لمْ تكُن فتاةً عاديّة.
غنيّة، جميلة، مثقّفة، مهذّبة. ولكنّها على كثرةِ ما تقدّمَ لها من خطّاب، لم تقتنعْ بواحدٍ منهم. رأتْهم كلَّهم تافهين، ما إن تتحدّثْ مع أحدِهم لعشرِ دقائق، حتّى تحسَّ بالنفورِ منه، فهو إمّا سطحيٌّ ضحلُ الثقافة، أو طامعٌ في مالِها، أو منبهرٌ بجمالِها، أو كلُّها معا! لهذا انقسمَتِ القلوبُ حولَها قسمين: قسمٌ أقعدَه الخوفُ على كرامتِه من الرفض، عن أن يغامرَ بالتقدّمِ لخطبتِها، وقسمٌ استهواه التحدّي، فنزلَ ساحةَ الوغى بكلِّ أسلحتِه. ***** وهو كانَ من القسمِ الأخير. ملأتْه شخصيّتُها المتفرّدة بالتحدّي، فقرّرَ أنَّ الموضوعَ يستحقُّ المخاطرة. لهذا حشدَ كلَّ أسلحتِه وأقدم. ***** لم يستطِعْ أن ينكرَ بينَه وبينَ نفسِه أنها كالقمر، كالفتنة، كحوريّاتِ الجنّة.. أنّها الجمالُ نفسُه. ولكنّه أخفى مشاعرَه في أعماقَه، وهو يسألُها: - ألا ترَيْنَ أنّها طريقةٌ شاذّةٌ نوعًا لاختيارِ عريس؟.. أشعرُ أنّني في اختبارٍ شخصيّ، لم ينجحْ فيه أحدٌ حتّى الان. مطّتْ شفتيها وقالتْ: - فلتَقُلْ إنّني سئمتُ من أن تظلَّ المرأةُ سلعةً تُختار.. لماذا لا أختبرُ أنا الرجال؟ - فليكُن.. دعينا نبدأُ الاختبار. - هل أنتَ مستعدّ؟ - منذُ ثمانيةٍ وعشرينَ عامًا! - ...! - عمري.. الزمنُ الّذي استغرقْتُه في بناءِ شخصيّتي. - وهل أكملْتَ بناءها؟ - هل ترَينَ أمامَكِ كهلا؟.. بالطبعِ لا، وإلا فماذا سأفعلُ في بقيّةِ عُمري؟ نظرتْ له لحظةً قبلَ أنْ تعتدلَ قائلةً باهتمام: - يبدو أنّكَ قد نجحتَ في الإجابةِ على السؤالِ الأوّل. - اه.. فاتحةُ خير.. لو أنَّ كلَّ الأسئلةِ بهذه البساطة، فسأحصلُ على الامتيازِ عن جدارة. - أعتبرُ هذا تسرّعًا؟ - اعتبريه فطنة.. فَراسة.. حُسنَ تقدير. - هل أنتَ مغرور؟ - لماذا جئتُ إن لم أكُن؟ - ألا تخشى من هذه الصراحة؟ - وأنتِ مغرورةٌ مثلي؟.. لا أظنّ. - مغرورة؟.. كيفَ تحكمُ عليَّ دونَ أن تعرفني؟ - قلتُ لكِ إنّي فطِنٌ متفرّس.. ثمَّ إنَّ طفلةً بجمالِكِ لا تسطيعُ أن تقاومَ غرورَها. ابتسمتْ قبلَ أنْ تسألَه: - هل تعرفُ لمَ ابتسمْت؟ - هل توجدُ اختيارات؟ - كلمةٌ من كلماتِك: طفلة، جميلة، مغرورة. - طفلة. - ألا تتردّدُ أبدًا؟! - أضيفي إلى معلوماتِك: "متهوّر". - لماذا لم تَقُل: "شجاع". - حينما تكتشفينَ عقلي فستتحوّلُ تلقائيّا إلى "شجاع". ابتسمتْ قبلَ أنْ تسأَله: - على العموم، "طفلةٌ" بالفعلِ هي الإجابةُ الصحيحة.. هل تعرفُ إذن لمَ دفعتْني هذه الكلمةُ للابتسام؟ - لأنّها مسّتْ جزءًا من ذاتِك، هو الّذي بنيتِ عليه نموذجَ فارسِ أحلامِك. - كأنّكَ تعرفُ هذا النموذج! - إنّه يجلسُ أمامَك! - دعنا نرى. نظرَ في عينيها مباشرةً وصمتْ. تمنّتْ أن تقهرَ نظرتَه الواثقة، ولكنّها ارتبكتْ وهربتْ منه ببصرِها. أحسّتْ بشيءٍ عجيبٍ لم تحسَّ بمثلِه من قبل. كانت أنفاسُها خاشعة، ونبضاتُها متهيّبة، ولم تكونا كذلكَ يومًا. ثمَّ شعرتْ بقوّةٍ مغناطيسيّةٍ تجذبُ عينيها مرّةً أخرى لعينيه، فعادتْ إليهما. تمتمَ بثقة: - لنْ أبدأ بالقولِ المعسول، ولن أقولَ أبدًا إنَّ جمالَكِ مهما بلغَ ممكنٌ أن يُفقدَني عقلي، أو أن يجعلني خَاتمًا في إصبعِك.. أعرفُ أنّكِ عنيدة، ولكنّي لن أتركَ عنادَكِ هذا يكسرُ رجولتي.. إنّني من النوعِ الّذي إذا أحبَّ وثِق، وإذا غارَ ثار، وإذا مسَّ أحدٌ مَن يحبُّهم صارَ بركانًا لا يَذر.. ولكنّ هذا لا يعني أبدًا أن تسيطر عليّ فتاتي أو تُخضعَني.. إنّني لم اتِ من أجلِ مالِك، فمسئوليّتي الأولى هي إعالةُ أسرتي.. ربّما أطربني جمالُك، فهو مما يُبهجُ النفسَ والقلبَ ويُعمّقُ الحبّ.. ولكنَّ أكثرَ ما شدّني لخوضِ هذا التحدّي هو عقلُك.. أخلاقُك.. شخصيّتُكِ الفريدة. وابتسمَ مردفًا: - العنيدة.. وأنا أعرفُ كيفَ أعاملُ القططَ المتمرّدةَ العنيدة، وكيفَ أقوّمُ الأضلاعَ المعوجّةَ دونَ أن تنكسر. - [بتحدٍّ أقربَ ما يكونُ للدلال]: ومن قالَ لكَ إنَّ هذا ما أريدُه؟.. ألا تعتقدُ بذلكَ أنّي سأنفرُ منك؟ - لغةُ العيونِ غيرُ لغةِ الألسن، وأنتَ لا ترتدينَ ما يُخفي عينيك. - [ارتبكتْ وهربتْ منه ببصرِها]: حسنًا.. سأفكّر. نهضَ قائلا ببساطة: - هذا بالنسبةِ لي يعني الرفض.. وداعا! وتحرّكَ للانصراف، فتردّدتْ لحظة، قبلَ أنْ تهتف: - مهلا.. لماذا هذا التعنّت؟ توقّفَ واستدار، فتمتمت: - أليسَ من حقّي أن اخذَ مهلةً للتفكير؟ - [مطَّ شفتيه]: وأنا كذلكِ من حقّي أن أضعَ قواعدي.. لقد قبلْتُ قواعدَك، فاقبلي خاصّتي. بدا عليها التحيّرُ، فنظرَ في عينيها قائلا: - لا تكابري، فأنا أكرهُ المكابرينَ المتكبّرين.. أنتَ معجبةٌ بي، وتشعرينَ بالسعادةِ لأنَّ شخصيّتي طغتْ على شخصيّتِك، لأنّكِ ببساطةٍ: أنثى، طفلة، يُسعدُكِ أن تشعري بالأمانِ والحمايةِ في كَنفِ رجلٍ قويّ.. [واكتسى صوتُه بالرقّة] أنا أيضًا مغرمٌ بك، بجمالِكِ الفاتن، بعقلِكِ الراجح، بشخصيّتِكِ الفريدة، بعنادِكِ الطفوليّ، بغرورِكِ بتميّزِك.. كم أتمنّى أن أقتربَ منكِ لأعرفَكِ أكثر، وأُلملمَ من دُررِكِ أكثر. خفقَ قلبُها وتتمتمَت بخجل: - ربّما يُحنقُني قليلا أسلوبُكَ المغرورُ هذا، ولكنّكَ تبدو مختلفًا بالفعلِ عن كلِّ الاخرين. - هل يعني هذا الموافقة؟ خفضتْ بصرَها متمتمةً: - يمكنُكَ محادثةُ أبي. نظرَ لها لحظةً في صمت، قبلَ أنْ تتسعَ ابتسامتُه، لتتحوّلَ بالتدريجِ إلى ضحكةٍ مجلجلة. - [باستغراب]: لماذا تضحكُ هكذا؟ - [من بينِ ضحكِه]: لأنّي لم أتخيّلْ أن يكونَ الأمرُ بهذه البساطة.. وأنا الّذي أمضيتُ أسبوعينِ كاملينِ أدرسُ شخصيّتَك، من خلالِ ما يحكى عنكِ من أساطير! - لا.. لا أفهمُ ماذا تعني. أخرجَ من جيبِه جهازَ تسجيلٍ صغير، رفعَه أمامَ ناظريْها وقال: - أعني أنّ أصدقائي ممن حطّمْتِ كبرياءَهم بالرفضِ المتعنّت، سيُسعدُهم سماعُ ما سجّلْتُه هنا، وسيضاعفونَ لي قيمةَ الرهانِ بلا مجادلة.. وداعًا يا ذاتَ الأنفِ العالي.. أو: الّذي كان كذلكِ قبلَ أنْ أحطّمَه! وأطلقَ ضحكةً عابثة، وانصرفَ تاركًا إيّاها خلفَه تحدّقُ في الفراغ، لا تكادُ تعي ما حولَها من فرطِ الصدمة. ***** لمْ تصدّقْ أنَّ هذا حدث. الشخصُ الوحيدُ الّذي خفقَ له قلبُها خدعها ومرّغَ حِثرمةَ أنفِها في ترابِ الإهانة. أصبحُ الناسُ يتغامزونَ عليها، وتتصلُ بها الحاقداتُ للشماتةِ بها، ولا تلاقي في عينيْ عائلتِها إلا الإشفاقَ وهو قاتلُها. لمْ تصدّقْ أنَّ هذا حدث. هي الّتي أمضتْ وقتَها تضعُ الأسسَ والمعاييرَ الّتي على أساسِها تختارُ شريكَ حياتِها: ما هي أخلاقُه؟.. طباعُه؟.. كيفَ يفكّر.. كيفَ يحلُم؟ بعدَ كلِّ هذا يأتي ذلكَ الحقيرُ ليُظهرَها بذلكَ المظهرِ التافه؟ الحقير؟ كان عقلُها يبحثُ عن سُبّةٍ أوقع، ولكنَّ قلبَها كان يبحثُ له عن الأعذار. نعم.. نعم.. وقعتْ في الحبِّ من أولِ لقاءٍ لها به، وعرَفَتْ كلَّ الامِ الحبِّ في قصّةٍ لم تستغرقْ نصفَ ساعة! لا لا.. كلُّ ما قاله كان زورا.. بهتانًا وزورا.. افتراءً وبهتانًا وزورا. إذن ما الّذي يمكنُ أن تحبَّه فيه؟ يجبُ أن تكرَهَه.. تَمقُتَه.. تُبغضَه. إذا قالتْ هذا حتّى تسلوَ تَهيجُها صورتُه الوسيمة، وصوتُه الواثق، وشخصيّتُه الكاسحة. ثم يقولُ قلبُها متزلّفًا: - لقد خدعَكِ نعم، وما غيرُه بفاعلِها.. أليسَ هذا سببًا وجيهًا للإعجابِ به؟! ***** رنَّ جرسُ الهاتفِ فرفعتْ سمّاعتَه تُجيبُ بشرود
للقصًه تكمله إنتظرو الجٌزء الثاني
