على هضبة في منتصف الأرض بين الحياة والعدم كان يسكن ..
كان قابعا في غرفة نومه المحاطة بأربع جدران إسمنتية ، والتي يحيطها عازل إسفلتي ليمنع الضجيج وأصوات العصافير والأحلام من اختراق عزلته الأبدية .
تمتم : لِمَ الأيام متشابهة ؟
أندلق للخارج ، شوراع مرصوص عليها مباني إسمنتية ، وعيون قطط مغروسة في صدر الشارع ، حاول الهرب من هذا الصمت المطبق عليه ..
ثقب هذا الصمت المميت بصوت الإطارات وهي تطئ عيون القطط (تك .. تك .. تك) فأضاف من صوته لحن اخر (يا أم سليمان) ، أستجمع تركيزه حتى يطئ الإطار ثلاثة عيون قطط (تك .. تك .. تك ليردد : يا أم سليمان) ، خوفا من نشاز اللحن .
تتدحرجت ابتسامة من شفتيه ، لهذه الدندنة التي قاوم بها موت الحياة .
وقف هو ودندنته أمام إشارة المرور ، سرق ابتسامته أشخاص مستنسخون يقفون معه ..
راح يحصيهم .. (غترة .. شماغ .. غترة .. شماغ .. غترة .. شماغ وعقل واحد) .
مط شفتيه بلا مبالاة وهو يتمتم : لا جديد ..
أندفع سريعا إلى مكتبه هربا من تلك الأسئلة والأجوبة المكررة والغبية أيضا ، والتي نرددها دون أنعنيها ..
كيفك ؟
بخير الحمد لله ، كيفك أنت ؟
بخير الحمد لله .
هل يعقل أنك (فاين) دائما .. ألا تحزن أو تغضب أو تصاب بملل ، هل أنت (فاين دائما) ؟ ، هكذا سألته ذات يوم معلمته الأنجليزية بعد عدة أسابيع من دخوله للمعهد ، وكان يردد دائما حين تسأله كيفك ؟ , (فاين ثنكيو).
قال لها : لا أدري لماذا أكرر هذه الجملة ؟
فأخبرته أن عليه مقاومة هذه الكلمة ، وألا يصبح أسيرا لها ، وأن يعبر عما بداخله ، إن كنت غاضبا أجب (زفت) ، وإن كنت حزينا (باد) ، وأن الإنسان لا يمكن له أن يكون (فاين) دائما ، ولا يمكن له أن يتحمل حزنه وغضبه وكبتهما بداخله ، فهو في النهاية سيجن أو ينفجر .
عند كلمة (ينفجر) عاد من ذاكرته ، نبتت أبتسامة ساخرة على شفتيه حين تذكر أن من فجر مباني نيويورك أغلبهم من هنا ، وأنهم بالتأكيد لم يحتملوا أن يكونوا (فاين دائما) فانفجروا في المباني .
جاء صوت زميله من بعيد : كيفك ؟
أخفى سخريته سريعا ، ود لو قال له : لا أشعر بالحياة ، الصمت يقتلني ، الأيام متشابهة ، والأشياء مستنسخة .. (غترة .. شماغ .. غترة .. شماغ .. غترة .. شماغ وعقل واحد) ، بلع كل ما كان سيبوح به ، فصاحبه يريد الإجابة المعتادة .
بخير الحمد لله .. كيفك أنت ؟
بخير الحمد لله .
سرقه العمل الغبي من تأمل حياته الخاصة والمملة ، تحول لالة تمارس نفس العمل وبنفس الطريقة (استقبل .. ودع .. نفى مصدر مسئول .. استقبل .. ودع .. نفى مصدر مسئول .. استقبل .. ودع .. نفى مصدر مسئول ، ولا جديد ) .
@@@@@
سأل البائع : ألا يوجد لعبة تركيبة وعروس باربي إضافية ، لم أجد إلا واحدة من هذه وواحدة من تلك .
قال البائع موجها كلامه للعامل : صديق جيب لعبة تركيبة وباربي من المستودع ، بسرعة .
دفع الحساب ومضى سريعا للبيت ، نفس الطريق والصمت وعيون القطط ، لكنه كان مرهقا فلم يدندن (يا أم سليمان) .
أخفى (لعب التركيبة وباربي في صندوق السيارة ، قبل أن يتسلل للمنزل ليتأكد أن الجميع نائمون) ، عاد من جديد ليفتح الصندوق أخذ الكيس وهرب لغرفة نومه المحاطة بأربع جدران إسمنتية .
أخرج التركيبة أولا ، صنع غرفة من ثلاثة جدران فقط ، فيما الجدار الرابع جهة الشرق أقسم ألا يبنيه ، أكمل صنع البيت الصغير بنفس الطريقة ، ثلاثة جدران فقط ، لم تكن الجهة الرابعة في كل غرفة جهة الشرق حتى لا يقتله الروتين .
