدة ملوحا بيدي " توقفوا عن لومي يكفيني ما بي لما لا يرحمني أحد "

          تنهد بضيق وقال " اقرأ ما في الجريدة وسنتحدث فيه فيما بعد , ولدي شيء

          اخر لك من أنوار تركته لك قمر قبل أن تموت "

          قلت ببرود " لا تقل تموت قل تختفي "

          هز رأسه بيأس وقال " لا أعرف ما أسمي هذا إلا بالجنون وأنا أكثر منك جنونا

          يوم قررت أن أخبرك بما علمت "

          تجاهلت كل ما قال وجلست على الأريكة وأخرجت سيجارة وأشعلتها فخرج وعاد بشيء

          مغلف بالأبيض يبدوا كلوحة وضعها على الكرسي ووضع معها ظرفا ورقيا صغيرا وقال

          " كنت رافضا أن تعطيهم لك ولكني جلبتهم بسبب إصرار أنوار لأنها أوصتها بهذا "

          قلت ونظري للأرض والعب بالسيجارة المشتعلة بين أصابعي

          " ولما ترفض إعطائهم لي أليسوا من حقي "

          قال بضيق " لأنه يكفيك جنون وهروب وسجن عليك أن تعود للحياة كما أرادت

          هي إن كنت تحبها وتحترم ذكراها "

          ثم قال مغادرا " زر مريم هي لم تنشف دموعها حتى الان وتقول أنها ملامة مثلك

          ولا أفهم لما , زرها ولو من أجل قمر "

          ثم خرج وأغلق الباب , رميت السيجارة على الأرضية ودستها بقدمي وأنا لم أرشف

          منها سوى رشفتين , أمسكت بعدها اللوحة وتلمستها من الخارج كم أخشى مما فيها

          ارحميني من عذابي يا قمر , أمسكت طرفها بيدي ومزقت الورق من عليها فظهر

          لي وجه قمر الطفلة لتتوقف أنفاسي عن الخروج , مزقت باقي الورق لتظهر اللوحة

          بكاملها , قمر تجلس على أرضية سطح المنزل تكتب في كراسة على الأرض

          هي قمر الطفلة وكأنها أمامي الان لكن دون ابتسامتها تلك بل بحزن لم أره فيها طوال

          طفولتها , قرأت بعدها الأسطر المكتوبة في الطرف السفلي للوحة

          ( كم تقتل الورد يا من زرعته في قلب طفولتي كم تقتل البسمة وأنت وحدك من زرعها

          في بؤس تلك السنين كم أخشى أن تقتل حبا في قلب نبضاته تموت كل يوم )

          ثم تحتها بخط دقيق جدا ( أحببتك دائما يا رائد )

          كلها كانت بخط يدها , تلمست الكتابة بأصابعي وغصة تكاد تخنقني وسكين

          يمزق قلبي تمزيقا فليته يموت كما قتلها وليته يعاني كما عانت , نظرت لصورتها

          مطولا كمن تاه في معالم الأرض جميعها ثم مررت أصبعي على شفتيها الحزينة وقلت

          بغصة وعبرة " ليثني لم أقتل تلك الابتسامة ليت الزمن يعود , كوني على قيد الحياة

          من أجلي يا قمر لأني بدونك أموت شيئا فشيئا كوني على قيد الحياة ولو ليوم واحد فقط "

          حضنت بعدها الصورة أبكي بمرارة وألم , أقسى ما في الوجود أن تعجز عن إيصال

          ما في قلبك لشخص غادرك للأبد , أي عقاب لي أنتي يا قمر أي ألم تركته بي قبل

          أن ترحلي , نظرت بعدها باتجاه الظرف مددت يدي وأخرجت ما كان فيه فظهر

          طرف أوراق مكتوب في أعلاها كلمة ( الخاتمة ) فدسست الورق فيه من جديد دون

          أن أراه , هذه خاتمة كتابي الجديد الذي طلبت مني أن تكتب هي خاتمته , ليس لدي

          أي طاقة بعد لقراءتها , قد يخرج الكتاب للنور يوما وتخرج هذه الأوراق معه ولكن

          ليس قبل سنين طويلة , وقفت لأعلق لوحتها في صدر المنزل لتبقى نصب عيناي فقد

          أنسى يوما أني قتلت ابتسامتها البريئة فتذكرني هذه بجريمتي , علقت اللوحة بعد أن

          أزلت ساعة الحائط ووضعتها مكانها وعدت لجمع الورق الممزق فلمحت حينها ورقة

          مطوية على الأرض يبدوا سقطت من اللوحة حينما كنت أمزق الورق من عليها

          رفعتها وفتحتها فكان مكتوب فيها ( أعذرني يا رائد لم أرد زيادة حزنك وذكرياتك

          ولكن قمر أصرت عليا يوم زرتمانا في منزلنا أن أرسم هذه اللوحة وحين التقيت بها

          اخر مرة في المزرعة أخذتها معي لها فكتبت عليها هذه الكلمات وأوصتني أن أرسلها

          لك مع الظرف في يوم سأعرفه لوحدي ولم يخطر في بالي أن يكون ذاك اليوم هوا يوم

          موتها , لقد رفض حيدر بشدة أن أعطيها لك ولكنها وصيتها لي ولم أستطع غير

          تنفيذها , كن قويا يا رائد فهذه هي سنة الحياة ....... أنوار )

          طويت الورقة مجددا ووضعتها مع الأوراق في الظرف وعدت لغرفتي بل

          لسجن ذكرياتي الدائم وعند المساء خرجت فلمحت الجريدة التي تركها لي حيدر

          مكانها , لقد نسيت أمرها تماما ترى ما قصتها !! قلبت أوراقها حتى وقعت عيناي

          على مقال تحت عنوان ( مذكرات زوجة كاتب ) وأسم الناشر مجهول فنظرت من

          فوري لأعلاها أنظر ما تكون هذه الجريدة فكانت جريدة العوسج , عدت بنظري

          مباشرة للمقالة وقرأت (( الجزء الخامس مر اليوم كباقي أيامي أشرقت فيه الشمس

          فوق منزل جمعني ورائد لتغرب على دموع ملأت وسادتي , كيف سأقضي من دونه

          مسائي كيف وحضنه دفء سكنات شتائي وعبق عطره ملاذ أشياء قلبي وفوق ضلوعه

          تغفوا وتنام تلك الأشياء , كيف الموت بعيدا عنه وكيف من دونه يكون البقاء

          حاولت أن ألتمس وجوده في أشياء كثيرة غبية جدا , أتحسس صوت خطواته في الأرض

          القريبة مني في غرفة لا يفصلني عنه فيها سوى جدار وكم تفعل الجدران وكم تقتل من

          مشاعر وتوقد من أشواق , بت التمس وجوده حتى في رائحة دخان سيجارته الليلية

          وهوا يصلني ضعيفا خفيفا لست أدري لبعد المسافة أم أني أنا استنشقته قبل أن يخرج

          من هناك , كم كنت أتمنى أن أفتح الأبواب ليصلني ولو رائحة هذا الدخان القاتل لأشعر

          بوجوده معي ولست من دونه في هذا العالم الكئيب وهكذا مر المساء تموت فيه جميع

          أشيائي وتتلاشى على عتبات تلك الغرفة التي تحتضنه بدلا عني كل مساء, تسرق دفء

          أنفاسه ببرودتها وبرد أجفاني يحتاج لكل ذاك الدفء في تلك الأنفاس

          وهكذا نعم هكذا مر مساء اخر ويبدوا لي ليس اخر مساء , وها قد حمل قلبي من هذا

          النهار كلمة ما أقساها من شفتيه كلمة تنفي كل هذا الحب الذي أحمله إليه وتقتل العشق

          فيني وتتهمني بكل قسوة بأنني بلا مشاعر , كيف تكون المشاعر يا رائد إن كانت هذه

          ليست مشاعر كيف يكون الحب إن لم أكن أنا أحبك بل كيف يكون العشق جنونيا وأنا

          لا أعرف كيف أعشقك بل كيف تصفني بأقل الأشياء لقد قتلتني على مشارف هذا المساء

          ومر ها قد مر مساء اخر وليس بالطبع اخر مساء ))

          كانت هذه نهاية المقالة قلبت الجريدة مجددا وكأني ابحث عن غيره أو عن شيء

          يمد له بأي صلة , إذا هذه هي المذكرة التي تكلمت عنها تلك الفتاة وقالت أني لا

          استحق الاحتفاظ بها واني سأعلم عنها قريبا , إذا هنالك أربع أجزاء قبل هذه ولا

          أعلم كم سيكون بعدها , من يفعل هذا هل هي تلك البائعة أم هو شخص اخر ولكن من سيكون ! عمتها أم زوجها أم والدها ؟ رفعت هاتفي واتصلت بحيدر

          فأجاب من فوره قائلا " هل قرأتها "

          قلت " نعم ... من وراء هذا ؟ "

          قال " لا أعلم الأمر مبهم للغاية سأتقصى عن كل شيء ونلتقي عند

          مريم بعد أسبوعان من اليوم "

          قلت " ولما ليس هنا "

          قال بحدة " بل عند مريم عليك رؤيتها قبل أن تصبح نسخة أخرى عنك

          وأفهمها أنها ليست وراء موت قمر كما تقول "

          قلت " وهل ستحظر ما سيفيدنا "

          قال ببرود " كل ما سأستطيع الحصول عليه "

          قلت " حسنا ولكن أين باقي أجزاء المذكرة , أي هل تملك

          الأعداد السابقة من الصحيفة "

          قال بضيق " رائد لا تدمنها لتنهيك أكثر مما أنت منتهي لن تكون

          قمر من يرسلها أبدا لن تفعلها "

          قلت ببرود " لم أفكر بها ولكني أريد قراءتها "

          قال بهدوء " رائد أحلفك بالله أن ترحم نفسك , كل غرضي من

          الأمر أن تتدارك الموضوع سريعا "

          قلت مختصرا " سنتحدث ما أن نلتقي ...... وداعا "

          وما أن أشرقت شمس الصباح حتى خرجت أبحث عن باقي الأعداد السابقة في

          المحال الخاصة ببيع الصحف لأصبح أنا الان من يجمع قصاصات المقالات

          ويلصقها ليس في مذكرة بل على حائط غرفة النوم , خمس مقالات وأنتظر

          البقية وكأني لست من عاش الأحداث كلها معها بل وكأني لست أحد أبطال

          كل هذا البؤس فالجزء المظلم من الحكاية ينحصر في شخصي أنا

          كنت ألتصق بالحائط كل صباح واقرأ كل كلمة فيها بصوت مرتفع وحزين

          لأذكر نفسي بجرمي ولأرى نظرتها لي تلك الأوقات , ولا أنام ليلا قبل أن

          أقرأها مجددا , فأصبحت كما قال حيدر مدمنا عليها بل مدمن على الموجود

          منها قبل المجهول , بعد أسبوعين ذهبت لزيارة مريم لأعود في ذات اليوم

          كم كانت الرحلة مؤلمة لي فحتى هذا الطريق حمل ذكريات حزنها معي وما

          أن اقتربت من المدينة وقفت حيث أوقفتني هنا من شهور وجلست حيث جلست

          تشاهد أنوار المدينة من الأعلى وتذكرت حين ترجتني وهي مكاني الان أن لا

          اخذها لمنزل خالها ولا تعيش فيه ولكني كنت كهذه الصخرة أو أقسى بكثير فلم

          أترك طريقة لم أعذبها بها ولم أترك لحظة لم انزل فيها دموع عينيها

          كنت أتوهم أنها دموع ضعف لكنها كانت كل كلامها المكبوت وجرحها الغائر

          مني والحب الذي تخفيه وسط ذاك القلب الضعيف , وقفت بعدها وعدت لسيارتي

          ودخلت المدينة متوجها لمنفى ذكريات جديد سيعذبني فوق عذابي , توجهت من

          فوري لمنزل مريم طرقت الباب ففتحته هي لي , نظرت لي بصدمة مطولا بادئ

          الأمر ثم امتلأت عيناها بالدموع وقالت بعبرة " قتلناها يا رائد "

