رد: رواية عائد إلى حيفا
-" لست ارى سببا للضحك".
-"أنا ارى".
وضحك لفترة قصيرة فحسب، ثم صمت كما تفجر، واتكأ على مقعده مستشعرا تجدد الهدوء، واخذ يبحث في جيبه عن سيكارة. وامتد الصمت طويلا الا ان صفية، التي عادت فهدأت نفسها سألت بصوت خفيض :" الا تشعر بأننا والداك ؟".
ولم يعرف احد لمن كان السؤال. فلا شك ان ميريام لم تفهم، ولا الشاب الطويل القامة. اما سعيد فلم يرد : كان قد انهى سيكارته في تلك اللحظة فقام الى الطاولة ليطفئها واضطر – كي لا يفعل ذلك – ان يزحزح القبعة من مكانها، وفعل ذلك وهو يبتسم بسخرية، ثم عاد الى مكانه وجلس.
وعندها قال الشاب، وقد تغير صوته تماما :
-" دعونا نتحدث كأناس متحضرين".
واخذ سعيد يضحك مرة اخرى، ثم قال :
-" أنت تريد ان تفاوض... اليس كذلك ؟ كنت تقول انك، او انني، في الجهة الاخرى.. ماذا حدث ؟ هل تريد ان نفاوض ام ماذا؟".
وسألته صفيه مستثارة :
-"ماذا قال ؟".
-" لا شيء".
وعاد الشاب فوقف، واخذ يتحدث وكأنه حضر تلك الجمل منذ فترة طويلة :
-" انا لم اعرف ان ميريام وايفرات ليسا والدي الا قبل ثلاث او اربع سنوات. منذ صغري وانا يهودي. اذهب الى الكنيس والى المدرسة اليهودية واكل الكوشير وادرس العبرية. وحين قالا لي – بعد ذلك – ان والدي الاصليين هما عربيان، لم يتغير اي شيء. لا، لم يتغير. ذلك شيئ مؤكد.. ان الانسان هو في نهاية الامر قضية".
-" من قال ذلك ؟".
-" قال ماذا ؟".
-"من الذي قال ان الانسان هو قضيه ؟".
-" لا اعرف، لا اذكر.. لماذا تسأل ؟".
- لمجرد الفضول، الصحيح لمجرد ان ذلك بالضبط ما كان يدور في بالي هذه اللحظة.
-" ان الانسان هو قضية؟".
-" بالضبط".
-" اذن لماذا جئت تبحث عني ؟".
-" لست ادري. ربما لانني لم اكن اعرف ذلك، او كي أتأكد منه اكثر. لست ادري، على اي حال لماذا لا تكمل ؟".
وعاد الشاب الطويل القامة يمشي وهو يعقد كفيه وراء ظهره : ثلاث خطوات نحو الباب وثلاث خطوات نحو الطاولة. لقد بدا تلك اللحظة وكأنه حفظ عن ظهر قلب درسا طويلا، وانه حين قوطع في وسطه، لم يعد يعرف كيف يكمله، وهو يسترجع صامتا، في رأسه، الجزء الاول كي يصير بوسعه المتابعة، وفجأة قال :
-" بعد ان عرفت انكما عربيان كنت دائما اتساءل بيني وبين نفسي : كيف يستطيع الاب والام ان يتركا ابنهما وهو في شهره الخامس ويهربان ؟ وكيف يستطيع من هو ليس امه وليس اباه ان يحتضناه ويربياه عشرين سنه ؟ عشرين سنه ؟ اتريد ان تقول شيئا يا سيدي ؟".
-" لا".
قال سعيد باختصار حاسم، واشار له بيده كي يتابع :
-" انني في قوات الاحتياط الان، لم يقدر لي خوض معركة مباشرة الى الان لاصف لك شعوري، ولكن ربما في المستقبل استطيع ان اؤكد لك مجددا ما سأقوله الان : انني انتمي الى هنا، وهذه السيدة هي امي، وانتما لا اعرفكما ولا اشعر ازاءكما بأي شعور خاص".
-" لا حاجة لتصف لي شعورك فيما بعد، فقد تكون معركتك الاولى مع فدائي اسمه خالد، وخالد هو ابني، ارجو ان تلاحظ انني لم اقل انه اخوك، فالانسان كما قلت قضيه، وفي الاسبوع الماضي التحق خالد بالفدائيين... اتعرف لماذا اسميناه خالد ولم نسمه خلدون ؟ لاننا كنا نتوقع العثور عليك، ولو بعد عشرين سنة، ولكن ذلك لم يحدث. لم نعثر عليك.. ولا اعتقد اننا سنعثر عليك"
ونهض سعيد س. متثاقلا. الان فقط شعر انه متعب، وانه هدر عمره بصورة عابثة. وساقه هذا الشعور الى كابة لم يكن يتوقعها، واحس بأنه على وشك ان يبكي، فقد كان يعرف انه كذب،
-" لست ارى سببا للضحك".
