وفي ليلة اليوم الثاني من العيد تسترجع والدة الصبي عافيتها
ويسمع نقر على الباب فيفتح
وكان وراءه الحداد مع زوجته حاملا في يده ثلاثة قوالب سكر
ويؤذن له بالدخول تتبعه زوجته مطأطأة الرأس
ويستقبله الوالد بصلابة رافعا هامته
وتتقدم المذنبة لتقبل رأس الجدة أولا
والوالدة التي مانعتها أولا
وفي الأخير تعانقتا واصطلحتا وكأن شيئا لم يكن
وتقبل زوجة الحداد الصبي
وأعدت لهم صينية شاي وحلوى
ورجعت المياه لمجاريها
وصار الصبي يلعب مع خصم الامس الذي اصبح صديق اليوم
وخرجا ضاحكين مستبشرين
وتمضي أيام وتحضر كل من عمتي الصبي امباركة وزهرة
وقد حملتا لوالدتها ما لذ من طعام وكساء
كما أحضرا للعائلة ما يتعشى به تلك الليلة
وتجتمع الاسرة جميعا بعد حضور الفقير عباس ذو اللحية البيضاء
عم الصبي وكبيرأخويه من الجبل الأخضر محملا
بسلة من عنب ولحم وتين وتكتمل الفرحة لأيام
كلها أكل وشرب وفكاهة
كان الصبي محبوبا عند الكل من حجر هذا الى حجر تلك
وقد احمر وجهه من القبل
كان ابن عمه عبد الماك الذي يكبره بثلاث سنين يغار من الصبي
ويهيئ له المقالب على ما أوتي من قبول حسن
كم كانت والدة الصبي تخشى عليه هذه المقالب وتحذره شرها
لكن الصبي يعيش على فطرته غير مبال بما يحاك له من الغيور
وكانت جدة الصبي تأخذ يد الصبي ليصاحبها الى دكان والده لتاتي بالغاسول والحناء وكل مسلتزماتها
وكانت تجلس معه عندما يصيبها العياء من المشي تضاحكه
وتقص عليه الفصص النهارية بعد العصر والليلية فبل منامه
وكانت المسكينة تعاني من ارتفاع الضغط والمفاصل
وكان السي بوشعيب الممرض ياتي كل صباح ليحنقها حقنة دواء
وتمضي الايام وتمرض الجدة مرض الموت
وكان الصبي ينام مع والده
واستفاق ذلت ليلة على بكاء والده الذي اخبرة بان الجدة ماتت
ويسأله الصبي هل ستبقى معنا؟
لا ياولدي
وتحت صياح اهل الدار الخافت يخرح الصبي ليجد الجميع يبكي
ويرجع لوالده يستفسره
اين ستذهب اذن
سنشيعها الى المقبرة
وندفنها
هل ستعود
لا
اذا مت أنا
هل ستودعوني أيضا
نعم
وانا
وامك
وكل من في الدار والجيران وكل الناس
هذه سنة الله في خلقه
وإذا مات الجميع ولم يبق الا واحدا
من سيدفنه
يسكت الوالد مبتسما لان الصبي
أسكته عن الجواب
وتقام مراسيم الجنازة تحت عين الصبي وقد غصت الدار وما حولها بالمعزين من الاهل والجيران وتخرج الجنازة بعد تغسيلها الى مثواها الاخير على محمل خشبي يحمله اربعة من الرجال يهللون ويكبرون
في جو كله خشوع وتدبر ويتابع الصبي مشهد التشييع الى ان يتوارى عن عينه المشيعون
وفي الليل تقام موائد الكسكس لكل الحاضرين وتتلى ايات بينات من الذكر الحكيم ويتفرق الجمع بعد الدعاء للهالكة بالمغفرة والرضوان
ولا ينسى الصبي
جدته الحنون يتفقدها ويتفقد حديثها وقصصها
و يعاني من الام فراقها ويجلس مكانها يبكي حزنا عليها
وتسكته امه بتوأدة وحنان لتخفف من الامه وأحزانه
وتتداركه بنت عمه حليمة و عمته زهرة بمضاحكته كي ينسى بعض الحزن
كانت حليمة بنت عمه شديدة الارتباط بالصبي ترافقه في سخرتها ولا تذهب الا بصحبته
كيف لا وكانت تركبه في ظهرها أبان احتياجه لظهر يركبه ويغنيه عن المشي الذي ليس بمستطاعه
وتعاني والدة الصبي من تقل الحمل وقد بلغت شهرها الثامن
ويقوم الصبي بكل اشغالها يسقى لها الماء من (العوينة)
ويعينها على تهييئ الطعام في أوقات فراغه
تعلم منها كيف تهيئ العجينة
وبعد أيام وصل موعد مخاض والدة الصبي لتأتي
(القابلة) المولدة التقليدية المسماة أمي اخديجة
المرأة المسنة المحدودبة الظهر صبحة الصبي الذي ذهب في طلبها
والابتسامة تعلو محياها وثغرها الباسم الخالي من الاسنان الا ما بقي
وتتولى عملها بغرفة الوالدة التي تردد في ألم ربي ربي ربي
والصبي ينتظر خارج الغرفة
وبعدقليل يسمع صراخ المولود
وقد انتهى عمل المولده لتبشر من في الدار بأن المولود أنثى
ويذهب الصبي مسرعا لبشارة والده بالمولودة الجديدة يتبع
تعليق