          ثم دخلت باكية وأنا اتبعها وهي تقول " ليثني لم ابه لقسمك وحكيت لها كل ما قلته لي هنا "

          كانت تسير في منزلها بغير هدى كالمجانين وهي تردد " ليثني لم اخذها للمزرعة

          لأسلمها لك لتقتلها , ليثني لم أعرفها يوما ليتك بقيت مهاجرا عنا ولم تجلبها لنا

          ليتك لم تتركها لدي شهران كاملان وأنا أراها تتعذب شوقا لك أمامي "

          ثم وقفت ونظرت لي وقالت وهي تضرب يداها تقبضهما لبعض وتضمهما لصدرها

          " قالت أحتاجه وأشتاق له يا مريم , لا تتركوا رائد يعيش وحيدا بعدي يا مريم

          لا حياة لي معه ولا بدونه يا مريم , لا أريد أن أموت وهوا بعيد عني يا مريم "

          كنت أنظر لها بجمود ودموعي تعبر خداي الواحدة تلو الأخرى دون أن أمسحها

          فتوجهت نحوي وأمسكت معطفي بقوة وقالت بحدة " أخبرتك مرارا أنها تحبك

          تحبك يا متحجر يا رائد , لما جعلتني أشاركك جريمتك لماذا ؟؟ "

          أمسكتها من ذراعيها وأبعدتها عني وقلت " يكفيني ما بي يا مريم يكفي "

          تعليق

          • أسير في حب عبير
            عـضـو فعال
            • Mar 2015
            • 127

            #35
            رد: منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)


            قالت ببكاء حزين وهي تنظر لعيناي " ماتت قمر يا رائد ماتت "

            حضنتها بقوة نتشارك حزننا ودموعنا كما تشاركنا ذكرياتنا معها ومأساتها

            نبكي بمرارة ونحيب فخرجا ابنيها وبدئا بالبكاء مثلنا جاهلين حتى لما نحن نبكي

            الان ليتحول المنزل لمناحة تكسر قلب أقسى الحجر , وبعد وقت طويل من البكاء

            محتضننا لها وطفلاها يحتضنان ساقينا ويبكيان أبعدتها عني وقبلتها بين عينيها وقلت

            " لا تغضبي مني يا مريم فيكفيني من رحلوا وهم غاضبون بسبب وبدونه "

            أمسكت يدي قبلت كفها من الداخل وحضنتني وقالت

            " كيف لنا أن نطلب منها السماح يا رائد "

            قلت وأنا أمسح على ظهرها " أنا المذنب الوحيد فما ذنبك أنتي "

            قالت وقد عادت للبكاء " لو كنت حكيت لها ما قلته لي عن ماضيكما لعلمت

            وأصلحت الأمر لم أندم على شيء لم أفعله في حياتي كما ندمت على هذه "

            قبلت رأسها وأبعدتها عني وقلت

            " قد تكون على قيد الحياة يا مريم ونكفر عن كل ذلك "

            نظرت لي مطولا بصدمة ثم قالت " ع على م ماذا "

            مسحت وجهها وقلت بابتسامة حزينة " لم تمت هنا وخرجوا بها من البلاد

            وهي على قيد الحياة فاحتمال حياتها أصبح كاحتمال موتها "

            هزت رأسها بحيرة وهي تقول " لا تعلقني بالأمل الكاذب يا رائد أرجوك "

            نظرت للسقف وقلت بحزن " وهل لي غيره أعيش عليه "

            سحبتني من يدي وهي تقول " تعال اجلس وارتاح وسأعد لك الغداء حالا "

            هذه هي مريم لا تتغير أبدا لا أنقى من قلبها سوى القلب الذي قتلته ... اه سامحيني

            يا قمر أرجوك , جلسنا بعد الغداء أنا في صمتي ومريم تتحدث عن أمور كثيرة

            تواسيني أكثر مما تسليني فلم تترك شيء لم تتحدث عنه سوى ماضيها مع قمر طبعا

            نظرت لي بحنان وقالت " رائد نم قليلا وارتاح الرحلة كانت طويلة "

            أبعدت نظري عنها وقلت " لا رغبة لي في النوم سأنتظر حيدر "

            قالت بابتسامة " لهذا إذا طار النوم من عينيك أتمنى أن يكون لديه جديد في الأمر "

            وما هي إلا لحظات وطرق أحدهم الباب فوقفت على طولي وتوجهت له مسرعا

            فتحته فكان حيدر سلم عليا ودخلنا سويا وتلقته مريم بسلامها الذي لا ينتهي من

            الأسئلة فقلت بضيق " مريم دعيني أفهم ما لديه واتركي السؤال عن صحة

            أنوار وجنينها لبعض الوقت "

            ابتسمت وقالت " أمري لله أنا أيضا متشوقة لسماعه "

            جلسنا ثلاثتنا فنظر لي حيدر بصمت قاتل فتنهدت وقلت " حيدر تكلم "

            نظر للأرض وقال " والدها كان يعمل ضابطا في المخابرات , مجموعة قامت

            بقتل زوجته وكانوا سيقتلون ابنته حينها أيضا فقتل منهم ثلاثة ذات اليوم , يبدوا

            لي ثمة قصة وراء الأمر لم أهتم بالسؤال عنها , المهم حاكموه محاكمة عسكرية

            سرية وسجنوه لسنين طويلة رغم أن لديه الدليل على قتلهم لها يبدوا لأنه قتلهم

            دون أن يسلم القضية للقانون , خرج من السجن منذ عامان ونصف بعد مرافعات عديدة لتخفيف الحكم عنه وحياته مهددة للحظة بالخطر وحاولوا قتله أكثر من مرة

            رغم أنه تحت حماية الجهاز الأمني , كان يراقب ابنته عن بعد كي لا يؤذيها

            فيبدوا أنهم لا يعلمون عنها لاختفائها كل سنين حياتها من منزل خالها لمنزل

            عمتها التي تعرف باسم زوجها لانقطاعها عن عائلتها لسنوات ثم لسفرهم بها

            للخارج وحتى مقالاتها وكتابها كانا تحت اسم مستعار وهي لا تعلم شيء عن

            أمر والدها ثم زواجها منك ويوم مو.... أقصد يوم أخذتها للمستشفى ذهب لها

            وأظهر نفسه لذلك قاموا بالتعتيم عن الأمر وخرجوا بها من البلاد ولا أعلم غيره

            إلا القليل وقد لا يفيدنا في شيء "

            نظرت له مطولا بضياع ثم قلت " حية أم ميتة ؟؟ "

            هز رأسه وقال " لا أعلم لدينا خيط رفيع جدا لا يمكننا التأمل فيه لكني سأحاول جهدي "

            قلت بجدية " الدولة فقط احصل لي على البلاد التي أخذوها إليها وسأجوبها مدينة

            مدينة بل وشارع شارع ولو أفنيت عمري بحثا عنها "

            قال بهدوء " اترك لي الأمر قليلا والان علينا إيجاد حل لمشكلتك مع تلك الجريدة

            ومذكراتها التي تنزل فيها , ستدمر سمعتك ككاتب يا رائد أنت منقطع عن العالم

            ولا تعلم شيئا لقد أصبحت خبر الموسم وسيرتها على كل لسان وسيكشف من يرسلها

            لهم عن اسمك كاملا في أي وقت فأكثر من كاتب في هذه البلاد يحملون اسمك الأول

            وقد أصبح شغل الناس الشاغل بل والصحف والمجلات وحتى قنوات التلفاز البحث

            عن من يكون من بينهم , سيضع سمعتك تحت التراب "

            نظرت للجانب الاخر وقلت ببرود " لا يهم لدي فليصنعوا ما شاءوا لا شيء

            في هذه الحياة بات يعنيني "

            قال بحدة " رائد توقف عن جنونك , كل مخاوفي أن يكون والدها وراء ذلك

            لقد سمعت بأذنك أنه قتل ثلاث رجال لأنهم قتلوا زوجته وفعل ما فعل لخال

            قمر وزوجته انتقاما لها ولن يتوانى في فعل ما هوا أبشع لك "

            نظرت له وقلت بغضب " وما سأفعله ؟ أهرب من البلاد أم أكذب على الناس

            لأغطي الفضيحة وأسرد عيوب ليست بزوجتي أم أنكر كل ما يكتب عني

            دعه يأخذ بحقها مني يا حيدر لن أوقف شيئا مما يكتب ولن أقاضي جريدتهم

            بتهمة التشهير وإن كانت ميتة فأنا أستبيح دمي له وليقتلني مرحبا به متى أراد "

            هز رأسه وعيناه في عيناي وقال " كلمة جنون لم تعد تليق بك "

            قلت ببرود " يعلم بمكاني لو أراد أذيتي ما تأخر لحظة كما فعل بخالها وزوجته

            فالحادثة حصلت لهما منذ عامان ونصف وهذا يؤكد أنه انتقم فورا ودون تأخير "

            ثم شردت بعيناي بعيدا وقلت بهدوء " شيء ما يمنعه من أذيتي الان قد تكون قمر

            أو مذكراتها لعلمه بمشاعرها اتجاهي , لو هي الان على قيد الحياة فلن يؤذيني

            كي لا تغضب منه , هذا يضع احتمالا وأحدا أنها في غيبوبة الان أو ما شابه "

            نظر لي مطولا بحيرة ثم قال " نعم ما الذي يمنعه من أذيتك كالبقية فلو أنها ماتت

            سينتقم منك أشد من انتقامه من خالها وزوجته , أي سيكون عقابك القتل كالسابقين "

            قلت " هددني بشيء كهذا في المستشفى قال أنه دخل السجن سابقا لأجلها وسيفعلها

            مجددا بقتله لي كما قتلتها "

            قال بجدية " ستبقى مجرد فرضيات حتى نحصل على شيء يؤكد صدقها "

            قالت من فوري " كيف ؟؟ "

            قال " الأمر ليس سهلا لكن لا تبحث أنت عن شيء ودع الأمر لي حاليا حتى

            نتأكد أنه بعيد عنك فلا تنسى مركزه فبالرغم من سجنه وجريمته لازال قويا

            ويمكنه مسحك عن وجه الأرض في لحظة "

            لذنا بصمت مبهم ومخيف ثم قال " وإن كانت على قيد الحياة فثمة مشكلة أخرى "

            نظرت له باهتمام فقال " كيف ستعيدها منهم خصوصا والدها "

            قلت بحزم " هي زوجتي "

            قال بابتسامة سخرية " يمكنه تطليقها منك بجلسة محكمة واحدة "

