رواية عائد إلى حيفا.. كامله

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • انثى من الخيال
    V - I - P
    • May 2009
    • 1602

    #11
    رد: رواية عائد إلى حيفا

    -" لست ارى سببا للضحك".
    -
    "أنا ارى".
    وضحك لفترة قصيرة فحسب، ثم صمت كما تفجر، واتكأ على مقعده مستشعرا تجدد الهدوء، واخذ يبحث في جيبه عن سيكارة. وامتد الصمت طويلا الا ان صفية، التي عادت فهدأت نفسها سألت بصوت خفيض :" الا تشعر بأننا والداك ؟".
    ولم يعرف احد لمن كان السؤال. فلا شك ان ميريام لم تفهم، ولا الشاب الطويل القامة. اما سعيد فلم يرد : كان قد انهى سيكارته في تلك اللحظة فقام الى الطاولة ليطفئها واضطر – كي لا يفعل ذلك – ان يزحزح القبعة من مكانها، وفعل ذلك وهو يبتسم بسخرية، ثم عاد الى مكانه وجلس.
    وعندها قال الشاب، وقد تغير صوته تماما :
    -"
    دعونا نتحدث كأناس متحضرين".
    واخذ سعيد يضحك مرة اخرى، ثم قال :
    -"
    أنت تريد ان تفاوض... اليس كذلك ؟ كنت تقول انك، او انني، في الجهة الاخرى.. ماذا حدث ؟ هل تريد ان نفاوض ام ماذا؟".
    وسألته صفيه مستثارة :
    -
    "ماذا قال ؟".
    -"
    لا شيء".
    وعاد الشاب فوقف، واخذ يتحدث وكأنه حضر تلك الجمل منذ فترة طويلة :
    -"
    انا لم اعرف ان ميريام وايفرات ليسا والدي الا قبل ثلاث او اربع سنوات. منذ صغري وانا يهودي. اذهب الى الكنيس والى المدرسة اليهودية واكل الكوشير وادرس العبرية. وحين قالا لي – بعد ذلك – ان والدي الاصليين هما عربيان، لم يتغير اي شيء. لا، لم يتغير. ذلك شيئ مؤكد.. ان الانسان هو في نهاية الامر قضية".
    -"
    من قال ذلك ؟".
    -"
    قال ماذا ؟".
    -
    "من الذي قال ان الانسان هو قضيه ؟".
    -"
    لا اعرف، لا اذكر.. لماذا تسأل ؟".
    -
    لمجرد الفضول، الصحيح لمجرد ان ذلك بالضبط ما كان يدور في بالي هذه اللحظة.
    -" ان الانسان هو قضية؟".
    -"
    بالضبط".
    -"
    اذن لماذا جئت تبحث عني ؟".
    -" لست ادري. ربما لانني لم اكن اعرف ذلك، او كي أتأكد منه اكثر. لست ادري، على اي حال لماذا لا تكمل ؟".
    وعاد الشاب الطويل القامة يمشي وهو يعقد كفيه وراء ظهره : ثلاث خطوات نحو الباب وثلاث خطوات نحو الطاولة. لقد بدا تلك اللحظة وكأنه حفظ عن ظهر قلب درسا طويلا، وانه حين قوطع في وسطه، لم يعد يعرف كيف يكمله، وهو يسترجع صامتا، في رأسه، الجزء الاول كي يصير بوسعه المتابعة، وفجأة قال :
    -" بعد ان عرفت انكما عربيان كنت دائما اتساءل بيني وبين نفسي : كيف يستطيع الاب والام ان يتركا ابنهما وهو في شهره الخامس ويهربان ؟ وكيف يستطيع من هو ليس امه وليس اباه ان يحتضناه ويربياه عشرين سنه ؟ عشرين سنه ؟ اتريد ان تقول شيئا يا سيدي ؟".
    -" لا".
    قال سعيد باختصار حاسم، واشار له بيده كي يتابع :
    -" انني في قوات الاحتياط الان، لم يقدر لي خوض معركة مباشرة الى الان لاصف لك شعوري، ولكن ربما في المستقبل استطيع ان اؤكد لك مجددا ما سأقوله الان : انني انتمي الى هنا، وهذه السيدة هي امي، وانتما لا اعرفكما ولا اشعر ازاءكما بأي شعور خاص".
    -" لا حاجة لتصف لي شعورك فيما بعد، فقد تكون معركتك الاولى مع فدائي اسمه خالد، وخالد هو ابني، ارجو ان تلاحظ انني لم اقل انه اخوك، فالانسان كما قلت قضيه، وفي الاسبوع الماضي التحق خالد بالفدائيين... اتعرف لماذا اسميناه خالد ولم نسمه خلدون ؟ لاننا كنا نتوقع العثور عليك، ولو بعد عشرين سنة، ولكن ذلك لم يحدث. لم نعثر عليك.. ولا اعتقد اننا سنعثر عليك"
    ونهض سعيد س. متثاقلا. الان فقط شعر انه متعب، وانه هدر عمره بصورة عابثة. وساقه هذا الشعور الى كابة لم يكن يتوقعها، واحس بأنه على وشك ان يبكي، فقد كان يعرف انه كذب،

