(3)
من هي نوير ؟ المرأة التي تعطي الغير حياتها ، امرأة لم تجد رجلاً تمنحه هذه الحياة . توفيق الحكيم لمن تركوا كل شيء ليسألوا عن ماركة أحمري الصارخ : الماركة جديدة وتدعى (دع اللقافة جانباً وتمتع بالقراءة).
** بعد حفل زفاف قمرة بأسبوعين ، تلقت خالة سديم الكبرى – الخالة بدرية – عدداً من الاتصالات من أمهات خاطبات يسألن عن ابنة الأخت الجميلة . استقصت الخالة عن المقدمين بطرقها الخاصة واستبعدت من هو غير مناسب منهم حسب رأيها وقررت أن تخبر أبو سديم عن أهم الخاطبين فقط ، وإن لم يتم النصيب فالباقون منتظرون ، ولكن لا داعي لإخبار أبو سديم وسديم عن الكل مرة واحدة حتى لا (يكبر راسهما) عليها وعلى ابنها وبناتها . وليد الشاري ، بكالوريوس هندسة اتصالات ، موظف في الدرجة السابعة ، والده عبد الله الشاري من كبار تجار العقار في المملكة ، خاله عبد الإله الشاري عقيد متقاعد وخالته منيرة مديرة إحدى كبريات مدارس البنات الأهلية بالرياض . هذا ما ذكرته سديم لأم نوير وميشيل ولميس عند اجتماعها بهن في منزل جارتها أم نوير . أم نوير سيدة كويتية تعمل مفتشة لمادة الرياضيات في الرئاسة العامة لتعليم البنات وتعيش في المنزل الملاصق لمنزل أبي سديم . انفصلت أم نوير عن زوجها السعودي ، الذي تزوج من أخرى بعد مرور خمس عشرة سنة من زواجهما الذي تم عندما كانت زميلة له في جامعة الكويت ، حيث أنه كان من المقيمين في الكويت انذاك لعمل والده في السفارة السعودية هناك . لي لأم نوير من الأبناء سوى ولد واحد اسمه نوري ، إلا أن لنوري هذا حكاية غريبة ، فمنذ أن بلغ الحادية عشرة أو الثانية عشرة وهو مفتون بثياب الفتيات وأحذية الفتيات ومساحيق التجميل والشعر الطويل . ذعرت والدته كثيراً مع تطور الأمر وانسياقه نحو الظهور بمظهر الولد الناعم ، حاولت ردعه وتوجيهه بشتى الوسائل . استخدمت معه اللين وانهالت عليه بالضرب مرات عديدة ، إلا أن أبوه كان أكثر صرامة معه . لم يكن نوري يظهر نعومته أمام والده الذي يهابه كثيراً ، إلا أن الأب سمع من الجيران كلاماً عن ابنه اشتاط له غضباً فدخل على ابنه في حجرته وانهال عليه بالضرب بيديه ورجليه حتى أصيب الولد بكسور في القفص الصدري والأنف وإحدى الذراعين . ترك الأب المنزل بعد هذه الحادثة ليعيش مع زوجته الثانية بشكل دائم مبتعداً عن هذا المنزل وهذا الولد ( الخ.........) . بعد هذه الحادثة ، أوكلت أم نوري أمرها لله ، وقررت أن هذا ابتلاء من ربها لا بد لها من الصبر عليه . تحاشت هي ونوري إثارة الموضوع من جديد ، وهكذا ظل نوري على حاله ، وأصبح الجميع ينعتونها بأم نوير ، حتى بعد انتقالها للسكن في المنزل المجاور لمنزل سديم قبل أربع سنوات من تاريخ تقدم وليد لخطبة سديم ، بعد أن رفض نوري اقتراحها بالانتقال للعيش في الكويت . في بداية الأمر ، كان تأثر أم نوير شديداً بسبب نظرة المجتمع السطحية لمأساتها ، لكنها مع