            وقفت مغتاظا فنظر للأرض وقال بهدوء

            " علينا أن لا نستبق الأحداث فلنتأكد من وجودها ضمن الأحياء أولا "

            قالت مريم بحزن " لم ترى عيني أنقى منها على ظهر الأرض . حتى جدتي

            التي تنتقد الجميع لم تقل ربع كلمة عنها حتى في غيابها ولم تأكل يومين بعد

            سماعها بالخبر رغم كتمها لحزنها عافت الطعام , موتها كان حسرة في قلوب

            جميع من عرفوها , كانت بين يديك ملكك يا رائد وتحت نظر والدها ولم يأخذها

            منك , لو كنت مكانه ما كنت سأرجعها لك أبدا "

            غادرت مستاء وسمعت حيدر يقول لها " يكفي يا مريم لن يجدي لومه شيئا فلم

            تري كيف كانت حالته قبل أن أخبره بما علمت , لا نود العودة لنقطة البداية "

            خرجت من الباب الخلفي للمنزل حيت الطبيعة تحتضن برد الشتاء , نظرت يسارا

            وكأن قلبي يخبرني أن أنظر هناك حيث مكان جلوس قمر تلك المرة تنظر للأفق

            البعيد بحزن وأنا بكل بلاهتي أضنها حزينة لأنها لم تجد رائد طفولتها في المدرسة

            ولكنها كانت تبكي بمرارة في داخلها لأني لم أتذكرها حينها , كم كنت أفتخر دوما

            بذكائي وفهمي السريع للأمور واكتشفت الان حجم غبائي الذي لا يوازيه شيء في

            هذا الكون , نعم غبي ومنذ أن عرفتها في طفولتها كنت أحمق وغبي ولم أفهم حقيقة

            معاناتها الواضحة حتى للأعمى ليزداد غبائي وهي زوجتي , لقد صدقوا من انتقدتهم

            دائما وهم يقولون أن الحب يجعل من أذكى البشر غبيا ويصنع من أقوى الرجال

            ضعيفا ويدمر مدن بأكملها .... نعم صدقوا وكذبت أنا , نظرت للسماء وقلت بابتسامة

            حزينة " صدقتي يا قمر حين قلتي غبي وستكتشف ذلك يوما وها قد اكتشفت "

            أخذتني خطواتي لذاك المكان ووقفت حيث جلست تحديدا ونظرت للأرض بصدمة

            بل برجفة سرت في كل أوصالي حتى ضربت قلبي بقوة , كنت أحملق في طوق

            الأزهار الذي صنعته وصبا سابقا ملقى تحت قدماي وأزهاره لا تزال غضة ندية

            نفس الطوق والأزهار والألوان , انحنيت لاخذه من هناك فلم تمسك يدي سوى حشائش

            الأرض لتتبلل أصابعي بندى البرد على تلك الوريقات , رفعت يدي ونظرت لكفي

            مطولا ثم للأرض , اختفى كيف وهوا كان هنا !! نظرت لتقاسيم الأرض تحتي بتشتت

            ثم ابتسمت بألم وأنا أدس يدي المليئة بحبات التراب في صدري أحتضن طيف الذكرى

            بل طيف الأوهام ... كنت أتوهم نعم كل شيء كان وهم أشبه بالحقيقة

            علمت الان ما كانت تعنيه قمر في المقال الأخير منذ يومين في الجزء السادس من

            معاناتها التي تبتها تلك الجريدة للخلق أجمعين وعلمت في أي حالة من الضياع كانت

            ذاك الحين , سرت بخطوات بطيئة مبتعدا وأنا أردد كلماتها في تلك المقالة التي أحفظها

            كاسمي كسابقاتها أرددها بحزن (( لم أصدق يوما أنه يمكن للأوهام أن تتجسد في الواقع

            حتى رأيته يسير بخطواته الثقيلة بجانبي على رمال البحر لأنظر له بنظرة ملئها دموع

            وحب وعتاب ولهفة لتحتضنني ذراعه وهوا يخبرني بأني من سكنت قلبه للأبد

            حينها توقف العالم وتوقف جريان الموج تحتي وتوقفت كل تواريخ الأرض تصفق

            لكلماته ... لا بل لغبائي لأني حين تلفتت حولي لم أجده فكان مجرد واقع صوره لي

            الوهم وليث الوهم رسم لي شيئا من الواقع فيالا غبائنا حين يصل بنا الحب حد

            الضياع في الأوهام ))

            ثم وقفت ونظرت للخلف فكان المنزل قد أصبح بعيدا فعدت أدراجي

            دخلت ووجدت مريم تجلس بتوتر فوقفت ما أن رأتني واتجهت ناحيتي

            وقالت بقلق " رائد قلقت عليك "

            قلت بابتسامة باهتة " ليست المرة الأولى أخرج فيها لذاك المكان "

            قالت ودموعها تملا عينيها " نعم ولكن ليس غاضبا مني ومن نفسك , رائد اعذرني

            لم أقصد كل ما قلته منذ دخلت هنا ولكن لا أحد يشعر بحجم مأساتي فوحدي من كانت

            تحكي لي عما يسكن في قلبها وتخفيه "

            ضممتها لصدري بيد واحدة وقلت بحزن " بلى كانت تحكي لي أيضا بكل شيء فيها

            عدا كلماتها لكني كنت بلا قلب وليس بلا أذنين , أعرفك جيدا يا مريم أرق من أن

            لا يؤثر فيك فقدنا لها "

            ثم أبعدتها عني وابتعدت خارجا من المنزل فقالت منادية " رائد إلى أين ؟؟ "

            وقفت وقلت وظهري لها " من حيث أتيت "

            لحقت بي حتى وقفت خلفي تماما وقالت " لكنك وصلت اليوم ولم تنم ولم تأكل

            أبقى معي لليوم فقط وغادر في الغد "

            قلت وأنا أدير مقبض الباب وافتحه

            " لن أنام على أية حال فهناك يوجد ما لا أستطيع النوم من دونه "

            وخرجت دون أن أسمع منها شيئا اخر وذهبت من فوري لمنزل والدي الفارغ

            فتحت الباب ودخلت متجنبا زيارة غرفتي وسريري الذي ضمني معها لليالي

            صعدت من فوري لسطح المنزل , لم أزره منذ سنوات طويلة

            نظرت في الأرجاء ثم توجهت بنظري فورا للجدار الفاصل بيننا وبين منزل

            الجيران , اقتربت منه ووضعت يدي على حافته أنظر لسطح منزلهم بضياع

            وعيناي تبحث في جدار السلالم المقابل لي حتى وقع نظري على ضالتي فقفزت

            من فوري بقفزة واحدة مستندا بيدي على الحافة وكنت فورا في سطح منزلهم

            اقتربت من الجدار من فوري حيث كان مقابلا لي وأنا هناك , نزلت لأسفله

            وتلمست بيدي الكلمات المكتوبة على جداره الخشن , الكلمات التي نقشتها

            أناملها هنا منذ سنين بقطعة الحجر الصغيرة بعدما علمتها الكتابة

            كانت أول كلماتها ( رائد قمر ) زدت المسافة للأعلى وتلمست المكان

            هنا كان قد ازداد طولها أكثر بزيادة عمرها وكان مكتوب ( رائد مدرستي )

            مسحت دمعة نزلت مني وصعدت بيدي أكثر وكان مكتوب ( رائد برد )

            مسحت دمعة جديدة نزلت تتفقد الأولى أين وصلت وصعدت بيدي حيث

            كان اخر عهد لها هنا وتبدوا وهي في العشر سنين وكان مكتوب ( رائد )

            فقط , استغربت الأمر مددت يدي أمام الكلمة أكثر فكان ثمة كلمة أخرى

            أصغر بكثير وكأنها تخفيها وهي ( أحبك ) كان هذا اخر سطورها واخر

            قوى لي على الصمود فوقفت على طولي مستندا بيدي على الجدار , كنت

            أراها في الماضي وهي تكتب على هذا الجدار في بعض الأحيان ولكن من

            غبائي ظننتها ترسم بعشوائية كباقي الأطفال ولكنها لم تكن إلا تعيد حفر هذه

            الكلمات أكثر كي لا يمحوها الزمن يوما , كانت تكتب في كل مرة ذات الكلمات

            في ذات الموضع , يالك من غبي يا رائد وشهادتك الأدبية التي أخذتها من

            الجامعة بامتياز لم تكن إلا كذبة بل وتفوقك في كل تلك السنين التي عرفتها فيها

            هنا كان شيء لا تستحقه لأنك أغبى من أن تنجح في المرحلة الإعدادية

            التفتت لأغادر فشد نظري شيء عاد بوجهي سريعا للجدار وقربت أناملي ببطء

            ألتلمس الكلمات الجديدة المكتوبة في الأعلى , مؤكد كتبتها في تلك الليلة التي

            صعدت فيها هنا وانغلق عليها الباب , نظرت لها بتمعن وأصابعي تعبر مجراها

            المحفور في خشونة السطح , تبدوا كتبتها أعلى من مستوى وجهها بقليل لأنها

            كانت مقابلة لوجهي فكانت ( رائد قتلتني )

            تعليق

            • أسير في حب عبير
              عـضـو فعال
              • Mar 2015
              • 127

              #36
              رد: منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)

              كانت مقابلة لوجهي فكانت ( رائد قتلتني ) اتكأت عليها بجبيني وندم العالم كله

              يعتصرني وخرجت مني اهة بغصة ألم , لما لم تتحدثي معي يا قمر ! لماذا تركتي

              كل هذا في قلبك ! لما لم تعترفي لي بما حدث يوم تركتني ؟ لماذا وأنتي بتي تعلمين

              أنني لم أعد للمنزل بعد السبب الذي ذكرته لك غيداء , هل كانت تخشى أن لا

              أصدقها يا ترى , ثم ضربت بجبيني عليه وقلت بعبرة مخاطبا الجدار

              " لما لم تخبرني أنت ولما كنت أنا مثلك ومثل بابك الحديدي الموصد عليها

              كل تلك الليالي ... نعم كنت مثلكما بارد وقاسي وأصم ومتحجر وبلا نفع "

              بقيت هناك لوقت على ذات الوضع أبث معاناتي وندمي لجدار لا يشعر ولا

              يسمع شيئا ثم غادرت ذاك المكان بحمل جديد أضفته على أحمال قلبي عله

              يموت أيضا وأرتاح , غادرت المدينة وعدت لمنزلي ووصلت عند منتصف

              الليل , دخلت من فوري لغرفتي وارتميت على السرير دون أن أغير ثيابي

              ونمت فورا من شدة التعب الجسدي والنفسي ولم استيقظ إلا على صلاة الفجر





              وها قد مر شهران اخران لا جديد ولا مفيد , لا أمل ولا شيء ولم يصل حيدر

              لنتيجة كما يقول رغم أني موقن من أن عيناه تخفيان شيئا لا يريد قوله فهل

              ماتت حقا ولا يريد إخباري كي لا يقتل الأمل الضعيف في داخلي أم لأنه وجد

              دليلا ولا يريد أن يبعث فيا الأمل الواهم , وكانت هكذا تمر بي الأيام في سجني

              الدائم وغرفتي لا يزورني احد لأني لا أستقبل غير حيدر ولا أحد لي سوى دمية

              حبيبتي وفستانها الأحمر ومقالات مذكراتها التي وصلت الان للجزء العاشر ولا يزال

              هناك المزيد , مرت خمس شهور على ذاك اليوم المشئوم ولم أزدد إلا حنينا ولهفة

              وتعلقا بأملي الوحيد ( قد تكون لازالت على قيد الحياة ) فقيدتني كلمة ( قد ) بقيودها

