دقائق من الرعب .. قصة واقعية
--------------------------------------------------------------------------------
عشر دقائق من الرعب
( قصة واقعية )
ذات خميس ، كنت ذاهبا إلى حي السلي شرق الرياض ، حيث مستودعات مكتبة جرير ، فقد نفذ كتابي ( قصص و طرائف مدرسية ) من فروعها في مدينة الرياض ، و طلبوا مني تزويدهم بنسخ جديدة .
وصلت إلى مستودع جرير و كان المكان موحشا لا حياة فيه ولا مباني ، سوى بعض المستودعات المتناثرة هنا و هناك ، أوقفت سيارتي أمام بوابة تسليم الكتب ، كانت الساعة تشير إلى الواحدة و خمسين دقيقة ظهرا و بقي عشر دقائق على موعد فترة العمل الثانية للمستودع .
كنت قد أحضرت صحيفة تقتل ملل الانتظار تحسبا لهذه المواقف ، و جلست في سيارتي أتصفحها، أخبار دموية في العراق ، و مثلها في فلسطين ، و جرائم قتل و سطو في كل مكان بقصص تقشعر منها الأبدان ، و كأن الناس قد تحولت إلى وحوش كاسرة تنهش بعضها .
فجأة وفي غمرة الاستغراق ، ظهر أمامي رجل ضخم الجثة ، لا أدري من أين ظهر ، كان متسخ الثياب ، مفتول الشاربين ، شعر وجهه غير مرتب ، رأسه كبيرة ، و قد اعتمر غترة وضع أطرافها على رأسه ، و شمّر أكمامه عن ساعدين غليظين ، و شعر كثيف يغطيهما ، كان منظره مخيفا لدرجة أن من يشاهده يصنفه من المجرمين العتاة و قد هرب لتوه من سجنه العتيد .
مشى يريد بوابة المستودع ، ثم انحنى على الأرض يلتقط أداة حديدية ، ثم اتجه نحو الة للمشروبات الغازية و وقف أمامها ، نظر إليها لثواني ثم رفسها برجله رفسة قوية ، و كأنه يريد مشروبا بالمجان ، اهتزت الالة و لكن لم تستجيب له ، ألقى عليها نظرة غضب ، ثم جال بنظره نحوي ، أخذ يحدق في و كأنه أسد ينظر إلى فريسته ، ثم تقدم نحوي بقدميه الثقيلتين ، خطوة خطوة ، و كأن الأرض تهتز تحته ، وبنظرات كلها شر .
كانت المسافة بيني و بينه خمسة أمتار تقريبا ، فكرت في الهرب ، تراجعت قائلا : الهرب رسوب في الرجولة ، لكني تراجعت مؤكدا أنه قد يكون هنا شجاعة متناهية ، فعزمت على ذلك ، لكن يداي و قدماي تسمرتا تماما و لم أعد أحس بهما ، نظرت يمينا و شمالا لعلي أجد أحدا لأصرخ و استنجد به و لكن لا أثر لأحد .
استسلمت للأمر الواقع ، ولا أدري كيف جاء الجاحظ في مخيلتي في هذه اللحظة لعل السبب في تشابه طريقة الموت ، هو مات عندما سقطت عليه مكتبته ، و هاأنذا أموت بسبب كتبي .
اقترب مني أكثر ، و بدأ يتفقد وجهي ، ودار أمام عيني شريط سريع لأعمالي في هذه الحياة .. ثم تذكرت قصص الحوادث التي كنت أقرؤها و أسمعها لأناس سقطوا نتيجة سرقة أو سطو ، و قلت في نفسي سيقرأ الناس قصة جديدة ، وقد تكون مختلفة ، قصة رجل ذهب إلى مستودعات جرير ليودع كتبه و تعرض للقتل و السطو من قبل رجل ضخم الجثة ، قصة تصلح لفيلم جذاب يحقق أعلى الإيرادات ، قصة أنا بطلها رغما عني ولن أشاهدها رغما عني أيضا .
اقترب مني أكثر بل وصل إلي ، ولا مفر من الهرب إذن ، بدأ قلبي يخفق بشدة ، و صارت دقاته متسارعة ، و كأنها تحصي الثواني المتبقية لي في هذه الحياة .
أطل علي بوجهه الكبير من النافذة ، وجه قبيح ، و شفتان غليظتان ، وعينان واسعتان ، فيهما نقطتان سوداوتان تسبحان في بركتي من الدم ، فلا أثر للبياض في عينيه !
سألني بصوت أجش كأنه رعد مزلزل : ( وش عندك هنا ) ؟
رديت عليه بتمتمات ولا أدري ماذا قلت ! عاد يسألني بصوته المجلجل : ( ليش واقف هنا )؟ فأدركت أنه لم يفهم تلك التمتمات ، فقلت بصوت كسابقه : أريد مستودع مكتبة جرير .
زادت نظراته حدة ثم صرخ : أنت .. من أنت ؟ أجبت بصوت مبحوح : أنا .. أنا مندوب الأمير فلان بن فلان ( و اخترت اسما رنانا ) و جئت هنا كي أوصل كتب الأمير للمستودع .
