( ان أكثر ما ينغص عيشي حال تلك المسكينة التي أبو الا أن يسلبوها فرحتها المنتظرة ؛ فتحولت من من عروس مبتهجة الى أخت ثاكلة
لا تتوقف دقيقة عن البكاء .. لقد سلبونا صديقا وأخا ؛ سلبونا فرحتنا يا عباس !!!) أجهش عباس بالبكاء بصورة مفاجئة ؛ فتجمعوا
من حوله في شبه دائرة وقد هالهم موقفه ؛ فهذه هي المرة الأولى التي يبكي فيها أو يفقد أعصابه بهذه الصورة... ساد صمت ثقيل قطعه
وهو ينهض متثاقلا الى الباب ( أراكم باذن الله !!) وخرج من مجلس الرجال ليصدم برؤية زهراء وقد همت بالخروج مرتدية
عباءتها وخمارها الأسود. ألقى عليها نظرة ذات مغزى عميق ؛ وغادر متوجها لمنزل صديقه بنفس أنهكها الحزن والأسى؛ حيث
استقبلهأبو حسين في أسى لا يقل عن أساه قائلا وهو يفسح له الطريق ليدخل الى المجلس المجاور للباب الرئيسي ( تفضل؛
تفضل يا بنيّ !) جلس بجوار أباحسين متكئا على احدى المساند بجلسته العربية ؛ ودون أن ينبس؛ ابتدره الأخير بالقول بلهجة
أبوية حانية ( لا تحزن يا عباس ؛ باذن الله سيفرج عنه ؛ أنا من جهتي لن أصمت ؛ سأ قوّم الدنيا وأقعدها حتى يخرج سالما
باذن الله ..) أيده عباس في غضب جم ( كلنا لن نسكت يا عمي ؛ سنملأ الدنيا احتجاجا حتى يفرج عنه وعن جميع المعتقلين
الذين لم يكن لهم ذنب سوى كلمة حق تفوهوا بها أو خطوها على احدى المنازل ) ونهض فجأة وقد تناهت لمسامعه صرخات
جنان والدتها هاتفا بمنتهى الاصرار والتحدي مغادرا ( أعدك يا عمي بأن دموع نساءنا وصرخات أطفالنا لن تمر كمر
السحاب ؛ أعدك !!) ........
رجع عباس الى منزله بقلب محروق ودموع حارة تجري على خديه دون توقف. قبل دقائق كان فرحا بالهدوء السياسي المزعوم ؛
وهاهو ذا يدرك انه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة . ويالها من عاصفة !! انها عاصفة هوجاء اقتلعت مشاعره من الأعماق ؛ وغدى
كمن يهوي في منحدر سحيق ليس له قرار أو نهاية .. رمى بجسده المنهك على سريره المتواضع وراح يسترجع ذكرى الأيام الخوالي
التي جمعته ب حسين ؛ فتذكره وهو يقول (الله كريم لا يبخل ) فصاح بحرقة واضعا يديه على وجهه الثاكل ( يالهي ! من لي غيرك
أرجوه فيسمعني ؛ وأدعوه فلا يخذلني ؟! ) قاطع صوت رنين الجرس توسلاته ؛ تثاقل في النهوض ؛ لابد انه أحد رفاقه ات لمواساته؛
أو انه خاله ات للاطمئنان عليه بعد ان سمع الخبر . ولكن توقعاته تبخرت كالسراب حين قام بفتح الباب ليجد منال من خلفه برفقة
أختها الصغيرة زينب !!! انها المرة الأولى التي تحظر فيها الى منزله . هكذا فكر وهو يحدق فيها بذهول لم يستطع السيطرة عليه.
تمعنت في عينيه المحمرتين قبل أن تتمتم قائلة وهي تدفع اليه بصحن كبير مليْ بالطعام في ارتباك ظاهر ( خذ هذا يا عباس؛
لابد انك جائع ولم تتناول شيئا منذ الصباح ؛ أليس كذلك ؟!) تذكر السندويشات التي لم يذق منها لقمة واحدة بسببها ؛ وتناول منها
الطبق في امتنان قائلا دون أن يعي لأسلوبه الجدي الذي اتبعه في الحديث ( شكرا منال ؛ لقد أتعبت نفسك دونما داع ..)
أطرقت بعينيها وكأنها تقاوم أمرا ما ؛ ومن ثم رفعتهما في توتر وتمتمت ( أبدا ! بالهناء والشفاء .. المهم أن لا تشغل نفسك
كثيرا بقضية حسين ؛ سيفرج عنه بالقريب العاجل ان شاء الله ) كانت نظراتها و أسلوبها يوحيان بأنها تعرف حقيقة من
تكلم بشكل جيد ؛ هذا ما أدركه عباس ؛ فاستسلم لذكاءها دون حاجة لاعلان استسلامه وقال برزانة ( ان شاء الله ! )
تعليق