              فلم يعد في رأسي سواها ( قد تكون حية , قد تكون مريضة حتى الان , قد تكون في

              غيبوبة .... وقد وقد وقد ) الكثير والكثير ولا شيء منها( قد تكون ميتة منذ شهور )







              استيقظت هذا الصباح والألم يزداد في رئتاي والسعال يشتد عن السابق , يبدوا

              التهاب الرئة لدي وصل مراحل سيئة جدا فقد رفضت العلاج والذهاب للمستشفى

              من أساسة رغم إصرار حيدر الدائم فلما أبحث عن الصحة لأعيش ما سأفعله بهذه

              الحياة أنا أكرهها ولا أريدها ولا هي تريدني

              خرجت من الحمام بعد نوبة سعال طويلة كادت أنفاسي تنتهي فيها وتوجهت

              للأريكة ووصلت بصعوبة , جلست بتعب أمسكت علبة السجائر ثم رميتها , حتى أنتي

              أصبحت تنكرينني ولا تزيدني إلا ألما مع ألمي , سمعت حينها طرقات سريعة ومتتالية

              على الباب وكأن من يطرقه ثمة من يركض خلفه , توجهت خارجا من الصالة وفتحت الباب فكان حيدر , نظر لي نظرة غريبة ونفسه يلهث وكأنه كان هاربا بالفعل ثم ابتسم

              ابتسامة واسعة وقال " هنا يا رائد إنها هنا في هذه البلاد "




              وعند هنا انتهى الفصل الجديد

              الفصل القادم لبطلتنا الغائبة عنا قمر لتعيشوا معها الأحداث الجديدة في

              حياتها وتعلموا أين تكون الان , فأين ستكون وكيف سيصل لها رائد

              تعليق

              • أسير في حب عبير
                عـضـو فعال
                • Mar 2015
                • 127

                #37
                رد: منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)

                الفصل الخامس والعشرون





                ضممت ساقاي لحضني أكثر وأنا أجلس على هذا السرير البارد رغم

                التدفئة المركزية في هذه الغرفة الخالية سوى من أنفاسي الهادئة , دسست

                رأسي بينهم واستسلمت لدموعي , لا أذكر شيئا مما حدث بعد ذاك اليوم

                سوى استيقاظي على صوت طنين الأجهزة فنظرت بعينان نصف مفتوحتان

                للواقفين حولي أتنقل بينهم بنظري وأحدا وأحدا , طبيبي الألماني ... عمتي

                ودموعها الغالية تتساقط في كفيها و ..... رجل غريب في ملامحه شيء ما

                ...... نعم أنا أعرفه ولكن لا أذكره , أشار بأصبع يده السبابة أمام وجهه

                بشكل قلب مبتسما فتذكرت ما تعني هذه الإشارة , نعم تذكرتها تعني المفقود

                من حياتي , تعني يا قمر أن أحد نصفاك الضائعان قد عاد , تقطعت أنفاسي

                في جهاز التنفس الموضوع على أنفي وفمي وعيناي اغرورقوا بالدموع

                ومددت يدي له ببطء رغم المغذي المحقون بها وجهاز قياس النبض والتعب

                والمرض إلا أنني رفعتها بسهولة نحوه فأمسكها وقبلها قبلات لا يمكنني

                معرفة عددها من كثرتها , كان يضمها لصدره ويتحدث ولا اسمع سوى

                كلمة ( ابنتي ) فنزلت دموعي تتساقط بعدد يفوق عدد قبلاته بعشرات المرات

                لتتجمع كل سنين البؤس والحرمان وتندفع من كل خلايا جسمي التي عاشت

                فيها وتخرج في صوت هامس مخنوق " أبي "

                لينطلق ذاك الجهاز بطنينه المرتفع فأبعده الطبيب عني يود إخراجهم من الغرفة

                ونظري يتبعه ونظره للخلف عندي فعجز لساني عن نطق الحروف رغم كل

                محاولاتي , أردت أن أترجاهم أن يتركوه معي ولو للحظة أخرى بعد

                أتركوني أنعم به لا تأخذوه مني مجددا , ارتفعت شهقاتي الراجية علهم يرأفوا

                بحالي فحقنوني بتلك الحقنة الكريهة التي تأخذني للظلام الدامس الخالي حتى

                من الكوابيس المرعبة ولم استفق من حقناتهم المتتالية تلك إلا بعد وقت طويل

                لأجد نفسي في مكان اخر بل مستشفى اخر , أخبرني الطبيب هنا انه ولحسن

                حظي كان الطقم الألماني في المستشفى بعد نصف يوم من سقوطي لأنهم كانوا

                في زيارتهم السنوية لتعاقد البلدين صحيا فما كانوا سيجدون وقتا لنقلي لهم في

                بلادهم وكان الموت سيكون أسرع منهم فأجروا لي جراحة كانت نسبة الفشل

                فيها ثلاث أضعاف نسبة النجاح وكنت ميتة بين أيديهم وميتة بعد العملية لأشهر

                لولا أن أمر الله لم يقضي بعد بموتي لكان الموت أقرب لي من الحياة وما كنت

                لأسعد بهذه النجاة لأني لم أخترها أبدا وفضلت الموت عليها لولا أن هذه الفرصة

                جلبت لي شخصا يستحق العيش مجددا من أجله , هوا فرصتي الجديدة في الحياة

                بل هوا الحياة , والد لقمر ... نعم لها والد , صدقوا أنه لها سند وحامي وأنها ليست

                وحيدة , رغم أنه لم يزرني بعد تلك المرة حتى خيل لي أنني كنت أتخيل ذلك لولا

                زيارة عمتي الوحيدة لي هنا لتؤكد لي ما رأيته , لو كنت مت ما كنت سأحضا بهذه

                الهدية ( والدي ) ضننت أنه لم يعد لي ما أعيش لأجله لكنني أخطأت




                رفعت رأسي وسندته على ظهر السرير وعيناي تعلقتا بالسقف الأبيض

                كنت أسمع دائما عن المستشفيات العسكرية لكني لم أتخيلها هكذا , كانت

                في مخيلتي تشبه زنزانات السجون مقرفة و بها أسره متهرئة ولم أتوقعها

                هكذا وكأني في مستشفى من مستشفيات الخارج , جلت بنظري حتى وقع

                على الورقة المعلقة على الحائط ثم للنافذة الزجاجية الواسعة في الجانب

                الاخر بستائرها البيضاء المفتوحة , يبدوا أننا في منتصف الخريف أذكر

                أني كنت في نهايته حينها فيستحيل أن يعود بي الزمن للوراء إذا هي عشرة

                شهور مرت منذ ذاك اليوم , كيف مر كل هذا وهل قضيته بين هنا وهناك

                أم هنا فقط ؟؟ لا أذكر ويبدوا أنني ارتكبت جريمة ما ولا أعلم بها وهم يسجنوني

                في هذا المكان , انفتح الباب ببطء بعد طرقات خفيفة , كم أتمنى أن لا يكون أحد

                الأطباء أو الممرضين , لقد كرهت رؤيتهم من كثرة ما زاروني لرؤية الفتاة

                الوحيدة التي تدخل هذا الصرح العسكري فوحدهم من يجتازون الحرس في

                الخارج , اتسع انفتاح الباب ليدخل من كان خلفه صاحب الجسد الضخم المتناسق

                أزال نظاراته الشمسية السوداء الكبيرة وابعد الشال الخريفي عن فمه وذقنه لتظهر

                لي تلك العينان السوداء الغائرة والابتسامة التي تشق تلك الملامح القاسية لتزيدها

                جمالا في حدة , مددت له كلتا يداي بابتسامة مشبعة بالدموع فأغلق الباب واقترب

                مني لأتعلق في عنقه باكية وهوا يضمني لصدره بقوة ويقول

                " قمر يكفيك بكاء يا ابنتي من هذا الذي يبكيك لأذبحه حيا وأرمي لحمه للكلاب "

                تعلقت بعنقه أكثر وقلت ببكاء " أين أنت يا أبي لما تركتني كل هذه السنين

                ولما أنا هنا ؟؟ لما أنا وحدي وأين أنتم ؟ "

                جلس على السرير بجواي ممسكا يدي وقال ونظره عليها " ظروفي كانت أقوى

                مني يا قمر وأنتي هنا لأنك ما تزالين متعبة حبيبتي "

                نظرت لوجهه وقلت بهدوء " لما هنا تحديدا عمتي لم تجبني عن

                أي سؤال حين زارتني "

                نظر لي وقال ماسحا على وجهي بيده " لنحميك منهم بنيتي "

                قلت باستغراب " من هم !! "

                تنهد وشتت نظره أرضا وقال بملامح حادة

                " من قتلوا والدتك وكانوا يريدون قتلك بعدها دون رحمة "

                قلت بعد صمت أجمع فيه أفكاري " إذا ثمة من قتلها ذاك اليوم الذي سمعت

                فيه صرختها الوحيدة والأخيرة لتختفيا كليكما بعدها "

                قال ونظره لازال أرضا " نعم قتلوها وأبعدتهم قبل أن يقتلوك أنتي أيضا ولم

                أكن أعلم أنني سلمتك لمن هم أقسى منهم , من قتلوك ببطء لسنوات طوال "

                مددت يدي ورفعت وجهه إليا من ذقنه وقلت ونظري في عينيه

                " لما تخفي وجهك عني في هذا الموضوع , أبي ما الذي حدث في الماضي "

                أمسك يدي قبلها ودسها في حضنه وقال " لقد قتلت ثلاثة منهم لأنهم قتلوها

                وكانوا ينون قتلك يومها لذلك حاكموني عسكريا وسجنت لسنوات ثم خرجت

                لأكتشف أنك كنتي في سجن أسوأ من سجني فانتقمت لك ممن عذبوك تلك

                السنين ... خالك وزوجته , ليذوقوا البرد والجوع والحزن كما فعلوا بك

                كنت أنوي فقط أن أضعهما تحت خط الفقر ليقاسيا ما قاسيته ولكنهما تهورا

                ووصلا لما هما فيه الان "

                ثم دس يدي في حضنه أكثر وقال " لا أريد أن تكرهيني يا قمر وتريني مجرما

                أنتي عيناي التي أرى بهما أنتي سنين سجني أنتي الحياة المتبقية لي في هذا الكون "

                حضنته وقلت ببكاء " بل سأقطع لسان من يقول عنك أنك مجرم فكم انتظرتك

                ووالدتي لسنين طويلة حتى وأنا في منزل عمتي وما كنت لأصدق أن تموتا معا

                بتلك الطريقة , كم ناديتكم وكم ترجيتكم أن تنقدوني من البرد والضرب ومنهما "

                مسح على ظهري بحنان وقال " ها قد عانوا كما عانيت وأكثر وانتقم الله لك

                منهم معي وأقسم أن أدمر كل من يتسبب في سكب دمعة من عينيك الغاليتين

                كما قتلت لأجلك سأقتل واسجن حتى ينتهي عمري "

                ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقلت بعينان تمتلئ بالدموع مجددا " قتلتهم كلهم !! "

