الدكتور عثمان قدري مكانسي
القصة الأولى :
إنك تنظر أحيانا إلى الحيوان في حدائقه التي أنشأها الإنسان له لتتمتع وتتعرف عليه عن كثب فتجد بعضه ينظر إليك بعينين فيهما تعبيرات كثيرة عن أحاسيس يشعر بها ، فتتجاوب معه ، ويتقدم إليك بغريزته ، ويصدر بعض الحركات ، فيها معان تكاد تنطق مترجمة ما بنفسه ... هذا في الأحوال العادية ... فكيف إذا كانت معجزات أرادها الله سبحانه وتعالى تهز قلوب الناس وعقولهم وأحاسيسهم ؟
ألم يسمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسبيح الحصا في يده الشريفة ؟ ألم يسمعوا أنين جذع الشجرة ، ويروا ميله إليه عليه الصلاة والسلام حين أنشأ المسلمون له منبرا يخطب عليه ؟
وقد كان يستند إلى الجذع وهو يخطب فعاد إليه ، ومسح عليه ، وقال له : ألا ترضى أن تكون من أشجار الجنة ؟ فسكت ..
إذا كان الجماد والطير صافات تسبح وتتكلم ، ولكن لا نفقه تسبيحها أفليس الأقرب إلى المعقول أن يتكلم الحيوان ؟...
اشتكى بعير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظلم صاحبه إياه ، وكلم الهدهد سليمان عليه السلام ، وسمع صوت النملة تحذر جنسها من جيش سليمان العظيم أن يحطمها ، والله سبحانه وتعالى – أولا وأخيرا- قادر على كل شيء ، والرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يخبرنا ، ويحدثنا .
في صباح أحد الأيام بعد صلاة الفجر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه ، ولم يكن فيهم صاحباه العظيمان – الصديق أبو بكر والفاروق عمر – رضي الله عنهما ، فلعلهما كانا في سرية أو تجارة ... فقال :
بينما راع يرعى أغنامه ، ويحوطها برعايته إذ بذئب يعدو على شاة ، فيمسكها من رقبتها ، ويسوقها أمامه مسرعا ، فالضعيف من الحيوان طعام القوي منها – سنة الله في مسير هذه الحياة – وتسرع الشاة إلى حتفها معه دون وعي أو إدراك ، فقد دفعها الخوف والاستسلام إلى متابعته ، وهي لا تدري ما تفعل . ويلحق الراعي بهما – وكان جلدا قويا – يحمل هراوته يطارد ذلك المعتدي مصمما على استخلاصها منه ... ويصل إليهما ، يكاد يقصم ظهر الذئب . إلا أن الذئب الذي لم يسعفه الحظ بالابتعاد بفريسته عن سلطان الراعي ، وخاف أن ينقلب صيدا له ترك الشاة وانطلق مبتعدا مقهورا ، ثم أقعى ونظر إلى الراعي فقال :
ها أنت قد استنقذتها مني ، وسلبتني إياها ، فمن لها يوم السبع؟ !! يوم السبع ؟!! وما أدراك ما يوم السبع ؟!! إنه يوم في علم الغيب ، في مستقبل الزمان حيث تقع الفتن ، ويترك الناس أنعامهم ومواشيهم ، يهتمون بأنفسهم ليوم جلل ، ويهملونها ، فتعيث السباع فيها فسادا ، لا يمنعها منها أحد . .. ويكثر الهرج والمرج ، ويستحر القتل في البشر ، وهذا من علائم الساعة .
قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متعجبين من هذه القصة ، ومن حديث الذئب عن أحداث تقع في اخر الزمان ، ومن فصاحته ، هذا العجب بعيد عن التكذيب ، وحاشاهم أن يكذبوا رسولهم !! فهو الصادق المصدوق ، لكنهم فوجئوا بما لم يتوقعوا ، فكان هذا الاستفهام والتعجب وليد المفاجأة لأمر غير متوقع :
إنك يا سيدنا وحبيبنا صادق فيما تخبرنا ، إلا أن الخبر ألجم أفكارنا ، وبهتنا فكان منا العجب .
فيؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث الذئب قائلا :
أنا أومن بهذا ... هذا أمر عادي ،فالإنسان حين يسوق خبرا فقد تأكد منه ، أما حين يكون نبيا فإن دائرة التصديق تتسع لتشمل المصدر الذي استقى منه الرسول الكريم هذه القصة ، إنه الله أصدق القائلين سبحانه جل شأنه .