    تعليق

    • انثى من الخيال
      V - I - P
      • May 2009
      • 1602

      #12
      رد: رواية عائد إلى حيفا

      وان خالدا لم يلتحق بالفدائيين. وفي الواقع كان هو الذي منعه. بل مضى ذات يوم الى حد تهديده بالتبرؤ منه ان هو عصا ارادته والتحق بالمقاومة. وبدت له الايام القليلة الماضية مجرد كابوس انتهى على صورة مفزعة، اهو نفسه الذي كان قبل ايام يهدد ابنه خالد بالتبرؤ من ابوته له ؟ اي عالم عجيب لا يصدق. الان لا يجد شيئا ليدافع به عن نفسه امام تبرؤ هذا الشاب الطويل القامة من بنوته له الا افتخاره بأبوته لخالد، خالد نفسه الذي حال دونه ودون الالتحاق بالفدائيين بذلك السوط التافه الذي كان يسميه الابوة ! من يدري، فربما اقتنص خالد الفرصة اثناء وجوده هو في حيفا فهرب... اه لو فعل ! كم سيكون من المخيب لكل قيم هذا الوجود ان هو عاد الى اليبت فوجد خالد بانتظاره!.
      مشى سعيد خطوتين واخذ، مره اخرى، يعد ريشات الطاووس الخمس التي كانت في المزهرية الخشبية، ولاول مره منذ دخل الشاب الطويل القامة الى الغرفة، نظر الى ميريام، وببطء قال لها :
      -"
      انه يتساءل كيف يترك الاب والام ابنهما الرضيع في السرير ويهربان... انت يا سيدتي لم تقولي له الحقيقة، وحين رويتها له كان الوقت قد مضى، انحن الذين تركناه ؟ انحن الذين قتلنا ذلك الطفل قرب كنيسة بيت لحم في الهادار ؟ الطفل الذي كانت جثته، كما قلت لنا، اول شيء صدمك في هذا العالم الذي يسحق العدل بحقارة كل يوم.. ربما كان ذلك الطفل هو خلدو ! ربما كان ذلك الشيء الصغير الذي مات ذلك اليوم التعيس خلدون... بل إنه خلدون، وانت كذبت علينا أنه خلدون، وقد مات، وهذا ليس الا طفلا يتيما عثرت عليه في بولونيا، او انكلترا".
      كان الشاب طويل القامه ينكفئ على نفسه كشيء محطوم في كرسيه، وقال سعيد لنفسه :
      -"
      لقد فقدناه، ولكنه بلا ريب فقد نفسه بعد هذا كله، ولن يكون ابدا كما كان قبل ساعة"وأعطاه هذا الاعتقاد شعورا غامضا بارتياح لا يفسر، وذلك كان ما دفعه نحو الكرسي الذي كان الشاب طويل القامة جالسا فيه، ووقف امامه وقال :
      -"
      الانسان في نهاية المطاف قضية، هكذا قلت، وهذا هو الصحيح، ولكن أية قضية ؟ هذا هو السؤال ! فكر جيدا. خالد هو ايضا قضية، ليس لأنه ابني، ففي الواقع... دع تلك التفاصيل، على أية حال، جانبا... إننا حين نقف مع الإنسان فذلك شيء لا علاقة له بالدم واللحم وتذاكر الهوية وجوازات السفر... هل تستطيع أن تفهم ذلك ؟ حسنا، دعنا نتصور أنك استقبلتنا –كما حلمنا وهما عشرين سنة- بالعناق والقبل والدموع... أكان ذلك قد غير شيئا؟ إذا قبلتنا أنت، فهل نقبلك نحن؟ ليكن اسمك خلدون أو دوف او اسماعيل او اي شيء اخر... فما الذي يتغير ؟ ومع ذلك فأنا لا أشعر بالاحتقار إزاءك، والذنب ليس ذنبك وحدك، ربما سيبدأ الذنب من هذه اللحظه ليصبح مصيرك، ولكن قبل ذلك ماذا؟ أليس الانسان هو ما يحقن فيه ساعة وراء ساعة ويوما وراء يوم وسنة وراء سنة ؟ إذا كنت أنا نادما على شيء فهو انني اعتقدت عكس ذلك طوال عشرين سنة"!
      وعاد يجر خطواته، محاولا أن يبدو أهدأ ما يكون، عائدا الى مقعده، إلا أنه في تلك الخطوات القليلة التي كانت تمر عبر الطاولة المصدفة، بريش الطاووس الذي يتمايل في المزهرية الخشبية وسطها، بدت له الأشياء مختلفة تماما عما كانت عليه حين دخل هذه الغرفة للمرة الأولى قبل ساعات، وسأل نفسه فجأة : ما هو الوطن؟ وابتسم بمرارة، وأسقط نفسه، كما يسقط الشيء في مقعده، وكانت صفية تنظر اليه قلقة، وتفتح في وجهه عينين متسائلتين، وعندها فقط خطر له أن يشاركها في الأمر، فسألها