                مسح الدموع العالقة في رموشي بطرف أصابعه الكبيرة وقال بابتسامة حزينة

                " لا تخافي حبيبتي لم أقتله "

                شهقت شهقة صغيرة فحضنني وقال " ما كنت سأتوانى عن فعلها لحظة لولا

                خفت أن تحزني على ذاك المجرم , أقسم لو أنك فقدت حياتك يومها لقتلته دون

                تراجع وما من شيء ينقده مني حتى هذه اللحظة إلا خوفي من غضبك بنيتي

                فأعطني الإشارة فقط وسأجعله يزحف على الأرض لا يستطيع المشي لا على

                قدميه ولا يديه "

                ابتعدت عنه وهززت رأسي بلا فابتسم وقال " إذا أعفوا عنه لأجلك فقط "

                هززت رأسي بنعم ودموعي تنزل من عيناي ثم قلت بعبرة

                " هوا وحده المعنى الجميل لتلك الطفولة البائسة وثمة حساب كان بيننا وصفاه

                مني وانتهى الأمر , لن يكون جزئا من حياتي ولكن لا تؤذيه "

                مسح بكفه على خدي وقال

                " حسنا فقط أوقفي هذه الدموع لن أؤديه ولكن حسابه عليه دفعه "

                ثم أخرج لي جريدة من داخل معطفه الخريفي وقال بابتسامة

                " هذه ممنوعة هنا ولست من محبي قراءة الصحف ولكني أردت أن تريها "

                فتحها على صفحة محددة ومدها لي فكانت مقالة بعنوان ( مذكرات زوجة كاتب )

                قرأت أول سطورها ثم نظرت له بصدمة وقلت " مذكراتي !! "

                قال " نعم تنزل للقراء تباعا مرتين شهريا ومنذ تسع أشهر وسنكشف عن

                اسمه قريبا وسينال عقابا بسيطا يستحقه "

                أمسكت يده وقلت " لا يا أبي لا تفعلها "

                تنهد بضيق وقال " قمر حتى متى ستحبين ذاك النكرة ؟ أقسم لولا حبك له ما

                زوجتك به منذ البداية ليس لشيء في خلقه ولكن لأنه من شهد مأساتك ولم يخرجك

                منها ولم أكن أعرف أنه سيفعل بك كل هذا لكان طال النجوم قبل أن يطالك "

                قالت برجاء " أخبرتك أن ثمة حساب كان بيننا وتصافينا فيه وكما عاقبت

                من اذوني في طفولتي فابتعد عنه لأنه وحده من لم يؤذني فيها فمن يديه كنت

                اكل الحلوى وقت افتقدتها لسنوات ولم يعطيها لي أحد ومنه تعلمت الكتابة

                والقراءة حين حرموني من المدرسة , وحده كان يستمع لي دون أن يشتمني

                ووحده من كان لا يضربني ذاك الوقت , رائد انتهى من حياتي يا أبي فمهما

                عانيت وطال بي الوقت لنسيانه فسأهجر حبه لكن لا تؤذيه من أجلي أرجوك "

                جمع شعري خلف ظهري وهوا يقول

                " كما تريدين يا قمر سأبتعد عنه فقط من أجلك "

                ثم غير جلسته حتى أصبح ورائي وجمع شعري بين يديه وقال وهوا يضفره

                " حينما كنتي طفلة كنتي تقولين لوالدتك رحمها الله وهي تسرح لك شعرك

                : أريد حين أكبر أن يصبح ضفيرة طويلة , فقالت : وأنا سأضفرها لك

                فقلتي معترضة : بل والدي يفعل ذلك , فقالت بتحدي : بل أنا فأنا والدتك

                فتراهنا ذاك اليوم كل واحد منا يتحدى الاخر أنه من سيفعلها أولا , كم كنتي

                تحبين الشعر الطويل المضفر حتى أنك تقفزين كلما رأيت واحدة في التلفاز

                بشعر ضفيرته طويلة "

                أنهى ضفره ودموعي تنسكب بغزارة , ما أجملها من هدية هذه التي قدمت

                إلي .... والد فكم حلمت بواحد منهما , من يراه وهيئته ككبار ضباط الجيش لا

                يصدق أنه من يضفر لي شعري الان بحب ورفق وحنان , مسحت دموعي

                والتفتت إليه وقلت بابتسامة " وها أنت كسبت ذاك الرهان "

                تم أمسكت يده وقبلتها ووقفت على ركبتاي وقبلت جبينه ثم نمت في حضنه كطفلة

                تبحث عن حنان الأبوين مجتمعا فيه , كليلة صيفية هجرتها النجوم لتجد في قلب

                سماءها ضوء القمر , من قال أن الأماني المستحيلة لا تتحقق , من قال أن ما ضاع

                منك لا يمكن أن يعود , وبقينا على ذاك الحال لوقت أنام في حضنه الدافئ ويده

                تمسح على شعري برفق ثم أبعدني ووقف لبس نظارته وقال وهوا يعدل شاله على

                وجهه " عليا المغادرة الان بنيتي وسأعود في وقت اخر "

                رفعت رأسي ونظرت إليه وقلت بحزن " وبعد كم من الشهور ستعود ؟؟ "

                وضع يده على رأسي ولعب بغرتي بين أصابعه وقال

                " عليا حمايتك منا يا قمر حتى نجد لهذا حلا "

                قلت وعيناي معلقتان به " وحتى متى سأبقى هنا أنا خائفة من هذا المكان الممرضون

                والأطباء والحرس كلهم رجال كيف تؤمن عليا معهم "

                قال بحزم " هل ضايقك أحد ؟ "

                قلت وقد سافرت بنظري أرضا " وهل سننتظر حتى ذاك الوقت في النهاية هم

                رجال وأنا امرأة وحدي ووحيدة هنا "

                قال وهوا يمسك كتفي بيده " سنجتمع وعمتك وزوجها ونناقش الأمر فكما ترين

                يا قمر أنا الان أشكل خطرا كبيرا عليك حتى أني أزورك متنكرا حتى عن الجهاز

                الأمني لأني لا أتق في أحد ولا حتى هم , حتى تقع الخلية الجاسوسية في الشرك "

                نظرت له وقلت " وحتى متى ؟؟ "

                قال " لا اعلم ولا يمكنني تحديد ذلك سنتناقش في الأمر حبيبتي لا تقلقي

                وسأخرجك من هنا مادمت لا تريدين البقاء فمعك حق كيف أؤمن رجال

                على قمر مثلك مهما كانوا مهددين لأهمية المكان عسكريا "

                تم أخد الجريدة من على السرير وهم بالخروج فقلت " أبي "

                التفت إليا فقلت برجاء " لا تتأخر عني كثيرا سأشتاق إليك "

                هز رأسه بنعم فقلت " وأترك لي الجريدة أتسلى بها فلا توجد حتى

                هواتف كل شيء ممنوع هنا "

                اقترب ووضعها في حجري وقال " خبئيها جيدا حسنا "

                هززت رأسي بنعم مبتسمة له فمسح على شعري ووجهي بحنان وغادر

                فناديته مجددا فالتفت لي من فوره فرسمت له قلبا أمام وجهي مبتسمة فأزال

                الشال عن فمه وأرسل لي قبلة من شفتيه كما كنا نفعل في صغري وابتسم

                وغادر , كم احتجت إليه في حياتي وكم أنا سعيدة بعودته لي فكم قاسى هوا

                أيضا وعانا وقد ضاعت سنين عمره مثلي في الهم والحرمان فقد فرقتنا هموم

                الدنيا ومواجعها وهي من جمعتنا أيضا ولا اعلم متى ستتركنا لنجتمع للأبد

                تنهدت بضيق ثم فتحت الجريدة أقلبها لا شيء جديد في هذه البلاد لم تتحرك

                من مكانها , وصلت حيث العمود المخصص لمذكراتي , يبدوا شارفت للنهاية

                قرأت اسطر منها أسترجع تلك الذكرى المريرة




                يتبع

                تعليق

                • أسير في حب عبير
                  عـضـو فعال
                  • Mar 2015
                  • 127

                  #38
                  رد: منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)

                  ( كان من الممكن أن أتجاوز

                  ألم الماضي لو لم تكن مؤنسي.. و مدرستي ... كما لو لم أرى فيك منقذي من

                  تعاستي.. ومخلفات الذكريات ... كنت أستطيع أن أتجاوز وجعي ورعبي ولكن

                  رأيتك حاضري.. تشبثت بكل ما يجيش في صدري نحوك وكنت أعلم أنه من

                  المستحيل رؤية بعضنا ولو بالصدف... ولكن ها نحن معا ... لم أصحو بعد

                  من سكرة حلمي ... ويبدو أنني لن أفيق حتى أهوي على رأسي من شدة وجع

                  الواقع..فأنت لم تتوانى عن صفع قلبي بكل الطرق ...
                  ... وها قد تاهت بي معالم حكايتي معه حتى شارف قلبي على التوقف وعمري عن المضي وعقارب

                  حياتي عن الدوران , قريبا أموت يا رائد وأنت تبتعد عني أكثر وترميني

                  للمجهول للبعد عنك لحرماني حتى من قسوتك لأموت وحيدة وبعيدة , لما

                  حرمتني من أن تكون اخر من يشيع جثماني مثلما كنت أول من كتب خطوط

                  نهايتي وأول من مزق سنيني وعبث بتاريخ عمري وأول من رقص على

                  نهاية نبضاتي , كم قسوت على نفسي حين بحثت عنك فيك وعني لديك عن

                  الفرح في بلاد التعاسة وعن الحياة في حضن الموت وعن الرحمة في قلب

                  لم يعرف غير القسوة والظلم , كم كنت غبية وكم كنت حالمة وموهومة

                  واكتشفت أني كمن يبحث عن الدفء في حضن الجليد لتنتهي حكايتي معك

                  يا رائد كما خططت لها أنت تعيسة ومريرة وحزينة كما تريد أنت وليس

                  كما تمنيت أنا )

                  أبعدت نظري عنها وهززت رأسي لأبعد عنه كل تلك الذكريات , مؤكد أن

                  رائد الان يرى أنه أخذ بحقه مني وأني أستحق ما أصابني , كان يعلم أني

                  ضوء القمر ويخفيه عني وأنا من تنتظر أن يتذكرني وهوا لم ينسني وكل تلك

                  المعاملة السيئة كانت بسبب ما فعلته في الماضي وأنا من غبائي أفكر كيف

                  سأشرح له الأمر ليفهمني ويعفوا عني , نزلت من عيني دمعة مسحتها وقلت

                  بحزن " عليك نسيانه يا قمر فهذه المرة الثانية التي يضرب فيها قلبك زلزال بسببه "