ويا لجد الصديق والفاروق ، ويا لعظمة مكانتهما عند الله ورسوله ، إن الإنسان حين يحتاج إلى من يؤيده في دعواه يستشهد بمن حضر الموقعة ، ويعضد صدق خبره بتأييده ومساندته وهو حاضر معه . لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بعظم يقين الرجلين العظيمين ، وشدة تصديق الوزيرين الجليلين أبي بكر وعمر له يجملهما معه في الإيمان بما يقول ، ولم لا فقد كشف الله لهما الحجب ، فعمر الإيمان قلبيهما وجوانحهما ، فهما يعيشان في ضياء الحق ونور الإيمان . فكانا نعم الصاحبان ، ونعم الأخوان ، ونعم الصديقان لحبيبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يريان ما يرى ، ويؤمنان بما يقول عن علم ويقين ، لا عن تقليد واتباع سلبي.
فأبو بكر خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صدقه حين كذبه الناس ، وواساه بنفسه وماله ، ويدخل الجنة من أي أبوابها شاء دون حساب ، وفضله لا يدانيه فضل .
والفاروق وزيره الثاني ، ولو كان بعد الرسول صلى الله عليه وسلم نبي لكان عمر . أعز الله بإسلامه دينه ، ولا يسلك فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره .
كانا ملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وكثيرا ما كان عليه الصلاة والسلام يقول :
ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر .
فطوبى لكما يا سيدي ثقة رسول الله بكما ، وحبه لكما ، حشرنا الله معكما تحت لواء سيد المرسلين وخاتم النبيين .
وأتبع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قصة الراعي والذئب بقصة البقرة وصاحبها ، فقال :
وبينما رجل يسوق بقرة – والبقر للحلب والحرث وخدمة الزرع – امتطى ظهرها كما يفعل بالخيل والبغال والحمير ، فتباطأت في سيرها ، فضربها ، فالتفتت إليه ، فكلمته ، فقالت: إني لم أخلق للركوب ، إنما خلقني الله للحرث ، ولا يجوز لك أن تستعملني فيما لم أخلق له .
تعجب الرجل من بيانها وقوة حجتها ، ونزل عن ظهرها ...
وتعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: سبحان الله ، بقرة تتكلم ؟!
قالوا هذا ولما تزل المفاجأة الأولى في نفوسهم ، لم يتخلصوا منها ... فأكد القصة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أعلن أنه يؤمن بما يوحى إليه ، وأن الصديق والفاروق كليهما – الغائبين جسما الحاضرين روحا وقلبا وفكرا يؤمنان بذلك .
رضي الله عنكما أيها الطودان الشامخان ، وهنيئا لكما حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكما وحبكما إياه .
اللهم إننا نحب رسول الله وأبا بكر وعمر ، فارزقنا صحبة رسول الله وأبي بكر وعمر ، يا رب العالمين ....
البخاري مجلد – 2
جزء – 4
كتاب بدء الخلق ، باب فضائل الصديق وعمر
قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
القصة الثانية
دكتور عثمان قدري مكانسي
- قال الأب : سمعتك يا بني أمس تقول لوالدتك : أنا خير من سعيد ، حفظ الايات المطلوب حفظها في ثلاثة أيام ، وحفظتها في يوم واحد ، فأنا أكثر ذكاء منه .
- قال الولد : نعم يا أبي ، لقد قلت هذا .. فهل تراني أخطات ، ولم أتعد الحقيقة ؟
- قال الأب : وقلت مرة : إن والدك مدرس قدير ، ينظر الناس إليه باحترام وتقدير ، أما خالد فوالده عامل في متجر جدك ... أليس كذلك ؟.
- قال الولد : بلى ، لا أنكر ذلك ..فهل من مأخذ علي ؟.
- قال الأب : إن قلت هذا من قبيل الفخر بنفسك ، والتعالي على الاخرين قاصدا الحط من الناس والترفع عليهم فقد أقحمت نفسك في النار – لا سمح الله - دون أن تدري ، فإن أحدنا يتلفظ بالكلمة لا يلقي لها بالا تقذفه في جهنم سبعين خريفا .
- قال الولد : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، وأستغفر الله أن أقول ما يغضبه .
