جوانب من تجربتي الشخصية في دراسة و ترجمة شعر الأمير خالد الفيصل إلى الألمانية
د . عدنان جواد الطعمة
يسعدني جدا أن يكون لي شرف المساهمة و بكل تواضع في ترجمة قصائد مختارة من الشعر العربي الفصيح و الشعبي العراقي و النبطي السعودي إلى الألمانية لإثراء المكتبة الألمانية و منح الشعوب الأوروبية الناطقة بالألمانية فرص الإطلاع على تراثنا الأدبي العربي بأنواعه الثلاثة .
ويسرني بهذه المناسبة السعيدة أن أسلط الأضواء على محاولتي الناجحة للتعريف بروائع شعر سمو الأمير خالد الفيصل من خلال ترجمة نماذج منه إلى الألمانية التي صدرت في ألمانيا باللغتين العربية و الألمانية للأمير خالد الفيصل عام 1997 بعنوان : قصائد حب
إن أول أمر أود أن أشير إليه بإيجاز هو ان محاولتي انطلقت من الإيمان بضرورة ترجمة تراثنا العربي الإسلامي إلى اللغات العالمية ، و الإعتقاد بأنه لابد من اللجوء إلى الترجمة ، في مختلف المجالات بما فيها الشعر ، للتعريف بإنجازاتنا الأدبية و الفكرية و الثقافية على أوسع نطاق ممكن بالرغم مما يقال – كما قيل منذ أقدم العصور – عن استحالة ترجمة الشعر من لغة إلى أخرى ، أو أن ترجمة الشعر خيانة للشعر إذ أننا لا نملك سبيلا اخر غير الترجمة إذا أردنا الخروج بشعرنا من إطاره القومي إلى الصعيد العالمي .
و بسبب هذا الإيمان أقبلت على ترجمة شعر الأمير – كما قمت من قبل بترجمة مختارات من شعرنا العربي المعاصر للشعراء إيليا أبو ماضي ، و حليم دموس ، و نزار قباني ، و محمود درويش ، و سميح القاسم ، و أبو ضاري ، و خالد البارودي ، ومظفر النواب و غيرهم ، و للشاعرات الدكتورة سعاد الصباح ، و الدكتورة فدوى طوقان ، و بديعة كشغري – إلى الألمانية .
أما تجربتي في ترجمة شعر الأمير خالد الفيصل فيعود تاريخها إلى مساء يوم 24 / 3 / 1995 حين قدمت محطة تلفزيون الأم . بي . سي mbc سموه وهو يلقي بعض قصائده بما عرف به من حسن الإلقاء و بلاغة التعبير .
ولا أخفي عليكم ، أيها القراء الكرام ، اني اعجبت أشد الإعجاب بما القى من قصائد ، و في مقدمتها قصيدته " النيل الأسمر " التي يناجي فيها نهر النيل معبرا عن حبه لوطنه و اعتزازه بجذوره :
يا اسمر النيل عاودني عليك الحنين من ثلاثين عام ما تغير هواك
ساري بي غرامك ما طوته السنين كل ما قلت أبا انسى زاد عندي غلاك
ملهم المبدعين و ساحر العاشقين من قديم الزمان الفن زهرة عطاك
إسقني واروني يا ساقي الخالدين وابعث الوجد من عاطر نداك و مساك
في قصيدي خيال و في ضميري يقين وفي لساني هواك و في عيوني بهاك
شاعر من صحاري نجد لحني حزين جيت أغني غرامي بين ماك و سماك
من رياض النشامى و قبلة المسلمين حامل لك خزامى و قحويان و راك
إقبل الحب مني يا هوى الحالمين طيف حبي على موجك سرى به ملاك
ولحسن الحظ كنت قد سجلت هذه الأمسية الشعرية مما هيأ لي الإستماع مجددا إليها عدة مرات ، و ساعدني ذلك على أن أستوعب – إلى حد كبير - ما ورد في القصائد من معان سامية ، و صور جميلة و أحاسيس مرهفة .
وفي اليوم التالي بدأت بالبحث في مكتبات المدينة الجامعية عما إذا كانت هناك ترجمات ألمانية لقصائد الأمير أو للشعر النبطي عموما ، و لم أوفق في الوقوف على أية ترجمة أو أي مرجع يتناول الشعر النبطي . فقررت في حينه القيام بهذه المهمة لسد النقص في المكتبة الألمانية ، و تعريف الشعوب الناطقة بالألمانية بالشعر النبطي السعودي .
مر مشروع الترجمة بمراحل عدة :
أولها مرحلة الحصول على دواوين الأمير خالد الفيصل و مراجع خاصة بالشعر النبطي ، و شعر الأمير ، فلجأت إلى عدد من المسؤلين و الباحثين السعوديين الذين تفضلوا مشكورين بتزويدي بمجموعة من دواوين الشعر النبطي و الدراسات المتعلقة به .