                  ثم تنهدت بأسى وشغلت نفسي بتقليب باقي أوراق الجريدة حتى وصلت

                  عند مقال تحت عنوان ( إحدى متاهات المنذر الجديدة ) نزلت بعدها للمقال

                  أقرأه فكان يتحدث عن رائد المنذر لتحوله من المقال الأدبي والنقدي للشعر

                  بعد انقطاع غريب وفهمت منه أنه لم يكتب لأشهر ومختفي تماما عن الجميع

                  ليخرج بقصيدة احتلت مواقع محبيه وهزت بعض الصحف للتغيير المفاجئ

                  رغم ميوله الدائم للمجال الأدبي إلا أنه لم يكتب قصائد شعرية قبلا ولم يتحدث

                  عن حبه للشعر أو كتابته له فأعده الجميع تغيرا لميوله الأدبي , بالفعل معهم حق

                  هذا تغير عجيب رغم معرفتي أنه كان يكتب الشعر فاجأني أن يضع قصيدة

                  في الجريدة لابد وأنها جارحة كتلك التي رماني بها يوم الرحلة للبحر , وصلت

                  لاخر المقال فكانوا يعرضونها وما أن وصلت لها بنظري حتى سمعت حينها

                  طرقات خفيفة على الباب وفتح قليلا وتحمحم من خلفه خبأت الجريدة وبقي

                  من ورائه في الخرج ولم يدخل مؤكد الطبيب هذه عادتهم , لبست حجابي

                  وقلت " تفضل "

                  دخل مبتسما وقال " صباح الخير أراك أفضل اليوم "

                  قلت بابتسامة " نعم جاءتني زيارة ما أروعها "

                  اقترب مني وأخرج شيئا من جيبه فقلت بتذمر " حرارتي ليست مرتفعه

                  أبعده ولا تقل أنك ستقيس ضغطي ونبضي أيضا لقد سئمت منكم "

                  ضحك وقال " في وجهي تقولينها ! هيا علينا تدوين كل الملاحظات

                  يوميا هذا ضروري "

                  أخذته منه وقلت بضيق " أعطني إياها وسأسجلها لك دون عناء , لقد بث أحفظها من كثرة ما قرأتها ذات النتيجة يوميا "

                  وضعته تحت لساني وضحك وقال وهوا ينظر لجهاز قياس الضغط أمامه

                  " هل تكرهيننا لهذا الحد "

                  قلت مستاءة " نعم وإن أحضرتم الطبيب النفسي كما تريدون فسأهرب من هنا "

                  قال مبتسما وعينيه على المقياس " لقد أنقده الله منك إذا "

                  أخرجت المقياس من فمي وأخذت منه الدفتر دونت الدرجة بنفسي ورميته له

                  وقلت بضيق " أين أنا من هذه البلاد ولما كل شيء ممنوع .... أريحوني "

                  قال وهوا يزيل الجهاز عن ذراعي " أنتي في الجناح السري من المستشفى

                  العسكري يا قمر وحتى نحن الأطباء والحرس في الخارج لا نعلم سوى اسمك

                  الأول فلن يفيدك أي منا بجواب "

                  تأففت وقلت " إن كانت لك ابنة هل كنت ترضى لها هكذا تنقطع عن كل شيء "

                  ضحك وقال " محاولة جيدة , بلى لدي ابنتان ولمصلحتهما أفعل أي شيء "

                  نظرت له بنصف عين وقلت " أقسم انك طبيب نفسي وأنك تعرف عني الكثير "

                  اكتفى بالابتسام في صمت فقلت " هل لي بطلب واحد فقط وبسيط جدا "

                  نظر لي باهتمام وقال " طلب مني أنا ! لكن القوانين صارمة لا تطلبي شيئا أعاقب عليه حسنا "

                  قلت وأنا أهز رأسي بلا " لن أطلب شيئا مؤديا هوا ممنوع لكن أريده

                  هاتف فقط لأتحدث مع عمتي قليلا .... أقسم لك "

                  تنهد وعدل من وقوفه حاملا أجهزته وقال " صحيح أني درست علم النفس

                  لكني لست متخصصا فيه بل أنا حقا طبيب عضوي وأنا بالفعل لا أعرف عنك

                  غير اسمك وأنك هنا لحمايتك وأن والدك ذو مركز كبير في هذا المكان لكن

                  من يكون لا أعلم , وأن أحضر لك شيئا ممنوعا ستكون مغامرة قد أفقد

                  فيها النطق والمشي وليس وضيفتي فقط "

                  قلت بتذمر " يا لكم من متحجرين كيف تكونون أطباء "

                  لم يعلق على كلامي سوى بالابتسام كعادته ثم هم بالخروج فوقف بجانب

                  الباب ونزع ورق التقويم اليومي وقال " هذا اليوم مضى لما لا تزيلينهم ؟ "

                  قلت بضيق " أتركهم حتى يصبحوا عشرة وأزيلهم معا كي أشعر

                  أني تقدمت للأمام كثيرا "

                  قال بابتسامة " فكرة جيدة للعيش في الماضي وليس للذهاب للمستقبل "

                  ثم خرج وتركني وحدي لوحدتي , هكذا انتم أطباء النفس ليس لديكم سوى التحليلات

                  السخيفة , أخرجت الجريدة وفتحتها على المقال المدرج فيه القصيدة من أجل أن

                  يقدموها للقارئ بعد موشح تحليلها طبعا وكانت

                  ....

                  خذيني إليك

                  خذيني بحزني لفرحتي مني خذيني إليك

                  لا ترحلي مثل الرحيل

                  مثل الأماني عانقت عطري النحيل

                  وتناثر في مقلتي ثم اختفت في مقلتيك


                  * * *


                  مني إليك

                  تحتار أشيائي لكي مني تسابقني إليك

                  حتى ملامح غرفتي

                  كتبي وعطر حقيبتي

                  قداحتي صندوق أقلامي وعلبة ساعتي

                  حتى مفاتيحي رثت كفيك


                  * * *


                  ويزيد شوقي إليك

                  ويزيد كم شوقي يزيد إليك

                  كنسائم الليل الحزين

                  كالهمس في نبرات نجوى العاشقين

                  كقصائدي ودفاتري

                  تحتار كيف تموت بين يديك


                  * * *


                  ومني إليك

                  كل المشاعر تشتكي مني لقلبي إليك

                  حتى نسائم شرفتي

                  تركتني ألعن وحدتي

                  بل ضحكتي رحلت وأخذت بسمتي

                  هل تسمعي

                  أحبيبتي ومليكتي

                  ضمي تفاصيلي خذيني إليك........ (من أجلك قمري )


                  يتبع

                  تعليق

                  • أسير في حب عبير
                    عـضـو فعال
                    • Mar 2015
                    • 127

                    #39
                    رد: منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)

                    بقيت أنظر لها مطولا وأنفاسي تتغير ودقات قلبي تضطرب , ترى ما

                    يعني بكل ما كتبه ؟ يبدوا لا يعلم أنني هنا ولكن كيف سيعلم وهذا المكان

                    سري, ترى ما حدث بعد أن فقدت وعيي يومها ! هوا موقن أنني من

                    خدعته فلما يكتب هذا أم انه من أجل أخرى ! ولكن من تكون وهذا اسمي

                    في الإهداء , هذه الجريدة مر على صدورها أسبوعين ولا اعلم كم مضى

                    على نشرها في جريدتها الأساسية ؟ أنا حقا لا أفهم شيئا




                    وبقيت على ذات الحال والروتين أسبوعا اخرا حتى طرق أحدهم الباب

                    في غير وقتهم المعتاد فعلمت أنها وأخيرا زيارة لي فبقيت أنظر بلهفة حتى

                    انفتح ببطء ودخلت عمتي التي اتجهت فورا مسرعة اتجاهي واحتضنتني

                    بحب ثم يليها زوجها ووالدي , كنت أحتضنهم وأبكي شوقا وفقدا ومللا من

                    هذه الوحدة وهم يحاولون تهدئتي حتى قال والدي " قمر لما البكاء هكذا

                    سنخرجك من هنا كما طلبتي "

                    قلت بابتسامة حزينة " حقا ... وأخيرا سأغادر السجن "

                    ضحك وقال " لو سمعوك المساجين لبكوا على حالهم "

                    قلت بسرور " هل سأخرج معكم ؟ هيا لا أريد البقاء لحظة بعد "

                    نظروا لبعضهم في صمت فقلت بقلق " ماذا هناك ألن أخرج !! "

                    قال والدي ونظره على أصابعه المشتبكة ببعضها وهما يجلسان أمامي وعمتي

                    بجانبي " قمر لا يمكنني أخدك معي لا أنا ولا حتى عمتك فقد أصبحت خطرا كذلك "

                    نظرت لهم وأحدا وأحدا وقلت باستغراب " لم أفهم كيف لا تستطيعون أخذي ! "

                    نظر لي وقال " حياتي عرضة للخطر حتى نمسكهم وإن علموا بك ستفقدين

                    حياتك في أقرب فرصة ولن أخاطر بك ماداموا لم يعلموا بوجودك فبعد أن قتلت

                    أولائك الثلاثة الذين كانوا المشتبه بهم الوحيدين وهم من الجهاز الأمني في البلاد

                    سلمت نفسي بمحض إرادتي حيث أنه وبحكم مركزي حينها كان يمكنني قتلهم

                    دون أن يحاسبني أحد لكني سلمتهم نفسي والأدلة على قتلهم لوالدتك ومحاولة

                    قتلي وحتى قتلك فحكموا عليا بالسجن عسكريا لأني في نظر القانون أمثل جزء

                    من القانون في البلاد وأنهم الدليل الوحيد لدينا حينها لفك تلك الخلية فأخذوا بعين

                    الاعتبار مركزي وأسبابي وتسليمي لنفسي لكني لم أنجو من السجن وحدها

                    وضيفتي ورتبتي اللذان لم أخسرهم في المحاكمة العسكرية التي خضعت لها

                    لأخذهم تلك الأسباب بعين الاعتبار وبعد خروجي من السجن العسكري بقيت

                    أراقبك من بعيد ولم يعلم أحد بخروجي سوى زوج عمتك ورغم حماية الجهاز

                    الأمني لي إلا أنني لازلت على خطر وقد حاولوا قتلي مرارا لعلمهم ما أصبوا

                    إليه وما فعلته ببعض أعضائهم سابقا وضنهم أني على علم بمن يكونون

                    وعندما قررت تسليم نفسي تحدثت مع خالك ليأخذك عنده حتى أخرج

                    من السجن لأن عمتك كانت في الخارج ولا صلة لي بها ووحدهم أقاربك

                    ولم أعلم أني بذلك سلمتك للشيطان وزوجته ولكن قضاء الله خير دائما فهم

                    سجنوك وحجبوك عن العالم كله فحموك منهم دون علمهم , لذلك لا يمكنني

                    أخذك معي حاليا وحتى الله أعلم متى , هذا إن نجوت منهم , وعمتك بعد

                    استقبالها لي أصبحت خطرا عليك كما عليها السفر قريبا وأنتي لا يمكن

                    إخراجك من البلاد في الوقت الحالي وعلى عمتك الابتعاد في كل الحالات

                    تحسبا لأي مشكلة قد تودي بحياتها وعائلتها "

                    هززت رأسي بعدم استيعاب وقلت ودموعي تملا عيناي

                    " ما معنى هذا ؟ هل أصبحت بدون أهل وليس لي مكان أخرج لأذهب إليه "

                    مد يده لوجهي ماسحا على خدي وقال بهدوء " من أجلك قمر , لا أريد أن

                    أخسرك أنتي أيضا ولا يمكنني وضعك في منزل لوحدك حتى بالحراسة لا أؤمن عليك ولا من الحرس وأنتي امرأة ووحيدة "

                    أمسكت يده وقلت ببكاء " من بقي لي أذهب إليه ؟ لماذا يحدث معي هذا

                    وهل سأبقى هنا كل عمري "

