رواية ( دموع الحقيقة ) كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • *عبير الزهور*
    V - I - P
    • Jun 2008
    • 3267

    #11
    (الفصل الثالث)

    ما أطهر هذه القلوب؛ وما أنقى سريرتها !! هكذا ردد عباس وقد أيقظه دوي الشعارات من أحلامه الرمادية ؛ وأعاده الى الواقع المرير والجميل بذات الوقت. هذا هو اليوم الذي كان ينتظره منذ زمن بعيد؛ اليوم الذي توحد به كلمة أبناء قريته بكلمة واحدة هي الحق ؛ اليوم الذي تذوب به الأحقاد والاثام ذوبا .. نعم؛ هذا هو الطريق الصائب الهادف؛ وليس كمثله طريق!!

    أسرع عباس في ارتداء ملابسه المرتبة التي لا يستخدمها الا خلال العمليات وأثناء وجوده بالجامعة ؛ وارتدى غترته ولثم وجهه قبل أن يغادر منزله بعجلة بهدف الانظمام للمسيرة السلمية التي أقامتها قريته الصغيرة _ رجالا ونساء _ قبل أن تبتعد ويتعذر عليه اللحاق بها . وأخيرا؛ استطاع الانظمام اليها وراح يردد هتافاتها الحماسية بمنتهى التأثر. ولكن؛ ولسوء حظه ؛ فقد أسرعت الدوريات بالقدوم _بسبب الوشاية_ وبدأت بتفريق المتظاهرين برمي الرصاصات الطائشة والغاز المسيل للدموع بمنتهى الوحشية والقذارة. تفرقت المسيرة ؛ وعمت الضجة بالمكان ؛ وبقي بعض الشباب المتلثمين يهيلون على سيارات الجيب الحجارة بمنتهى الشجاعة والاقدام ؛ بما فيهم عباس الذي لم ينتشله شيْ من غمرة حماسه سوى صرخة مألوفة لديه ؛ استدار على أثرها ليجد يد من تلك الأيدي القذرة وهي تجر ابنة خاله الكبرى منال عنوة لداخل الجيب.. لم يفكر بشيْ؛ لم يفكر بعواقب ما قد يفعله ؛ وعندما اندفع باتجاهها ؛ لم يفكر حتى ان كان سينجو هذه المرة أيظا أم ان الله لن يقدر له النجاة. كل ما كان يفكر فيه هو منال ؛ ابنة خاله الذي أطعمه ورباه وأحاطه بحبه وحنانه ؛ منال التي صرخت بكل قوتها انها لا تستطيع العيش من دونه قبيل رحيلها . ولم يعي لنفسه الا وهو يصرخ باسمها بقوة ؛ وكل ما يتذكره انه انهال على الجندي الأجنبي رميا بالحجارة حتى استطاع صرفه عن منال التي أخذت تركض باتجاهه كالمذعورة وقد انهمرت دموع عزيزة من عينيها ؛ دموع أشبه بتلك الدموع الطفولية التي ذرفتها خوفا من ألم الفراق. وبدون ادراك ؛ صرخ فيها غاضبا ( لماذا لم تهربي مع الباقين ؟؟!!) ولم يتيح لها فرصة الرد ؛ فقد جرها من يدها بهدف الهرب من الجندي الذي بدأ بملاحقتهما ؛ أما هي فلم تستطع الا طاعته ؛ فقد بدت في حالة نفسية سيئة للغاية ؛ وما لبثت ان أجهشت بالبكاء !! واصلا الجري حتى استقر أمرهما عند حائط منعزل لأحدى البيوت القديمة .. استجمعت منال قواها واصلت بكاءها المرير ؛ وصرخت على حين غرة
    (لقد قتل ياسر ؛ لقد قتله.. أتعرف الان لم لم أهرب ؟؟) صرخ بدوره بانفعال من هول الصدمة ( ياسر !! ابن خالتك ؟؟ هل أنت متأكدة من انه مات ؟!!) ودون أن تسأله أي سؤال أجابت وقد بدى كل شبر من جسدها يرتجف ( نعم.. متأكدة... لقد أتت الرصاصة في قلبه مباشرة ومات على الفور.. ما ان رأيته وعرفت من فعل به هذا حتى جن جنوني ؛ ورحت أهيل ذلك الوغد ضربا وصفعا ,,,, ) وعادت للبكاء باندفاع وقوة واضعة يديها فوق وجهها المتألم ؛ وبدى ل عباس انها الان ولا شك تستعيد منظر ياسر وهو مخضبا بالدماء . انحدرت الدموع من عينيه دون أدنى مقاومة ؛ وراح يضرب الحائط بكفه بحنق صائحا ( الأوغاد؛ الأنذال ؛ قساة القلوب..) ولم تزد صرخاته منال الا بكاءا؛ هتفت في خضم نحيبها ( اه يا خالتي !!

    تعليق

    • *عبير الزهور*
      V - I - P
      • Jun 2008
      • 3267

      #12
      ما أعظم مصيبتك وما أفضع بلاءك !! صبرا يا عبدالله فان النصر قريب..) وسادت هنيئة من السكون ؛ انتبه بعدها عباس لنفسه ؛ فانكس رأسه في خجل وهم مبتعدا ؛ ولكن صوتها استوقفه ( عبدالله !! ) استدار اليها ولم ينبس ؛ فراحت تسأله بهدوء (أعلم ان الوقت غير ملائم لطرح الأسئلة ؛ ولكننا قد لا نتقابل ثانية ؛ لقد ناديتني باسمي منذ قليل ؛ وشاركتني فجيعتي على ابن خالتي الشهيد ؛ فمن أين لك أن تعرف من أكون والى من أنتمي ؟! ) تسمر عباس في مكانه ؛ لم يكن مستعدا للتصديق بأن فضول ابنة خاله أكبر من أي حادث أو مصيبة بالعالم !!! هتف بشيْ من الهدوء الزائف بمنتهى البساطة التي لم تكن تتوقعها ( قريتنا صغيرة كما تعلمين !!) وعاد الى منزله والحزن يخيم فوق صدره كالكفن ..

