للأديب جبران خليل جبران
المجرم
على قارعة الطريق قعد شاب مستعطياً . فتى قوي الجسم أضعفه الجوع فجلس في منعطف الشارع
ماداً يده نحو العابرين متسولاً مستغيثاً بالمحسنين . مردداً ايات أنكساره . شاكياً الام جوعه.
خيم الليل وقد يبست شفتاه وكل لسانه ولم تزل يده فارغه مثل جوفه فقام أذ ذاك وذهب الى خارج المدينة وجلس بين الاشجار وبكى بكاءاً مراً . ثم رفع نحو السماء عينين يغشاهما الدمع وقال :
والجوع يلقنه:
يا رب قد ذهبت الى الموسر أطلب عملاً فطردت لرثائة أثوابي... وطرقت باب المدرسة فمنعت لفراغ
يدي ... ورمت الاستخدام ولو بكفاف يومي فأبعدت لسوء طالعي .... وأخيراً سعيت متسولاً فرُأني
عبادك يارب وقالوا هذا قوي نشيط والاحسان لا يجوز على ابن التواني والكسل ....
قد ولدتني أمي بأرادتك يارب وأنا كائن الان بكيانك فلماذا يمنع الناس الخبز عني وانا طالب بأسمك؟
في تلك الدقيقة تغيرت سحنة الرجل اليائس فأنتصب وقد لمعت عيناه كالشهب ثم أقتضب من الاغصان
اليابسة نبوتاً ضخماً وأشار به نحو المدينة وصرخ قائلاً:
طلبت الحياة بعرق الجبين فلم أجدها فسوف أحصل عليها بقوة ساعدي
وسألت الخبز بأسم المحبة فلم يسمعني الانسان فسأطلبه بأسم الشر وأستزيد منه
مرت الايام والشاب يقطع الاعناق من اجل الحصول على العقود
ويهدم هياكل الارواح ان تصدت لمطامعه
فنمت ثروته وعم بطشه وصار محبوباً من لصوص القوم ومخيفاً لعقلائهم
ثم انتدبه الامير وكيلاً عنه في تلك المدينة شأن الامراء بأنتقاء ممثليهم
كذا يبتدع الانسان من
المسكين سفاحاً بأستمساكه
ومن أبن السلام قاتلاً بقساوته
جبران خليل جبران
تعليق