الحب الحقيقي قصة ( عمشا السبيعيه )

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • المشتاق
    عـضـو
    • Dec 2004
    • 42

    الحب الحقيقي قصة ( عمشا السبيعيه )

    الجزء الاول
    لبست عمشا السبيعية البرقع واليتم في يوم واحد .. ففي صبيحة ذلك اليوم استدعاها أبوها وأمرها ‏بارتداء البرقع وكأنه يحثها على لبس السواد حدادا على فراقه لأنه لم تغب الشمس حتى أتاه ثعبان ‏سام لسعه فأرسله إلى مثواه الأخير..‏
    ولم يتبق لعمشا إلا عمها و‎ ‎وحيده مفرج , وحزنها وبرقعها وحسنها الذي يتسرب من بين خيوط ‏البرقع كأنه الفضة , حتى أن الذي يراها لا يدري هل الجمال الذي أخذته معها أم الذي تركته حيث ‏كانت ‏
    ولوحت أيادي أبناء الحي تخطب ود عمشا فرفضت واكتفت بعهد قطعته على نفسها أمام عمها ثم ‏نشرته بين قبيلتها بأنها ستكون زوجة ابن عمها مفرج عاجلا أو اجلا .‏

    وقبل أن يأتي "اجلا" أتى القدر المحتوم على هيئة رجل نسف كل هذا الحب وحطم قلبي الحبيبين ,, ‏فمن الجنوب أتى محمد المهادي فارس بمعنى الكلمة , ذو مال , ينحدر من قبيلة عبيدة قحطاني يتزعم ‏قومه يقودهم في إحدى غزواته نحو الشمال .. ولأن بين سبيع وعبيدة حلفا اختار المهادي أن ينزل ‏في ضيافة زعيم بني عامر من سبيع ثم يكمل رحلته ..‏
    ترك محمد المهادي خلفه العشرات من بنات قحطان المغرمات بفروسيته وشعره لكي يحرق واحدة ‏من أجمل قصص الحب وليكشف أيضا بأن مفرج السبيعي يحمل في داخله جبالا راسيات وبحارا ‏تتدفق بالعطاء ومقدرة عظيمة على نكران الذات من أجل قبيلته .. فعندما دخل محمد المهادي أول ‏حي بني عامر وهو في مقدمة فرسانه شاهد عمشا وهي تمشي برفقة صبايا الحي اللائي جرهن ‏الفضول البريء للإمعان في مشاهدة هؤلاء الفرسان العابرين .‏

    أما بالنسبة للمهادي فلم تكن النظرة عابرة فلقد عرفت عيونه من تختار وكيف تتصيد مواطن ‏الحسن والجمال حتى لو التفت بالثوب والوشاح والبرقع فرأى فيها العين الدعجاء وخيطا من النور ‏يتفلت من بين برقعها وشعرها وعنقا يرفع جبينها وساعدين ناعمين رغم قسوة الحياة البدوية وعادت ‏عمشا وبقية الفتيات إلى منازلهن فتهادى المهادي في مسيرته حتى عرف البيت ولأنه فارس عريق ‏تعامل مع الموقف بشهامة فلم يتلفت إلى دار عمشا ولم يتأخر إلى مؤخرة المجموعة , بل انطلق نحو ‏بيت زعيم بني عامر يفعل ما يشبه المستحيل للملمة جسده قبل أن يتساقط إربا تتسابق عائدة إلى بيت ‏عمشا. ‏

    وفي بيت العامري بدا المهادي شبه غائب عن الوعي حائرا في كيفية الوصول إلى هذه الفتاة وغارقا ‏بين عشرات الأسئلة التي تحاصره : فمن تكون وما اسمها وأهلها هل هي متزوجة هل هي ذات ‏حسب ونسب .‏
    هذه الأسئلة وغيرها طرحها المهادي على نفسه لأنه حسم أمره وقرر الزواج منها إذا لم تكن متزوجة ‏وعندما مضى أول الليل قرر المهادي أن الإجابة على تلك الأسئلة تتطلب الإقامة عند العامري فترة ‏من الزمن , لذلك اعتذر من قومه وطلب منهم تكملة رحلتهم وهو سينتظرهم في بيت العامري حتى ‏عودتهم بحجة أنه لم تعد له رغبة بالغزو وتعذر أيضا بأنه بدأ يشعر بمرض أنهك جسمه .‏