      أحدث استشهاد ياسر جرحا لا يندمل بقلب أهل القرية ؛ فمقتل صبي لا يتجاوز الثامنة عشر ربيعا جريمة شنعاء تقشعر لها الأبدان وتتمزق لأجلها نياط القلوب . كانت أم محمد _ وبرغم حالتها النفسية المتعبة _ لا تفارق أختها _ أم الشهيد _ دقيقة واحدة ؛ بينما كانت منال تتولى شؤون المنزل واعداد الطعام بأيام الحداد التي طالت كثيرا ؛ وفي احدى هذه الأيام الكئيبة ؛ وفي جو الروحانية والسكون ؛ تفاجىْ عباس بما قد أذهله ما ان عاد الى منزله _ بعد ان ختم القسم الرجالي القراءة على روح الشهيد_ فما ان دخل الى غرفته حتى وجد ورقة غريبة معلقة على خزانة ملابسه . انتشلها وقد ارتجفت أوصاله بشيْ من الحدس المفاجىْ ؛ وسارع في قراءة هذه الكلمات المكتوبة بخط مرتب برغم عدم خلوها من الركاكة والأخطاء الاملائية ,,, (بسم الله؛ والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ؛ وبعد : أخي الغالي عباس ؛ لقد أتيت لمنزلك ولم أجدك ؛ ولا أنكر انني شعرت بشيْ من الارتياح لهذا ؛ لأنني كنت متوترا للغاية وأنا أتخيل طريقة استقبالك لي بعد كل تلك الأعوام التي مرت دون أن نقابل بعضنا . لك أن تعرف يا عباس انني أعلم بمقدار غضبك مني ومن ما فعلته ؛ ولكنني أعلم أيظا ان قلبك الكريم قادر على الصفح و المسامحة .. لن تصدق هذا ؛ ولكنني رأيت والدتنا بالمنام وقد أكدت لي انها لن تسامحني لا اذا أنت سامحتني أولا . وها أنذا أخط لك هذه الرسالة راجيا منك أن تنسى الماضي وتغفر لي نزواتي السابقة ؛ وان كنت لن تفعل هذا لأجلي ؛ فافعله لأجل ابن أخيك وزوجته.. لا ؛ لا تفهم خطئا !! زوجته العربية المتدينة التي كان لها الفضل الأكبر بهدايته بعد الله .. لن أطيل عليك ؛ لأنني سأحظر مجددا _ ان كنت ترغب_ وها أنذا أترك اليك عنواني ؛ فان سامحتني وغفرت لي ؛ ابعث في طلبي وساتيك بسرعة البرق . أستودعك الله. (ملاحظة : ذهبت لبيت خالي وسلمت عليهم جميعا _ منال كبرت كثيرا _ !! أخوك المخلص جاسم ) وكان عنوانه فعلا مدونا على ظهر الورقة !!!!

      طرح عباس بجثته على السرير وقد هالته المفاجئة التي لم تكن بالحسبان ؛ لقد تزوج جاسم من مسلمة وله ولدا الان ؛ وهاهو ذا يطلب السماح والغفران على ما فعله بالماضي !! بدى عباس وكأنه بحلم لا يرغب بالاستيقاظ منه . أخيرا ؛ أخيرا تحققت أمنيته وأمنية والدته التي لم يكن من نصيبها أن تشهد هذه اللحظة الرائعة ولللأسف الشديد ... ابتسم عباس بخجل وهو يعيد قراءة الفقرة الأخيرة من الرسالة ؛ كل شيْ قد يتغير ب جاسم الا تلميحاته بعلاقتهما هو و منال . اذن لقد راها ؛ وربما كلمها .. راودت عباس المخاوف والضنون التي انتشلته من سعادته بلا رحمة ؛ ربما منال الان عرفت كل شيْ ؛ عرفت ان جاسم ليس هو من قابلته في الجامعة وبالتالي لابد أن يكون هو من قابلت !! توجس توجسا شديدا ولم يستطع الانتظار حتى حلول وقت الغداء ؛ يجب أن يذهب اليها الان ليرى ان كانت ضنونه في محله أو لا.... سارع الى منزل خاله الكئيب بهذه الأيام الصعبة ؛ ولكنه تفاجىْ بصوت حسين من خلفه ؛ وما لبث ان انظم اليه قائلا وقد علت وجهه ابتسامة عريضة ( الى أين ؟) حدجه عباس بنظرة لائمة لنظرته الخبيثة وصاح فيه بارتباك ( لابد ان منال عرفت كل شيْ الان ,,) تطلع حسين اليه بقلق شديد مدركا ما يعني بكلمة كل شيْ وسارع بالاستفسار ( ماذا جرى ؟؟ قل فقد وقع قلبي !!) نطق عباس بعد تنهيدة قوية ( لقد أوهمت منال بالجامعة انني جاسم ؛ ولم تضع بحسبانك ان جاسم قد يعود
      فيكشف الحقيقة ..) صرخ حسين بعدم تصديق (يعود؟؟ وهل عاد جاسم حقا ؟؟) رد عباس بسعادة لا تخلو من بؤس ( نعم ؛ لقد أتى ولم يجدني ؛ وترك لي رسالة يطلب فيها العفو ؛ والأدهى من كل ذلك ؛ انه قابل منال ) تمتم حسين وقد وقف بمقابلة رفيقه بعد ان وصلا لمنزل خاله قائلا كمن يهذي ( انه لأمر لا يصدق !! المهم ؛ تفائل خيرا ؛ ربما لم تسأله عن تلك المقابلة ) استعد عباس للدخول متمتما كمن يهوى تعذيب نفسه ( وربما سألته !!) .............................

      تعليق

      • *عبير الزهور*
        V - I - P
        • Jun 2008
        • 3267

        #13
        وما ان دخل حتى ركضت اليه زينب و عانقته بقوة صائحة بفرحة طفولية ( عباس ؛ عباس ؛ منال ها قد أتى عباس !!) أجابها صوت أختها الكبرى من المطبخ قائلة بلهجتها الساخرة المعتادة ( أهلا وسهلا !! يبدو انك جائع جدا لتأتي مبكرا هكذا ؟!) تنهد عباس مطمئنا وقاد زينب باتجاه المائدة صائحا بحمق ( جدا جدا ... فقد صنعت اليوم خزانة ملابس كبيرة ؛ كبيرة جدا !!) هتفت منال بصوت شبه عال ليسمعها ( بحجم كذبتك الكبيرة ؛ أليس كذلك ؟؟) تسمر عباس بمقعده ؛ وقعت كلماتها في قلبه بشكل مؤلم . اذن ؛ لقد عرفت الحقيقة وتحطمت شخصيته في نظرها تحطيما ؛ لم يعد سوى كاذب مخادع في نظرها أحاطها بسياج من التلفيق والكذب والمراوغة ؛ ما أفضع هذا !!! قاطعه صوتها من أفكاره البائسة قائلة وهي تضع صحن مليْ بالأرز والدجاج بمقابلته وهي تبتسم بشيْ من تأنيب الضمير ( لا تغضب يا عباس ! أنت سريع التأثر !! ألم تقل بأنك صنعت خزانة ملابس خلال يوم واحد فقط؟ أيعقل
        هذا ؟؟!!) أدرك عباس بأن ضنونه قد ابتعدت به كثيرا واستدرك مجيبا اياها وقد رسم على وجهه ملامح الطفل حين تكذّبه أمه ( لقد كنت أقصد انني أكملتها اليوم ؛ ثم ان حسين قد ساعدني في صناعتها ) تطلعت اليه بنظرة غريبة وهي تقول مهدئة وقد كانت في طريقها لمناداة والدها الذي كان في اجازة احتراما لأيام الحداد ( حسنا ؛ حسنا ؛ أنا جد اسفة ؛ لم أقصد بأنك كاذب !) وطرقت باب الغرفة الخاصة بوالديها منادية ( أبي.. لقد جهز الغداء وعباس قد حظر ) أسرع أبامحمد بالخروج الى الصالة ما ان سمع بتواجد ابن أخته الأكبر مرددا ( ها قد أتيت؛ ها قد أتيت) وما لبثو ان تجمعوا على المائدة وبدأوا بتناول الطعام . وما ان انتهوا حتى بادر خاله بالحديث بعد ان غسل يديه وضمه بجواره على الأريكة كالمعتاد ( بنيّ ؛ لقد أتى أخاك جاسم بالأمس لزيارتنا ..) كشّر عباس في وجل فهمه خاله بطريقة مغايرة فأسرع في القول ( أعرف انك غاضب منه كثيرا ؛ ولكن لو تراه كيف تغير؛ لسامحته على الفور؛ لقد...) قاطعه عباس بلهجته الحمقاء ذاتها ( أعلم ؛ تزوج؛ وأنجب ابنا من عربية مسلمة ؛ لقد ترك لي رسالة على خزانة ملابسي وطلب مني مسامحته يا خالي ) سأله خاله بلطف لا يخلو من تعجب ( وما هو رأيك يا بنيّ ؟؟) أسرع عباس في الرد ببله ولكن بسعادة حقيقية وهو يضم خاله الى صدره ( انني أسامحه بالطبع يا خالي!! أولا لأنه جعلني عما ؛ وثانيا أنك علمتني أن نسامح المخطئين عسى أن يسامحنا الله ..)
        ربت خاله على ظهره في فخر وسعادة غامرة وقد انهمرت دموع نادرة من عينيه العسلية ( هذا هو عباس الذي أعرفه ؛ انني فخور بك حقا ) صفقت زينب بيديها الصغيرتين تعبيرا عن فرحتها الكبيرة ؛ بينما تطلعت منال ل عباس بنظرة منكسرة دامعة لا تخلو من الغموض.