- قال الأب : إن الإعجاب بالنفس والأهل وكثرة المال وجمال الثياب وبهاء المظهر ، والتفاخر بكثرة العبادة يهلك الإنسان .. والعجب يا بني محبط للأعمال ، مبعد عن الجنة ونعيمها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ..." ووضح معنى الكبر فقال : " الكبر بطر الحق ، وغمط الناس " والغمط الاحتقار والازدراء . وقال عليه الصلاة والسلام " ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر " (والعتل : الفظ الغليظ ، والجواظ : الجموع المنوع : وقيل المختال في مشيته .) وكان الأولى بك - يا بني – أن تحمد الله أن يسر لك حفظ الايات القرانية ، وأن تشكره بالتواضع ... فإن كان أبوك في نظرك ونظر الناس خيرا من غيره فقد يكون في ميزان الله – نسأل الله العافية – أقل بكثير ممن رأيته خيرا منهم .. وقد مدح قوم الصديق رضي الله عنه فقال قولته المشهورة : " اللهم اجعلني خيرا مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون " .
- قال الولد : جزاك الله خيرا يا والدي ومعلمي ، والله ما كان يخطر ببالي أنني أغضب الحق تبارك وتعالى ، وأعاهدك أن لا أعود إلى ذلك أبدا .
- قال الأب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قص على الصحابة الكرام عاقبة من يعجب بنفسه ، فيوردها موارد الهلاك ... وسأذكر لك ثلاثا منها ، عساها تكون إشارات حمراء تمنع صاحبها أن يقع في شر ما يفكر به ويعمله .
أما القصة الأولى :
فقصة رجل رأى نفسه فوق الاخرين مالا وجمالا وحلة ... مشى بين أقرانه مختالا بثوبه النفيس ، وشبابه الدافق حيوية ، وجيبه المليء المنتفخ مالا ، تفوح نرجسيته وحب ذاته في الطريقة التي يمشيها ، فهو يمد صدره للأمام ، ويفتح ما بين إبطيه ، لا يكاد الطريق يسعه ، يميل بوجهه إلى اليمين مرة ، وإلى اليسار أخرى متعجبا من جدة ثوبه ، وغلاء ثمنه ، يجر رداءه خيلاء ، يظن نفسه خير من وطئ الثرى ، يكاد لا يلمس الأرض من خفته ، يحسب أن العظمة إنما تكون بالمادة والمظهر ، ونسي أنها لا تكون إلا بحسن الأخلاق ونفاسة المخبر ، وغفل عن قوله تعالى : " ولا تمش في الأرض مرحا ، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا " وتناسى أنه مخلوق ضعيف ، أصله من طين ، ومن سلالة من ماء مهين . تناسى أن أوله نطفة مذرة ، واخره جيفة قذرة ، وهو بينهما يحمل العذرة ... وتناسى أنه حين صعر خده للناس غضب الله عليه ، لأنه شارك الله في صفتين لا يرضاهما لغيره ، حين قال تعالى " العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره ولا أبالي " بل تناسى كذلك أنه سيصير إلى قبره ، حيث يأكله الدود في دار الوحشة والطلمة ، لا أنيس فيها سوى التقوى والتواضع . وغفل أيضا عن مصير الجبارين المتغطرسين قبله . وقصة قارون الذي خسف الله تعالى به الأرض قران يتلى .
وقد أخبرنا الرسول الكريم أن هذا الرجل المتكبر خسف الله به الأرض ، فهو يغوص في مجاهلها من شق إلى شق ، ومن مهوى ضيق غلى حفرة أعمق منها ، ينزل فيها مضطربا مندفعا ، تصدر عن حركته أصوات متتابعة إلى يوم القيامة جزاء تعاظمه وتكبره ... ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا ، حتى لا يبغي أحد على أحد ، ولا يفخر أحد على أحد . "
الحديث في صحيح البخاري
مجلد 4 ج 7 باب من جر ثوبه خيلاء
وأما القصة الثانية :
فقد ذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن رجلين من بني إسرائيل كانا متاخيين إلا أنهما يختلفان في العبادة ، فالأول مجتهد فيها ، يصل قيام الليل بصيام النهار ، لا يألو في الاستزادة منها .. يرى صاحبه مقصرا ، بل مذنبا مصرا على المعاصي ، فيأمره بالعبادة ، وينهاه عن المعصية ، ولربما وجده يوما يشرب الخمر أو يرتكب معصية ، فنهاه عنها ، وهذا أمر يتصف به المسلم ، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهكذا الدعاة دائما " كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ... " .. " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويامرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر " إلا أن الإنسان حين يتجاوز حده ويتألى على الله فقد أساء إلى الذات الإلهية ، ووقع في غضب الله دون أن يدري ، فكانت عاقبته خسرا .
