وأضاف أن هنالك بعض القضايا التي حلت خيوطها بواسطتهم خصوصا إذا كان الأثر واضحا وفي وجود متهم ينطبق عليه الأثر المرصود وإما إذا مضى على الأثر وقت طويل فإنه يتعذر عن تطبيق الأثر، مشيرا إلى أنه لا يوجد في الوقت الحالي قضايا شائكة تحتاج إلى تدخل من قبل قصاصي الأثر، ولكن هذا لا يعني الاستغناء عنهم.
ولا يتوقف دور قصاصي الأثر على عالم الجريمة فقط أو الأحداث العادية فأحيانا تستعين بهم بعض الجيوش أثناء إعداد الخطط العسكرية، باعتبارهم أكثر معرفة بخفايا الدروب والأودية الصحراوية.
الأثر والقضاء
الأثر والقضاء
أما القاضي بالمحكمة العامة بالأحساء الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز القاسم فيرى أن قصاص الأثر أو القافة أحد طرق الأحكام التي يعتمد عليها في القضاء، وقد عدها العلماء من الطرق الحكمية واهتموا بها وضعوا الضوابط لاعتبارها وصحة الاحتجاج بها وهو مبسوط في كتب الطرق الحكمية وأدلة الإثبات أمام القضاء، وهي قرينة قوية ما لم يعارضها ما هو أقوى منها، وقال إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، دل على اعتبارها وصحتها، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرور الوجه تبرق أسارير وجهه فقال: أي عائشة ألم تري إلى مجزز المدلجي ( وكان قائفا ) دخل فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
وأضاف القاسم أن الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الشريف اعتبر هذه الطريقة وأقرها مما يدل على أهميتها ودورها في الإثبات القضائي، وهذا مبني على الأصل الكبير المقرر في الفقه الإسلامي في باب القضاء وهو أن البينة لا تقتصر على مجرد الشهود فقط، بل البينة هي ما أبان الحق وأظهره من أي طريق كانت، بل ربما كانت بعض الطرق والقرائن أقوى من شهادة الشهود وهذا له تفصيل أطنب فيه المعاصرون عند البحث في وسائل الإثبات ومدى حجيتها.
وعن اعتراف القضاء الشرعي بها قال القاسم يقودنا هذا الأمر إلى معرفة مدى حجية إفادات قصاص الأثر، فالأصل الاعتداد بهذه القرينة على أنها قرينة لها الحجية والاعتبار ما لم يخالفها ما هو مماثل لها أو أقوى منها وتختلف هذه الحجية من إفادة إلى أخرى فعلى سبيل المثال القرينة الشرعية كقرينة الفراش الواردة في السنة مقدمة على القرينة البشرية.
وأشار القاسم إلى أن الحجية تختلف من قصاص الأثر ذي الخبرة العريقة والذي يشهد له بإصابة الحق عند التجربة مرارا عن غيره من قصاصي الأثر الذين ليس لهم الدراية الكافية في هذا المجال، فلا شك أن الشخص القديم ذا الدراية الكبيرة إفادته مقدمة على غيره. ومن الأمثال المشتهرة لدى العامة من تردد في شيء أعطي سره.
وقال إن هذه القرينة تختلف بحسب الظروف والملابسات التي تكتنف كل قضية بعينها فإفادة قصاص الأثر إذا أخذت بعد الحادثة مباشرة ومن مسرح الجريمة ليست مثل الإفادة التي جاءت بعد يوم أو أيام وبعد تداخل الاثار مما يضعف هذه القرينة وربما وصل إلى حد إلغائها وعدم الاعتداد بها.
وقال كما أن هذه القرينة قد يعارضها من الأدلة والقرائن الأخرى التي تقود إلى الشك بها أو قد تضعفها مما يجعل المحكمة التي تنظر في القضية قد تلجأ إلى الترجيح بين الأدلة حسب ما يظهر من ملابسات كل القضية وظروفها، كما أن دور إفادة قصاص الأثر يختلف بحسب الحاجة إليه في القضية، فإذا أقر الجاني بتواجده في مكان معين وجاءت إفادة قصاص الأثر مطابقة لإقرار الجاني لم يكن لها كبير الأثر بخلاف ما لو أنكر حضوره للموقع وأفاد قصاص الأثر بتواجده وتطابق الاثار المرفوعة من مسرح الحادث على اثار الجاني كان لها الأثر البالغ الذي قد يغير مسار القضية.
وقال الشيخ القاسم إنه ينبغي أن يعرف بأن علم اقتفاء الأثر قد تطور تطورا كبيرا في الوقت الحاضر وصار مبنيا على قواعد علمية دقيقة وحسابات طبية فائقة التطور والتقنية، وهو ما يعرف في الوقت الحاضر بعلم البصمة الوراثية أو الحمض النوي DNA ، ولم يعد التعرف على الأثر قاصرا على أثر الأقدام كما كان في السابق بل امتد معرفة أثر الدم والعظم وجذور الشعر والمني وخلايا الفم وغيرها، وبناء عليه فإن قرينة قص الأثر إذا كانت مبنية على الحدس والخبرة ليست في مستوى قوة القرينة العلمية التي تنبني على أسس ونظريات قل ما تخطئ أو قلما يعتريها الشك.
وقال عموما إن هذه القرينة في الأصل قرينة قوية معتبرة وأما مدى حجيتها ومستوى درجة الاحتجاج بها فإنه يعود للمحكمة التي تنظر في ملابسات القضية المنظورة ومدى اطمئنانها لهذا الدليل أو غيره من الأدلة المقدمة إلى القضاء ولا يمكن إصدار حكم عام لكل قضية لاختلاف الظروف والوقائع في كل قضية عن أخرى.
وعن وجود قضايا تم الحكم فيها اعتمادا على قصاصي الأثر أضاف القاسم أن بعض القضايا بالمحاكم مليئة بإفادات قصاصي الأثر سواء بمفهومها القديم المبني على الخبرة أو التمرس في اقتفاء أثر الأقدام أو بتقنيتها الحديثة المبنية على تحليل البصمة الوراثية، وقد أدى تطور هذا الفن إلى كشف الكثير من الجرائم والحوادث وتم الاستناد إلى إفادات أهل الخبرة بقص الأثر أو الحمض النوي في كثير من الأحكام.
وقال: مما تشكر عليه وزارة الداخلية اهتمامها بهذا الجانب فهي بدأت من حيث انتهى الاخرون وتسعى بشكل نشط وملموس لمواكبة ما توصل إليه العلم الحديث في مجال البصمات الوراثية أو الحمض النوي، ودائما ما تقوم بتطوير وسائل كشف الجرائم بمستوى عال يفوق كثيرا ما توصلت إليه أساليب المجرمين في ارتكاب الجرائم. ودعا القاسم إدارة الأدلة الجنائية بوزارة الداخلية لعدم الاكتفاء بتسجيل البصمة الوراثية لمن تصدر عليهم عقوبات وتسجل عليهم سوابق، بل لا بد من استيعاب شرائح أكبر من المجتمع لتسجيل البصمات الوراثية الخاصة بهم فكلما تم توسيع النطاق في أخذ البصمة الوراثية أو الحمض النوي من عموم المجتمع كان ذلك أجدى وأنفع لكشف الجرائم مستقبلا.
تعليق