كلمة الكاتبه :
في البداية أحيي الجميع ؛ وأشكر كل من تابع قصتي (سخرية القدر )؛ وأدعوكم لمتابعة قصتي الجديدة (دموع الحقيقة ) والتي تختلف كليا عن سابقتها من حيث الأسلوب والفكرة والأحداث التي تدور في احدى الدول العربية. لن أطيل عليكم؛ حتى تحكموا بأنفسكم؛ شكرا مرة ثانية...
(اه !! هاقد أتى شيخ القبيلة فاستفتوه ما شئتم..) تعالت الضحكات الرجالية المتصابية على التعليق الذي أطلقه جاسم بصوت مرتفع ماجن؛ تابع حديثه متشجعا بعد ان تأكد انه في موقع مرحب به بالمجلس نتيجة لخفة دمه التي غلبا ما يستغلها لصالح أعماله الشريرة قائلا بعد ان لمح علامات الضيق تعلو وجه أخيه الذي اتخذ له مجلسا شبه ناءي بعد ان ألقى السلام(قلي عباس؛ ما رأيك بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؟؟) تبادل الحاظرون الهمسات واللفتات وقد فهموا مغزى السؤال المبني على مناقشة مثيرة سابقة قاطعها عباس بدخوله. رمقه بنظرة متفحصة ليستشف أسباب طرح هذا السؤال الغريب؛ والذي تزداد غرابته لكون ملقيه هو أخوه الأصغر جاسم الذي كان يصده بعنف كلما حاول نصحه وارشاده ؛ على كل حال؛ مهما تكن دوافعه فهو لن يخسر شيئا اذا أبدى رأيه بصدق؛ وقال بصوت مليْ بالثقة والاعتزاز بالنفس (ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات المحتمة والمهمة لكل مؤمن وان كان أدائها لا يفرض بصورة عينية ؛ فهو من الأخلاق الضرورية التي يجب ان يتصف بها كل فرد لتقوية دينه والمحافظة على...) قاطعه جاسم بشكل مفاجىْ وقد علت وجهه الأسمر ابتسامة خبيثة (نعم؛نعم؛ المحافظة على العادات والتقاليد؛ أليس كذلك؟!) حدجه عباس بنظرة حذرة وهو يضيف(والقوانين الشرعية أيظا) تمتم جاسم بعدم اكتراث ( نعم؛نعم؛ هذا صحيح..) قاطعه عباسبنفاذ صبر؛ فهو ليس من النوع الذي يحب الدخول في دوائر مغلقة (هل لك أن تخبرني عن سبب سؤالك؟) ..( طبعا؛طبعا من حقك أن تعرف سبب سؤالي) وأطرق هنيئة ليتدبر بعض الكلمات المنمقة حتى لا يحرجه أخوه الأكبر كالعادة؛ وقال بعدها بحذر وتردد قصير (هناك فتاة ساقطة الكل يتحدث عنها ؛ وأنا ورفاقي رأينا ان من واجبنا....) قاطعه قبل أن يكمل وشرار الغضب يتطاير من عينيه؛ وقال في حدة مستعتبا (أولا.. دعنا نناقش كلمة ساقطة والتي أدليت بها جزافا ودونما أدنى دليل سوى ثرثرات فارغة ثلاثة الأرباع منها كذب وافتراء على بنات الناس) احتج جاسم بلهجة محتدة لا يملك سواها للحفاظ على مكانته أمام الحظور (بل انها حقيقة مائة في المائة ؛ والدليل موجود) تطلع عباس بامعان في عيني أخيه العسلية والتي تختلف كليا عن عينيه من جهة واحدة؛ وهي طبيعة النظرات التي تخرج منها . فكر عباس: لما لا يصبح جاسم مثله رغم الشبه الكبير بينهما شكليا والذي يجعل حتى والدتهما تصاب ببعض الالتباس بعض الاحيان ؟؟!! لماذا اتخذ له طريقا مغايرا لن يجلب له بالنهاية سوى الدمار ؟؟ ألا يكفي كونهما توأمين لكي يفكرا بنفس الطريقة و يتطلعا الى الحياة من ذات الاتجاه؟؟؟؟ لا ؛ يبدو له بوضوح في هذه اللحظات ان ذلك لا يكفي البتة!! قاطع جاسم أفكاره وقد اعتقد ان صمته المفاجىْ ما هو الا استسلام(أتعرف ان جميع من في القرية ليس لهم حديث سوى هذه الفتاة ؟ انها تعلن غرامها لكل طيف تراه من بعيد وقد ارتدى بنطلون جينز وسترة مقلمة!!) انفجر رفاقه ضحكا على تعليقه ؛ لدرجة ان دموع بعضهم قد سقطت من شدة التوتر ؛ ما عدا عباس ؛ فقد ظل واجما ؛ وقام بجمع شتات نفسه ليقف بمقابلة أخيه المستهتر وقد نضخت عيناه العسلية بغضب قاتل؛ وبغمرة اندهاش الجميع؛ صفعه صفعة قوية احمر لها وجهه واكفهر؛ وغادر المجلس بعدها ؛ وقد تبعته شتائم أخيه وتهديداته وقد تملكه الغضب بشدة (سترى؛ سأحطم وجهك؛ وسألوث سمعتك باشاعات ستقرر الانتحار على سماعها من شفاه الناس؛ أعدك!!)