مرور الوقت اعتادت الوضع وتقبلت ظروفها الصعبة بصبر ورضى ، حتى أنها أصبحت تدعو نفسها أمام الناس بأم نوير عمداً وهي تحاول إثبات قوتها واستهتارها بنظرة المجتمع الظالمة لها . كانت أم نوري أو نوير انذاك في التاسعة والثلاثين ، وكانت سديم كثيراً ما تذهب لزيارتها أو تجتمع بصديقاتها في منزلها ، فأم نوير عبارة عن منبع دائم للنكت والتعليقات اللاذعة ، وهي من أطيب النساء اللواتي عرفتهن سديم في حياتها . علاوة على ذلك فإن وفاة والدة سديم وهي لا زالت في الثالثة من العمر مع كونها الابنة الوحيدة ، كل ذلك جعلها تتقرب من أم نوير وتعتبرها أكثر من مجرد جارة وصديقة أكبر منها بسنوات . كانت سديم تعتبر أم نوير بمثابة أم لها . لطالما كانت أم نوير كاتمة أسرارهن . تشاركهن التفكير وتجود عليهن بالحلول إذا ما تعرضت إحداهن لمشكلة . كانت تتسلى كثيراً بوجودهن وكان منزلها دوماً المكان الأنسب لممارسة الحرية التي يعجزن عن ممارستها في منزل أي منهن . مثلاً ، في تلك الليلة هاتفت ميشيل صديقها فيصل وعرضت عليه أن يمر لاصطحابها لتناول القهوة أو الايس كريم في أي مكان . كانت تلك هي المرة الأولى التي تلتقي فيها ميشيل فيصل بعد أن قام ب(ترقيمها) في السوق . لم ترد ميشيل أن تخبره بخطتها مسبقاً حتى لا يتمكن من الاستعداد للموعد وحتى تتمكن من رؤيته على طبيعته. عندما خرجت لتركب معه في سيارته صدمت بأنه أوسم بكثير بالبنطال الجينز والتي شيرت واللحية غير المهذبة مما بدا عليه في السوق وهو يرتدي الثوب الأنيق والشماغ الفالنتيونو . لاحظت أن لباسه هذا يبرز عضلات صدره وساعديه بشكل جذاب جداً . اشترى فيصل كوبين من القهوة المثلجة له ولها وجال بها في سيارته الفخمة في شوارع الرياض . أخذها إلى مكتبه في شركة أبيه وراح يشرح لها بعض ما يكلف به من أعمال ، ثم ذهب بها إلى جامعته التي يتلقى فيها دروسه في الأدب الإنجليزي ودار بها في مواقف السيارات لبضع دقائق قبل أن يقوم شرطي بمنعه من التجول بسيارته فوق أرض الجامعة في مثل هذه الساعة من الليل . بعد ساعتين أو أكثر بقليل أعاد فيصل ميشيل إلى منزل أم نوير بعد أن أدار لها رأسها أكثر مما توقعت بكثير .
(4)
ماذا فعل التنبل بقمرة في تلك الليلة ؟ ثقافتنا فقاقيع من الصابون والوحل فما زالت بداخلنا رواسب من أبي جهل وما زلنا نعيش بمنطق المفتاح والقفل نلف نساءنا بالقطن ندفنهن في الرمل وملكهن كالسجاد كالأبقار في الحقل ونرجع اخر الليل نمارس حقنا الزوجي كالثيران والخيل نمارسه خلال دقائق خمسة بلا شوق ، ولا ذوق ولا ميل نمارسه كالات تؤدي الفعل للفعل ونرقد بعدها موتى ونرتكهن وسط النار وسط الطين والوحل قتيلات بلا قتل بنصف الدرب نتركهن يا لفظاظة الخيل ! نزار قباني أكاد أسمع سباب الرجال من القراء ولعنهم إياي بعد هذه القصيدة . أرجو أن تفهموها كما أريدكم أن تفهموها ، وكما أظن نزاراً قد أراد لكم أن تفهموها .