لا أدري كيف خرجت مني هذه الكلمات ، لم أخطط لها ، بل خرجت عفوية ، حتى الأمير لم أعد أتذكر لحظتها أحي يرزق أم هو من المقبورين ، خفت أن يكون الأمير ميتا فيفضح الرجل أمري ، لكنه نظر إلي نظرة فاحصة ، ثم تساءل : أنت تشتغل عند أمير ؟! فقلت وقد اكتسبت ثقة بسيطة : نعم .
عاد يسأل : و السيارة اللي معك سيارة الأمير ؟
قلت بثقة أكبر : كل ما تشاهده هو ملك له ، أطال الله في عمره .
سكت قليلا ثم سألني : ( وش يشتغل الأمير) ؟ قلت له : الأمير شاعر و مؤلف كبير ، و أنا المسؤول عن توصيل كتبه للمكتبات .
أطرق مفكرا لبرهة ثم قال : ( وش معنى مؤلف ) ؟ فأخذت أشرح له بطريقته معنى هذه الكلمة .
كان الرجل جاهلا مطبق الجهل و غبي لدرجة البلاهة ، ولولا جسمه الضخم و الحديدة التي بيده لما تعادلت الكفتان ، فلو كان يملك عقلا لعرف أن المكتبة و مخازنها تأتي للأمير سعيا ، ولا يذهب إليها ، كما أن سؤاله الأخير أكبر شاهد على ذلك ..
تراجع إلى الخلف يسحب قدميه ، و عاد لالة المشروبات الغازية ، و وقف عندها ، و طلب أن يضيفني ، فشكرته ، أخرج محفظته و التقط منها ريالا دسه في فم تلك الالة بعد أن كان يرفسها ، و كأنه أدرك أن الحياة ليست بالقوة ، تجاوبت معه الالة و أخرجت له علبة جلس يحتسيها تحت ظل تكون من جدار قصير بالقرب منها.
تنفست الصعداء و خاصة بعد أن شاهدت العمال وقد أخذوا يتوافدون يمينا و شمالا ، نزلت من سيارتي و أنهيت مهمتي و لما رجعت وجدته واقفا عند باب سيارتي و لكنه لم يعد يخيفني كما كان ، ركبت سيارتي و أدرت محركها ، كان لا يزال موجودا ، التفت إليه ، فإذا هو ينظر إلي بوجه بائس ، تملؤه الشفقة ، ثم قال بصوت خافت : سلم لي على الأمير .
منقووووووول
--------------------------------------------------------------------------------
عشر دقائق من الرعب
( قصة واقعية )
ذات خميس ، كنت ذاهبا إلى حي السلي شرق الرياض ، حيث مستودعات مكتبة جرير ، فقد نفذ كتابي ( قصص و طرائف مدرسية ) من فروعها في مدينة الرياض ، و طلبوا مني تزويدهم بنسخ جديدة .
وصلت إلى مستودع جرير و كان المكان موحشا لا حياة فيه ولا مباني ، سوى بعض المستودعات المتناثرة هنا و هناك ، أوقفت سيارتي أمام بوابة تسليم الكتب ، كانت الساعة تشير إلى الواحدة و خمسين دقيقة ظهرا و بقي عشر دقائق على موعد فترة العمل الثانية للمستودع .
كنت قد أحضرت صحيفة تقتل ملل الانتظار تحسبا لهذه المواقف ، و جلست في سيارتي أتصفحها، أخبار دموية في العراق ، و مثلها في فلسطين ، و جرائم قتل و سطو في كل مكان بقصص تقشعر منها الأبدان ، و كأن الناس قد تحولت إلى وحوش كاسرة تنهش بعضها .
فجأة وفي غمرة الاستغراق ، ظهر أمامي رجل ضخم الجثة ، لا أدري من أين ظهر ، كان متسخ الثياب ، مفتول الشاربين ، شعر وجهه غير مرتب ، رأسه كبيرة ، و قد اعتمر غترة وضع أطرافها على رأسه ، و شمّر أكمامه عن ساعدين غليظين ، و شعر كثيف يغطيهما ، كان منظره مخيفا لدرجة أن من يشاهده يصنفه من المجرمين العتاة و قد هرب لتوه من سجنه العتيد .
مشى يريد بوابة المستودع ، ثم انحنى على الأرض يلتقط أداة حديدية ، ثم اتجه نحو الة للمشروبات الغازية و وقف أمامها ، نظر إليها لثواني ثم رفسها برجله رفسة قوية ، و كأنه يريد مشروبا بالمجان ، اهتزت الالة و لكن لم تستجيب له ، ألقى عليها نظرة غضب ، ثم جال بنظره نحوي ، أخذ يحدق في و كأنه أسد ينظر إلى فريسته ، ثم تقدم نحوي بقدميه الثقيلتين ، خطوة خطوة ، و كأن الأرض تهتز تحته ، وبنظرات كلها شر .
