رحلتي الباهرة إلى دولة الكويت الزاهرة
د . عدنان جواد الطعمة
الأبراج رمز الشموخ و العزة
تربطني والكويت العزيز روابط الإخوة و الصداقة و العلاقات الطيبة الحميمية منذ الطفولة لحد الان حيث كنت أزور الكويت والعوائل الكويتية الصديقة مع المرحومين والدي الكريمين عدة مرات في السنة ، كما عشت مع شقيقتي الكبرى سنتين في الشعيبة و كنا نسافر إلى العاصمة الكويتية في نهاية الأسبوع ونحل ضيوفا عند العوائل الكويتية الصديقة المختلفة . وهكذا نمت و توثقت المحبة في نفسي لدرجة اصبحت الكويت بالنسبة لي وطني الثاني بعد العراق من الدول العربية ، بدون مجاملة أو نفاق .
وقد واكبت تطور الحياة الإجتماعية و العمرانية والثقافية في الكويت منذ زمن المرحوم الشيخ عبد الله السالم الصباح الذي كنت أكن له كل المحبة الإحترام .
و حسب ما اطلعت في رحلة النمساوي ماكس رايش إلى الكويت عام 1952 أن المرحوم الشيخ عبد الله السالم الصباح كان يريد أن يصنع من الكويت جنينة للعالم العربي والعالم ، وكان مشروعه الجليل بأن يشتري من الحكومة العراقية انذاك نصف مياه شط العرب التي كانت تصب في الخليج ، لكن حلمه و مشروعه الكبير لم يتحقق للأسف بسبب تغيير الحكم الملكي في 14 تموز عام 1958 .
مديرة دار الاثار الإسلامية الكويتية سمو الشيخة حصة الصباح
برغم الظروف السياسية المختلفة و فتور العلاقات الديبلوماسية والتجارية و الإقتصادية بين العراق و الكويت لكن علاقتي بأصدقائنا و إخواننا من العوائل الكويتية لم تنقطع لا قبل الغزو الصدامي الوحشي البربري للكويت ولا بعد التحرير . بل أنها اتسعت و ازدادت و توثقت وخاصة في أشهر الغزو العراقي ، حيث كانت إتصالاتي بالأصدقاء و الإخوان الكويتيين مستمرة في ألمانيا و عن طريق الإخوان العرب في أوروبا و المملكة العربية السعودية . وكنت أساهم بدور متواضع في الدفاع عن الكويت و الكويتيين في جامعة مدينتنا وخاصة في نادي طلبة الجامعة ، حيث كانت تدور مناقشات حادة بيني و بين الطلبة العرب حتى أن أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعتبرني كويتيا و يقول أتى الدكتور عدنان الكويتي ، يا للجهل .
سمو الشيخة حصة الصباح
كنت ألتقي بالإخوة السعوديين و اليمنيين الذين كانوا يستعدون لكتابة أطروحاتهم للحصول على شهادة الدكتوراة في إختصاصاتهم المختلفة في نادي الطلبة أو في بيتي عندما كنت ادعوهم . وهؤلاء الإخوة كانوا يؤيدون مواقفي الطبيعية في حين أن بعض الطلبة العرب الاخرين كانوا فرحين باحتلال الكويت .
و عندما كنت أنشر مقالاتي بالعربية في مختلف المواقع والمنتديات العربية كانت تصلني ردود و مشاركات أغلبها مؤيدة لما كتبت من الأعماق و بصورة موضوعية ، لأن الكويت ظلمت و ما حل بالكويت و بالإخوة الكويتيين سيبقى لطخة عار تلاحق النظام البعثي المخلوع و كل مؤيدي الإحتلال إلى يوم القيامة .
معالي الأستاذ الدكتور عبد الله يوسف الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية
فلو كان موقف الكويت غير عادل تجاه العراق ، فإن موقفي كان يختلف ، و هذه هي الحقيقة . وشر البلية ما يضحك عندما كنت أقرأ مشاركات بعض الإخوة و الأخوات من الدول العربية لعدم إطلاعهم على حقيقة ما حدث في العراق و الكويت و جهلهم لتطور الأمور التي حدثت قبل الغزو و أثناء الغزو ، فإني كنت أضحك على مشاركاتهم التي أجبتها بكل أدب و طيبة و موضوعية .