** بعد انقضاء شهر العسل ، توجهت قمرة مع عريسها إلى شيكاغو ، التي اختارها ليبدأ فيها تحضيره للدكتوراة في التجارة الإلكترونية ، بعد أن حصل على درجة البكالوريوس في لوس انجلس ، والماجستير في إنديانابوليس. تبدأ قمرة حياتها الجديدة بكثير من الخوف والتوجس . كانت تموت رعباً كلما ركبت المصعد لتصل إلى الشقة التي يسكنانها في الطابق الأربعين من البريزيدينشال تاورز . تشعر بالضغط يمزق رأسها ويسد أذنيها كلما ارتفع المصعد طابقاً من طوابق ناطحة السحاب الشاهقة ، وكانت تصاب بدوار في كل مرة تحاول أن تطل فيها من إحدى نوافذ شقتها . كل شيء يبدو ضئيلاً في الأٍفل البعيد جداً . كانت تنظر إلى شوارع المدينة فتبدو لها كشوارع ألعاب الليغو التي كانت تلعب بها أيام طفولتها ، بسياراتها الصغيرة التي لا يتجاوز حجمها حجم علبة الكبريت ، بل أن صفوق السيارات من ذلك العلو تبدو كصفوف النلم في صغرها وتراصها . كانت تخاف من المتسولين السكارى الذين يملؤون الشوارع ويهزون علبهم المعدنية في وجهها طلباً للنقود ، وتخشى قصص السرقة والقتل التي تسمع عنها في تلك الولاية الخرطة ، وتخاف من حارس العمارة الأسود الضخم الذي يتجاهلها كلما حاولت لفت انتباهه بانجليزيتها الركيكة لحاجتها إلى سيارة أجرة . كان راشد منشغلاً منذ وصوله بالجامعة والبحث . كان يخرج من الشقة في السابعة صباحاً ليعود في الثامنة أو التاسعة وأحياناً في العاشرة مساء ، وفي عطل نهاية الأسبوع كان يحاول إشغال نفسه عنها بأي شيء ، كالجلوس لساعات على الإنترنت أو مشاهدة التلفاز كان كثيراً ما ينام على الأريكة أثناء متابعته لمباراة بيسبول مملة أو لأخبار السي إن إن ، وأما إذا ذهب للنوم في سريرهما ، فإنه يذهب بسرواله الداخلي الأبيض الطويل وفنيلته القطنية الذي لا يرتدي سواهما أثناء تواجده معها في الشقة ، ليلقي بنفسه على السرير كعجوز خائر القوى لا كعريس جديد . كانت قمرة تحلم بالكثير ، كثير من الملاطفة وكثير من الحب وكثير من الحنان والعواطف كالتي تدغدغ قلبها عند قراءة الروايات العاطفية أن مشاهدة الأفلام الرومانسية وها هي تجد نفسها أمام زوج لا يشعر بانجذاب نحوها ، بل أنه لم يلمسها منذ تلك الليلة المشؤومة في روما . بعد أن تناولا العشاء في مطعم الفندق الراقي ، قررت قمرة بحزم أن تلك الليلة ستكون ليلة دخلتها التي طال انتظارها . ما دام زوجها خجولاً فلا بأس من أن تساعده وتمهد له الطريق كما نصحتها أمها . صعدا إلى غرفتهما وبدأت تلاطفه على استحياء ، بعد دقائق من المداعبة البريئة صار هو المتحكم بزمام الأمور ، استلمت هي رغم ارتباكها وتوترها الشديدين وأغمضت عينيها بانتظار ما تتوقع حدوثه ، وإذا به يفاجئها بفعل لم يخطر لها على بال ! كانت ردة فعلها المفاجئة له ولها في حينها أن صفعته بقوة ! التقت العيون في لحظة رهيبة ! كانت عيناها مليئتين بالخوف والذهول ، وكانت عيناه مليئتين بغضب لم تر مثله من قبل . ابتعد عنها بسرعة وارتدى ثيابه على عجل وغادر الغرفة وسط دموعها واعتذاراتها ، ولم تره إلا في مساء اليوم التالي عندما قدم على مضض لاصطحابها للمطار ليستقلا الطائرة المتوجهة لواشنطن ، ثم أخرى باتجاه شيكاغو .