        خرج عباس من منزل خاله متوجها الى الورشة مباشرة ؛ حيث التقى ب حسين مجددا هناك ؛ ودون أن يفتح الأخير فمه ؛ أجاب عباس على نظراته المتلهفة قائلا وقد احتل كرسيّ خشبيّ كان قد صنعه بنفسه ( اطمئن ؛ لم تعلم بشيْ !) تنهد حسين في راحة ؛ بينما تنهد عباس في قلق وقال وهو يستعيد ذكرى نظراتها الغريبة ( ولكنها ستعلم بيوم من الأيام .. ) حاول حسين تهدئته بلهجة حنونة هادئة ( المهم أن لا تعلم بهذه الأيام بالذات؛ وبعدها ان فرجها الله وانتصرنا ؛ أخبرها أنت ؛ وبالطريقة التي تريد ) غيّر عباس الموضوع ؛ وأخذ يقص الأحداث التي جرت بينه وبين عمه ؛ ففقه حسين لمقصده ورام بالصمت احتراما لرغبته .

        تعليق

        • *عبير الزهور*
          V - I - P
          • Jun 2008
          • 3267

          #14
          وما ان عاد من صلاة الجماعة بالمسجد ؛ حتى راح يخط رسالته لأخيه ؛ والتي يدعوه فيها لزيارته بأقرب وقت ؛ وأعلن فيها مسامحته له على ما فعله في الماضي ؛ وشوقه لرؤية أخيه وابنه وشكر زوجته على جهدها بتغيره ؛ وختم رسالته بقوله ( أيها المشاكس ؛ لن تتغير أبدا !!!) وضعها بعد دقائق بصندوق البريد الخاص بالقرية ؛ وعاد أدراجه وقد شغل نفسه بحمد الله على نعمته الكبيرة هذه .

          وفي مساء قريب ؛ قابل عباس أصدقاء دربه في مكانهم المعروف بعد استدعاءه بصورة عاجلة . وبدأ عبدالله في الكلام وقد قرب قدح الشاي منه مخاطبا اياهم بصورة جماعية ( قد تتفاجئون بما سأقوله لكم ؛ فأنا نفسي لم أصدق ما قيل لي !! المهم ؛ لن أطيل عليكم .. لقد عرض علينا عرض مغري بالمساعدة المادية والمعنوية مقابل الاتحاد معنا والمشاركة بوضع خططنا وتطوير تحركاتنا ؛ طبعا الرأي يعود اليكم ) وما ان صمت عبدالله حتى تعالت التعليقات والمشاورات ؛ واستفسر يوسف قائلا ( هل لنا أن نعرف من تكون هذه الجماعة ؟؟) ابتسم عبدالله ابتسامة جانبية غريبة قبل أن يقول متفرسا في الوجوه المقابلة له ( جماعة نسائية !!!) عمت الضجة بالمكان؛ وتعالت الأصوات ( نسائية ؟؟؟) هدأهم عباس ( هدوء من فضلكم !! أؤكد لكم انني أنا نفسي قد قابلت احدى هذه الجماعات . النساء لهن الحق مثلنا تماما بالجهاد ؛ هذا ليس بغريب ؛ المهم أن نتخذ قرارا سريعا بشأن هذا العرض ) بدى الاحتجاج واضحا عبر نظراتهم المستنكرة ؛ فسارع عبدالله في شرح الموقف مبديا رأيه ( لا تتسرعوا لكونهن نساء ؛ لقد تعرفت على بعض خططهم الجهادية فتملكني الذهول لعمق الذكاء الذي لمسته فيهن ) تابع عباس بتأييد وحماس قائلا ( أنا لا أتكلم عن نفسي ؛ ولكنكم تعرفون ان لكل منا مشاغله وموارده المحدودة ؛ نحن بحاجة حقا الى مساعدة ؛ والزمن الجاهلي الذي توأد فيه البنت ما ان تولد قد ولى الان ؛ والفضل يعود طبعا لديننا الاسلامي الحنيف الذي يساوي بين الذكر والأنثى ؛ ويحترم حقوق كل منهما ؛ ألستم معي ؟؟) تعالت الأصوات هنا وهناك :
          (بلى ) ... ( معك حق يا عباس ! )....( نحن موافقون !! ) وبعد قرارات واحتياطات كثيرة ؛ أجمع الكل على الاستعداد لخوض هذه التجربة الفريدة ؛ وتوكلو على الله ؛ وتحولت جلستهم بعد لحظات لجلسة ودية تبادلوا فيها أخبار القرية وتطورات الوضع الاجتماعي؛ وكذلك تطورات حياتهم الشخصية وأخبار الدراسة ؛ حتى قاطعهم فجأة صوت قرع الباب ؛ فتسمروا في مكانهم ؛ وتطلعوا ل عبدالله
          في وجل ونظرات تقول ( أنقذنا !!!) هدأهم عبدالله بحركة من يده ؛ وأمرهم بالتزام الصمت ؛ ومن ثم أجاب الطارق بنبرة هادئة ( من بالباب ؟) أجابه صوت نسائي قائلا بشيْ من الخبث ( أنا ؛ افتح لا تخف !!) تعجب الكل حين قام عبدالله بفتح الباب ما ان سمع صوت الزائرة وبهذه السهولة ؟؟ ألقت السلام ؛ فرد الجميع بصوت خجل ؛ بعدها ناولت عبدالله صينية مليئة بأكواب من العصير هامسة في لطف ( بمناسبة التوحد !!!) وانصرفت ونظرات الاستفسار تشير ل عبدالله في الحاح ... أقفل الباب من ورائها وقد غالبه الضحك ؛ وناول كل رجل كوبه وقد هم بتعريف الزائرة اللطيفة ( انها أختي زهراء ؛ قائدة زميلاتنا !! عذرا ؛ انها جريئة بعض الشيْ !!)
          ضحكوا جميعا بقوة على ما فعلت ؛ وعلق حسين وهو يحاول السيطرة على نفسه ( بعض الشيْ ؟؟؟ لقد كانت تتنصت علينا من وراء الباب !!!) ازدادت ضحكاتهم قوة لتعليق حسين بما فيهم عبدالله ؛ ومن ثم تابع يوسف مكملا التعليق على تصرفها ( والأدهى والأمر انها جهّزت العصير مسبقا ؛ وكأنها واثقة بأن النتيجة ستكون في صالحها !!!) صرخ لؤي وقد أتعبه الضحك ممسكا بموقع قلبه ( كفى ؛ كفى ؛ سأموت !!) أيده عباس ( نعم أرجوكم ؛ سنهلك ضحكا !!!)........

