حين استرجعت ذاكرتها - ذات يوم - قالت :
"كنت أغسل وجهي في ليلة تجاوزت فيها الحد الأقصى من السهر. طأطأت رأسي صوب صنبور قديم يصدر صريرا مزعجا كلما سكب ماءه,
خشيت أن يستيقظ أهل البيت, فهم ينتظرون أخطائي كي يضعوني أمام سبابات الإتهام ..
ينتظرون أن يبدأوا برشق التهم التي لابد أن يسبقها هذا السكين :" ألا يكفي أنك عانس .... "
كيف كانوا سيدركون حجم الألم في صدري إن كانوا لا يقرون بأني إنسان, وأن لي قلبا ينبض في اليوم الاف المرات رغما عنه !
كيف كانوا سيلمحون دموعا بحجم الحجارة تهطل من عيني وترتطم بوجهي كي تكسره أكثر !
رجوت الصنبور أن يخفض صوته, أن لا يفضحني, فوجهي لازال مغمورا بالصابون, والصابون لازال عالقا على الجلد, بليدا لا يزال من لطمة ماء واحدة !
أردت أن أغسل السهاد من عيني, فقد كرهت إقامته الدائمة فيها,
أردته أن يبتعد قليلا فقط, كي يتسنى لي النوم, لعل النوم يأخذني إلى الله !
فقد سمعت أن أغلب البشر يذهبون إلى الأعلى ... كلما سلموا رقابهم لوسادة [قاتلة] .. !
غسلت وجهي, وأغلقت الصنبور ليعود الهدوء إلى المكان,
أمعنت في الإنصات وتبين لي أن لا أحد كان مستعدا للنهوض كي يشتمني !
لأول مرة, يحفظ الماء كرامتي ... لليلة واحدة !
عدت إلى الوسادة البالية, ركنت رأسي إليها, وشممت رائحة بؤس أتقن رأسي طبعها عليها .. بؤس غير ألوان الورد المنقوشة على قماشها, جعلها تبدو كأن يدا سافرت بها لحضور ألف عزاء دون أن ترضى الأضرحة بإحتوائها ..
رأيت وجه أمي بين عيني كأنه يبكي, ويسكب على جسدي دموعا من نار,
رأيت إخوتي وهم يصفعون وجهي بالتناوب, كأن وجهي الذي علته تجاعيد الثلاثينات يناديهم كي يضربوه أكثر ... ويخفون بزرقة اللكمات تلك التجاعيد !
رأيت أبي جالسا على كرسيه البارد, يقرأ المصحف ويدعو في سره أن يا رب خلصني من هذا الحمل !
رأيتني وأنا أسير صوب قبري حافية من كل شيء .. إلا من الموت !
فقط لعل الموت سيأتيني إلى هناك حين أنام بين جلود التراب إلى الأبد !
ز.م 21-06-2010
"كنت أغسل وجهي في ليلة تجاوزت فيها الحد الأقصى من السهر. طأطأت رأسي صوب صنبور قديم يصدر صريرا مزعجا كلما سكب ماءه,
خشيت أن يستيقظ أهل البيت, فهم ينتظرون أخطائي كي يضعوني أمام سبابات الإتهام ..
ينتظرون أن يبدأوا برشق التهم التي لابد أن يسبقها هذا السكين :" ألا يكفي أنك عانس .... "
كيف كانوا سيدركون حجم الألم في صدري إن كانوا لا يقرون بأني إنسان, وأن لي قلبا ينبض في اليوم الاف المرات رغما عنه !
كيف كانوا سيلمحون دموعا بحجم الحجارة تهطل من عيني وترتطم بوجهي كي تكسره أكثر !
رجوت الصنبور أن يخفض صوته, أن لا يفضحني, فوجهي لازال مغمورا بالصابون, والصابون لازال عالقا على الجلد, بليدا لا يزال من لطمة ماء واحدة !
أردت أن أغسل السهاد من عيني, فقد كرهت إقامته الدائمة فيها,
أردته أن يبتعد قليلا فقط, كي يتسنى لي النوم, لعل النوم يأخذني إلى الله !
فقد سمعت أن أغلب البشر يذهبون إلى الأعلى ... كلما سلموا رقابهم لوسادة [قاتلة] .. !
غسلت وجهي, وأغلقت الصنبور ليعود الهدوء إلى المكان,
أمعنت في الإنصات وتبين لي أن لا أحد كان مستعدا للنهوض كي يشتمني !
لأول مرة, يحفظ الماء كرامتي ... لليلة واحدة !
عدت إلى الوسادة البالية, ركنت رأسي إليها, وشممت رائحة بؤس أتقن رأسي طبعها عليها .. بؤس غير ألوان الورد المنقوشة على قماشها, جعلها تبدو كأن يدا سافرت بها لحضور ألف عزاء دون أن ترضى الأضرحة بإحتوائها ..
رأيت وجه أمي بين عيني كأنه يبكي, ويسكب على جسدي دموعا من نار,
رأيت إخوتي وهم يصفعون وجهي بالتناوب, كأن وجهي الذي علته تجاعيد الثلاثينات يناديهم كي يضربوه أكثر ... ويخفون بزرقة اللكمات تلك التجاعيد !
رأيت أبي جالسا على كرسيه البارد, يقرأ المصحف ويدعو في سره أن يا رب خلصني من هذا الحمل !
رأيتني وأنا أسير صوب قبري حافية من كل شيء .. إلا من الموت !
فقط لعل الموت سيأتيني إلى هناك حين أنام بين جلود التراب إلى الأبد !
ز.م 21-06-2010
تعليق