بقلم/ أنة حرف
هبة الرحمن
عاشت عائشة في منزل مكون من أم وخمسة بنات وولدان وكان والدهم متوفى وكانت أحيانا تكره نفسها لأنها فتاة.
وظلت تسأل نفسها سؤال واحد هل حقا أنا عار لأني فتاة ولما يفضلون الذكور رغم أن الجميع يقول أتعبني هذا الولد وتذكرت حديث أمها مع جاراتهم
قالت الجارة لأم عائشة ما شاء الله لديك خمسة بنات إلا تنزعجين من رؤيتهن هكذا؟
ردت الأم قائلة بحسرة: الحمدلله على كل حال وما الذي بيدي لأفعله؟
قالت أحدى الجارات: أشعر بك فأنت تعلمين لو كن أولادا لما اهتمتت ولكن كونهن فتيات فهذا أمر مقلق جدا لما لا تزوجي بناتك لترتاحي منهن
أم عائشة: ولما ارتاح منهن لا أنكر أني أتمنى رؤيتهن متزوجات قبل أن أموت ولكن بناتي مؤنسات وحدتي يأكلن معي ويجلسن معي أتسلى معهن أفرح لضحكهن وتبهج روحي مشاجراتهن مع بعض تخيلي لو لم يكن عندي إلا ولداي فقط كنت سأموت من الوحدة يخرجون من الصباح للعمل ولا أراهم إلا على طاولة الغذاء وبعد ذلك كل واحد منهم يرتاح وينام من ضغط العمل ومتاعبه وفي المساء يخرجون مع أصحابهم ولكن بناتي هن معي كل الوقت لا تذهب أحداهن للنوم حتى تطمئن أني بخير فهن هبة الرحمن لي.
الجارة: أنا معك بكل ما قلتي ولكن أنت تعلمين أن البنات هم لا ينتهي إذا خرجن نقلق عليهن حتى يرجعن وإذا تأخرن فهذه مصيبة بحق.
فقالت الأخرى والتي كانت أرملة لم تتزوج بل عاشت لتربي ابنها الوحيد: أنا أحسدك على بناتك أحمدي الله واشكريه دائما كم أتمنى لو كان لي عشرون بنتا ولا هذا الابن العاق الجاحد وكأنني لست معه بنفس المنزل وأكملت بحسرة: عشت حياتي لأجله دللته ولم أحرمه من شيء وهذه هي النتيجة جحود ونكران لا أراه إلا فترات محدودة ليتك تأخذينه وتعطيني أحدى بناتك
قالت أم عائشة ضاحكة: بناتي لا يمكن أن أبدلهن بكنوز الدنيا فهن الكنوز الحقيقية ولله الحمد.
تنهدت عائشة وهي تتذكر هذه الكلمات ثم قالت: الكل يقول البنات يجلبن المصائب فهل هذا من العدل في شيء؟ لماذا لا يقولون ذلك على الذكور فهم من يجلب المصائب والمشاكل.
وكان أكثر ما يحزن عائشة في هذا الأمر أن الكل متناقض في كلامه حتى والدتها وأخوتها: لما حياة الفتاة مجرد أوامر ونصائح أفعلي هذا وإياك من ذاك لا ترفعي صوتك فأنت فتاة لا تجلسي هكذا لا تتأخري وإلى أين أنت ذاهبة ومن أين جئت ومع من كنت على الهاتف لا تلبسي هذا ولا تنامين بهذه الطريقة أنت فتاة وفي نفس الوقت كانت تسمع والداتها تقول أحب بناتي لأنهن كذا وكذا وأخوتها أنت بنت تدللي لأن الفتاة دلال وجمال بل لوحة جدارية ينظر إليه ولا تمس أنت فتاة رقيقة حساسة لا أحب إغضابك عليك أن تكوني ناعمة وطلباتك أوامر لأنك فتاة وأنت زينة الحياة ونور البيوت ومصابيح القلوب تعالى هنا أريدك أكلك فأين يذهب هذا الكلام الناعم عندما يعود أحد أخوتها ومعه بعض الأكياس أو أغراض للبيت فيلقي ما بيده قائلا: لما تقفين هناك تعالى ساعدني وارفعي هذا فهو ثقيل؟؟ ألست أنا الفتاة الناعمة التي خلقت للدلال فلماذا أحمل هذه الأثقال؟
وعندما طلبت منهم مساعدتها في فك الستائر أجابها أحدهم قائلا: هذا ليس من اختصاصي فنظافة البيت اختصاص الفتيات فقط دون الاهتمام أو أدني تقدير لتعبها طول اليوم
ثم تذكرت ذات يوم عندما كن يمزحن مع أخوتها ويلهون مع بعضهم ويضحكون بمرح دخلت الوالدة فوجدت الأخ يمسك أحدى أخواته ويرفعها لأعلى ويدور بها وهم يضحكون صرخت الوالدة قائلة: ما هذا ماذا تفعلون إلا تخجلون من أنفسكم
أجاب الابن: لم نفعل شيء كنت ألاعب أخواتي
قالت الوالدة: حتى وان كن أخواتك فإياك أن تفعل ذلك لأنهن فتيات ولسن أولاد فمن العيب أن تفعل ذلك
والتفتت لبناتها قائلة: وأنتن إلا تخجلن من أنفسكن لماذا تضحكون بصوت عال أنتن بنات لا يجب أن يسمع صوتكن أبدا أكان كلامي واضحا؟
طأطأ الجميع رأسه بحزن ومرت الأيام والشهور وتزوجت عائشة وانتقلت للعيش في بيت زوجها كانت معاملتهم جيدة الجميع يحبها ويحترمها وكانت عائلة زوجها مكونة من أبوين وأربع بنات فأصبحت هي الابنة الخامسة للعائلة ولكن ما ظنت عائشة أنها قد تحررت منه عاد ليسجنها بطريقة جديدة فعندما أرادت الخروج قالت أم زوجها يا بنتي أنت الان متزوجة فهذه الملابس لا تليق بك كزوجة ولا يجب أن تخرجي متى شئت وفي أي وقت أردت في الماضي كنت فتاة حرة تخرجين مع أصدقاءك وقت ما تشائين ولكن الان أنت متزوجة ولا يمكنك فعل كل ما تريدين كما كنت أنت فتاة يا ابنتي وكل ما تقولين وما تفعلين وجميع تصرفاتك محسوبة عليك فانتبهي عزيزتي.