إن العاصي حين أمره العابد أن يفعل الخير ، ونهاه عن المنكر قال له : " خلني وربي .. أبعثت علي رقيبا ؟! " ... هنا نلحظ أمرين اثنين :
1- فقد كان المذنب مصرا على الذنب ، عاكفا عليه ، متبرما من متابعة العابد له بالنصح والمتابعة .
2- وكان أسلوب العابد في النصح فظا غليظا أدى إلى تحدي العاصي له . والداعية الناجح هين لين ، رفيق بالمذنبين ، يعاملهم معاملة الطبيب الحاني مرضاه ، فيمسح عنهم تعبهم ، ويخفف عنهم الامهم ، فيدخل إلى قلوبهم ، وينتزع منهم أوصابهم .....
احتد العابد من إصرار العاصي على ذنبه ، فاندفع يقسم : أن الله لن يغفر له ، ولن يرحمه ، ولن يدخله الجنة .... فيقبض الله روحيهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، ،، ويا خسارة من يغضب الله عليه ، إن العابد نزع عن الله صفة الرحمة ، وصفة الغفران ، حين أقسم أن الله لن يغفر للعاصي ...
قال الله لهذا المجتهد : أكنت بي عالما ؟ أو كنت على ما في يدي قادرا ؟ لأخيبن ظنك ، فأنا أفعل ما أشاء ... وقال للمذنب اذهب فادخل الجنة برحمتي ... إن الناس جميعا ، صالحهم وطالحهم ، عابدهم وعاصيهم ، لن يوفوا الله نعمه ، وحين يدخلون الجنة يدخلونها برحمته . .. قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : حتى أنت يا رسول الله ؟ قال : " حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته "
وقال الله تعالى للاخر(للعابد) المتألي على الله : اذهبوا به إلى النار ... لقد لفظ كلمة أهلكته فدخل النار ولم تنفعه عبادته .
رياض الصالحين باب تحقير المسلمين الحديث/ 1210 /
وأما القصة الثالثة :
فهي رديف المعنى في القصة الثانية ، إذ افتخر رجل أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل ، فقال : أنا ابن فلان ، فمن أنت؟ لا أم لك . فرده المعلم الأول صلى الله عليه وسلم إلى الصواب بطريقة غير مباشرة ، إذ روى الحبيب المصطفى قصة مشابهة لقصتهما حدثت أما النبي موسى عليه السلام بين رجلين . فقد فخر الرجل الأول بابائه فقال : أنا ابن فلان بن فلان .. حتى عد تسعة اباء ، لهم بين يدي الناس في حياتهم المكانة السامية غنى ونسبا ومكانة .. فمن أنت حتى تطاولني وتكون لي ندا ؟! .
لو انتبه إلى مصير أبائه وأجداده لم يفخر بهم ، إنهم كانوا كفارا يعبدون الأصنام ويتخذونها الهة. والله تعالى يقول لأمثال هؤلاء: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ، أنتم لها واردون " .. لم يدخل الإيمان قلبه فدعا بدعوى الجاهلية ، وفضل أهل النار – ولو كانوا أجداده – على أخيه المسلم ، فكان مصيره مصيرهم إذ أوحى الله إلى نبيه موسى أن يقول له : أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم ،لأن المرء يحشر مع من أحب . وقال الثاني : أنا فلان بن فلان بن الإسلام .. فخر بأبيه الذي رباه على الإسلام ، وقطع نسبه قبل أبيه ، فلم يفخر بجده الكافر ، ولم يعترف به ، فلا جامع يجمعه به .
أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
هل يلتقي الكفر بالإيمان والظلام بالضياء في قلب واحد؟! شتان شتان ، فلن يعلو الإنسان بنسبه ، ويوم القيامة لا ينفعه سوى عمله " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " وقال تعالى كذلك " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وهل ينفع نوح ابنه ؟ وإبراهيم أباه ، ورسول الله عمه أبا لهب ؟ ..
فأوحى الله إلى نبيه موسى أن يهنئه بالفوز والنجاح حين قال : أما أنت أيها المنتسب إلى والدك المسلم ودينك العظيم فأنت من أهل الجنة . تعصبت إلى دينك ، وتشرفت بالانتساب إليه فأنت منه ، وهو منك .
