مرحبا بطلابنا النجباء
عنت لي فجأة فكرة هذا الموضوع وهو أن تحدثوني عن النوابغ الذين يدرسون معكم أو الذين حدثوكم عنهم,
ما هي عاداتهم ؟ كيف هي هيئاتهم / تصرفاتهم ؟
ما الأشياء الطريفة التي تستثنيهم عن غيرهم ؟ طبعا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن تميزهم في حد ذاته استثناء ..
هل يجلسون في الصفوف الأمامية أم الخلفية ؟
هل يؤثرون الصمت في الفصل أم أن أيديهم دائما يرفعها الحماس للمشاركة ؟
كان قد حدثني والدي عن طالب درس معه , و هذا الطالب - على حد وصف والدي - نسخة مطابقة للأصل عن اينشتاين , ليس في ملامحه فقط
بل حتى في نبوغه و ذكائه الحاد .
قال أن تميزه في مادتي الفيزياء و الرياضيات لم يسبق لزميل اخر أن بلغه .
و الطريف أن هذا الطالب كان يؤثر الجلوس في المقاعد الخلفية و كان لا يحمل معه إلا قصصا بوليسية , و ينهمك أثناء الدرس في قراءة تلك القصص غير عابىء بما يقوله الأستاذ ,
حتى أنه متى أراد النوم في الفصل ينام !
سألت والدي : " كيف يمكن للأستاذ أن يسمح بشيء كهذا ؟ "
فأجابني أن نبوغ هذا الطالب يشفع له ,
بل و قال أنه حين يكون منهمكا في تقليب صفحات قصة بوليسية , ربما يعن له فجأة أن يلقي نظرة خاطفة على السبورة ثم يستأنف قراءة قصته الأثيرة
تلك النظرة الخاطفة كانت تكفيه ليلم بكل شيء , و هذا ما كان يثبته في الامتحانات التي كان يحظى فيها بعلامات تامة .
و للمعلومية فإن الدراسة في تونس في عهد "الحبيب بورقيبة " كانت صعبة جدا , لأن برامجها مستوحاة من برامج الدراسة في فرنسا .
لذا فإن النبوغ في تلك الفترة كان يعتبر حالة نادرة .
---
كان قد درس معي طالب في الكلية إسمه بلال , و كلما حدثوني عن نبوغه أجد صعوبة في تصديق ما يقال ,
اعتمدت على مظهره لأؤسس من خلاله موقفي هذا , فهو لا يحمل معه إلى الكلية إلا ورقة و قلما , في الوقت الذي كانت فيه محاضراتنا مشحونة بالمعلومات , و كانت أيدينا في نهاية كل حصة ترتجف لأننا كنا ننهكها بالكتابة .
كما أن بلال كان محاطا بالطالبات في جميع الأوقات , و كنت أتساءل عن الميزة التي تجذب إليه الطالبات كما ينجذب النحل لرحيق الأزهار ,
و حين قالوا أن نبوغه هو السبب لم أصدق أيضا .
لكن في إحدى حصص الأدب البريطاني , كان بلال هذا مطالبا بتقديم عرض أشبه ما يكون بمحاضرة عن الجوانب التي تجعل من رواية " Jane Eyre " رواية أساسها الأساطير أكثر من الواقع .
حين عرفوا أن بلال هو الذي سيتولى هذه المهمة , غصت القاعة بطلبة من أقسام أخرى , و اتخذ الأستاذ مقعدا في الصفوف الخلفية حتى يتيح المجال لبلال ,
أذكر تفاصيل ذلك اليوم بحذافيره ,
فحين دخل بلال و رأى القاعة ملأى بالطلبة و الطالبات , ألقى نكتة و أذكر أنه ذكر إسم بريتني سبيرز , لكني لا أذكر فحوى النكتة تحديدا ,
فانفجرنا ضاحكين , و شعرنا بالحماس سلفا و بأن تلك الساعة ستكون استثنائية .
و على فكرة بلال منذ الثانية الأولى و حتى الأخيرة لم ينطق إلا بالانجليزية , حتى النكتة نفسها ألقاها بالانجليزية ,
و لم يعتمد على الأوراق , بل كان يحمل في يده ورقة صغيرة جدا ربما لا تزيد مساحتها عن نصف كفه , و كان يلقي عليها نظرة خاطفة مرة كل ربع ساعة .
كانت محاضرة رائعة , مرتبة , بها مقدمة و جوهر و خاتمة , و كانت مشحونة بالأمثلة التي يدعم بها رؤاه و أفكاره .
و كان يتحدث بثقة أدهشتني , كأنه كان بمفرده في القاعة ,
بل إن ثقته بنفسه جعلته لا يتردد في الجلوس على طاولة الأستاذ .
بعد تلك الحصة امنت و بالعشرة بصمت أن بلال نابغة ..
تعليق