          تعليق

          • *عبير الزهور*
            V - I - P
            • Jun 2008
            • 3267

            #15
            وبعد دقائق ؛ انصرف كل الى شأنه ؛ وعاد "عباس" أدراجه وقد طارت به الأحلام بعيدا .. بعيدا جدا.. الى اليوم الذي يتحقق به النصر الكامل ؛ ويعود فيه جميع الأسارى والمبعدين ؛ وهتف "عباس" بأمل : ( ألا ان النصر لقريب !!).....
            استيقظ في اليوم التالي بنشاط ليذهب الى جامعته ؛ استحم ونظف أسنانه كالمعتاد وأسرع في تصفيف شعره مغادرا حيث منزل صديق دربه "حسين" الذي أسرع بالخروج ما ان سمع بوق سيارته وقد امتلىْ فمه بالطعام ؛ فما كانت والدته لتتركه يخرج البتة الا اذا تناول ولو شيئا بسيطا . تذكر عندها والدته التي لم ينسها بلحظة من اللحظات وهي تقول اليه مشجعة بصوتها الحنون ( نعم؛ هكذا يا بنيّ ؛ كل لتقوى عظامك ) تنهد بعمق ؛ ولم ينتبه لصديقه الذي قبع بجواره بعد ان ألقى السلام ؛ فصاح فيه متعجبا ( هييييه !! نحن هنا !!!) تطلع اليه بنظرة جانبية وقد فهم انه يضن الان انه كان يفكر ب "منال" ؛ فشغل المحرك وهو يقول ليدحض ضنونه ( تذكرت أمي !!) انطفأت الابتسامة من فم "حسين" عندما سمع ما قاله صديقه الحميم ؛ وأسرع في تغير الجو مازحا ومشجعا بذات الوقت
            (غدا تكون عندك من تعتبرها أمك وأختك وزوجتك..) ابتسم "عباس" ساخرا ( من؟ "منال" ؟؟ لا أشك لدقيقة بأنها ستكرهني كل الكره حين تعلم بكل شيْ ؛ وستصرخ في وجهي بكل قوتها انها لن تتزوج مراوغ كاذب مثلي !!) عارضه "حسين" بمنتهى الحماس
            ( لا تقل هذا يا "عباس" !! أنت راوغتها لتحمي نفسك ؛ لقد حاصرتك الشكوك أكثر من مرة وكدت تسجن والله يعلم الى متى ان وجدوا ما يدينونك به ؛ مع انهم لا يعترفون حتى بالأدلة !! كن عاقلا ؛ أؤكد لك ان "منال" ستكون متفهمة ؛ خاصة بعد ان تعلم بأن "عبدالله" الفتى الشجاع الذي أنقذها أكثر من مرة هو ذاته "عباس" صديق طفولتها .. سترى ؛ ستكون بقمة السعادة . اووووه !!
            أترى ؟! أنا مضطر لاخبارك بالمفاجئة التي أعددتها لك حتى لا تكّشر هكذا في وجهي منذ الصباح !!) استعجله "عباس" بفضول ذكّره بفضول ابنة خاله ( ماذا هناك ؟! قل بسرعة !!) ضحك "حسين" بقوة وقال معلقا ( هل أصبت بعدوى الفضول ؟! حسنا.. "منال" أضحت احدى زميلاتنا بالمجموعة النسائية !!!) أوقف "عباس" السيارة بشكل مفاجىْ صرخ "حسين" على أثره صرخة مندهشة وهو يرتطم بظهر مقعده ؛ وصاح بعدها غاضبا وهو يغادر السيارة على الفور متوجها لكليته التي _ لحسن حظه _ كانا قريبين منها نوعا ما ( لقد أثر الحب على عقلك يا رجل ! لن أركب معك ثانية أيها المجنون ! أفضل استقلال الحافلة !! ) أسرع "عباس" في اللحاق به ؛ وشده من يده معتذرا وهو يحاول السيطرة على ضحكه القوي ( اسف ؛ لقد فاجئتني ..) ابتسم "حسين" بسمة المنتصر ؛ فأدرك "عباس" ان غضبه لم يكن الا زائفا ؛ فراح يضربه مازحا لعدة مرات ( أيها المخادع ! سأوسعك ضربا !!)
            تدّخل صوت غريب فجأة في جوهما المازح قائلا بلهجة معاتبة ( ليس بأكثر منك خداعا" !!) استدارا هما الاثنان للخلف في عجب ؛ فأبصرا صديقهما "أسامة" الذي ما لبث ان انظم اليهما متابعا حديثه الموجه ل "عباس" ( لقد وعدتني بزيارتي يا رجل ؛ هل تذكر أم انك نسيت ؟؟) أجابه "عباس" بلهجة لطيفة معتذرة تبين مكانته في قلبه وهو يضمه بذراع و "حسين" بالذراع الأخرى ( أنا جد اسف يا "أسامة" ؛ تعرف مشاغل الحياة ؛ ولكنني بالطبع سأتفرغ عما قريب ؛ أعدك ) ابتسم "أسامة" بسعادة قبل أن يقول بمنتهى الاصرار قاصدا كليهما ( ستعدني حتما بالقدوم أنت و "حسين" وباقي الشلة عما قريب ؛ فقد أعددت لكم وليمة لا بأس بها بمناسبة عودتي سالما اليكم ) ضحكا "عباس" و "حسين" بقوة على كلمة "وليمة" ومن ثم قال "حسين" مؤكدا في لطف وحب كبير
            ( بالطبع سنحظر ؛ فأنت تعرف معزتك لدينا جيدا.. سأخبر الباقين وسنحدد موعدا مناسبا لكل منا ؛ وبعدها سننبأك بما يجد ) شكرهم "أسامة" وهو يسرع مبتعدا باتجاه قاعته ( شكرا لكما ؛ في أمان الله ) .. (في أمان الله )