تألمت كثيرا وحزنت وقالت في نفسها: كنت بالأمس هبة الرحمن لهذه العائلة واليوم أنا مقيدة بقيود جديدة لأني فتاة
كانت أم زوجها تتحدث مع أختها قائلة: أحمد الله الذي وهبني بنت جديدة لا تقل محبة عن بناتي مؤدبة وأخلاقها عالية عطرة ندية ناعمة كالقطن ومحببة للجميع الكل يحبها وهي تحب الكل وأنا سأدللها ولن أسمح لأحد بالتعرض لها ما أجمل حديثها و ما أروع بسمتها أحمد الله الذي وهبني البنات أنهن فعلا هبة من الرحمن
فقالت الأخت: صدقت بحق أنهن عطاء من الله سبحانه وتعالى ورزقهن يأتي معهن الحمدلله
قالت عائشة: أدفع حياتي كلها ثمن لمن يجيبني على هذا السؤال الكل يقول الفتاة نعمة الفتاة هبة الرحمن هن الجليسات والإنسيات الفتاة حنان وأمان لولاهن لم نذق للحياة طعما كم هو مسكين ذلك الذي لم يرزق ببنات فأين يذهب هذا الكلام فجأة لما لا يتذكرونه عندما يوقظني أحدهم من النوم فقط لأحضر له طعامه دون أن يهتم لسؤالي إذا كنت تعبة أو لا لما لا يتذكرون أنني فتاة ناعمة وهبة الرحمن عندما لا يجد أحدهم ملابسه نظيفة ومرتبة
وبعد ما يقارب من العام حملت عائشة كان الكل سعيد وينتظر الطفل القادم لهذه العائلة الكل يجهز له شيئا والمرح يملأ أرجاء البيت وبالطبع لا يخلو الأمر من المشاجرات الدافئة فالبعض كان يريد بنتا والبعض الأخر يريد ولدا وكل واحد منهم اختار اسما للقادم الجديد ويتشاجرون في الاسم وكان الجد يهتم بزوجة ولده وينتظر حفيده بفارغ الصبر
وحانت اللحظة التي ينتظرها الجميع ما هي إلا دقائق حتى امتلأ المستشفى بالعائلة من الطرفين في انتظار حفيدهم واللهفة والشوق لحمله تعلو ملامحهم كان الجد يقول: أهم شيء سلامة ابنتي وطفلها وهو مرحب به سواء كان بنت أو ولد
ما هي إلا دقائق خرج الطبيب فنظر الجميع له بلهفة فقال: حمدا لله على سلامتها لقد أنجبت طفلة جميلة كالقمر مبارك عليكم
وفجأة تحولت تلك اللهفة التي كانت تعلو الوجوه إلى خيبة أمل لا حدود لها واختفت تلك الابتسامات على الشفاة وحلت محلها الصدمة والحزن
كان الزوج قد غاب قليلا ليشترى بعض الورود وهدية لزوجته وطفلهما القادم فسقطت الأشياء من يده بلا وعي منه عندما سمع كلمة طفلة
وقال البعض بحزن: حمدا لله على سلامتها في المرة القادمة وغادروا المكان دون رؤية الأم وطفلتها
أما الجدة فجلست على الأرض تصيح: لدى أربع بنات وزوجة ولدي وابنتها الان فماذا أفعل أنا بست بنات ماذا أفعل وظلت تبكي وتلطم وجهها
دخل الجد والزوج لرؤية الطفلة وأمها قائلين ببرود حمدا لله على سلامتك
قالت عائشة بابتسامة: أشكرك أبي
فقال الزوج: ما الاسم الذي اخترته لابنتي يا أبي فقد اتفقنا أنا وعائشة أنك أنت من تسمي أولادنا؟
قال الجد بحدة وغضب: الفتاة تسميها والدتها
وخرج غاضبا ولحقه ابنه أما عائشة احتضنت ابنتها وقبلتها قائلة وهي تبكي: سأسميك هبة الرحمن وأنا من سيحميك يا حبيبتي... لأنك فتاة
@@@@@
أنا أنثى
أنا أنثى
نهار خرجت للدنيا
وجدت قرار إعدامي
ولم أر باب محكمتي
ولم أر وجه حكامي
نزار قباني
تعليق