مدرسة طليطلة للترجمة و للمترجمين ودورها الطليعي لنقل العلوم الإسلامية إلى أوروبا
د . عدنان جواد الطعمة
منظر عام لمدينة طليطلة
منذ اوائل الثمانينات ركزت على موضوع الدراسة في جامعة مدريد أو في طليطلة لكتابة أطروحة دكتوراة ثانية عن حركة الترجمة في أسبانيا و خاصة عن مدرسة طليطلة للمترجمين ، حيث أنها ترجمت أهم الكتب ( المخطوطات و الرسائل العربية ) في العلوم و الفلسفة إلى اللغة اللاتينية و الأسبانية .
ساحة زوكودوفر يطلق عليها نبض و قلب طليطلة
ومن مدرسة طليطلة للمترجمين إنتقلت هذه الكتب العربية الإسلامية عبر الجسر الثقافي الأسباني إلى أوروبا . و في أوروبا ترجمت هذه المصادر العربية من اللاتينية إلى بعض اللغات الأوروبية المحلية .
فمن هذا المنطلق وددت أن أكتب رسالة الدكتوراة عن دور مدرسة طليطلة للمترجمين الطليعي وعن الفونسو العاشر الحكيم لنشر العلوم العربية و الإسلامية و الفلسفة باللغة اللاتينية إلى أوروبا .
قدمت أوراقي إلى الملحق الثقافي الأسباني في بون و حدثته عما إذا كان بالإمكان الحصول على بعثة أو زمالة دراسية من جامعة مدريد لغرض القيام بالكتابة عن هذه المدرسة العظيمة . وقد رحب الملحق الثقافي الأسباني بهذه المبادرة وقام بمساعدتي في ترجمة سيرة حياتي و شهاداتي إلى الأسبانية و وعدني خيرا .
باب مسجد إبن مردوم الصغير
بدأت في مكتبة جامعة مدينتنا الألمانية بمراجعة المصادر الألمانية و العالمية التي كتبت عن هذه المدرسة و أيضا بعض المصادر العربية ، حيث كتبت على جزازات ورقية عناوين الكتب و المصادر التي عثرت عليها .
و في شهر تموز عام 1985 قمت برحلتي إلى مدريد لزيارة بنت اختي و زوجها و طفليها و متابعة موضوع البعثة الدراسية . سجلت في دورة تعليمية مركزة للغة الأسبانية للمبتدئين في إحدى المدارس في مدريد لمدة اسبوعين لغرض تعلم المبادئ الأساسية و الأولية للغة الأسبانية .
كاتدرائية طليطلة
كانت لدينا فقط اربع ساعات قبل الظهر يوميا . و بعد تناول طعام الغداء كنت أحمل حقيبتي مع الكتب الأسبانية وجهاز التسجيل الصغير واكي توكي و أذهب إلى منتزه رتيرو الجميل في مدريد يوميا ، حيث كنت أحفظ مفردات كل درس و أقرأ قواعد اللغة الأسبانية بالعربية و الألمانية و الإنكليزية و الأسبانية لكل موضوع .
بوابة الشمس أو بوابة مودخار
ومما يلفت النظر أن قواعد اللغة الأسبانية للمبتدئين كنت أحفظه و أتقنه جيدا باتباع طريقتي الخاصة لحفظ اللغة الأسبانية ، حتى أن المعلمة لم تصدقني بأني مبتدئ و ليست عندي معلومات عن الأسبانية سابقا .
كان الجو في منتزه رتيرو رائعا و ساحرا وكنت اسير و أستمع بالووكي توكي إلى كل مفردات و نصوص الدروس و بإعادة الإستماع كنت أحفظ يوميا ما يقارب 30 إلى خمسين كلمة أسبانية بالإضافة إلى تصريف الأفعال .
طلبت من بنت أختي و زوجها أن يسألاني عن كلمات الدروس العشرة ، حتى دهشت بنت أختي وقالت ما شاء الله عليك يا خالي عندك ذاكرة قوية .
لقطة أخرى للقصر
وبعد الإنتهاء من الدورة التي دامت أقل من أسبوعين ذهبت إلى سكرتارية جامعة مدريد و سألت السيدة المسؤولة عن نتيجة البعثة ، فأجابت بأن الظروف المالية ضعيفة الان و قد وزعت الجامعة المقاعد الدراسية على الطلبة الأجانب في مطلع العام الدراسي . أما الان فلا توجد لدينا مقاعدا و زمالات دراسية لطلاب البعثة و اعتذرت .