مسند الإمام أحمد جزء 5 ص 128
قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
القصة الأولى :
إنك تنظر أحيانا إلى الحيوان في حدائقه التي أنشأها الإنسان له لتتمتع وتتعرف عليه عن كثب فتجد بعضه ينظر إليك بعينين فيهما تعبيرات كثيرة عن أحاسيس يشعر بها ، فتتجاوب معه ، ويتقدم إليك بغريزته ، ويصدر بعض الحركات ، فيها معان تكاد تنطق مترجمة ما بنفسه ... هذا في الأحوال العادية ... فكيف إذا كانت معجزات أرادها الله سبحانه وتعالى تهز قلوب الناس وعقولهم وأحاسيسهم ؟
ألم يسمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسبيح الحصا في يده الشريفة ؟ ألم يسمعوا أنين جذع الشجرة ، ويروا ميله إليه عليه الصلاة والسلام حين أنشأ المسلمون له منبرا يخطب عليه ؟
وقد كان يستند إلى الجذع وهو يخطب فعاد إليه ، ومسح عليه ، وقال له : ألا ترضى أن تكون من أشجار الجنة ؟ فسكت ..
إذا كان الجماد والطير صافات تسبح وتتكلم ، ولكن لا نفقه تسبيحها أفليس الأقرب إلى المعقول أن يتكلم الحيوان ؟...
اشتكى بعير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظلم صاحبه إياه ، وكلم الهدهد سليمان عليه السلام ، وسمع صوت النملة تحذر جنسها من جيش سليمان العظيم أن يحطمها ، والله سبحانه وتعالى – أولا وأخيرا- قادر على كل شيء ، والرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يخبرنا ، ويحدثنا .
في صباح أحد الأيام بعد صلاة الفجر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه ، ولم يكن فيهم صاحباه العظيمان – الصديق أبو بكر والفاروق عمر – رضي الله عنهما ، فلعلهما كانا في سرية أو تجارة ... فقال :
بينما راع يرعى أغنامه ، ويحوطها برعايته إذ بذئب يعدو على شاة ، فيمسكها من رقبتها ، ويسوقها أمامه مسرعا ، فالضعيف من الحيوان طعام القوي منها – سنة الله في مسير هذه الحياة – وتسرع الشاة إلى حتفها معه دون وعي أو إدراك ، فقد دفعها الخوف والاستسلام إلى متابعته ، وهي لا تدري ما تفعل . ويلحق الراعي بهما – وكان جلدا قويا – يحمل هراوته يطارد ذلك المعتدي مصمما على استخلاصها منه ... ويصل إليهما ، يكاد يقصم ظهر الذئب . إلا أن الذئب الذي لم يسعفه الحظ بالابتعاد بفريسته عن سلطان الراعي ، وخاف أن ينقلب صيدا له ترك الشاة وانطلق مبتعدا مقهورا ، ثم أقعى ونظر إلى الراعي فقال :
ها أنت قد استنقذتها مني ، وسلبتني إياها ، فمن لها يوم السبع؟ !! يوم السبع ؟!! وما أدراك ما يوم السبع ؟!! إنه يوم في علم الغيب ، في مستقبل الزمان حيث تقع الفتن ، ويترك الناس أنعامهم ومواشيهم ، يهتمون بأنفسهم ليوم جلل ، ويهملونها ، فتعيث السباع فيها فسادا ، لا يمنعها منها أحد . .. ويكثر الهرج والمرج ، ويستحر القتل في البشر ، وهذا من علائم الساعة .
قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متعجبين من هذه القصة ، ومن حديث الذئب عن أحداث تقع في اخر الزمان ، ومن فصاحته ، هذا العجب بعيد عن التكذيب ، وحاشاهم أن يكذبوا رسولهم !! فهو الصادق المصدوق ، لكنهم فوجئوا بما لم يتوقعوا ، فكان هذا الاستفهام والتعجب وليد المفاجأة لأمر غير متوقع :
إنك يا سيدنا وحبيبنا صادق فيما تخبرنا ، إلا أن الخبر ألجم أفكارنا ، وبهتنا فكان منا العجب .
فيؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث الذئب قائلا :
أنا أومن بهذا ... هذا أمر عادي ،فالإنسان حين يسوق خبرا فقد تأكد منه ، أما حين يكون نبيا فإن دائرة التصديق تتسع لتشمل المصدر الذي استقى منه الرسول الكريم هذه القصة ، إنه الله أصدق القائلين سبحانه جل شأنه .