    وأخضع المهادي نفسه للإقامة الإجبارية ليقطع الشك باليقين ويعرف إذا كانت تلك الفاتنة له أو عليه ‏رحل قومه تاركينه وحيدا في ضيافة العامري .. عاشقا حتى الثمالة يقلب فكره ليل نهار في كيفية ‏معرفة أي رجال بني عامر قادر على حمل السر ومساعدته في الزواج من تلك الفتاة التي سحرته ‏دون أن تعلم , قرر المهادي أن يتظاهر بأنه مصاب بالصرع وأنه يهذي أحيانا بكلام ليس له أساس ‏وبدأ يفعل ذلك كلما اجتمع أعيان القبيلة في بيت شيخهم في محاولة منه لمعرفة من أقدرهم على حمل ‏سره

    كان يجالس أفضل الرجال يحادثهم حديث الزعماء والفرسان ثم فجأة ينقلب عليه مدعيا المرض ‏فيتشنج ويميل على جليسه ويتكئ عليه بعنف ليختبر قوته الجسدية والنفسية ..‏

    ولم تطل تجارب المهادي لأنه وجد مفرج السبيعي أكثر الجالسين صبرا .. وعندما اطمأن إليه ‏واختبره أكثر من مرة .. دعاه إلى مكان قصي وصارحه بأن مكوثه وادعاءه الصرع كان من أجل ‏الوصول لتلك الفتاة التي عزم على الزواج منها .. طلب منه مفرج أن يصفها بدقة فانهمر المهادي ‏يصفها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها ويشبهها بالسحاب والخيل والبرق والماء والمطر حتى ‏وصل إلى ذكر منزلها الذي دخلت إليه , فسأله مفرج إن كان يستطيع معرفتها لو ذهبوا لنفس الدار ‏فأجابه بأنه يميزها ولو أتت برفقة مئة فتاة .‏

    لم يعد مفرج يعلم ماذا يفعل غير أنه وعد المهادي بأن يعود إليه في الغد بكل ما يعرفه عنها ثم ‏اختفى في الظلام يرتقي الحزوم وقد ضاقت الدنيا عليه لأن ضيفه طلب منه أن يساعده في الزواج ‏من عمشا .. وكادت روحه تزهق لأنه صار ضحية المعركة التي نشبت داخله بين مفرج العاشق ‏الذي يرفض التفريط في حبيبته , ومفرج الفارس الذي إن وعد بالمساعدة فعل.‏

    وبعد أن جف الدمع والغضب انتصر مفرج الفارس على مفرج العاشق , وهرول إلى أبيه يستشيره .. ‏فحسم الأب العجوز الأمر مثل السيف فقال :‏
    ‏-‏ المرة غيرها مرة .. لكن وين نلقى مثل عز المهادي
    ‏-‏
    ولم يسمع مفرج لنداء القلب وانكب على وجهه يبكي بمرارة .. وأشرقت الشمس على المهادي وهو ‏في قمة أناقته وسعادته ينتظر وصول مفرج الذي وعده خيرا .. وفعلا أتى وأخذه إلى البيت الذي ‏تسكنه عمشا وهو يحمل الأمل الأخير بأن يختار بيتا غيره لكن المهادي قطع الشك باليقين .. فناداها ‏مفرج بصوت دامع مبحوح وانتفضت الأرض بعين المهادي حين نفرت عمشا من البيت ثم أدبرت ‏عائدة حين رأت برفقته رجلا سأله مفرج وفي عينيه بقايا إنسان إن كانت هي الفتاة المقصودة فأومأ ‏برأسه وضغط على يد مفرج وهو يصيح : تكفى يا مفرج لا تضيع وتضيع حياتي .‏
    أخذ مفرج بيده وقال : هذه أختي وقد قبلت بك زوجا لها . ‏