فيما بعد بنى مقهى ، قبل أن يخرج باربي ورجل بحجم باربي اشتراه معها .
وضعها على مقعد أمام طاولة نصب عليها مظلة ، وأحضر لها فنجان قهوة مناسبا لحجمها الطبيعي ، فيما نظارتها على الطاولة مرمية بلا اكترث .
وضع الرجل على طاولة أخرى في المقهى صنع له قهوة ، وتركه يتأمل تلك العلاقة بين شعر باربي الغجري والهواء الذي يهففه قبل أن يحول الهواء نسماته لأصابع لا تبعثر شعرها بل يتغلل به بهدوء وروية .
بدا له المنظر ممتع وجميل ، فيما بعد أمر باربي أن تقف ثم تقترب من الرجل ، لتسألة : كم الساعة ؟
الساعة تشير إلى الفرح يا باربي .
ضحكت ، ومضت ، ولم يتبعها لأنه سأم تلك الأفكار المكررة والتي يتداولها سكان تلك الهضبة .
تبدوا الحياة مملة إن كان كل الرجال ذئاب ، وكل النساء ضحية ، وأن العلاقة بينهما ما هي إلى علاقة جلاد بضحيته .
شعر بمتعة لا يضاهيا أي أمتعة ، كفر بالجدران الأربعة وبالرتابة وبالصمت .
وأقسم أن الحياة يمكن لها أن تكون شيئا اخر غير هذه الرتابة وذاك التشابه الممل ، وأن الإنسان باستطاعته أن يصنع عالم خاص ، ولو من لعبة تركيبة وباربي وشيء من خياله الطفولي ، لا لشيء إلا ليقتل هذه الرتابة قبل أن يموت .
مضى لسريره ، سعيدا لأن يومه لا يشبه أيامه السابقة .
قبل أن ينام ، مر برأسه شريط حياة سكان هذه الهضبة ، تساءل ماذا لو قلت لهم أني أحلم بأن تصبح تركيبتي وباربي وذاك الرجل حقيقين ويمكن لي أن أراهما في الطريق ؟
تأفف , حين بدا له أن الجواب سيكون مكررا : ترضى أن أختك تسوي هذا ؟
ضحك لهذه الأجوبة المكررة ، والكاذبة .
تخيل أن من أجاب على تساؤلاته يقف أمامه : صرخ بوجهه (يلعن أختك) ، ونام
كان قابعا في غرفة نومه المحاطة بأربع جدران إسمنتية ، والتي يحيطها عازل إسفلتي ليمنع الضجيج وأصوات العصافير والأحلام من اختراق عزلته الأبدية .
تمتم : لِمَ الأيام متشابهة ؟
أندلق للخارج ، شوراع مرصوص عليها مباني إسمنتية ، وعيون قطط مغروسة في صدر الشارع ، حاول الهرب من هذا الصمت المطبق عليه ..
ثقب هذا الصمت المميت بصوت الإطارات وهي تطئ عيون القطط (تك .. تك .. تك) فأضاف من صوته لحن اخر (يا أم سليمان) ، أستجمع تركيزه حتى يطئ الإطار ثلاثة عيون قطط (تك .. تك .. تك ليردد : يا أم سليمان) ، خوفا من نشاز اللحن .
تتدحرجت ابتسامة من شفتيه ، لهذه الدندنة التي قاوم بها موت الحياة .
وقف هو ودندنته أمام إشارة المرور ، سرق ابتسامته أشخاص مستنسخون يقفون معه ..
راح يحصيهم .. (غترة .. شماغ .. غترة .. شماغ .. غترة .. شماغ وعقل واحد) .
مط شفتيه بلا مبالاة وهو يتمتم : لا جديد ..
أندفع سريعا إلى مكتبه هربا من تلك الأسئلة والأجوبة المكررة والغبية أيضا ، والتي نرددها دون أنعنيها ..
كيفك ؟
بخير الحمد لله ، كيفك أنت ؟
بخير الحمد لله .
هل يعقل أنك (فاين) دائما .. ألا تحزن أو تغضب أو تصاب بملل ، هل أنت (فاين دائما) ؟ ، هكذا سألته ذات يوم معلمته الأنجليزية بعد عدة أسابيع من دخوله للمعهد ، وكان يردد دائما حين تسأله كيفك ؟ , (فاين ثنكيو).
قال لها : لا أدري لماذا أكرر هذه الجملة ؟
فأخبرته أن عليه مقاومة هذه الكلمة ، وألا يصبح أسيرا لها ، وأن يعبر عما بداخله ، إن كنت غاضبا أجب (زفت) ، وإن كنت حزينا (باد) ، وأن الإنسان لا يمكن له أن يكون (فاين) دائما ، ولا يمكن له أن يتحمل حزنه وغضبه وكبتهما بداخله ، فهو في النهاية سيجن أو ينفجر .