            ودخلا بعدها القاعة التي اكتضت بوجوه جديدة _ فتيات وصبية _ والتي ستكون القاعة المخصصة لمحاظرة الدكتور "ميثم" من اليوم وصاعدا . احتل "عباس" مقعده بجوار رفيقه منتظرا دخول الدكتور ؛ والتي كانت هذه المحاظرة أولى محاظراته ؛ متفرسا في الوجوه الصبيانية المجاورة بعين متفحصة ؛ فمنهم من يحدق في احدى الفتيات ؛ ومنهم من يعدّل من هندامه الأنيق وقصته العصرية لألا يصيبها أدنى خلل يشوه مديلها ! ومنهم من جهّز كشكوله لاستقبال فيض من المعلومات المهمة دون أدنى اهتمام بمن حوله !!
            أيقضه "حسين" من تأملاته صارخا فيه بصوت منخفض خشية أن يسمعه أحد وقد أمسك بيد رفيقه مثبتا اياه بمقعده خوفا من أن تصدر عنه أدنى حركة تؤدي الى احراجه ( "عباس" ؛ انظر لجهة اليمين ! أليست هذه "زهراء" أخت "عبدالله" ؟؟) استدار "عباس" وتطلع ببرود الى الفتاة المعنية قبل أن يعود برأسه مؤكدا بعدم اكتراث ( بلى ؛ أضن ذلك ) أسرع "حسين" بالقول باصرار
            ( بل انها هي حتما !!) نهره "عباس" بعنف ( كف عن التطلع الى الفتيات ! ما بك ؟؟ لست هكذا أبدا !!) أنزل "حسين" رأسه في خجل لتصرفه هذا ؛ ولاذ بالصمت _ كما فعل جميع من بالقاعة _ بعد حظور الدكتور الذي كانت محاظرته مفيدة للغاية . وبعد خروجهما ؛ همس "حسين" ل "عباس" غامزا اياه بكتفه ليجذب انتباهه لما سيقول ( انظر الفتاة القادمة للقاء "زهراء" !!)
            أنبه "عباس" بنفاد صبر وبنبرة مندهشة ( ما بك ؟؟ ما لنا ومال "زهر..." ) ولم يكمل عندما لمحت عيناه الفتاة القادمة التي
            لم تكن سوى ابنة خاله "منال" !!!!!!!!!!!!!




            ( نهاية الفصل الثالث)

            تعليق

            • *مزون شمر*
              عضو مؤسس
              • Nov 2006
              • 18994

              #16
              يسلموو عبووره عالمجهود الرائع

              تعليق

              • *عبير الزهور*
                V - I - P
                • Jun 2008
                • 3267

                #17
                المشاركة الأصلية بواسطة *مزون شمر*
                يسلمو عبوره عالمجهود الرائع
                الله يسلمك
                مشكوره عالمتابعه غلاتي

                تعليق

                • *عبير الزهور*
                  V - I - P
                  • Jun 2008
                  • 3267

                  #18
                  استفاق عباس في الصباح الباكر على صوت قرع الباب ؛ فعدّل من هندامه وغسّل وجهه على عجل قائلا ليمهل الزائر الذي يبدو متعجلا ( دقيقة واحدة !) وسارع بعدها بفتح الباب ؛ فتسمر في مكانه من هول الصدمة لرؤية الزائر الذي سارع في احتضانه بقوة صائحا ( لقد اشتقت لك كثيرا عباس !!) تمتم وقد هاله الموقف وانحدرت دموعه رغما عنه ( وأنا أيظا ؛ كيف حالك ؟؟) تمتم جاسم بصوت يغالب البكاء ( بخير ؛ المهم أنت ؛ ما هي أخبارك وكيف تعيش؟؟) قاده عباس لأريكة جانبية ؛ وأجلسه الى جواره وقد ضمه بذراع دون ذراع قائلا بشيْ من الحزن ( الحمد لله ؛ أموري متيسرة ) وأضاف وقد نهض متوجها الى المطبخ القريب بهدف اعداد الشاي ( أذهب للجامعة نهارا ؛ وأرجع لتقمص دور الشاب الأحمق ؛ وبعدها أذهب للورشة مع حسين ؛ وأعود لدور الأحمق ليلا ؛ هذه طريقة عيشي بالتفصيل !!! ) تبعه جاسم واقفا عند المدخل وقد علت وجهه علامات القلق الشديد ( وهل ستبقى هكذا دائما ؟؟ لابد أن تتزوج ؛ منال لن ترضى بك وأنت على هذه الحال ) ألجمه الألم لذكر منال لفترة قال بعدها وهو يعود مع أخيه الى الأريكة وقد حمل صينية الشاي وضعها على الطاولة الصغيرة المقابلة لهما ( في كل الأحوال لا أضنها ستقبل بي ؛ لن تراني الا كاذبا ) ربت جاسم على رجله بحنان ؛ وقال بعدها مشجعا ( كن شجاعا يا عباس ؛ ولا تسمح لليأس بدخول فؤادك أبدا .. اخطبها ؛ قد تقبل !!)
                  تفاجىْ عباس بهذا الاقتراح الغريب وصاح مستنكرا ( أخطبها ؟؟ ماذا تقول يا جاسم ؟؟ لا أقدر على البوح بالحقيقة الان !لا أقدر!!)
                  عارضه جاسم بلهجة لا تخلو من الرقة و العطف وقد بدى ان السنون قد تركت بصمتها عليه بشكل واضح من خلال أسلوبه وطريقة كلامه ( من قال لك أخبرها ؟ قلت لك يا رجل اخطبها !! .. لاتهتم ؛ أنا سأتكفل بهذا ) صاح عباس معترضا وقال برجاء ( لا ؛ أرجوك ؛ انه ليس بالوقت المناسب ) أصر جاسم على موقفه مؤنبا توأمه ( ومتى هو الوقت المناسب ؟ لا تقل لي بعد ان تتحقق مطالبنا وتعطينا الحكومة البرلمان !! أنت لا تعلم متى يحدث ذلك تحديدا ؛ ستضل عازبا لمدة لا تعلمها ؟! ستتزوج منال خلالها على أغلب ضن !!) أدرك جاسم انه قد لامس الوتر الحساس لدى عباس ؛ فراح يستطرد حديثه بحماس ( ما تفعله بنفسك يدمرها لا يحميها لو أمعنت النظر؛ سأخطبها لك ولن أقبل بأية أعذار ..) وقاطع حينئذ صوت الجرس حديثهما ؛ فتطلع عباس في أخيه متعجبا؛ فما كان من جاسم الا أن يصيح وقد نهض من موقعه متوجها لفتح الباب ( ادخلي عفاف ..) دخلت امرأة متحجبة للمنزل على استحياء وقد حملت طفل صغير بين ذراعيها . ألقت السلام على عباس وقد بدت مندهشة للغاية ( كيف حالك يا عباس ؟! انكما متشابهان الى حد كبير !!) رد عباس تحيتها وقد أدرك انها ليست سوى زوجة أخيه التي كان متشوقا لرؤيتها هي والطفل ( بخير؛ انك محقة يا زوجة أخي؛ تفضلي بالجلوس !) جلست بهدوء على مقربة من زوجها ؛ بينما احتل عباس الأريكة الصغيرة المقابلة لهما وقد ابتدر الحديث
                  ( يالني من عم محظوظ! انه طفل جميل للغاية !!) ناوله جاسم اياه في حذر وسعادة غامرة وحب أبوي واضح دون أن ينبس بشيْ ؛ فراح عباس يقبله بمنتهى الحنان متمتما ( انه يشبهك كثيرا !) مازحه جاسم ( بل أضنني سميته بأسمك لأنه يشبهك أنت !!) تطلع عباس لتوأمه بعدم تصديق ؛ وطفرت منه دموع السعادة الجمة وهو يستعلم بتعجب وامتنان كبير
                  ( سميته عباس ؟؟ يال طيب قلبك يا جاسم !!) شاكسه جاسم ( واذا رزقت ببنتا ان شاء الله سأسميها منال ؛ ما رأيك ؟!!) تورد خد عباس خجلا ؛ فأسرع جاسم بالقول ( لا تخجل من عفاف ؛ فانني لا أخفي عنها شيئا ؛ وهي بمثابة أختك ..) أيدته عفاف بحماس وطيب واضح :
                  ( بالطبع ! أرجو أن تدرك هذا يا عباس ؛ ولا تتردد بطلب ما تشاء مني ان احتجت الى شيْ ما ؛ ومن الان وصاعدا يجب أن تزورنا بانتظام ؛ فأنت لا تعلم كم ان جاسم متشوقا لهذا ) أيد جاسم حديثها وقد أشرق وجهه سرورا ( معك حق يا عفاف ؛ كم انني متشوق للم شملنا من جديد ! ) وافقه عباس (وأنا أيظا يا أخي )...