    ولم تغب شمس ذلك اليوم إلا وعمشا في خدرها والنساء يجهزنها للعريس غير المنتظر... أدمعها ‏ترفض الكحل وعيونها تبحث عن صدر أمها وقوة والدها فقد أحست أنها يتيمة من جديد وانتابتها ‏الظنون في صدق محبة مفرج لها ,,‏
    وكان مفرج قد توارى عن العيون التي تحاصره بالأسئلة : لماذا تركتها له فدس رأسه في الرمل ‏والظلام يبكي بكاء مرا لم يعرفه من قبل ,, ولم تعرفه الصحراء من حوله ,, فهو لا يبكي فراق عمشا ‏ولا يبكي تفريطه بها ,, إنما كان بكاء جديدا مختلفا قادما من عالم الجنون، أتى ليأخذ مفرج معه ‏بهدوء ,, فالقبيلة التي ضحى بمحبوبته من أجلها اتهمته بالجبن والتنازل عنها ولم يسل أحدا منهم ‏سيفه ليمنع هذه الكارثة , بل ولم يقترب أحد يواسيه في مصيبته وتركوه يهيم على وجهه يطوف ‏الأماكن التي كانت تجمعهما , حتى وصل إلى مبيت الإبل وارتمى بجوار الناقة التي كانت تحبها ‏عمشا وتسميها "نعسانة" .‏


    وأصابته حالة هذيان فانقلبت نعسانة في عيونه عمشا فأخذ يبكي أمامها معتذرا عن تفريطه بها .. ثم ‏حفر تحت أقدامها قبرا دخل فيه ثم استحث نعسانة حتى "نوخها" فوقه وأسلم عينه للظلام . ‏
    ثم فجأة شق السكون صوت عمشا وهي تنادي بصوت خافت ،، فقفزت نعسانة كعادتها عند سماع ‏صوتها .. وانتصب مفرج غير مؤمن بصدق ما يسمع لولا أن نعسانة أكدت له بوقفتها .. ولولا ‏صوت المهادي وهو يقول : ‏
    ‏- غلبتني يا مفرج بطيبك , لكن أنا رديتها لك .‏
    ‏- وش صار ‏
    اقترب المهادي منه ومد يده وانتشله من حفرته وهو يقول :‏
    ‏-‏ يوم دخلت عليها لقيتها واقفة مثل الذيب , حاولت أميل راسها بالشعر وعيت ,‏
    ‏-‏ ‏ قلت أنا فلان بن فلان وعندي وعندي‏
    ‏-‏ ‏ وقالت لي : اسمع يابن الناس ترى مفرج مهوب أخوي , هو ولد عمي وكنا بنتزوج بس ‏مرض أمه أخرنا " .‏
    واتفقا على أن يقيم المهادي معهم عدة أيام حفاظا على سمعة عمشا ثم يرحل وإذا بلغ دياره أرسل ‏رسولا يخبرهم بطلاق عمشا .‏

    وأقام برفقة مفرج عدة أيام تجمعهما في النهار بيوت الشعر وفي الليل يترافقان مع الذئاب لهما في كل ‏واد موضع نار ولمعان دلال قهوة ورائحة هيل وقصائد شعر , ونمت صداقتهما ومحبتهما إلى مرحلة ‏فوق الأخوة .‏

    ‏. ثم رحل المهادي وبعد عدة أيام جاء رسوله بالعطايا والهدايا ثم أخبرهم بطلاق عمشا .. فأفزع ‏العجوز وأسعد عمشا ومفرج ,, ‏


    التعديل الأخير تم بواسطة *مزون شمر*; 14-11-2011, 07:34 AM.
  • دمعة جريحه
    عضو متألق
    • Jan 2005
    • 320

    #2
    يعطيك العافيه مشكوووووور ماقصرت على المجهود الطيب

    نتظر المزيد

    تحيتي منوره

    تعليق

    • أحلى امارتية
      عـضـو فعال
      • Mar 2007
      • 172
      • هدوء البحر صفاتى و أوتار الحياة عنوانى

      #3
      رد : الحب الحقيقي

      ثانكس المشتاق واتمنا لك التوفيق بحياتك

      تعليق

      • Mesheel
        عـضـو فعال
        • Jul 2007
        • 113

        #4
        مشكوووووووووووووووور تقبل مروووري

        تعليق

        • رحاال
          عضو ذهبي
          • Jul 2007
          • 931

          #5
          يعطيك العافيه مشكوووووور ماقصرت على المجهود الطيب

          تعليق

          • *مزون شمر*
            عضو مؤسس
            • Nov 2006
            • 18994

            #6
            رد: الحب الحقيقي قصة ( عمشا السبيعيه )

            نكمل القصه لانها ماهي كامله :