معالي الأستاذ الدكتور عبد الله المهنا عميد كلية الاداب الأسبق لدى زيارته لي في الفندق
إتهمني أحد الإخوان بأني اخذ راتب من الكويت شهريا . و قالت إحدى الأخوات أن الكويتيين إشتروا الصحفيين بفلوس نفطهم . وقالت الأخرى حتما أنك متزوج بكويتية . و قال الاخر أنك تريد أن تحصل على جواز سفر كويتي هههههههه .
سمك في مجمع المركز العلمي الكويتي
أجبت الأول أنا لست بحاجة إلى راتب كويتي فراتبي الألماني يكفيني و لله الحمد . و أجبت الأخت التي قالت بأن الكويتيين إشتروني بفلوس نفطهم باعتباري كاتب ، فقلت لها لا يا عزيزتي . لا يمكن لأحد أن يشتريني بفلوسه
وهل من يدافع عن الحق يشترى ؟ أنا دافعت عن الجزائريين عندما كنت طالبا و عن الفلسطينيين أيضا و أدافع عنهم لحد الان . فهل إشتروني الإخوة الجزائريون بنفطهم أيضا ؟ ما هذا الهراء و التفيكر السقيم ؟
ألسنا نحن عرب و مسلمون ؟
طاووس في مجمع المركز العلمي
أما الأخت التي إدعت بأني متزوج كويتية ، فأجبتها قائلا لو كان هذا الأمر حقيقيا فهذا شرف لي وأعتز به ، لأن هناك صلات رحم بين العوائل الكويتيية و العراقية منذ عشرات السنين ، لكني متزوج بألمانية ، وأن موضوع الزواج يخص شخصين فقط لا دخل لثالث بينهما .
إحدى السفن الشراعية من صناعة البحارة الكويتيين الماهرين أمام مجمع المركز العلمي
أما الأخ الذي قال لي أنك تريد أن تحصل على جواز كويتي ، فأجبته لا يا عزيزي لست بحاجة إلى جواز كويتي مع احترامي إلى الجواز الكويتي ، لأني أملك جوازا ألمانيا أستطيع زيارة كل الدول الأوروبية و أمريكا بدو فيزا و سمة دخول .
هداهم الله و أبعدهم عن مثل هذه الأفكار و الإشاعات الكاذبة المغرضة .
قبة الفلك الصناعية ( القبة السماوية )
ومن خلال سفراتي الكثيرة تعرفت على شخصيات كويتية مرموقة و إخوان أعزاء لا زلت أذكرهم بالخير و الطيبة . وفي أثناء زيارتي لوزارة الإعلام الكويتية لأحد أقربائي السيد فاضل عباس طعمة الذي كان يعمل في قسم الترجمة مسؤولا عن اللغة الألمانية . أخذني الأخ فاضل إلى شخصيتين مرموقتين وعرفني على الشيخ جابر عبد الحميد الشيخ خزعل ( أبو علي ) حفيد الشيخ خزعل الذي كان أميرا للمحمرة سابقا ، كما عرفني على الكاتب و الأديب عبد الرزاق البصير الذي أهدى لي كتابه في رياض الفكر الذي أشرت إليه في موقع اخر من هذه المقالة .
للأسف الشديد لم أدون كل ملاحظاتي لعشرات الرحلات إلى الكويت العزيز ، لأني أعتمد على الذاكرة أولا و ثانيا لم أتبع اسلوب إعداد الكتاب اليومي .
الكتابة عن كل رحلاتي إلى الكويت الشقيق تحتاج فعلا إلى كتابة كتاب ضخم مفصلا إذا أردت التعريف بكل شاردة و واردة عن الكويت إبتداءا من الغوص و صيد اللؤلؤ أو الإبحار بالسفن الشراعية و البوم إلى العراق و الهند وغيرها من أجل التجارة و نقل المياه العذبة للشرب .