      -"
      ما هو الوطن ؟".
      وارتدت الى الوراء مندهشة وهي تنظر اليه كمن لا يصدق ما سمع، ثم سألته برقة يكتنفها الشك :
      -"
      ماذا قلت؟".
      -"
      سألت : ما هو الوطن؟ وكنت أسأل نفسي ذلك السؤال قبل لحظة. أجل ما هو الوطن؟ أهو هذان المقعدان اللذان ظلا في هذه الغرفة عشرين سنة ؟ الطاولة ؟ ريش الطاووس ؟ صورة القدس على الجدار؟ المزلاج النحاسي ؟ شجرة البلوط؟ الشرفة ؟ ما هو الوطن ؟ خلدون؟ أوهامنا عنه ؟ الأبوة؟ البنوة؟ ما هو الوطن ؟ بالنسبة لبدر اللبدة، ما هو الوطن؟ أهو صورة أية معلقة على الجدار؟ أنني أسأل فقط".
      ومرة جديدة، ومفاجئة أخذت صفية تبكي، وتجفف دموعها بمنديلها الأبيض الصغير، وقال سعيد لنفسه وهو ينظر اليها:" لقد شاخت هذه المرأة حقا، واستنزفت شبابها وهي تنتظر هذه اللحظة، دون أن تعرف أنها لحظه مروعة".
      وعاد فنظر الى (دوف) وبدا له مستحيلا تماما أن يكون هذا الشاب من صلب تلك المرأة، وحاول أن يستشف شبها ما بينه وبين خالد، إلا انه لم يعثر على إيما شبه بين الرجلين، بل رأى بصورة ما تضادا بينهما يكاد يكون متعاكسا تماما، واستغرب أن يكون قد فقد ايما عاطفة إزاءه، وتصور أن مجموع ذاكرته عن (خلدون) كانت قبضة من الثلج أشرقت عليه فجأة شمس ملتهبة فذوبتها.
      وكان ما يزال ينظر الى (دوف) حين قام هذا الاخر فجأة ووقف أمام سعيد منتصبا كأنه يتصدر طابورا من الجنود المختبئين، وبذل جهده كي يكون هادئا :
      -"
      كان يمكن لذلك كله ألا يحدث لو تصرفتم كما يتعين على الرجل المتحضر الواعي أن يتصرف".
      -"
      كيف؟".
      -"
      كان عليكم ألا تخرجوا من حيفا. واذا لم يكن ذلك ممكنا فقد كان عليكم بأي ثمن ألا تتركوا طفلا رضيعا في السرير. وإذا كان هذا أيضا مستحيلا فقد كان عليكم ألا تكفوا عن محاولة العودة... أتقولون أن ذلك أيضا مستحيلا؟ لقد مضت عشرون سنة يا سيدي ! عشرون سنة! ماذا فعلت خلالها كي تسترد ابنك ؟ لو كنت مكانك لحملت السلاح من أجل هذا. أيوجد سبب أكثر قوة ؟ عاجزون! عاجزون! مقيدون بتلك السلاسل الثقيلة من التخلف والشلل! لا تقل لي أنكم أمضيتم عشرين سنة تبكون!...الدموع لا تسترد المفقودين ولا الضائعين ولا تجترح المعجزات ! كل دموع الأرض لا تستطيع أن تحمل زورقا صغيرا يتسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود... ولقد أمضيت عشرين سنة تبكي... أهذا ما تقوله لي الان؟ أهذا هو سلاحك التافه المفلول ؟".
      وارتد سعيد الى الوراء، مدهوشا ومطعونا، وأحس بدوار مفاجئ يعصف يه، أيمكن أن يكون ذلك كله حقيقيا ؟ ألا يمكن أن يكون مجرد حلم طويل وممطوط وكابوس لزج يفرش نفسه فوقه كأخطبوط هائل؟ وأخذ ينظر الى صفية التي كانت دهشتها قد اتخذت شكل الانهيار المهيض الجناح، وشعر بحزن عميق من أجلها، ولمجرد أن لا يبدو غبيا، اتجه نحوها، وقال لها بصوت مرتجف:
      -" لست أريد أن أناقشه".
      -"
      ماذا قال ؟".
      -"
      لا شيء. بلى. قال اننا جبناء".
      وسألت صفية ببرائة :
      -"
      ولأننا جبناء يصير هو كذلك ؟".
      عندها فقط استدار نحوه، كان ما يزال واقفا منصب القامة، وبدت ريشات الطاووس المطلة وراءة وكأنها تشكل ذيلا لديك كبير خاكي الون يقف هناك. وابتعث فيه المنظر انتعاشا غير متوقع، فقال:
      -"
      زوجتي تسأل إن كان جبننا يعطيك الحق في أن تكون هكذا، وهي، كما ترى، تعترف ببراءة بأننا كنا جبناء، ومن هنا فأنت على حق، ولكن ذلك لا يبرر لك شيئا، إن خطأ زائد خطأ لا يساويان صحا، ولو كان الأمر كذلك لكان ما حدث لايفرات ولميريام في أوشفيتز صوابا، ولكن