            وبعد عشرين عاما ,,,,‏

            كان منزل المهادي في بحبوحة من المال والجاه وزوجات سعيدات وأولاد تتوسطهم ابنته الوحيدة ‏‏"نورة" .‏
            أما بيت مفرج فكان خاليا إلا من متاع قليل يعصف به الفقر ,‏
            ‏ وعلى الأرض أجساد ثلاثة من الأبناء ملتصقين في محاولة للاحتماء من البرد تحت قطعة سجادة ‏قديمة .‏

            ولم يعد يستطيع أن يتحمل البقاء في دياره بعد أن فقد أباه وأمه وماله ,, " شاور" عمشا في أن يلوذ ‏بجوار صديقه المهادي الذي تأتي الركبان محملة بأخبار جاهه وأيضا تحمل سلامه الدافئ لصديقه ‏ودعوته لزيارته ..‏
            ‏. وفعلا توجه له هو وأولاده متدثرين بثياب تفضح فقرهم ..‏
            ‏ لم يكن ذلك الصباح صباح عيد إلا في عيون المهادي وصديقه ,, ‏
            وأمر المهادي إحدى زوجاته أن تترك بيتها وتنتقل لبيت ضرتها .. لتكون الدار بما فيها لمفرج ‏وزوجته .. التي تسابقت العيون لاهثة لمشاهدة الساحرة التي سحرت المهادي بجمالها فجعلته يدعي ‏الصرع ويخاطر بحياته من أجلها.. .. فوجدنها شيئا من جلد على عظم .. ‏
            ذهب الفقر بكل مفاتنها فما بقي منها إلا مرثية تسير على الأرض .. ‏
            وفي داخلها انكسار يثير الشفقة ..‏
            ‏ حتى من زوجات المهادي اللاتي‏‎ ‎‏ خمدت نار غيرتهن واحتضنها كأخت ثالثة , ‏

            وقبل خروج الزوجة الأولى همست بأذن عمشا بأمر ,, وبقيت عمشا تتنقل في الدار حتى غلبها ‏النعاس فنامت وهي ترتقب قدوم شخص ما بقلق .. دخل مفرج بيته قادما من بيت ابن مهادي في ‏الثلث الأخير من الليل وهو يحمد الله على تغير حاله .. وعندما دخل على زوجته وهي نائمة رأى ‏منظرا جعله يصاب بالجنون ...‏
            ‏. هذه هي عمشا وينام معها رجل غريب ,‏
            ‏, كانت قدمه أسرع من يده فركل النائم ركلة قوية اخترقت صدره ,, فقفز من شدة الضربة وأخذ ‏يترنح ثم سقط ميتا ‏
            و قبل أن تفيق عمشا من هول الصدمة صرخت به : وش سويت فصاح : ذبحته وباذبحك أنتي بعد ‏‏.. وش جابه .. قالت : هذا ولد المهادي يضوي من المقناص تالي الليل ويرقد جنب أمه .. وما ‏درى إنها تركت البيت " .‏

            فقفز يقلب الجثة لعل وعسى .. لكن الجسد كان باردا .. وجلست عمشا عنده تتأمل زوجها وهو يقلب ‏رأسه .. ماذا عساه يفعل فالمسألة لم تعد مسألة قتل رجل .. بل تعدت إلى : ابن من هذا إنه ابن ‏الرجل الذي أهداني الحياة فرددت له هديته بالموت ,,‏

            خرج مفرج ليخبر صديقه بالأمر ويسلمه نفسه ,, إن شاء قتله وإن شاء أعتقه ,, وفي بيت المهادي ‏كانت ردة فعله أن امتدت يده بسرعة لتقفل فم مفرج حتى لا يكمل الحديث خوفا من أن تسمعه أم ‏الفتى ..‏
            ‏ ثم خرج به وسأله إن كان أحد يعلم بذلك " غيرك وزوجتك " فنفى ذلك ..‏
            ‏ أدرك المهادي أن ساعة رد جميل مفرج أتت .. فأقسم عليه وعلى زوجته ألا يخبرا أحدا ,, ثم حمل ‏جثة ابنه وهرول بها إلى المكان الذي اعتاد أبناء القبيلة اللعب فيه .. فأسنده إلى إحدى الأشجار ‏وجلس يحرسه من السباع .. وهو يمرر يده على رأس ابنه ويتمتم : والله لو إن اللي قاتلك مية فارس ‏غير اخذ بثارك , والله لو إنك حي وأخذت رأيك غير تقول اللي تسويه يابوي هو المبارك ......... إلخ ‏‏. ‏