وفي أثناء إبحارنا من البصرة بسفينة شراعية كنت مع والدي الكريمين و أختي على ظهر السفينة الشراعية المكشوفة ، وكان قبطان السفينة شخصا هنديا من السيك . أبحرت السفينة الشراعية أو المركب الشراعي من البصرة في جو هادئ باتجاه الكويت و عند غروب الشمس هبت رياح و أعاصير شديدة جدا بحيث كانت أمواج البحر تجتاج سطح السفينة و تغطينا بالمياه . أخذت بالبكاء كأي طفل، قامت والدتي المرحومة بتغطيتي بالبطانية
و أخذ كل من والدي الكريمين بتلاوة اية الكرسي و الأدعية و ايات قرانية . أتى كابتن السفينة الشراعية الذي نسميه النوخذة إلى والدي فقال له إن كان دينكم الإسلامي حقيقيا فاستنجد بالله و بنبيكم لإنقاذنا لأننا سنغرق بعد قليل . قص والدي علينا هذا الحادث عندما كبرت . أخذت والدتي تبكي وتدعو إلى الله بإنقاذنا و كان أبي يتلو ايات كريمة و أدعية . قالت والدتي في ذلك الليل الدامس أخذت الأمواج ترج وتداهم السفينة من كل الإتجاهات ، حيث كانت تصعد عشرات الأمتار و تهبط عشرات المتار ، وكأنها علبة شخاط . قالت والدتي و فجأة ظهر فرس أبيض يمتطيه شخص منير فمسك مقدمة المركب الشراعي و سحبه و بعد دقائق توقفت الأعاصير و الرياح و أصبح البحر هادئا جدا . أتى النوخذة الهندي إلى والدي و قبل يديه و أعطاه مائة روبية و استسلم على يدي والدي المرحوم و قال له أن دينكم الإسلام هو الصحيح ، لذا أريد أن أستسلم .
هذا الحديث سمعته من والدي و والدتي عندما بلغ عمري ما بين الثانية إلى الرابعة عشر سنة .
لا يمكنني أن أنفي أقوال والدي من جهة ولا يمكنني أن أنكر من وجود معجزات من الله سبحانه وتعالي عند الشدة . المهم وصلنا الكويت الشقيق بالسلامة و ذهبنا إلى أقرب بيوت العوائل الكويتية مثل بيت معرفي أو عبد الرسول علي أو بيت شيرين وغيرها من العوائل الكريمة الصديقة .
و في إحدى سفراتي تعرفت على الأديب الشاعر الدكتور خليفة الوقيان الذي رحب بي أجمل ترحيب و أخذني معه بسيارته من فندق فينيسيا الواقع في نهاية شارع فهد السالم لزيارة الأديب الكاتب الأخ محمد الصالح الإبراهيم للإطلاع على الأمسيات الأديبية في ديوانيات الكويت أي في ديوانية الأخ محمد الصالح الإبراهيم حفظه الله .
الأخت دلال جابر الفضلي سكرتيرة الشيخة حصة الصباح
كانت تلك الأمسية من روائع الأمسيات التي تمتعت بها كثيرا . و في اليوم التالي جاء إلي الأخ الأديب محمد الصالح الإبراهيم بسيارته و أخذني معه بسيارته إلى منزله الثاني لكي يريني مكتبته العامرة الحاوية على نفائس المخطوطات العربية . أما في اليوم الثالث زرت بحضور الأخ الأديب الشاعر الدكتور خليفة الوقيان المرحوم الشاعر الكويتي الشهير أحمد العدواني الذي كان في حينه رئيسا للمجلس الوطني الكويتي .
عجبتني قصيدة الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح بعنوان :
بطا قة من حبيبتي الكويت ، التي ترجمتها إلى الألمانية ضمن القصائد الأخرى عام 1995 ، فلنقرأ و إياكم هذه القصيدة الرائعة :
بطاقة من حبيبتي الكويت
(1)
نحن باقون هنا . .
نحن باقون هنا . .
هذه الأرض من الماء إلى الماء . . لنا
و من القلب إلى القلب . . لنا
و من الاه الى الاه . . لنا
كل دبوس إذا أدمى بلادي
هو في قلبي أنا
(2)
نحن باقون هنا
هذه الأرض هي الأم التي ترضعنا
و هي الخيمة ، و المعطف ، والملجأ ،
و الثوب الذي يسترنا
و هي السقف الذي نأوي إليه
و هي الصدر الذي يدفئنا . .