غنيّة، جميلة، مثقّفة، مهذّبة. ولكنّها على كثرةِ ما تقدّمَ لها من خطّاب، لم تقتنعْ بواحدٍ منهم. رأتْهم كلَّهم تافهين، ما إن تتحدّثْ مع أحدِهم لعشرِ دقائق، حتّى تحسَّ بالنفورِ منه، فهو إمّا سطحيٌّ ضحلُ الثقافة، أو طامعٌ في مالِها، أو منبهرٌ بجمالِها، أو كلُّها معا! لهذا انقسمَتِ القلوبُ حولَها قسمين: قسمٌ أقعدَه الخوفُ على كرامتِه من الرفض، عن أن يغامرَ بالتقدّمِ لخطبتِها، وقسمٌ استهواه التحدّي، فنزلَ ساحةَ الوغى بكلِّ أسلحتِه. ***** وهو كانَ من القسمِ الأخير. ملأتْه شخصيّتُها المتفرّدة بالتحدّي، فقرّرَ أنَّ الموضوعَ يستحقُّ المخاطرة. لهذا حشدَ كلَّ أسلحتِه وأقدم. ***** لم يستطِعْ أن ينكرَ بينَه وبينَ نفسِه أنها كالقمر، كالفتنة، كحوريّاتِ الجنّة.. أنّها الجمالُ نفسُه. ولكنّه أخفى مشاعرَه في أعماقَه، وهو يسألُها: - ألا ترَيْنَ أنّها طريقةٌ شاذّةٌ نوعًا لاختيارِ عريس؟.. أشعرُ أنّني في اختبارٍ شخصيّ، لم ينجحْ فيه أحدٌ حتّى الان. مطّتْ شفتيها وقالتْ: - فلتَقُلْ إنّني سئمتُ من أن تظلَّ المرأةُ سلعةً تُختار.. لماذا لا أختبرُ أنا الرجال؟ - فليكُن.. دعينا نبدأُ الاختبار. - هل أنتَ مستعدّ؟ - منذُ ثمانيةٍ وعشرينَ عامًا! - ...! - عمري.. الزمنُ الّذي استغرقْتُه في بناءِ شخصيّتي. - وهل أكملْتَ بناءها؟ - هل ترَينَ أمامَكِ كهلا؟.. بالطبعِ لا، وإلا فماذا سأفعلُ في بقيّةِ عُمري؟ نظرتْ له لحظةً قبلَ أنْ تعتدلَ قائلةً باهتمام: - يبدو أنّكَ قد نجحتَ في الإجابةِ على السؤالِ الأوّل. - اه.. فاتحةُ خير.. لو أنَّ كلَّ الأسئلةِ بهذه البساطة، فسأحصلُ على الامتيازِ عن جدارة. - أعتبرُ هذا تسرّعًا؟ - اعتبريه فطنة.. فَراسة.. حُسنَ تقدير. - هل أنتَ مغرور؟ - لماذا جئتُ إن لم أكُن؟ - ألا تخشى من هذه الصراحة؟ - وأنتِ مغرورةٌ مثلي؟.. لا أظنّ. - مغرورة؟.. كيفَ تحكمُ عليَّ دونَ أن تعرفني؟ - قلتُ لكِ إنّي فطِنٌ متفرّس.. ثمَّ إنَّ طفلةً بجمالِكِ لا تسطيعُ أن تقاومَ غرورَها. ابتسمتْ قبلَ أنْ تسألَه: - هل تعرفُ لمَ ابتسمْت؟ - هل توجدُ اختيارات؟ - كلمةٌ من كلماتِك: طفلة، جميلة، مغرورة. - طفلة. - ألا تتردّدُ أبدًا؟! - أضيفي إلى معلوماتِك: "متهوّر". - لماذا لم تَقُل: "شجاع". - حينما تكتشفينَ عقلي فستتحوّلُ تلقائيّا إلى "شجاع". ابتسمتْ قبلَ أنْ تسأَله: - على العموم، "طفلةٌ" بالفعلِ هي الإجابةُ الصحيحة.. هل تعرفُ إذن لمَ دفعتْني هذه الكلمةُ للابتسام؟ - لأنّها مسّتْ جزءًا من ذاتِك، هو الّذي بنيتِ عليه نموذجَ فارسِ أحلامِك. - كأنّكَ تعرفُ هذا النموذج! - إنّه يجلسُ أمامَك! - دعنا نرى. نظرَ في عينيها مباشرةً وصمتْ. تمنّتْ أن تقهرَ نظرتَه الواثقة، ولكنّها ارتبكتْ وهربتْ منه ببصرِها. أحسّتْ بشيءٍ عجيبٍ لم تحسَّ بمثلِه من قبل. كانت أنفاسُها خاشعة، ونبضاتُها متهيّبة، ولم تكونا كذلكَ يومًا. ثمَّ شعرتْ بقوّةٍ مغناطيسيّةٍ تجذبُ عينيها مرّةً أخرى لعينيه، فعادتْ إليهما. تمتمَ بثقة: - لنْ أبدأ بالقولِ المعسول، ولن أقولَ أبدًا إنَّ جمالَكِ مهما بلغَ ممكنٌ أن يُفقدَني عقلي، أو أن يجعلني خَاتمًا في إصبعِك.. أعرفُ أنّكِ عنيدة، ولكنّي لن أتركَ عنادَكِ هذا يكسرُ رجولتي.. إنّني من النوعِ الّذي إذا أحبَّ وثِق، وإذا غارَ ثار، وإذا مسَّ أحدٌ مَن يحبُّهم صارَ بركانًا لا يَذر.. ولكنّ هذا لا يعني أبدًا أن تسيطر عليّ فتاتي أو تُخضعَني.. إنّني لم اتِ من أجلِ مالِك، فمسئوليّتي الأولى هي إعالةُ أسرتي.. ربّما أطربني جمالُك، فهو مما يُبهجُ النفسَ والقلبَ ويُعمّقُ الحبّ.. ولكنَّ أكثرَ ما شدّني لخوضِ هذا التحدّي هو عقلُك.. أخلاقُك.. شخصيّتُكِ الفريدة. وابتسمَ مردفًا: - العنيدة.. وأنا أعرفُ كيفَ أعاملُ القططَ المتمرّدةَ العنيدة، وكيفَ أقوّمُ الأضلاعَ المعوجّةَ دونَ أن تنكسر. - [بتحدٍّ أقربَ ما يكونُ للدلال]: ومن قالَ لكَ إنَّ هذا ما أريدُه؟.. ألا تعتقدُ بذلكَ أنّي سأنفرُ منك؟ - لغةُ العيونِ غيرُ لغةِ الألسن، وأنتَ لا ترتدينَ ما يُخفي عينيك. - [ارتبكتْ وهربتْ منه ببصرِها]: حسنًا.. سأفكّر. نهضَ قائلا ببساطة: - هذا بالنسبةِ لي يعني الرفض.. وداعا! وتحرّكَ للانصراف، فتردّدتْ لحظة، قبلَ أنْ تهتف: - مهلا.. لماذا هذا التعنّت؟ توقّفَ واستدار، فتمتمت: - أليسَ من حقّي أن اخذَ مهلةً للتفكير؟ - [مطَّ شفتيه]: وأنا كذلكِ من حقّي أن أضعَ قواعدي.. لقد قبلْتُ قواعدَك، فاقبلي خاصّتي. بدا عليها التحيّرُ، فنظرَ في عينيها قائلا: - لا تكابري، فأنا أكرهُ المكابرينَ المتكبّرين.. أنتَ معجبةٌ بي، وتشعرينَ بالسعادةِ لأنَّ شخصيّتي طغتْ على شخصيّتِك، لأنّكِ ببساطةٍ: أنثى، طفلة، يُسعدُكِ أن تشعري بالأمانِ والحمايةِ في كَنفِ رجلٍ قويّ.. [واكتسى صوتُه بالرقّة] أنا أيضًا مغرمٌ بك، بجمالِكِ الفاتن، بعقلِكِ الراجح، بشخصيّتِكِ الفريدة، بعنادِكِ الطفوليّ، بغرورِكِ بتميّزِك.. كم أتمنّى أن أقتربَ منكِ لأعرفَكِ أكثر، وأُلملمَ من دُررِكِ أكثر. خفقَ قلبُها وتتمتمَت بخجل: - ربّما يُحنقُني قليلا أسلوبُكَ المغرورُ هذا، ولكنّكَ تبدو مختلفًا بالفعلِ عن كلِّ الاخرين. - هل يعني هذا الموافقة؟ خفضتْ بصرَها متمتمةً: - يمكنُكَ محادثةُ أبي. نظرَ لها لحظةً في صمت، قبلَ أنْ تتسعَ ابتسامتُه، لتتحوّلَ بالتدريجِ إلى ضحكةٍ مجلجلة. - [باستغراب]: لماذا تضحكُ هكذا؟ - [من بينِ ضحكِه]: لأنّي لم أتخيّلْ أن يكونَ الأمرُ بهذه البساطة.. وأنا الّذي أمضيتُ أسبوعينِ كاملينِ أدرسُ شخصيّتَك، من خلالِ ما يحكى عنكِ من أساطير! - لا.. لا أفهمُ ماذا تعني. أخرجَ من جيبِه جهازَ تسجيلٍ صغير، رفعَه أمامَ ناظريْها وقال: - أعني أنّ أصدقائي ممن حطّمْتِ كبرياءَهم بالرفضِ المتعنّت، سيُسعدُهم سماعُ ما سجّلْتُه هنا، وسيضاعفونَ لي قيمةَ الرهانِ بلا مجادلة.. وداعًا يا ذاتَ الأنفِ العالي.. أو: الّذي كان كذلكِ قبلَ أنْ أحطّمَه! وأطلقَ ضحكةً عابثة، وانصرفَ تاركًا إيّاها خلفَه تحدّقُ في الفراغ، لا تكادُ تعي ما حولَها من فرطِ الصدمة. ***** لمْ تصدّقْ أنَّ هذا حدث. الشخصُ الوحيدُ الّذي خفقَ له قلبُها خدعها ومرّغَ حِثرمةَ أنفِها في ترابِ الإهانة. أصبحُ الناسُ يتغامزونَ عليها، وتتصلُ بها الحاقداتُ للشماتةِ بها، ولا تلاقي في عينيْ عائلتِها إلا الإشفاقَ وهو قاتلُها. لمْ تصدّقْ أنَّ هذا حدث. هي الّتي أمضتْ وقتَها تضعُ الأسسَ والمعاييرَ الّتي على أساسِها تختارُ شريكَ حياتِها: ما هي أخلاقُه؟.. طباعُه؟.. كيفَ يفكّر.. كيفَ يحلُم؟ بعدَ كلِّ هذا يأتي ذلكَ الحقيرُ ليُظهرَها بذلكَ المظهرِ التافه؟ الحقير؟ كان عقلُها يبحثُ عن سُبّةٍ أوقع، ولكنَّ قلبَها كان يبحثُ له عن الأعذار. نعم.. نعم.. وقعتْ في الحبِّ من أولِ لقاءٍ لها به، وعرَفَتْ كلَّ الامِ الحبِّ في قصّةٍ لم تستغرقْ نصفَ ساعة! لا لا.. كلُّ ما قاله كان زورا.. بهتانًا وزورا.. افتراءً وبهتانًا وزورا. إذن ما الّذي يمكنُ أن تحبَّه فيه؟ يجبُ أن تكرَهَه.. تَمقُتَه.. تُبغضَه. إذا قالتْ هذا حتّى تسلوَ تَهيجُها صورتُه الوسيمة، وصوتُه الواثق، وشخصيّتُه الكاسحة. ثم يقولُ قلبُها متزلّفًا: - لقد خدعَكِ نعم، وما غيرُه بفاعلِها.. أليسَ هذا سببًا وجيهًا للإعجابِ به؟! ***** رنَّ جرسُ الهاتفِ فرفعتْ سمّاعتَه تُجيبُ بشرود
للقصًه تكمله إنتظرو الجٌزء الثاني
تعليق