            ‏ ‏
            واستمر يحكي عليه قصته مع مفرج حتى أشرقت الشمس واطمأن عليه من السباع ,, فانسل بسرعة ‏عائدا لبيته يرسم خطته .. ‏
            و حتى أتى الصبيان يصرخون : سالم مات ,, سالم مات ,,, فتسابقوا إلى موقع الجثة وأطلق العنان ‏لحزنه، وثار غاضبا على الجميع وطالب بأن يدلوه على قاتل ابنه ‏‎.‎

            ‏,, ثم استمر يضغط على قومه حتى اجتمع كبارهم وطلبوا منه تحديد دية طالما جميع أفراد القبيلة ‏موضع اتهام ,, فطلب منهم ناقة عن كل رجل ,, وجمعوا له الإبل,, فقسمها قسمين ,, الأول أعطاه أم ‏القتيل في الحال ,, والثاني تركه حتى حين ثم أعطاه مفرج .‏

            واستمرت الأيام تدور وتؤكد كم كان صبر عمشا عظيما وهي تجالس أم الفتى المقتول ولا تتحمل ‏الاحتفاظ بالسر إلا عن طريق العناية بالأم والاحتفاء بها ,, وكم هو عظيم صبر المهادي وهو يحاور ‏ويصادق قاتل ابنه ويتشاركان الزاد والحديث ,, وكم هو عظيم صبر مفرج وهو يواجه المهادي كل ‏يوم بابتسامته وهو الذي أرسل ابنه لعالم الغيب .. ‏


            وبعد ثماني سنين فوجئ مفرج بصديقه يطلب منه الرحيل بطريقة غير مباشرة .. فأثناء لعبهم " ‏الشيزة"، كان يقول له : " ارحلوا و‏‎ ‎إلا رحلنا ".. كلما جاء دوره في اللعب , بدلا من قولهم " العبوا ‏ولا لعبنا" ..‏
            ‏,, عاد مفرج إلى زوجته يخبرها ويسألها ويستشيرها ,, ويشكو إليها حيرته من طلب المهادي .. لقد ‏سأل مفرج نفسه وزوجته و‎ ‎الثريا‎ ‎‏ و سهيل وأول الليل وحتى فرسه المتباهية ببياضها ,, ولم يجد ‏جوابا ,‏

            ‏ وضاعت حيلته إلا من أمر واحد أن يذهب إلى المهادي في الصباح ويستأذنه في الرحيل .. فإن منعه ‏امتنع .. وإن أذن له رحل .. لكن بعد أن يعرف السبب لأنه لا بد أن يكون في الأمر كارثة
            ‏ ,, التقى المهادي بمفرج بفتور ,, ورد عليه بمثل ذلك عندما طلب منه الرحيل بحجة شوقه لأهله .. ‏وكان الاثنان يعلمان أنها حجة كاذبة .. ‏
            رحل مفرج وهو مذهول .. حتى حل الظلام فنزل بأهله في موضع من الأرض ..وهو لم يفق بعد من ‏الصدمة .. وكان يتساءل كيف سمح لنفسه بالرحيل قبل معرفة السبب

            وتذكر أن من عادة المهادي كونه شاعرا .. أن يغني همومه على الربابة عندما تنام العيون ,, فضمن ‏أنه سيجر همومه على ربابته ,, فجمع أبناءه وأمرهم بأن يلزموا هذا المكان .. وتذرع بأنه نسي أمانة ‏للمهادي معه .. سيعيدها ثم يرجع بسرعة .. ‏

            عاد مفرج للديار ولاذ بشجرة قريبة من بيت المهادي تستره حتى يسمع أحاديثهم .. وكان المهادي لا ‏يتحدث إلا لماما ويجيب باختصار على من يسأله عن رحيل مفرج فيقول : - مفرج اشتاق لجماعته , ‏راح يسلم عليهم وبيعود إن شاء الله ..‏
            انفض المجلس .. ولم يبق للمهادي سوى الليل والدلال وأماكن كثيرة تركها مفرج فارغة لا يملؤها ‏سوى الربابة .. ومعها ومع الليل والقصيد تكشفت أول الصورة السوداء التي جعلت المهادي يطلب ‏من صديقه الرحيل .. ‏



            يقول المهادي والمهادي محمد *** لا واعلتي جميع الورى ما درى بها
            أنا إن بينتها بانت لرماقة العدا *** وإن كنيتها ضاق الحشا بالتهابها ‏
            ثمان سنين وجارنا مجرم بنا *** وهو كما واطي جمرة ما درى بها