عند كلمة (ينفجر) عاد من ذاكرته ، نبتت أبتسامة ساخرة على شفتيه حين تذكر أن من فجر مباني نيويورك أغلبهم من هنا ، وأنهم بالتأكيد لم يحتملوا أن يكونوا (فاين دائما) فانفجروا في المباني .
جاء صوت زميله من بعيد : كيفك ؟
أخفى سخريته سريعا ، ود لو قال له : لا أشعر بالحياة ، الصمت يقتلني ، الأيام متشابهة ، والأشياء مستنسخة .. (غترة .. شماغ .. غترة .. شماغ .. غترة .. شماغ وعقل واحد) ، بلع كل ما كان سيبوح به ، فصاحبه يريد الإجابة المعتادة .
بخير الحمد لله .. كيفك أنت ؟
بخير الحمد لله .
سرقه العمل الغبي من تأمل حياته الخاصة والمملة ، تحول لالة تمارس نفس العمل وبنفس الطريقة (استقبل .. ودع .. نفى مصدر مسئول .. استقبل .. ودع .. نفى مصدر مسئول .. استقبل .. ودع .. نفى مصدر مسئول ، ولا جديد ) .
@@@@@
سأل البائع : ألا يوجد لعبة تركيبة وعروس باربي إضافية ، لم أجد إلا واحدة من هذه وواحدة من تلك .
قال البائع موجها كلامه للعامل : صديق جيب لعبة تركيبة وباربي من المستودع ، بسرعة .
دفع الحساب ومضى سريعا للبيت ، نفس الطريق والصمت وعيون القطط ، لكنه كان مرهقا فلم يدندن (يا أم سليمان) .
أخفى (لعب التركيبة وباربي في صندوق السيارة ، قبل أن يتسلل للمنزل ليتأكد أن الجميع نائمون) ، عاد من جديد ليفتح الصندوق أخذ الكيس وهرب لغرفة نومه المحاطة بأربع جدران إسمنتية .
أخرج التركيبة أولا ، صنع غرفة من ثلاثة جدران فقط ، فيما الجدار الرابع جهة الشرق أقسم ألا يبنيه ، أكمل صنع البيت الصغير بنفس الطريقة ، ثلاثة جدران فقط ، لم تكن الجهة الرابعة في كل غرفة جهة الشرق حتى لا يقتله الروتين .
فيما بعد بنى مقهى ، قبل أن يخرج باربي ورجل بحجم باربي اشتراه معها .
وضعها على مقعد أمام طاولة نصب عليها مظلة ، وأحضر لها فنجان قهوة مناسبا لحجمها الطبيعي ، فيما نظارتها على الطاولة مرمية بلا اكترث .
وضع الرجل على طاولة أخرى في المقهى صنع له قهوة ، وتركه يتأمل تلك العلاقة بين شعر باربي الغجري والهواء الذي يهففه قبل أن يحول الهواء نسماته لأصابع لا تبعثر شعرها بل يتغلل به بهدوء وروية .
بدا له المنظر ممتع وجميل ، فيما بعد أمر باربي أن تقف ثم تقترب من الرجل ، لتسألة : كم الساعة ؟
الساعة تشير إلى الفرح يا باربي .
ضحكت ، ومضت ، ولم يتبعها لأنه سأم تلك الأفكار المكررة والتي يتداولها سكان تلك الهضبة .
تبدوا الحياة مملة إن كان كل الرجال ذئاب ، وكل النساء ضحية ، وأن العلاقة بينهما ما هي إلى علاقة جلاد بضحيته .
شعر بمتعة لا يضاهيا أي أمتعة ، كفر بالجدران الأربعة وبالرتابة وبالصمت .
وأقسم أن الحياة يمكن لها أن تكون شيئا اخر غير هذه الرتابة وذاك التشابه الممل ، وأن الإنسان باستطاعته أن يصنع عالم خاص ، ولو من لعبة تركيبة وباربي وشيء من خياله الطفولي ، لا لشيء إلا ليقتل هذه الرتابة قبل أن يموت .
مضى لسريره ، سعيدا لأن يومه لا يشبه أيامه السابقة .
قبل أن ينام ، مر برأسه شريط حياة سكان هذه الهضبة ، تساءل ماذا لو قلت لهم أني أحلم بأن تصبح تركيبتي وباربي وذاك الرجل حقيقين ويمكن لي أن أراهما في الطريق ؟
تأفف , حين بدا له أن الجواب سيكون مكررا : ترضى أن أختك تسوي هذا ؟
ضحك لهذه الأجوبة المكررة ، والكاذبة .
تخيل أن من أجاب على تساؤلاته يقف أمامه : صرخ بوجهه (يلعن أختك) ، ونام
تعليق