      تعليق

      • انثى من الخيال
        V - I - P
        • May 2009
        • 1602

        #13
        رد: رواية عائد إلى حيفا

        متى تكفون عن اعتبار ضعف الاخرين وأخطائهم مجيرة لحساب ميزاتكم ؟ لقد اهترأت هذه الأقوال العتيقة، هذه المعادلات الحسابية المترعة بالأخاديع... مرة تقولون أن أخطاءنا تبرر أخطاءكم، ومرة تقولون أن الظلم لا يصحح بظلم اخر... تستخدمون المنطق الأول لتبرير وجودكم هنا، وتستخدمون المنطق الثاني لتتجنبوا العقاب الذي تستحقونه، ويخيل إلي أنكم تتمتعون الى أقصى حد بهذه اللعبه الطريفة، وها أنت تحاول مرة جديده أن تجعل من ضعفنا حصان الطراد الذي تعتلي الذي تعتلي صهوته... لا، أنا لا أتحدث إليك مفترضا إنك عربي، والان أنا أكثر من يعرف أن الإنسان هو قضية، وليس لحما ودما يتوارثه جيل وراء جيل مثلما يتبادل البائع والزبون معلبات اللحم المقدد، إنما أتحدث إاليك مفترضا أنك في نهاية الأمر إنسان. يهودي. أو فلتكن ما تشاء. ولكن عليك أن تدرك الأشياء كما ينبغي... وأنا أعرف أنك ذات يوم ستدرك هذه الأشياء، وتدرك أن أكبر جريمة يمكن لأي إنسان أن يرتكبها، كائنا من كان، هي أن يعتقد ولو للحظة أن ضعف الاخرين وأخطاءهم هي التي تشكل حقه في الوجود على حسابهم، وهي التي تبرر له أخطاءه وجرائمه...
        وصمت لحظة، ثم نظر مباشرة في عيني ( دوف):
        -"
        وأنت، أتعتقد أننا سنظل نخطئ ؟ وإن كففنا ذات يوم عن الخطأ، فما الذي يتبقى لديك ؟".
        وشعر، ثمة، أن عليهما أن ينهضا وينصرفا، فقد انتهى الأمر كله،ولم يعد هناك ما يقال بعد، وأحس تللك اللحظة بشوق غامض لخالد، وود لو يستطيع أن يطير اليه ويحتويه ويقبله ويبكي على كتفه، مستبدلا أدوار الأب والأبن على صورة فريدة لا يستطيع تفسيرها."هذا هو الوطن"، قالها لنفسه وهو يبتسم، ثم التفت نحو زوجته :
        -"
        أتعرفين ما هو الوطن يا صفية ؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله".
        وسألته زوجته متوترة بعض الشيء :
        -"
        ماذا حدث لك يا سعيد؟"
        -"