ويا لجد الصديق والفاروق ، ويا لعظمة مكانتهما عند الله ورسوله ، إن الإنسان حين يحتاج إلى من يؤيده في دعواه يستشهد بمن حضر الموقعة ، ويعضد صدق خبره بتأييده ومساندته وهو حاضر معه . لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بعظم يقين الرجلين العظيمين ، وشدة تصديق الوزيرين الجليلين أبي بكر وعمر له يجملهما معه في الإيمان بما يقول ، ولم لا فقد كشف الله لهما الحجب ، فعمر الإيمان قلبيهما وجوانحهما ، فهما يعيشان في ضياء الحق ونور الإيمان . فكانا نعم الصاحبان ، ونعم الأخوان ، ونعم الصديقان لحبيبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يريان ما يرى ، ويؤمنان بما يقول عن علم ويقين ، لا عن تقليد واتباع سلبي.
فأبو بكر خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صدقه حين كذبه الناس ، وواساه بنفسه وماله ، ويدخل الجنة من أي أبوابها شاء دون حساب ، وفضله لا يدانيه فضل .
والفاروق وزيره الثاني ، ولو كان بعد الرسول صلى الله عليه وسلم نبي لكان عمر . أعز الله بإسلامه دينه ، ولا يسلك فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره .
كانا ملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وكثيرا ما كان عليه الصلاة والسلام يقول :
ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر .
فطوبى لكما يا سيدي ثقة رسول الله بكما ، وحبه لكما ، حشرنا الله معكما تحت لواء سيد المرسلين وخاتم النبيين .
وأتبع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قصة الراعي والذئب بقصة البقرة وصاحبها ، فقال :
وبينما رجل يسوق بقرة – والبقر للحلب والحرث وخدمة الزرع – امتطى ظهرها كما يفعل بالخيل والبغال والحمير ، فتباطأت في سيرها ، فضربها ، فالتفتت إليه ، فكلمته ، فقالت: إني لم أخلق للركوب ، إنما خلقني الله للحرث ، ولا يجوز لك أن تستعملني فيما لم أخلق له .
تعجب الرجل من بيانها وقوة حجتها ، ونزل عن ظهرها ...
وتعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: سبحان الله ، بقرة تتكلم ؟!
قالوا هذا ولما تزل المفاجأة الأولى في نفوسهم ، لم يتخلصوا منها ... فأكد القصة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أعلن أنه يؤمن بما يوحى إليه ، وأن الصديق والفاروق كليهما – الغائبين جسما الحاضرين روحا وقلبا وفكرا يؤمنان بذلك .
رضي الله عنكما أيها الطودان الشامخان ، وهنيئا لكما حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكما وحبكما إياه .
اللهم إننا نحب رسول الله وأبا بكر وعمر ، فارزقنا صحبة رسول الله وأبي بكر وعمر ، يا رب العالمين ....
البخاري مجلد – 2
جزء – 4
كتاب بدء الخلق ، باب فضائل الصديق وعمر
قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
القصة الثانية
دكتور عثمان قدري مكانسي
- قال الأب : سمعتك يا بني أمس تقول لوالدتك : أنا خير من سعيد ، حفظ الايات المطلوب حفظها في ثلاثة أيام ، وحفظتها في يوم واحد ، فأنا أكثر ذكاء منه .
- قال الولد : نعم يا أبي ، لقد قلت هذا .. فهل تراني أخطات ، ولم أتعد الحقيقة ؟
- قال الأب : وقلت مرة : إن والدك مدرس قدير ، ينظر الناس إليه باحترام وتقدير ، أما خالد فوالده عامل في متجر جدك ... أليس كذلك ؟.
- قال الولد : بلى ، لا أنكر ذلك ..فهل من مأخذ علي ؟.
- قال الأب : إن قلت هذا من قبيل الفخر بنفسك ، والتعالي على الاخرين قاصدا الحط من الناس والترفع عليهم فقد أقحمت نفسك في النار – لا سمح الله - دون أن تدري ، فإن أحدنا يتلفظ بالكلمة لا يلقي لها بالا تقذفه في جهنم سبعين خريفا .
- قال الولد : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، وأستغفر الله أن أقول ما يغضبه .