            الله ما أعظم صبرك يالمهادي ثمان سنين وأنت تتحمل خطأ جارك .. ثم ما أعظم حلمك وحكمتك ‏‏ وأنت تتلمس الأعذار لجارك .. فأنت تتعذر له بأنه لا يعلم ..‏

            رحل جارنا ما جاه منا زرية *** ولو جتنا منه ما جاه عتابها ‏
            نرفو خمال الجار إلى داس زلة *** كما ترفو بيض العذارى ثيابها
            ترى جارنا القالط على كل طلبة *** ولو كان ما يلقى شهود غدا بها
            الأجواد مثل العد من ورده ارتوى *** والأنذال لا تسقي ولا ينسقى بها ‏
            الأجواد مثل الزمل للشيل ترتكي *** والأنذال مثل الحشو كثير الرغا بها


            ثم وصل إلى البيت الذي أنار الطريق في عيني مفرج وحدد موقع الداء :‏

            ولي عجوز من سبيع ال عامر *** مضيعة غرانها في شبابها

            هنا الدليل بأن رغبة المهادي في الفراق كانت بسبب ذنب عظيم ارتكبه أحد أبناء مفرج ضد جاره .. ‏وقبل أن ينسحب مفرج سمع جاره يقول :‏
            أقسمت يا أرض خلت من مفرج *** ما أبغاها لو هو زعفران ترابها


            انطلق عقل مفرج في كل الاتجاهات ومع كل الاحتمالات .. في محاولة لمعرفة الخطأ الذي ارتكبه ‏أولاده ومن منهم ارتكبه
            وبدأت الأفكار تسابق الخطى .. ومع كل خطوة احتمال يرتفع واخر يسقط .. إلى أن استقر أخيرا على ‏أن المهادي لن يغيظه إلا شيء يتعلق بالشرف .. وشرف المهادي يعني ابنته .. مما جعل مفرج يعزم ‏على اختبار أبنائه بشكل منفرد بدلا من مواجهتهم , ووصل إليهم مع شروق الشمس .. وبدأ الاختبار ‏‏.. ‏
            فاستدعى أكبرهم وانفرد به وهمس له بلهجة فيها مكر : المهادي باعنا وطردنا من ديرته وأنا والله ‏منيب متحسف على شي أكثر من تركنا لبنته نورة .. ما كسبناها لا حلال ولا حرام ... نظر الابن ‏لأبيه باستغراب وقال : لكن هذي جارتنا ومثل أختنا ‏

            غضب الأب ورفع صوته بحثا عن اعتراف فقال :" مهوب دايم , أنا لو إني بعمرك كان ما تركتها ‏تروح من يدي" .. لم يستطع الابن تحمل خذلان أبيه له فقال : والله لو تنطبق السما على الأرض ما ‏خنت جاري في محارمه . ‏
            ضم مفرج ابنه ثم طلب منه أن يذهب جهة الشرق وأن لا يعود قبل المغيب ..‏
            ‏ ثم أخذ يحاور ابنه الأوسط وأكثرهم شبها به .. ويحاول جره إلى الاعتراف بأي شيء .. لكنه أثبت ‏لأبيه أن شرف الجار يحتل القلب والعين .. ‏

            انشرح صدر مفرج لنظافة ذمة ابنه .. الذي كان شبيها بأبيه كما كان يحفظ كل قصائد جده .. وأتى ‏دور الابن الثالث وهو شاب يافع نماء وترعرع في ديار المهادي .. انهال عليه مفرج بالمديح حتى ‏انتفخت أوداجه غرورا ,, ثم قال والده :" يوم كنت بعمرك كنت سيد النساء , ولو أنا في عمرك الحين ‏كان ما أرحل من ديار المهادي إلا وأنا ماخذ بنته يا حلال يا حرام .."،،
            ‏ ‏
            ‏ فانفرجت أسارير الفتى وقال دون أن يحسب عواقب الأمور : لو تأخرنا يوم واحد كان أنا أخذت ‏نورة بنت المهادي ،