        لا شيء. لا شيء أبدا. كنت أتسأل فقط. أفتش عن فلسطين الحقيقية. فلسطين التي هي أكثر من ذاكرة، أكثر من ريشة طاووس، أكثر من ولد، أكثر من خرابيش قلم رصاص على جدار السلم. وكنت أقول لنفسي : ما هي فلسطين بالنسبة لخالد ؟ إنه لا يعرف المزهرية، ولا الصورة، ولا السلم ولا الحليصة ولا خلدون، ومع ذلك فهي بالنسبة له جديرة بأن يحمل المرء المرء السلاح ويموت في سبيلها، وبالنسبة لنا، أنت وأنا، مجرد تفتيش عن شيء تحت غبار الذاكرة، وانظري ماذا وجدنا تحت ذلك الغبار... غبارا جديدا أيضا ! لقد أخطأنا حين اعتبرنا أن الوطن هو الماضي فقط، أما خالد فالوطن عنده هو المستقبل، وهكذا كان الافتراق، وهكذا أراد خالد أن يحمل السلاح. عشرات الألوف مثل خالد لا تستوقفهم الدموع المفلولة لرجال يبحثون في أغوار هزائمهم عن حطام الدروع وتفل الزهور، وهم إنما ينظرون للمستقبل، ولذلك هم يصححون أخطأنا، وأخطاء العالم كله... إن دوف هو عارنا، ولكن خالد هو شرفنا الباقي... ألم أقل لك منذ البدء إنه كان يتوجب علينا ألا نأتي.. وإن ذلك يحتاج الى حرب ؟... هي بنا !".
        -" لقد عرف خالد ذلك قبلنا... اه يا صفية... اه"
        ووقف فجأة، ووقفت صفية الى جانبه وهي تفرك منديلها محتارة، وظل دوف جالسا، منكفئا على نفسه، وكانت قبعته متكئة على المزهرية وتبدو هناك، ولسبب ما، مضحكة تماما، وقالت ميريام ببطء:
        -" لا تستطيعان أن تغادرو هكذا، لم نتحدث كفاية عن الموضوع"
        قال سعيد :
        -" ليس ثمة ما يقال. بالنسبة لك ربما كان الأمر كله حدثا سيء الحظ، ولكن التاريخ ليس كذلك، ونحن حين جئنا هنا كنا نعاكسه، وكذلك، أعترف لك، حين تركنا حيفا، إلا ان ذلك كله شيء مؤقت. أتعرفين شيئا يا سيدتي ؟ يبدو لي أن كل فلسطيني سيدفع ثمنا، أعرف الكثيرين دفعوا أبناءهم، وأعرف الان إنني أنا الاخر دفعت إبنا بصورة غريبة، ولكنني دفعته ثمنا... ذلك كان حصتي الأولى، وهذا شيء سيصعب شرحه".
        واستدار، وكان دوف لا يزال منكفئا في مقعده محتويا رأسه بين راحتيه، وحين وصل سعيد الى الباب قال:
        -" تستطيعان البقاء مؤقتا في بيتنا، فذلك شيء تحتاج تسويته الى حرب".
        وبدأ ينزل السلم، محدقا بدقة الى كل الأشياء وقد بدت له أقل أهمية مما كانت قبل ساعات وغير قادرة على إثارة أيما شيء في أعماقه، ووراءه كان يسمع أصوات خطى صفية أكثر وثوقا من قبل. وكان الطريق في الخارج خاليا تقريبا. أتجه الى سيارته وتركها تنزلق على السفح دونما صوت، وعند المنعطف فقط أدار محركها وأتجه نحو شارع الملك فيصل.
        وقد ظل صامتا طوال الطريق، ولم يتلفظ بأيما شيء إلا حين وصل مشارف رام الله، عندها فقط نظر الى زوجته وقال :
        -" أرجو أن يكون خالد قد ذهب.... أثناء غيابنا"!