منظر عام لمدينة طليطلة
و على ضوء ذلك قررت السفر إلى طليطلة لزيارة الأماكن التاريخية القديمة و المتحف و قصر الملك ألفونسو العاشر الحكيم و كذلك الجسر أو القنطرة التي عبرت عليها الجيوش العربية إلى الجانب الاخر و احتلت طليطلة .
أخذت في اليوم التالي مبكرا أول قطار يتجه إلى طليطلة من مدريد . لا أتذكر بالضبط كم ساعة استغرق الطريق حتى وصولنا إلى طليطلة ، إلا أني وصلت قبل الظهر ما بين الساعة العاشرة و الحادية عشر ، حيث قطع القطار مسافة 74 كيلومترا تقريبا .
محطة قطار طليطلة القديمة
نزلت من القطار و اتجهت مسرعا إلى دائرة الإستعلامات لزيارة قصر الملك الفونسو العاشر و بقربه المتحف الذي شاهدت فيه الأسلحة و الملابس الحديدية والدروع و الخوذ و القطع الفنية الإسلامية . و بعد انتهائي سألت عن القنطرة و توجهت إليها و مشيت فوقها حتى عبرت الجانب الاخر . وهذه القنطرة بنيت فوق نهر التاخو أو التاجو . يطلق على هذا الجسر إسم جسر سان مارتين المكون من خمسة أقواس . يطل برجان للحراسة على جانبي القنطرة أو الجسر ، أحدهما من عصر الباروك شيد في القرن الثامن عشر و الثاني تم بناؤه سنة 1217 ميلادية مع بوابتين و شبكة من القضبان الحديدية .
إن الواجهة الأمامية لبوابة القنطرة تحمل شعار المدينة في عصر الباروك .
لقطة أخرى للقنطرة والقصر
وهناك تصورت عبور جيوشنا العربية و الإسلامية بعدتهم و عددهم و خيولهم العربية الأصيلة كفلم سينائي عرض امامي وفي ذاكرتي . غلتقطت بعض الصور ثم عدت إلى مركز المدينة .
و بعد ذلك زرت متحف المغاربة Taller del Moro و متحف سانتا كروث Museum Santa Cruz
و زرت مسرعا القصر الكبير و مررت بالكاتدرائية و شاهدت بوابة الأسود . كما شاهدت بوابة الشمس و زرت الجامع الصغير Moschee del Cristo de la Luz و مررت ببوابة الفونسو السادس التي يطلق عليها البوابة القديمة لبساغرا Bisagra .
إحدى بوابات القنطرة مع برج المراقبة و الحراسة
شعرت بالإحباط و الأسى و الحزن العميق لفقدان هذه المدينة الحضارية الرائعة التي كانت فعلا مركزا ثقافيا و علميا شامخا يسودها السلم و التعاون و التفاهم بين الديانات الثلاثة الإسلامية و المسحية واليهودية و غيرها التي كانت تعيش تحت ظلال الإسلام الوارفة و المنيرة .
زرت مكتبات مدريد للبحث عن المصادر عن هذه المدرسة العظيمة التي تأسست بعد 300 سنة من تأسيس بيت الحكمة في بغداد . كما زرت معهد ميغل أسين و مكتبته و مكتبة المعهد الأسباني المصري الذي أسسه المرحوم طه حسين .
بعد عودتي من زيارة طليطلة قررت السفر والعودة إلى ألمانيا حاملا معي مجموعة لا بأس بها من الصور والمعلومات و بعض الكتب و المراجع الأسبانية التي اشتريتها و استنسختها .
فمن بين تلك الكتب المهمة كان كتاب :
JUAN VERNET : LA CULTURA HISPANOARABE EN ORIENTE Y OCCIDENTE, EDOTORIAL ARIEL, BARCELONA 1978 .
لم تكن في حينه معلوماتي للأسبانية كافية لقراءة هذا الكتاب الأسباني لأني لم أكمل دراستي للأسبانية ، لذا وضعت هذا الكتاب و المراجع الأسبانية الأخرى في أحد أدراج مكتبتي .
فمن حسن الحظ لدى زيارتي الجناحين الأسباني و الألماني في معرض الكتاب الدولي الذي أقيم في مدينة فرانكفورت وجدت أن هذا الكتاب قد ترجم إلى الألمانية من قبل كورت ماير
و صدر عام 1984 :
تعليق