من هي نوير ؟ المرأة التي تعطي الغير حياتها ، امرأة لم تجد رجلاً تمنحه هذه الحياة . توفيق الحكيم لمن تركوا كل شيء ليسألوا عن ماركة أحمري الصارخ : الماركة جديدة وتدعى (دع اللقافة جانباً وتمتع بالقراءة).
** بعد حفل زفاف قمرة بأسبوعين ، تلقت خالة سديم الكبرى – الخالة بدرية – عدداً من الاتصالات من أمهات خاطبات يسألن عن ابنة الأخت الجميلة . استقصت الخالة عن المقدمين بطرقها الخاصة واستبعدت من هو غير مناسب منهم حسب رأيها وقررت أن تخبر أبو سديم عن أهم الخاطبين فقط ، وإن لم يتم النصيب فالباقون منتظرون ، ولكن لا داعي لإخبار أبو سديم وسديم عن الكل مرة واحدة حتى لا (يكبر راسهما) عليها وعلى ابنها وبناتها . وليد الشاري ، بكالوريوس هندسة اتصالات ، موظف في الدرجة السابعة ، والده عبد الله الشاري من كبار تجار العقار في المملكة ، خاله عبد الإله الشاري عقيد متقاعد وخالته منيرة مديرة إحدى كبريات مدارس البنات الأهلية بالرياض . هذا ما ذكرته سديم لأم نوير وميشيل ولميس عند اجتماعها بهن في منزل جارتها أم نوير . أم نوير سيدة كويتية تعمل مفتشة لمادة الرياضيات في الرئاسة العامة لتعليم البنات وتعيش في المنزل الملاصق لمنزل أبي سديم . انفصلت أم نوير عن زوجها السعودي ، الذي تزوج من أخرى بعد مرور خمس عشرة سنة من زواجهما الذي تم عندما كانت زميلة له في جامعة الكويت ، حيث أنه كان من المقيمين في الكويت انذاك لعمل والده في السفارة السعودية هناك . لي لأم نوير من الأبناء سوى ولد واحد اسمه نوري ، إلا أن لنوري هذا حكاية غريبة ، فمنذ أن بلغ الحادية عشرة أو الثانية عشرة وهو مفتون بثياب الفتيات وأحذية الفتيات ومساحيق التجميل والشعر الطويل . ذعرت والدته كثيراً مع تطور الأمر وانسياقه نحو الظهور بمظهر الولد الناعم ، حاولت ردعه وتوجيهه بشتى الوسائل . استخدمت معه اللين وانهالت عليه بالضرب مرات عديدة ، إلا أن أبوه كان أكثر صرامة معه . لم يكن نوري يظهر نعومته أمام والده الذي يهابه كثيراً ، إلا أن الأب سمع من الجيران كلاماً عن ابنه اشتاط له غضباً فدخل على ابنه في حجرته وانهال عليه بالضرب بيديه ورجليه حتى أصيب الولد بكسور في القفص الصدري والأنف وإحدى الذراعين . ترك الأب المنزل بعد هذه الحادثة ليعيش مع زوجته الثانية بشكل دائم مبتعداً عن هذا المنزل وهذا الولد ( الخ.........) . بعد هذه الحادثة ، أوكلت أم نوري أمرها لله ، وقررت أن هذا ابتلاء من ربها لا بد لها من الصبر عليه . تحاشت هي ونوري إثارة الموضوع من جديد ، وهكذا ظل نوري على حاله ، وأصبح الجميع ينعتونها بأم نوير ، حتى بعد انتقالها للسكن في المنزل المجاور لمنزل سديم قبل أربع سنوات من تاريخ تقدم وليد لخطبة سديم ، بعد أن رفض نوري اقتراحها بالانتقال للعيش في الكويت . في بداية الأمر ، كان تأثر أم نوير شديداً بسبب نظرة المجتمع السطحية لمأساتها ، لكنها مع