وكان في مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل و الأستاذ الباحث العلامة المرحوم حمد الجاسر و الملحق الثقافي في حينه الأخ الدكتور راجي بن قبلان العتيبي في بون .
وفي المرحلة الثانية قمت بعد دراسة الأعمال المذكورة بإعداد معجم لمصطلحات الشعر النبطي للتعرف على معانيها مستعينا بجهاز الحاسوب – ثم أتيح لي أن أزور السعودية بدعوة من صاحب السمو الأمير – لحضور إحتفال توزيع جائزة الملك فيصل ( رحمه الله ) العالمية و احتفالات الجنادرية ، وكانت هذه الزيارة أشبه ما تكون بالعمل الميداني ، إذ استطعت خلالها الإستماع إلى أمسيات شعرية أخرى ، و الإستعانة بعدد من الباحثين كالدكتور عبد الله العثيمين و اللواء عبد القادر كمال ، لمراجعة ما اخترت من قصائد الأمير و شرح مفرداتها ، و مضامينها . و بعد جمع المصادر و كتابة شروح القصائد أثناء إقامتي في المملكة عدت إلى ألمانيا في نهاية الشهر .
مرحلة الترجمة الفعلية . وقد استغرقت هذه المرحلة وقتا طويلا كنت خلالها أعرض ما أترجم من القصائد على عدد من الأصدقاء الألمان المهتمين بالأدب الألماني ، مستعينا بما يبدون من رأي أو إقتراح بشأن أساليب التعبير في اللغة الألمانية .
جابهتني صعوبات كثيرة و كنت ألتجئ إلى الإتصالات بالهاتف أو الفاكس مع الأخوين الدكتور عبد الله العثيمين و اللواء عبد القادر كمال و أحيان بمكتب سمو الأمير خالد الفيصل لشرح المصطلحات ، كما بذلت غاية الجهد لمراجعة المعاجم العربية و الألمانية .
ومن أجل الفائدة العلمية العامة وضعت لمفردات قصائد الأمير معجما في اخر الكتاب لكي يستعين به القراء العرب و الألمان أو الأوروبيون المعنيون بالعربية . و قد يجد القارئ اختلافا طفيفا في بعض المصطلحات المترجمة إلى الألمانية عن الأصل و ذلك لأني اعتمدت بالدرجة الأولى على مضمون كل بيت شعري من القصيدة و بأمانة تامة .
يتناول شعر الأمير خالد الفيصل أغراضا عدة ، كالرثاء و الفخر و الغزل و الوصف ، وقد حاولت تمثيلها قدر المستطاع في القصائد المترجمة .
ربما يستغرب القارئ الكريم بأني أضفت الرثائية الخالدة الحزينة " لا هنت " التي تأثرت بها شخصيا إلى قصائد حب بعد اتصالي بسمو الأمير خالد الفيصل لأخذ موافقته ، لأني اعتبرتها قمة الحب ، حب الإبن لأبيه ، حيث وافق سموه على ترجمتها .
و عندما صدر كتاب الأمير خالد الفيصل : قصائد حب ، في مطلع 1997 سافرت إلى بون للسفارة السعودية للحصول على الفيزا زرت سعادة السفير السعودي الأستاذ عباس غزاوي
و رجوته بأن يدعو سمو الأمير خالد الفيصل لإحياء أمسيته الشعرية في بون ، فرد علي يمكنك عرض هذه الفكرة والدعوة على سمو الأمير لدى زيارتك له .
و أثناء زيارتي لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في مدينة أبها البهية بمناسبة افتتاح المشاريع السياحية طرحت هذه الفكرة على سموه فرحب بها .
وبعد عدة شهور قدم سمو الأمير إلى بون و أحيا أمسيته الرائعة ، و كان لي شرف الحضور فيها و الجلوس في الصف الأمامي بجانب معالي سفير دولة الكويت الأخ عبد العزيز الشارخ للإستماع إلى إلقاء الأمير نماذج من قصائده المختارة .