كانت المسافة بيني و بينه خمسة أمتار تقريبا ، فكرت في الهرب ، تراجعت قائلا : الهرب رسوب في الرجولة ، لكني تراجعت مؤكدا أنه قد يكون هنا شجاعة متناهية ، فعزمت على ذلك ، لكن يداي و قدماي تسمرتا تماما و لم أعد أحس بهما ، نظرت يمينا و شمالا لعلي أجد أحدا لأصرخ و استنجد به و لكن لا أثر لأحد .
استسلمت للأمر الواقع ، ولا أدري كيف جاء الجاحظ في مخيلتي في هذه اللحظة لعل السبب في تشابه طريقة الموت ، هو مات عندما سقطت عليه مكتبته ، و هاأنذا أموت بسبب كتبي .
اقترب مني أكثر ، و بدأ يتفقد وجهي ، ودار أمام عيني شريط سريع لأعمالي في هذه الحياة .. ثم تذكرت قصص الحوادث التي كنت أقرؤها و أسمعها لأناس سقطوا نتيجة سرقة أو سطو ، و قلت في نفسي سيقرأ الناس قصة جديدة ، وقد تكون مختلفة ، قصة رجل ذهب إلى مستودعات جرير ليودع كتبه و تعرض للقتل و السطو من قبل رجل ضخم الجثة ، قصة تصلح لفيلم جذاب يحقق أعلى الإيرادات ، قصة أنا بطلها رغما عني ولن أشاهدها رغما عني أيضا .
اقترب مني أكثر بل وصل إلي ، ولا مفر من الهرب إذن ، بدأ قلبي يخفق بشدة ، و صارت دقاته متسارعة ، و كأنها تحصي الثواني المتبقية لي في هذه الحياة .
أطل علي بوجهه الكبير من النافذة ، وجه قبيح ، و شفتان غليظتان ، وعينان واسعتان ، فيهما نقطتان سوداوتان تسبحان في بركتي من الدم ، فلا أثر للبياض في عينيه !
سألني بصوت أجش كأنه رعد مزلزل : ( وش عندك هنا ) ؟
رديت عليه بتمتمات ولا أدري ماذا قلت ! عاد يسألني بصوته المجلجل : ( ليش واقف هنا )؟ فأدركت أنه لم يفهم تلك التمتمات ، فقلت بصوت كسابقه : أريد مستودع مكتبة جرير .
زادت نظراته حدة ثم صرخ : أنت .. من أنت ؟ أجبت بصوت مبحوح : أنا .. أنا مندوب الأمير فلان بن فلان ( و اخترت اسما رنانا ) و جئت هنا كي أوصل كتب الأمير للمستودع .
لا أدري كيف خرجت مني هذه الكلمات ، لم أخطط لها ، بل خرجت عفوية ، حتى الأمير لم أعد أتذكر لحظتها أحي يرزق أم هو من المقبورين ، خفت أن يكون الأمير ميتا فيفضح الرجل أمري ، لكنه نظر إلي نظرة فاحصة ، ثم تساءل : أنت تشتغل عند أمير ؟! فقلت وقد اكتسبت ثقة بسيطة : نعم .
عاد يسأل : و السيارة اللي معك سيارة الأمير ؟
قلت بثقة أكبر : كل ما تشاهده هو ملك له ، أطال الله في عمره .
سكت قليلا ثم سألني : ( وش يشتغل الأمير) ؟ قلت له : الأمير شاعر و مؤلف كبير ، و أنا المسؤول عن توصيل كتبه للمكتبات .
أطرق مفكرا لبرهة ثم قال : ( وش معنى مؤلف ) ؟ فأخذت أشرح له بطريقته معنى هذه الكلمة .
كان الرجل جاهلا مطبق الجهل و غبي لدرجة البلاهة ، ولولا جسمه الضخم و الحديدة التي بيده لما تعادلت الكفتان ، فلو كان يملك عقلا لعرف أن المكتبة و مخازنها تأتي للأمير سعيا ، ولا يذهب إليها ، كما أن سؤاله الأخير أكبر شاهد على ذلك ..
تراجع إلى الخلف يسحب قدميه ، و عاد لالة المشروبات الغازية ، و وقف عندها ، و طلب أن يضيفني ، فشكرته ، أخرج محفظته و التقط منها ريالا دسه في فم تلك الالة بعد أن كان يرفسها ، و كأنه أدرك أن الحياة ليست بالقوة ، تجاوبت معه الالة و أخرجت له علبة جلس يحتسيها تحت ظل تكون من جدار قصير بالقرب منها.
تنفست الصعداء و خاصة بعد أن شاهدت العمال وقد أخذوا يتوافدون يمينا و شمالا ، نزلت من سيارتي و أنهيت مهمتي و لما رجعت وجدته واقفا عند باب سيارتي و لكنه لم يعد يخيفني كما كان ، ركبت سيارتي و أدرت محركها ، كان لا يزال موجودا ، التفت إليه ، فإذا هو ينظر إلي بوجه بائس ، تملؤه الشفقة ، ثم قال بصوت خافت : سلم لي على الأمير .
منقووووووول
تعليق