مرور الوقت اعتادت الوضع وتقبلت ظروفها الصعبة بصبر ورضى ، حتى أنها أصبحت تدعو نفسها أمام الناس بأم نوير عمداً وهي تحاول إثبات قوتها واستهتارها بنظرة المجتمع الظالمة لها . كانت أم نوري أو نوير انذاك في التاسعة والثلاثين ، وكانت سديم كثيراً ما تذهب لزيارتها أو تجتمع بصديقاتها في منزلها ، فأم نوير عبارة عن منبع دائم للنكت والتعليقات اللاذعة ، وهي من أطيب النساء اللواتي عرفتهن سديم في حياتها . علاوة على ذلك فإن وفاة والدة سديم وهي لا زالت في الثالثة من العمر مع كونها الابنة الوحيدة ، كل ذلك جعلها تتقرب من أم نوير وتعتبرها أكثر من مجرد جارة وصديقة أكبر منها بسنوات . كانت سديم تعتبر أم نوير بمثابة أم لها . لطالما كانت أم نوير كاتمة أسرارهن . تشاركهن التفكير وتجود عليهن بالحلول إذا ما تعرضت إحداهن لمشكلة . كانت تتسلى كثيراً بوجودهن وكان منزلها دوماً المكان الأنسب لممارسة الحرية التي يعجزن عن ممارستها في منزل أي منهن . مثلاً ، في تلك الليلة هاتفت ميشيل صديقها فيصل وعرضت عليه أن يمر لاصطحابها لتناول القهوة أو الايس كريم في أي مكان . كانت تلك هي المرة الأولى التي تلتقي فيها ميشيل فيصل بعد أن قام ب(ترقيمها) في السوق . لم ترد ميشيل أن تخبره بخطتها مسبقاً حتى لا يتمكن من الاستعداد للموعد وحتى تتمكن من رؤيته على طبيعته. عندما خرجت لتركب معه في سيارته صدمت بأنه أوسم بكثير بالبنطال الجينز والتي شيرت واللحية غير المهذبة مما بدا عليه في السوق وهو يرتدي الثوب الأنيق والشماغ الفالنتيونو . لاحظت أن لباسه هذا يبرز عضلات صدره وساعديه بشكل جذاب جداً . اشترى فيصل كوبين من القهوة المثلجة له ولها وجال بها في سيارته الفخمة في شوارع الرياض . أخذها إلى مكتبه في شركة أبيه وراح يشرح لها بعض ما يكلف به من أعمال ، ثم ذهب بها إلى جامعته التي يتلقى فيها دروسه في الأدب الإنجليزي ودار بها في مواقف السيارات لبضع دقائق قبل أن يقوم شرطي بمنعه من التجول بسيارته فوق أرض الجامعة في مثل هذه الساعة من الليل . بعد ساعتين أو أكثر بقليل أعاد فيصل ميشيل إلى منزل أم نوير بعد أن أدار لها رأسها أكثر مما توقعت بكثير .
(4)
ماذا فعل التنبل بقمرة في تلك الليلة ؟ ثقافتنا فقاقيع من الصابون والوحل فما زالت بداخلنا رواسب من أبي جهل وما زلنا نعيش بمنطق المفتاح والقفل نلف نساءنا بالقطن ندفنهن في الرمل وملكهن كالسجاد كالأبقار في الحقل ونرجع اخر الليل نمارس حقنا الزوجي كالثيران والخيل نمارسه خلال دقائق خمسة بلا شوق ، ولا ذوق ولا ميل نمارسه كالات تؤدي الفعل للفعل ونرقد بعدها موتى ونرتكهن وسط النار وسط الطين والوحل قتيلات بلا قتل بنصف الدرب نتركهن يا لفظاظة الخيل ! نزار قباني أكاد أسمع سباب الرجال من القراء ولعنهم إياي بعد هذه القصيدة . أرجو أن تفهموها كما أريدكم أن تفهموها ، وكما أظن نزاراً قد أراد لكم أن تفهموها .