                  وغادر جاسم بعدها هو وعائلته ؛ بعد ان انتزعا منه وعدا بالحظور الى منزلهم بشكل مستمر ؛ وبعد ان أعطوه رقم هاتفهم. وما ان انصرفوا ؛ حتى تعالى صوت الهاتف القابع بقرب الكنبة ؛ فانتشله عباس الذي تفاجىْ بصوت حسين على الطرف الاخر ( عباس؛ لقد اتفقنا أنا و الرفاق على الذهاب الليلة لأسامة ؛ ما رأيك ؟) حاول عباس جمع شتات أفكاره ؛ ومن ثم قال موافقا ( الليلة ؟ حسنا..)
                  أكد حسين عليه ( لا تنسى أن تمر عليّ بطريقك !) مازحه عباس ( من قال لك انني نقل عام ؟؟) ضحك حسين بقوة وصاح بعدها وهو يحاول أن يهدأ بكل وسيلة ممكنة ( ما هذه الظرافة المفاجئة ؟!) رد عباس بطريقة يهدف فيها الى اعلامه ( ربما أصابتني العدوى من جاسم !) استفسر حسين باهتمام بالغ ( هل زارك ؟؟) أجاب عباس بسعادة واضحة عبر نبرات صوته ( منذ قليل؛ أتى هو وزوجته و أبنه ) ردد حسين براحة ( الحمد لله ؛ أخيرا تحقق حلمك وتاب جاسم !) واستطرد وهو يستعد لاقفال الخط مؤكدا على رفيقه ( الليلة في الثامنة ؛ لا تنس !) أكد عباس ( ان شاء الله ) وانصرف بعدها لأداء صلاة الظهر في المسجد القريب ؛ ومن ثم لمذاكرة دروسه . وبعد مرور بضع ساعات ؛ تناهى الى مسمعه فوضوية ابنة خاله الصغرى زينب وهي تدخل الى المنزل .. ابتسم بسعادة لقدومها ؛ وسرعان ما دخلت عليه صائحة دون أن تطرق الباب ( عباس ؛ تقول لك أمي أسرع في المجيْ؛ فالكل في انتظارك ) رمى عباس بالقلم جانبا ؛ وسارع في حملها بين ذراعيه بدلال قائلا بطفولية ليقلد صوتها ( حسنا يا عروستي ؛ ها أنذا قادم !) نهرته الطفلة ( لا تنادني بعروستك !!) استفسر عباس بلطف ليجاريها ( لماذا يا زينب ؟؟) صاحت فيه بطفولية وعناد ( لأنك أخبرتني ان منال هي عروستك ؛ ألا تذكر ؟؟)

                  تعليق

                  • *عبير الزهور*
                    V - I - P
                    • Jun 2008
                    • 3267

                    #19
                    ضحك عباس بقوة وأيدها بحنان كبير مربتا على شعرها البني الحريري ( بلى أذكر جيدا ؛ ولهذا سأناديك ب حبيبتي من الان وصاعدا ؛ ما رأيك ؟!) اندفعت لداخل منزلها وصاحت بصوت عالي غاضبة ( حبيبتك منال ؛ أنت تخدعني ؛ فأمي أخبرتني ان العروسة هي الحبيبة !!) أحرج عباس وتوردا خديه خجلا لما قالته بصوت عال تناهى لمسمع الحظور الذين كانوا قد تجمعوا على المائدة بانتظار قدومهما . ضحك كل من خاله وزوجته على هذا التصريح ؛ بينما تطلعت منال الى عباس في ذهول وقد ذابت حياءا بمقعدها !! حاولت نهر اختها الصغرى كعادتها عندما تتفوه بمثل هذه الأمور ؛ فصاحت فيها بنبرة خجلة لم تستطع السيطرة عليها ( تأدبي يا زينب !! هذا الكلام لا يصح أن يقال ) وأكثر ما تعجب له عباس في تأنيبها هذا ؛ هو أنها لم توجه له أي تقريع بدوره كما كانت طبيعتها دائما .. أسرع خاله في تحيته داعيا اياه ليجلس بجواره بحركة من يده ( أهلا عباس ! تعال واجلس بقربي هنا ) أسرع في احتلال المقعد بجواره وهو يحاول صرف أفكاره الغريبة بتناول غذاءه .
                    ابتدر عباس الحديث بعد انتهاءهم من تناول الطعام قائلا لخاله ( خالي.. خالي.. لقد أتى جاسم اليوم لزيارتي؛ وبعدها أتت زوجته برفقة أبنه ؛ ليتك تراه يا خالي ؛ انه بغاية الجمال !!) استفسر خاله باهتمام بالغ ( أحقا ؟! أكان يشبهه أم يشبه زوجته ؟!) تحامق عباس (لا ؛ انه لا يشبهما أبدا !) كشّر خاله في عجب وحاول الاستفهام ( هل يشبه أختي رحمها الله أو أحد الأشخاص بعائلة والدته ؟؟) ضحك عباس عندها واستدار ل منال المشغولة بغسل الأطباق برفقة والدتها بالمطبخ المفتوح ( بل انه يشبهني واسمه اسمي !) صاح خاله باهتمام شديد ( أحقا ؟؟ هل أسماه عباس ؟؟ نعم الأسم !!) وفي غمرة التعليقات التي انهالت متواصلة على عباس ؛ نطقت منال مقاطعة لها بشكل مفاجىْ وقد تقدمت لتقف عند باب المطبخ ويدها اليسرى صارت بخصرها ( هل لي بتعليق ؟؟) التفت الكل اليها بانتظار ما ستقول _ بما فيهم عباس_ الذي تسارعت دقات قلبه توترا ؛ فهتفت وقد علت وجهها ابتسامة خبيثة مازحة ونظراتها تتفرس بكل الوجوه المنتظرة
                    ( أحسن جاسم صنعا !!!).....