اندفع عباس يطوي الارصفة طيا وقد قادته قدماه الى الامكان . حاول أن يسترخي ويريح أعصابه المشدودة ؛ فاندفعت كلمات أخيه الى مخيلته كشريط مسجل؛ وأكثر ما استرعى انتباهه هي كلمة اشاعات. نعم؛ جاسم ليس الا مروجا للأشاعات لا أكثر ولا أقل؛ ان لم يكن هو مطلقها؛ وأغلب الضن بان ما قاله عن تلك الفتاة ليس الا ثرثرات وجدت طريقها للتحريف والتضخيم؛ ولكن؟؟ هل تأتي النار بدون دخان ؟؟ يا ترى ما الذي فعلته تلك الفتاة لتستحق هذه النعوت الظالمة والمتهمة لها بشرفها وأخلاقها ؟! يال الفتاة المسكينة!!! قادته رجلاه أخيرا الى احدى المطاعم الصغيرة المركونة على جانب من الطريق؛ والتي يتهافت عليها أفلاد القرية رجالا ونساء ؛ رغم ما تتناقله الاخبار من عدم نظافة المكان. ابتسم عباس وأطلق كلمة ساخرة بقرارة نفسه وهو يتوقف عند المدخل( كلها اشاعات !!).. وألقى السلام على العامل الهندي الذي يسرع في أداء عمله بمهارة معتادة وألقى اليه ببعض الفكة المتبقية في جيبه وأخبره عن طلبه ؛ وعندما لاحظ مقدم مجموعة من الفتيات؛ تنحى جانبا بمنتهى السرعة ؛ وأطرق برأسه حياءا وخجلا. كان هناك موضوع مثير يناقشنه لدرجة ان اصواتهن كانت تصل اليه بشكل غير متعمد. حاول التجاهل؛ غير ان كلمة ساقطة قد جذبته بذهول باتجاه المتحدثة ( كيف تسمحن لأنفسكن بقول مثل هذه الكلمات البذيئة الشائنة دون ادنى دليل؟! وهل يحتاج الأمر الى دليل حقا ؟! ألم تكن جنان زميلتكن وصديقتكن أنتن أيظا؟! أتحتجن الى من يؤكد لكن انها طاهرة شريفة ؟؟ ياللعجب !! هذه القرية وكأنها دائرة استخبارات ؛ يراقبن الفتاة بكل خطوة عسى ان يمسكن عليها ثغرة ما...) تدافعت الأفكار برأس عباس بقوة ؛ ولم يستطع التهام سندويشاته !! أيعقل ان من يتحدثون عنها هي نفسها التي تحدث عنها جاسم منذ قليل؟؟ ولما لا؟؟؟ فعادة أبناء القرية ان لا يتركوا موضوعا لأجل موضوع اخر؛ الا اذا صار الموضوع الأول قديما وبطي النسيان؛ وهو لا يعتقد ان موضوع الفتاة المدعوة جنان موضوع قديم؛ فعلى ما يبدو هو موضوع الساعة بالقرية قبل ان تظهر ضحية جديدة!!! تنهد تنهيدة عميقة متألمة؛ ان وضع القرية خطير جدا ؛ فأبنائها لم يعد لديهم شاغل سوى تبادل الاشاعات وتناقلها ؛ وأصبحت الأمور الدينية موضة قديمة بالنسبة اليهم !! ان هذا الوضع لا يسكت عليه.._ هكذا قال عباس_ وهو يدخل المنزل متجاهلا موقع مجلس الرجال بشكل متعمد. نعم؛ لن ييأس؛ وستكون قصة جنان المحطة التي سيعبر من خلالها الى أفئدة الناس وعقولهم.... أيقظته والدته أم عباس من أفكاره وهي تضع أطباق العشاء بمقابلته وتسأله بالحاح (عباس يا بني؛ اذهب واستدع أخاك من المجلس؛ لقد جهز العشاء) حاول كتم غيظه جيدا وهو يتمتم قائما بتثاقل (حاظر أمي )................
تعليق