                    تنهد بضيق وقال " بقي زوجك ولكني لا أريد أن أرجعك إليه وعلينا البحث عن

                    خيار غيره خصوصا أنه بدأ يبحث عنك في كل مكان وسيكشف أمرك بسبب تهوره

                    أرسلت له تهديدا ليتوقف عن التهور لكنه لم يكترث لي فوجهت له خطابا خطيا

                    أننا سنسجنه ليتوقف عن ذلك وجنونه لم ينتهي لذلك اتصلت به بنفسي لأخبره أنه

                    يعرض حياتك للخطر بما يصنع وأني إن أرسلت أمرا بالقبض عليه فسيرى عذابا

                    لن يتحمله , ليقتنع بما نأمره به فكان كلامه كله إصرار على مقابلتك ومعرفة مكانك

                    ولم يتراجع إلا حين أخبرته أنه بهذا سيحرم نفسه أيضا منك وسيصبح مصدر خطر

                    عليك كما نحن الان عندها فقط لانت كلماته قليلا , ولكني أخبرته بالحرف الواحد

                    أنك لم تسألي عنه ولم يعد يعنيك ولم تطلبي أن يزورك وأن عليه نسيانك لأنه لم

                    يستحقك أبدا فانا لم أنفد ما هددته به فقط من أجل وعدي لك أن ابتعد عنه لكن أن

                    يهدد حياتك بالخطر لن أرضا بها أبدا "

                    قلت بعينان دامعتان " لا أريد العودة إليه لا أريد "

                    قال مطمئننا " لن تعودي إليه حبيبتي ولن يقترب منك لا تحزني ولا تخافي "

                    مسحت عيناي وقلت " والحل الان أنا لا أريد البقاء هنا أبدا ولا يوما اخر "

                    حك جفنه تحت عينه وقال " زوج عمتك اقترح أن يقطع دراسته ويبقي ومؤمن

                    هنا لتبقي معهم لكن يبقي الوضع غير امن , فكرت لو لدينا من نتق في حمايته

                    لك من البعض فقط لأن الباقي ستتكفل به المراقبة المكثفة حولك "

                    قلت مقاطعة له " كيف من البعض لم أفهم ؟ "

                    تنهد وقال " زوجك مثلا أو أي رجل من طرفه قد يكون خطرا عليك , لدي

                    أصدقاء موثوق بهم لكنهم يتبعون للجيش والأجهزة الأمنية فلن يجدي الأمر

                    عمتك تقترح صديقة لها ابنها ضابط في الشرطة , الفكرة جيدة لكن المشكلة

                    أن تبقي وإياه في منزلهم , هم غرب عنك ووالدته تعمل لساعات طويلة خارج

                    المنزل وقد يعلم زوجك ويسبب لنا فضيحة "

                    قلت باستغراب " وما دخل رائد في كل هذه الأمور ! لما يبحث عني ولما

                    سيلحقني ويتسبب لي بالمشكلات !! "

                    قال بضيق " يبدوا كبرت في قلبه فجأة وبعد أن شيع جثمانك تذكر أنك شيء يؤول

                    إليه , أقسم لولا طلبك مني تركه لعرفت كيف أجعله يبتعد عن طريقك وبالقوة "

                    قلت بتشتت " أشعر أنني في شيء لا أفهم منه شيئا "

                    قالت عمتي ممسكة لكتفي " قمر حبيبتي علينا أن نتفق علي مكان يكون امن لك

                    لا يمد لنا بصلة ويمكن لصاحبه حمايتك حتى من زوجك فنحن لا نعلم ما ينوي

                    عليه ولما يبحث عنك ويصر عليك هكذا , المشكلة لا أصدقاء مقربين لك "

                    ثم وضعت يدها علي حقيبتها وقالت " اه كدت أنسي "

                    ثم قالت وهي تخرج ورقة منها

                    " هذه أرسلتها لك نوران وقالت أنه عليك قراءتها سريعا "

                    أخذتها منها في حيرة من أمر إرسالها لي فتحتها فكان فيها (( قمر شقيقتي الحبيبة

                    التي لم تلدها لي والدتي , لا أعرف من أين ابتدئ ولا كيف أشرح لك موقفي ولا

                    كيف أصوغ الكلمات بحيث أستشعر غفرانك لي , قمر أنا من أخذت أجزاء منازل

                    القمر كما تعلمي ولكن مالا تعلميه أني أخذتهم لرائد حينها وعلي دفعات لأكفر عن

                    خطأ قديم في حقك وهوا أني أنا من دللت شقيقته عليك ودون قصد مني أو علم

                    بمن تكون وما تنوي ولكنك فاجأتني يوم اكتشفت أن المذكرة بدأت تختفي

                    أوراقها وخبأت الباقي عني وما لم تكوني تعلميه أن باقي أوراقها لدي رائد

                    لذلك اعترضت علي موافقتك الزواج منه لكي لا ينتقم منك عن ذاك الماضي

                    ويوم أخبرتني أنه علم منك عن كل شيء وتصافيتما صدقت ذلك وسعدت أني

                    تخلصت من عقدة الذنب أخيرا , ولم أكن أعلم أني سلمتك للموت بيدي

                    قمر سامحيني أقسم لم يكن قصدي أذيتك وكنت أود أن اتي لك بنفسي واشرح

                    أسبابي واعتذر ولكنهم منعوني من الذهاب معهم لأن والدتي ذهبت معهم

                    مكرهين فذهابي سيكون مستحيلا , قمر سامحيني أرجوك , أحبك.... نوران )
                    ‏‎
                    ‎قبضت على الورقة في يدي بقوة ودخلت في نوبة بكاء مريرة وعمتي

                    تحتضنني ووالدي وزوجها يحاولان فهم شيء مما يجري فأخذ والدي الورقة

                    مني وقرأها ثم قال بغيض ومن بين أسنانه " سحقا له كان ينتقم منك إذا "

                    ابتعدت عن حضن عمتي وقلت وأنا امسح دموعي

                    " كما أخبرتك أبي حساب قديم وتصافينا فيه ولم يعد له شيء عندي "

                    قال بغضب " بعد ماذا ؟ بعد أن أخسرك صحتك للأبد ذاك المغفل

                    لو فقط تتركيني أصفي منه حسابي يا قمر "

                    قلت بهدوء ونظري للأرض " ماضي وانتهى ولا يجدي الكلام عنه الان "

                    ثم نظرت له وقلت بجدية " لدي من سأبقى معه حتى تنتهي هذه الأزمة ووحده

                    من سأكون لديه بخير ومن سيمنع حتى رائد عني "

                    قال والدي بهدوء " قمر تعرضك للضغوط النفسية مجددا سيكون خطرا كبيرا لن

                    تنجي منه هذه المرة بنيتي , وأنتي أدرى بحالتك الصحية الان فلا نريد المجازفة "

                    قلت بابتسامة حزينة " لا تقلق يا أبي ما كان كان وانتهى ولن أرى أسوء منه

                    سأخرج عن سلطته ولن يفعل شيئا تأكد "

                    تنهد وقال " لولا خوفي عليك لرفعت قضية طلاق وزوجتك بغيره ليحميك

                    ولكن القضية ستكشف اسمك كاملا وإجباره على ذلك بالقوة أمر لن توافقيني

                    على فعله لفصلت جلده عن عظمه حتى يطلقك "

                    قلت وأصابعي تعبث بطرف اللحاف

                    " فلنخرج من هذه المشكلة أولا وتعود إلي ثم لكل حادث حديث "

                    ثم نظرت له بعينان دامعتان وقلت وأنا أمد يداي له

                    " والدي لا تمت كن بخير لأجلي أرجوك "

                    عانقني وقال مطبطبا على ظهري " لا تقلقي حبيبتي مسألة وقت , أنتي أخبريني

                    فقط عن المكان الذي تودين الذهاب إليه لنجري جميع الاحتياطات الأمنية فحتى

                    من سيحمونك هناك لن يعلموا من تكونين "





                    وهنا كانت نهاية فصلنا الجديد


                    أين ستكون قمر في محمى حتى عن رائد وما سيكون المكان الذي اختارته

                    كيف سيصل لها رائد وكيف سيعلم بمكانها بل كيف سيعيدها لحضنه مجددا

                    وهل سيجد الغفران عند قمر ووالدها وما الخيارات التي ستكون أمامه

                    الفصل القادم سيجيب عن كل هذا وسيحمل لكم في طياته الكثير


                    فصلنا القادم لرائد والنقلة الجديدة في القصة ستبدأ من عنده

                    تعليق

                    • أسير في حب عبير
                      عـضـو فعال
                      • Mar 2015
                      • 127

                      #40
                      رد: منازل القمر للكاتبة:برد المشاعر(كاملةة)

                      الفصل السادس و العشرون






                      خمس شهور مرت أبحث عنها كالتائه وكمن يبحث عن قشة في كومة ثبن وبل

                      أكوام , كل هذا وهي هنا في هذه البلاد فماذا لو كانت خارجها !! لكنهم يخفونها

                      بشكل غريب فلو كانت في دهليز تحت الأرض لوجدتها حتى أني وصلت لمرحلة

                      شككت أن معلومات حيدر غير موثوق بها , حتى وصلني تهديد بإيقاف البحث

                      عنها لأتأكد أنها بالفعل موجودة وأن من يخفيها يبدوا والدها وكما قال حيدر هوا

                      يواجه خطرا ويخاف أن تطالها الأيدي , لكن لما سأصبح أنا أيضا أشكل خطرا

                      عليها ؟ هل يعني سيعرفون بوجودها من خلالي أم سيعرفون أن لي صلة بها

                      فبذلك لن استطيع استردادها , يبدوا أنه يخدعني فهل سيرضى بأن ترجع إلي

                      وهوا يطلب مني تطليقها بدون استخدام العنف , هذا الرجل يهدي بالتأكيد فلن

                      أطلقها ولو مت تحت التعذيب , لو أني فقط أصل إليها وأين تكون فلا صبر

                      لدي على بعدها فعشرة أشهر مرت حتى الان وكأنها عشر دهور لجأت حتى

                      لكتابة قصيدة لها لعلها تقرأها وتفهم ما في قلبي اتجاهها وأنه عكس ما تعتقد

                      ولا أعلم حتى إن وصلت إليها أم لا ولا أعتقد أن والدها سيسمح بذلك

                      تنهدت بضيق وتأففت مطولا لتعود لي نوبة السعال الكريهة مجددا ثم وقفت

                      لأعد شيئا اكله فسمعت طرقا على الباب فخرجت له وفتحت فكان أسعد غمز

                      لي بعينه وابتسم قائلا " أمازلت على قيد الحياة ؟ "

                      قلت بابتسامة داخلا قبله " وهل تنتظر موتي أم ماذا "

                      قال وهوا يغلق الباب ويتبعني

                      " بل أنتظر قراراتك الجديدة , أخبرني كيف أنت ؟ "

                      قلت متوجها للمطبخ " كما تعرفني لا جديد "

                      قال وهوا يشغل التلفاز " ألا جديد بعد ؟؟ "

                      خرجت بأكواب الشاي وضعتها على الطاولة وقلت " لو كان ثمة جديد لوجدته "

                      قال ضاحكا " نعم ولكني أعني شيء غير ملموس , مثلا معلومات أو أخبار "

                      جلست وقلت " لا شيء من كل هذا ولكن لن تختفي كل العمر لابد وأن

                      تظهر , وهي زوجتي في كل الأحوال "