                    وفي المساء؛ استعد للخروج وارتدى أفضل ما لديه من الثياب وتعطر بأفضل العطور تيمنا باستحسان الرسول (ص) لهذا العمل ؛ ومن ثم غادر منزله متوجها لمنزل حسين ؛ وكان الأخير قد وقف بانتظاره خارجا مثرثرا مع أحد المارة . دخل الى جوار رفيقه وحياه ؛ فرد التحية بأحسن منها ؛ فابتدر حسين الحديث بملامح منبسطة مسترخية ( أشعر اليوم بشيْ من التفاؤل ) أيده عباس ( وأنا أيظا) خمن حسين ( يبدو لي ان هناك أمرا ما سيحدث.. أمرا جميلا.. أتضن انه يوم النصر؟!) شجعه عباس ( ولما لا ؟؟) تنهد حسين بألم وتمني وصاح فجأة ( الله كريم لا يبخل !!) وبعد فترة ؛ استقرت سيارة عباس بقرب بيت أسامة ؛ وما لبثا ان اتخذا مجلسهما بجواره بعد ترحيب كبير من قبله هو وأسرته . وتجمع الرفاق تدريجيا ؛ وما ان اكتمل العدد حتى شرعوا في تناول وجبة العشاء وقد عم الصخب والمرح فيما بينهم ؛ وكان موضوع الحرية و البرلمان المرتقب هو من أكثر المواضيع تداولا ومناقشة .. وبعد الانتهاء من الطعام ؛ وانصراف الرفاق ؛ تهيا _ كل من عباس و حسين _ للمغادرة بدورهما ؛ لولا أن استوقفهما أسامة في تردد وخجل قائلا
                    ( مهلا حسين .. هل تسمح لي ببضع دقائق اضافية من وقتك ؟؟) أجاب حسين بعجب وبنبرة مازحة غامزا اياه بكتفه
                    ( ما هذه اللهجة الؤدبة المفاجئة ؟! أكيد تريد الاستدانة مني ! ليس لدي نقود !!) ضحك عباس بقوة بينما تورد خد أسامة حياءا .. تلعثم وقال أخيرا وهو يشير بيده داعيا اياهم للجلوس مجددا ( أنا .. في الحقيقة...) وأغمض عينيه وصاح باندفاع ( أريد خطبة أختك جنان !!) وفتحهما بعدها بتخوف فأبصر وجوه منذهلة تنظر اليه في تساؤل وقد هالتها المفاجئة . وفر حسين عليه الاحراج بعد برهة قائلا في لطف وقد بانت ابتسامة رقيقة على شفتيه ( لما كل هذا الخجل والتردد ؟؟ ألف مبروك مقدما !!) نهض أسامة بفرح جم وانقض على حسين محتضنا اياه ومقبلا له بقوة ؛ فأبعده الأخير مازحا ( أيها المجنون !! انتظر موافقتها أولا !!) علق عباس وهو يهم باحتضان أسامة فرحا ( ان شاء الله ستوافق ! أتجد أفضل من أسامة ؟! يكفيها انه متخرج من أفضل المباني الحكومية وحائز على الدكتوراه لأحسن سجين بالدولة !!) هلك كل من أسامة و حسين ضحكا ؛ وانصرف عباس ورفيقه بعدها بعد ان حددا موعدا لزيارة أسامة والدته لأجل الخطبة. وفي طريق العودة ؛ همس حسين بشكل مفاجىْ (عباس ؛ هل كان من المفترض أن أخبره بما جرى سابقا بينها وبين جاسم ؟!) تطلع عباس اليه مندهشا ؛ وصاح بحماس معبرا عن رأيه (بالطبع لا !! لو فعلت لقتلتك !! ربنا يأمر بالستر وأنت تفضح الفتاة التي هي أختك يا رجل ؟؟! لا تقل ان هذا خداع !! ما حدث كان تجربة لو قيلت لأنهت علاقة شريفة من يدري لأي درجة سيكون نجاحها مستقبلا .. أسامة يجب أن لا يعلم بهذا لا الان ولا بعد الزواج؛ لأن ذلك سيفسد حياته ويحول سعادته لشك لا داعيّ له ؛ فالرجل تزوج ؛ والفتاة ستتزوج ان شاء الله ؛ فلم نقتل سعادتهما قبل أن تولد ؟!!) أومأ حسين برأسه مؤيدا في خجل ؛ وانحدرت دمعة من مقلتيه على حين غرة؛ لمحها عباس وهو يوقف السيارة بجوار منزله ؛ فاستوقفه قبل أن يدخل واحتضنه بمنتهى الحب العميق وصاح فيه ( ألف مبروك مقدما !! ولا تنس أن توصل تهانيّ الحارة لأختي جنان ؛ فهي ليست أختك فقط ؛ لا تكن أنانيا !! ) ابتسم حسين
                    (بل انها أختك حقا ؛ ولا تنعتك الا بأخيها ؛ شكرا لك يا عباس ؛ شكرا على كل شيْ !!) وخزه عباس فرحا :
                    (انه يوم النصر الأصغر !!!).......................

                    تعليق

                    • *عبير الزهور*
                      V - I - P
                      • Jun 2008
                      • 3267

                      #20
                      انصرف عباس صباح الأثنين الى جامعته منفردا ؛ فقد اضطر حسين للتغيب نتيجة لكثرة الأعمال المتعلقة بحفل أخته القريب.. وما ان

                      ان انتهت محاضرته الأولى حتى انصرف برفقة يوسف للكفتيريا كي يتناول شيئا بسيطا من الطعام قبل بدء محاضرته الثانية. وما ان

                      وقف يطلب العصير وسندويشات الجبن حتى وقفت فتاة على مسافة منه طالبة مشروبا غازيا . لم يكن ليهمه أمرها لولا انها كانت تحدق

                      بوجهه بتفحص وروية ؛ حتى ان يوسف لفت نظره الى ذلك ؛ فاستدار عباس باتجاهها ليدرك كارها انها ليست سوى منال !!