- قال الأب : إن الإعجاب بالنفس والأهل وكثرة المال وجمال الثياب وبهاء المظهر ، والتفاخر بكثرة العبادة يهلك الإنسان .. والعجب يا بني محبط للأعمال ، مبعد عن الجنة ونعيمها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ..." ووضح معنى الكبر فقال : " الكبر بطر الحق ، وغمط الناس " والغمط الاحتقار والازدراء . وقال عليه الصلاة والسلام " ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر " (والعتل : الفظ الغليظ ، والجواظ : الجموع المنوع : وقيل المختال في مشيته .) وكان الأولى بك - يا بني – أن تحمد الله أن يسر لك حفظ الايات القرانية ، وأن تشكره بالتواضع ... فإن كان أبوك في نظرك ونظر الناس خيرا من غيره فقد يكون في ميزان الله – نسأل الله العافية – أقل بكثير ممن رأيته خيرا منهم .. وقد مدح قوم الصديق رضي الله عنه فقال قولته المشهورة : " اللهم اجعلني خيرا مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون " .
- قال الولد : جزاك الله خيرا يا والدي ومعلمي ، والله ما كان يخطر ببالي أنني أغضب الحق تبارك وتعالى ، وأعاهدك أن لا أعود إلى ذلك أبدا .
- قال الأب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قص على الصحابة الكرام عاقبة من يعجب بنفسه ، فيوردها موارد الهلاك ... وسأذكر لك ثلاثا منها ، عساها تكون إشارات حمراء تمنع صاحبها أن يقع في شر ما يفكر به ويعمله .
أما القصة الأولى :
فقصة رجل رأى نفسه فوق الاخرين مالا وجمالا وحلة ... مشى بين أقرانه مختالا بثوبه النفيس ، وشبابه الدافق حيوية ، وجيبه المليء المنتفخ مالا ، تفوح نرجسيته وحب ذاته في الطريقة التي يمشيها ، فهو يمد صدره للأمام ، ويفتح ما بين إبطيه ، لا يكاد الطريق يسعه ، يميل بوجهه إلى اليمين مرة ، وإلى اليسار أخرى متعجبا من جدة ثوبه ، وغلاء ثمنه ، يجر رداءه خيلاء ، يظن نفسه خير من وطئ الثرى ، يكاد لا يلمس الأرض من خفته ، يحسب أن العظمة إنما تكون بالمادة والمظهر ، ونسي أنها لا تكون إلا بحسن الأخلاق ونفاسة المخبر ، وغفل عن قوله تعالى : " ولا تمش في الأرض مرحا ، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا " وتناسى أنه مخلوق ضعيف ، أصله من طين ، ومن سلالة من ماء مهين . تناسى أن أوله نطفة مذرة ، واخره جيفة قذرة ، وهو بينهما يحمل العذرة ... وتناسى أنه حين صعر خده للناس غضب الله عليه ، لأنه شارك الله في صفتين لا يرضاهما لغيره ، حين قال تعالى " العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره ولا أبالي " بل تناسى كذلك أنه سيصير إلى قبره ، حيث يأكله الدود في دار الوحشة والطلمة ، لا أنيس فيها سوى التقوى والتواضع . وغفل أيضا عن مصير الجبارين المتغطرسين قبله . وقصة قارون الذي خسف الله تعالى به الأرض قران يتلى .
وقد أخبرنا الرسول الكريم أن هذا الرجل المتكبر خسف الله به الأرض ، فهو يغوص في مجاهلها من شق إلى شق ، ومن مهوى ضيق غلى حفرة أعمق منها ، ينزل فيها مضطربا مندفعا ، تصدر عن حركته أصوات متتابعة إلى يوم القيامة جزاء تعاظمه وتكبره ... ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا ، حتى لا يبغي أحد على أحد ، ولا يفخر أحد على أحد . "
الحديث في صحيح البخاري
مجلد 4 ج 7 باب من جر ثوبه خيلاء
وأما القصة الثانية :
فقد ذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن رجلين من بني إسرائيل كانا متاخيين إلا أنهما يختلفان في العبادة ، فالأول مجتهد فيها ، يصل قيام الليل بصيام النهار ، لا يألو في الاستزادة منها .. يرى صاحبه مقصرا ، بل مذنبا مصرا على المعاصي ، فيأمره بالعبادة ، وينهاه عن المعصية ، ولربما وجده يوما يشرب الخمر أو يرتكب معصية ، فنهاه عنها ، وهذا أمر يتصف به المسلم ، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهكذا الدعاة دائما " كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ... " .. " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويامرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر " إلا أن الإنسان حين يتجاوز حده ويتألى على الله فقد أساء إلى الذات الإلهية ، ووقع في غضب الله دون أن يدري ، فكانت عاقبته خسرا .