تمنى سفير دولة الكويت الأستاذ عبد العزيز الشارخ على سمو الأمير الملكي خالد الفيصل أن يلقي على أسماعنا قصيدة " لا هنت " الرثائية الخاصة ، فلبى الأمير هذا الرجاء على الفور و القاها على أسماعنا بصوت شجي و إلقاء عظيم نابع من الصميم ، حيث خيم الحزن و الأسى علينا و على كل المستمعين و المستمعات . فلنقرأ معكم هذه الرثائية " لا هنت "
لا هنت يا راس الرجاجيل لاهنت لا هان راس في ثرى العود مدفون
والله ما حطك بالقبر لكن امنت باللي جعل دفن المسلمين مسنون
منزلك يا عز الشرف لو تمكنت فوق النجوم اللي تعلت على الكون
سكنت دار المجد يا شيخ واسكنت شعبك معك في منزل العز ممنون
صنت العهد يا وافي العهد ما خنت علمتهم وشلون الاشراف يوفون
كم ظالم عاداك و اعفيت و احسنت واخلفت ظن جموع ناس يظنون
شلت الأمانه حافظ ما تهاونت شفنا بك رجال على النفس يقوون
ياللي طلبه الملك بالحب زينت عرشك بتاج قلوب شعب يحبون
لونت تاج الملك ما قد تلونت ما غرتك دنياك ما صرت مفتون
بالزهد و المعروف و الصبر كونت منهاج فيصل منهج اللي يعدلون
تلفتت روس المخاليق وين انت وين العظيم و عود الشوف مطعون
كم خافق وقف عقب ما تكفنت وكم ناظر ذوب سواداه محزون
لو شفت حال الناس عقبك تبينت مقدار حب الناس للي يودون
مما بقلبي قلت يا بوي لا هنت والا انت فوق القول مهما يقولون
و أذكر على سبيل المثال ففي قصيدة " لا تسألوني " يتغنى الشاعر في هذه القصيدة بتربته و بلاده و بأصله و طبيعة بيئته الصحراوية الجميلة . إذ يقول فيها :
لا تسألوني ليه أنا عاشق خزامى مستهام
إذا عرفتوني أنا تدرون وش سر الغرام
أصلي أنا بيتي شعر و البر هو ديرة هلي
فرشي ثرى و سقفي سما وترابها غالي علي
أشفق على خزة ظبي في طعس من فوق الغدير
ومشاهدة سرب القطا من روض للثاني يطير
الله على شمس المغيب و الليل إلى نسنس هواه
الضو تقدح بالجمر و النجم يقدح في سماه
وفي قصيدته الرائعة " من بادي الوقت " يقدم الشاعر لنا الحكم و تأملاته في الحياة :
من بادي الوقت هذا طبع الأيام عذبات الأيام ما تمدي لياليها
حلو الليالي توارى مثل الأحلام مخطور عني عجاج الوقت يخفيها
أسري مع الهاجس اللي ما بعد نام واصور الماضي لنفسي واسليها
أخالف العمر أراجع سالف أعوامي و أنوخ ركاب فكري عند داعيها
تدفى على جال ضوه بارد اعظامي و الما يسوق بمعاليقي و يرويها
إلى صفالك زمانك عل يا ظامي إشرب قبل لا يحوس الطين صافيها
الوقت لو زان لك يا صاح مادام يا سرع ما تعترض دربك بلاويها
حتى وليفك ولو هيم بك هيام سيور الأيام تجنح به عواديها
والصور الشعرية عند الأمير خالد الفيصل مفعمة بالصيغ الفنية يجمع من خلالها الافاق المتنوعة و التعبيرات و الإستعارات الجميلة كقوله في قصيدته " يا وش بقى " :
يا وش بقى باعطيك مني ولا جاك ما باقي إلا روحي أحيا بها لك
أوصف جمالك كل ما انشدت و أهواك وأزين أيامي بجلسة خيالك
يالغايب الحاضر بقلبي ولا القاك أقرب من عروقي و صعب منالك
شالك زماني عن عيوني و وداك لاشك وثق في ضلوعي حبالك
يا حاجب شمسي ورا ليل جفواك ما بالعهد بك قاسي في دلالك
وش غيرك يا منوة القلب وأطغاك على حبيب ما تخير بدالك
دنياي ما تصلح بلا شمس دنياك و الليل يوحش لو تغيب هلالك
ما ينقطع ظما الهوى إلا على ماك ولا يهون حره إلا ظلا لك
ولا تشوف العين زين بلياك ولا يطرب سمعي إلا مجالك
ولا انتفض قلبي من الحب لولاك ولولاك ما يبدي علي ما بدا لك
وفي قصيدته " المعاناة " المحببة إلى نفسي ، أحاسيس مرهفة وصور بديعة تعبر عن الأصالة العربية في الكرم و العطاء :
ياليل خبرني عن أمر المعاناة هي من صميم الذات والا اجنبيه
هي هاجس يسهر عيوني ولا بات أو خفقة تجمح بقلبي عصيه
أو صرخة تمردت فوق الأصوات أو ونة وسط الضماير خفيه
أو عبرة تعلقت بين نظرات أو الدموع اللي تسابق هميه
أعاني الساعة وأعاني مسافات و أعاني رياح الزمان العتيه
واصور معاناتي حروف و ابيات يلقى بها راعي الولع جاذبيه
ولا نيب ندمان على كل ما فات أخذت من حلو الزمان ورديه
هذه حياتي عشتها كيف ما جات اخذ من ايامي و ارد العطيه
ألمانيا في 26 يناير 2012
تعليق