                      بادلها النظرات بارتباك كي يدرك موقفها ومن تضنه ؛ فهاله انها ابتسمت بخفة واستدارت لصديقاتها تحادثهن .. صاح يوسف فيه

                      ( انها منال أليس كذلك ؟؟) أجابه توترا وهو يهم بالانصراف ساحبا اياه من يده لخارج الكفتيريا ( بلى .. يا الهي ! ما الذي أفعله ؟؟)

                      استفسر رفيقه ( ألا زالت تضنك جاسم ؟) أمسك عباس بموضع قلبه وقال لاهثا وقد جلسا بجوار القاعة ( لا أعلم ! يبدو لي وكأنها

                      عرفت كل شيْ ! ألا ترى نظراتها ؟! انها تنظر اليّ بمنتهى السخرية والاحتقار!!) هدأه يوسف بلهجة أخوية مربتا على ذراعه

                      ( أنت تتوهم ذلك فقط..) تمتم بدوره ( أتمنى ذلك !!) وغيّر الموضوع مباشرة متحدثا عن عرس أسامة ؛ فجاراه يوسف بنفس

                      راضية بالتحدث بموضوع الساعة الذي يشغل مجموعتهما الثورية بهذه الحقبة من الزمان ؛ وما لبثا بعد مدة ؛ ان انضما لمحاضرة

                      الدكتور ميثم متخذين مقاعد متجاورة. تشتت أفكار عباس رغما عنه في كل ما يدور من حوله من أحداث .. منال .. حسين..

                      أسامة و جنان... جاسم وعائلته الرائعة... الأوضاع السياسية التي عادت للهدوء من جديد... كل هذا لا يدعوه الا لشكر الله

                      والثناء عليه!!

                      عندما عاد بذهنه للمحاضرة كان الدكتور قد لملم كتبه وكشاكيله وهم بالانصراف !!! شعر بتأنيب الضميرلأنه أهدر وقته سدى ؛ وراح

                      يستغفر الله بصوت خافت انتبه له يوسف فسأله بتعجب ( هل من خطب ؟؟) أومأ برأسه نفيا دون أن يرفع عينيه العسلية ( لا شيْ ؛

                      فقط سرحت قليلا؛ الأحداث تتزاحم في ذهني ) ابتسم يوسف بخبث ؛ وقال بلهجة ذات مغزى ( لا عليك ؛ توكل على الله !) تمتم

                      وهو يهم بالمغادرة (ونعم بال....) ولم يكمل عبارته حين تنبه لغمزات تدور من حوله . كانت فتاة برفقة زهراء تعلق بصوت شبه

                      عالي وبشيْ من الامبالاة وبصيغة تفتقر للحياء ( أين روميو الذي لم يحرك عينيه عنك بالمحاضرة السابقة ؟؟ يبدو انه متغيب اليوم !!)

                      نهرتها زهراء بصوت منخفض وفي شيْ من الحزم والغضب ( هذا الكلام لا يصح أن يقال يا أسماء !! لا تفسري تصرفات الناس

                      على هواك !! ان بعض الضن اثم ...) رمقتها المدعوة أسماء بعدم اكتراث وعلقت بسخرية قبل أن تنصرف عنها بتكبر شديد

                      ( ها ! لاتنطق كلمة الا وتعقبها باية ! وكأنها الشيخ في الأزهر !!) استقبلت زهراء ما قالت زميلتها بهدوء وروية ؛ ودعت لها بالهداية.

                      تأكد عباس بحدسه ان المعني بهذه المشادة ليس سوى رفيق دربه حسين ؛ فما من أحد سواه متغيب اليوم ؛ ثم انه كان يحدق فعلا

                      ب زهراء في المحاضرة السابقة لدكتور ميثم؛ وعزم على اخطاره وتقريعه بعنف على ما تسبب به . وبعد هذا القرار ؛ تناول يد

                      يوسف الذي لم يفقه لحسن الحظ لما يجري ؛ وانصرف برفقته لخارج الكلية وقد أحس بشيْ من التوتر حينما لمح خيال ابنة خاله

                      وهي قادمة من بعيد للقاء صديقتها كالمعتاد.

                      توقع عباس كل شيْ الا النبأ المفجع الذي تلقاه حال عودته من الجامعة... دارت رأسه كدوران الرحى ؛ وتجمعت الغيوم الضبابية حول

                      عينيه الحزينتين ؛ وراحت الأفكار تضطرم في مخيلته المتعبة... يال هذه الأقدار الغريبة !! تهدم سعادة الانسان بليلة وضحاها وكأن شيئا

                      لم يكن... نعم ؛ هذه هي الحقيقة التي استقبلها بنفس متأوهه متألمة تمزقها سياط الحسرة والحنين.. وليس هو فقط ؛ بل أسامة و جنان

                      وعائلة حسين بأجمعها ؛ انها حقيقة فقد حسين !!!

                      تجاهل موعد الغداء بمنزل خاله على غير العادة ؛ ولم تكن زينب بأثره ؛ فقد أدركت عائلته على ما يبدو ما يواجهه الان من لحظات

                      عصيبة وتأثرات مأساوية ... التقى عبدالله في الطريق بينما هو يسير في الطرقات على غير هدى وقد تجمعت مشاعره وخارت قواه؛

                      فأمسك الأخير بيده في بؤس وقاده الى منزله القريب حيث تجمع بقية الرفاق في مجلس يسوده الاكتئاب. وما ان دخل برفقة عبدالله ؛

                      حتى انصبت عليه نظراتهم في تأثر كبير؛ لعلمهم بمدى عمق العلاقة التي تربطه ب حسين ؛ وبمدى الوقع المنتظر لمثل هذا الأمر

                      على حاله... وجلس عباس بانزواء باحدى الزوايا دون أن ينبس ببنت شفة ؛ فعم الصمت احتراما لموقفه ؛ حتى تكلم بعد مدة

                      بما يشبه التمتمات وقد خنقته العبرة المكتومة بأعماقه ( متى ؟؟؟) أسرع عبدالله في الرد ( ظهر اليوم ) تمتم ثانية ( لماذا ؟؟؟)

                      رد أسامة الذي كان في شبه انهيار وبكثير من الغضب الذي لم يكن شيء ليردعه بتلك اللحظات ( لأنهم أوغاد !! لا تنتظر مبررا

                      لتصرفاتهم؛ فهم وحوش بشرية تأكل متى أحبت أن تفعل ذلك !!!) وتنهد وقد وضع رأسه بين ركبتيه ؛ وتابع في حزن مؤثر

                      تعليق

                      google Ad Widget

                      تقليص
                      يعمل...