-"أنا ارى".
وضحك لفترة قصيرة فحسب، ثم صمت كما تفجر، واتكأ على مقعده مستشعرا تجدد الهدوء، واخذ يبحث في جيبه عن سيكارة. وامتد الصمت طويلا الا ان صفية، التي عادت فهدأت نفسها سألت بصوت خفيض :" الا تشعر بأننا والداك ؟".
ولم يعرف احد لمن كان السؤال. فلا شك ان ميريام لم تفهم، ولا الشاب الطويل القامة. اما سعيد فلم يرد : كان قد انهى سيكارته في تلك اللحظة فقام الى الطاولة ليطفئها واضطر – كي لا يفعل ذلك – ان يزحزح القبعة من مكانها، وفعل ذلك وهو يبتسم بسخرية، ثم عاد الى مكانه وجلس.
وعندها قال الشاب، وقد تغير صوته تماما :
-" دعونا نتحدث كأناس متحضرين".
واخذ سعيد يضحك مرة اخرى، ثم قال :
-" أنت تريد ان تفاوض... اليس كذلك ؟ كنت تقول انك، او انني، في الجهة الاخرى.. ماذا حدث ؟ هل تريد ان نفاوض ام ماذا؟".
وسألته صفيه مستثارة :
-"ماذا قال ؟".
-" لا شيء".
وعاد الشاب فوقف، واخذ يتحدث وكأنه حضر تلك الجمل منذ فترة طويلة :
-" انا لم اعرف ان ميريام وايفرات ليسا والدي الا قبل ثلاث او اربع سنوات. منذ صغري وانا يهودي. اذهب الى الكنيس والى المدرسة اليهودية واكل الكوشير وادرس العبرية. وحين قالا لي – بعد ذلك – ان والدي الاصليين هما عربيان، لم يتغير اي شيء. لا، لم يتغير. ذلك شيئ مؤكد.. ان الانسان هو في نهاية الامر قضية".
-" من قال ذلك ؟".
-" قال ماذا ؟".
-"من الذي قال ان الانسان هو قضيه ؟".
-" لا اعرف، لا اذكر.. لماذا تسأل ؟".
- لمجرد الفضول، الصحيح لمجرد ان ذلك بالضبط ما كان يدور في بالي هذه اللحظة.
-" ان الانسان هو قضية؟".
-" بالضبط".
-" اذن لماذا جئت تبحث عني ؟".
-" لست ادري. ربما لانني لم اكن اعرف ذلك، او كي أتأكد منه اكثر. لست ادري، على اي حال لماذا لا تكمل ؟".
وعاد الشاب الطويل القامة يمشي وهو يعقد كفيه وراء ظهره : ثلاث خطوات نحو الباب وثلاث خطوات نحو الطاولة. لقد بدا تلك اللحظة وكأنه حفظ عن ظهر قلب درسا طويلا، وانه حين قوطع في وسطه، لم يعد يعرف كيف يكمله، وهو يسترجع صامتا، في رأسه، الجزء الاول كي يصير بوسعه المتابعة، وفجأة قال :
-" بعد ان عرفت انكما عربيان كنت دائما اتساءل بيني وبين نفسي : كيف يستطيع الاب والام ان يتركا ابنهما وهو في شهره الخامس ويهربان ؟ وكيف يستطيع من هو ليس امه وليس اباه ان يحتضناه ويربياه عشرين سنه ؟ عشرين سنه ؟ اتريد ان تقول شيئا يا سيدي ؟".
-" لا".
قال سعيد باختصار حاسم، واشار له بيده كي يتابع :
-" انني في قوات الاحتياط الان، لم يقدر لي خوض معركة مباشرة الى الان لاصف لك شعوري، ولكن ربما في المستقبل استطيع ان اؤكد لك مجددا ما سأقوله الان : انني انتمي الى هنا، وهذه السيدة هي امي، وانتما لا اعرفكما ولا اشعر ازاءكما بأي شعور خاص".
-" لا حاجة لتصف لي شعورك فيما بعد، فقد تكون معركتك الاولى مع فدائي اسمه خالد، وخالد هو ابني، ارجو ان تلاحظ انني لم اقل انه اخوك، فالانسان كما قلت قضيه، وفي الاسبوع الماضي التحق خالد بالفدائيين... اتعرف لماذا اسميناه خالد ولم نسمه خلدون ؟ لاننا كنا نتوقع العثور عليك، ولو بعد عشرين سنة، ولكن ذلك لم يحدث. لم نعثر عليك.. ولا اعتقد اننا سنعثر عليك"
ونهض سعيد س. متثاقلا. الان فقط شعر انه متعب، وانه هدر عمره بصورة عابثة. وساقه هذا الشعور الى كابة لم يكن يتوقعها، واحس بأنه على وشك ان يبكي، فقد كان يعرف انه كذب،
تعليق