** بعد انقضاء شهر العسل ، توجهت قمرة مع عريسها إلى شيكاغو ، التي اختارها ليبدأ فيها تحضيره للدكتوراة في التجارة الإلكترونية ، بعد أن حصل على درجة البكالوريوس في لوس انجلس ، والماجستير في إنديانابوليس. تبدأ قمرة حياتها الجديدة بكثير من الخوف والتوجس . كانت تموت رعباً كلما ركبت المصعد لتصل إلى الشقة التي يسكنانها في الطابق الأربعين من البريزيدينشال تاورز . تشعر بالضغط يمزق رأسها ويسد أذنيها كلما ارتفع المصعد طابقاً من طوابق ناطحة السحاب الشاهقة ، وكانت تصاب بدوار في كل مرة تحاول أن تطل فيها من إحدى نوافذ شقتها . كل شيء يبدو ضئيلاً في الأٍفل البعيد جداً . كانت تنظر إلى شوارع المدينة فتبدو لها كشوارع ألعاب الليغو التي كانت تلعب بها أيام طفولتها ، بسياراتها الصغيرة التي لا يتجاوز حجمها حجم علبة الكبريت ، بل أن صفوق السيارات من ذلك العلو تبدو كصفوف النلم في صغرها وتراصها . كانت تخاف من المتسولين السكارى الذين يملؤون الشوارع ويهزون علبهم المعدنية في وجهها طلباً للنقود ، وتخشى قصص السرقة والقتل التي تسمع عنها في تلك الولاية الخرطة ، وتخاف من حارس العمارة الأسود الضخم الذي يتجاهلها كلما حاولت لفت انتباهه بانجليزيتها الركيكة لحاجتها إلى سيارة أجرة . كان راشد منشغلاً منذ وصوله بالجامعة والبحث . كان يخرج من الشقة في السابعة صباحاً ليعود في الثامنة أو التاسعة وأحياناً في العاشرة مساء ، وفي عطل نهاية الأسبوع كان يحاول إشغال نفسه عنها بأي شيء ، كالجلوس لساعات على الإنترنت أو مشاهدة التلفاز كان كثيراً ما ينام على الأريكة أثناء متابعته لمباراة بيسبول مملة أو لأخبار السي إن إن ، وأما إذا ذهب للنوم في سريرهما ، فإنه يذهب بسرواله الداخلي الأبيض الطويل وفنيلته القطنية الذي لا يرتدي سواهما أثناء تواجده معها في الشقة ، ليلقي بنفسه على السرير كعجوز خائر القوى لا كعريس جديد . كانت قمرة تحلم بالكثير ، كثير من الملاطفة وكثير من الحب وكثير من الحنان والعواطف كالتي تدغدغ قلبها عند قراءة الروايات العاطفية أن مشاهدة الأفلام الرومانسية وها هي تجد نفسها أمام زوج لا يشعر بانجذاب نحوها ، بل أنه لم يلمسها منذ تلك الليلة المشؤومة في روما . بعد أن تناولا العشاء في مطعم الفندق الراقي ، قررت قمرة بحزم أن تلك الليلة ستكون ليلة دخلتها التي طال انتظارها . ما دام زوجها خجولاً فلا بأس من أن تساعده وتمهد له الطريق كما نصحتها أمها . صعدا إلى غرفتهما وبدأت تلاطفه على استحياء ، بعد دقائق من المداعبة البريئة صار هو المتحكم بزمام الأمور ، استلمت هي رغم ارتباكها وتوترها الشديدين وأغمضت عينيها بانتظار ما تتوقع حدوثه ، وإذا به يفاجئها بفعل لم يخطر لها على بال ! كانت ردة فعلها المفاجئة له ولها في حينها أن صفعته بقوة ! التقت العيون في لحظة رهيبة ! كانت عيناها مليئتين بالخوف والذهول ، وكانت عيناه مليئتين بغضب لم تر مثله من قبل . ابتعد عنها بسرعة وارتدى ثيابه على عجل وغادر الغرفة وسط دموعها واعتذاراتها ، ولم تره إلا في مساء اليوم التالي عندما قدم على مضض لاصطحابها للمطار ليستقلا الطائرة المتوجهة لواشنطن ، ثم أخرى باتجاه شيكاغو .
تعليق