                      قال بهدوء " أستغرب هذا ! كيف اختفت منك فجئه ولا تعلم !! "

                      اتكأت على مسند الأريكة وقلت وأنا أقلب المحطات " قصة طويلة وشخصية "

                      نظر من حوله وقال بتساؤل " لما تجمع الأثاث هل ستغادر ؟؟ "

                      قلت ببرود " نعم سأعيش في العاصمة , سأبيع منزلي وحصتي من

                      منزل والدي وأشتري منزلا هناك "

                      نظر لي مطولا بصمت ثم قال " غريب هذا القرار لما تريد الانتقال "

                      قلت وأنا أرشف الشاي " لأغير من مظهر حياتي القديم , كل شيء يمد

                      لذاك الزمن بصلة عليه أن يتغير قبل أن أجد قمر "

                      ضحك وقال " تجهز لها عالما جديدا يالا التغير الغير معهود في شخصيتك "

                      قلت بابتسامة جانبية " وأغير الجديد أيضا إن أحبت هي ذلك "

                      عاد للضحك مجددا وقال " جدها أولا ثم غير المنازل "

                      نظرت له بضيق وقلت " يبدوا أنك تشعر بالملل أو تشاجرت

                      وزوجتك وجئت لترفه عن نفسك عندي "

                      أخد الوسادة رماني بها وقال وهوا يقف " متى ستنشر كتابك "

                      نظرت للكوب في يدي وقلت " لا أعلم ... قد يكون قريبا "

                      ثم قلت وأنا أخرج سيجارة وأضعها في فمي وأشعلها

                      " لما وقفت ؟ هل ستغادر سريعا هكذا "

                      تنهد وقال " رائد هذا السم يقتلك أكثر , أنت تعلم أن حالتك الصحية لا تستحمل كثرة التدخين "

                      رشفت وأخرجت الدخان من فمي ثم سعلت قليل وقلت

                      " ذهبت للطبيب ولم أجني نتيجة فارحموني من هذه المقولة "

                      قال بضيق " وما الفائدة إن لم تلتزم بالعلاج وتوقف هذا السم

                      رائد كيف تغير المنزل وتنسى نفسك "

                      أطفأتها في المطفئة وقلت " ها قد تخلصت منها وانتهى الأمر "

                      قال مغادرا " تخلص من العلبة كلها بل وأخرجها من

                      حياتك أولا ثم قل تخلصت منها "

                      مررت أصابعي في شعري أرفعه للخلف ثم غادرت المنزل وزرت المكتبة

                      ثم السوق وعدت سريعا لأغرق في كتبي فلا شيء غيرها يسليني بعدما أوقفت

                      مهمة البحث التي كانت تأخذ كل وقتي ويبدوا عليا العودة لذلك مجددا لأن هذا

                      الحال لا يعجبني ولن أرجعها لو بقيت جالسا مكاني هكذا , عند المساء وردني

                      اتصال من حيدر فأجبت في الفور قائلا " هل وجدت شيئا ؟؟ "

                      ضحك وقال " ألا أتصل لغير هذا ! أنا شقيقك ولست جهة حكومية لا أتصل إلا لغرض "

                      قلت بتذمر " حيدر قل ما لديك وكف عن السخرية "

                      قال ضاحكا " لدي شيء ولكن لنتقابل أولا لا ينفع ذلك في الهاتف "

                      قلت " حسنا أنتظرك , أمازلت هنا ؟ "

                      قال " لا عدت للعاصمة نتقابل عند جدتي لأني ذاهب إليها "

                      قلت ببرود " ولما تبعد الطريق عني هكذا ثم أنت تعرفها لا تطيقني في الأرض خصوصا بعد حكاية قمر , لا أعلم كيف تحبها أكثر منا

                      وهي لم تعرفها سوى لأيام معدودة لا تذكر "

                      ضحك وقال " أنت تعرف طبع جدتي هي هكذا مع الجميع وحتى مدللها

                      مروان , فقط قمر كانت حالة شاذة عن الجميع ومن الذي يعرفها ولا

                      يحبها هي تفرض نفسها على القلوب "

                      قلت بضيق " حيدر التزم الصمت خيرا لك يبدوا لي تريد

                      مشكلة معي ومع زوجتك "

                      قال ببرود " لن تتغير أبدا وأخبرتك مرارا هذا ما سيدمر

                      حياتك معها , انتظرك هناك حسنا "

                      قلت متجاهلا كلامه " حسنا فأنا كنت سأزور زوجة والدي على أية حال

                      ولنرى إن كان ما لديك يستحق كل هذا المشوار الطويل "

                      قال ضاحكا " تعال واحكم بنفسك هيا وداعا "

                      أنهيت الاتصال ورميت بالهاتف بعيدا عني واتكأت على الأريكة أنظر لصورة

                      قمر التي رسمتها أنوار تتوسط الجدار في الصالة , أين أنتي يا قمر اخرجي

                      وارحميني من عذابي , في صباح اليوم التالي خرجت مبكرا من المنزل لأصل

                      المزرعة قبل حلول الظلام , توجهت لمدينة والدي وزرت زوجته لنتفاهم في

                      أمر المنزل ثم غادرت المدينة للمزرعة ووصلت هناك بعد العصر , دخلت

                      المنزل ووجدت خالي مروان متكأ على الأريكة ومغمضا عينيه , اقتربت منه

                      وصرخت في أذنه " مروان "

                      فقفز واقفا ثم دفعني وقال بضيق " أولا خالي مروان وثانيا متى ستتوقف

                      عن سخافاتك ثالثا من أين أتتك هذه ألحنية تزورنا فجأة "

                      جلست وقلت " أولا لن أقول خالي مادمت أعزب ثانيا لم اتي لأجلك "

                      قال بابتسامة جانبية " من أجل من إذا ؟؟ "

                      قلت بضيق " وليس سوزان , لا أريد لمشاكل الماضي معك أن تتكرر فهمت "

                      ضحك وقال وهوا يجلس" أعان الله زوجتك المفقودة على عصبيتك "

                      تأففت ونظرت للجانب الاخر وقلت " أين حيدر ؟ "

                      قال باستغراب " من حيدر !! "

                      قلت بضيق " ابن الحصان , حيدر شقيقي طبعا "

                      رفع كتفيه وقال " ليس هنا ولم يقل أنه قادم "

                      قلت بصدمة " ماذا !! هوا أخبرني أنه هنا وأننا سنلتقي في المزرعة "

                      قال بلا مبالاة " اتصل بي منذ قليل ولم يقل شيئا من هذا "

                      كيف .. ؟ هل ضحك علي ولكن لما وما مصلحته , نظرت له بتشكك وقلت

                      " لا يكون مقلبا من مقالبك فلن أفوته لك "

                      قال ببرود " ليس مقلب ومن يفعل مقلبا لواحد مثلك

                      فلست مستغنيا عن حياتي "

                      قلت بحدة " مروان كف عن قول السخافات رجاء "

                      عاد للاتكاء على الأريكة وقال واضعا ساق على الأخرى

                      " أخفض صوتك فجدتك لديها ضيفة في الأعلى "

                      قلت ببرود " لا تقل أن خالتك أو ابنتها هنا "

                      ضحك وقال " لا لا تخف هذه شيء مختلف جدا "

                      قلت باستغراب " ما تعني بمختلف !! "

                      صفر تصفيره طويلة ثم قال " لو رأيتها لجننت لا توازيها

                      سوى زوجتك المفقودة , قمر يا رائد قمر "

                      وقفت على طولي أنظر له بصدمة فابتسم ابتسامة جانبية وغمز لي بعينه فركضت

                      جهة السلالم ووقفت على الأريكة المقابلة لي وقفزت من فوقها دون أن ألجأ للدوران

                      حول المجلس للصعود وصعدت السلالم في قفزات حتى كنت في الأعلى فوجدت

                      جدتي تقف في الصالة العلوية وخلفها ..... قمر , هي بشحمها ولحمها كما عرفتها

                      دوما , هي قمر عادت للحياة من جديد بل أعادت الحياة لي مجددا , لم أتخيل يوما

                      شعور من مات وعاد للحياة من جديد لكني عشته الان وشعرت به , كنت أنظر لها

                      بشوق بحب بلهفة بشغف , كانت ترتدي بنطلون من الجينز الأزرق وكنزه شتوية

                      حمراء تصل لنصف الفخذ وشعرها الحريري ضفيرة للأمام , نظرت لي مطولا بصدمة لا تقل عن صدمتي بادئ الأمر ثم أشاحت بوجهها عني فمددت يدي ببطء

                      وقلت بهدوء " قمر تعالي "

                      قالت جدتي ملوحة بعكازها " ما الذي جاء بك أنت ولما صعدت هنا "

                      قلت ونظري على قمر ويدي تمتد لها أكثر وهي عادت تنظر لي

                      " قمر تعالي دعيني أحضنك أتحسس وجودك وأني أراك حقا

                      ولست أحلم .... هيا قمر أرجوك "

                      لم تجب وقد عادت بنظرها للجانب الاخر فقلت برجاء مكسور

                      " قمر أرجوك لا تصبحي مثلي بلا قلب لا تتحولي لقاسية وشبيهة لي "

                      لمحت دمعة تتسلل من رموشها المنسدلة للأسفل فقلت برجاء أكبر ويدي

                      لا تزال ممدودة ناحيتها " قمر تعالي لحظني أرجوك "

                      ضربت جدتي بعكازها على الأرض وقالت " رائد لن أسمح لك بإيذائها

                      مجددا ابتعد عنها فيكفيها ما خسرته بسببك , هي الان أمانة والدها لدي

                      ولن تقربها بسوء مادمت حية "

                      تجاهلتها مجددا فلست أرى الان في العالم سواها أمامي , توجهت نحوهما بخطوتين

                      واسعتين ومددت يدي لأختطفها من خلفها اختطافا ودسستها في حضني أشدها إليه

                      بقوة وقد انطلقت عبراتها ودموعها وبكائها المرير لتنسكب معها دموعي بغزارة وأنا

                      أحتضنها بقوة وأقبل رأسها ودموعي تنزل على شعرها تسقيه ماء يخرج من جوفي

                      وعبرة تفتت أضلعي ونحيبا مريرا قاتلا يخرج من صدري وأنا أقول بهمس مخنوق

                      " حبيبتي ... قمري وعذاب الليالي الطويلة بل عيناي وروحي والشوق الذي دمرني "

                      دسستها في حضني أكثر وكأني أتحسس وجودها في الحياة من جديد وأنا أقول بعبرة

                      تخنقني " قمر حبيبتي لا اصدق "

                      ابتعدت عن حضني ببطء وهي في صمتها ذاته ثم غادرت راكضة ودخلت الغرفة

                      وأغلقتها خلفها لتستل روحي وتأخذها معها , تحركت لأتوجه ناحيتها فأوقفني عكاز

                      جدتي الذي وضعته أمام صدري قائلة " توقف ... لقد سمحت لك أن تسلم عليها

                      لأني رأفت لحالك وكلماتك فعند هنا وكفى , يكفيها ما أصابها منك يا رائد , يكفي

                      أنك أخسرتها صحتها للأبد وكسرت قلبها فلن أخون ثقتها ووالدها في حمايتي لها

                      من أي شيء يضرها حتى أنت حفيدي "





                      يتبع

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...