كثيرا ما تعصف بي الذكري, في جنح الظلام أو في وهج النهار،ذكرى موجودة في كل جزء مني بما يكفي ليجعلها مصدرا لهوائي ومائي وحريتي، وسجني...أيضا.. لازالت ذكرى الأيام الماضية ترتع في داخلي،تغلي،تشتعل بنيران ثورتها، فلا أجد مناصا من حروقها إلا ورقة بيضاء وقلما يرتجف.
*
مهما كتبت عن السنوات العشرين التي مضت من حياتي، والتي يزداد حجمها مع كل لحظة تزفها عقارب الساعة، أعتبر نفسي لم أكتب عنها شيئا. أحس بأن وهن ذاكرتي يخونني كلما كتبت عن تفصيل من تفاصيل حياتي، لتصبح تلك التفاصيل مجرد غطاء يستر ذكريات كحبات رمل أعظم صحراء...!
*
وأنا أكتب هذه الكلمات، تذكرت نفسي وأنا أقف بجانب بناء قديم خلفته الحضارة الرومانية في حينا. كان يحتويني أمل غريب بأن أجد كنزا تحت أي صخرة من صخور ذلك البناء.
تقاسمت هذا الأمل مع صحبة الطفولة، فكنا نذهب إلى ذلك المبنى كل صباح ما بين التاسعة ومنتصف النهار, ويتسلح كل منا برفش بلاستيكي صغير بذلنا جهودا جبارة في إقناع ابائنا بشرائه لنا. وكان لدي سطل صغير وردي اللون اشتراه لي أبي عند ذهابنا للإصطياف في الساحل.
قلت في نفسي وأنا أحاول إيجاد تبرير لاصطحاب السطل معي في رحلة "التنقيب عن الكنز" : " السطل ضروري لهكذا مهمات, لأنني سأحمل فيه نصيبي من الذهب...!"
ذهبنا إلى ذلك المبنى وكان ينتابنا بعض القلق من رجال الشرطة الذين وقفوا غير بعيدين عنا . ولكن عقدنا العزم أنا وشلة الطفولة أن نخرج بصيد ثمين حتى نشتري بالكنز ما يحلو لنا من الحلوى والمرطبات والألعاب...!
بدأ كل واحد منا بالحفر في مكانه , مستعملين مخالبنا حينا وحجارة مدببة حينا اخر.
كنت أحفر بقوة, بسرعة تشبه سرعة توقي للحظة لمس الكنز... وكنت كلما أتحسس شيئا صلبا أصرخ .."إنه الكنز يا أصحاب!!..." ، فيترك الجميع مكانه ويتجمعون حولي، ونحاول جميعا استخراج ذلك الشيء من بين الأتربة والنباتات الأرضية التي كبلته.
ولكن وبعد كل ذلك العناء، لا نجد غير علب بلاستيكية من ماركات منقرضة وأشياء أخرى غير مفهومة...!
ونعيد الكرة, وتمر ساعات ونحن نحفر ونحفر ونحفر.. وكانت أشعة الشمس الحارقة وعيون المارة تتعبنا، ترهقنا، وتزيد شعاع أملنا تضاؤلا.
وفي النهاية, قررنا العودة لبيوتنا والوعد بأن نلتقي مجددا في اليوم الموالي كي نكمل ما بدأناه.
ومر شهر ونحن على ذلك الحال, نتسلل من بيوتنا كل صباح لنعود في الظهيرة ملوثين بالغبار والتراب والعرق، ودون أن يشاء حظ أحدنا بأن يسمح له بإيجاد الكنز.
لفرط غيظي وحزني لعنت من أقام ذلك البناء ولعنت الرومان الذي بات واضحا أنهم أخذوا كل كنوزهم ولم يتركوا وراءهم غير صخور تافهة!!
لم يكن الكنز الغاية في حد ذاته بل كان الوسيلة التي بها كان من الممكن أن أغطس في بحر الشوكولاطة الذي لم يغب عن أحلامي الوردية ليلة واحدة.
*
اليوم, صار ذلك المبنى شيئا اخر، شيئا لا يمت للحياة بصلة. لأنني لم أعد أرى نفسي وأنا طفلة شقية تنبش التراب مع صحبة الطفولة بحثا عن الكنز.
حاولت البحث عن نفسي فيه, عن اثار الحفر واثار أقدامنا، عن صراخنا وضحكاتنا، عن أملنا ويأسنا، حتى عن العلب البلاستيكية التي استخرجناها،
التففت حول البناء، وأنا أدعو الله أن يجعلني ألتقي بتلك الأيام مجددا, بصحبة الطفولة الشقية من جديد, تفحصت كل ركن فيه, ... بحثت.. وبحثت.. ولم أجد شيئا.. لم أجد غير جثة فتاة بالغة تقف بيأس، بحنين جارف إلى الماضي.... إنها جثتي ... أنا..
ماسكين في الهايفة دايما .. ماشيين دوران ولف ايه يعني الويندز تضرب .. بدل المرة الف *********** لاميهمكش منهم ولاتتعب ولاتحتار ماخلاص ربنا نصرك .. في قضية الاحتكار ********** ياكايد عدوينك .. وهاريهم يابيل ياخويا قرفوك لكن في الاخر لبسوا منديل بأوية
تعليق