إن العاصي حين أمره العابد أن يفعل الخير ، ونهاه عن المنكر قال له : " خلني وربي .. أبعثت علي رقيبا ؟! " ... هنا نلحظ أمرين اثنين :
1- فقد كان المذنب مصرا على الذنب ، عاكفا عليه ، متبرما من متابعة العابد له بالنصح والمتابعة .
2- وكان أسلوب العابد في النصح فظا غليظا أدى إلى تحدي العاصي له . والداعية الناجح هين لين ، رفيق بالمذنبين ، يعاملهم معاملة الطبيب الحاني مرضاه ، فيمسح عنهم تعبهم ، ويخفف عنهم الامهم ، فيدخل إلى قلوبهم ، وينتزع منهم أوصابهم .....
احتد العابد من إصرار العاصي على ذنبه ، فاندفع يقسم : أن الله لن يغفر له ، ولن يرحمه ، ولن يدخله الجنة .... فيقبض الله روحيهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، ،، ويا خسارة من يغضب الله عليه ، إن العابد نزع عن الله صفة الرحمة ، وصفة الغفران ، حين أقسم أن الله لن يغفر للعاصي ...
قال الله لهذا المجتهد : أكنت بي عالما ؟ أو كنت على ما في يدي قادرا ؟ لأخيبن ظنك ، فأنا أفعل ما أشاء ... وقال للمذنب اذهب فادخل الجنة برحمتي ... إن الناس جميعا ، صالحهم وطالحهم ، عابدهم وعاصيهم ، لن يوفوا الله نعمه ، وحين يدخلون الجنة يدخلونها برحمته . .. قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : حتى أنت يا رسول الله ؟ قال : " حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته "
وقال الله تعالى للاخر(للعابد) المتألي على الله : اذهبوا به إلى النار ... لقد لفظ كلمة أهلكته فدخل النار ولم تنفعه عبادته .
رياض الصالحين باب تحقير المسلمين الحديث/ 1210 /
وأما القصة الثالثة :
فهي رديف المعنى في القصة الثانية ، إذ افتخر رجل أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل ، فقال : أنا ابن فلان ، فمن أنت؟ لا أم لك . فرده المعلم الأول صلى الله عليه وسلم إلى الصواب بطريقة غير مباشرة ، إذ روى الحبيب المصطفى قصة مشابهة لقصتهما حدثت أما النبي موسى عليه السلام بين رجلين . فقد فخر الرجل الأول بابائه فقال : أنا ابن فلان بن فلان .. حتى عد تسعة اباء ، لهم بين يدي الناس في حياتهم المكانة السامية غنى ونسبا ومكانة .. فمن أنت حتى تطاولني وتكون لي ندا ؟! .
لو انتبه إلى مصير أبائه وأجداده لم يفخر بهم ، إنهم كانوا كفارا يعبدون الأصنام ويتخذونها الهة. والله تعالى يقول لأمثال هؤلاء: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ، أنتم لها واردون " .. لم يدخل الإيمان قلبه فدعا بدعوى الجاهلية ، وفضل أهل النار – ولو كانوا أجداده – على أخيه المسلم ، فكان مصيره مصيرهم إذ أوحى الله إلى نبيه موسى أن يقول له : أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم ،لأن المرء يحشر مع من أحب . وقال الثاني : أنا فلان بن فلان بن الإسلام .. فخر بأبيه الذي رباه على الإسلام ، وقطع نسبه قبل أبيه ، فلم يفخر بجده الكافر ، ولم يعترف به ، فلا جامع يجمعه به .
أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
هل يلتقي الكفر بالإيمان والظلام بالضياء في قلب واحد؟! شتان شتان ، فلن يعلو الإنسان بنسبه ، ويوم القيامة لا ينفعه سوى عمله " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " وقال تعالى كذلك " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وهل ينفع نوح ابنه ؟ وإبراهيم أباه ، ورسول الله عمه أبا لهب ؟ ..
فأوحى الله إلى نبيه موسى أن يهنئه بالفوز والنجاح حين قال : أما أنت أيها المنتسب إلى والدك المسلم ودينك العظيم فأنت من أهل الجنة . تعصبت إلى دينك ، وتشرفت بالانتساب إليه فأنت منه ، وهو منك .
مسند الإمام أحمد جزء 5 ص 128
قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
منقول
تعليق