و هي الحرف الذي نكتبه . .
و هي الشعر الذي يكتبنا . .
كلما هم أطلقوا سهما عليها
غاص في قلبي أنا . .
(3)
سندباد . كان بحارا خليجيا عظيما . . من هنا
و الذين اشتركوا في رحلة الأحلام ، هم أولادنا
و المجاديف التي شقت جبال الموج كانت من هنا . .
إننا نعرف هذا البحر جدا . . مثلما يعرفنا . .
فعلى أمواجه الزرق ولدنا
و مع الأسماك في البحر سبحنا
و مع الصبيان في الحي . . لعبنا . . و سهرنا . . و عشقنا . .
(4)
هذه الأرض التي تدعى الكويت
هبة الله إلينا . .
و رضاء الأب والأم علينا . .
كم زرعنا أرضها نخلا و شعرا
كم شردنا في بواديها صغارا
و نخلنا رملها شبرا فشبرا
و على بلور عينيها جلسنا نتمرى
(5)
هذه الأرض التي تدعى الكويت
بيدر القمح الذي يطعمنا . .
نعمة الرب الذي كرمنا
و يد الله التي تحرسنا
قد عرفنا ألف حب قبلها . .
و عرفنا ألف حب بعدها . .
غير أنا
ما وجدنا امرأة أكثر سحرا
ما وجدنا وطنا
أكثر تحنانا ، ولا أرحم صدرا
هذه الأرض التي تدعى الكويت
هي منا . . و لنا
كل دبوس إذا أوجعها . . هو في قلبي أنا . .
(6)
هذه الأرض التي تدعى الكويت
نحن معجونون في ذراتها
نحن هذا اللؤلؤ المخبوء في أعماقها
نحن هذا البلح الأحمر في نخلاتها
نحن هذا القمر الغافي على شرفاتها .
هذه الأرض التي تدعى الكويت . .
هي عطر مبحر في دمنا
و منارات أضاءت غدنا
و هي قلب اخر في قلبنا .
(7)
الكويتيون باقون هنا
الكويتيون باقون هنا
و جميع العرب الأشراف باقون هنا
الكويتيون باسم الله . . باسم السيف
باسم الأرض ، و الأطفال ، والتاريخ
باقون هنا
نلثم الثغر الذي يلثمنا
نقطع الكف التي تضربنا
و في إحدى الرحلات إلى الكويت عام 1977 زرت جامعة الكويت لغرض الإطلاع على مكتبة جامعة الكويت التي كان يترأسها المرحوم سليمان الكلندر ( القلندر ) انذاك و تعرفت في المكتبة على الأخت عواطف خليفة العذبي الصباح التي كانت تعد دراسة عن الشعر الكويتي الحديث . كما تعرفت على أحد الإخوان الأعزاء المرحوم عبد المجيد المحميد الذي كان يعمل في المكتبة باحثا علميا الذي توطدت علاقتي معه و صلاتي به بعد ذلك اللقاء . وكنت أستأنس برسائله و مراسلاتنا .
قسم المخطوطات في مكتبة الشيخ جابر الأحمد المركزية
كما زرت بعض المكتبات الأهلية في شارع فهد السالم الصباح مثل المكتبة العربية كان صاحبها الأخ حيدر على ما أذكر الذي اشتريت منه عدة كتب مختلفة إستمرت علاقتي معه في شراء الكتب لفترة طويلة و في منطقة بنيد القار كان صاحب إحدى المكتبات الحاج المرحوم محمد باقر معرفي الذي اشتريت منه بعض فهارس المخطوطات العربية .
زيارتي لمدير مكتب الدكتورة سعاد الصباح الأستاذ الشاعر المرحوم محمد خالد القطمه
و بتاريخ 10 / 6 / 1977 أهدى لي الأستاذ الدكتور عبد الله يوسف الغنيم كتابه القيم الذي حقق مخطوطة كتاب :
جزيرة العرب من كتاب الممالك و المسالك لأبي عبيد البكري و كتب عنه دراسة مفصلة .
صورة الحاج المرحوم محمد باقر معرفي صاحب إحدى المكتبات في بنيد القار أردت شراء بعض الكتب من المكتبة
تعليق