            كان هذا هو الدليل على أن هذا الابن هو سبب الرحيل .. لكن مفرج أراد أن يقطع الشك باليقين ‏وطلب منه أن يحكي له بعض التفاصيل .. فانطلق الابن يحكي أنه منذ سنوات يحاصر نورة أينما ‏ذهبت مستغلا صفاء نيتها وأهلها والقبيلة
            ‏ ,, ثم عندما علمت بسوء نيته أمرها والدها بعدم الخروج ,, ولكونها البنت الوحيدة كان لا بد لها من ‏القيام ببعض أعمال البيت ,, فاضطر المهادي إلى مرافقتها في بعض لوازمها , ولكن الشاب لا يخجل ‏و لا يخاف متماديا في وقاحته .. وأخذ يشرح لوالده كيف كان يسترق النظر لمحاسنها .. حتى وهي ‏منزوية تمشط شعرها..‏

            وقبل أن يستطرد في وصفها كان سيف مفرج يلمع في السماء ليهوي على عنق هذا الابن .. فطار ‏الرأس وهو لا يزال يحمل بقية من الخبث الأسود لم يوقفه إلا التراب الذي ملأ فمه وعينيه .‏

            قتل مفرج ابنه الأصغر بسبب فعلته .‏
            ‏. ولو علم بها قبل ذلك لقتله أيضا ..‏
            ‏ ثم أخذ رأسه وترك بقية جثته للخسيس من السباع .. ربما رجفت يده قليلا ودمعت عينه لوقت قصير ‏على قتل ابنه بيده .. ولكن ذلك لم يدم وقتا طويلا .. لأنه تذكر بأن المهادي أيضا فقد ابنه وبنفس اليد ‏‏.. أخذ مفرج رأس ابنه وتوجه لزوجته وأبنائه .. فأخفاه لأنه لا يعلم هل يقبلون بعذره في قتله أم ‏يغضبون ويفارقونه .‏

            استدعاهم وشرح لهم الأمر .. وطلب منهم أن يقترحوا عليه طريقة العقاب .. فصاحوا بغضب أن ذلك ‏لا يتم إلا بقطع رأسه وإرساله للمهادي .. فقفز مفرج وأتى بالرأس .. لم يعد هناك مكان للدمع حزنا ‏أو البكاء أسفا على هذا الابن الذي أضاع نفسه عن أهله وهم بأمس الحاجة إليه .. الأم تعشق طفلها ‏وتقترح قتله وتشاهد رأسه مفصولا عن جسده بيد أبيه .. ثم يتوجب عليها قبول الأمر وأن تقتنع بأن ‏هذا فيه إرضاء للمهادي .. أما الأب فقد مضى أول ليلته وأمامه صورتان .. صورة رأس ابنه في ‏التراب .. وصورة المهادي وهو يقلب رأس ابنه مفجوعا .. وعند منتصف الليل انفطرت أكباد الابنين ‏ووالدهما يدفع إليهما برأس أخيهما ويصرخ بهما ليسرعا ويضعاه بين يدي المهادي .. ‏
            انطلق الأخوان يحملان رأس أخيهما وقد تحول بكاؤهما إلى ظلام يضاعف سواد الليل يتبادلان ‏الرأس .. وكلما أخذه أحدهما تأخر قليلا عن أخيه لينهال على الرأس يقبله ويغسله بدموعه .. ‏
            وتثاقلت خطواتهما وزاغت نظراتهما وهما يدخلان على ابن مهادي .. الذي فجع لمنظر ابني صديقه ‏وصاح : مفرج فيه شي ‏
            فوضعا رأس أخيهما بهدوء أمامه .. فصاح بكل قوته : يا ويلك يالمهادي .. يا ويلك يالمهادي ... ‏واحتضن ابني مفرج باكيا وهو يردد : أخطيت يا مفرج .. أخطيت يا مفرج .‏
            لم تحتفظ أي عين بدمعها في حي المهادي .. فقد اختار مفرج أصعب الحلول .. ذلك الحل الذي لم ‏يكن يريده هو ولا المهادي ولا زوجته ولا نورة ولا أبناء مفرج .. ‏
            ذلك الحل لم يرده إلا التاريخ ليحتفظ بشيء قادر على تخليد ذكرى المهادي ومفرج و
            عمشا‏



            انتهت القصه

            تعليق

            • SOoΚaRh
              V - I - P
              • Jan 2009
              • 1778

              #7
              رد: الحب الحقيقي قصة ( عمشا السبيعيه )

              يعطيك العافية على القصة ..
              وتسسلم يدينك مزون على التكملة =)

              تعليق

              google Ad Widget

              تقليص
              يعمل...