        وبكذا انتهت الروايه
        التعديل الأخير تم بواسطة *مزون شمر*; 30-09-2011, 06:44 PM.

        تعليق

        • *مزون شمر*
          عضو مؤسس
          • Nov 2006
          • 18994

          #14
          رد: رواية عائد إلى حيفا

          قصة جميله
          اذكر جات مسلسل و تابعتها كلها
          مشكووره حبووبه على نقلها لنا

          استمري فديتك

          تعليق

          • *مزون شمر*
            عضو مؤسس
            • Nov 2006
            • 18994

            #15
            رد: رواية عائد إلى حيفا

            هل انتهت الروايه حبوبه ..؟
            ننتظر اكتمالها لنا ..

            تعليق

            • انثى من الخيال
              V - I - P
              • May 2009
              • 1602

              #16
              رد: رواية عائد إلى حيفا

              معليش الروايه ما لقيت كمالتها

              تقفل الا لما القى النهايه

              تعليق

              • SOoΚaRh
                V - I - P
                • Jan 2009
                • 1778

                #17
                رد: رواية عائد إلى حيفا

                لإكمال القصة ..
                حمل هنا ~| |~

                ..

                تعليق

                • *مزون شمر*
                  عضو مؤسس
                  • Nov 2006
                  • 18994

                  #18
                  رد: رواية عائد إلى حيفا

                  المشاركة الأصلية بواسطة انثى من الخيال
                  معليش الروايه ما لقيت كمالتها

                  تقفل الا لما القى النهايه


                  حبوبه
                  الروايه هذي هي كامله
                  مالها تكمله
                  انت كملتيها لنا
                  يعطيك العافيه

                  تعليق

                  google Ad Widget

                  تقليص
                  يعمل...